الخطوة الأولي إلي الخطية
هكذا تعلمنا العظة علي الجبل أن نبعد عن هذه الخطوة الأولي.
السبت 15 سبتمبر 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
والأمثلة التي ذكرها الرب عن ذلك كثيرة:
فقد قال:سمعتم أنه قيل للقدماء لاتقتل..أما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب علي أخيه باطلا يكون مستوجبا الحكم...سمعتم أنه قيل للقدماء لاتزن وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلي إمرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه..سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم :لاتقاوموا الشر..مت5:39,21.
وفي كل هذا يحذرنا من الخطوة الأولي إلي الخطية..
واضح طبعا أن الغضب هو الخطوة الأولي إلي القتل فالذي يبعد عن الغضب الباطل مستحيل أن يتدرج لكي يصل إلي القتل وهنا يأمرنا الرب أن نبعد عن نقطة البدء.
وبنفس المنطق يتكلم عن وصيته لاتزن. فيحذرنا من نظرة الشهوة ومن الشهوة التي في القلب.
النظرة والشهوة:
يقول الربمن نظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبهمت5:28وبهذا نتعلم أن الخطية تبدأ أولا في القلب كشهوة ثم تتحول منه إلي العين كنظرة وما أسهل أن تتحول من النظر إلي العمل فالشهوة إذن هي الأصل وهي الدافع.
وهذا الأمر واضح أيضا في العهد القديم.
ففي الوصية العاشرة أمر الرب بالابتعاد عن الشهوة الخاطئة فقال:لاتشته امرأة قريبك ولاعبده, ولاأمته, ولاثوره ولاحماره,ولاشيئا مما لقريبكخر20:17تث5:21.
فالشهوة هنا هي الخطوةالأولي في سرقة مقتنياته, وفي الزنا بالنسبة إلي امرأة قريبك أما عن النظرة الشهوانية فقد قال أيوب الصديق:
عهدا قطعت لعيني فكيف أتطلع إلي عذراء؟!أي31:1.
والنظرة الشهوانية كبداية للزني تنطبق علي المرأة كما تنطبق علي الرجل وهذا هو الذي حدث مع امرأة فوطيفار بالنسبة إلي يوسف قيل عنها إنها رفعت عينيها إلي يوسف وقال:اضطجع معيتك39:7.
إن النظرة والشهوة كانتا بداية الخطة بالنسبة إلي الإنسان.
كانت النظرة والشهوة سابقتين لقطف الثمرة المحرمة وفي ذلك يقول الكتاب عن أمنا حواءفرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكلتك3:6وواضح في هذه الآية الشهوة والنظر.
علي أن هناك خطوة أولي سبقت كل ذلك في خطية حواء وهي تغير قلبها وفكرها بعد أن سمعت إغراء الحية فبذلك السماع دخلت الشهوة إلي القلب وبالشهوة نظرت إلي الشجرة فإذا بها شهية للنظر وبهجة للعيون وجيدة للأكل فقطفت منها وأكلت..
الخطوة الأولي بطبيعتها تجر إلي خطوات أخري...
فالذي يريد أن ينجو من تلك الخطوات وخطورتها عليه أن يبعد عن نقطة البدء عن الشهوة والنظر وعن تغير الفكر والقلب حتي لاينحدر فيصل إلي السقوط بالفعل...
ندرك ذلك من خطية داود الملك وكيف تدرجت:
معروف أن داود وصل به الأمر إلي ارتكاب كل من خطية الزنا والقتل والغدر فهل بدأ في سقوطه هكذا؟كلا بل بدأ بالنظرة والشهوة وفي ذلك يقول الكتاب:وكان في المساء أن داود قام عن سريره وتمشي علي سطح بيت الملك,فرأي علي السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جدا..2صمم11:2وكانت هذه هي البداية التي جرته إلي الزني والتحايل علي الإخفاء ثم إلي القتل.
