![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 88751 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أوكل السيد المسيح تلاميذه رسالة كبيرة وهي: "أَنتُم مِلحُ الأَرض، أَنتُم نورُ العالَم". الملح والنور، يحدّدان هويّة تلاميذ المسيح ورسالتهم في المجتمع. أن روح المسيح وحده بإمكانه أن يجعلهم فعلاً ملحًا يعطي طعمًا ويحفظ من الفساد ونورًا ينير العالم، إذ يحملون نور الله الحي الى الذين يجهلونه أو يرفضونه. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88752 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الملح والنور بلغة الانجيل ما هو الاَّ تعبير عن اعمال التطويبات التي يدعو إليها يسوع، والتطويبات هي السيرة المسيحية الزكيَّة بحسب قول بولس الرسول "لِتَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ ضِياءَ النَّيِّراتِ" (فيلبي 2: 15). فكل مسيحي يجب ان يكون تلميذا للمسيح، وكل تلميذ للمسيح يجب ان يكون ملحا ونوراً للعالمين. ولكن التلميذ لا يكون ملحا ونورا إلا في عيش التطويبات. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88753 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() حياة الملح والنور هي حياة يسوع المسيح، هي حياة التطويبات. ومن هنا يشير متى الإنجيلي الى دور التلاميذ الضروري في المجتمع بان يكونوا شهوداً لحضور الله في حياتهم بان يكونوا ملح الأرض ونور العالم. فإن لم نعش حياة التطويبات فلسنا نحن ملح، ولا نحن نور. فلنحذر لملحنا من الفساد، نورنا من الإطفاء. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88754 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() "هم مدعوّون بصورةٍ خاصّةٍ إلى أن يجعلوا الكنيسةَ حاضرةً وفعَّالة في تلك الأماكن والظروف التي لا يمكنها إلاّ بواسطتهم أن تكون "ملح الأرض" (متى 5: 13). وهكذا، فإنّ كلّ عَلمانيّ، بقّوةِ النِّعم التي أعطيها، شاهدٌ وفي الوقت عينه أداةٌ حيةٌ لرسالةِ الكنيسة بالذات "على مقدار موهبة المسيح" (أفسس 4: 7) ولذلك نحن مدعوون أن نكون كالقمر عندما ينعكس عليه ضوء الشمس يصبح متألقا في السماء فيمزق حجاب الظلام. وهنا يُذكرنا بولس الرسول " لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات" (1 تسالونيقي 5: 5). ونورنا قوي لأنه مستمد من نور القيامة المنبثق من قبر مسيحنا الذي فيه كان انتصار النور والحياة ونهاية الموت والظلام. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88755 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() دعاء "أَطلعِ عَلينا نورَ وَجهِك، يا ربّ" (مزمور 4: 7) فنصبح ملحاً صالحا مستمدً من الملح الازلي، وان نكون نورا ساطعا مستمِّداً ضوؤه من النور الإلهي وبالتالي بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد نضيء ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون مُتَمَسِّكينَ بِكَلِمَةِ الحَياة" (فيلبي 2: 15-16)، ونحيا بالتزام وأمانة رسالتنا المسيحية فنشع نور المسيح في العائلات والمدارس والمؤسّسات بأعمالنا الصالحة ونمجّد اسمه القدوس. آمين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88756 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() قصة: غاندي ونور المسيحيين اشتهر المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند بشدة إعجابه بالمسيح، إذ كثيرًا ما كان يستشهد بأقوال المسيح علنًا، وخاصة بعظة التطويبات على الجبل. وذات يوم، سأل أحد الأشخاص غاندي قائلا: إن كنت تحب المسيح بهذا المقدار، فلمَ لا تصبح مسيحيًا؟ أجابه غاندي "عندما أعرف مسيحيًا يتبع المسيح، فسأفعل أنا كذلك بالطبع". إن إجابة غاندي، لا تبرِّره من عدم قبول الرب يسوع المسيح مخلصًا شخصيًا لحياته، نشكر الله بأن هناك الملايين الذين تبعوا المسيح وقد بذلوا حياتهم حتى الموت في سبيله. بالرغم من ذلك، فإن ما قاله غاندي هو بمثابة تحدّي ومسؤولية أمام المسيحيين المؤمنين بيسوع المسي الذي وصفهم يسوع نور العالم وملح الارض. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88757 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الاحد الثاني من المجيء: مجيء الرب ورسالة يوحنَّا المعمدان الأب لويس حزبون - فلسطين(متى 3: 1-12) ![]() يصف انجيل الاحد الثاني من المجيء (متى 3: 1-12) رسالة يوحنَّا المعمدان في اعداد طريق الرب على ارضنا. فهو مثالنا في زمن المجيء. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع نص الإنجيل وتطبيقاته. أولا: وقائع نص الإنجيلي (متى 3: 1-12) 1في تِلكَ الأَيَّام، ظهَرَ يوحنّا المَعمَدان يُنادي في بَرِّيَّةِ اليَهودِيَّةِ فيقول: تشير عبارة "في تِلكَ الأَيَّام " الى ذلك العصر أو ذلك الزمان، وقد حدّد لوقا عمر المسيح في هذا الوقت بحوالي 30 عامًا (لوقا 23:3). وقد سبق القدّيس يوحنا المعمدان يسوع بأشهرٍ قليلة حينما بلغ الثلاثين مــــن عمـــره،وهو السن القانوني للخدمة الكهنوتيّة عند اليهود؛ اما عبارة "ظهَرَ" فتشير الى بدء خدمة المعمدان قبل خدمة المسيح بشهور؛ أما عبارة " يوحنّا المَعمَدان " فتشير الى يوحنا وقد أطلق عليه الشعب اسم المعمدان لأنه كان يُعمّد. وُلد تقريباً سنة 7 ق. م. في عين كارم حسب التقليد المسيحي، وهو ابن زكريا وأليصابات ونسيب يسوع المسيح (لوقا 1: 5-80). وكان من حق يوحنا أن يصير كاهنًا، ولكنه كُرّسمنذ ولادته ليكون سابق المسيح (لوقا 1: 5-25)، فترك الهيكل والكهنوت ذاهبًا إلى البرية ليهيئ الطريق لربنا يسوع. وكان ملاخي قد سبق وتنبأ عنه (ملاخي 1:3) وتنبأ عن مجيء إيليا قبل مجيء