نَفْيُ الأقبَاطِ مِنْ دِيَارِهِمْ
بالمخالفة للحق والعدل والدستور والقانون يتم نفي الأقباط من منازلهم وقُراهم في عقاب جماعي... لأن في كل أرض إذا غضب الرعاع تعطل القانون وتعطلت العدالة؛ وصار أغبياء هذه الأرض فوق عقلائها؛ الذين يخرجون ليعقلنوا الكراهية، ويقولوا أن هؤلاء لم يُهجروا قسرًا؛ لكنهم خرجوا بإرادتهم!! بينما هم خرجوا نازحين مُرغَمين أمام السلاح والحرائق والتهديدات الجماعية؛ تحت سمع وبصر وفرجة أجهزة الأمن، ليلوذوا بحياتهم وأولادهم من غضبة واعتداء المفترين والمستقوين عليهم.
الصور والتسجيلات الموثقة والمحفوظة لدينا لكل هذه الأحداث لا تخطئها العين، خراب وحرائق وسلب وتلفيات عمدية وسرقة للمنقولات؛ بسيارات نقلية؛ أتت لنوال تذكرة الجنة والجهاد... وها هم المهجَّرون قسرًا حتى الآن لم يتمكنوا من الرجوع إلى حُطام ممتلكاتهم بعد كل المحاولات والمساعي... أليس هذا تشريد وظلم واستهداف جماعي بسبب الدين؟؟!! يرتكبه أولئك الذين كان من المفترض أن يستوصوا بالقبط خيرًا.
أين الضمير والرحمة والقانون من هذا المزاج الشعبي المتهوس؟؟!! فالشجب الآن لا يكفي، والبيانات واللجان لم تعد سوى مزحة تطلق في كل مرة عند حدوث كل كارثة يتم فيها نفي الأقباط!! مثلما حدث في حرق كنيسة إمبابة... وفي هدم كنيسة أطفيح... وفي غلق كنيسة الماريناب... وفي اعتداءات المنيا وفرشوط والعامرية ودهشور.
ثقافة الكراهية والاستعلاء والتقيّة هي المسيطرة على واقعنا؛ وهي التي تسد وراءها كل الأبواب والمنافذ؛ في هذا الزمن الأغبر؛ الذي استشرى في جنون الهوس العقائدي المغيِّب للحكمة والأخلاق والإنسانية والجيرة والجار... نتيجة الازدراء والترصُد والشحن الخطابي الفتَّاك.
فالثيران طورت أساليبها القتالية لتقتل أحيانًا دون نطح... هذه هي الطريقة المتبعة ضد شعبنا بالتطويق والخنق والحرق والتخويف والإرعاب؛ وصولاً للمغادرة والهجرة من غير رجعة، لكن هيهات أن يحدث ذلك في كنيسة الشهداء العريقة "أم الشهداء" الجميلة النبيلة التي عبرت بحر الألامات وحفظت بدمائها الحق قويمًا.
الثيران مدعومة بشريعة الغاب وبالاستقواء العددي؛ عالمة أنها لن تُعاقب؛ بل وسيُعفى عنها؛ وستُكافأ... تتجيّش وتشحذ قرونها المسمومة بالعنصرية وبرفض الآخر؛ لتفتك وتحرق وتنهب وتأتي من كل حدب وصوب؛ وتهب من القرى والعِزَب والمدن المجاورة، في هجمات متفقة على أن هذه الكائنات القبطية لا حق لها أن تعيش؛ وأن هذا المواطن المسيحي كافر وساحر وسِكّير، وأن كل شرور العالم هو الذي سبّبها، وأن المعاناة والفقر والجهل والتخلف والانحطاط هو سببها، وأنه امتداد لمسيحيي الغرب... والنتيجة كما هو حادث ويحدث، وجميعها تأتي في سياق واحد موثقة في صور وتسجيلات مرئية.
لا بُد أن نواجه هذه الظاهرة كأقباط أولاً، لأنها تهدد حاضرنا ومستقبل وجودنا، نواجهها بكل صور المواجهة؛ لأنها من الخروقات الرئيسية لأبسط حقوق الناس الآدميين الذين بين ليلة وضُحاها يُرمَون على قارعة الطريق ويُجرَّدون من كل شيء؛ وتنكسر إرادتهم ويعيشون كلاجئين في بلادهم؛ بعد أن خسروا كل مالهم وبشريتهم ونفسياتهم.
هؤلاء بالحق شهداء أحياء بعد أن أُسقطت عنهم كرامتهم؛ وعانوا من المذلة والتهجير القسري والهروب من الموت والحرق والاغتصاب والاختطاف، وكأنهم "آلات ناطقة" و "متاعًا حيًا" ليس لهم أي حقوق.
إن هذه الأحداث المتراكمة تفرض على الكنيسة عمل وحدة جديدة لإدارة الأزمات "مركزية" و"متخصصة" لرعاية هؤلاء المطرودين من أجل البر؛ والاسم الحسن الذي دُعي عليهم... فلا نترك أمر مساندتهم لأقاربهم وذويهم فقط، أو أن نترك معونتهم للمبادرات كيفما اقتضى الأمر... حتى لا يجدوا أنفسهم "متروكين"... بل يحتاج الأمر إلى عمل وحدة جديدة للإغاثة والخدمة لمثل هذه البلايا المحرقة التي تفاقمت الآونة الأخيرة... بالإضافة إلى التفكير والعمل الجدي لإيجاد حلول للتعامل مع هؤلاء المنكوبين حال رجوعهم... لأن الأمر يحتاج إلى تأهيل وترميم وإلى يد الأعلى من كل عالٍ؛ الذي هو يلاحظ وفوق الجميع.
لقد وُضع على الكنيسة هذا الدور كسامري هذا الزمان؛ به تعيش طريقة حفظ أعضائها من المساومات والتركيع والغواية؛ ومن اغتيال إبليس، إذ أن خطتها الإلهية هي تثبيت ملكوت الله في القلوب؛ بقبولها الحياة المقدسة تحت أي ظرف ووضع؛ لأن الإنجيل جاء ليتناسب مع كل الأوضاع والمجتمعات، ذلك هو الاختبار الكفء للعقيدة الصحيحة بإكتمال الإيمان في الأعمال؛ بأن نعيش شركتنا ووحدتنا في تكميل احتياجات القديسين؛ وتكريم المسيح في هؤلاء المطرودين والمجرَّبين وضحايا العنفاء، عالمين أن الظالم سينال جزاء ما ظلم به، وأن لنا سيدًا في السموات.