بستان الرهبان الانبا مقاريوس
قيل عن الأب مقاريوس إنه كان يوصي تلاميذَه بأن لا يقتنوا مقتنياتٍ البتة. فقد كان يخاطبهم بقوله: «إن الراهبَ له جبة مع أنه لا يساوي عند نفسِه جبة».
وكان يقول أيضاً: «إن محبي المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيمَ الدنيا ولذَّاتها. وصارت منزلةُ العالمِ عندهم كمنزلةِ العُوَيْد الصغير، فلم يتألموا على فقدِ شيءٍ منه. إن الإنسانَ الذي يأسف على فقدان شيءٍ منه فليس بكاملٍ بعد. فإن كنا قد أُمرنا أن نرفضَ أنفسَنا وأجسادَنا فكم بالحري المقتنيات.
إن الشياطين تحترقُ بهذه الفضيلةِ وأمثالها عندما يرون إنساناً غيَر ملتفتٍ إلى الأشياءِ وليس بمتأسفٍ عليها إذا فقدها، لا سيما إذا علموا أنه يمشي على الأرضِ بغيرِ هوىً أرضي. إن نيَّاتِ الناسِ مختلفةٌ حتى أنه يمكن لإنسانٍ بنيةٍ نشيطةٍ وحارةٍ أن يتقدمَ في ساعةٍ واحدةٍ ما لا يمكن لغيرهِ أن يتقدَّمه في خمسين سنةً إذا كانت نيَّتهُ متوانيةً. والشياطينُ إذا رأوْا إنساناً قد شُتم أو أُهين أو خسر شيئاً ولم يغتم، بل احتمل بصبرٍ وجَلَدٍ فإنها ترتاع منه، لأنها تعتقد وتعلم بأنه قد سلك في طريقِ اللهِ».
وحدث مرةً أن أرسلَ شيوخُ الجبلِ إلى الأنبا مقاريوس يقولون له: «سِرْ إلينا لنشاهدَك قبل أن تنصرفَ إلى الربِّ ولا تضطرَّ الشعبَ إلى المجيءِ إليك». فلما سار إلى الجبلِ اجتمع إليه الشعبُ كلُّه. وطلب إليه الشيوخُ قائلين: «قل للشعبِ كلمةً أيها الأب». فقال: «يا أولادي الأحباء، عظيمٌ هو مجدُ القديسين، فينبغي أن نفحصَ عن تدبيرِهم الذي نالوا بواسطتهِ هذا المجدَ، وبأي عملٍ وفي أي طريقٍ وصلوا إليه.
وقد علمنا أنهم لم يشتروه بغنى هذا العالم ولا حصَّلوه بصناعةٍ ما أو بتجارةٍ ما. ولا اقتنوه بشيءٍ مما يملكون، إذ أنهم تمسكنوا وتغربوا عن هذا العالمِ، وجالوا جياعاً فقراءَ، فعلى ما أراه أجدُ أنهم نالوا ذلك المجدَ العظيمَ بتسليمهم ذواتهم وتدبيرِ أمورِهم ونيَّاتهم للهِ، فأخذوا إكليلَ المجدِ السمائي، فما الذي كان لهم وليس هو لنا سوى أنهم تركوا أهويتهم كلَّها من أجلِ الربِّ وتبعوه حاملين الصليب؛ ولم يفصلهم حبُّ شيءٍ آخر عن محبتهِ تعالى. لأنهم لم يحبوه أكثرَ من الأولادِ فقط مثل إبراهيم، بل وأكثر من ذواتِهم أيضاً، كما يقول بولس الرسول لا شيء يستطيعُ أن يفصلَه عن حبِّ الله.