محــاكمة يســــوع المسيــح
كتب نيافة الأنبا اغريغوريوس المتنيح :
موضوع مثير بقدر ما هو مهم ودقيق ، وعلى الرغم من أن أحداث الأسبوع الأخير ومحاكمة الرب يسوع أمام السلطتين الدينية والمدنية قدمتها الأناجيل الأربعة كما كتبها الرسل القديسون متى ومرقس ولوقا ويوحنا ، وهى فى متناول أيدينا ، وتقرأها الكنيسة على شعبها فى أسبوع الآلام ، وبخاصة فى ليلة الجمعة العظيمة ونهارها ، بعض الكتب ناقشت هذه المحاكمة بشىء من التفصيل ، حيث أن هذا الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح على الأرض حفل بأحداث على جانب كبير من الأهمية ، فهو الأسبوع الذى انتهى بإتمام عملية الفداء التى جاء السيد المسيح خصيصا وتجسد من أجلها ( من أجل خلاص جنس البشر ) – فى هذا الأسبوع تناول السيد المسيح الفصح حسب شريعة موسى النبى – وهو يعتبر الفصح الأخير الذى تناوله السيد المسيح ، والمفروض أنه الفصح الأخير لليهود ؛ لأن فصحنا الحقيقى هو المسيح - كما أن السيد المسيح قد وضع لنا سر الأفخارستيا فى اليوم السابق للصلب لحكمة خاصة .
لنلمس معا مقدار حب السيد المسيح للبشرية جمعاء ( يهودا وأمم ) ، وفى المقابل نقف لنرى مدى الظلم الذى تعرض له السيد المسيح ( من اليهود والأمم ) أثناء محاكمته الدينية أمام مجلس السنهدريم الأعظم وهو أعلى سلطة دينية قضائية عند اليهود ، وفى ظل القانون الرومانى الذى صدق على الحكم بالصلب ، وقام حكام النظام بتنفيذه .
نتعرض فى قضية صلب المخلص لزوايا لاهوتية وعقائدية وطقسية وتاريخية وروحية ، حتى تكتمل الصورة عن الملابسات والظروف التى أحاطت بأكبر مهزلة حدثت فى التاريخ الإنسانى ، ومع بالغ الأسى ، انها تمت باسم القانون وكان القضاة فيها رجالا فى القمة سلمت إليهم مقاليد العدالة فى زمانهم ، واستطاعوا فى عجالة من الوقت لا تزيد عن ساعات أن يتخذوا قرارا جماعيا بإصدار حكم ظالم قاس وشرير ، لطخ اليهود والرومان تاريخهم بأبشع جريمة نكراء عرفها تاريخ البشر .
المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى يقول :
من العجيب أن يقف رؤساء الكهنة والكهنة وقادة الدين اليهودى ومعهم المأجورين من عامة الشعب ، وهم يهدرون بأصواتهم ، ويقولون فى اصرار للحاكم الرومانى – الغريب الجنس والوثنى – عن سيد البشرية كلها طهرا ونقاء وجودة وصلاحا : " لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك " ( يو 18 : 30 ) . بينما أن الحاكم – الغريب الجنس – يقول بعد فحص الأمر ثلاث مرات : " لقد جئتمونى بهذا الرجل كمفسد للشعب ، وها أنذا قد استجوبته أمامكم فلم يثبت لى أى شر مما تتهمون به هذا الرجل ، ولا ثبت هذا لهيرودس أيضا ، إذ أعاده إلينا . فها أنتم أولاء ترون أنه ما من شىء يستوجب الموت قد صدر عنه ( لو 23 : 14 ، 15 ) ، ( يو 18 : 38 ) ، " إننى لا أجد شرا فى هذا الرجل " ( لوقا 23: 4 ، 14 ) ، ( يوحنا 19 : 4 ، 6 ) ، " أى شر فعل هذا ؟ إننى لم أجد فيه علة تستوجب الموت " ( لوقا 23 : 22 ) ، ( متى 27 : 23 ) ،.......
( مرقس 15 : 14 ) وقال لهم أخيرا إنى برىء من دم هذا البار " ( متى 27 : 24 ) ، وكذلك امرأة بيلاطس البنطى وهى إمرأة وثنية أرسلت إلى زوجها تقول : " إياك وذاك البار " ( متى 27 : 19 ) ، ويهوذا الأسخريوطى الذى باع سيده رجع إلى رؤساء كهنة اليهود يقول لهم " إنى قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا ، ( متى 27 : 4 ) واللص الذى صلب معه اعترف لزميله موبخا إياه ويقول " نحن بعدل جوزينا لأننا ننال جزاء أعمالنا ، أما هذا فلم يفعل سوءا " ( لوقا 23 : 41 ) .
إن محاكمة السيد المسيح وهو برىء بل هو البراءة كلها والطهارة كلها ، هى وصمة عار فى جبين الأنسانية ، كانت وستظل مثلا صارخا لما يمكن أن تصنعه الأهواء البشرية من تعويج للقضاء ، وتحريف للعدل ، وسفح للعدل ، وهى صورة بشعة لما يمكن أن يصل إليه رجال فى منصة القضاء الدينى والمدنى ، بعد أن تنحرف نفوسهم عن جادة الحق والعدل ، بفعل الشهوات والرغبات والمطامع ، أو بفعل الخوف من عدم بلوغها .