آيات (1-5):-
لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك.
لا تدينوا = السيد المسيح لا يمنع الإدانة منعًا مطلقًا وإلاّ سقط العدل وامتنع الناس عن التعليم، ولا يوجد بهذا المفهوم سلطان للقضاة، ولا يصير هناك حق لأب يعلم ابنه ويوبخه حين يخطئ، ولا من مدرس يوبخ تلميذه ولانقضى سلطان الكنيسة في توبيخ الخطاة وإدانتهم (اكو 3:5+12). بل أن الرب أعطى للكنيسة هذا السلطان (مت 18:18). بل أن الله يقول ويلٌ للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا..(أش 20:5) فالمؤمن الحقيقي إذ هو مسكن للروح القدس يحمل روح التمييز، فيرى الأخطاء ولا يقدر أن ينكرها أو يتجاهلها. وبولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس "وبخ انتهر عظ...." (2تى2:4 +1تى 20:5) والمعمدان وَبَّخ الفريسيين (مت 7:3) ولكن المعنى المطلوب:-
1. أن نهتم بأن ندين أنفسنا أولًا وألا ندين كشهوة انتقام أو ندين ظلمًا.
2. عندما نهتم بإدانة الناس ننسى أن نهتم بأن نراقب أنفسنا وننسى أن نهتم بالسماء ونصيبنا المعد لنا.
3. نحن لن يمكننا معرفة قلوب الناس وحقيقتهم، فنحن إنما نحكم بالمظاهر التي نراها، لكن الله هو الديان العادل فهو فاحص القلوب والكلى
4. دينونة الناس تفقدنا طبيعة المحبة تجاههم، ومن المحبة الستر على الآخر.عمومًا من يلتمس العذر للآخرين ويرحمهم، يرحمه الله ويغفر خطاياه.
5. اعتاد الناس على أن يلجأوا لإدانة غيرهم وتبرير أنفسهم منذ القديم فآدم ألقى اللوم على حواء بل على الله.... المرأة التي خلقتها" فالخاطئ لا يريد أن يكون خاطئًا وحده، لذلك ينظر لمن حوله يبحث فيهم عن الخطأ ويدينهم متعللًا بأنه يريد إصلاح المجتمع. وكان الفريسيين يتدخلون في شئون الناس ويدينوا ويحكموا عليهم، وهذا عمل الله وحده.
6. عمل دينونة الناس هو محاولة منى أن أظهر كإنسان بار، أفضل من الجميع، وهذا عكس ما يريده الله، فالله يريد قلبًا مثل قلب داود القائل " خطيتي أمامي في كل حين " وقلب بولس القائل الخطاة الذين أولهم أنا (1تى 15:1). أما عكس هذا السلوك فيقود للكبرياء، ثم السقوط.
7. من يركز نظره على السماء وعلى المسيح مهتمًا بأبديته، يرى المسيح في نوره وبهائه ويقارن مع حاله فيكتشف بشاعة خطيته، أمّا من يركز على الناس فسيرى أخطاءهم وسيرى أنه أفضل منهم وهذا يقوده للكبرياء والضياع أماّ من يرى خطيته وبشاعتها فسيصرخ لله طالبًا الرحمة فيخلص. وهذا هو التفسير لأن بولس يقول "الخطاة الذين أولهم أنا" فهو عينه مفتوحة على السماء وعلى قلبه فيرى جمال ونقاء المسيح ويقارن مع خطيته ولكنه لا يرى خطايا أحد.
8. أن يقيم الإنسان من نفسه ديانًا للناس فهذا اغتصاب لحق الله الديان.
9. الإدانة هي وسيلة نفقد بها العين البسيطة (22:6) إذ حين ننشغل بخطايا الناس سيكون هناك شيء آخر تنشغل به العين غير مجد الله.
10. إذا أخطأ إلىَّ شخص، يقول السيد المسيح اذهب وعاتبه (مت 15:18-17). وفي هذا النص نفهم أنه يمكننا أن نحكم على المخطئ بأنه مخطئ، ولكن هناك موقفين 1) أن نشهر بالمخطئ ونفضحه وهذا لا يقبله المسيح 2) أن نذهب إليه سرًا (بينك وبينه) ونعاتبه وهذا ما يُعَلِّمْ به الرب.
