30 - 11 - 2023, 05:17 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
قضاء على بابل:
21 «اِصْعَدْ عَلَى أَرْضِ مِرَاثَايِمَ. عَلَيْهَا وَعَلَى سُكَّانِ فَقُودَ. اخْرِبْ وَحَرِّمْ وَرَاءَهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَافْعَلْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ. 22 صَوْتُ حَرْبٍ فِي الأَرْضِ، وَانْحِطَامٌ عَظِيمٌ. 23 كَيْفَ قُطِعَتْ وَتَحَطَّمَتْ مِطْرَقَةُ كُلِّ الأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً بَيْنَ الشُّعُوبِ؟ 24 قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكًا، فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ، وَأَنْتِ لَمْ تَعْرِفِي! قَدْ وُجِدْتِ وَأُمْسِكْتِ لأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ الرَّبَّ. 25 فَتَحَ الرَّبُّ خِزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ آلاَتِ رِجْزِهِ، لأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ عَمَلًا فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ. 26 هَلُمَّ إِلَيْهَا مِنَ الأَقْصَى. افْتَحُوا أَهْرَاءَهَا. كَوِّمُوهَا عِرَامًا، وَحَرِّمُوهَا وَلاَ تَكُنْ لَهَا بَقِيَّةٌ. 27 أَهْلِكُوا كُلَّ عُجُولِهَا. لِتَنْزِلْ لِلذَّبْحِ. وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُ قَدْ أَتَى يَوْمُهُمْ، زَمَانُ عِقَابِهِمْ. 28 صَوْتُ هَارِبِينَ وَنَاجِينَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ، لِيُخْبِرُوا فِي صِهْيَوْنَ بِنَقْمَةِ الرَّبِّ إِلهِنَا، نَقْمَةِ هَيْكَلِهِ. 29 اُدْعُوا إِلَى بَابِلَ أَصْحَابَ الْقِسِيِّ. لِيَنْزِلْ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَنْزِعُ فِي الْقَوْسِ حَوَالَيْهَا. لاَ يَكُنْ نَاجٍ. كَافِئُوهَا نَظِيرَ عَمَلِهَا. افْعَلُوا بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَتْ، لأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى الرَّبِّ، عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 30 لِذلِكَ يَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي الشَّوَارِعِ، وَكُلُّ رِجَالِ حَرْبِهَا يَهْلِكُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ. 31 هأَنَذَا عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْبَاغِيَةُ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ، لأَنَّهُ قَد أَتَى يَوْمُكِ حِينَ عِقَابِي إِيَّاكِ. 32 فَيَعْثُرُ الْبَاغِي وَيَسقُطُ ولاَ يَكُونُ لَهُ مَنْ يُقِيمُهُ، وَأُشْعِلُ نَارًا في مُدُنِهِ فَتَأْكُلُ كُلَّ مَا حَوَالَيْهَا.
يقدم النبي قضاء ضد بابل: الشعب وقياداته وجيشه، والأرض والحقول والمدن، والمبدأ هو "كافئوها نظير عملها افعلوا بها حسب كل ما فعلت" [29]. والعجيب أنه قد تم الإعلان عن خراب بابل المجيدة في صهيون [28].
"اصعد على أرض مراثايم، عليها وعلى سكان فقود.
أخرب وحرم وراءهم يقول الرب،
وافعل حسب كل ما أمرتك به.
صوت حرب في الأرض وانحطام عظيم.
كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟!
كيف صارت بابل خربة بين الشعوب؟!
قد نصبت لك شركًا فعَلِقْتِ يا بابل وأنت لم تعرفي.
قد وُجدت وأُمسكت لأنك قد خاصمتٍ الرب.
فتح الرب خزانته وأخرج آلات رجزه لأن للسيد رب الجنود عملًا في أرض الكلدانيين.
هلموا إليها من الأقصى.
افتحوا أهراءها.
كوِّموها عرامًا وحرموها ولا تكن لها بقية.
أهلكوا كل عجولها.
لتنزل للذبح.
ويل لهم لأنه قد أتى يومهم زمان عقابهم.
صوت هاربين وناجين من أرض بابل ليخبروا في صهيون بنقمة الرب إلهنا نقمة هيكله.
