|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النبوة الرابعة 15 ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ الْمَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. 16 وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ الْعَلِيِّ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ سَاقِطًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ: 17 أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى. 18 وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثًا، وَيَكُونُ سِعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثًا. وَيَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ. 19 وَيَتَسَلَّطُ الَّذِي مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَهْلِكُ الشَّارِدُ مِنْ مَدِينَةٍ». قلنا أن النبوة الأولى ركزت بالأكثر على رؤية إسرائيل الجديد من خلال التجسد، والثانية من خلال الصلب والقيامة، والثالثة من خلال الروح القدس، والآن يوضح بالأكثر عن الكنيسة الكارزة دون أن يفصل هذه الأعمال الخلاصيّة عن بعضها البعض. بدأ مقدمته بذات الكلمات التي نطق بها في مقدمة النبوة السابقة لكنه يضيف هنا عبارة عجيبة لا يجرؤ نبي أن ينطق بها: "ويعرف معرفة العلي" (ع 16). لماذا نطق بهذه الكلمات؟ هل لأنه ما رآه وتعرَّف عليه يفوق كل إدراك بشري، لم يكن يتوقعه قط فحسب في نفسه أنه قد أدرك معرفة العلي؟ أو لأنه تعرَّف على أسرار الابن الوحيد الذي قال "لا أحد يعرف الآب إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27)، وكأنه يريد أن يؤكد أن الابن المتجسد والذبيح يكشف له أسرار الآب؟ أو لأنه دخل خلال النبوة إلى يوم البنطيقستي والتقى بالروح القدس الذي "يفحص كل شيء حتى أعماق الله؟" (1 كو 2: 10) أو لعله كإنسان قد تمتع بهذه العطايا وأدرك هذه الأسرار أراد أن يميز بين معرفته السابقة ومعرفته الحالية، قبلًا كان يستخدم فنون السحر والعِرافة ويعتمد على الشياطين مدعيًا معرفة المستقبل، أما نبواته هذه فهي عطيّة الله، إنها معرفة الله الصادقة لا الشياطين المضللة. ويرى البعض أن بلعام كإنسان غير نقي القلب إذ تمتع بعطايا الله ومعرفته تحوَّل إلى الكبرياء والاعتداد بالذات عِوَض الاتضاع والانسحاق. يقول: "أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا" [17]. من الذي يراه ولكنه كمن هو بعيد؟ "يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم طرفي موآب، ويهلك كل بني الوغى. ويكون أدوم ميراثًا، ويكون سعير أعداؤه ميراثًا. ويصنع إسرائيل ببأس. ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة" [17-19]. يقول "أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا"، وبحسب الترجمة السبعينيّة يقول "سأشير إليه ولكن ليس الآن، أباركه ولكنه لم يقترب" رآه بروح النبوة أو أشار إليه لكنه بعيد عنه، إذ بقى أكثر من 1500 عامًا على تجسده حين نطق بلعام، إنه يشير إليه من بعيد حتى يأتي ملء الزمان (غل 4: 4) فيقترب إلى الأمم ويفهم المجوس هذه الكلمات. حينئذٍ يباركون الرب مقدمين قلوبهم وحياتهم مع ذهبهم ولبانهم ومُرّهم. يقول بلعام "أبارك" لكنه لم يقترب بعد، يأتي وقت فيه يقترب الرب فتنفتح ألسنة الأمم بكلمات التسبيح والبركة. أما قوله: "يبرز كوكب من يعقوب، يقوم قضيب (إنسان) من إسرائيل"، فيحمل