11. نصيحة أخيرة أن لا نهتم بأن نحكم وأن ندين الآخرين، لكن إذا سألنا أحد عن موقف معين لشخص مخطئ، فعلينا أن نحكم بالحق، بأن هذا التصرف كان خطأ.... لكن لا ندين الشخص ونحاول أن نستر عليه أو نجد عذرًا له.. نتصرف كمن يرحم الطبيعة البشرية لا كمن يدينها. بصيغة أخرى فلندن الخطية ولا ندين الخاطئ ونشوه سمعته ومن يتشبه بالله في مراحمه يرحمه الله= لكى لا تدانوا. ولاحظ أنالناظر إلى السماء وعقله وقلبه مشغولين بفرح بالمسيح لن يرى أصلًا ما يعمله الناس. هذا يكون كمنيقود سيارة فلو انشغل في الطريق أمامه كما يجب لن يلحظ حال الراكبين معه، أمّا مَنْ ينشغل بما يلبسه الراكبون معه فستكون النتيجة حادثة صعبة.
12. من يركز على خطاياه سيراها كبيرة = الخشبة التي في عينك فيهتم أن يخرجها. ولكن من ينسى نفسه ويركز على خطايا الآخرين، لن يرى سوى القذى الذي في عيونهم فيدينهم وينسى أن يخرج الخشبة من عينه والقذى هو الذرات المتطايرة من الخشب عند نشره بالمنشار، وهذه إشارة للخطية الصغيرة، فكيف ندين الناس على خطايا صغيرة ونحن ملوثون بخطايا كبيرة. وهذا لا يتعارض مع التعليم لمن له حق التعليم ولكن ليكن التعليم في محبة وليس باستهزاء وكبرياء. ولمن ليس لهم حق التعليم فليعاتبوا من أخطأ إليهم سرًا. وللكل عليهم أن يهتموا بأنفسهم أولًا.
الكيل= هو وعاء لقياس حجم الحبوب. المقصود كما نقيس وندين خطايا الآخرين هكذا سيفعل الله بنا.
لو 36:6-46
ولا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم. أعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم. وضرب لهم مثلًا هل يقدر أعمى أن يقود أعمى أما يسقط الاثنان في حفرة. ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملا يكون مثل معلمه. لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أو كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني اخرج القذى الذي في عينك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك.
نفس الآيات مع تفصيلات أكثر
آية (37):-
ولا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم.
نرى هنا الارتباط مع آية (36) التي تتكلم عن الرحمة، فعدم الإدانة مرتبط بالرحمة. وقوله هنا لا تقضوا= فيه معنى تحول الدينونة لقضاء وعقوبة (ونلاحظ أن التشهير عقوبة)
آية (38):-
أعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم.
إعطوا= للناس. تُعطَوْا = من الله (الله يعطيكم من بركاته).
وهنا لم يصف عطيتنا للآخرين ولكن يصف عطية الله بالجودة. فالله يعطى بسخاء ولا يُعَيِّر (يع1 : 5). كيلًا جيدًا= بلا زوائد في قاعه تُنْقِص الكمية، كأن يكون مُقَعَّرًا مثلًا.
كيلًا ملبدا مهزوزًا فائضًا= هنا البائع يريد إكرام المشترى، فبعد أن يملأ الكيل يضع فوقه بعض القمح بزيادة.... ملبدة = كمية زائدة. ثم يهز الكيل فينكبس القمح = مهزوزًا فتنقص الكيلة....، فيملأها ثانية. فيعود ويضيف قمحًا آخر حتى يفيض القمح من الكيلة = فائضًا فيفتح الشارى حجره ويستقبل الكيلة الفائضة في حضنه فرحًا. ومن يزرع بالبركات فبالبركات يحصد (2كو 6:9-9). وارتباط هذه الآية بالسابقة هي أنه لو غفرنا وما عدنا نهتم بإدانة الناس ونرحمهم، يرحمنا الله ويغفر لنا. . ولكن الآية معناها المباشر ينصب على محبة العطاء، فبقدر ما نعطى للآخرين سيعطينا الله.
آية (39-40):-
وضرب لهم مثلًا هل يقدر أعمى أن يقود أعمى أما يسقط الاثنان في حفرة. ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملا يكون مثل معلمه.
