رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بلعام وطريقه لم يتبع بلعام نهجاً وسلوكاً خاصاً به، بل أصبح أكثر من ذلك مدرسة مشهورة من مدارس الضلال والكذب، ويكفي أن يصف الرسول بطرس أتباعه: "لهم عيون مملوءة فسقاً لا تكف عن الخطية خادعون النفوس غير الثابتة لهم قلب متدرب في الطمع أولاد اللعنة. قد تركوا الطريق المستقيم فضلوا تابعين طريق بلعام بن بعور الذي أحب أجرة الإثم"، أو ما قاله السيد لملاك كنيسة برغامس: "إن عندك هناك قوماً متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلم بالاق أن يلقي معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا".. ولعل المشاهد لطريق بلعام يلاحظ أنها: طريق الخداع النفسي وهذه هي الحقيقة الأولى، إن المخادع قبل أن يخدع الآخرين لابد أن يخدعه نفسه أولاً، وهذا ميسور ويستوي فيه الجميع لأن "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه".. وقد منع الله بلعام من الليلة التي ذهب فيها رؤساء موآب إليه، وكان المنع واضحاً وصريحاً، وعندما عاد بالاق وأرسل له رؤساء أعظم وأكثر، كان من واجبه ألا يكون عنده جواب إلا الجواب الأول، لأنه هو يعلم جيداً أن مشيئة الرب لا تتقلقل أو تتذبذب، وهو ليس في حاجة إلى أن يعود مرة أخرى إلى سؤال الله،.. وعاد بلعام يسأل الله مرة أخرى، وأدرك الله أن الرجل يريد أن يخادع نفسه، وهو يطلب أذناً من الله، ليفعل ما لا يريده الله أن يفعل، ولم يكن هنا يخدع الله، بل كان يخدع نفسه، لعل الله -قد مثل أمامه إكرام البشر وذهبهم وفضتهم- يعطيه رخصة للذهاب، وأسلم الله إلى ذهنه المرفوض وهكذا يفعل الله على الدوام لمن يريد أن يحجز الحق بالإثم، ويغطي المشورة الإلهية بالرغبة البشرية،.. مرات كثيرة ما يطلب الناس الله بذات الصورة التي طلبها بلعام بن بعور، لعل ضميرهم الثائر يستريح، أو يعطي تبريراً لما ينتوون من رغبات شريرة أو آثمة،.. ويجيبهم الله بذات الإجابة القديمة، وعندما تتنكب بهم الطريق يصرخون ويجأرون!! ألم نطلب الله.. ألم ننتظره فلماذا أصابنا هذا كله؟، وهم يعلمون أن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً..” ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً”.. طريق الورطة إن طريق الخداع النفسي على الدوام طريق موروط، وكان لابد لبلعام أن يفهم موقف الرب بكل وضوح، فالله لم يتغير أبداً في موقفه، إنما الذي تغير هو بلعام، ويبدو أنه كان في صراع مع نفسه، وفي تساؤل هل يتبع الطريق الصحيح أم لا، وهو يركب الأتان التي تميل به في الطريق يميناً ويساراً مع الذبذبة النفسية، التي كانت تموج بها نفسه،.. وجاء إلى خندق، وكان هو قد وصل إلى خندق نفسي عظيم، حيث لا مجال للنكوب هنا أو هناك، وربضت الأتان تحته، ولم تفعل ما فعلته قبل ذلك مرة ومرتين، إذ كانت تغير طريقها من موقف الملاك الواقف قبالتها!!.. وضربها بلعام، ونطقت الأتان، وتكلمت بلغة البشر،.. لقد وقف بلعام في الطريق بين الملاك والأتان، لأن حياته كانت بين الوثنيين، ومن المؤسف أن النفس البشرية تبدأ في الطريق بالملاك لتنتهي إلى الحمار، أو في الواقع لتصل إلى حماقة لا يصل إليها الحمار نفسه!!.. وأي ورطة أعظم من هذه الورطة؟ وأي قسوة أشنع منها وأبلغ؟.. أهكذا تقع النفس البشرية بين الملاك والحمار؟ بين أعلى حكمة وأدنى غباوة؟.. ولكنها حقيقة الإنسان في طريق الورطة بعيداً عن الله!!.. لأن "الثور يعرف قانيه والحمار يعرف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف وشعبي لا يفهم"!!.. على أن السؤال الأعمق والأبعد: لماذا يسمح الله بطريق الورطة التي لا يرغبها، والتي أعلن رفضها من الأول؟!!.. إن الله يسمح لا لأنه يريد ألا يقهر الحرية البشرية فحسب بل أكثر من ذلك لأنه يريد أن يخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة، ولأنه يريد أن ينتصر على القصد الشرير، ويصنع منه قصداً رائعاً جميلاً خيراً، وما كان من الممكن أن نسمع عن هذه النبوات الرائعة والعظيمة، أو نعرف إجادة الرب إلا كما يقول ميخا: "يا شعبي اذكر بماذا تآمر بالاق ملك موآب وبماذا أجابه بلعام بن بعور من شكيم إلى الجلجال"(مي 6 : 5) .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|