رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نظرة على أقوال المسيح إننا نتعجب عندما نرى أن حياة الرب يسوع القصيرة على الأرض تحتوى على هذا الكَمّ الهائل من الأقوال التي فَاه بها خلال الفترة التي قضاها بيننا على الأرض خادمًا. والأعجب أن أقوال المسيح لم تكن مُستقاة من إعلانات أتَتَ إليه من السماء، بل لقد كان هو شخصيًا مصدرًا لها. إن موسىكان ينسب أقواله لله، كما نقرأ كثيرًا «وقال الرب لموسى»؛ والقول «هكذا قال الرب»، الذي نطق به كل من إيليا وأليشع وغيرهما، كان المستند والدعامة لخدمتهم النبوية. 1- الشهادة عن أقوال المسيح وعلى الرغم من ذلك فإن كل أقوال الأنبياء في يومهم لم تلقَ من الشهادة والتأييد مثلما لاقت أقوال الرب يسوع وهو ما زال هنا على الأرض. ويمكننا حصر سبع شهادات جاءت على ألسنة جماعات وفئات مختلفة من البشر عن أقوال المسيح. 1- «لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يو7: 46). هذه هي شهادة الخدام الذين أرسلهم الفريسيون ورؤساء الكهنة ليمسكوا يسوع (يو6: 32). هذا تقرير وإقرار من يكنّون كراهية للمسيح. 2- «وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (لو4: 22). هذه هي شهادة الجموع التي استمعت إليه في مجمع الناصرة، فقد كانت كلماته مقنعة وسبب بركة للسامعين. 3- «ولما أكمل يسوع هذه الأقوال بُهتت الجموع من تعاليمه لأنه كان يعلمهم كمَن له سلطان وليس كالكتبة» (مت7: 28)؛ فقد كانت أقواله لها التأثير المباشر على قلوب وضمائر المستمعين. 4- «وكثيرون إذ سمعوا بُهتوا قائلين: من أين لهذا هذه؟» (مر6: 2)، أي هذه التعاليم الراقية والسامية التي تُعتبَر أسمى تعاليم قيلت في كل العصور والأجيال. 5- «ولما جاء إلى وطنه كفرناحوم كان يعلّمهم من مجمعهم حتى بُهتوا وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة؟» (مت13: 54)؛ فلم يعبُر على الأرض إنسان نطق بكلمات الحكمة مثلما فعل المسيح، الذي هو ”الحكمة متكلمًا“ (أم28: 12). 6- «فلم يقدروا أن يمسكوه بكلمة قدام الشعب» (لو20: 26). هنا نجد أن أقوال المسيح وإجاباته لا يوجد بها أي خطإٍ يُمسَك عليه، لذلك نراهم وقد تعجبوا من جوابه وسكتوا. 7- «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يكلمنا في الطريق، ويوضِّح لنا الكتب؟» (لو24: 32). هنا نجد الرب يتكلم مفسِّرًا وشارحًا الكتب المقدسة، باعثًا في قلوبهم شوقًا إليه، والتهابًا وفرحًا غامرًا، وفهمًا كاملاً. وعليه فإننا نجد في هذه الشهادة السباعية أن أقوال المسيح، دون غيرها من أقوال البشر، اتصفت بالنعمة والسلطان والسمو والحكمة وبالخلو الكامل من الخطإ، كما أنها تفرح القلب وتهب الفهم. عزيزي هل تتمسك بأقوال المسيح وتجلها وتحترمها، فتقدر أيضًا من فاه بها؟ 2- عن أي شيء عبَّر كلام المسيح حينما قال اليهود للمسيح «مَن أنت؟» قال لهم «أنا من البدء ما أكلمكم به» (يو8: 25). أي أن المسيح أراد أن يقول: ”إن أقوالي هي التعبير الكامل عن شخصيتي ومن أنا“. فهو لم يتكلم يومًا أقوالاً منقولة عن غيره من البشر للتعبير عن أفكارهم أو مبادئهم أو حياتهم، بل لقد كانت أقواله تعبيرًا عن شخصيته هو ومبادئه هو وتعكس حياته التي عاشها. كما أنه في هذه الأقوال التي تفوَّه بها، حفظ مجد الله في كل شيء، في كل قول نطق به، وكل عمل أنجزه، بينما نرى أعظم الأنبياء - كل في يومه - فشل في حفظ مجد الله. فموسى أمره الرب بأن يكلِّم الصخرة، فضربها مرتين (عد20: 7-12)، ولا ننسى إيليا وهو تحت الرتمة (1مل19: 4). فأين نجد إنسانًا استطاع أن يحفظ المجد الإلهي بهذا القدر من الجمال والكمال في كل الأقوال؟ 