على من يتصدى لمهمة إدانة الآخرين لإصلاحهم وتعليمهم فلقد أقام من نفسه معلمًا، وهل يستطيع أن يقوم أحد بالتعليم ما لم يختبر هو بنفسه ما يقوله. هذا كمن يقود الآخرين وهو فاقد البصيرة. فالأعمى هو من يحيا حياة الخطية (الخشبة في عينه)، فكيف يظهر طريق النصرة على الخطايا للآخر الذي ( القذى في عينه). كلا الاثنين عميان بسبب ما في عيونهم فسيقود المعلم الأعمى الآخر للحفرة أي جهنم.
ليس التلميذ افضل من معلمه= كثير من التلاميذ تفوقوا على معلميهم، لكن المقصود هنا أن هذا المعلم الأعمى بسبب الخشبة التي في عينه وجهله بطرق الرب، وجهله بطرق التوبة وجهله الانتصار على الخطية لن يستطيع أن يقود الآخر الذي هو أعمى بدوره ولا يعرف هو الآخر، إلاّ إلى السقوط في حفرة. فمن أين سيأتي التلميذ بمعرفة من معلم جاهل.
آيات (41-42):-
لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أو كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني اخرج القذى الذي في عينك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى الذي في عين أخيك.
هل تريد أن تكون معلمًا، عليك باختبار طرق النصرة على الخطية أولًا، وبعد أن تعرفه إشرحه لغيرك. فكيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرير أثيم ومريض سقيم.
تشبيه في موضوع الإدانة:- سائق السيارة عليه أن ينظر إلى الطريق وهو يقود سيارته. ولكن إن أخذ ينظر لمن يركب معه السيارة وينتقد ملابسهم مثلًا، من المؤكد أن حادثة ستقع للسيارة. هكذا على كل منا أن يركز نظره على السماء وعلى الطريق، والطريق هو المسيح (يو 6:14). ولكن لو ركزنا انتباهنا على الآخرين لننقد تصرفاتهم سيكون في هذا هلاك لنا.
(مت 6-7):-
لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم.
حقًا يطلب منا الله أن نكون بسطاء ولكن يطلب أيضًا أن نكون حكماء. ومعنى هذه الآية أن لا نقدم ولا نتكلم عن مقدساتنا للمستهزئين فأسرار ملكوت الله لا تقدم إلاّ لمن يقيمونها حق قيمتها ويتقبلونها بخشوع وورع. الكلاب=يشيروا لمقاومي الحق لأن الكلاب تهجم على الشيء لتمزقه. والخنازير= هي لا تهاجم لتمزق بأسنانها لكنها تدنس الشيء إذ تدوسه بأقدامها. وهي تدوسه لا لعيب فيه ولكنها لأنها تجهل ما هذا الشيء. والقدس مشبه هنا بالدرر الثمينة التي ينبغي أن نحافظ عليها.إذًا علينا أن نعرف ماذا نقدم ولمن نقدمه.
آيات (7-12):-
اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم. لأن كل من يسال يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًاٍ يعطيه حجرًاٍ. وأن سأله سمكة يعطيه حية. فان كنتم وانتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم أيضا بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء.
إذ يسمع المؤمن وصية السيد " لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم.... ربما يتساءل ومن أين لي القدس والدرر؟ لذا يكمل السيد المسيح إسالوا تُعطَوا. السيد يحفزنا لنصلى فنكون على صلة مستمرة به.
وماذا نسأل؟ يجيب السيد اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره (33:6) وإذا شعر الإنسان بعجزه عن تنفيذ الوصايا يقول له السيد اسأل. فلنسأل الله فيعطينا قوة للسير في طريق الرب. وكيف نعرف الطريق؟ يجيب السيد اطلبوا تجدوا. وطالما نصلي ونطلب فلن نضل الطريق وإلى ماذا يقودنا الطريق؟ يقودنا إلى الباب، وحينئذ نسمع قول السيد إقرعوا يفتح لكم=يفتح لنا باب الكنوز المخفية.. القدس والدرر. والمسيح هو الباب وإذا فتح، وهذا وعده، أنه يفتح لكل من يقرع، نجد كنوز مخفية فهو المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كو3:2) والسيد هنا يعلن استعداده لأن يهب خيرات وعطايا جيدة للذين يسألونه. فهو صانع خيرات. ولكي يدلل على ذلك قال حتى الأشرار يعطون أولادهم عطايا جيدة فكم وكم أبوكم السماوي، وأبونا السماوي لا يعطينا عطايا مميتة، بل هو يعطى كل بركة. المسيح يكرر أن الله أب لنا، وهو أب شديد المحبة. [نحن دائمًا في الشدائد نتعرض لسماع صوت إبليس.. أن الله لا يحبكم إذ سمح بهذه الشدة فلنجب بثقة، أن الله أب ولا يعطى سوى عطايا محيية جيدة.. فالمرض كان سببًا في خلاص بولس، والضيقة كانت سببًا في خلاص أيوب. إبليس يصور لنا التجربة على أنها حيَّة يؤذينا الله بها ولنرد عليه بأن الله لا يعطى حيات لأولاده. بل أن هذه التجربة هي للخير فهو صانع الخيرات. ونفهم من آية (12) أنه لنحصل على الخيرات من الله فلنصنع الخير للناس.
