القديس يوحنا الذهبي الفم
لا يمكن فهم هذا القول: "إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس" بمعنى الرغبة في الهروب من الصليب. [لقد دعا (بطرس) ذاك الذي وُهب إعلانًا من الآب وقد طوّبه ووهبه مفاتيح ملكوت السماوات، دعاه "شيطانًا"، ودعاه "معثرة"، واتهمه أنه لا يهتم بما لله... هذا كله لأنه قال له: "حاشاك يا رب لا يكون هذا لك" أي لا يكون لك أن تصلب. فكيف إذن لا يرغب في الصليب، هذا الذي وبخ التلميذ وصبّ عليه هذا القدح إذ دعاه شيطانًا بعدما كان قد مدحه، وذلك لأنه طلب منه أن يتجنب الصليب؟ كيف لا يرغب في الصليب ذاك الذي رسم صورة للراعي الصالح معلنًا إياها كبرهان خاص بصلاحه، وهي بذله لنفسه من أجل خرافه، إذ يقول "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11).. انظر كيف يُعجب منه بسبب إعلانه هذا "أنه يبذل نفسه"، قائلًا: "الذي كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس، فإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه، وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 6-8)؟ وقد تكلم عن نفسه مرة أخرى فقال... "لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا" (يو 10: 17)... وكيف يقول الرسول بولس مرة أخرى: "واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا، وأسلم نفسه لأجلنا" (أف 5: 2).؟ وعندما اقترب السيد المسيح من الصلب قال بنفسه: "أيها الآب قد أتت الساعة، مجد ابنك" (يو 17: 10). لقد تكلم هنا عن الصليب كمجد، فكيف يستعفي عنه، وها هو يستعجله؟]