الثاني للمسيح (ملاخي 4: 5)، ولما كان اليهود لا يفهمون أن هناك مجيء أول ومجيء ثاني، ظنوا أن إيليا يجب أن يظهر قبل المسيح. ولكن المعمدان جاء في صورة إيليا الساكن في البراري والجبال وبنفس قوته، أما عبارة "يُنادي" في اللغة اليونانية خ؛خ·دپل½»دƒدƒد‰ وفي العبرية ×™ض¼ض´×§ض°×¨ض°×گض¼ فتشير الى المناداة باسم الملك كما هو الشأن مع يوسف في مصر "نَزَعَ فِرعَونُ خاتَمَه مِن يَدِه وجعَلَه في يَدِ يوسف، وأَلبَسَه ثِيابَ كَتَّانٍ ناعِم وجَعَلَ طَوقَ الذَّهَبِ في عُنُقِه، وأَركَبَه مَركَبَتَه الثَّانِيَة، ونادَوا أَمامَه: ((اِحذَرْ)). وهكذا أَقامَه على كُلِّ أَرضِ مِصْر"(تكوين 41: 42-43). ثم انتقل المعنى الى الحقل الديني أي المناداة باسم الله "أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وآهتِفوا (نادوا) في جَبَلِ قُدْسي ولْيَرتَعِدْ جَميعُ سُكَانِ الأَرض فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ آتٍ وهو قَريب "(يوئيل 2: 1). وتُستعمل هنا هذا الفعل "يُنادي " للدلالة على كرازة يوحنا المعمدان، وستستعمل أيضا للدلالة على كرازة يسوع (متى 4: 17) وكرازة تلاميذ يسوع (متى 10: 7) وكرازة الكنيسة الأولى (اعمال الرسل 8/ 5). وفي انجيل متى، يرد مضمون المناداة بإيجاز بعبارة " توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات " (متى 3: 2)، او يُشار اليه بعبارتي " بشارة الملكوت" (متى 4: 23) او "البشارة" (متى 26: 13). ويجدر بالذكر ان فعلي "نادى" و "بشّر" هما شبه مترادفين؛ أما عبارة " بَرِّيَّةِ" فتشير الى منطقة قليلة السكان والتي تبعد نحو قرابة 32كم عن اورشليم وبيت لحم. ولم تكن برّيّة قاحلة، إنّما كانت تضم ست مدن مع قراها (يشوع 15: 61-62)، لكنها منطقة غير مزدحمة وغير مُحاطة بالحقول والكروم كبقيّة البلاد. وفي هذه البرية عاش يوحنا صباه (لوقا 1: 80)؛ والبرية تحمل في الكتاب المقدس رنة عميقة. فهناك عاش الشعب العبراني بداية مسيرته مع الرب، والى هناك أراد الرب ان يُعيد شعبه (هوشع 2: 16)؛ اما عبارة "اليَهودِيَّةِ " فتشير الى منطقة غير محددة تحديداً دقيقاً، تقع بين سلسلة الجبال الممتدة من أورشليم الى حبرون (الخليل)، والبحر الميت (متى 3: 5). 2 ((توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات)). تشير عبارة " توبوا " في الأصل اليوناني خ¼خµد„خ±خ½خ؟ل½³د‰ الى تغيير في العقلية وفي النظر الى الأمور وتبديل في القلوب من جهة الخطيئة. وهو الموضوع الرئيسي الذي عالجه إرميا والانبياء في العهد القديم؛ فالتوبة تتطلب تغيير الاتّجاه حيث يعطي الإنسان لله الوجه لا الظهر خلال اتّحاده بالمسيّح والعودة بلا شرط الى إله العهد، كما يصف ارميا النبي " إِنَّهم قد وَلَّوني ظُهورَهم لا وُجوهَهم" (إرميا 2: 27), ويُوحّد متى الإنجيلي بين مواعظ يوحنا المعمدان "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات" (متى3: 2)، وقد عبَّر اليهود عن هذه التوبة بقبول المعمودية لمغفرة الخطايا، ومواعظ يسوع " تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات " (متى 4: 17)، وقد عبّر المسيحيون عن هذه التوبة بمعمودية الروح القدس. لكن هناك تمييز بين خدماتهما الرسولية: يوحنا يُعّمد بالماء، اما يسوع فيعمّد بالروح القدس (متى 3: 11)؛أما عبارة "اقتَربَ" فتشير الى ان ملكوت الله صار قريبا، وبالتالي بدء نظام جديد، وتدل العبارة أيضا على ان الملكوت حاضر " فقد وافاكُم مَلكوتُ الله"(متى 12: 28)؛ وهذا الحضور يمكن ان يفهم بطرق مختلفة: فأمّا ان هذا الملكوت قد حُقّق تماماً، وإمّا أنه أفتتح افتتاحا سريا في شخص يسوع ونشاطه، على ان يُظهر علانية للجميع في وقت قريب. ومهما يكن الآمر، فإنّ الملكوت يقتضي ان يتوب الإنسان؛ أما عبارة "مَلكوتُ السَّموات" فتشير الى اصطلاح خاص في انجيل متى، أما باقي الإنجيليين فكانوا يستعملون اصطلاح ملكوت الله. لأن متى كان يكتب لليهود الذي اعتادوا ان لا يلفظوا اسم الله. فاستعمل متى الإنجيلي عبارة "ملكوت السماوات" (33) مرة، واستعمل (4) مرات عبارة "ملكوت الله" (متى 12: 28، 19: 24، 21: 31). ولا تدل عبارة " ملكوت السماوات " على ان هذا الملكوت سماوي، بل ان الرب الذي في السماوات يملك على العالم. وقد ورد في العهد القديم أنَّ الملكوت هو للرب كما يترنم صاحب المزامير "لأَنَّ المُلكَ لِلرَّبَ وهو يَسودُ الأمَم" (مزمور 22: 29)، ويبشّر متى الانجيلي بان هذا الملكوت الدائم قد اقترب من الناس في شخص يسوع عندما دخل الله بنفسه الى تاريخ الجنس البشري كإنسان. فالمسيح يسوع يملك الآن في قلوب المؤمنين، كما يقول الرسول بولس " إِنَّ الكَلامَ بِالقُرْبِ مِنكَ، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ " (رومة 10: 8). لكن ملكوت السماوات لن يتحقق تماما إلاَّ بعد إدانة كل الشر الذي في العالم وإزالته. والملكوت هو واقع حاضر وهو رجاء مقبل، وهو ليس مكان ندخل إليه بل هو حالة نعيشها. 