3- كيف تكلم المسيح مّما يعبِّر عن كمال الشخصية التنوع في أسلوب ونوع ومادة الكلام، بل ونبرته في المواقف المختلفة، كلٍّ بما يناسبه تمامًا. فأقوال البشر عامة، تبدو متناقضة وغير متوافقة مع الحقيقة أو منسجمة معها، مثلما نرى في أقوال عالي الكاهن لحنة وهي تصلي عند قائمة هيكل الرب (1صم1: 14). أما الرب فقد تكلّم في كل موقف بما يناسبه تمامًا، لا من جهة الحالة الخارجية الظاهرية فقط، بل طبقًا للحالة الباطنية الداخلية في أحيان كثيرة (مر2: 8-11). كما أننا نراه يتكلم هادئًا في مجمع الناصرة (لو4)، وتارة صارخًا عند قبر لعازر (يو11)، وفي جثسيماني نراه يتكلم باكيًا (لو22؛ عب5). بل لقد تكلم في كل ما يتعلق بالإنسان. تكلم في شتى المجالات وفي كل الظروف، تكلم محاورًا مقنعًا له، وتارة موبِّخًا، وأخرى حانيًا. تكلم واعظًا معلِّمًا، تكلم مجاوبًا عن أسئلة واستفسارات بل واتهامات، فلم يتهرب من الإجابة يومًا ولو في أحرج المواقف ومهما ترتب عليها من نتائج. 4- لمن تكلم المسيح إن المسيح هو الشخص الوحيد الذي اتسعت دائرة أحاديثه إلى جميع فئات البشر، جماعات أو أفراد. ففي محيط العائلة تكلم إلى أبويه (لو2)، والى أمه (يو2)، وأخوته (يو7). تكلم إلى رجال الدين كما إلى عامة الشعب، تكلم إلى الشرفاء والأدنياء، تكلم إلى الحكماء والجهلاء، تكلم إلى الأردياء والصالحين، تكلم إلى الأصحاء والمرضى، تكلم إلى أصحاب النوايا الحسنة والسيئة، تكلم إلى الرجل كما إلى المرأة، تكلم إلى الأحياء والأعجب إلى الموتى، مدح وأدان. وفى كل ما قال تكلم بما يليق بكماله الشخصي كالإنسان الكامل. 5- بماذا تكلم المسيح لا شك أن الكثير من أقوال المسيح اختص بها سامعيه بصفة عامة، كما أنه له أحاديثه الخاصة مع تلاميذه. وسنورد فيما يلي بعض الأقوال التي نطق بها الرب قطوف من أقوال المسيح 1- «لأني نيري هين وحملي خفيف» (مت11: 30). 2- «أريد رحمة لا ذبيحة» (مت12: 7؛ 9: 13). 3- «إن أراد أحد أن يأتي ورائي» (مت16: 24؛ مر8: 24؛ لو9: 23). 4- «لأن من له سيُعطى وأما من ليس له...» (مر4: 25). 5- «لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر» (مر4: 28). 6- «بماذا كنتم تتكالمون؟» (مر9: 33). 7- «من ليس علينا فهو معنا» (مر9: 40). 1- لأن نيري هين وحملي خفيف هذه هي الدعوة التي وجّهها المسيح - له المجد - لمستمعيه من اليهود الذين كانوا مثُقَِّلين بنير الناموس (أع15: 10)، ونير الفريسيين وتعاليمهم، وذلك بدعوته لهم أن يحملوا نيره هو. ونير المسيح يعني وداعته التي اتصف بها وتواضعه وطاعته لمشيئة أبيه. فهذا نير، إذا قبلناه واتصفنا به في حياتنا، فإنه يخفِّف عنا كل مصاعب وأتعاب الحياة، لأنه يريح النفس «فتجدوا راحة لنفوسكم». وعليه فأي نير تحمل يا عزيزي؟ هل ما زلت تحمل نير البشر الذي يحني النفس والقلب ويشعرك بعدم الحرية؟ أم أنك تحمل نير المسيح الخفيف المناسب اللطيف؟ 