رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نار الإضطرابات تشتعل من تحت الرماد للمرة الثالثة لم تخمد هرطقة آريوس ولكن فترة الهدوء التى أطلق عليها المؤرخون الفترة الذهبية أمتدت حوالى 10 سنوات كان بمثابة الهدوء الذى يسبق العاصفة ولم تكن مجرد فترة راحة ولكنها كانت فترة إلتقاط الأنفاس وتجميع القوى ، فجذور الحقد والعداء والإنشقاق الأريوسية لم تكن قد أقتلعت بعد . ففى الجانب الأريوسى كانت تتجمع على ضفاف نهر الدانوب (1) ، وفى سيرميم أستطاع الأسقف سيرميم الأريوسي أن يبذر بذور الأريوسية ويرعاها إلى أن إنتشرت هناك ، وكانت علامات النزاع والفرقة كانت منذ البدئ سمة من سمات تجمع الأريوسيين ، وكان يربض هناك أورساكيوس وفالنس رأسا الحية اللذان أتحدا مع جرمينيوس أسقف سيرميم الذى خلف سكونديوس الذى طرده الأمبراطور بعد أن حاوره اساقفة الشرق وألصقوا به الخروج عن الإيمان (3) وظل الغالبية العظمى من أساقفة الشرق الذين يؤيدون الأريوسية حاقدين على اساقفة الغرب عامة الذين أستطاعوا فى المرحلة السابقة تحديدهم بواسطة أمبراطور الغرب قسطانس ، ما عدا كنيسة أورشليم التى أنحازت إلى الإيمان الأرثوذكسى القويم . أما قسطنطيوس إمبراطور الشرق الذى كان يميل إلى الأريوسيين قلباً وقالباً فإنه لم يتنازل عن مناصرته لهم إلا بعد أن هدده أخيه قسطانس أمبراطور الغرب وبدافع الخوف من إستغلال الفرس للخلافات العقائدية الداخلية والهجوم على إمبراطورية الشرق فقد كان لا يزال ينذر بالخطر ، ولم يكن تنازله للبابا أثناسيوس إلا يقظة ضمير مؤقتة سرعان ما تنحل بمجرد مرور بعض الوقت عليها ... وحتى جهات الشعب الأرثوذكسية بزعامة بعض الأساقفة الأرثوذكسيين فى الشرق ، بدأت تذوب تحت ضغط السياسة الأريوسية وأساليب خداعهم ودهائهم (4) أما فى ألسكندرية فقد نجح أثناسيوس فى هذه الفترة فى تدعيم الأرثوذكسية بصورة لم يسبق لها مثيل ، وبالرغم من أن مصر كانت منعكفة على نفسها فى ذلك الوقت تمسح جراحها ، إلا أن بعض الخطوات قد أتخذت فى هذه الفترة للوحدة بين الأرثوذكس ، فقد أتحد أساقفة فلسطين مع أساقفة قبرص وإستعادوا شركتهم مع أثناسيوس ، ولكن كان يلزم هذا التعاون لبناء سلام واحد أن تبقى السياسة الإمبراطورية فى إتزانها ، وهذا لم يتوفر (5) وفى داخل مصر فقد دانت للبابا اثناسيوس كافة الأسقفيات بالولاء وضعفت شوكة الأريوسية والميليتيين إلى اقصى حد ، وكأن الرب القدير جمع هذه الخيوط لتبقى كلها فى يد مصر وباباها أثناسيوس ووحدت نفسها لتتابع بقوة وتماسك المد الأريوسى فى صدام إيمانى جديد وعنيف لم يسبق لكنيسة جازت فيه من قبل على وجه الأرض ، ووقف البابا اثناسيوس بمفرده دوناً عن أساقفة العالم ومن وراءه مصر بمفردها دوناً عن أقطار العالم تشهد بصدق للاهوت المسيح ، والعجيب أن اثناسيوس أستعان فى المرات السابقة باساقفة الغرب وأمبراطور الغرب ، فجاء الوقت لكى يمتحن الرب إيمان المصريين وفوة إيمانهم به فقد إنهارت القوى المساندة لأثناسيوس ، فعلى من يعتمد أثناسيوس وعلى من تتكل مصر !! لم يبقى إلا رب المجد يسوع المسيح . قتل الأمبراطور قسطانس ، وإنحاز أسقف روما للأريوسيين وأمضى وختم ضد لاهوت المسيح بمحض إرادته .. وأقر حرمان أثناسيوس !! وحدث هذا أيضاً مع هوسيوس أسقف قرطبة فقد غنهارت قوته الإيمانية فأمضى وختم ضد مجمع نيقية الذى ترأسه بنفسه سابقاً . فى هذه اللحظة سطع نجم مصر والبابا أثناسيوس هى اللحظة التى لم تخلوا كتب المؤرخين من تعظيم البابا أثناسيوس والمصريين وقال عنها مؤرخوا الكنيسة : أن العالم كله أصبح آريوسياً مجدفاً على المسيح ، لولا مصر وحدها وأثناسيوس الذى ابقاه الرب لم يسجد لبعل ، أبقاه لهذه اللحظة ليحامى عن الإنجيل ضد العالم كله ولولاه وقوة الرب التى معه لصار العالم أريوسياً وقد قيلت هذه الجملة المشهورة Athanathius contra mondum فعندما ياسوا وقالوا لأثناسيوس : " إن العالم كله اصبح ضدك " فأجاب فى قوة لا تقهر : " وأثناسيوس ضد العالم " إنها بلا شك ثقة فى الرب الذى اعطى لموسى ان يكون أكثر قوة من فرعون وكل جنودة الذى قال لفرعون : " أطلق شعبى ليعبدونى فى البرية .. المــــــــــــــــراجع (1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة- الطبعة الثانية 2002 م ص 193 وما بعدها (2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى (3) ABBE Duchesne. Earl. Hist. A ch.pp. 196- 201. (4) Gawtkin, pp. 133. sqq (5) Ibid. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|