ادعوا إلى بابل أصحاب القسي.
لينزل عليها كل من ينزع في القوس حواليها.
لا يكن ناج.
كافئوها نظير عملها.
افعلوا بها حسب كل ما فعلت.
لأنها بغت على الرب، على قدوس إسرائيل.
لذلك يسقط شبانها في الشوارع،
وكل رجال حربها يهلكون في ذلك اليوم يقول الرب.
هأنذا عليكِ أيتها الباغية يقول السيد رب الجنود،
لأنه قد أتى يومك حين عقابي إياك.
فيعثر الباغي ويسقط، ولا يكون له من يقيمه،
وأشعل نارا في مدنه فتأكل كل ما حواليها" [21-32].
يرى البعض أن إرميا ذكر ثلاثة أسماء رمزية لبابل:
أ. مراثايم [21]: لأن الإمبراطورية البابلية تأسست على التمرد المزدوج. مراثايم معناها "تمرد مزدوج"، مع تغيير بسيط في الحروف Mat Marratim، وهو موضع عند رأس الخليج الفارسي في نقطة تلاقى نهري التيجر والفرات.
ب. فقود: لأن الله يفقد هذه الإمبراطورية بالقضاء أو العقوبة [21]؛ (حز 23: 23). فقود تعني "عقوبة"، وهي تشير إلى عشيرة في شرق بابلPuqudu (حز 23: 23). كأن الله يدعو أرض التمرّد المزدوج (مراثايم) وشعب العقوبة لممارسة الضغط على بابل.
ج. شيشك (إر 25: 26؛ 51: 41)، وقد سبق لنا الحديث عنه.
كانت بابل أشبه بصياد وضع الفخاخ ليصطاد الأمم، واحدة تلو الأخرى، تسقط الأمة في الفخ فتسخر بها وتقتلها، والآن سقطت بابل نفسها في ذات الفخ لتصير أضحوكة الأمم وتنال جزاءها.
يُرمز هنا [23] لنبوخذنصر بالمطرقة التي هشمت كل ممالك الأرض في ذلك الحين، لكن جاء الوقت لتحطيم المطرقة ذاتها وسحقها.
ويرى القديس جيروم أن الشيطان هو المطرقة التي تُحطم كل الأرض، إذ يقول: [الشيطان هو رئيس تلك الظلمة (أف 6: 12)، يدعوه الكتاب المقدس العدو (مت 13: 39)، والقاضي الظالم (لو 18: 6)، والتنين (رؤ 12: 3)، وإبليس، والمطرقة [23]، وبليعال، والأسد الزائر (1 بط 5: 8)، ولويثان (أي 3: 8)، ورؤوس التنانين (مز 73: 13)، وأسماء أخرى كثيرة].
* يريد الله أن تُفهم هذه المطرقة التي للأرض كلها إنها الشيطان. بهذه المطرقة التي في يد الرب، يُعطي صدى لمدائح الله.
يُضرب كل من الإنسان البار والخاطئ بهذه المطرقة. الأول كتجربة والثاني كعقاب؛ أو على الأقل لكي يزداد البار في الفضائل ويصلح الخاطئ من رذائله.
يُضرب بهذه المطرقة التي في يد الرب ليس فقط المتواضعين بل والمتكبرون؛ لكن يُضرب المتواضعون كالذهب والمتكبرون ينكسرون كالزجاج. ذات الضربة تجعل الصالح في مجدٍ وتحول الشرير إلى رماد، فيتحقق فيهم المكتوب: "كالقش الذي تذرّيه الريح" (مز 1: 4).
الأب قيصريوس أسقف آرل قام القديس جيروم بترجمة عظتين للعلامة أوريجينوس على [23، 29]، تحدث فيهما بشيء من التفصيل عن الشيطان كمطرقة كل الأرض جاء فيهما:
المطرقة وبيت الرب
["كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟ كيف صارت بابل خربة؟"
يلزمنا أن نبحث هنا عن معنى "مطرقة كل الأرض"، وكيف تحطمت؟
ولماذا يقول النبي أنها قطعت قبل أن تتحطم؟
نقوم بتجميع كل ما ذُكر عن المطرقة ونحاول فهم ماذا يقصد بها.