هل نتطور فنستنتج خطوة سبقت كل هذا وهي التراخي:داود قبلا يخرج إلي الحرب بنفسه ويقاتل, أما الآن يرسل الجيش ليحارب ويجلس هو في بيته ثم يتمشي علي السطح ويري جارته تستحم فينظر ويشتهي ويسقط فيزني, لاشك أيضا أنه كان بعيدا عن مزاميره في ذلك الوقت...وبهذا كله تدرج ذلك الجبار فسقط في سلسلة من الخطايا بدأت بالفعل بالنظرة الخاطئة والشهوة
نلاحظ أن السيد المسيح له المجد لم يقل إن كل من نظر إلي امرأة فقد أخطأ!وإنما من نظر إليها ليشتهيها.
لأنه من المستحيل أن يغمض كل الرجال عيونهم عن نظر النساء إنما الخطأ هو في النظرة المختلطة بالشهوة.ومن أين تأتي الشهوة؟تأتي من القلب غير الطاهر إذن علي الإنسان أن يهتم بطهارة قلبه ونقاوته.
القلب والفكر:
إن تنقي القلب لايشتهي الزني ولا ينظر إلي امرأة ليشتهيها وإن تنقي القلب لايغضب باطلا ولايقول لأخيه رقا ولايقول له يا أحمق لأنه من فضلة القلب يتكلم الفممت12:34.
فإن كان القلب نقيا لايتنرفز ولايشتم وهنا أعجب من بعض الناس يبررون خطأ إنسان غضوب فيقولون حقا إنه يغضب ويشتم ولكن قلبه أبيض!!وأنا أرد دائما علي أمثال هؤلاء وأقول :القلب الأبيض لاتخرج منه إلا ألفاظ بيضاء لأن الرب يقولالإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحاتمت12:35
فإن كانت الخطوة الأولي للخطية تصدر من القلب والفكر فإن الخطوة الأولي إلي التوبة تصدر أيضا من القلب والفكر.
وهكذا يقول معلمنا القديس بولس الرسول تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكمرو12:2أي بتغيير نظرتكم إلي الأمور أي-من جهة النجاة من الزني-تغير نظرته إلي المرأة فلا تنظر إليها كمجرد أداة إلي إشباع الشهوة وإنما انظر إليها كأنها أمك أو أختك أو ابنتك حسب مقدار سنها وسنك وانظر إليها كإنسانة بارة تعمل في ملكوت الله ويهمك خلاصها وأبديتها...
هذا هو تجديد الذهن وهذا هو القلب الصالح الذي لاتخرج منه إلا الصالحات وبهذا لاتنظر إلي المرأة لتشتهيها.
وبهذا القلب الطاهر والذهن الطاهر لاتعثرك المرأة لأنكل شيء طاهر للطاهرينتي1:15ويكمل الرسول فيقول وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهرا بل قد تنجس فكرهم أيضا وضميرهمتي1:16.
ومن هذا المنطلق نناقش موضوع العثرة.
العثرة:
يقول السيد الربفإن كانت عينك اليمني تعثرك فاقلعها وألقها عنك..وإن كانت يدك اليمني تعثرك فاقطعها وألقها عنكمت30,295فما معني ذلك لانأخذ إحدي هذه الآيات بحرفيتها.
عينك اليمني ترمز إلي أي شخص عزيز عليك.
ويدك اليمني ترمز إلي أكثر شخص يساعدك في حياتك.
فإن كان أحد منهما يعثرك فاقطع صلتك به وألقها عنك فخير لك أن تخسر هذه العلاقة من أن تلقي في جهنم
فالعثرة هي التي تسبب الشهوة والشهوة هي التي تسبب النظرة الشهوانية وهذه تقود إلي الفعل.
إذن إن أعثرتك صداقة أو علاقة فمن الخير لك أن تبعد عنها وأن تلقيها عنك أبعد عن هذه الخطوة الأولي.