3فهُوَ الَّذي عَناهُ النَّبِيُّ أَشَعْيا بِقَولِه: ((صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ واجعَلوا سُبُلَه قويمة)). تشير عبارة "صوت" الى صوت الذي يسبق "الكلمة الإلهية"؛ صوت كرازة يوحنا المعمدان الذي يوجَّه النظر ليسوع، ويدعو الناس للتوبة فيكونوا مستعدين لقبول الرب يسوع؛ فالغرض الوحيد لوعظ يوحنا المعمدان ان يوجّه أنظارالناس ليسوع بدعوتهم الى التوبة، وبذا يجعلهم مستعدِّين لقبول الرب؛ اما عبارة " اجعَلوا سُبُلَه قويمة " فتشير إلى عبارة مقتبسة من اشعيا النبي " صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: ((أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وآجعَلوا سُبُلَ إِلهِنا في الصَّحْراءِ قَويمة "(اشعيا 40: 3)، فنجد الفرق في عبارة "سُبُلَ إِلهِنا" في سفر أشعيا، وعبارة " سُبُلَه في أنجيل متى . فمتى الإنجيلي ُطبّق هذه النبوءة على يسوع نفسه. "الرب هو الله في العهد القديم، وهو هنا في العهد الجديد يسوع المسيح الذي يهيئ له يوحنا المعمدان الطريق، إذ كان من عادات الشرق أن يسبق الملك رسول يهيئ له الطريق، والسيّد المسيح كملكٍ روحيٍ أعد لنفسه رسولًا؛ اما عبارة " واجعَلوا سُبُلَه قويمة " فتشير الى طلب يوحنا المعمدان من المؤمنين ان يتوبوا، أي مَن ارتفع قلبه بالكبرياء، أو مَن التهب قلبه بالطمع أو الشهوة فليغير طريقه. والعكس فمن كان يشعر بيأس أو صغر نفس فليكن له رجاء منذ الآن كما تنبأ أشعيا "كُلُّ وادٍ يَرتَفعِ وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ يَنخَفِض والمُنعَرِجُ يُقَوَّم ووَعرُ الطَّريقِ يَصيرُ سَهلاَّ " (اشعيا 40: 4). وتصبح طريقنا قويمة للرب عندما نستقبل بتواضعٍ كلماته، وتكون قويمة إن مارسنا حياتنا في توافق مع وصاياه. لذلك قيل " إذا أَحَبَّني أَحَد حَفِظَ كلامي فأحَبَّه أَبي ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقاماً "(يوحنا 14: 23). ويوصينا القديس أمبروسيوس "فليُعد طريق الرب في قلوبكم خلال حياة لائقة وبأعمال صالحة وكاملة، فيحفظ هذا الطريق حياتكم باستقامة، وتدخل كلمات الرب إليكم بلا عائق". فالمسيح وحده يستطيع ان يعطي حياتنا معنى. 4وكانَ على يوحنّا هذا لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل، وحَولَ وَسَطِه زُنَّارٌ مِن جِلْد. وكان طَعامُه الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ. تشير عبارة " لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل، وحَولَ وَسَطِه زُنَّارٌ مِن جِلْد " إلى لباس الأنبياء التقليدي (زكريا 13: 4)، ولا سيما لباس إيليا النبي (2 ملوك 1: 8) الذي رآه يسوع في شخص يوحنا المعمدان (متى 17: 9-13). ان إيليا النبي لا بد ان يعود لدعوة أخيرة الى التوبة، قبل الدينونة الأخيرة (متى 11: 14). وقد كان انتظار نبي للأزمنة الأخيرة منتشرا في بيئات مختلفة، ولربما كان يستند الى قول موسى "يُقيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِثْلي مِن وَسْطِكَ، مِن إِخوَتكَ، فلَه تَسْمَعون"(ثنية الاشتراع 18: 15) اما عبارة "الجَراد" فيشير الى اكل الفقراء جدا؛ واما عبارة " العَسلَ البَرِّيّ " فتشير الى العسل الذي يجدونه في الصخور وجذوع الأشجار. ونستنج من ذلك ان يوحنا المعمدان لم يكرز بناموس الله قط، لكنه عاشه. 5وكانَتْ تَخرُجُ إِليهِ أُورَشليم وجَميعُ اليهوديَّةِ وناحيةُ الأُردُنِّ كُلُّها. تشير عبارة "تَخرُجُ إِليهِ أُورَشليم" الى امر جديد عكس العادة حيث الجماهير من كل مكان يتوجّهون إلى أورشليم في حين هنا تخرج الجماهير من اورشليم. فم يُعد هيكل اورشليم مصدر توجّه الجماهير، بل من المسيح الذي يهيأ له يوحنّا المعمدان. وعليه تدل الآية على ان الجماهير خرجت من كل المدن لتشهد أول نبي حقيقي على مدى أربعمائة عام، ولترى مثالًا حيًا للحياة التائبة العمليّة، الأمر الذي يفضح الفرّيسيّين لريائهم، اذ كانوا يتمسكون بحرفية الناموس، لكنهم يتجاهلون مضمونه الحقيقي فيُذكّرهم أنّه يجب عليهم أن يتوبوا لاستقبال المسيح من ناحية؛ ومن ناحية أخرى كسب يوحنا الجماهير لصَفّه، مقدّمًا لهم مفاهيم روحيّة تهدم أفكار الصدّوقيّين الذين كانوا يستخدمون الدين لتأييد موقفهم السياسي. لقد كانت رسالته قوية وصادقة وكان الشعب في انتظار نبي مثل أيليا (ملاخي 4: 5)، وبدا يوحنا هو هذا النبي. فلكي نرجع إلى الله ونلتقي به، علينا أن نخرج من العالم. 6فيَعتَمِدونَ عَنِ يدِهِ في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخَطاياهم. تشير عبارة "يَعتَمِدونَ عَنِ يدِهِ" الى معمودية يوحنا المعمدان التي كانت تُعرض على الجميع، ولا تُمنح إلاّ مرة واحدة، بعكس الاغتسال الطقسي اليهودي للحسيديم ×—ض²×،ض´×™×“ض¸×™× التي كان يتم يوميا للتطهير من النجاسات الطقسية (مرقس 6: 4)؛ كما تختلف معمودية يوحنّا عن معمودية الدخلاء التي كانت تطهّرهم لتمكنهم من الاتصال باليهود (مرقس 1: 4)؛ وفي أيام يوحنا المعمدان انتشرت هذه الممارسة انتشارا واسعا، كما هو الحال في شأن جماعة قمران حيث كان الاغتسال اليومي تعبيراً عن مثالهم الاعلى في الطهارة وهم ينتظرون للتطهير الجذري (القانون 2: 25-3: 12). وبإختصار، فإنّ معمودية يوحنَّا مرتبطة بالتوبة، فهي تُمهد للمعمودية التي أتى بها يسوع، معمودية الروح القدس والنار (متى 3: 11)؛ أما عبارة "نَهرِ الأُردُنِّ" فتشير الى النهر الذي ينبع من جبل الشيخ (حرمون) ويفصل بين فلسطين والأردن ويصب في البحر الميت مارا ببحيرة طبرية، ويبلغ طوله حوالي 251 كم. وعند نهر الأردن جدّد بنو إسرائيل عهدهم مع الله (يشوع 1: 2)، ودعاهم يوحنا المعمدان في نفس المكان ان يجدِّدوا عهدهم. وهناك أيضا كان يوحنا المعمدان يبشر ويعمد في الفترة الأولى من بشارته في موقع عند نهر الأردن معروف باسم "المغطس" وهو يقع في "وادي الخرار" في المملكة الأردنية الهاشمية. ويذكر يوحنا الإنجيلي الموقع باسم " بَيتَ عَنْيا عِبْرَ الأُردُنّ" (يوحنا 28:1) وهناك عدة ينابيع طبيعية تشكل بركاً يبدأ منها تدفق المياه إلى وادي الخرار، وتصب في النهاية في نهر الأردن. وقد تمَّ إدراج هذا الموقع المقدس على قائمة التراث العالمي تحت مسمى "موقع المعمودية بيت عنيا عبر الأردن"؛ أما عبارة "مُعتَرِفينَ بِخَطاياهم " فتشير الى علامة ندامة داخلية لقبول المعمودية. فالاعتراف بالخطايا معروف في العهد القديم، ولا سيما في بعض الظروف مثل عيد التكفير (الاحبار 5: 5-5-6) او في رُتب تجديد العهد (عزرا 10: 1) 17). وهذا الإقرار بالخطايا يمثل عودة الانسان الى الله للحصول على الغفران (المزمور 32: 5). وحافظت الكنيسة على هذا الإقرار بالخطايا منذ انطلاقها مع بطرس الرسول الذي دعا المؤمنين الجدد الى التوبة والعماد لتغفر خطاياهم " فقالَ لَهم بُطرُس"توبوا، وَلْيَعتَمِدْ كُلٌّ مِنكُم بِاسمِ يسوعَ المَسيح، لِغُفْرانِ خَطاياكم، فتَنالوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُس" (أعمال الرسل 2: 38). 