2- أريد رحمة لا ذبيحة اقتبس المسيح هذه العبارة من هوشع 6: 6، إذ نقرأ هناك قول الرب على لسان النبي هوشع للشعب: «إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الرب أكثر من المحرقات». فالرب هنا يدعو الشعب الذي تحوَِّل عنه ورفض الإصغاء إلى صوت أنبيائه، يطالبهم الرب بإظهار الرحمة نحو المساكين من شعبه، فذلك أفضل من اهتمامهم بالطقس والمظهر الخارجي دون الاهتمام بالجوهر، الذي هو معرفة الله معرفة حقيقية. فطاعته ومخافة اسمه أفضل من كل المحرقات الدموية التي يجتهدون في الحفاظ على ممارسة تقديمها في المواسم والأعياد كما تنص شريعة موسى. إن هذا القول قد اقتبسه الرب وهو هنا على الأرض في مناسبتين: الأولى، في بيت متى (مت9: 13)، حيث دعا متى كثيرين من العشارين والخطاة، الأمر الذي استاء منه الفريسيون إذ قالوا منتقدين الرب: «إنه يأكل مع العشارين والخطاة». إلا أن قول المسيح هذا «اذهبوا وتعلموا ما هو» بمعنى: يجب أن تفهموا ما هو جوهر الشريعة، وهو أني أريد رحمة. والرحمة هنا هي رغبة الله الصادقة في خلاص هؤلاء الخطاة، وهو بعمله هذا يكون قد أظهر لهم رحمة الله. وهذه الرحمة، كما عبَّر المسيح عنها، َهي أعظم بما لا يُقاس من حفظ الشخص المتدين للمظهر الطقسي الخارجي للديانة، ثم إدانة البشر وانتقادهم على سوء سلوكهم، دون إظهار أية رغبة في خلاصهم. ثم نطق المسيح أيضًا بهذه العبارة في متى 12: 7، وذلك حينما أدان الفريسيون تلاميذَ المسيح على قطفهم السنابل في يوم السبت. وأراد الرب بقوله هذا أن يفهم الفريسيين جوهر الناموس أنه لخدمة الإنسان، لا لزيادة معاناة الإنسان، فلقد كان تلاميذ المسيح جائعين، ولم تمنع الشريعة ما فعلوه. أما المسيح فقد استخدم التاريخ في حادثة أكل داود من خبز التقدمة، ليبرر ما فعله تلاميذه. ألا نقرأ قول يعقوب في رسالته (يع 2: 13) أن «الرحمة تفتخر على الحكم»؟ إذ أن الله يجد سروره في الرحمة أكثر من الدينونة. فهل فهم الفريسيون ذلك في يومهم؟ وهل فهمنا نحن هذا القول الإلهي: «إنى أريد رحمة لا ذبيحة» لنسلك به كمن عرفنا شخص المسيح؟ 3- إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه أراد المسيح أن يوضح بلا أي خداع أو تملق، الطريق الذي يجب على تلاميذه أن يسلكوها «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني». فالمسيح لم يَعِد تلاميذه بحياة الرفاهية والراحة، أو ببريق الوعود والإغراءات إن تبعوه، بل أراهم الطريق الذي يجب أن يسلكوه إن أرادوا أتباعه، وهو (أي المسيح) خير مثال لنا في اجتياز هذا الطريق. هذا هو الطريق الذي سلكه هو - له المجد - ونحن في أثره نسير. 4- لأن من له سيُعطى. وأما من ليس له... في حديث الرب عن حمل الصليب نرى التألم هو طريق التلميذ، أما حديث الرب هنا فينصرف إلى حياة ”الشهادة“ لأولئك الذين عملت كلمة الله في قلوبهم وأثمرت حياة أبدية فيهم. إن هؤلاء الذين عرفوا المسيح أصبحوا تحت مسئولية وامتياز إذاعة الحق، بمقدار ما وصل إليهم من التعليم المسيحي. لقد أوضح الرب أن المعوِّق الأول للشهادة هو ”اختفاء السراج تحت المكيال“. وهذا معناه أن ارتباك المؤمن بالحياة الزمنية اليومية قد لا يتيح له الوقت والفرصة لتقديم الشهادة من خلال العمل الذي يقوم به، فالشهادة تختفي بسبب روح محبة للعالم، والانغماس في الاهتمام بالحياة الأرضية أكثر من الاهتمام بالشهادة