العثرة تتعب القلب فيشتهي .هذا إن بدأ بالعثرة.
وأما إن بدأت الشهوة فإنها تتعب القلب فيبحث عن عثرة لتشبع شهوته وهكذا تتبادل الأدوار بين العثرة والشهوة.
والعثرة لاتنحصر في العين فقط إنما هي هنا رمز لباقي الحواس فيلزم الإنسان أن يضبط حواسه.
وعبارة اقلعها واقطعها لاتعني الحرفية كما قلنا.
إنما اقلع منها النظرة الشريرة واقطع الخطأ من يدك اضبط إذن كل حواسك واحتفظ بها طاهرة.
ابعد عن العثرة دون أن تدين من تظنه مصدرا للعثرة.
فمصدر العثرة هو اصلا في قلبك وليس خارجا منه والقلب الطاهر لايعثر ولا تسقطه العثرة وصدق القديس يوحنا ذهبي الفم حينما قاللا يستطيع أحد أن يؤذي إنسانا مالم يؤذ هذا الإنسان نفسه.
ومن يدقق يلاحظ أمرا عجيبا في قول السيد الرب:
لم يقلإن أعثرتك امرأةبل قال إن أعثرتك عينك
أي إن العثرة تأتيك من الداخل من حالة قلبك الذي تؤثر فيه العثرة فإن كان لايتأثر بها ولايتجاوب معها فلا ضرر عليه إن القديس الأنبا أنطونيوس لم تسقطه المرأة التي خلعت ملابسها أمامه لتستحم في النهر بل انتهرها والقديس الأنبا إبرآم السرياني لم تعثره المرأة التي نظرت إليه.
ويوسف الصديق لم تسقطه امرأة فوطيفار لما طلبت منه أن يضطجع معها وكررت الطلبتك39.
ذلك لأن قلبه كان نقيا من الداخل خاليا من الشهوة الخاطئة فلم تؤثر فيه تلك العثرة الخارجية لأن العثرة التي تسقط لم تكن في داخل قلبه.
وبهذا إن تعرض إنسان لعثرة يمكنه أن يقول:
إن العثرة لاتسقطني فالذي يسقطني هو ضعفي.
الضعف الداخلي هو الذي يجعلني أتأثر بالعثرة التي من الخارج سواء أتت من الشيطان أو من الناس.
فالحروب الخارجية كثيرة ومتنوعة ويتعرض لها أيضا القديسون ولكنهم لايسقطون بها.
والرب قد أعطانا-في العظة علي الجبل-مثل البيتين:
أحدهما كان مبنيا علي الصخر والآخر كان مبنيا علي الرمل وكل منهما تعرض لنفس العثرات الخارجية نزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح مت7:25.27وصدمت كلا منهما فسقط البيت المبني علي الرمل وكان سقوطه عظيما أما البيت المبني علي الصخر فلم يسقط.
فأي نوع من البيتين تكون حينما تصطدمك العثرة؟!
يذكرني هذا الأمر بشكوي بعض الشباب من زينة النساء أو من أزيائهن حتي في داخل الكنيسة!!
ويقولون إن ذلك يعثرهم!!وربما لاتكون الأزياء معثرة كما يقولون وحتي إن كانت ملابس البعض غير لائقة فإنها لاتعثر الشخص الذي يدخل إلي الكنيسة في خشوع مركزا كل ذهنه في الصلاة والطقس والعظة غير ملتفت إلي ناحية النساء وأزيائهن بل قد لايري منهن شيئاوإن رأي لايتأثر لأنه حينما يقول الأب الكاهنأين هي عقولكم؟!يجيبه بصدق هي عند الربوإنها لكذلك . لسنا بهذا نعطي حلا للنساء أن يلبسن بغير ضابط من الحشمة والعفة,ملقين المسئولية علي الرجال وحرصهم!!