7ورأَى كثيراً مِنَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقيِّينَ يُقبِلونَ على مَعموديَّتِه، فقالَ لَهم: ((يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكم سَبيلَ الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ تشير عبارة " الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقيِّينَ " الى المقاربة بينهم بالرغم من انهما حزبين دينيّن متناقضين عقائديا وسياسيا. الفريسيون هم أهم طوائف اليهود الدينية، التي كانت قد ظهرت فيما بين العهدين، أيام المكابيين سنة 150ق.م. وهدفهم الدفاع عن وجهة النظر الدينية عند اليهود امام التأثير الهلنستي. والاسم " الفِرِّيسيِّينَ" هو صيغة يونانية خ¦خ±دپخ¹دƒخ±ل؟–خ؟د‚ للفظة العبرية ×”ض·×¤ض¼ض°×¨×•ض¼×©×پض´×™× أي “المفروزون". فهم "المنعزلون" عن كل ما ليس يهودياً. ويسمون أنفسهم " الحسيديم" ×—ض²×،ض´×™×“ض¸×™× أي الاتقياء، ويتعلّقون بشريعة موسى بدقة والتقاليد الشفوية أي تقليد الشيوخ (متى 15: 2)، وكانوا حماة الطقسي في الديانة اليهودية؛أما عبارة "الصدُّوقيون" فتشير الى طائفة يهودية كبيرة ويرجح انهم نشأوا أصلا كمضادين للفرِّيسيين. ويشتق اسمهم من اسم صادوق رئيس الكهنة، ومعنى اسم صادوق في اللفظ العبري צض¼ض·×“ض¼×•ض¼×§ض´ " صادق ومعناه البار. وهم يؤمنون بأسفار موسى الخمسة فقط (من التكوين الى سفر تثنية الاشتراع) باعتبارها هي وحدها كلمة الله، لكنهم لا يؤمنون بقيامة الموتى والملائكة ولا يتمسَّكوا بتقليد الشيوخ (اعمال الرسل 23: 8)؛ وقد علموا أنَّ الفضيلة تراعى من اجل نفسها، وليس من أجل أي أجر، وأنكروا القيامة. وقد ارتبطوا بعالم السياسة؛ أما عبارة "قالَ لَهم " فيشير الى تعليم يوحنا المعمدان عن التوبة الحقيقية التي تتوجّه أولا الى الرؤساء: الفريسيين والصدوقيين. أما عبارة "الأَفاعي" في الصيغة اليونانية ل¼”د‡خ¹خ´خ½خ± الى الصنف السام من الأفاعي. وهذه الأفعى رمز للقضاء الذي يحل بالأشرار كما قال الحكيم صوفَرُ النَّعماتِيُّ "رَضَعَ سُمَّ الأَصْلال فقَتَلَه لِسانُ الأَفْعى" (أيوب 20: 16) وهي رمز تدبير الشر التي يريده الأشرار " ينقُفونَ بَيضَ الحَيَّات ويَنسِجونَ خيوطَ العَنْكَبوت. وبَيضُهم مَن أَكَلَ مِنه يَموت وما كُسِرَ مِنه يَنشَقُّ عن أَفْعى"(أشعيا 59: 5)، اما عبارة "أَولادَ الأَفاعي" فتشير الى تدبير الشر التي يريده الفِرِّيسيِّونَ والصَّدُّوقيِّونَ ؛ أذ لم يكن يوحنا بالقصبة التي تحرّكها الريح فيهتز أمام هؤلاء القادة متملقًا إيّاهم، وإنما بقوّة كان يشتهي خلاصهم، فاضحًا الشرّ الذي فيهم، وعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " حسنًا دعاهم أولاد الأفاعي، إذ يُقال أن ذلك الحيوان عند ولادته تأكل الصغار بطن أمها وتهلكها فيخرجون إلى النور، هكذا يفعل هذا النوع من الناس، إذ هم قتلة آباء وقتلة أمهات يبيدون معلّميهم بأيديهم"؛ أما عبارة " الغَضَبِ الآتي " فتشير الى الدينونة الآتية، فالغضب يدل على موقف الله من الخطيئة، والعقاب الذي يُصيب الخاطئين (اشعيا 3: 27-33). ينبئ يوحنا المعمدان بمجيء الديان الوشيك، لكن يسوع يظهر بمظهر العبد الوديع المتواضع (متى 12: 18-21)، الذي يقول بولس الرسول فيه إنه يُنجّي من الغضب " تَنتَظِروا أَن يَأتِيَ مِنَ السَّمَواتِ ابنُه الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَمْوات، أَلا وهو يسوعُ الَّذي يُنَجِّينا مِنَ الغَضَبِ الآتي"(1 تسالونيقي 1: 10). 8فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم، تشير عبارة "ثَمَر" الى دعوة يوحنا الى الناس الى ما هو أكثر من مجرد طقوس، دعوة الى تغيير سلوك وعدم الاكتفاء في مظهر خاص من مظاهر التقوى او الأخلاق. فتغيير الحياة هي علامة التوبة الحقيقية. إذا كانت هناك توبة، فلتظهر في السلوك، وألا كانت توبة كاذبة. التوبة التي بلا ثمر هي مظاهر ورياء حيث إن دخول ملكوت الله ليس امتيازا خاصا بجنس او امه معينة بل هو مباح للجميع على أساس التوبة والايمان كما جاء في تعليم بولس الرسول " فلَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع. فإِذا كُنتُم لِلمسيح فأَنتُم إِذًا نَسْلُ إِبراهيم وأَنتُمُ الوَرَثَةُ وَفقًا لِلوَعْد"(غلاطية 3: 28-29). 9ولا يَخطُرْ لَكم أَن تُعلِّلوا النَّفْسَ فتَقولوا ((إِنَّ أبانا هوَ إِبراهيم)). فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارةِ أَبناءً لإِبراهيم. تشير عبارة "إِنَّ أبانا هوَ إِبراهيم" تشير الى اعتقاد اليهود ان الخلاص يقوم بالولادة او بارتباط ديني او اجتماعي. فهم يظنون أنهم يخلصون لمجرد انتسابهم لإبراهيم. ولكن المعمدان يشرح لهم أن الخلاص ليس ميراثًا من الآباء. وإن كان هؤلاء القادة قد اعتمدوا على نسبهم لإبراهيم، فيلزمهم تأكيد هذه البنوّة بذات الروح الذي عمل به أبونا إبراهيم. فقد أوضح لهم بطلان هذه الحجّة. فإن كانوا يدعون أنهم "أبناء إبراهيم" ففي الحقيقة هم "أولاد الأفاعي"، لأنهم لا يحملون إيمان إبراهيم الحيّ ولا يسلكون على منواله، فالخلاص يقوم على الايمان كما جاء في تعليم بولس الرسول لليهود " فلَيسَ اليَهودِيُّ بِما يَبْدو في الظَّاهِر، ولا الخِتانُ بِما يَبْدو في ظاهِرِ الجَسَد، بلِ اليَهودِيُّ هو بِما في الباطِن، والخِتانُ خِتانُ القَلْبِ العائِدُ إِلى الرُّوح، لا إِلى حَرْفِ الشَّريعة" (رومة 2: 28-29). بالإيمان نبرهن عن صدقنا بسلوكنا تجاهه. الرب هو الذي جعل منا ابناء إبراهيم، ابناء الايمان، وما يعمله فينا هو نعمة مجانية؛ اما عبارة "الحِجارةِ " فتشير الى تلك الحجارة ×گב×*×™×ں التي كانت ملقاة على الأرض التي تدل على كل قلب تقسى وتحجر، والله يحركه بالتوبة فيصير ابنًا لإبراهيم.