الله الصالح
الله يرفق، ويتأنى لأنه صالح.
يتعامل الله مع البشر بحسب صلاحه وغناه وكرمه، ولا يعطي الناس حسب استحقاقهم، فهو مستعد لغفران خطايا التائب منهم، وهو يتأنى عليهم، فلا يحرم الخطاة من عطاياه، كقوله: "لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" (مت ٥: ٤٥).
وقوله عن اهتمامه بيونان النبي، رغم تذمره على الله: "فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا" (يون ٤: ٦).
إن وقوع العقوبة الأرضية على الإنسان عند كل خطية أمر يتنافي مع لطف الله وحنانه، وغفرانه، كقوله: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ" (رو ٢: ٤، ٥).
أمر غير منطقي
ليس من المنطقي أن يحيل الله حياة الإنسان جحيم، بعدم إعطائه فرصة للتوبة عن خطاياه، لأن مكافأة التوبة هي المسامحة والغفران. فهل يجازي الله في الأرض عن كل خطية؟! ولا يسامح أبدًا؟! فيحرم الإنسان من المسامحة والغفران؟! ولكن في تلك الحالة يجوز لمعترض أن يقول لماذا إذًا خلق الله الإنسان الضعيف هل ليهلكه؟! لأن الله يعلم مسبقًا بضعفه، ولكن حاشا لله أن يفعل ذلك، لأنه رقيق القلب وحنون، كقوله: "لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ" (مرا ٣: ٣٣).
الله لا يوافقه مبدأ العصا المرفوعة.
مبدأ العقاب الإلهي على كل خطية يلغي مبدأ الرحمة، ويجعل الناس في خوف دائم، وفي انتظار حلول المصائب من عند الله، وبذلك لن يكون الله صانع خيرات، وكيف يستطيع الإنسان أن يحب الله في تلك الحالة؟! والله يأمرهُ بأن يحبه، بقوله: "وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى" (مر12: 30). وهل يمكن للإنسان أن يحب مَن يهدده على الدوام بالعقاب والمصائب؟!
الله القدوة والمثال.
طالب معلمنا بولس الرسول شعب كورنثوس بالتمثل بالرب يسوع المسيح، قائلًا: "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ" (١كو١١: ١) ولهذا نحن نحب الآخرين، ونغفر لهم، ونطيل أناتنا عليهم، ونرحمهم، فمن يدعي أن الله يعاقب، ولا يتأنى، ولا يرحم، يناقض ما جاء في الكتاب المقدس عن ضرورة التمثل بالله الكثير الرأفات.. وكيف نفسر هذه الآيات الكثيرة التي تتحدث عن حب الله، وكثرة مراحمه، كقوله: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (١يو ٤: ١٩).