رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.“ (رو5:5) +++ تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم ” لأن الضيق ينشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى” (رو5: 4-5). فالضيقات إذا لا تستطيع أن تمحي هذا الرجاء بل على العكس فإنها تزيده. لأنه من المؤكد أن الضيق له ثمر عظيم، حتى قبل الحصول على خيرات الدهر الآتي، هذا الثمر هو الصبر الذي يجعل من يتذوقه إنسانا كاملاً، بل ويساهم أيضا في التطلع نحو خيرات الدهر الآتي، طالما أنه يجعل الرجاء يزدهر داخلنا. لأنه لا يوجد شيئا يجعلنا نترجى خيرات الدهر الآتي أكثر من الضمير الصالح. 3 . ولا يوجد أحد ممن عاشوا في حياة مستقيمة يمكن أن يشك في خيرات الدهر الآتي، تماما كما أن هؤلاء الذين أهملوا وتهاونوا كثيرا في حياتهم، إذ قد صاروا مأسورين من جهة ضميرهم الشرير، فإنهم لا يريدون أن تكون هناك دينونة ولا مجازاة . إذا ماذا يحدث؟ هل ما ننتظره من خيرات يتحقق بالرجاء؟ من المؤكد أنه يتحقق بالرجاء، لكن ليس في الرجاء الإنساني، لأنه رجاء كاذب، وكثيرا ما تخيب آمال من وضع رجائه ي إنسان، فقد يحدث أن يفارق الحياة ذاك الذي كان ينتظر منه تحقيق هذا الرجاء، أو قد يغير رأيه وهو لا يزال على قيد الحياة . إلا أن الخيرات التي تنتظرنا ليست هكذا، إذ الرجاء فيها مؤكد وثابت. لأن ذاك الذي وعد هو حي على الدوام، أما من جهتنا نحن الذين سنتمتع بهذه الخيرات، حتى وإن متنا، إلا أننا سنقوم مرة أخرى. وبشكل عام لا يوجد شيء يمكن أن يخزينا ، كما لو أننا قد تباهينا بلا داع في أمور لا طائل من ورائها. إذن بعدما أزال الرسول بولس كل شك فيما يتعلق بالخيرات الإلهية كما أوضح في كلامه السابق، فإنه لم يكتف بالحديث عن خيرات الحياة الحاضرة، بل أخذ يتكلم مرة أخرى عن خيرات الدهر الآتي، لأنه يعرف أن الضعفاء في الإيمان يطلبون أمور الحياة الحاضرة، لكنهم لا يكتفوا بها. ولذلك يؤكد على تحقيق خيرات الدهر الآتي من خلال الخيرات التي أعطيت ي هذه الحياة بالفعل . ولكي لا يقول أحد ، ماذا لو أن الله لم يرد أن يمنحنا هذه الخيرات؟ لأنه من حيث يستطيع وإنه باق، وأنه حي (إلى الأبد)، فهذا نعرفه جميعا، لكن ما الذي يجعلنا متيقنين من أنه يريد أن يهبنا هذه الخيرات؟ نستطيع أن نتيقن من هذا الأمر، من خلال الخيرات التي أستعلنت لنا بالفعل . وأين أستعلنت؟ أستعلنت في المحبة التي أظهرها لنا. وهل ما يقوله يفعله؟ بالطبع لأن هذا ظاهر من خلال وعده بعطية الروح القدس. ولهذا فبعدما قال: ” والرجاء لا يخزى” أضاف الدليل على ذلك بقوله: “لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”. ولم يقل أعطيت، لكن ” انسكبت في قلوبنا “، لكي يظهر فيض هذه المحبة. لأن تلك العطية العظمى التي وهبها ليست هي السماء والأرض والبحر، بل هي أكثر غنى من كل هذه الأمور، إذ جعل من البشر ملائكة، وأولادا لله، وإخوة للمسيح. وما هي هذه العطية؟ هي عطية الروح القدس. لأنه إن كان لا يشاء أن يهبنا تيجانا منيرة بعد كل الأتعاب، لما كان قد أعطانا خيرات وفيرة قبل هذه الأتعاب. والآن هو يظهر دفء محبته في الحياة الحاضرة، لأنه لم يكرمنا رويدا رويدا ، وقليلاً قليلاً، لكنه سكب كل الخيرات التي صارت لنا قبل أن نجتاز الجهاد الروحي. وبناء على ذلك حتى وإن كنت غير مستحق، لا تيأس، لأن لديك مدافعا عظيما، والذي هو محبة الديان. ولهذا بعدما قال: “الرجاء لا يخزى”، نسب كل شيء لمحبة الله، وليس لإمكانيات خاصة بنا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|