ב×*×™×ں ؛ وكل من تحجَّر قلبه، فالله قادر أن يحوّله مرة أخرى إلى قلب لحم كما جاء في نبوءات حزقيال " أُعْطيكم قَلبًا جَديدًا وأَجعَلُ في أَحْشائِكم روحًا جَديدًا وأَنزِعُ مِن لَحمِكم قَلبَ الحَجَر، وأُعْطيكم قَلبًا مِن لَحْم "(حزقيال 36: 26). ويرى القديس أوغسطينوس "أن الحجارة التي صارت أولادًا لإبراهيم إنّما تُشير إلى الأمم الذين عبدوا الأوثان فصاروا حجارة، وإذ قبلوا الإيمان الذي كان لإبراهيم صاروا من نسله روحيًا". ويقصد يوحنا المعمدان أن الامة اليهودية لم تمتلك في عيني الله، بسبب انتمائهم الى إبراهيم أكثر مما للحجار. كذلك نحن لا فائدة منا إن كنا مسيحيين بالاسم فقط، فإن لم يستطيع الآخرون أن يروا إيماننا في طريقة حياتنا. 10ها هيَ ذي الفَأسُ على أصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمراً طيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار. تشير عبارة " الفَأسُ على أصولِ الشَّجَر " الى آلة من آلات المحطِّبين (ثنية الاشتراع 19: 5)، وهي تدل على دينونة قريبة تُقطع الشجرة التي لا تثمر بعد ان تُعطى لها مهلة (لوقا 13: 7)؛ اما عبارة " فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ " فتشير الى الناس الذين يدّعون أنهم يؤمنون بالله لكنهم لا يعيشون له؛ واما عبارة "تُلقى في النار " فتشير الى عقاب ينتظر الهالكين. فهذا المثل يشير للغضب القادم. فالمسيح أتى ليُبشر بيوم مقبول وسنة مقبولة، فإما أن يستجيب الإنسان له أو تأتي عليه الدينونة. 11أَنا أُعمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة، وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. تشير عبارة "أُعمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة " الى ان المعمودية هي علامة خارجية للتوبة، اما العلامة الحقيقية فهي التوبة. فالمعمودية تفترض التوبة. ولهذا لم يعمّد يوحنا الفريسيين والصدوقيين، لأنهم لم يعطوا ثمرا يدلُّ على التوبة (متى 3: 7-8)؛ واما عبارة "ألآتي بَعدِي" فتشير الى السيد المسيح الموكب الرسمي الأخير وهو الأهم. وهكذا يعلن متى الانجيلي الى أتباع يوحنا المعمدان (اعمال الرسل 19: 1) ان رئيسهم يوحنا لم يكن هو المسيح، بل سابق المسيح ومهيّا الطريق له؛ اما عبارة " فهو أَقْوى مِنِّي" فتشير الى وصف يسوع بالقوي، وهي صفة تُطلق على الله في العهد القديم " أَيُّها السَّيِّدُ الإِلهُ العَظيمُ الرَّهيب، حافِظُ العَهدِ والرَّحمَةِ لِلَّذينَ يُحِبُّونَكَ ويَحفَظونَ وَصاياكَ "(دانيال 9: 4)، وتطلق هذه العبارة أيضا على المسيح المنتظر في العهد الجديد. ولم ترد هذه الصفة إلاَّ مرتين في إنجيل متى (متى 12: 29)، إذ يفضل متى كلمة "سلطان " على كلمة "قوة" كما جاء في وصف تعاليمه "لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن لَه سُلطان، لا مِثلَ كَتَبَتِهم. (متى 7: 29)، كما جاء أيضا في وصف قدرته على مغفرة الخطايا " فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغْفِرُ بِه الخَطايا "(متى 9: 6)، وفي وصف قوّته " إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض" (متى 28: 18)؛ أن القوة هي من صفات المسيح (اشعيا 11: 2)، ستظهر خاصة في صراع يسوع مع الشيطان (مرقس 3: 27)؛ اما عبارة " أَخلَعَ نَعْلَيْه “فتشير الى عمل من أعمال العبيد. ذاك هو وضع يوحنا بالنسبة الى يسوع؛ لقد شعر يوحنا أنه ليس مستحقا ان يؤدِّي، ولو واجبا صغيرا للرب يسوع. هذا هو سر اواضع يوحنا المعمدان وبالتالي عظمته؛أما عبارة " النَّار "فتشير الى عمل الله الذي يُطهّر ويمتحن "مَنِ الَّذي يَحتَمِلُ يَومَ مَجيئه ومَنِ الَّذي يَقِفُ عِندَ ظهورِه؟ فإِنَّه مِثلُ نارِ السَّبَّاك "(ملاخي 3: 2). فنار الروح القدس تحرق الفساد في حياة المؤمن وتلهبه من أجل الله، كما جاء في وصف أرميا النبي" كانَ في قَلْبي كنارٍ مُحرِقَة " (ارميا 20: 9). إن الصفة المميزة للمؤمن المسيحي هي انه ينقاد بروح الله كما يصرّح بولس الرسول " إِنَّ الَّذينَ يَنقادونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أَبناءَ اللهِ حَقًّا" (رومة 8: 14). فإذا أراد الانسان ان يشارك الله في قداسته، عليه ان يمرّ في النار كالمعدن. ولكن إن رفض، كانت النار التي تمرّ في حياته غضبا وعقاباً (1 قورنتس 3: 12-13). هذا الأقوى هو إله وإنسان يسوع المسيح. 12بيَدِه المِذْرى يُنقِّي بَيْدَرَه فيَجمَعُ قَمحَه في الأَهراء، وأَمَّا التِّبنُ فيُحرِقُه بنارٍ لا تُطْفأ)). تشير عبارة " المِذْرى " الى خشبة ذات أطراف الأصابع، ترفع بها الحبوب المختلطة بالتبن والقش، فتسقط الحبوب لأسفل لثقلها، أما القش والتبن فيطيران بعيداً. وبهذا تجمع الحبوب وحدها والتبن وحده، وهذا يتم في مكان متسع بجانب الحقل يسمى البيدر أو الجرن. وهذه العملية تسمى التذرية أي تنقية الحنطة من التبن؛ اما عبارة " القمح" فتشير الى الجزء النافع من النبات، وهو يجمع الى مخازن، اما التبن فهو قشرة خارجية لا قيمة لها فلذلك يحرق؛ كذلك الآن يعيش الأبرار مع الأشرار، والمؤمنون مع غير المؤمنين، حتى يأتي يوم الرب العظيم الذي يقوم بنفسه بالتذرية. أما عبارة " الأَهراء" ل¼€د€خ؟