ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الله بل تقوى بالإيمان مُعطياً مجداً لله"
(رو 4: 20 )
إن إبراهيم هو أبو المؤمنين، كما أنه عينة مثالية للمؤمن، وإيمانه مسجل لكي نتعلم منه نحن أيضاً ماهية ونشاط وامتحان ونُصرة الإيمان. حقاً ما أعظم هذا الرجل المدعو خليل الله وأباً لجميع المؤمنين، أباً لنا كلنا [يهود وأمم] نحن الذين نثق في الله الحي. ويا لعظم كرامة إبراهيم عندما يقول الرسول "فإن كنتم للمسيح، فأنتم إذاً نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة" (غل 3: 29 ) . والله الذي اختاره لهذا المركز الرفيع، قد عيّنه أيضاً ليكون لنا مثالاً للإيمان؛ أولاً في إطاعته لدعوة الله وتركه أهله وعشيرته والذهاب إلى حيث لا يعلم، وثانياً في تصديقه للمستحيلات غير ناظر إلى الظروف بل إلى مجرد وعد الله، وثالثاً تمسكه بوعد الله الخاص بالأرض ولو أنه كان فيها نزيلاً وغريباً، ورابعاً في تضحية اسحق الذي هو تتميم الموعد المنظور مؤمناً أن الله قادر أن يُقيمه من الأموات.
إن إيمان إبراهيم كان إيمان الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى. إيمان قد انتصر على العقل وهزأ بالمستحيلات. إيمان تخطى الموت وما وراء القبر. وفى كل هذا أعطى المجد لله لأن هذا هو المجد الوحيد الذي نستطيع أن نعطيه لله - إيماننا بأنه يستطيع أن يتمم ما وعد به وأنه سيتممه.
ففي الوعد الخاص بالنسل، لم يناقش بعقله ولم ينظر إلى الصعاب والمستحيلات ، ولكنه مجَّد الله إذ "تيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضاً" (رو 4: 21 ) .
قال لوثر: إن كنت تؤمن، يجب أن تشطب على كلمة "كيف". وفى امتحانه الصعب بتقديم ابنه وحيده، تقوّى بالإيمان كالحل الوحيد للصعوبة ووثق أن الله قادر أن يُقيمه من الأموات.
ومَنْ ذا يستطيع أن يصف مقدار ما انطوت عليه هذه التجربة من فحص عميق للنفس وآلام قاسية وإنكار شديد للذات؟ حقاً .. إنها كانت الـخُلاصة لحياة إبراهيم السابقة كلها وجهاد إيمانه. ولكن الإيمان انتصر، وبالإيمان المحبة والرجاء. فنحن عندما نؤمن بالله، فإننا عندئذ، وعلى قدر إيماننا، نحب الله ولا نمسك عنه أعز الأشياء على قلوبنا. وعندما نؤمن بالله فإننا نرجو ولو على خلاف الرجاء.