نبوة عن لاهوت السيد وناسوته، فهو الكوكب السماوي الذي جاء متجسدًا ليملك (قضيب) على قلوب البشريّة. وكما سبق فقلنا أن هذه النبوة سجلت في كتب أبناء المشرق، خلالها تعرف المجوس على الملك المولود حين ظهر لهم النجم في المشرق. بظهوره كوكبًا منيرًا في قلوب الأمم خلال الكرازة بالإنجيل "يحطم طرفي موآب". إن كان رؤساء موآب يعني تحطيم عمل الشيطان وخداعاته اليمينيّة (البر الذاتي) والشماليّة (الخطايا والنجاسات). الكرازة بالإنجيل تحرر موآب من رؤسائه، أو كما يقول العلامة أوريجينوس: ["هذا المولود من إسرائيل يحطمهم عندما يجرد الرياسات والسلاطين ويشهرهم جهارًا على صليبه" (كو 2: 15)، فيخلص الموآبيّين ويقودهم إلى معرفة الرب]. "وَيُهْلِكُ.. بَنِي الْوَغَى"، وفي الترجمة السبعينيّة: "ويهلك بني شيث". يرى العلامة أوريجينوس أنه بعد قتل هابيل أنجبت حواء "شيث" الذي خرج منه كل جنس البشر، أما نسل قايين فأهلكه الطوفان. هذا الجنس صار غنيمة للشياطين. لهذا إذا جاء السيد وصارت كلمة الكرازة بالإنجيل حطم الشيطان وسَبَى هؤلاء الذين كانوا تحت قبضته، فصار كغنيمة للسيد (أف 4: 8). هنا يهلك السيد الشرّ الذي فيهم ويقتنيهم أسرى الخلاص، ليدخل بهم إلى سمواته. لهذا يقول العلامة أوريجينوس: [إني أشتهي أن أكون أنا أيضًا أسير المسيح، يقتادني مع غنائمه، ويحفظني مقيدًا برباطاته، فأستحق أن يقال عني: "أسير يسوع المسيح" (أف 3: 1)، كما كان الرسول بولس يقول مفتخرًا]. يقول بلعام: "ويكون أدوم ميراثًا، ويكون سعير (عيسو) أعداؤه ميراثًا" (ع 18). قلنا قبلًا أن أدوم هو بعينه سعير الذي هو عيسو. فإن كانت كلمة "أدوم" تعني إنسانًا دمويًا محبًا للقتال، وسعير تعني "شعر". فإن أدوم ربما تشير إلى النفس البشريّة وقد فسدت بالخطيّة فصارت محبة للقتال، وسعير تشير إلى الجسد المملوء شعرًا وكأنه بالكرازة بالإنجيل يملك الله على النفس والجسد معًا، فينزع عنا الإنسان العتيق العامل في نفوسنا وأجسادنا ونوهب الإنسان الجديد كميراث الله فينا. يرى العلامة أوريجينوس أن أدوم كما سعير يشيران إلى الجسد، بكون أدوم يشير إلى الدم (الجسد) وشعير إلى الشعر. لهذا يُعلِّق قائلًا: [أدوم هو الجسد الذي يقاوم الروح (غل 5: 17)، عدو الروح. ولكن في مجيء المسيح إذ نخضع الجسد للروح برجاء القيامة يحصل الجسد أيضًا على الميراث. لأنه ليس فقط النفس كانت عدوًا للروح بل والجسد أيضًا، فبإطاعته للروح القدس يكون له نصيب في الميراث الآتي]. أما قوله: "يصنع إسرائيل ببأس" (ع 18)، فإن المؤمن وقد خضع بنفسه وجسده لعمل الروح القدس وصار ميراثًا للرب، يصير رجل بأس لا يقدر عدو الخير على مقاومته. حقًا لا يعود يحارب جسده وعواطفه وأحاسيسه، بل تتجند هذه جميعها لا لمحاربة النفس بل لمحاربة الخطيّة، ويصير الجسد الذي كان ثقلًا على النفس معينًا لها. لهذا يكمل قائلًا: "ويتسلط (يظهر) الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة" (ع 19). من هو هذا الذي يظهر أو يتسلط إلاَّ السيد المسيح الذي خرج من إسرائيل، يتجلى في حياة الإنسان المؤمن ببهاء مجده، ويهرب الشيطان الشارد من مدينة الله (القلب). يدخل السيد المسيح إلى القلب بصليبه فيهلك الشيطان ولا يكون له موضع في داخل النفس. يتسلط الإنسان الجديد الحامل سمات المصلوب ويهرب الإنسان القديم بأعماله.. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|