لو11 9:-13
وأنا أقول لكم أسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم. لأن كل من يسال يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزا افيعطيه حجرا إن سمكة افيعطيه حيَّة بدل السمكة. أو إذا سأله بيضة افيعطيه عقربا. فان كنتم وانتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الأب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه
هنا يكرر القديس لوقا نفس الكلمات ولنلاحظ فرقين
1- الآيات اسألوا تعطوا.. جاءت بعد حديث السيد المسيح عن أهمية اللجاجة في الصلاة. ومن هنا نفهم أن الصلاة المقبولة عند الله، أحد شروطها هو اللجاجة. فاللجاجة لها أهميتها، فهي تخلق دالة بيننا وبين الله، فنشعر بأبوته، خصوصًا أن لنا هنا وعدًا أن كل من يسأل يأخذ. فمع الطلبة بلجاجة نمتلئ رجاء. وقد يبطئ الله بعض الأحيان في الاستجابة حتى نشعر بأهمية ما سنحصل عليه، أو لأن الله يرى أن الوقت غير مناسب للاستجابة، أو لأن ما نطلبه ليس في مصلحتنا، لكن عمومًا من يصلى بلجاجة حتى ولو لم يستجيب الله طلبته ستنشأ علاقة حب ودالة وثقة بينه وبين الله بسبب الصلاة الطويلة، فيتقبل ما يسمح به الله. وهذا نراه في صلاة المسيح في جثيسمانى فهو يطلب رفع الكأس عنه، ولكن سرعان ما يقول.. لتكن لا كإرادتي ولكن كإرادتك. وهذا يفعله معنا الروح القدس.. لكن قد تحدث الاستجابة.. استجابتنا لصوت الروح القدس.. بعد فترة. فنحن قد نبدأ الصلاة طالبين شيئًا بعينه، ونصلى بلجاجة، لمدة من الزمن، وبعد وقت نستجيب لصوت الروح القدس فينا، ونقول أنا يا رب لا أعرف أين هو الصالح.. إذًا لتكن مشيئتك.
2- الفرق الثاني هو أن لوقا وضع كلمة الروح القدس هنا آية (13) عوضًا عن كلمة خيرات في إنجيل متى. ومن هنا نفهم أن الروح القدس هو أعظم عطية يعطيها لنا الآب السماوي. وهذا هو ما يجب أن نسأله وبلجاجة أن يعطيه لنا. من الآن علينا أن نطلب الامتلاء من الروح القدس عوضًا عن أن نهتم في صلواتنا بالأمور الزمنية فهذه.. تزاد لكم. فالروح القدس هو الذي يعطينا أن نصير خليقة جديدة، هو يعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل ما قاله المسيح، هو يثبتنا في المسيح الذي يحملنا إلى حضن الآب وهو الذي يفتح أعيننا على ما لم تره عين (1كو 10:2).
تأمل:- اسألوا.. اطلبوا.. إقرعوا= هي درجات الإصرار واللجاجة في الصلاة فدرجة إقرعوا هي أعلى درجة، هي درجة الصراخ لله ليفتح، والعجيب أن الله صوَّر نفسه هكذا صارخًا أو قارعًا لنفتح قلوبنا له (رؤ20:3) فإن كان المسيح يقرع هكذا على باب قلبي، أفلا أثابر وأقرع وأصلى له بلجاجة.
الخبز= يشير للحياة. وهذا ما يريده الله لنا. الحجر= وهذا يشير للقساوة، وهذا ليس هو قلب الله لنا
السمكة= هي حياة وسط بحر هذا العالم. البيضة= حياة بعد موت. فالله يريد لنا حياة هنا وفي السماء.