خ¸ل½µخ؛خ· فتشير الى المخزن او البيت الكبير الذي يجمع فيه القمح، وهي رمز الى الدينونة كما يؤكد متى الإنجيلي "يُرسِلُ ملائِكَتَه ومَعَهُمُ البُوقُ الكَبير، فيَجمَعونَ الَّذينَ اختارَهم مِن جِهاتِ الرِّياحِ الأَربَع، مِن أَطرافِ السَّمَواتِ إِلى أَطرافِها الأُخرى" (متى 24: 31)؛ أما عبارة "نارٍ " فتشير هنا الى الغضب، والغضب هو موقف الله من الخطيئة (اشعيا 30: 27-33)؛ أمِّا عبارة "لا تُطْفأ" فتشير الى نار لن تُخمد أبدا حتى يتم غرضها كما يُصرّح اشعيا النبي "لا تَنطَفِئُ لَيلاً ولا نَهاراً ودُخانُها يَصعَدُ مَدى الدَّهر ومِن جيلٍ إِلى جيلٍ تَخرَب وإِلى أَبَدِ الآبِدينَ لا يَجْتازُ فيها أَحَد" (اشعيا 34: 10)، فالحصاد صورة عن الدينونة الأخيرة في نهاية الأزمنة، وفيه يتم فصل الصالح عن الرديء (متى 13: 30). إن عملية الدينونة مستمرة خلال عصر الانجيل إذ يُفصل القمح من التبن بواسطة قبول الإنجيل او رفضه. ويبلغ ذلك حد الكمال في اليوم الأخير. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 3: 1-12) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 3: 1-12)نستنتج ان النص يتمحور حول رسالة يوحنا المعمدان في البرية لأعداد الطريق لمجيء الرب وذلك من خلال رسالته النبوية والتعليمية. 1) رسالة يوحنا النبوية هيّأ يوحنا المعمدان طريق الرب من خلال رسالته النبوية. إن الجميع ينظرون إلى يوحنا كنبي. وفي الواقع إنه أُسوة بأنبياء الأيام السالفة، يترجم الشريعة في عبارات تفيد في الحياة اليومية، فكان يوحنا على سيبل المثال يقول لهيرودس انتيباس "إِنَّ هِيروديّا امرَأَةِ أَخيهِ فِيلبُّس لا تَحِلُّ لَكَ" (متى 14: 4). وإنه يُنذر باقتراب الغضب والخلاص "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات" فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (متى 3: 2 و8). وبواسطة يوحنا يُقدِّم كل الأنبياء الشهادة ليسوع " فَجَميعُ الأَنبِياءِ قد تَنَبَّأوا، وكذلك الشَّريعة، حتَّى يوحنّا (متى 11 :13). ويضيف لوقا البشير " ومِن ذلكَ الحِينِ يُبَشَّرُ بِمَلكوتِ الله، وكُلُّ امْرِئٍ مُلزَمٌ بِدُخوِله" (لوقا 16:16). يُقدَّم يوحنا على ضوء نبوات الأنبياء، على أنه آتٍ ليعدّ قلوب الناس لمجيء يسوع المسيح. إنه يُبشر بالدينونة الأخيرة وبمجيء الملكوت. فكان لا بد من وجوده كي نلمس الفرق بين تعاليم النبوة وموضوعها أي المسيح. فيوحنا يميز نبوياً المسيح " ذاك " الذي هو موجود في العالم دون أن يعرفه العالم، مشير إليه " أَنا أُعَمِّدُ في الماء، وبَينَكم مَن لا تَعرِفونَه" (يوحنا 1: 26). فكان ليوحنا رسالة نبوية حول مجيء المسيح من خلال مظهره ومأكله وتواضعه وموته. ا) رسالة نبوية من خلال مظهره ومأكله يصف متى الإنجيلي يوحنا المعمدان بقوله "كانَ على يوحنّا هذا لِباسٌ مِن وَبَرِ الإِبِل، وحَولَ وَسَطِه زُنَّارٌ مِن جِلْد. وكان طَعامُه الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ. " وكان هذا لباس الأنبياء (زكريا 4:13). لقد قدّم متى الانجيلي هذا المظهر ليتذكّر اليهود إيليّا النبي الغيور، فقد جاء يوحنا المعمدان كإيليّا يسبق الرب. ويوحنا المعمدان الذي قدّر له أن يكون إيليا الجديد (لوقا 1: 16 -17)، يذكّرنا بالنبي إيليا العظيم بملبسه وبطريقة الحياة الخشنة (متى 3: 4) التي مارسها في البريّة منذ شبابه، لم يلبس يوحنا الملابس الطويلة كالفرّيسيّين، ولا الملابس الناعمة كحاشية الملك، وإنما ارتدى الملابس اللائقة بالدعوة للتوبة. تحوّل يوحنّا عن كلّ شيء من أجل أن يتطلّع إلى الربّ فقط. ليس لديه أيّ شيء في الصحراء؛ كلّ ما كان يملك هو ثوبه من وبر الإبل وأيّ طعام استطاع أن يجده في الصحراء. إنّ يوحنّا يعيش الرسالة الّتي كان يُعلنها. ويعلق العلامة أوريجانوس "كانت صرخات يوحنا لا تخرج من فمه فحسب، وإنما تنطلق من كل حياته، تعلنها حياته الداخليّة ومظهره الخارجي، حتى ملبسه كان أشبه بعظة صامتة وفعّالة، وأيضًا طعامه". ويظهر يوحنا بما فيه من غيرة متّقدة أنه إيليا الجديد المنتظر الذي عليه أن يُعدّ الناس لمجيء المسيح (متى 11: 14)، كما تنبا ملاخي النبي "هاءَنَذا أُرسِلُ إليكم إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبلَ أَن يأتي يَومُ الرَّبِّ العَظيمُ الرَّهيب " (ملاخي 3: 23). وكان عمله " أن َيَرُدُّ قُلوبَ الآباءِ إِلى البَنينَ وقُلوبَ البَنينَ إلى آبائِهم، لِئَلاَّ آتي وأَضرِبَ الأَرضَ بِالتَّحْريم" (ملاخي 3: 24)، وهي آخر مهلة حدَّدها الله لتسكين الغضب قبل أن يتفجر كما جاء في كتابات يشوع بن سيراخ " اَكتُتِبتَ في إنْذاراتٍ للأيَّام الآتِيَة لِتُسَكِّنَ الغَضَبَ قَبلَ اْنفِجارِهَ وتردَّ قَلبَ الأبِ إلى الاْبن وتُصلِحَ أَسْباطَ يَعْقوب" (يشوع بن سيراخ 48: 10). إن هذا الانتظار للأزمنة الأخيرة (مرقس 15: 35-36) قد تَمَّ في يوحنا المعمدان كما صرّح يسوع المسيح لتلاميذه " إِنَّ إِيلِيَّا آتٍ وسيُصلِحُ كُلَّ شَيء. ولكن أَقولُ لَكم إِنَّ إِيلِيَّا قد أَتى، فلَم يَعرِفوه، بَل صَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا. وكذلك ابنُ الإِنسانِ سَيُعاني مِنهُمُ الآلام. ففَهِمَ التَّلاميذُ أَنَّه كَلَّمهم على يوحنّا المَعمَدان"(متى 17: 10-13) لكن بطريقة سريّة، لأن يوحنا لم يكن هو إيليا كما جاء في رد يوحنا على من سأَلوه قال: " لَستُ إِيَّاه". (يوحنا 1: 21)، وإن كانت كرازته ترد قلوب الابناء إلى آبائهم فلم يكن هو الذي يسكن غضب الله. قد حقق