يقول العلامة أوريجينوس:
["ولولوا عليها، خذوا بلسانًا (بلسمًا - مرهمًا) لجرحها لعلها تُشفَى".
بما أن كل نفس يمكنها أن تحصل على الخلاص، لا توجد نفس واحدة غير قابلة للشفاء بالنسبة للرب، لذلك ينصح الله الذين يستطيعون أن يعبروا إلى أورشليم أن يحصلوا على بلسم العهد الجديد، أن يحاولوا بقدر استطاعتهم أن يستخدموا هذا العلاج مع بابل لكي تُشفى وتستعيد صحتها.
ليتنا نحاول نحن أيضًا أن نفعل ذلك، فنطلب من الله أن يعطينا البلسم الروحي؛ لكي نتعلم كيف نعصب جراحات بابل، مقتدين بالسامري الصالح؛ وبالتالي تُشفى هذه المدينة البائسة، فلا تعود بعد إلى حالتها الأولى.
أين هم الهراطقة الآن؟ أين الذين يؤمنون بتعدد أنواع النفوس، ويؤكدون وجود نوعٍ من النفوس لا رجاء فيه، والأمل في خلاصه مفقود؟ لو كانت هناك نوعية من النفوس لا بد أن تهلك، أفما كانت بابل هي أول تلك النفوس التي يجب أن تهلك؟
ومع ذلك، فإنه حتى بالنسبة لبابل، لم يحتقرها الله، بل يأمر الأطباء أن يضعوا بلسمًا لجرحها لعلها تشفى!
إذًا هؤلاء الذين صدر الأمر إليهم بمعالجة بابل، حينما علموا بإمكانية شفائها واستعادة صحتها، قاموا بالفعل بتنفيذ الأمر، ووضعوا بلسمًا على جرحها، لكن إذ وجدوا أنهم لم يحصلوا على النتيجة التي كانوا ينتظرونها، لأن بابل ظلت في شرورها ولم ترد أن تُشفى، قالوا بعد أنهم أدوا مهمتهم وتمموا مسئوليتهم: "داوينا بابل فلم تُشفَ، دعوها". أفلا يحدث معك هذا أنت أيضًا أيها الإنسان؟
يحدث أحيانًا أن يرسل لك الله الملائكة ويأمرهم بوضع المراهم عليك لعلاجك من مرض النفس "لعلك تُشفى"، فتكون النتيجة أن هؤلاء الملائكة يجيبون الرب قائلين: "داوينا بابل، التي هي نفسك المضطربة بشهوات هذا العالم، فلم تُشفَ". سبب عدم الشفاء لا يرجع إلى قلة معرفتهم وخبرتهم الطبية ولا إلى رداءة نوع البلسم، بل يرجع السبب أولًا وأخيرًا إليك أنت، لأنك لم تشأ أن تُشفى، فلم تتبع تعليماتهم وعلاجهم. "دعوها"؛ إن الملائكة هنا كانوا يمثلون أطباء مهمتهم تنفيذ أوامر الله الطبيب الأعظم؛ لقد أرادوا معالجة ضعفاتنا وتحرير نفوسنا من الرذائل، أما نحن فإننا نُبعدهم عنا بعيدًا برفضنا اتباع نصائحهم. لذلك فإن هؤلاء الملائكة، إذ يرون أن تعبهم يذهب هباءً، يقولون: "دعوها. ولنذهب كل واحدٍ إلى أرضه". أو أنهم يقولون بطريقة أخرى: لقد سلمنا الله الدواء لمعالجة النفس البشرية، فجئنا لنجدتها وقدمنا لها الدواء، أما هي فإنها عنيدة جدًا وعاصية لا تريد أن تستمع إلى ما نقوله، وقد أصبح مجهودنا بلا ثمر، وبالتالي "دعوها ولنذهب كل واحدٍ إلى أرضه".
احذر أيها الإنسان لئلا يتركك الطبيب، سواء كان هذا الطبيب ملاكًا من قبل الرب أو إنسانًا مكلفًا من قبل الله بإعطائك الدواء الذي يقودك إلى الخلاص. لأنه لو تركك الطبيب وقال: "دعوها ولنذهب كل واحدٍ إلى أرضه، لأن قضاءها وصل إلى السماء وارتفع إلى السحاب"، فإن تركه إياك إنما يعني إدانتك كإنسانٍ غير قابل للشفاء لأنك رفضت أن تعالج. عندما يتركك الطبيب، ماذا يحدث لك إلا الشيء الطبيعي الذي يحدث لأي مريض فقد الأطباء الأمل في شفائه؟ المريض الذي أحب مرضه يسقط حتمًا في حالة أكثر سوءًا.
يظل الأطباء الصالحون المخلصون بجانب المريض طالما يستطيعون معالجته بحسب مهنتهم، وطالما يمكنهم أن يستخدموا الدواء مع هذا المريض. لكن إذا تفاقم المرض وازداد سوءًا إلى درجة فقدان الأمل في الشفاء، أو إذا خالف المريض تعليمات الأطباء نتيجة لتعبه من الآلام وضجره منها، إذ يفقد الطبيب الأمل في مثل هذا الإنسان يدعه (يتركه) وينسحب لئلا يموت المريض بين يديه، وبالتالي تُلقى المسئولية عليه. نفس الشيء يحدث معنا نحن أيضًا، فلكي تتجنب الملائكة الأطهار أن نموت بين أيديها يتركوننا عندما يفقدون الأمل في شفاء نفوسنا ويقولون: "من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تلين بالزيت" (إش 1: 6).
"لأن قضاءها وصل إلى السماء وارتفع إلى السحاب".
الإنسان الذي تكون خطيته صغيرة، لا يرتفع قضاؤه إلى السماء، بينما الذي ينمو في الشر ينمو أيضًا قضاؤه ويزداد حجمه، وكلما تزيد شروره يزيد أيضًا عقابه. إذا كان قد أخطأ إلى الدرجة التي وصلت فيها خطاياه إلى السماء وارتفعت إلى السحاب حينما يقاوم الله بعناده ترتقي خطاياه أكثر فأكثر، لذلك فإن الرب يهين الخطية التي أوصلت قضاء الإنسان إلى السماء، كما أنه في الوقت نفسه يكافئ الإنسان البار مكافأة تليق بالحياة التي عاشها في المسيح يسوع الذي له المجد والقدرة والسلطان إلى أبد الآبدين آمين].