تلميذ خان وباع وقبض،
وآخر أنكر وآخر هرب،
واللص اعترف
عجيب هو الرب القدوس في محبته الفاقة التي هي معدن طبيعته، فقد أعلن لنا في شخصه أن المحبة تغلب البغضة بل وكل الخطايا لأنها أكثر عظمةً وسلطاناً، لذلك فإني لا أقدر أن اتكلم عن يهوذا بالسوء وانحصر في خيانته واصب عليه الويلات المخبئة في نفسي والتي تدل على عدم نقاوة قلبي، لأني أن فحصت نفسي لن أجدني بريء من الخيانة للمخلِّص، ولا حتى من الإنكار الذي استعجبت له في القديس بطرس الرسول، هذه الخطية التي استنكرها مع أنها ليست ببعيدة أو غريبة عني...
لص ويعترف وينادي بإيمان حي: [ اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك ]، وقد أصبح شهادة حية لفتح باب توبة المجرمين وكل عاصي وفاجر وأثيم، ولا أنسى موقف بالطبع الزناة والفجار أمام رب المجد يسوع، وتوبتهم العجيبة القوية بمحبة فائقة التي بدئت منذ ظهور المُخلِّص ليوم صليبه المُحيي وإلى هذا اليوم الذي نعيشه بل ليوم مجيئه وإعلان مجده النهائي...
كم يُبكتني اللص والخطاة والزواني وكل الفجار الذين اقتربوا من المُخلِّض، لأنهم فازوا برأفة الله وملء حبه العجيب ونوال سرّ الغفران وقوة النعمة وأحبوا يسوع حباً جماً وتبعوه حاملين عاره بوداعة وتواضع قلب مُذهل يفوق كل إمكانيات من لم يتورط في الخطية والشر مثلهم، ولم يعتدوا بشيء ولم يهتموا بأي شيء آخر في الدنيا كلها وعلى الأرض، سوى أنهم الخطاة الذي أحبهم يسوع ...
+++ آهٍ فآه... اين أنا منهم اليوم، فأنا محبتي لم ترتقي لمستواهم قط، ولم أُضيع نفسي من أجل من أحبني وأسلم نفسه للموت لأجلي، فلازلت أبحث عن راحتي وما يتوافق مع نفسي، ولم أحسب بعد كل الأشياء خسارة ونفاية لأجله هو من سفك دمه لأجلي، المكتوب عنه [ فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ] (عبرانيين 9: 14)، إذ أنه [ ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً ] (عبرانيين 9: 12)
آه يا من صنعت خلاصاً عظيماً هذا مقداره،
أود أن أخدمك بالمحبة وصراحة الإيمان الحي،
وأصير مثل هؤلاء التائبين،
فأنا لا أطمع أن أكون مثل الرسل الأطهار ولا أحد الأنبياء العظام،
ولا حتى أحد الخدام الصغار،
لأني لم أرتقي لمستواهم ولن أكون بين صفوفهم أبداً،
لأنهم لبوا نداءك بأمانة قلب ومحبة تفوق كل إمكانيات حدودي،
سهروا، قدموا تعباً، بذلوا لأجلك وأعطوك كل ما لهم،
بل وباعوا أنفسهم وفرطوا فيها ولم يبحثوا عن راحة هنا لأجل شخص جلالك،
فأنا لازلت أخطو كطفل مجهد ليس لي قوة أو سند،
وأُريد أن أكون مع هؤلاء الأثمة والفجار وهذا اللص السعيد والأمين،
أريد أن أكون في صفوف التائبين إلى يوم مجيئك،
فاحسبني معهم لأني في آخر صفوفهم، أتيك الآن:
فطهر ضميري من كل الأعمال الميتة وقدس قلبي النجيس المُخادع،
واشفني من كل ميل باطل واهدني طريقاً أبدياً،
لأنك أنت بذاتك وشخصك الطريق والحق والحياة،
فازرع الاستقامة في قلبي لأسلك أمامك يا قدوس الله
أحيا كاملاً امتد إلى الأمام بلا تردد أو نظرة للوراء،
فافتح عين قلبي على نور وجهك،
لكي أُثبت نظري فيك فاستمر من مجد إلى مجد كما من الرب الروح،
وتكون أنت فيَّ وأن فيك،
والوصية تخطها بروحك وتكتبها في قلبي،
وتجعلها في ذهني حاضرة في ذاكرتي كل حين،
لتكون لهجي وحياتي وغذائي،
فاشبع وأنمو وتتقوى نفسي لأواصل المسيرة،
منعزلاً عن شر أفعالي وكل ميل باطل فيَّ يا سيدي،
فأخلع بسهولة كل ما هو لإنسانيتي الضعيفة حسب الفساد الذي يعمل في ابناء المعصية،
فأكون رعية مع القديسين وأهل بيتك الخاص آمين