الحية والعقرب= موت وهناك مثلًا أمراض مميتة، وهذه كالحيات والعقارب. وقطعًا هذا لا يريده الله لنا. بل التجارب هي لتأديبنا فتكون لنا للحياة. فالله قادر أن يُخْرِج من الموت حياة. فالسمكة تحيا وسط البحر والبحر يعنى لنا الموت، والبيضة تبدو كحجر ميت ولكن يُخْرِج منها حياة (الكتكوت). والحجر هو ما يبدو لنا أنه حرمان من الحياة لكن الله يريد أن يعطينا حياة (خبز). الله قادر بل هو يريد أن يخرج لنا حياة مما يبدو لنا موت كالأمراض مثلًا
(متى13:7-14):-
ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه.
هذه كانت عادة الأعراس في تلك الأيام، إذ يدخل المدعوون من باب صغير ضيق ويمنع البواب الذين لا يرخص لهم بالدخول والباب الضيق هو وصايا المسيح وهي توصل للسماء. والباب الواسع هو الجري وراء شهوات العالم. والباب الضيق هو قبول الصليب مع المسيح، والباب الواسع هو إنكار المسيح لنحصل على أمجاد العالم. الباب الضيق هو الصلاة والميطانيات والصوم وإذلال الجسد، والباب الواسع هو باب الملذات العالمية. الباب الضيق هو رفض العالم والباب الواسع هو الجري وراء العالم.
والعجيب أن من يدخل من الباب الضيق، بأن يغصب نفسه ينفتح له الطريق المملوء سلامًا وفرحًا وتعزيات، فبينما هو يحرم نفسه من ملذات العالم يمتلئ قلبه فرح عجيب وسلام عجيب. ومن يدخل من الباب الواسع يضيقمعه الطريق إذ يمتلئ قلبه همًا وغمًا وقلقًا. الباب الضيق هو التغصب ومعه تأتى النعمة ومعها الفرح. وحينما طلب الرب أن نكون حكماء كالحيات (مت 10: 16) كان يقصد أن ندخل من الباب الضيق هذا.
وما دخل الحيات بهذا؟ الحية التي تريد تغيير جلدها تمر من خلال فتحة ضيقة ليحتك جلدها القديم ويسقط فيظهر الجديد اللامع. وكل من يريد أن يتغير عن شكله ويتجدد ذهنه (رو 12: 2) فليدخل من الباب الضيق.
قليلون يجدونه= فالشهوات أعمت عيونهم عنه وكذلك مشاغل هذا العالم.
مت (15:7-20):-
احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فإذا من ثمارهم تعرفونهم.
هنا يحذرنا السيد من المؤمنين المرائين، وهم فئتين
1- الأنبياء الكذبة= لهم اسم المسيحية ولكن إيمانهم غير إيمان الكنيسة.
ثياب حملان= يقولون أن طريقهم هو طريق المسيح. والمسيح هو الحمل.
2- من لهم إيمان صحيح ولكنهم يعملون أعمالًا شريرة.
والأنبياء الكذبة هؤلاء يحملون مسحة التقوى الخارجية بينما قلوبهم ذئاب خاطفة (2كو 13:11-14). وهؤلاء يمكن تمييزهم من ثمارهم. فهناك نفوس لا تثمر سوى الشوك، هؤلاء من يعيشوا على ثمار الأرض الملعونة التي تثمر شوكًا. هؤلاء أبناء آدم الأول الإنسان العتيق، أمّا أولاد الله فهم الكرمة والأغصان. وعمومًا فهناك توبة لمن يريد فيبدأ يحمل ثمارًا عوضًا عن الشوك. فالتوبة تعيدنا لكي نصير في المسيح طبيعة جديدة "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 17:5). وهذه الطبيعة الجديدة نلبسها أولًا في المعمودية، وقد نخسرها بخطايانا، ولكننا بالتوبة نستعيدها، وهذا ما كان السيد المسيح يعنيه بقوله: "اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا" (مت 33:12).
تلقى في النار= مصير المعلمون الكذبة.
آيات (21-23):-
ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل إرادة أبى الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبانا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم أنى لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الآثم.
المسيح هنا يعلن للإنسان الذي يريد التوبة، أنه لا يريد شكليات العبادة، أو مجرد ترديد ألفاظ، الله لا يريد من يكرمونه بالشفاه فقط والقلب مبتعدًا بعيدًا، لكن الله يطلب القلب الخاضع لإرادته.
