رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس الواعظ الناجح كان القديس أوغسطينوس يتمنى ثلاث أمنيات فى حياته : أن يرى روما فى مجدها ، والمسيح فى الجسد ، وبولس وهو يعظ ، وإذا كنا قد درسنا بولس كراع مثالى فى علاقته بالأفسسيين ، فإنه يمكن أن نراه واعظاً من أبرز الوعاظ وأنجحهم ، إذا وقفنا منه سنة وستأ أشهر فى مدينة كورنثوس لنرى : (1) الواعظ والتحدى العظيم ، وربما لم يجد بولس تحدياً لخدمته كالتحدى الذى لاقاه فى مدينة كورنثوس التى كان عاصمة ولاية أخائية ، ومن أشهر مدن اليونان والعالم ، وكانت تعدادها فى أيام بولس يزيد على أربعمائة ألف نسمة ، ومع أنها لم ترتق يوماً ما إلى مقام أثينا فى المعرفة والعلم ، لكنها تفوقت على عاصمة اليونان ، فى ميدان التجارة ، واللهو ، والفجور ، إذ كانت ممراً عالمياً للتجارة بين الشرق والغرب ، كما كانت المدينة التى تقام فيها الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات ، والتى تنظم أكاليل الغار للفائزين ، كما كانت مدينة الفجور والفساد والأوحال ، المدينة التى دعاها يوحنا فم الذهب أشر مدينة عرفها التاريخ ، ودعاها آخر سدوم القرن الأول ، إذ كان هناك هيكل فينوس أو أفروديت آلهة الجمال والحب ، وكان بالهيكل ألف امرأة خصصن أنفسهن لأشر ألوان الدعارة والفجور كجزء لازم من أجزاء العبادة ، وقد قيل إن بولس كتب الأصحاح الأول من رسالته إلى أهل رومية وهو ينظر محزوناً إلى ما فى كورنثوس من أثام ومفاسد ، وقد وصفها أحدهم بالقول : إنها تشبه فى الوقت الحالى نيويورك فى كونها تجمع خليطاً من الشعوب ، وتشبه لندن فى جمعها للمال وحبه ، وتشبه باريس فى الخلاعة والدعارة ، .. اخلط هذه كلها وخذ شر ما فيها وأفظعه ، ترى صورة مدينة كورنثوس القديمة . وقد هدمها الرومان عام 146 ق . م وأعاد بناءها يوليوس قيصر بعد قرن من ذلك التاريخ وزارها بولس على الأغلب عام 51 فى ختام رحلته الثانية ، ولم يتركها قبل أن ينشئ فيها كنيسة كبيرة !! .. (2) الواعظ الذى وعظ بحياته أولا : دخل بولس المدينة ، ودخلها وحيداً وقد ملأه الخوف والرعب والرعدة لبشاعة الإثم فيها ، وكان عليه أن يجد أولا مسكناً ، ويعمل ليعيش ويأكل ، وقد وجد سكنه عند زوجين جاءا حديثاً من رومية ، هما أكيلا وبريسكلا وكانا من ذات صناعة بولس، وقد كان اكيلا يهودى الجنس وقد طرد مع غيره من اليهود من رومية لأن رجلاً يهودياً اسمه كريستس أحدث شغباً فى المدينة ، أصدر على أثره كلوديوس قيصر أمراً بطرد اليهود جميعاً ، ومن ثم سار زكيلا وزوجته إلى كورنثوس فى طريقهما على الأغلب إلى بلدهما ، ويظن البعض أنهما عرفا المسيح فى رومية ، بينما يرجح آخرون أنهما عرفا المسيح على يد بولس فى كورنثوس وهنا يقول تشارلس براون : « إن أكيلا وبريسكلا لم يعرفا أولا بولس الواعظ ، بل عرفا بولس الصانع رجل الأعمال ، لقد أبصراه فى صناعته وعمله وحياته الداخلية الخاصة، ومن المؤكد أنه من أعظم دلائل الحياة والخلق المسيحى المجيد أن تستطيع ربح الشخص الذى يسكن معك تحت سقف واحد ، ويراك فى أغلب الأوقات وفى الحياة البيتية الخاصة » ... ويقول يوجين فوستر أيضاً : « أى نوع من الناس كان