رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصليب في إنجيل يوحنا يختلف إنجيل يوحنا عن باقي البشائر في حديثه عن حقيقة موت المسيح، فبينما هي ترد في باقي البشائر كنتيجة لتسلسل الأحداث، إذ لا نقرأ مثلا في إنجيل متى عن أي إشارة إلى موت المسيح قبل أصحاح 12 من الإنجيل، عندما اتضح تماماً رفض الأمة للمسيا، ووقوعهم في الخطية التي ليس لها غفران، خطية التجديف على الروح القدس؛ لكننا في إنجيل يوحنا نجد هذا كله من البداية. فنحن نقرأ في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا عن جهل العالم بحقيقته، ورفض أمته له، كما أنه أيضاً يتضمن أولى الإشارات عن موت المسيح، حيث أشار يوحنا المعمدان إلى شخصه الكريم باعتباره حمل الله الذي يرفع خطية العالم. ثم في الأصحاح الثاني، حيث يرد الحديث عن حادثة تطهير الهيكل الأولى، في أول زيارة للمسيح إلى أورشليم بعد خروجه للخدمة، بخلاف الحادثة الأخرى التي ذكرتها باقي البشائر، حادثة تطهير الهيكل في آخر زيارة للمسيح إلى أورشليم، فإن المسيح أعلن أيضاً حقيقة موته وقيامته عندما أجاب الذين سألوه: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟ أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه... وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع». لكن بينما في أصحاح 1 نقرأ ما يمكن أن نعتبره امتداداً للنبوات عن الصليب، على لسان خاتم أنبياء العهد القديم، وفي أصحاح 2 نقرأ عن أحد الرموز لموت المسيح، باعتباره – تبارك اسمه - هو الهيكل الحقيقي؛ لكننا في أصحاح 3 نقرأ عن أول إشارة صريحة عن موته، وكان ذلك أثناء حديث الرب الليلي مع نيقوديموس، الذي فيه أشار إلى حتمية رفعه على الصليب، عندما قال له «وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية». ونلاحظ أن هذه الإشارات الثلاث إلى موت المسيح هي كالآتي: يوحنا 1: الإشارة إلى دم المسيح (الحمل المذبوح). يوحنا 2: الإشارة إلى موت المسيح (متبوعا بقيامته). يوحنا 3: الإشارة إلى صليب المسيح (تحت تعبير رفع ابن الإنسان). ومن الجميل أننا نميز بين هذه الثلاثية الهامة: الدم، والموت، والصليب. فإننا حيث نقرأ في الكتاب المقدس عن دم المسيح فإننا نجد غالبا شيئاً عن البركات التي صارت لنا نتيجة موته، له المجد. وعندما نقرأ عن الموت فإننا نجده يعبر بصفة عامة عن طاعة المسيح وعن محبته: فلقد أطاع حتى الموت، كما أنه أحب حتى الموت. لكننا في الصليب نرى عنصراً آخر كما سنوضح بعد قليل. ونظراً لأننا نتحدث عن الصليب في إنجيل يوحنا فإننا سنتوقف قليلاً عند هذه العبارة التي قيلت في أصحاح 3 «ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان». ولقد تكررت هذه العبارة، باختلافات بسيطة، مرات ثلاث في إنجيل يوحنا. المرة الأولى هنا، ثم المرة الثانية في يوحنا8: 28 والمرة الثالثة في يوحنا12: 32 ونلاحظ أنه في المرات الثلاث ارتبط رفع المسيح بلقب «ابن الإنسان». كما نلاحظ أن المرة الأولى من هذه المرات الثلاث كانت في بداية خدمته، والمرة الثانية في منتصف الخدمة، والمرة الثالثة في نهايتها؛ مما يوضِّح أن الصليب كان دائماً ماثلاً أمام عيني المسيح. المرة الأولى أعلنه الرب لرجل مخلِص باحث عن الحق، والمرة الثانية قاله لجماعة من الفريسيين غير المؤمنين، والمرة الثالثة ردده الرب على مسامع أناس من اليونانيين كانوا قد أتوا في العيد ليسجدوا؛ ومن هذا نتعلم أن الصليب هو أعظم حقيقة على جميع البشر مواجهتها، وهو سيؤثر فيهم حتماً إن سلبياً أو إيجابياً. كما نلاحظ أيضاً أن المسيح في يوحنا 3 ذكر حتمية الصليب، إذ قال «ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان». لكن ترى من الذي كان سيرفعه؟ لنا إجابتان على هذا السؤال نجدهما في الفصلين التاليين، أعني يوحنا 8؛ 12. في يوحنا 8 قال المسيح إن اليهود الأشرار هم الذين سوف يرفعونه (هذا هو الجانب الإنساني في الصليب)، وفي يوحنا 12 قال إنه هو الذي سوف يرتفع (وهذا هو الجانب الإلهي). لماذا كان الصليب حتمية؟ الإجابة بحسب يوحنا 3: 14 لكي يفتدينا من لعنة الناموس بل ومن لعنة الخطية، إذ صار لعنة لأجلنا. فإن كان لمطالب عرش الله أن تواجَه، ولعدالة الله أن تكتفي، كان يلزم أن يُدان شخص خالٍ من الخطية بديلاً عن الخطاة. لكن الصليب فيه أكثر من مجرد جانب البر(ع14)، إنه إعلان للمحبة الإلهية (ع16). وإذا كان البر جعل موضوع الكفارة حتمياً، فإن المحبة جعلته ممكناً. ولماذا أصر اليهود الأشرار لا على موت المسيح فقط، بل وموته مصلوباً؟ الإجابة بحسب يوحنا 8: 28 أنهم في شر قلوبهم أرادوا أن يميتوه ميتة اللعنة والعار هذه. لكن رغم هذا فإن ميتة الصلب، رغم قسوتها وبشاعتها، فإنها كانت الوسيلة لرفع المسيح وتمجيده (يوحنا12: 31-33). كيف لا وفيها جرَّد المسيح الرياسات والسلاطين، وأشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب. لقد استجمع الشيطان كل قواه، وضرب ضربته، فكانت الضربة القاضية، لكن عليه هو لا على المسيح! ولقد أراد الأشرار أن يقتلوه لكي لا يذهب الجميع وراءه، لكنه عندما رُفع ومات، استطاع بمحبته أن يجذب إليه الجميع! إن الصليب، الذي يبدو للعين البشرية هزيمة، هو في حقيقة الأمر عين النصرة، ففيه حصَّل الله مجداً، وفيه هُزم الشيطان، وفيه تصالح الإنسان. فلا عجب أن هذا الجزء من الإنجيل (12: 20-33) يبدأه المسيح بالقول «الآن تمجد ابن الإنسان»، ويختم بقوله «وأنا إن ارتفعت عن الأرض»! * * * * على أن تعبير «الصليب» بحصر اللفظ لم يرد في إنجيل يوحنا إلا في الأصحاح التاسع عشر. وهو أصحاح جدير منا بأن نقرأه ونحن جاثين على ركبنا. كيف لا وهو أصحاح الصليب، ويرد فيه هذا التعبير أكثر مما يرد في أي مكان آخر في الوحي، إذ يرد فيه التعبير بمشتقاته 14 مرة! أول هذه المرات ما ورد في ع6 «فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين: اصلبه اصلبه». ونحن هنا لا نلقي باللوم على هؤلاء الأشرار المسعورين وحدهم، بل على بيلاطس الوالي أيضاً. لأن الجلد الذي اقترحه بيلاطس، ونفذه (ع1)، هو عادة مقدمة للصلب. هو بدأ وهم واصلوا، وفي هذا قد أخطأ الحاكم والمحكومين على السواء. وفي هذا الأصحاح أيضاً ترد هذه العبارة المؤثرة: «فحينئذ أسلمه (بيلاطس) إليهم ليُصلَب. فأخذوا يسوع ومضوا به». وكلمة "أخذوا" يسوع هي بعينها التي وردت في أصحاح 1: 11 «خاصته لم "تقبله"». فلقد سبق أن قُدِّم المسيح لهم من الله لبركتهم الأبدية، فلم يقبلوه، لكن أخيراً قدمه لهم بيلاطس، فأخذوه وصلبوه! وأهمية هذا الأصحاح أن يوحنا يكتبه باعتباره شاهد عيان، شاهد كل أحداث الصليب (ع35). فهو ليس ناقلاً للأحداث بل مشاهداً لها. ومن قصة الصليب في إنجيل يوحنا يستوقفنا عنصران بارزان في كل الإنجيل، هما: سمو شخصه (فهو يحدثنا عن المسيح باعتباره ابن الله)، وأيضا موته على الصليب كالمحرقة وكحمل الله. وسنتوقف قليلا عند العنصر الأول لنتحدث عن: سمو شخص المسيح: النص في 19: 7 جعل نفسه ابن الله، قال أنا ابن الله مت27: 43 1- لقد وجِّهت للمسيح في المحاكمات سبع تهم مختلفة. لكن ينفرد يوحنا بأنْ أوضح أنه ليس بسبب تهمة سياسية ملفقة ضده صدر الحكم ضده بالصلب، بل إن التهمة الأخيرة التي كتموها عن الحاكم حتى النهاية، والتي انفرد بتسجيلها يوحنا هي أن المسيح قال عن نفسه: أنا ابن الله. 2- والمسيح في هذا الإنجيل ينفرد برده على بيلاطس: «لم يكن لك علي سلطان البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق، لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم». فالمسيح صمت عندما سأله بيلاطس عن مصدره: مِنْ أين أنت؟ فلم يكن بيلاطس في حاجة إلى مزيد من النور، لأنه لم يعمل بالنور الذي وصله، إذ أقرّ ثلاث مرات أن المسيح بار. وزيادة النور في حالته إنما كانت لتزيد من دينونته. ولكن عندما قال بيلاطس للمسيح أ لست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك. جاءت إجابة المسيح المحمَّلة بالمجد، والتي تفيد أن المسيح هو الحاكم العادل وليس بيلاطس الظالم. 3- ينفرد هذا الإنجيل بالإشارة الصريحة إلى أن يسوع صُلِب في الوسط. فيقول في ع18 «صلبوه، وصلبوا اثنين آخرين معه، من هنا ومن هناك، ويسوع في الوسط». فالمسيح بحسب يوحنا دائما له مكان الوسط، سواء عند الصليب وسط المذنبين، أو في وسط اجتماعات القديسين (20: 19،26)، بل وأيضاً في وسط جماهير المفديين التي لا تُحصى في السماء (رؤ5: 6). 4- ونلاحظ أن هذا الإنجيل، بخلاف باقي البشائر، لا يذكر لنا أن اللذين صُلِبا معه كانا لصين كما ذكر لنا كل من متى ومرقس (مت27: 38،44؛ مر15: 27،32)، ولا ذكر أيضاً أنهما مذنبان كما فعل لوقا (23: 32،33،39). بل يكفي أن يذكر أنهما اثنان آخران (ع18،32)، وتظل المباينة بينهما وبين المسيح الذي في الوسط كاملة! 5- ينفرد هذا الإنجيل بتسجيل الحوار الذي دار بين بيلاطس واليهود بخصوص عنوان علته، وكيف أصرّ بيلاطس على عدم تغيير ما كتب، وهي عبارة تفيح بمجد المسيح. وذاك الذي خضع لليهود في الحكم عليه، رفض تماماً الخضوع بالنسبة لعنوان العلة وقال لهم: «ما كتبت قد كتبت». وواضح أنه لم يكن في عنوان العلة أية علة في المسيح، بل على العكس كانت هي عين الحق: هو ملك اليهود، وها هو يموت ليس عن الأمة فقط بل ليجمع أولاد الله المتفرقين إلى واحد. 6- ينفرد إنجيل يوحنا بحديث الرب مع المطوَّبة مريم قائلاً لها «يا امرأة هوذا ابنك». لقد كانت له لفترة من الزمان علاقات جسدية، لكن الموت أنهى ذلك النوع من العلاقات، لكن لتبدأ علاقات من نوع أسمى بعد القيامة. ونحن في هذه العبارة نراه في سموه الإلهي. 7- وفيه أيضاً يَرد القول «بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل». هذه العبارة تدل على كماله الإلهي باعتباره كلي العلم. ليس فقط رأى وعلم أن كل ما كتب عنه قد تنفذ فعلاً، باستثناء نبوة واحدة صغيرة، وردت في مزمور 69. بل إنه نطق بعبارة قصيرة، مكونة من أربع حروف، وكان في النطق بهذه العبارة الواحدة إتماما للنبوة «فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان». 8- ولما أخذ الخل قال «قد أُكمل». لقد دخل إلى العالم وهو في تمام العلم بما عليه أن يتممه، وها هو يعلن أنه قد تممه بالفعل. وليس فقط تمم الشوط الذي كان عليه أن يقطعه، بل إنه أكمل العمل بمعنى أن ما عمله كان عملاً كاملاً. ونلاحظ أن عبارة «يا أبتاه في يديك استودع روحي» أعلنت كمال ناسوت المسيح؛ لذلك سجلها لوقا. بينما عبارة «قد أُكمل» أعلنت لاهوته؛ ولذلك انفرد بتسجيلها يوحنا. 9- «ونكس رأسه وأسلم الروح». ليس للإنسان سلطان على الروح. لكن هنا نجد إنسانا له هذا السلطان فممن يكون هذا؟! إنه هو الذي أعلن قبل ذلك لليهود «ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها وسلطان أن آخذها». |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يوحنا الزبدى هل هو القديس صاحب إنجيل يوحنا؟ |
إنجيل يوحنا |
إنجيل يوحنا |
الصليب والفداء في إنجيل مرقس |
إنجيل يوحنا |