الإنباء بخيانة يهوذا (ع 18- 30):
18 «لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. 19 أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. 20 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». 21 لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!» 22 فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. 23 وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. 24 فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ. 25 فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟» 26 أَجَابَ يَسُوعُ: «هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ. 27 فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». 28 وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، 29 لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ. 30 فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلًا.
ع18: لا يوجد أي استثناء ليهوذا من الإرسالية، ومن انطباق الكلام السابق كله عليه (ع10). ويضيف أنه بالرغم من اختيار الرب ليهوذا - فالدعوة للجميع - لكن يهوذا اختار الخيانة بإرادته. ويشير المسيح لشاهد كتابى وهو ما جاء بالمزمور (مز 41: 9) "الذي وثقت به، آكل خبزى، رفع علىّ عَقِبَهُ" في أن ما قاله داود عن خيانة أخيتوفل له، هو أيضًا نبوة عن خيانة يهوذا للمسيح. والمعنى أن من اشترك معي في أكلى وشربى، كان يعد العدة للغدر والايقاع بى... والمعنى المباشر لـ"رفع علىّ عَقِبَهُ" هو: رفسنى بقدمه.
ع19: "أقول لكم الآن": أي حتى لا تعثروا فىّ عندما تبدأ آلام الصليب بتسليم يهوذا لى، حيث سأبدو كإنسان لا حول له ولا قوة. بل عندئذ، تتذكرون ما سبق وكلمتكم به، في أنى أنا هو المسيح من جهة... وأن هذا قد تنبأت به أن يحدث، من جهة أخرى.
ع20: الكلام هنا عن إرسالية التلاميذ. فالمسيح هنا، جعل كرامة الخادم من كرامته نفسه، فالذى يقبل خادم المسيح، كأنه قبل الآب والابن معا. والذي يرفض الخادم المرسَل، يرفض الذي أرسله وهو الله عينه (راجع مت 10: 14؛ مر 6: 11؛ لو 9: 5).
ع21: "اضطرب":تفيد بوضوح علامات عدم الارتياح على وجه المسيح، نتيجة تأمله في خيانة أحد أحبائه له، وهو يهوذا، وَعِظَمَ بشاعة هذه الخطية، التي جعلت طبيعة المسيح المقدسة تقشعر، من مجرد ذكرها وإنباء التلاميذ بها... وأكد المسيح نبوته بقوله: "الحق الحق"، لأنه يعلم تمامًا صعوبة تصديق التلاميذ لما ينبئ به من خيانة أحدهم له.
ع22-24: أخذت الدهشة والتعجب والحيرة التلاميذ جميعا، بل كاد أن يكون كلام السيد المسيح كالصاعقة الغير قابلة للتصديق، فحتى وإن أتت الخيانة، فكان بعيدا عن أذهانهم تصور أن يكون أحدهم مصدرها. وهذا يوضح لنا مدى دهاء ورياء يهوذا، الذي خدع به الجميع. ولما اشتدت الحيرة بلا جواب، أشار بطرس إلى يوحنا، القريب من حضن المسيح، ليسأله من يكون هذا؟!
"كان يسوع يحبه":عبارة استخدمها القديس يوحنا للإشارة عن نفسه، وأخفى اسمه اتضاعا، على أن يفهم القارئ قصده. وعلينا أن نوضح أن حب المسيح لم يكن فيه محاباه أو تمييز لتلميذ عن آخر، بل بقدر ما يسعى الإنسان للأخذ، يعطى المسيح من حبه، فلقد كان يوحنا أكثر التصاقا من غيره بالمسيح، فصار أكثر تمتعا أيضًا بهذا الحب من غيره.
ع25-26: استجاب القديس يوحنا لإشارة بطرس الرسول، وسأل المسيح، الذي بدلًا من أن يجيب باسم يهوذا، استخدم إشارة، حرصا منه على عدم إحراجه وسط التلاميذ. والأعجب، أن الإشارة التي استخدمها المسيح، وهي غمس لقمة في طبق به مزيج من عصائر الفواكه والممزوجة بالنبيذ أو الخل، وإعطائها ليهوذا، كانت لا تُستخدم إلا كرمز لإكرام الضيف العزيز، أو الابن الأكبر المقرب للأب... وكأن المسيح يقدم ليهوذا فرصة أخيرة، باعتباره عزيزا عليه ومقربا منه، وكأنه يقول له: ليتك لا تخطئ هذا الخطأ الكبير. ولكن، دون أن يتدخل في إرادته.
ع27: "دخله الشيطان": كانت المؤامرة والاتفاق مع رؤساء الكهنة قد تمت (راجع ع2)، ولكن معنى دخله الشيطان، أن الشيطان أحكم القبض على إرادة يهوذا، ولم يعد لديه أي تردد في تسليم شخص الرب. وهذا ما علمه الرب، فاحص القلوب ومحدد الأزمان، فأعطى الإذن بتسليم نفسه عن طريق الخائن، ليؤكد أنه صاحب السلطان الوحيد في أن يضع نفسه وأن يقيمها.
ع28-29: ولما كان يهوذا حاملا للصندوق، فأقصى ما وصل إليه فهم التلاميذ في ذلك الوقت من حديث المسيح له، هو تكليفه بأن يبادر بشراء احتياجات العيد قبل الازدحام، أو أن يقدم نصيبا من المال لخدمة الفقراء.
ع30: "أخذ اللقمة": وهي لقمة من عشاء الفصح، وليس من العشاء الربانى والأفخارستيا. وهذا ما تعلم به كنيستنا، من أن يهوذا، الذي اشتعل الشر في قلبه، قام مسرعا ليتمم مؤامرته، ولم يحضر مع باقي التلاميذ مائدة العشاء الربانى. ولهذا، فصورة العشاء الربانى الطقسية بالكنيسة، تصور أحد عشر تلميذا، وليس اثنا عشر.