بولس هذا صانع الخيام .. مرات أشعر بأنى لو كنت معاصراً له ، وفى حاجة إلى خيمة متينة ، ومصنوعة على أجمل ما تكون عليه الصناعة ، لحاولت أن أجد واحدة صنعها هذا الرجل بولس ، ولكن لماذا أقول هذا ، إنى أقوله متأثراً بعبارة قالها : «فـإن كنتم تأكلون أو تشربــون أو تفعلون شيئاً فافعـلوا كل شئ لمجد اللّه» ( كو 10 : 31).. وإذا كان هذا هو شعار الرجل ، فلابد أن يكون ما يصنعه مجيداً ، وهو ما أرغب فى شرائه » ... لقد كانت أكبر عظة لبولس هى بولس نفسه . (3) الواعظ الملتهب وقد كان بولس فى كورنثوس يعط بقوة روح اللّه الذى حاصره بالتمام : « كان بولس منحصراً بالروح » ( أع 18 : 5 ) لم تكن عظة بولس واجباً يؤديه ، لأنه لابد أن يفعل ذلك ، أو مهنة يتكسب منها عيشه ، أو رسالة تلقى بلا مبالاة أو اهتمام ، ... لقد سيطر روح اللّه عليه فكراً وقلباً وإرادة ، وهو ينادى بيسوع المسيح ، ويشهد عنه ، ... رسم يوحنا فم الذهب أسقفاً على القسطنطينية عام 398 ، وقد كانت المدينة فى أعظم عصور مجدها ، وزهوها ، ... وكانت كنيسة أجا صوفيا فخر كنائس العالم كله ، ... إلا أن الأسقف العظيم استولى على قلوب الناس ومشاعرهم ، وأطلق عليه « فم الذهب » لشهرته كواعظ نقى مقتدر ، وإذ كان رجلا وديعاً ، دخل الكنيسة ولم تعجبه الأبهة والفخفخة التى تملؤها فهى فى تصوره غير لائقة بالناصرى الوديع المتواضع ، ... فما كان منه إلا أن دخل دار الأسقفية ، وأمر بنزع الأثاث الثمين ، وبيعه فى السوق العام ، ووزع ثمنه على فقراء المدينة الذين أحبوه حباً جماً ، لكن الأغنياء والمتقدمين فى الشعب أبغضوه ، لأنهم لم يحبوا أن ينتبه أحد إلى قصورهم، كما كانت وصايا السيد وطريقه صعبة عليهم ، وقد ندد بتجارة العبيد التى كانت شائعة فى ذلك العهد واغتاظ أعداؤه وعلى رأسهم الامبراطورة التى ساءها أن ينتقد الأسقف تصرفها وخلاعتها ، فسعوا إلى نفيه ، فلم يبال ، كان يمكنه أن يعود مكرماً إلى القسطنطنية لو أنه تغاضى عن الحق، واغمض عينيه عما يراه من أثام ، ولكنه فضل أن يسير ليلاقى الموت ، على أن يعيش غير أمين لسيده ، ولم يقو جسده النحيل الذى أضنته الآلام على السير إلى النهاية حتى المنفى ، فسقط فى الطريق ، ووحملوه إلى أقرب كنيسة حيث أسلم الروح ، وهو يقول العبارة التى كانت تجرى دائماً على لســــــانه ، وودع بها الأرض ، « المجد للّه والشكر له لأجل كل شئ» .. (4) الواعظ بالصليب ، وهنا فخر الرجل ومجده ، بل هنا سر قوته العظيمة ، .. لقد كان بولس الرائد العظيم الذى وضع على جانبى الطريق الطويل للوعاظ المسيحيين اللافتة المشهورة: « لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً » ( 1 كو 2 : 2 ) .. إن القوة الجبارة فى الكرازة المسيحية لا تنبع إطلاقاً من بلاغة الواعظ أو قدرته على الاقناع والابداع،... بل القوة الحقيقية تكمن فى مادة العظة وموضوعها الذي يجب أن يتركز على الدوام فى الصليب،... وقد غلب الصليب ، وسيغلب ، مهما بدت الخطية فى الأرض .. ذهب أمريكى اسمه دكتور جستن ورى نكسون إلى روسيا عام 1935 وكان يركب القطار من هلسنكى فى فنلندا ، وكان القطار ممتلئاً بالشيوعين الذى كانوا ينشدون الأناشيد ، وكانت