مثال من الأمثلة التي سنقدمها: قديمًا، تم بناء بيت للرب، والذي بناه هو سليمان؛ وقد ذُكر في سفر الملوك، على سبيل المديح والإشادة ببيت الرب "ولم يُسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول (مطرقة) ولا أداة من حديد" (1 مل 6: 7). كما لم يُسمع صوت مطرقة في بيت الرب، كذلك أيضًا في الكنيسة بما أنها بيت الله فإنه لا يُسمع فيها صوت مطرقة.
ما هي هذه المطرقة التي تعمل على منع الحجارة من أن تُستخدم في بناء الهيكل، إذ في سلطانها أن تحطم تلك الحجارة بحيث لا تجعلها تصلح لبناء الأساسات؟ أليس الشيطان هو مطرقة كل الأرض؟].
الماس أقوى من المطرقة
[أما أنا فأؤكد أنه يوجد من لا يبالي كثيرًا بمطرقة كل الأرض. وبما أن الكتاب المقدس قد استخدم المطرقة كمثال، ابحث عن مادة أخرى أشد صلابة من المطرقة، لا تتأثر ولا يصيبها أي ضرر إذا ضربت المطرقة فوقها. في بحثي وجدتها في الآية: "هوذا إنسان قائم فوق جبال الماس، وفي يده ماسة" (عا 7: 7). بحسب قانون الطبيعة فإن الماس أصلب من أن تضربه أية مطرقة، إذ لا يُصاب بضررٍ منها.
إذا كان الشيطان كالمطرقة، ووُجدت أسفله ماسة يمسكها الله في يديه ويحميها ويضعها تحت نظره، فإن تلك الماسة لا يمكن أن يصيبها أي ضرر.
إذًا الإنسان البار هو مثل جبل الماس أو مثل الماسة الموجودة في يدي الله. إنها لا تقلق ولا تبالي بالمطرقة، بل على العكس كلما اشتدت عليه الضربات ظهرت فضائله أكثر.
يُقال عن الذين يتاجرون في الحجارة الكريمة إنهم يختبرون الماس قبل شرائه، ذلك لأنهم يجهلون ما إذا كانت هذه الحجارة الموجودة أمامهم هي ماس أم مادة أخرى، ويظلوا يجهلون حقيقته إلى أن تُوضع تحت المطرقة ويُضرب بها؛ فإذا ظلت الحجارة بدون ضرر يتأكدون حينئذ أن الحجارة الموجودة أمامهم هي ماسات أصيلة].
البار ومطرقة التجارب
[هكذا الحال بالنسبة للإنسان البار في مواجهة التجارب؛ فإن الذين لا يعرفون كيف يختبرون الحجارة يجهلون حقيقة هذا البار. أما الله فهو وحده يعلم حقيقة الماس الذي يجهله معظم الناس.
أنا نفسي لا أعلم حتى الآن هل سأُقطع وأتحطم إذا ضربتني المطرقة، وبالتالي تظهر حقيقتي إنني لست ماسة، أم سأثبت ضد التجارب والاضطهادات والمخاطر وبالتالي أظهر مثل الماسة الأصيلة؟!].
فوائد المطرقة
[راجع بنفسك الكتاب المقدس، وابحث هل وضع الله شيئًا مفيدًا في المطرقة. أذكر لك مثالًا عن فائدة المطرقة: بدون المطرقة لما وُجدت أبواق مشدودة (عد 10: 1) يُضرب بها في مناسبات الأعياد الموجودة في الشريعة، وأيضًا تُستخدم في الحروب حيث تلهب حماس الشعب حينما يسمعونها. إذًا لا بُد من وجود المطرقة لعمل الأبواق المشدودة].
المطرقة والبوق الرسولي بولس
[ساعدت المطرقة كثيرا في صنع هذا البوق المشدود، بولس الرسول. فلقد ساعدت على تقدمه ونموه من خلال التجارب المختلفة التي تعرض لها، فاجتاز الاختبار بنجاح، وأثبت أنه يمكن وضعه تحت المطرقة دون أن يُصاب بضررٍ، بل على العكس أن وضعه تحت المطرقة صنع منه بوقًا يُعطي صوتًا واضحًا حتى أن كل من يسمعه يتهيأ للقتال (1 كو 14: 8)].