باسمك أخرجنا شياطين= هذه تفهم بطريقتين:-
1- كثيرون وصلوا لعمل معجزات وأفسدهم الغرور لأنهم نسبوا هذه النعمة لأنفسهم ففقدوا هذه النعمة، ألم يُخْرِج يهوذا شياطين ويشفى أمراض!!
2- الشيطان خداع، إذ يعطى للبعض أن يخرجوا الأرواح الشريرة للخداع. ولكن هؤلاء يسهل جدًا تمييزهم، من أسلوبهم الخالي من التواضع والمحبة. سمعت أحدهم يقول "أنا أسلوبي في إخراج الشياطين كذا وكذا" ولنلاحظ أن يهوذا الخائن أخرج شياطين حينما كان مع التلاميذ (مت 8:10) لا أعرفكم= كخاصتي الذين يدخلون ملكوتي لأنكم لم تعرفوني حقيقة.
أليس باسمك تنبأنا= كثيرون يعلمون بالحق ولكنهم لا يعملون به. لم أعرفكم = كبنين له. ولاحظ أن كلمة "يعرف" تشير للإتحاد فهؤلاء لم يكن لهم ثبات في المسيح.
هناك فرق بين مواهب الروح القدس وثمار الروح، فالمواهب تعطى لبناء الكنيسة وتسمى الوزنات (1بط10:4) والهدف منها بناء الكنيسة ووجودها ليس شرطًا للخلاص كما رأينا سابقًا. أما الثمار فوجودها علامة على الامتلاء من الروح القدس (غلا22:5-23) وبالتالي وجودها دليل على خلاص الإنسان.
لو6 43:-46
لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديا ولا شجرة ردية تثمر ثمرا جيدا. لان كل شجرة تعرف من ثمرها فانهم لا يجتنون من الشوك تينا ولا يقطفون من العليق عنبا.الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه. ولماذا تدعونني يا رب يا رب وانتم لا تفعلون ما أقوله.
نجد هنا نفس تعليم السيد المسيح عن استحالة أن تعطى الشجرة الجيدة ثمرًا رديًا، لكن يأتي هذا الكلام بعد حديثه عن (محبة الآخرين والعطاء وعدم الإدانة) وكأن هذه الأعمال هي الثمار الجيدة التي تعلن عن إنسان صالح. ولاحظ أن كلام السيد هنا مباشرة يأتي وراء حديثه عن من يريد أن يخرج القذى من عين أخيه. وبهذا نرى علاقة مباشرة بين صفات الإنسان وتعليمه، فمن يريد أن يخرج القذى من أعين الآخرين، هو يريد أن يقوم بدور المعلم لهم، فماذا عن صفاته وماذا عن أعماله وماذا عن ثماره؟
إننا سنعرف قلبه من ثماره وكلامه = الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح.. من فضلة القلب يتكلم فمه. فالقلب المملوء محبة سيخرج كلمات محبة تجاه الآخرين والعكس فالقلب الشرير سيخرج كلمات إدانة.
وكلام السيد يعنى أن نفعل وننفذ أوامر الله، هذا أهم من قولنا يا رب يا رب ونحن لا نفعل إرادة الله. وهذا ليس ضد ترديد صلاة يسوع أو تكرار كيريي ليسون، فنحن نفعل هذا تنفيذًا لوصية بولس الرسول " صلوا بلا انقطاع " وطبعًا علينا أن نصلي ليس بالشفتين فقط، بل بالشفتين وبقلب منشغل بالله وبذهن منفتح يفكر فيما يردده لسانه. ومن يجدد قلبه باستمرار ويملأه من كلام الله وبصلوات بلجاجة وبتوبة وندم سيصلح هذا القلب وستتغير كلمات الفم ويمجد الله.
مت 24:7-27 + لو6 47:-49
فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسا على الصخر. وكل من يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيما.
لو6 47:-49
كل من يأتي إلى ويسمع كلامي ويعمل به أريكم من يشبه. يشبه إنسانًا بنى بيتا وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسسا على الصخر. وأما الذي يسمع ولا يعمل فيشبه إنسانًا بنى بيته على الأرض من دون أساس فصدمه النهر فسقط حالا وكان خراب ذلك البيت عظيما.