فإن السيد الرب يقولويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة وخير له إن يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحرمت18:6,7.
فإن كان كبار النفوس لايعثرون فعلي الأقل علي من تأتي به العثرة يجب أن يحترس لئلا يعثر أحد هؤلاء الصغارلأن الرب يركز علي ذلك قائلامن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي..مت18:6.
مثال ذلك عثرة المدخنين لغيرهم.
هناك شخص ينفث دخان سيجارته في اجتماع يحضره غيره أو في مكان عام.
فالإنسان الذي لم يقع في عادة التدخين ينفر من رائحة الدخان ولايتأثر بها بينما الذي قد اعتاد التدخين قد يعثر ويبحث في جيبه عن سيجارة يدخنها!!إذن يجب البعد عن العثرة من الطرفين:من المسبب لها ومن المتعرض لها المسبب لها قد وقع في خطية إعثار غيره بما لها من عقوبة خطيرة والمتعرض لها هو في خطر السقوط إن كان ضعيفا وإن لم يقطع هذه العثرة عنه.
لاتقل تعثرني المرأة الجميلة كما أعثرت داود.
فمن غير المعقول أن يحرم الله جميع النساء من نعمة الجمال حتي لايسقط الرجال الضعفاء!إنما كن قويا في قلبك وكن طاهرا في نظرتك فلا تعثر وأيضا ليس كل جمال معثرا إن كان جمالا عفيفا فإن العفة والطهارة والحشمة تلقي علي الجمال مسحة من الهيبة والوقار تصونه من عيون الأشرار.
مثال آخر من الشهوة هو الأطعمة الشهية في الصوم.
لعلك تقول هذه الأطعمة الشهية تعثرني كما أعثرت أمنا حواء من الثمرة المحرمة ووجدتها شهية للنظر وجيدة للأكللقد أعثرت بها حواء لأن فكرها كان قد تغير بعد الذي سمعته من الحية لكن نفس الشجرة أو نفس الثمرة لم تكن معثرة لها قبل ذلك بينما ربما كانت تمر عليها كل يوم لأنها كانتفي وسط الجنةتك3:3.
إن الطعام الشهي لايعثر الصائم الزاهد.
وأمامنا دانيال النبي زهد في كلأطايب الملك وخمر مشروبهواعتبرها نجاسةدا1:8كما أنه قال أيضا عن فترة صومه كنت نائحا ثلاثة أسابيع أيام لم أكل طعاما شهيا ولم يدخل فمي لحم ولاخمر ولم أدهن حتي تمت ثلاثة أسابيع أيامدا10:3,2
فإن أعثرك طعام شهي فاعرف أن الذي يعثرك ليس هو الطعام بل محبتك أنت لهذا الطعام.
لهذا كله نري أن القلب هو السبب كما قال الكتاب:
فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياةأم4:23
فلنحفظ أيضا قلوبنا ولنعمل علي تنقيتها من كل مافيها من ضعفات هي سبب السقوط أمام العثرات.
ولنطلب إلي الله أن ينجينا من أنفسنا ومن شهواتنا
ولنملأ أذهاننا بالأفكار الروحية التي تحصننا من العثرات.
فالعثرة حينما تأتينا وتجد عقولنا منشغلة بعمل روحي وبفكر مقدس تولي وتعبر ولاتجد لها فينا مكانا...
أما إن كنا ضعافا من الداخل متأثرين بكل عثرة فلا نلم العثرات ولا نلق محاضرات ضدها طالبين منعها بل نضع أمامنا في كل ذلك قول الكتاب:أيها الطبيب اشف نفسكلو4:23.
لأنه إن كان الضعف فيكعالج نفسك من هذا الضعف فهذا أنفع لك عمليا من إدانة غيرك.
وتذكر قول الربإن أعثرتك عينك..إن أعثرتك يدك..واعترف قائلا للرب:نعم إن العثرة هي مني.