يوحنا المعمدان مثال إيليا فيما يختص بالمناداة بالتوبة في البرية (متى 3: 4). لكن يسوع هو الذي حقَّق صفاته الرئيسية في الشفاء والخلاص. فمنذ الناصرة حدّد المسيح رسالته الشاملة بالمقارنة مع رسالة ايليا (لوقا 4: 25-26). لكن لم يبالِ اليهود برسالته. ب) رسالة نبوية من خلال تواضعه أقرّ المعمدان أنه لا يستحقّ أن يحلّ سير حذاء الذي يأتي بعده، مع أنه "كائن قبله" (يوحنا1: 19-30). "وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه "(متى 3: 11)، وهنا يتنبأ المعمدان عن مجيء المسيح “من يأتي" ويعمّد بالروح والنار (متى 3: 11-12)، فهو يسوع الذي نزل عليه الروح أثناء اعتماده على يده (يوحنا 1: 31-34). وبعدما أعد يوحنا المعمدان البشر لملاقاة الرب، احتجب بعد مجيء يسوع كما صرّح يوحنا نفسه لليهود "أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه" (يوحنا 3: 28). وكما وصف يوحنا البشير " جاءَ شاهِداً لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور" (يوحنا 1: 7-8). فعلى كل نبي أن يصغر لكي يعظم المسيح كما صرّح يوحنا المعمدان "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر" (يوحنا 3: 30)، وذلك لكي تبنى الكنيسة في الرب، وفي الروح، وترتفع هيكلاً مقدسا يسكن فيه الله كما يعلمنا بولس الرسول "فيه يُحكَمُ البِناءُ كُلُّه وَيرتَفِعُ لِيَكونَ هَيكلاً مُقدَّسًا في الرَّبّ، وبِه أَنتُم أَيضًا تُبنَونَ معًا لِتَصيروا مَسكِنًا للهِ في الرُّوح" (أفسس 2: 21-22). ونستنج هنا أن حكمة القدير تسرّ بالكشف عن ذاتها، بواسطة المتواضعين الذين يحتقرهم العالم، كما جاء في تعليم بولس الرسول " وما كانَ في العالَمِ مِن غَيرِ حَسَبٍ ونَسَبٍ وكان مُحتَقَراً فذاكَ ما اختارَهُ الله: اِختارَ غَيرَ المَوجودِ لِيُزيلَ المَوجود، حتَّى لا يَفتَخِرَ بَشَرٌ أَمامَ الله. "(1 قورنتس 1: 28-29). فسر نجاح يوحنا المعمدان هو تواضعه؛ فما أعظم التواضع الذي يتحلّى به ذاك الذي يرسله الرب، ليُعدّ له الطريق! ج) رسالة نبوية من خلال موته: لم يكتف المعمدان ان يتنبأ عن مجي المسيح من خلال حياته، بل تنبا عنه أيضا من خلال موته. فلم يكن ليوحنَّا المعمدان أية قوَّة او جاه في النظام السياسي، إلاّ أنه كان شجاعاً لا يخاف المواجهة، ولا يقبل إنصاف الحلول. فكان يتحدث بسلطان لا يُقاوم. لأنه كان يتكلم بالحق (لوقا 1: 17). وكان يحث الناس على ترك خطاياهم ويُعمّدهم كرمز لتوبتهم (متى 3: 9). وقد حثَّ يوحنا المعمدان الملك هيرودس على الاعتراف بخطيئته، وندّد بزنى الملك هيرودس، اما هيروديا التي تزوَّجت هيرودس خلافا للشريعة، فقررت ان تتخلص منه وتعرّضه للسجن ثم للقتل (متى 14: 3-12). وبالرغم من أنها تمكنت من قتله إلاَّ انها لم تقدر ان توقف رسالته. فقد جاء المسيح الذي كان يوحنا المعمدان ينادي به فبدأ خدمته، وبهذا أتمَّ يوحنا إرساليته. الشهادة للحق أهم من الحياة ذاتها. فأصبح استشهاده مقدّمة إلى آلام ابن الإنسان" كما جاء في جواب يسوع على سؤال التلاميذ “إِنَّ إِيلِيَّا يَأتي أَوَّلاً ويُصلِحُ كُلَّ شَيء. فكيفَ كُتِبَ في شأَنِ ابنِ الإِنسان أَنَّه سَيُعاني آلاماً شديدةً ويُزدَرى؟ على أَنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ إِيليَّا قد أَتى، وصَنَعوا بِه كُلَّ ما أَرادوا كَما كُتِبَ في شأَنِه " (مرقس 9: 11-13). فاستحقَّ المعمدان من سيدنا يسوع المسيح أعظم شهادة ‘إذ نظر إعجاب إلى يوحنا المعمدان بوصفه آخر الأنبياء وأعظمهم وصرّح " لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يوحنّا المَعمَدان". وبما أن ملكوت الله قد افتتح عصراً جديداً، يتابع يسوع قوله: " ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه " (متى 11: 11-12). فعلينا ان نكون شهوداً ليسوع المسيح في حياتنا، وذلك من خلال أعمالنا، وسيرتنا الحميدة، وإيماننا القوي والراسخ بيسوع، وأن نؤدي الشهادة بجرأة، كما أدَّاها يوحنا المعمدان الذي لم يثنيه عن القيام بهذه الشهادة، لا مصاعب، ولا سجن، ولا الاستشهاد في سبيل الحق. 2) رسالة يوحنا التعليمية لم يُهيّ يوحنا المعمدان طريق الرب من خلال رسالته النبوية فحسب، أنما أيضا من خلال رسالته التعليمية. وتتضمن رسالة التعليمية محورين: دعوة للتوبة والمعمودية. أ) دعوة للتوبة لإعداد مجيء الرب في مطلع إنجيل متى نجد الدعوة إلى التوبة التي حملها الأنبياء في كرازة يوحنا المعمدان، آخر الأنبياء وخاتمهم. وإن جملة واحدة تلخص رسالته بكاملها " توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات " (متى 3: 2). يطلب يوحنّا من مستمعيه تحويل أفكارهم وقلوبهم بعيداً عن كلّ ما كانوا يعتبرونه هدف حياتهم وأن يتطلّعوا إلى الربّ فقط. والسبب هو أنّ "ملكوت السماوات قد اقترب". ومام إنجيل لوقا فيلخص رسالة يوحنا المعمدان ايضا بقوله " يَرُدُّ كَثيراً مِن بَني إِسرائيلَ إِلى الرَّبِّ إلهِهِم ويَسيرُ أَمامَه وفيهِ رُوحُ إيليَّا وَقُوَّتُه، لِيَعطِفَ بِقُلوبِ الآباءِ على الأَبناء، ويَهْديَ العُصاةَ إلى حِكمَةِ الأَبرار، فَيُعِدَّ لِلرَّبِّ شَعباً مُتأَهِّباً " (لوقا 1: 16-17). فالتوبة هي تغيير الاتجاه وتغيير القلب والعقل من جهة الخطيئة ليهتدي الانسان ويتجه نحو الله ويرجع اليه. إنها التحوّل عن الخطيئة الى الله. إنها تغييرٌ في السلوك بحيث يدير الإنسان وجهه لا ظهره لله تعالى، ويقوم بتصحيح المفاهيم الخاطئة الّتي قد تُعطّله عن الاقتراب إلى السيّد المسيح. وعليه فان يوحنّا المعمدان يناشد مستمعيه ان يحوّلوا وجوههم الى 180 درجة، من حياة التركيز على الذات، الذي يؤدي الى تصرفات خاطئة مثل