للحق. كما حذّرنا الرب من طبيعتنا البشرية المتكاسلة. ذلك النوع من الحياة الذي شبّهه الرب ”بالسرير“. فطلب الراحة، وعدم الرغبة في التعب يخفي الشهادة، مع أن هؤلاء قد يحتفظون بالحق لأنفسهم فقط. وقد شجّع الرب تلاميذه، ويشجعنا نحن بهذا القول «لأن من له سيُعطى». ونفهم من هذا أن من له الأمانة في الشهادة للحق الذي يمتلكه سيُعطى له أيضًا المزيد من المشجعات الإلهية، لتأخذ شهادته اتساعًا في المجال وعمقًا في التأثير. وأما «من ليس له، فالذي عنده سيؤخذ منه». وهنا يحذر المسيح أن كل من ليس له الرغبة أو الأمانة في تقديم الشهادة، فبعد وقت يؤخذ ما عنده. ألا يشجعنا هذا وذاك على مواصلة الشهادة للمسيح؟! 5- لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر يقدِّم لنا الرب هنا أعظم المشجِّعات لكي نقدِّم الشهادة بإيمان ويقين: أن ثمارها لا بد آتية، لأن الزارع الذي يلقي البذار على الأرض، يذهب بعد إلقاء البذار إلى مضجعه لينام ثم يقوم. إلا أن البذار التي زرعها تطلع وتنمو. أما كيف يتم ذلك، فهذا هو عمل الكلمة الخفي والمعجزي، في آنٍ واحد، في القلب البشري، وذلك لان الله هو الذي يُنمي (1كو3: 6،7). 6- بماذا كنتم تتكالمون؟ إن الجدال الذي دار بينهم كان الرب على عِلم به (لو9: 47)، وإذ أراد أن يعالج الموقف، أظهر حكمة ولطفًا، فتأنّى عليهم حتى وصلوا إلى البيت. وهناك، بعيدًا عن جماهير الطريق، بادرهم بلطفه الجميل قائلاً: «بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق؟». لقد انصرف حديثهم إلى من يكون الأعظم، وهي رغبة الجسد في تعظيم الذات البشرية، الأمر الذي يرفضه الرب لأن يكون بين قديسيه، وبين خدامه بصفة خصوصية. ومهما كانت مبرِّرات التلاميذ، فإنه لا يجب أن يكون بين خدام الرب غيرة أو جدال أو مشاجرة (لو22: 24)؛ لأن الخدمة ليست سباقًا أو منافسة محمومة بين الواحد والآخر، وإن كانت حسنة هي الغيرة في الحسنى. إلا أن الطريق الصحيح الذي رسمه لنا المسيح لمن يكون الأعظم هو أن يكون الشخص آخر الكل، أي يتذيل القائمة. وهذا هو الشعور القلبي الصحيح لكل عظيم، إذ لا يسعى بنفسه للتقدم على إخوته راغبًا في إظهار ذاته وما عنده من إمكانيات قد لا تتوافر في غيره. 7- من ليس علينا فهو معنا هنا يُخرج الرب تلاميذه من تحيّزهم المذهبي الضيق لجماعتهم، ونحن أيضًا معهم. فليس لأن ذلك الرجل لا يتبعنا، نقاوم ونرفض خدمته، أو نقلل من شأنها. ومن المؤكد أن تلك الروح المذهبية التي كانت للتلاميذ ما زالت عند كثيرين في يومنا هذا، فالبعض يرفضون الآخرين لكونهم ليسوا من نفس الجماعة التي ينتمون إليها. والشخص المتعصب هو شخص ضيق الأفق، لا يرى إلا أنه هو وجماعته فقط مستودع الحق، وكلٌ يرى أن ما يمارسه هو وجماعته هو أكمل شيء، وقد يكون هذا صحيحًا عند البعض، إلا أنه ليس مبرِّرًا للتعصب. ومن الجانب الآخر يجب أن نفهم أن للرب خدّامًا مدعوين دعوة إلهية وموهوبين، في كل مكان في الأرض، علينا أن نعطيهم كرامتهم، ليس لكونهم ينتمون إلينا، بل لأنهم خدام للمسيح، ويعملون لأجل غرض واحد، هو مجد المسيح. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نظرة عَالِمْ إلى قيامة المسيح |
نظرة المسيح للمرأة |
خد نظرتك لنفسك من نظرة المسيح |
نظرة حول معجزات المسيح |
نظرة المسيح للزواج |