وجه يسوع كما يظهره كل من الإنجيليين
مقدمة عامة :
الإنجيل كلمة يونانية تدلّ على خبر مفرح وهل من خبر مفرح لنا أكثر من الخلاص الذي أتانا من لدن الآب والذي تجلّى في شخص يسوع المسيح بعمل الروح القدس؟
وعليه لم يكن الإنجيل يوماً ولن يكون مجرد كتاب ينقل لنا مجموعة أحداث جرت وانتهى مفعولها. فهذا الكتاب أبعد ما يكون عن كتب التاريخ : إنه دعوة مستمرّة للاستفادة من خبرة كنيسة فتيّة صُلب مؤسسها ولكنه قام فقامت معه الدنيا كلها مبتهجة بالذي حرّرها من نير الخطيئة، مفتتحاً عصر النعمة والحرية الحقيقيتين النابعتين من تحوّل الإنسان، بواسطة التجسد، من مجرّد خليقة إلى "ابن لله" على صورة ابن الله المخلّص.
هذه الكنيسة نقلت الخبر المفرح أولاً "بالبشارة المحكيّة" (Latradition orale) المرتكزة على الكرازة (Kérygme) بالمسيح يسوع الذي "أقامه الله"(أع 32،2) وجعله "رباً ومسيحاً"(أع 36،2) . ولكن تزايد عدد المؤمنين وامتداد البشارة إلى بلاد ولغات جديدة فضلاً عن استشهاد العديد من رفاق المؤسّس حتّم على الكنيسة اللجوء إلى طرق جديدة كان أبرزها تثبيت التقليد الشفهي من خلال كتابة الأحداث والخطب التي جرت .
هكذا بدأ التقليد الكتابي (La traditionscripturaire) .
هذا التقليد تميز بالتنوّع الذي يظهر من خلال الاختلاف الظاهر بين الأناجيل الأربعة مثلاً سواء من خلال ذكر أحدها لأشياء لا ترد في الآخر أو من خلال اختلافها أحياناً في تفاصيل رواية واحدة.
هذا يدفعنا للتساؤل : هل يؤثر هذا الاختلاف على مصداقية هذه النصوص؟
أما الجواب فيرتكز على نوعية إيماننا : هل نحن من أهل الكتاب أو نحن مسيحيون؟
إن كنا من أهل الكتاب فهذا يشكل عثرة لإيماننا ولكن إن كنا مسيحيين فنحن نؤمن بيسوع المسيح الذي هو شخص حي وبالتالي إيماننا يتطور ويتبلور بعيداً عن الحرفيّة الكتابية.
إذاً نستطيع القول إن الأناجيل الأربعة تقدم لنا إمكانية التعرف على يسوع المسيح من خلال خبرات جماعات متعددة وهذا سيؤدي إلى تنوع في هذه المعرفة يبرز في الآخِر وجهاً موحداً وتكاملياً للمخلّص وهذا ما سنسعى إليه من خلال إظهار وجه يسوع في كل من الأناجيل على حدة ، وصولاً إلى توحيد الرؤية الذي يؤدي إلى دعوة للدخول في علاقة أعمق مع المخلص.