رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا تقف حكمة بشرية ولا فهم ولا مشورة ضد الله، وكما يقول الرسول بولس: "لأننا لا نستطيع شيئًا ضد الحق، بل لأجل الحق" (2 كو 13: 8). كان شاول الطرسوسي يظن أنه قادر على تحطيم الحق الإنجيلي، لكنه في الوقت المناسب سمع الصوت الإلهي يقول له: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9: 5). يقول البابا غريغوريوس (الكبير) إن هيرودس ظن أن يخطط ضد المسيح، لكنه فشل في أن يجده، إذ صدر تحذير للمجوس في الحلم ألا يرجعوا إلى هيرودس (مت 2: 7). [هكذا عجز هيرودس عن أن يجد يسوع الذي كان يطلبه. يرمز هيرودس إلى كل الذين يطلبون الرب باطلًا، فإنهم لن يبلغوه.] * وأكثر من هذا يسأل داود الله طالبًا الفهم حتى يدرك وصايا الله، بالرغم من معرفته معرفة تامة أنها مكتوبة في كتاب الشريعة، فيقول: "عبدك أنا، فهِّمني فأعرف شهاداتك" (مز 119: 125). بالتأكيد كان لدى داود الفهم الموهوب له بالطبيعة، كما كان لديه إلمام تام بمعرفة وصايا الله المحفوظة في كتاب الشريعة، ومع هذا نجده يظل مصليًا إلى الله لكي يعلمه الشريعة بإتقان، فما حصل عليه من فهم حسب الطبيعة لا يكفيه، ما لم يُنر الله على فهمه يوميًا، لكي يفهم الشريعة روحيًا، ويعرف وصاياه بوضوح. كذلك أعلن الإناء المختار هذا الأمر "لأن الله هو العامل فيكم، أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرَّة" (في 2: 13). أي وضوح أكثر من هذا أن مسرتنا وكمال عملنا يتم فينا بالكمال عن طريق الله؟! وأيضًا "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله"، وهنا يعلن بأن توبتنا وإيماننا واحتمالنا للآلام هذا كله عطية من الله. يعلم داود أيضًا بذلك، فيصلي مثله لكي يوهب له هذا من قبل رحمة الله، قائلًا: "أيّد يَا الله هذا الذي فعلتهُ لنا" (مز 68: 28)، مظهرًا أنه لا يكفي فقط أن يوهب لنا بداية الخلاص كهبة ونعمة من قبل الله، بل ويلزم أن يكمل ويتمم بنفس تحننه وعونه المستمر. لأن ليس بإرادتنا الحرة، إنما "الرب يطلق الأسرى"، ليس بقوتنا، لكن "الرب يُقوّم المُنحنين"، ليس بالنشاط في القراءة، بل "الرب يفتح أعين العُمْي"، ليس نحن الذين نعتني بل "الرب يحفظ الغرباءَ"، ليس نحن الذين نُعضد، إنما الله "يُعضد اليتيم والأرملة" (مز 146: 7-9). ما أقوله هذا لا يعني أننا نستهين بغيرتنا وجهودنا ونشاطنا كأنها غير ضرورية، أو نستخدم الحماقة، بل ينبغي علينا أن نعرف أننا لا نستطيع أن نجاهد بدون معونة الله، ولا يصير لجهادنا أي نفع للحصول على عطية النقاوة العظمى، ما لم توهب لنا بواسطة المعونة والرحمة الإلهية، لأن "الفرس مُعدّ ليوم الحرب. أما النُصرة فمن الرب" (أم 21: 31)، "لأنهُ ليس بالقوَّة يغلبُ إنسان" (1 صم 2: 9). يلزمنا أن نسبح مع الطوباوي داود قائلين: "قوتي وترنُّمي" ليس بإرادتي الحرة ذاتها. ولكن "هو الرب وقد صار لي خلاصًا". الأنبا بفنوتيوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|