أنشودتهم : إذا ذهبت إلى موسكو ، قبل أن أذهب أخـــبر ســـتالين أنى حـــالا ســـــأجى ســــــتالين قائدنا ولذا لا نهـــــــــــــتز كان ستالين كل شئ لهم ، وبدا كما لو أن الإيمان المسيحى يترنح ، ولكن الرجل بعد عشرين عاماً ، ذهب مرة أخرى إلى روسيا ، وكان تأثير ستالين ما يزال باقياً ، ولكنه أخذ يهتز ويترنح،.. وبينما هو يسير وقت الغروب لاح له شئ فى الجو ، كان أعلى كنيسة القياصرة الصليب ، وقد أضاء بشعاعات الشمس ، ... آمن الرجل إن ستالين سيذهب والشيوعية ستذهب ، وسيبقى الصليب وحده يملأ الجو ويسود عند ما تسقط الخطية ومملكة الشيطان فى الأرض !! .. فى ضجعة الموت سمع هنرى دراموند الواعظ العظيم مرنماً يرنم أغنية الصليب ، فطلب منه أن يرنمها مرة أخرى وأنصت إليه ، وعاد بذاكرته إلى الأيام والسنين الكثيرة التى خدم فيها الرب، وأحس بألم عميق ، لقد وعظ عن الصليب ، ولكنه أدرك أنه لم يعظ عنه كما يجب ، كان هذا الواعظ ذهبى الفم ، إذ كان فيلسوفاً بطبيعته ، كما كان عميق التفكير ، ورائع البيان ، وكان الشباب حين يسمع أنه سيعظ يهرع إليه بالألوف وعشرات الألوف ليستمع إلى عظاته الساحرة ، لكن هذا الواعظ عد نفسه مقصراً لأنه تكلم بالفلسفة أكثر مما تكلم بالصليب ، تكلم كما تكلم بولس فى أثينا ، وكان خطابه من أعظم الخطابات التى سجلها التاريخ ، ولكن محصولها كان محدوداً وضعيفاً ، إذا قورن بمحصوله فى كورنثوس حيث ركز عظاته على الصليب ، وترك للصليب أن يفعل فعله المجيد العجيب فى نفس الإنسان الخاطئة الضائعة المريضة !! كان كامبل مورجان من أعظم الوعاظ ودارسى الكتاب فى القرن العشرين ، وكان من الذين يؤمنون بعمق بقوة الصليب ورسالته ، وكان يقوم بسلسلة من الخدمات فى يوركشير،وذكر أن أحد عمال المناجم قال له ذات يوم إنه لا يستطيع أن يقبل فكرة الخلاص بالإيمان ، إذ كيف يغفر اللّه كل خطايا الإنسان لمجرد إيمانه بالمسيح ، ألا يكون الخلاص فى هذه الحالة رخيصاً جداً،... فقال له مورجان : ترى هل اشتغلت اليوم فى المنجم ، فأجابه : أجل !! . وقد دخلت اليوم إلى جوفه وأعماقه فقال له مورجان : وكيف أمكنك الصعود عندما انتهى عملك ؟ فأجاب الرجل : لقد دخلت المصعد وإن هى إلا لحظة حتى وجدتنى على السطح !! .. فسأله مورجان : وكم دفعت نظير صعودك !! ؟ فقال له : لم أدفع شيئاً . فقال له الواعظ الكبير : ولكن كيف تصعد بمثل هذه الراحة والسهولة مجاناً !! .. أليس هذا رخيصاً !! ؟ فأجابه : أجل ! إنه رخيص بالنسبة لى ، ولكنه غال بالنسبة للشركة ، فإنها قد دفعت مبالغ باهظة لاعداده !! وقبل أن يختم قوله ، أدرك مرمى سؤال مرجان على الفور وقال : لقد فهمت الآن ما ترى إليه !! .. لئن كان الخلاص رخيصاً وسهلا بالنسبة لى . فقد كلف اللّه ثمناً غالياً على الصليب !! .. لقد خرج بولس يقول هذه الحقيقة للعالم ، وهو يصيح : « الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى » ( غل 2 : 20 ) . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بولس يتحدث عن بطلان الأوثان وعن الله الواحد |
الرسول بولس والشيء الواحد |
ترانيم أبونا أرميا بولس الواعظ النارى |
اللص الواعظ |
الواعظ والشمعة |