لنميز بين المطرقة والضارب بها
[بما أن قوة العدو هي مطرقة، فأنني أستعين بكلمة أخرى من الكتاب المقدس مشتقة عن كلمة مطرقة. أتوقف عند كلمات: أن "قايين" ولد بنين، وأحدهم كان توبال "الضارب (طارق) كل آلة من نحاس وحديد" (تك 4: 22). فكما أن إبليس أصل كل التجارب يسمى "المطرقة"، كذلك يُسمى خادمه الذي ينفذ أوامره "الضارب" أو (الطارق). في كل مرة تسقط فيها في تجربة اعلم أن المطرقة هو إبليس، وأن الطارق هو الإنسان الذي يرسله إبليس ليوقع بك. وأيضًا عندما تمت خيانة السيد المسيح، كان إبليس هو المطرقة وكان يهوذا الإسخريوطي هو الطارق. كذلك وُجد العديد من الطارقين في وقت آلام يسوع المسيح، كانوا يصرخون: "خذه! خذه! اصلبه! اصلبه!" جميع الذين يرحبون بالشيطان في تصرفاتهم وسلوكهم يجعلون من أنفسهم خدامًا له ويصيرون "طارقين"].
اترك المطرقة ولا تضرب بها!
[إن كنت طارقًا بالأمس وممسكًا بمطرقة في يدك، الآن وقد عرفت أن الطارقين هم أبناء قايين الذي قتل أخيه؛ فإلقِ بالمطرقة من يدك، وتعال إلى النسل الصالح لتنتمي إليه، النسل الروحي الذي يبدأ من شيث ثم أنوش والباقين الذين يمدحهم الرب في سفر التكوين].
مطرقة كل الأرض وليس مطرقة السماء!
[نهاية المطرقة القطع والتحطيم. يجب أن نعلم أن الشيطان الذي يرمز إليه النبي بالمطرقة، ليس هو مطرقة لجزء من الأرض، بل مطرقة كل الأرض. يجب أن تؤخذ كلمات "كل الأرض" بمعناها الحرفي، لأن شره ورذاءله انتشرت في كل الأرض، وأن هذه المطرقة تصنع الشر في كل مكان.
حينما نقول أن الشيطان هو مطرقة كل الأرض، هذا يعني ضمنًا أنه لا توجد مطرقة في السماء. إننا في الواقع لا نستخدم المطرقة مع مادة خفيفة ورقيقة، بل مع مادة غليظة وثقيلة. فإذا كنت تلبس صورة الترابي (1 كو 15: 49)، تضربك المطرقة لأنها أرضية ترابية].
مطارق لأجزاء من الأرض
[كما أن الشيطان هو مطرقة كل الأرض، يمكننا أن نتخيل أيضًا أن هناك مطرقة أخرى أصغر نوعًا ما، هي مطرقة جزء من الأرض؛ وهي تتمثل في قوات العدو، أي الشياطين الصغيرة التي ليس لها نفس سلطان إبليس وقدرة رئيس الشياطين الذي يمكنه أن يحارب جميع الناس في وقتٍ واحدٍ.
إذا توجد في داخلي مطرقة، ليست لكل الأرض وإنما تختص بأرضي أنا فقط. لكن بما أن مطرقة كل الأرض قُطعت وتحطمت، فما بالكم بالمطارق الأخرى الصغيرة؟]
مسيحنا محطم المطرقة!
[نبحث عن الذي قطع وحطم مطرقة كل الأرض:
ليس موسى هو الذي قطع وحطم مطرقة كل الأرض،
ولا إبراهيم أب الآباء،
ولا يشوع بن نون،
لا أي واحدٍ من الأنبياء.
اذا من هو ذاك الذي استطاع أن يقطع ويحطم تلك المطرقة الشديدة القوة، مطرقة كل الأرض؟ أنه يسوع المسيح.
لذلك فإن إرميا النبي في إعجابه الشديد بعمل السيد المسيح يقول بروح النبوة: "كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟" لقد قُطع (انكسر) الشيطان أولًا، ثم بعد ذلك تحطَّم (سُحق). لنرجع إلى الإنجيل ونرى الفقرة التي قال فيها الشيطان للسيد المسيح: "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت 4: 9)، في رأيي أن السيد المسيح في تلك اللحظة لم يحطم الشيطان وإنما فقط قطعه، ولكن بعدما ما فارقه الشيطان إلى حين (لو 4: 13)، ثم لما رجع إليه بعد هذا الحين، سحقه يسوع المسيح وحطمه (على الصليب)].
