رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الدرهم المفقود يكشف مثل الخروف الضال عن حب الراعي، الذي أخلى ذاته ونزل إلى أرضنا باحثًا عن الإنسان المتكبر، لا ليعنفه، ولا ليجرح مشاعره، بل بالحب يضمه إلى صدره، ويحمله على كتفيه ويرده إلى جمهور السمائيين. وفي المثل التالي يقدَّم لنا صورة لما يجب أن تكون عليه الكنيسة عروس الراعي، والحاملة ذات سماته الخاصة تجاه الساقطين، تبحث بالحب عنهم وتترفق بهم وتبتهج برجوعهم، إذ يقول: "أو أية امرأة لها عشرة دراهم أن أضاعت درهمًا واحدًا. ألا توقد سراجًا، وتكنس البيت، وتفتش باجتهاد حتى تجده؟! وإذا وجدته تدعو الصديقات والجارات، قائلة: "افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي أضعته". هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب "[8 - 10]. بالمثل السابق أشار الخروف الضال إلى العائلة التي على الأرض، إذ نعرف أننا ملك الله إله الكل الذي يخلق الموجودات من العدم، وكما كتب: "هو خلقنا وليس نحن" (مز 100: 3)، وأيضًا: "هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده" (مز 95: 7). وبهذا المثل الثاني الذي فيه يقارن المفقود بدرهم، وأنه واحد من عشرة، أي من رقم كامل... واضح أننا نحمل الشبه الملوكي والصورة الملوكيَّة التي لإله الكل، لأن الدرهم كما أظن مختوم عليه الشبه الملوكي. فإن كنا قد سقطنا وصرنا مفقودين، وجدنا المسيح وشكلّنا بالقداسة والبّر على صورته، الأمر الذي لا يشك فيه أحد إذ كتب الطوباوي بولس هكذا: "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18). وبعث إلى أهل غلاطيَّة هذه الكلمات: "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 4: 19). لقد تم البحث عما قد سقط، فأضاءت المرأة السراج، وكما قلت لقد وُجدنا نحن بواسطة حكمة الله الآب، الذي هو الابن، عندما أشرق بنوره الإلهي العقلي علينا، وأشرقت الشمس، وانفجر النهار وطلع كوكب الصبح (2 بط 1: 19) كقول الكتاب. فقد قال الله أيضًا في موضع آخر بواسطة أحد الأنبياء القدِّيسين عن المسيح مخلِّصنا نحن جميعًا: "يقترب برّي سريعًا، وتعلن رحمتي، ويتقد خلاصي كمصباح" (إش 62: 1 الترجمة السبعينيَّة). كما قال السيِّد عن نفسه: "أنا نور العالم" (يو 8: 12)، كما قال: "أنا قد جئت نوراُ إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو 12: 46). إذن بالنور قد خلص ما قد هلك، فصار فرح للقوات العلويَّة. القدِّيس كيرلس الكبير. فرح هذه المرأة التي وجدت الدرهم المفقود ليس بقليل الأهمية، لأن الدرهم عليه صورة الملك. هذه الصورة نملكها في الكنيسة.... أقول ليتنا كخراف نتضرع لله كي يقودنا إلى مياه الراحة (مز 22: 2) ونطلب المراعي، وكدراهم فلنحتفظ بقيمتنا (نحمل صورة الملك فينا) وكأبناء نرجع إلى أبينا. القدِّيس أمبروسيوس. المرأة هنا والراعي يحملان ذات المعنى، إذ يمثلان الله وحكمة الله. لما كان الدرهم عملة تحمل صورة، هكذا المرأة التي تفقد الدرهم تعني عندما يشرد الإنسان المخلوق على صورة الله، إذ يفقد تشبهه بخالقه بسبب