رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" الجزء الثالث " أولاً: الاضطهاد أول هذه الطرق هو أن يضطهد الكنيسة. لقد شهدت القرون الأولى للمسيحية أهوالا وعذابا للبشرية لم يعرفها العالم من قبل. وأستمر نزيف الدم حتى أوائل القرن الرابع. وكلما كان الاضطهاد يشتد كانت المسيحية تنتشر أكثر حتى احتوت الإمبراطور الروماني نفسه، العدو التقليدي للمسيحية. وهنا توقف إبليس قليلا مرغما حتى يجد لنفسه مخرجا. إن قصة اضطهاد الكنيسة بدأت بصلب المسيح وهى مستمرة حتى اليوم ولم تكتمل بعد. المسيح مصلوب من العالم في كنيسته، والكنيسة جسد المسيح تحمل سر المصلوب وسمته شاهدة له في العالم عبر الزمان. القرن العشرون هو أعظم عصر لشهداء المسيحية في التاريخ وبخاصة للكنائس الأرثوذكسية. إن ما ارتكبته الشيوعية والنازية من جرائم ضد المسيحيين يعتبر بلا منازع أكبر وصمة عار في جبين البشرية. ويلي ذلك مباشرةً ما ارتكبه الأتراك ضد الأرمن والسريان قبل وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبينما يبالغ الإعلام العالمي جدا في وصف اضطهاد اليهود، فمن الغريب أنه يلوذ بالصمت أمام اضطهاد المسيحيين الذي يفوقه كمَّا وكيفا عشرات الأضعاف. لا يكاد أحد يسمع عن هذه المذابح إلا من خلال بعض كتابات شهود العيان، أو تقرير رسمي مقتضب، أو محاضرة علمية متخصصة أو كتاب ديني يسجل أخبار الشهداء. المعسكرات الشيوعية لتعذيب المسيحيين ذبح فيها عشرات الملايين من البشر خلال سبعين عاما في محاولة للقضاء على المسيحية. ستالين اعترف رسميا أنه لم يقتل سوى عشرين مليون مسيحي وهذا أقل مما عمله لينين وتروتسكي. هتلر في كتاب كفاحي قال أنه اكتشف سر بقاء الكنيسة الكاثوليكية ألفين عاما وبهذا الكشف فإنه سيزيل المسيحية من الوجود ويصنع نظاما يبقى ما بقيت الدنيا. لهذا عذب المسيحيين وقتل منهم الملايين. النازية سُحِقت والشيوعية سقطت، وجبابرتها القتلة يحملون العار أمام الله والتاريخ (نايرون، لينين، تروتسكى وهتلر ...الخ) بينما تألقت المسيحية أكثر بشهدائها وقديسيها الذين أناروا بمبادئهم وبتقواهم و بأعمال المحبة المذهلة التي قدموها لله وللإنسان في أحلك الظروف، وجادوا بأنفسهم من أجل الحق .وبالحب سُحق إبليس تحت أقدامهم وتمجد المسيح وانتصرت المسيحية ثانيًا: الهرطقات والانقسامات بعد أن يُفرِغ الشيطان كل ما في جعبته من السهام المتقدة نارا في قلب الكنيسة، بكل أنواع الاضطهاد، يمررها بالهرطقات من داخلها. الهرطقة هي محاولة لتطويع فكر المسيح لرأى العالم .فهي رؤية لله بمفهوم الناس، حسب أهواء هذا الزمان، وبمشورة الشيطان. إبليس تارة يقترح حلا وسيطا بين الحق المعلن من الله في الكتب المقدسة وبين العالم الذي يترأسه رافعا راية التسامح، ومرة أخرى يلبس ثوب الصلاح بالتزمت المملوء عجرفة والتعصب البغيض ليسئ لشكل المسيح. وأحيانا يستخدم الأسلوبين معا حتى يقسم الكنيسة إلى معسكرين كلاهما مر. فيختلق مجالا جديدا لممارساته الدموية ضد المسيح. الهرطقة هي محاولة اختراق الشر لمجال الإلهيات .لقد اقتحم المسيح عالم الشيطان ليحرر أسراه بالصليب "إذ جرد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه (في الصليب)." (كو15:2) كذلك إبليس بالهرطقات يقتحم الكنيسة ليسئ إلى المسيح "إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه." (عب6:6) بالهرطقة يحدث إبليس بلبلة في الكنيسة والهدف هو الانقسام. كل انقسام في الكنيسة هو من عمل إبليس، وهو يحمل روح الهرطقة حتى لو لم يكن الخلاف على أمور لاهوتية. ولكن المسيح لا ينقسم أبدا. الكنيسة مُؤمَّنة في سلام المسيح وحمايته في كل الأرض بسر فائق، وسرها مخُفي عن إبليس وجنوده، وغير مخُضَعة لسلطانه. الروح يجد طريقه إلى كل نفس تطلب الحق فيشعلها بروحه، وهو لا يترك نفسه بلا شاهد، وأبناء النور يسيرون في النور في كل زمان ومكان بلا تباطؤ ولا وجل في طريقهم إلى ملكوت أبيهم. ثالثًا: المهادنة يبدأ إبليس محاربة الكنيسة بالاضطهاد المُرَّوِع، والقتل والتعذيب والتخويف. إن فشل فإنه يحاربها من الداخل بالهرطقات والانقسامات. فإن ثبتت الكنيسة ضد كل المكائد يهادنها ويلاطفها ويدعوها لمهادنته تحت شعارات السلام، المُعَاصَرة، الدبلوماسية كبديل للاتضاع. يعرض عليها أساليبه في الدهاء، لا يكف عن عرضه؛ "أعطى لك هذا السلطان كله و مجدهن لأنه إلىّ قد دفع وأنا أعطيه لمن أريد. إن سجدت أمامي يكون لك الجميع." العرض سخي ومغرى، والمرونة نافعة. لماذا لا نطاوعه في اعتدال للحظة حتى نحصل على ما نريده لمجد الكنيسة؟ من يطاوع إبليس من أجل عطاياه يمُسَك فيه بهذه العطايا، ولا يستطيع أن يفلت من قبضته. يبدأ العرض ناعم، فلا مانع من استخدام بعض الدهاء والمداهنة ثم النفاق والرياء من أجل حسن التعامل ثم يتطور إلى الكذب. يَلَذ لإبليس أن يجر الكنيسة وأولادها خلفه لاهثين من أجل منافع تافهة وأمجاد زائلة، فيصبغهم بصبغة العالم، ويسمهم بسمته وهنا تصبح الكنيسة عاجزة عن الشهادة للمسيح فيخبو النور ويفسد الملح. ومتى تمكن إبليس يذل الكنيسة، فيرفعها إلى العلاء ليلقى بها إلى أعمق هاوية. فمتى يستنفذ كل أغراضه يُشَهِّر بالكنيسة ويفضحها. كم يبتهج العالم عندما يُعَيِّر المسيح بكنيسته. هل انتصر إبليس إذن؟ هل غُلِب المسيح في كنيسته؟ الإجابة لا ولن. إن وعد المسيح ثابت فإن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. إن مسيرة الكنيسة لا تُعَوَّق حتى تصل بحمولتها إلى ملكوت السماوات. يهوذا التلميذ والرسول سار في هذا الطريق، طريق المهادنة مع العدو فباع المسيح نفسه. هل انتهت المسيحية بصلب وموت المسيح؟ لقد تمم الرب كل مقاصده بالحياة والموت وبيهوذا نفسه، لحساب الكنيسة. أما يهوذا فإذ كان يقصد ربحًا رخيصًا، فخسر نفسه. الاب الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|