التقطيع والتحطيم الدائم للمطرقة
[تُقطع مطرقة كل الأرض من جديد بواسطة كل واحدٍ منا حينما نصير أعضاء حقيقيين في الكنيسة، وحينما ننمو باستمرارٍ في الإيمان، ثم تتحطم وتسحق بعد ذلك حينما نصل إلى حياة الكمال.
في هذا الشأن استمع إلى قول بولس الرسول الذي يوجهه إلى الأبرار: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا" (رو 16: 20)].
لنسحق المطرقة حتى لا تسحقنا
[هذا الشيطان ثائر باستمرار ضدنا، وهو يحاول بكل وسيلة أن يقطعنا وأن يحطمنا ويسحقنا. سحق بالفعل كثيرين الذين لم يكونوا يقظين ولا حريصين على أنفسهم، الذين لم يمارسوا عمليًا الحفاظ على القلب (أم 4: 23) ].
لنخف الله فلا نخاف من المطرقة!
[أما نحن الذين لنا ثقة في الرب، ولنا إيمان بيسوع المسيح ابن الله، فإننا لا نخاف الشيطان.
نخاف الله، فلن نخاف الشيطان، ولن يمكن لإبليس أن يصنع بنا أي شر، بل ويمكننا أن نقول بكل فخرٍ عن عمل الله معنا: "كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟"].
سحق المطرقة يليه خراب بابل
[بعد أن قُطعت المطرقة وتحطمت، صارت بابل خربة. لقد اتبع إرميا النبي ترتيبًا يدعو للإعجاب حينما قال: "كيف قُطعت وتحطمت مطرقة كل الأرض؟ كيف صارت بابل خربة؟" لقد أعلن الأمر الذي تحقق أولًا في البداية، ثم أعلن بعد ذلك ما حدث بعده.
إذا متى صارت "بابل" مدينة القلق والاضطراب "خربة"؟].
متى تصير بابل خربة؟
[صارت خربة حينما خربت جميع الاضطرابات الموجودة في داخل نفسي وانتهت.
حينما لا أضطرب عند موت ابن أو زوجة لي.
حينما لا يعود أحد يستطيع أن يثيرني ولا أن يدفعني إلى الحزن أو الغضب أو الشهوة.
حينما أصير متزنًا غير قلقٍ رغم جميع الأحداث.
عندئذ يقال عني: صارت بابل أي الاضطرابات خربة.
"قد نصبت لكِ شركًا فعلقتِ يا بابل وأنتِ لم تعرفي" [24] يا ليت بابل الموجودة في كل واحدٍ فينا تسقط وتُعلق في الفخ المنصوب لها! ].
يكمل العلامة أوريجينوس عظته معلقًا على العبارات التالية في نفس الأصحاح هكذا:
["قد وجُدتِ وأُمسكتِ لأنك قد خاصمتِ الرب (قاومتي الرب)"
ليست بابل هي الوحيدة التي قاومت الرب، بل جميع الأمم والشعوب الذين تركوا الخالق وعبدوا الأوثان قاوموا أيضًا الرب. أليست هذه العبادة هي أسلوب رمزي يُقصد به أن كل نفس تخاصم أورشليم "رؤية السلام" تكون مثل بابل؟ لأن الأبرار كانوا في أورشليم، والخطاة كانوا في بابل، لذلك حينما أخطأ سكان أورشليم تم سبيهم إلى بابل مع الخطاة.
"فتح الرب خزانته وأخرج آلات زجره...
لكي أفهم معنى "فتح الرب خزانته وأخرج آلات رجزه (غضبه)" أبحث عن معنى آلات غضب الله في أجزاء أخرى من الكتاب المقدس. لقد وجدت بالفعل فقرة مناسبة جدًا تتلائم مع هذا الموضوع في كلمات بولس الرسول الذي يقول: "فماذا إن كان الله وهو يريد أن يُظهر غضبه ويُبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك، ولكي يُبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد، التي أيضًا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضًا" (رو 9: 22-24).
