بالصورة جريدة الوطن | أمام شجرة العذراء هنا.. كان يرقد «المسيح»
حجر جيرى على هيئة مهد، يشع بالنور والروحانية، هو ما تبقى داخل ذلك المتحف الصغير الذى يروى تفاصيل الرحلة وعثراتها، بين ضفتى النيل عبرت العذراء حاملة وليدها الرضيع، هرباً من بطش الرومان، جاءت إلى مصر حيث توسمت فيها الطمأنينة، عبر صحراء سيناء القاحلة قطعت السيدة «مريم» مئات الكيلومترات لتصل إلى المستقر، لا يزال ذلك المكان الذى يشهد على سنوات تخطت الألفين، ينبئ عن محطات العائلة المباركة داخل ذلك الحى الشعبى «المطرية». مع حلول أسبوع الآلام الذى يختتم بعيد القيامة، يتوافد العديد من الأقباط صوب المكان الروحانى، فيما تأتى كل حين مجموعة من الأفارقة الذين يسكنون عين شمس بالقرب من المطرية، علاوة على ارتباط المسلمين بالشجرة، حافظين عن ظهر قلب كل شبر داخل المتحف المكون من بئر مقدسة وشجرة مباركة ومهد عيسى، يحيط المكان سور تعلوه آيات الذكر الحكيم «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ»، يقبع على شباك التذاكر امرأة ترتدى «النقاب» كعلامة على إسلامها، فى الوقت الذى يمر فيه على المتحف أسرة مكونة من أم محجبة و3 أطفال ساد الصمت بينهم احتراماً لقدسية المكان الذى ينتمى لـ«مصر» مهد كل الأديان. لم تلبث «مريم» فى المكان كثيراً بل توجهت إلى داخل أقدم الأزقة بحى المطرية، بدت قدما السيدة العذراء تتعثران من شدة التعب، تعانى من قرصة الجوع، فيما تشتم رائحة الخبز الشهية تتناثر فى الهواء، أسندت ولدها بحنو على ذراعها اليسرى فيما طرقت باليد الأخرى على باب الساكنة التى تنبعث من عندها الرائحة، لتسألها عن قطعة خبز تسند أودها، غير أن المرأة كذبت عليها مخبرة إياها بأن «العجين لم يختمر»، فتوجهت مريم بالدعاء على المكان بألا يكتمل لأهله خبز.. تتردد الرواية غير مرة داخل «حارة عيد»، يتداولها الصغار قبل الكبار عن يوم فى السنة تتحقق فيه نبوءة العذراء، فى الوقت الذى يدلل على صحتها «جمال» الابن الأكبر لصاحبة أقدم المنازل بالحى العتيق، الذى لم يعرف التطور طريقه إليه، وكأنه بيت ريفى ببابه الخشبى القديم وبنائه على الطريقة الفلاحى، يتذكر الرجل الثلاثينى ذلك اليوم الذى مر عليه ربع قرن كأنه الأمس «فى يوم جت جارتنا تقول لأمى إلحقى العجين سيباه م الصبح ومش راضى يخمر»، فكان رد والدة جمال أنه ربما كان اليوم الذى حدثت فيه الواقعة مع أم المسيح قبل أكثر من ألفى عام: «الغريب إنهم سجلوا تاريخ اليوم وفى السنة اللى وراها محصلش جديد»، يضيف الحاج سيد الذى يقطن بالمنزل المقابل لـ«جمال» قبل أن يستطرد: «اللى الناس بتقوله إن السنة بيحصل فيها تغيرات وفيه حسابات غير الحاجات التقليدية اللى احنا نعرفها.. بس اللى مقدرش أنساه إن دى حكاية مشهورة فى الحارة كلها». يحكى إسحاق جرجس، الأثرى العامل بالمكان، قصة الشجرة، ويؤكد أن السيدة العذراء حلت بالمكان واستراحت تحت الشجرة التى جفت منذ أكثر من أربعة قرون: «بس الرهبان استنبتوا شجرة منها، واللى موجودة دلوقتى الجيل الرابع منها، ولسه بتطرح جميز»، يؤكد إسحاق أن البئر الموجودة إلى جوار الشجرة «استحم بها المسيح وغسلت العذراء ملابسه فيها»، قطرات قليلة نزلت من الملابس المباركة فأنبتت نباتاً عطرياً يعرف حتى الآن بالبلسم: «المنطقة دى اتسمت على اسم النبات العطرى اللى ظهر فى الأرض بعد ما اتروت بمخلفات غسيل ملابس المسيح». «هنا كان يرقد عيسى عليه السلام»، فقد عثر الأثريون على «مزود» بجانب الشجرة العتيقة، ذهبت الافتراضات إلى أنه كان يستخدم كـ«مهد» لنبى الله عيسى، هنا كان يغفو الطفل النبى الذى لم يكن يتجاوز عمره وقتها سنتين و3 أشهر، «بعد انتهاء معركة عين شمس، وكانت بين القائد الفرنسى كليبر وبين الجيوش التركية، عرج الجنود المنتصرون على (شجرة أم النور) ودوّن بعضهم أسماء قتلاهم بأسنة الرماح والسيوف على الشجرة، واغتسلوا فى البئر التى اغتسل فيها المسيح ليشفوا ويتباركوا، مقدمين صلواتهم إلى يسوع ليشكروه على نعمة الانتصار»، يقول إسحاق مبررا مجموعة الخدوش المحيطة بالشجرة الأصلية، ويؤكد الأثرى أن المهد الحجرى الموجود بالمتحف عثر عليه أسفل الشجرة، «ومن الأرجح أن السيدة العذراء كانت تستخدمه لهدهدة المسيح».
المصدر : الوطن