رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بولس و الرسالة الأولى إلى أهل قورنثوس
القدّيس بولس هو رسول الوثنيّين، ويُعدّ أيضاً أحد الشخصيّات الأكثرة أهميّة في العهد الجديد، فالعهد الجديد مؤلّف من 27 سفراً، والقدّيس بولس كتب 13 رسالة موجّهاً إيّاها إلى الكنائس الخاصّة، أيّ أنّ ثلث أسفار العهد الجديد يعود إليه الفضل في تدوينها. أُسرة شاول، مولده ونشأته: ليس ما يدلّ بدقّة على تاريخ مولد بولس، ولكن من المرجّح أنّه وُلد في نحو السنة السادسة بعد الميلاد، وكان يصغر يسوع بنحو سبع سنوات، أو أكثر قليلاً، ولكنّه، على نقيض يسوع، ولد في أحضان أُسرة ميسورة، وفي مدينة كبيرة، وتوفّرت له أسباب العيش الرغيد، والعلم، والثقافة. في سياق تعريفه بهويّته، يقول بولس إنّه عبرانيّ ابن عبرانيّ، من سبط بنيامين، وفرّيسي ابن فرّيسي، وأنّه خُتِن في اليوم الثامن وفقاً للشريعة. أُسرته من يهود الشتات، ويُعتقد أنّها فلسطينيّة الجذور، وقد هاجرت أو قسرت على الهجرة إلى كيليكية، واستقرّت في طرسوس حيث سرعان ما تكيّفت مع محيطها الجديد. كان والد شاول ينعم بالرخاء ويمتلك أجمل بيت في حارة اليهود، وكان يتبوّأ في أوساط الجالية اليهوديّة وفي المدينة مركزاً مرموقاً. كان يعمل في حياكة الأقمشة الخشنة من وبر الماعز التي اشتهرت بها كيليكية، وفي صناعة الخيام التي تستخدم تلك الأقمشة؛ والخيام هي رفيق المسافر برّاً، يتّخذ منها منزلاً عندما يحلّ الليل، والمسافر بحراً إذ كان أصحاب السفن لا يقدّمون لزبائنهم، سوى مكان تحت السماء على متن مراكبهم بحيث يتعيّن على المسافرين أن يتدبّروا أمر مأواهم وطعامهم. كان والدا شاول قد رُزقا ابنة، وطالما تلهّفا لإنجاب صبيّ، وقد رُزقا بعد طول انتظار ورجاء، ودُعاء وتوسّل حارّين، ولا عجب إن أطلقا عليه اسم "شاول" العبريّ، فهو يعني "منّة اللّه استجابة لتوسّل" وهو، أيضاً اسم الملك الأوّل من سبط بنيامين الذي كان والد شاول يعتزّ بالانتماء إليه. وأُعطي الصبيّ، أيضاً اسماً آخر، رومانيّاً يونانيّاً، ملائماً مع مقتضيات المحيط، وهو "بولس"، ويعني الصغير الضئيل الحجم، فكان يدعى "شاول" في البيت وفي حلقة المعارف، ويسميّه الغرباء "بولس". ويقال إنّ مولد ذلك الصبيّ الذي تمادى انتظاره قد كلّف أمّه حياتها، فلقيت حتفها وهي تضعه. فتناوب على تربيته مرضعة، وأخته الكبرى قبل اقترانها بيهوديّ من أورشليم؛ ثمّ تولّى والده تربيته بنفسه مستعيناً بالعطف، والحزم، والعصا كلّما دعت الحاجة. ولمّا بلغ شاول الخامسة، باتت تربية أبيه له أكثر جدّيّة، فالدروس أشدّ دقّة ووضوحاً، والعصا أثقل وطأة: فالتقاليد الفرّيسيّة كانت توصي بالشروع، منذ تلك السنّ المبكّرة، بتلقين الصبيّ التوراة، ومبادىء الشريعة، ومعاني الأعياد الكبرى، والمناسبات الدينيّة. وإلى جانب التعاليم الدينيّة، باللّغتين الآراميّة واليونانيّة، تعلّم الجغرافيا والحساب، وهما علمان ثمينان لأمثاله ممن تتبوأ التجارة أولويّة اهتمامهم. وتدرّب أيضاً، على مهنتيّ الحياكة وصنع الخيام. طرسوس: في سياق تعريفه بهويتّه، يقول بولس، أيضاً، باعتزاز: "أنا طرسوسيّ، من أهل مدينة بكيليكية، غير مجهولة". تقع مدينة طرسوس في تركيّة وكانت تقع على ملتقى تخوُم سوريّة الشماليّة البحريّة بآسية الصغرى، ولكأنها صورة مصغّرة للإسكندريّة. فسهولها الخصبة الموّارة بالخضرة، تضطجع عند أقدام جبال طوروس الشامخة المكللة بالثلوج، والتي تسمو بقمّتها حتّى ارتفاع 3585 متراً، وهي تضرّساتها الجسيمة، وسحرها وأسرارها تسهر على سهل فسيح، تغسل المياه حواشيه من كلّ جنب. في العام 64 قبل