من المهم أن ننفذ كلماتالمسيح ونعمل بها ولا نكتفي بترديد "يا رب يا رب " فمن ينفذ وصايا المسيح ويعمل بكلامه سيعرف قوة هذا الكلام، بل سيعرف المسيح ويختبره فيحبه، فإذا هبت العواصف، عواصف التجارب والآلام، أو عواصف ورياح الخطية تجد أن إيمان هذا الشخص ثابتًا لأنه أسسه على الصخر أي على معرفة المسيح معرفة حقيقية، ومن يعرف المسيح حقًا لن يستطيع إبليس تشكيكه فيمن عرفه وأحبه. فتأسيس البيت على الصخر هو الإيمان بالمسيح ومعرفته واختباره، ومحبته. ولنعلم أننا في كل تجربة نتعرض لها يأتي إبليس ليشتكى الله قائلًا "الله لا يحبكم وإلاّ لماذا سمح بهذه التجربة" ومن اختبر محبة المسيح حقيقة سيرفض هذا الصوت. وما يساعدنا على أن نعرف المسيح.
1- دراسة الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو كلمة الله. والمسيح هو كلمة الله. فكلما جلسنا لدراسة كلمة الله المكتوبة نكتشف شخص المسيح كلمة الله الحي فنعرفه فنحبه.
2- بتنفيذ الوصية: فالوصية لا نعرف جمالها ولا قوتها إن لم ننفذها، وحين ننفذها سنكتشف شخص المسيح الذي يساعدنا على تنفيذها فهو القائل بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا (يو 5:15) وهو الذي طلب منّا أن نحمل نيره. والنير هو الخشبة التي تربط ثورين معًا، وحين نرتبط نحن الضعفاء بالمسيح القوى سيحمل هو كل الحمل أما من يسمع وصايا المسيح ولا ينفذها، فهو سيظل بعيدًا يحكم بعدم إمكانية تنفيذها. وكذلك في ضيقاتنا وأحزاننا إذا ذهبنا إليه وارتبطنا به سنجده يَحْمِلنا حَملًا ويملأنا تعزية ورجاء.ونحن لن نعرف المسيح ونراه إن لم نكن أنقياء القلب، ننفذ الوصايا، فتنفتح عيوننا ونعرفه. وتنفيذ الوصية سيعطينا أن نعرف المسيح المحب الذي يبحث عن فرحنا. فمن ينفذ الوصايا يختبر حالة فرح وسلام لا يعرفها الخاطئ. فيفهم لماذا طلب المسيح تنفيذ هذه الوصايا ويدرك محبته.
وبهذا نفهم أنه لن يمكننا أن نصمد في وجه تشكيك إبليس في محبة الله إن لم تكن لنا هذه الخبرات العملية مع المسيح وهذا هو البناء على الصخر أماّ البناء على الرمل فهو كمن يدرس الكتاب دراسة نظرية ويعلم به دون أن يحاول تنفيذ هذه الوصايا. الأنهار= النهر عادة يشير لعطايا الروح القدس. لكنه هنا هو نهر خادع من شهوات العالم (رؤ 15:12) هدفه أن يبعدنا عن المسيح، أما من تذوق حلاوة المسيح، حين عاش معه ونفذ وصاياه، سيحتقر ملذات وأمجاد هذا العالم وسيعتبرها نفاية (في 8:3).
حفر وعَمَّقَ = لو 48:6:-
يشبه إنسانًا بنى بيتا وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسسا على الصخر.
هذه كناية عن السهر والاهتمام والمثابرة على فهم الإنجيل وتطبيق وتنفيذ ما نتعلمه بلا كلل. نحفر للأعماق حتى إلى الصخر، والصخرة كانت المسيح، أي لنكتشف ونعرف شخص المسيح ونتلذذ به.
(مت 7-28-29):-
فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
كمن له سلطان=هو ليس فقط له سلطان، بل هو يُعطى سلطانا لنا أن ننفذ الوصية، أي هو يُعطى قوة مع كل وصية يعطيها، وبدونه لن نقدر أن ننفذ أي وصية (يو 5:15+ في 13:4). والمسيح له سلطان على القلوب فهو خالقها.
الرمل= يشير للإيمان غير الثابت إذ أن صاحبه لم يكتشف شخص المسيح (الصخر). هو إيمان سطحى لم يتعمق صاحبه باحثًا عن شخص المسيح الحلو المشبع.