الخطيَّة. تضيء المرأة سراجها [8]، إذ ظهرت حكمة الله للبشر. فالسراج في بساطة هو نور يوضع على حامل، أما هنا فالنور هو اللاهوت اتَّخذ ناسوتًا (صار إنسانًا). ذاك الذي هو الحكمة يتحدَّث عن منارة جسده بكلمات المزمور: "يبست مثل شقفة قوتي" (مز 22: 15). كما أن الطين يتثقل بالنار، هكذا جفت قوَّته كذاك الطين، بمعنى أنه باحتماله آلامه تقوىّ الجسد الذي حمل مجد القيامة. أُوقد السراج مرة وفُتش البيت، فإنه ما أن ظهر لاهوته في الجسد حتى ارتعب ضمير الإنسان بحقيقة خطيته العظيمة (كأنه بالبيت الذي فُتش رأسًا على عقب). جاءت الكلمة "Evertere" التي تعني انقلابًا للشيء (رأسًا على عقب) لا تختلف عما وردت في بعض المخطوطات "Emundre" التي تعني "كنس"، فإنه ما لم ينقلب العقل الذي انحط وذلك بالخوف لا يمكن أن يُنظف (يُكنس) من عاداته الرذيلة. إذ فُتش البيت وُجد الدرهم، إنه إذ يرتبك ضمير الإنسان (على خطاياه) يكتشف صورة خالقه. "وإذا وجدته تدعو الصديقات والجارات، قائلة: افرحن معي، لأني وجدت الدرهم الذي أضعته" [9]. من هن هؤلاء الصديقات والجارات إلا القوات السمائية الذين تحدَّثنا عنهم قبلاً؟! هؤلاء دائمًا بالقرب من الحكمة الإلهيَّة لأن النعمة تنيرهم بحضورها الدائم. لكن، لنفكر في هذه الأمور، ولا ننسى السبب لماذا قيل عن هذه المرأة التي تمثل الحكمة الإلهيَّة عشرة دراهم، فقدت واحدًا ثم عادت فوجدته بعد البحث. لقد خلق الله الملائكة والبشر لكي يتعرفوا عليه، وإذ وهبهم الحياة الأبديَّة شكلهم بلا شك على صورته. كان للمرأة عشرة دراهم، لأن الملائكة تسع طغمات. وكان لابد أن يتم رقم المختارين بخلقه الإنسان، هذا الذي لم يُفقد حتى بعد العصيان إذ أضاء حكمة الله الأبديَّة على الكل لتظهر بالمعجزات التي تممها على الأرض مصلحًا مما أفدسته الخطيَّة بنور حضوره الجسدي كسراج على المنارة. البابا غريغوريوس (الكبير). من هي المرأة؟ إنها جسد المسيح. ما هو السراج؟ "هيأت سراجًا لمسيحي" (مز 132: 17)، لذلك كان يُبحث عنا حتى نوجد، وإذ نوجد ننطق. ليتنا لا نفتخر لأننا قبلاً لم نكن موجودين بل كنا نبقى هكذا مفقودين لو لم يُبحث عنا. القدِّيس أغسطينوس. لقد أشعل السراج، أي جسده، وكنس البيت بتطهير العالم من الخطيَّة وطلب العملة والصورة الملوكيَّة التي طمستها الأهواء. أنه يدعو أصدقاءه، أي القوات الملائكيَّة عندما يجد عملته ليشاركوه فرحه، إذ سبق فجعلهم يشتركون (بالتسبيح) في سّر تجسده. هذا هو غاية الله فينا، إذ صار إنسانًا من أجلنا وافتقر (2 كو 8: 9) لكي يقيم جسدنا (رو 8: 11)، ويرد صورته فينا (لو 15: 9؛ 1 كو 15: 49)، ويجدد الإنسان لنصير كلنا واحدًا فيه. القدِّيس غريغوريوس النزينزي. يُقال أنه يكون فرح عظيم وعيد مبهج في السماوات عند الآب مع ملائكته عند عودة خاطئ واحد وتوبته. القدِّيس إكليمنضس السكندري. السماوات والملائكة الذين فيها يفرحون بتوبة الإنسان. آه أيها الخاطئ كن في بهجة صالحة! انظر كيف يكون فرح في الرجوع والتوبة؟!. العلامة ترتليان. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|