الميلاد، كانت طرسوس قد أصبحت عاصمة ولاية كيليكية التي ضُمّت، في عهد أوغُسطس، إلى إقليم سوريّة، وأطلق عليها القائد اليونانيّ كسينوفون اسم "المدينة الكبيرة السعيدة". وقد أسهم الطابع الهلّيني الذي أضفاه الإسكندر على تلك المنطقة، والسلام الرومانيّ الذي عمّها، في إطلاق نشاط اقتصاديّ عارم، دعمه في طرسوس موقع المدينة الجغرافيّ فهي حارسة الطريق المحفور في قلب صخور جبال طوروس، والمسمّى "أبواب كيليكية"، والذي كان يُفضي إلى هضاب بيزنطة والغرب، ومنها أيضاً كانت تشرع "أبواب سوريّة" التي تضعها على صلة بالشرق. لاهوت بولس "إنجيل" بولس هو فحوى تبشيره، المبثوثة في رسائله، ملخِّصة إيمَانه، والتعليم الذي اكتسبه من استقراء سيرة يسوع واستغراقه في استيعاب تعاليمه، وتدابير خلاصه. وما لاهوته سوى قصّة الحبّ المتبادل بين من أحبّه واختاره رغم اضطهاده له، فقابله هو بحبِّ مضطرم وفيّ، حرص على الغوص في فهمه والإلمام بأسراره الفائقة، قصّة حبّ مضطرم بين نفسٍ وآلهة، وإلهها المحبوب. لاهوت بولس، إذن لم ينهض على خبرِ سمَعِهِ، بل على يسوع الحيّ الذي كلّمه، ثمّ تكلّم وعمل فيه، لا على يسوع التاريخ، بل على يسوع الروح الحيّ أبداً، والفعّال في قلوب البشر ونفوسهم. إنّه خلاصة الحبّ الخصب الذي عاشه بولس مع يسوع. محور كلّ لاهوت بولس هو يسوع الربّ، بكلّ ألوهته، وبكلّ غنى مجده، بوجوده السابق لتجسّده، وبتجسّده وتعليمه، وآلامه، وصلبه، وموته، وقيامته، وصعوده، وبشفاعته الدائمة لدى الآب، وبنعمته التي يجود بها عبر روحه القدّوس. الرسالة الأولى إلى أهل قورنثوس الرسالة الأولى إلى قورنثوس هي أكثر رسائل بولس التي يقرأها المؤمنون وهي أكثر الرسائل التي عالجها دارسو وباحثو الكتاب المقدّس. فهي تعالج مسائل ملموسة في جماعة قورنثوس، نشعر وكأنّها مشاكلنا اليوم. يكفي أن نلقي نظرة إلى المواضيع لكي نقتنع من هذا الكلام: تنافس وانقسامات، أغنياء وفقراء، دور المسؤولين، الزواج والبتوليّة، الشكوك وكلّ ما يسبب عثرة للآخرين، دور المرأة، الايمان بقيامة المسيح وقيامتنا. لم يكن أهل قورنثوس مسيحيّين مثاليّين. ولكن بولس تعلّق بهم كما تعلّق حتّى الجنون بيسوع المصلوب الذي قام من الموت. وما كتبه بولس في الماضي، يتوجّه إلينا اليوم، وهو يعلّمنا كيف نتحمّل مسؤوليّاتنا في جماعاتنا، كيف ننمي إيماناً يخترع الحلول، إيماناً يدلّ على الأخوّة. ففي النهاية يبقى الايمان والرجاء والمحبّة. وقبل تقديم الشرح والتفسير، نتعرّف إلى جماعة قورنثوس، وإلى الرسالة التي بعث بها بولس فعبّر فيها عن مكنونات قلبه وعن عمق تعليمه المسيحيّ. مدينة قورنثوس مدينة قورنثوس (Κόρινθοs)مدينة قديمة في بلاد اليونان، مبنية على برزخ بين بحرين، يرجع إنشاؤها إلى القرن التاسع قبل الميلاد. اشتهرت بتجارتها الرائجة وألعابها الرياضيّة المتنوّعة وجمال أبنيتها ومعابدها وكثرة المدارس فيها، ولا سيّما مدارس الآداب والخطابة والفلسفة والفنون الجميلة. كانت قورنثوس عاصمة إقليم أخائية ومقرّ الحاكم الروماني. وكان سكّانها الّذين كان عددهم يربو على ستمائة ألف نسمة مع عبدة الأصنام، بينهم جالية يهوديّة غنيّة. واتّصفت قورنثوس بالإسراف والفجور وفساد الأخلاق حتّى ضُرب المثل بفجور سكّانها لكثرة فسقهم وترفهم حتّى أنّه قيل "هذه فتاة قورنثوسيّة" أي "فتاة عاهرة". كنيسة قورنثوس جاء بولس إلى قورنثوس في أثناء رحلته التبشيريّة الثانية (بين العامين 50 و 52) بعد أن غادر مدينة آثينة التي لم يلاقِ فيها نجاحاً يُذكر. فبشّر أولاً في مجمع اليهود؛ ولمّا اصطدم بمقاومتهم أعرض عن التبشير في المجمع وسكن في دار