يقسم بولس الرسول جميع البشر إلى مجموعتين، قائلًا إن بعضهم يمثل آنية رحمة والبعض الآخر يمثل آنية غضب؛ لقد أطلق مثلًا على فرعون وعلى المصريين أنهم آنية غضب، بينما أطلق على نفسه هو وجميع الذين آمنوا سواء من اليهود أو من الأمم آنية رحمة.
إذًا توجد في خزائن الرب آنية (آلات) غضب، فما هي إذًا تلك الخزائن التي يوجد فيها آنية غضب الله؟
هل لا يوجد في خزائنه سوى آنية غضب؟
خزائن الرب من وجهة نظري تتمثل في الكنائس، كثيرا ما يختبئ فيها أناسًا يمثلون آنية غضب، يأتي وقت حين يفتح الرب خزائنه التي هي الكنائس. الكنائس الآن مغلقة، وآنية الغضب موجودة وسط آنية الرحمة، والقمح موجود مع التبن (مت 3: 12)، والسمك الجيد مع السمك الرديء في نفس الشبكة (مت 13: 47). عندما يفتح الرب كنيسته في يوم الدينونة ويُخرج آلات غضبه؛ فإن كل واحدٍ من الذين يمثلون آنية الرحمة يقول عن آنية الغضب التي أخرجت خارجًا: "منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا" (1 يو 2: 19)].
يكمل العلامة أوريجينوس حديثه عن الآنية التي للرحمة وتلك التي للغضب قائلًا بإن هذا يحدث في بيت الرب أي بين المؤمنين، منهم من هم مقدسون وآخرون فاسدون يُدانون؛ لكن توجد أواني أخرى خارج الكنيسة ليست هكذا ولا كذلك، فهي تُحرم من الملكوت لكن لا تُلقى في نار جهنم... هذا الفكر في رأيه موضوع نقاش غير مستقر عليه، وواضح من كلماته أنه لا يمثل رأيًا عامًا إذ يقول:
[هذا الموضوع يدعونا للدخول في مناقشة مجالٍ آخر يتشابه مع هذا الموضوع فإنه توجد في خزائن الرب آنية للغضب؛ وفي خارج خزائنه يوجد خطاة ليسوا آنية للغضب، بل هم آنية أقل درجة من آنية الغضب: هم العبيد الذين لا يعملون إرادة سيدهم لأنهم لا يعلمون ما هي إرادته (لو 12: 47).
الذي يدخل إلى الكنيسة يكون إما آنية غضب وإما آنية رحمة؛ أما الذي في خارج الكنيسة فهو ليس آنية غضب ولا آنية رحمة، بل يمكن اعتباره آنية مخصصة لأي شيء آخر. أستطيع أن أؤكد كلامي هذا، وأن أثبت صحته من الكتاب المقدس نفسه، حيث يقول بولس الرسول "ولكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان، فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدسًا نافعًا للسيد مستعدًا لكل عملٍ صالحٍ" (2 تي 2: 20).
لا تظن أن هذا البيت الكبير هو كنيستنا الحالية، ولا تعتقد أنك ستجد فيها آنية للكرامة وأخرى للهوان؛ بل أن هذا البيت الكبير هو المدينة الجديدة التي أعدها الله لنا في الدهر الآتي، فيها تصير آنية الرحمة، آنية من ذهب وفضة للكرامة؛ بينما الآنية الأخرى التي هي الأشخاص الموجودين خارج الكنيسة والذين ليس في استطاعتهم أن يصيروا آنية للرحمة ولا آنية للغضب؛ فإنهم بموجب وضعهم الخاص وحالتهم الفريدة، يمكنهم أن يشغلوا وظيفة آنية الخزف التي للهوان، والتي رغم كونها آنية للهوان إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها في داخل البيت.
بالنسبة لنا نحن الذين في بيت الله أي في الكنيسة، ماذا ننتظر حتى نطهر أنفسنا؟
هل نتظر حتى يأتي الرب ويفتح خزائنه فيخرجنا خارجًا؟!
