جاء في الأساطير أنه كانت هناك أختان؛ واحدة جميلة وشقراء، والأخرى قبيحة ذات أنف ضخم وشفاه غليظة. الأولى تفتخر دائمًا بجمالها، والأخرى لا تجد ما تفتخر به. أرسلت الأم ابنتها القبيحة لتملأ الجرة من البئر، وحذرتها، كالعادة، من التأخير وإلا فنصيبها العقاب. فأخذت الفتاة الجَرّة وهي حافية، تشق طريقها نحو البئر عبر الرمال الحامية. وبعد أن ملأت الجرّة، حملتها على رأسها العاري وهي تسرع الخطى خوفًا من العقاب. وبينما كانت تتلوى من الأرض الساخنة، إذ برجُل شيخ يعترض طريقها وهو يلهث من العطش، يطلب منها أن تسقيه قليل ماء من جرته. شعرت الفتاة أنها أمام تحدٍّ كبير: فالتأخير ثمنه العقاب، وأما إن سقت العجوز فذلك له أجر وثواب. فقرّرت أن تسقيه مهما كان الثمن. فأنزلت جرتها، وعلى يديها حملتها، ونحو فم العجوز أمالتها، وهي تقول له: تفضل يا سيدي اشرب.
وبينما كان يقترب منها، تغيّرت هيأته، إذ نبتت له أجنحة وارتفع عن الأرض في ملابس بيضاء بهية في هيئة ملائكية، وقال للصبية: اذهبي بسلام يا بنيتي، فكل كلمة تخرج من فمك يخرج معها جنيهًا ذهبيً. إندهشت الصبية وهي تقول له: شكرًا شكرًا، وإذ بجنيهان ذهبيان يخرجان من فمه. عادت الفتاة بسرعة إلى بيتها، والجميع في انتظارها، ليعرفوا سبب تأخيره. بادرتها أمها بالسؤال: لماذا تأخرت؟ فقصّت الفتاة ما حدث لها، وكانت الجنيهات الذهبية تخرج من فمه. فألتف حولها الجميع راغبين في التحدث معها للفوز بالجنيهات التي تخرج من فمه.
فلما رأت الأم ذلك أرسلت ابنتها الشقراء لعلها هي أيضًا تفوز بإنعام السماء. كانت الفتاة الجميلة من ذوات الملابس القصيرة، والألسنة الطويلة؛ فتزيّنت، وتجمّلت، وحملت إبريقها الفضي على رأسها، ودسّت رجليها في شبشبها المزيَّن بالترتر اللامع، وانطلقت نحو البئر، فملأت ابريقه. وفي طريق عودتها صادفتها امرأة عجوز ملابسها رثّة، وشكلها قذر؛ وطلبت من الجميلة قليل ماء من إبريقه. فانتهرتها الفتاة بوابل من الشتائم والكلمات الصعبة وهي تقول لها: "أنتِ تضعي بوزك القذر في ابريقي الفضي، هذا هو المستحيل عينه". وفي لحظات تغيّرت هيئة العجوز، وصارت ملاكًا، قالت للفتاة: "اذهبي ولتخرج مع كل كلمة تنطقينها ثعبانًا". فأجابتها الفتاة وهي تقول: "اخرسي اخرسي". واذ بثعبانين يخرجان من فمه. اسرعت الشقراء إلى بيتها، والجميع في انتظاره. فراحت تشكي، وتبكي، والثعابين من فمها تجري.