رجل تقيّ يُدعى يُستُس وتابع في داره نشاطه التبشيريّ. فآمن بعضُ اليهود وجمعٌ غفير من الوثنيين، بينهم عددٌ وافر من السيدات. وأقام بولس بهذه المدينة مدّة سنتين وثلاثة أشهر فأصبحت كنيسة قورنثوس أكبر كنيسة نشأت على يديه في أثناء رحلاته التبشيريّة. وكان معظم المسيحيّين في هذه المدينة من الطبقة العاملة، بينهم بعض المثقّفين، وكثيرون من طبقة العبيد. وكانو قد تخلّقوا كلّهم بأخلاق الوثنيّين، ولم يُقلعوا عنها بعد هدايتهم إلى الإيمان المسيحيّ إلاّ ببطء ومشقّة. وكانت كنيسة قورنثوس، مع كثرة عدد أبنائها، لا تعرف إلاّ تنظيماً كنسيّاً بدائيّاً. فكان الدور الأول فيها للأنبياء والمعلّمين. ولا نعثر في رسالتيّ بولس إليها على ذكر الأسقف والشمامسة. إلاّ أنّنا نستنتج وجودهم فيها من حديثه عن الاحتفال بسرّ عشاء الربّ الذي يقتضي وجود الأسقف والشمامسة في الكنيسة. مناسبة كتابة الرسالة وأهمّيتها بعد أن غادر بولس مدينة قورنثوس في نهاية رحلته الثانية في العام 52 وانطلق إلى سوريّة، قدِم إلى قورنثوس بعض المبشّرين وتابعوا عمل التبشير فيها. وكان من أشهرهم الخطيب الإسكندريّ أبُلّس (أع 18/24؛ 19/1). فالتفّ المسيحيّون حولهم بكلّ رضى. ثمّ ما لبثوا أن ألّفوا أحزاباً دينيّة طفقت تتناحر وتزرع الشقاق بين أبناء الكنيسة الواحدة. وأغتنم بعض المسيحيّين في قورنثوس غياب بولس فعادوا إلى سلوكهم القديم، فظهرت بينهم الغطرسة بسرّ عشاء الربّ والإرتياب في صحّة بعض العقائد المسيحيّة، ولا سيّما في صحّة عقيدة قيامة الأموات. ووصلت إلى مِسمعي بولس، وهو آنذاك في أفسس، أخبار التجاوزات اللاّأخلاقيّة التي انتشرت في أثناء غيابه بين مسيحيّ قورنثوس، فكتب إليهم رسالته الأولى هذه، في ربيع العام 57 شجب فيها بشدّة هذه التجاوزات، وأجاب بالتفصيل عن الأسئلة التي طرحها عليه وفد القورنثوسيّين. إنّ هذه الرسالة الأولى جزيلة الفائدة. فهي تطلعنا على حياة كنيسة قورنثوس في مطلع نشأتها وعلى رعاية بولس للمسيحيّين الأولين. وتطلعنا أيضاً على مواضيع عقائديّة في غاية الأهميّة، ومن أبرزها عشاء الربّ، وألوهيّة الروح القدس وسُكناه في نفوس الأبرار، وعدم انحلال الزواج المسيحيّ، وسموّ البتوليّة المكرّسة لله، وقيامة الأموات وتمجيد أجساد الصدّيقين، والفضائل الإلهيّة الثلاث (الإيمان والرجاء والمحبّة)، وتأثير الروح القدس في حياة المسيحيّين، وغير ذلك من التعاليم الدينيّة الهامّة. مراجع - أديب مصلح، بولس رسول يسوع وقلبه ولسانه، سلسلة النوابغ 6، منشورات المكتبة البولسيّة، بيروت 2003. - الخوري بولس الفغالي، بولس ورسائله، دراسات بيبليّة 23، منشورات المكتبة البولسيّة، بيروت 2001. - الخوري بولس الفغالي، رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل قورنثوس، سلسلة كلام الله 1، منشورات الرسل، بيروت 1993. -BARBAGLIO, G., La prima lettera ai Corinzi, SOC 16, Bologna 1996, 20052. -BRODEUR, S.N., il cuore di Paolo è il cuore di Cristo. Studio introduttivo esegetico-teologico delle lettere paoline, I, Theologia 2, Roma 2010. -CONZELMANN, H., 1 Corinthians, Philadelphia 1975; orig. tedesco, Der ereste Brief an die Korinther, Göttingen 1969. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تأملات في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس |
تأملات في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي |
تأملات في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس |
الرسالة الأولى ليوحنا |
الرسالة الأولى لتِيمُوثاوس |