ألا يجب علينا أن نبدأ من الآن حتى نصنع من أنفسنا آنية للرحمة، فلا نكتفي فقط بأن نبعد عن أن نصير آنية للغضب، بل بالأكثر أن يصير هؤلاء الذين كانوا قبلًا آنية غضب آنية للرحمة؟! يقول بولس الرسول شيئًا مشابهًا للكورنثوسيين:
"يسمع مطلقا أن بينكم زنى، وزنى هكذا لا يُسمى بين الأمم حتى أن تكون للإنسان امرأة أبيه. أفأنتم منتفخون وبالأحرى لم تنوحوا حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل؟!" (1 كو 5: 1-2) كأنه يقول لهم: لتُفتح خزائن الرب، ولتخرج منها آنية الغضب! لأن "الرب فتح خزانته وأخرج آلات غضبه".
قرأت عبارة نُسبت للسيد المسيح "الذي يوجد بالقرب مني فهو قريب من النار، والذي يوجد بعيدًا عني فهو بعيد عن الملكوت"!
أي أن الإنسان الذي سمع تعاليمي ثم خالفها صار إناء غضبٍ معد للهلاك (رو 9: 22)، مثل هذا الإنسان عندما يكون بالقرب مني يصير قريبًا من النار.
إذا ابتعد أحد عني لكي لا يوجد بجانب النار، فليعلم مثل هذا الإنسان أنه بذلك يُبعد نفسه عن الملكوت، مثل ما يحدث مع المصارعين تمامًا: فإن المصارع الذي لا يكتب اسمه ضمن أسماء المشتركين في الصراع (المصارعة) لن يخاف من الضربات، في الوقت نفسه لن ينتظر أن يُتوج بأكاليل النصرة. أما إذا اشترك في المصارعة فإنه سُيضرب ويقع كما في حالة خسارة، بينما يُتوج في نصرة. نفس الشيء يحدث مع الذين كُتبت أسماؤهم في الكنيسة، الذين قبلوا كلام الرب، فهم بهذا يسجلون أسماءهم للاشتراك في المصارعة الدينية، طالما انضموا إلى المشتركين، فإذا لم يصارعوا بكل اجتهاد يتلقون ضربات كثيرة، لن يتلقاها الآخرون الذين لم يشتركوا من الأصل في هذا الصراع، إما إذا صارعوا بشجاعة وتجنبوا الضربات، فإنهم يأخذون إكليل مجدٍ لا يفنى (1 كو 9: 25) ].
لنخرج من أرض الكلدانيين
["لأن للسيد رب الجنود عملًا في أرض الكلدانيين" [25].
أي مكان أو موقع أرضي يمكن أن يُسمى بأسماء عديدة ومختلفة بحسب وجهات النظر السائدة فيه. وكما أن مخلصنا يسوع له أسماء كثيرة من وجهات نظر متعددة، ذلك لأنه واحد في جوهره لكنه متعدد القدرات والصفات، كذلك أيضًا الأمور الأرضية، فرغم كونها نفس الشيء في جوهرها، إلا أنها متعددة جدًا من وجهات نظر الناس في كل مكان على الأرض. أوضح ذلك بالأكثر بتفسير المثال الذي ذكرته عن المخلص ثم أرجع بعد ذلك إلى الموضوع الأساسي الذي يحتاج إلى التفسير.
فبالرغم من أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح هو جوهر واحد، إلا أنه من وجهة نظر معينة يُدعى طبيبًا حيث قيل "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت 9: 12).
ومن وجهة نظر أخرى يُدعى راعيًا (يو 19: 14).
ومن وجهة نظر ثالثة يُدعى ملكًا (يو 18: 37).
ومن وجهة نظر رابعةُ يدعى الكرمة الحقيقية (يو 15: 1).
ومن وجهة نظر خامسة يُدعى الحكمة (1 كو 1: 30).
من وجهة نظر سادسة يُدعى الحق (يو 14: 6).
ومن وجهة نظر سابعة يُدعى برًا (1 كو 1: 30).
