لماذا الوصية التي كانت سببًا للسقوط؟ ولِمَ خلق الله هذه الشجرة ومنع آدم من الأكل منها؟ ولماذا هذا الامتحان الصعب؟
ج : الحقيقة أن الوصية الإلهية لآدم لم تكن سببًا لسقوطه إنما جاء السقوط بسبب غواية الحية وحسد إبليس "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس.." (من القداس الباسيلي) وأيضًا من شك الإنسان في كلام الله، وتصديقه لكلام إبليس، وكان عمل إبليس هذا موجهًا بالدرجة الأولى ضد الله، فهو يعلم أنه لو نجح في إسقاط الإنسان في المخالفة فلابد أن الإنسان سيسقط تحت حكم العدل الإلهي وينال عقوبة الموت، كما أخطأ هو وطُرد من السماء، وبذلك يفشل هدف الله من خلقة الإنسان.
وكانت الوصية بسيطة وسهلة "من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. أما شَجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 16، 17).. "غرس واحد نهيتني أن آكل منه" (من القداس الغريغوري) وقال القرآن "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة 35، الأعراف 19) وعقب السقوط "ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة" (الأعراف 12) فجميع شجر الجنة كان تحت تصرف آدم يأكل كما شاء ووقتما شاء، وهذه شجرة وحيدة وُضِعت بحكمة إلهية وكان من السهل على الإنسان أن يصرف النظر عنها ولو لم تعطي حواء إذنها للحية الماكرة ما كان السقوط.
والحكمة من الوصية هي منح الإنسان الفرصة للتعبير عن حبه لله وطاعته له، ليس عن قهر واضطرار بل بروح الحرية والحب.. إنها احترام لإرادة الإنسان الحرة، بواسطتها يُعبّر الإنسان عن إرادته في الالتصاق بالله.. لقد قدم الله للإنسان الكثير والكثير، فعندما يقدم آدم الطاعة البسيطة لله فهي بمثابة ذبيحة لذيذة يقدمها المخلوق للخالق فيشتم الله الخالق هذه الذبيحة ويستثمنها، مثل أب يُحضر لابنه شجرة ورد نادرة الوجود ويغرسها في حديقة المنزل، ويحضر لها السماد، ويوفر لها الماء، ويوصي ابنه أن يرويها ويرعاها، فتنمو الشجرة وتترعرع، فعندما يقدم الابن الوردة الأولى للأب.. كم تكون سعادة الأب بابنه الذي نفذ وصيته وروى الشجرة وتعهدها بالرعاية؟!
وكانت الوصية سندًا ودعمًا للإنسان، فيقول القديس أثناسيوس "ولكن لعلمه (لعلم الله) أيضًا إن إرادة الإنسان يمكن أن تميل إلى إحدى الجهتين (أي الخير أو الشر) سبق فدعَّم النعمة المعطاة له بالوصية التي قدمها إليه، والمكان الذي أقامه فيه، لأنه أتى به إلى جنته وأعطاه الوصية، حتى إذا حفظ، واستمر صالحًا، استطاع الاحتفاظ بحياته في الفردوس بلا حزن ولا ألم ولا هَمْ.. ( أما إذا تعدى الوصية وارتد وأصبح شريرًا فيعلم أنه يجلب على نفسه الفساد بالموت الذي كان يستحقه بالطبيعة، وإنه لا يستحق الحياة في الفردوس بعد" (تجسد الكلمة 3: 4) .
ويجب أن نلاحظ أن الله لم يقل لآدم "يوم تأكل من الشجرة سأُميتك" إنما قال له "يوم تأكل من الشجرة موتًا تموت" أي أنك تسلم نفسك بإرادتك للموت، لأن المعصية تحمل بذار الموت في طياتها، ولذلك قال الله على لسان الحكيم "من يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضيَّ يحبون الموت" (أم 8: 36) وأخيرًا نقول إنه كان من العدل أن يمتحن الله الإنسان، فإذا نجح يكافئه، وإذا فشل يعاقبه لكيما يتعلم الصح من الخطأ. ثم لماذا كل هذا الاحتجاج على الوصية وكأنهم يريدون اتهام الله بالظلم، وهو الذي حول لنا العقوبة خلاصًا.