رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بارتيماوس والحياة على قارعة الطريق ولعله من اللازم أولا وقبل كل شيء أن نتعرض لرواية الإنجيل عن بارتيماوس فإذا كان متى قد قال : «وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير، وإذ أعميان جالسان على الطريق» (مت 20 : 29) وإذا كان مرقس قد قال : «وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تماوس جالسًا على الطريق» (مر 10 : 46)... وفي لوقا «ولما اقترب من أريحا كان أعمى جالسًا على الطريق يستعطي» (لو 18 : 35).. ومن الواضح أن متى يذكر أعميين، ولوقا يذكر أن المعجزة حدثت على مقربة من أريحا، ومتى ومرقس يذكران أنها حدثت عند خروجه من أريحا، فما هو التصور الصحيح فيما يبدو أنه تعارض ظاهري؟ وفي الحقيقة لا يوجد تعارض على الإطلاق، بل أن هذا التعارض الظاهري دليل على صحة الرواية، وليس العكس،فلو أن أحد البشيرين كان يستمد الرواية مما يقرأه من الآخر، لما بدا هناك أدنى تعارض، ولكن كان كل واحد منهم مستقلاً في عرض الرواية، وأمينًا في سردها دون تردد، وهناك حلول كثيرة للمشكلة أو الصعوبة الظاهرة، ومنها أن ذكر بارتيماوس باسمه يعني أنه أضحى معروفًا فيالتاريخ المسيحي، وكان الأشهر من الأعمى الآخر الذي شفاه أيضًا المسيح، ومرات كثيرة ما يذكر شخص دون الآخر في رواية، فعندما زار لافييت الولايات المتحدة ورحبت به أمريكا، وكان قد صحب ابنه، ذكرت بعض الصحف الزيارة دون إشارة إلى ابنه، وبعضها الآخر أشار إليه وإلى ابنه معًا، وعندما دونت معركة ووترلو، قال ولنجتون إنها بدأت في الساعة العاشرة، وقال الجنرال ألفا إنها بدأت في الحادية عشر والنصف، وقال نابليون ودوريت إنها بدأت في الساعة الثانية عشرة، والقتال عندما يدور في أماكن مختلفة وقبل أن يأخذ قوته الكاملة من كل جهة يمكن أن يكون قد بدأ في هذه الأوقات جميعها إذا دون من نقط مراقبة مختلفة، ولا أحد ينكر أن معركة ووترلو قد حدثت فهي واقعة صحيحة، أو أن التواريخ المختلفة دقيقة! فإذا جاء ذكر بارتيماوس دون الآخر - وما أكثر ما شفى المسيح - فإن الصمت عن ذكر الآخر لا يعني التناقض كما يقول الأسقف ترنش، وبالإضافة إلي هذا لا يجوز أن ننسى أنه إذا كان لوقا يذكر أن المعجزة حدثت على مقربة من أريحا ومتى ومرقس يقولون إنها حدثت عند خروجه من أريحا، فإن ذلك لا يعني الاختلاف في تحديد المكان، إذا علمنا أنه كانت توجد أريحا القديمة، وعلى مشارفها توجد أريحا الجديدة التي بناها الهيرودسيون، ومن الجائز أن لوقا يصف الواقعة مرتبطة بأريحا الجديدة، والآخران يذكران أريحا القديمة!! ومثل هذه القراءات المدققة تؤكد سلامة الرواية الكتابية ودقة الذين كتوبها، وليس العكس، على الطريق وفي مشارف المدينة حيث يجلس الفقراء والمنكوبون ليتلقوا الإحسان من الغادي والرائح جلس بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس، ونحن لا نعلم كم عاش على هذا الأسلوب، لكنه يعطي صورة لكل إنسان يقف أو يجلس ليأخذ مكانه على قارعة الطريق الأبدي، ومهما يتسع به الحال أو يضيق، ومهما ترتبك ظروفه أو تعتدل، فهو أعمىيستعطي، كانت رسالة الله لبولس : لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور» (أع 26 : 18) وقد غنت شارلوت اليوت أعنيتها المعروفة : «كما أنا أعمى شقي وفقير» وكل إنسان بهذا المعنى أعمى يتخبط في الظلام، حتى ولو كان حاد البصر أريب الفكر في أمور الدنيا وأحوال العالم، وإلا فمن منا يعرف ما وراء النجوم أو بالأحرى من هو وراء النجوم، ألم ير عمر الخيام السماء كالطبق المقلوب دون أن يدرك الله الذي هو خلف كل الأشياء، وصانع الكل، بل من منا يستطيع أن يتحدث عن الغد. وما يأتي به، وما تلد الأيام والليالي من أحوال وأحداث، ... وكم من الناس يعرف طريق الخلاص من الخطية، وما تجلبه علينا من تعاسات ومن عار أبدي!! ألم يسر الناس في ضلال الخطية؟ بل ألم يحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة!! كلنا في الواقع – قبل أن يفتح المسيح عيوننا – ذلك الأعمى الجالس على مشارف الطريق في رحلته المتحركة إلى الأبدية!! وليت الأمر وقف عند هذا الحد، لقد كان الأعمى فقيرًا يستعطي، مربه آلاف الناس أعطاه بعضهم، وأكثرهم لم يعطه، ومع ذلك ظل الشحاذ يستعطي حتى مر المسيح به في الطريق، ونحن أشبه بالرجل، مما يقدم لنا كل يوم، فانه يتركنا آخر الأمر في حاجة قاسية، وفقر لا ينتهي، لأن الحاجة الحقيقية لا يمكن أن يملأها إلا يسوع المسيح!! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|