إذًا، كما أن مخلصنا رغم أنه واحد في جوهره إلا أنه يحمل أسماء مختلفة تبعًا لوجهات نظر متعددة، كذلك أيضًا بالنسبة للأمور الأرضية، فإنها مكونة من نفس المادة إلا أنها تأخذ أسماء مختلفة تبعا للأماكن الموجودة فيها. كثيرًا ما ذكرنا أن بابل هي الأمور الأرضية المضطربة دائمًا، ومصر هي الأمور الأرضية التي تصيبنا بالحزن والضيق، أما أرض الكلدانيين فتمثل الذين يعبدون النجوم والكواكب، ينسبون معظم الأحداث التي تجرى على الأرض إلى النجوم، حتى أنهم يقولون إن ما يوجد عندنا من خطايا أو من فضائل هو نتيجة لحركة النجوم. كل إنسانٍ يشترك في تلك المعتقدات يكون في أرض الكلدانيين. إذا اتبع أحدكم خرافات المنجمين يكون هو أيضًا في أرض الكلدانيين. بل أن بعض الناس يظنون أننا أصبحنا مسيحيين بسبب تحركات معينة تحدث في مدارات الكواكب والنجوم. لذلك فإنه عندما يهدد الرب الذين في أرض الكلدانيين، وفقا للتفسير الروحي، يهدد الذين يذهبون وراء علم التنجيم القائلين إن كل ما يحدث على الأرض يرجع إلى تحركات النجوم. من أجل ذلك حينما دعا الله إبراهيم للتوجه نحو أمورٍ أفضل، قال له: أنا الرب الذي أخرجك من أرض الكلدانيين" (تك 15: 7). الله وحده هو القادر على إخراجنا من أرض الكلدانيين، لأنه هو خالق كل شيء ومدبر كل شيء وضابط الكل].
["هلُم إليها من الأقصى،
افتحوا أهرءها (مخازنها)،
كوموها عرامًا وحرّموها ولا تكن لها بقية" [26].
مخازن الكلدانيين هي عقائدهم الخاصة بمعرفة الغيب والتنجيم. من يرفض حسابات علم الغيب والتنجيم، ويتبع بدلًا منها عقيدة الحق التي تؤكد أن لا شيء مما يقوله هؤلاء المنجمون حقيقي، ومن يعلم أن ما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء (رو 11: 33)، ومن يقول أن الكواكب ليست هي سبب الأحداث التي تجري على الأرض؛ مثل هذا الإنسان ينفذ أمر الرب بإهلاك أرض الكلدانيين.
"صوت هاربين وناجين من أرض بابل ليخبروا في صهيون بنقمة الرب إلهنا" [28].
يتنبأ إرميا هنا عن الذين تركوا تقاليد أجدادهم، ورفضوا العادات الوثنية التي كانت موجودة عندهم قديمًا، تركوا عدم الإيمان، ثم آمنوا في النهاية بكلمة الرب.
أعتقد أن هذا هو المقصود بكلمات: "صوت هاربين وناجين من أرض بابل".
يا ليتها تكون كلماتنا نحن أيضًا، فنكون هاربين من الرذائل والخطايا، إذ أن صوت الهاربين هو نفسه صوت الناجين. لا يكفي أن نهرب من أرض بابل بل يجب كذلك أن ننجو منها حتى نُخبر في صهيون بنقمة الرب إلهنا.
عندما نهرب من بابل نأتي إلى صهيون "المدينة الحصينة"، أي كنيسة الرب حيث نخبر فيها بنقمة الرب إلهنا أي نقمة شعبه (دفاعه عن مؤمنيه).
"ادعوا إلى بابل أصحاب القسي. لينزل عليها كل من ينزع في القوس حواليها لا يكن ناج".أي اهدموا واهلكوا كل ما يخص بابل "كافئوها نظير عملها، افعلوا بها حسب كل ما فعلت، لأنها بغت على الرب على قدوس إسرائيل". أو: "لأنها قاومت الرب قدوس إسرائيل" [29].
طالما توجد في داخلك أفكار شريرة تقاوم القداسة والإيمان الحقيقي، لا تزال بابل في داخلك؛ أما إذا أهلكت هذه الأفكار وقضيت على الخطايا الموجودة في أرضك (نفسك)؛ فإنك تكون قد قتلت بابل، وبالتالي تستطيع أن تذهب إلى مدينة الله أورشليم (عب 12: 22) وتلتقي بالمسيح يسوع الذي له المجد والقدرة والسلطان إلى أبد الآبدين آمين].
|