الكذب، والخداع، والسرقة، والنميمة، والانتقام، والفساد، وخطايا الجنس والحسد والبغض، الى إتباع طريق الله كما هي مدوّنة في كلمته في الكتاب المقدس. وهذا يتطلب ثلاث خطوات: خطوة الى الماضي وهي الندامة، وخطوة الى الحاضر، وهي الاعتراف كما يؤكد يوحنا المعمدان، وخطوة الى المستقبل، وهو القصد بعدم العودة الى الخطيئة اعتمادا على نعمة الله. ومن يقبل التوبة تنفتح عيناه الروحية التي اغلقتها الخطيئة. ومن تنفتح عيناه يعرف المسيح حين يظهر، وهكذا كان يوحنا يهيئ الطريق للمسيح. لكن التوبة بلا ثمر هي مظاهر ورياء. وكان اليهود يظنُّون أنهم يُخلِّصون لمجرد انتسابهم لإبراهيم. فشرح يوحنا لهم أن الخلاص ليس ميراثًا من الآباء، وان الانتماء إلى ذرية ابراهيم لن يُجدي نفعاً فقال لهم "لا يَخطُرْ لَكم أَن تُعلِّلوا النَّفْسَ فتَقولوا ((إِنَّ أبانا هوَ إِبراهيم)). فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارةِ أَبناءً لإِبراهيم" (متى 3: 9). فجميع البشر ينبغي أن يعترفوا بأنهم خطأة، وأن يثمروا ثمراً يليق بالتوبة "أَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم" (متى 3: 8)، وأن يتبنّوا سلوكاً جديداً ملائماً لحياتهم الجديدة (لوقا 3: 10-14). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: "جاء يوحنا ليقودهم إلى التوبة لا لكي يُعاقَبوا، وإنما خلال التوبة يدينون أنفسهم مسرعين إلى نوال المغفرة. فإنهم ما لم يدينوا أنفسهم لا يقدرون أن يطلبوا نعمته، وبعدم طلبهم هذا لا يمكنهم نوال المغفرة". ويفتح مجيء المسيح باباً للرجاء؛ ولكنّ يوحنا يركز خاصة على الدينونة التي ستسبق هذا الرجاء كما جاء في كلامه للفريسيين والصدوقيين "مَن أَراكم سَبيلَ الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي؟" (متى 3: 7). باختصار، رسالة التوبة هي بشرى سارّة لمن يتجاوبون معها، ويصغون إليها ويطلبون الغفران، ولكنّها بشرى مُرعبة للّذين يأبون الإصغاء ويرفضون مصدر رجائهم الأبديّ الا وهو يسوع المسيح. ب) دعوة للمعمودية لإعداد مجيء الرب لم يهيّا يوحنا المعمدان مجيء الرب يسوع من خلال دعوة الناس الى التوبة، بل ايضا من خلال معمودية الماء. كان عمل يوحنا المعمدان الاساسي هو تأسيس سر المعمودية " الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ " (يوحنا 1: 33)؛ فكان يُعرض معمودية الماء كعلامة للتوبة. وهذه المعمودية تُعدّ التائبين لمعمودية النار والروح القدس، التي سيمنحها المسيح " أَنا أُعمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة، وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار" (متى 3: 11). كان يوحنا المعمدان ينبئ بالعماد في الروح والنار، لذا لم تكن معمودية يوحنا إلا مؤقتاً، ويُعلق القديس أمبروسيوس "كثيرين يتطلّعون إلى يوحنا المعمدان كرمز للناموس، بكونه يقدر أن ينتهر الخطيّة، لكنّه لا يقدر أن يغفرها". ولم تكن معموديّة يوحنا تحمل في ذاتها القدرة على غفران الخطايا والتقدّيس، ولم يكن لها أن تهب البنوّة لله، الأمر الذي انفردت به معمودية المسيح، إنّما ما حملته من قوّة فقد استمدّته كرمز من قوّة المرموز إليه، كما حملت الحيّة النحاسيّة قوّة الشفاء خلال الصليب الذي ترمز إليه. وكانت معمودية يوحنا المعمدان معروضة على الشعب اليهودي بأسره، لا على الخطأة والمهتدين وحدهم. إنها معمودية فريدة تمنح في البرية من اًجل التوبة وغفران الخطايا كما جاء في انجيل مرقس " ظَهَرَ يوحنّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعمودِيَّةِ تَوبَةٍ لِغُفرانِ الخَطايا"(مرقس 1: 4). وتفرض المعمودية الاعتراف وبذل الجهد للهداية النهائية التي ينبغي أن يعبّر عنها بالشعائر الطقسية “يَعتَمِدونَ عَنِ يدِهِ في نَهرِ الأُردُنِّ مُعتَرِفينَ بِخَطاياهم" (متى 3: 6). وهي توبة تتطلّب جهداً في تجديد الحياة (مرقس 1: 4-5): لا يفيد المرء أن يكون ابناً لإبراهيم إن لم يمارس البرّ (متى 3: 8-9)، الذي يحدّد يوحنا التزاماته لجمهور البسطاء (لوقا 3: 10-14). وفي هذه المعمودية يركز يوحنا المعمدان على ضرورة النقاوة الروحية، دون التخلي عن الوظائف كما كان موقفه مع العشارين والجنود؛ فأوصى العشارين "لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم " (لوقا 3: 10)، واوصى الجنود " لا تَتَحاملوا على أَحَدٍ ولا تَظلُموا أَحَداً، واقْنَعوا بِرَواتِبِكم "(لوقا:3: 14). أما الفريسيون والكتبة فلم يؤمنوا به (متى 21: 25). فعندما أتوا إليه، فأنذرهم بأن غضب الله سوف يقضي على كل شجرة غير مثمرة (متى 3: 10). يسوع يختلف نوعاً ما عن يوحنا المعمدان (متى 11: 3)، إنه يطالب مثله بالتوبة الكاملة، ولكن بدلاً من أن ينبئ بالإدانة الوشيكة الوقوع على يد إله منتقم (متى 3: 7-12)، فهو يعلن سنة مرضيّة (لوقا 4: 19). هذا هو الوضع الذي ينتهجه يسوع لنفسه، إذ يعد بالفرح الذين يكتشفون الكنز (متى 13: 44-45). وما أسعد الذين يعيشون بتلك الساعة! ولما أعلن يوحنا عن يسوع أنه حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم (يوحنا 1: 29)، لم يكن يعرف كيف سيرفع الخطيئة، كما كان لا يدرك سبب رغبة المسيح في الاعتماد منه (متى 3: 13-15). ولكي يرفع يسوع الخطيئة، كان عليه أن يقبل معمودية أخرى لم تكن معمودية يوحنا إلا مجرّد مثال لها، وهي معمودية آلام (مرقس 10: 38، لوقا 12: 50). وسيتمّم يسوع هكذا كل برّ (متى 3: 15)، لا بإهلاك الخطأة، بل بتبرير الجموع الذين حمل خطاياهم (اشعيا 7:53 -8 ،11-12). وباختصار، ان شهادة يوحنا المعمدان تسند شهادة يسوع الذي جاء الى العالم ليشهد للحق وليخلصه (يوحنا 18:37). وفي مقابل هذه الرسالة، يمجد يسوع رسوله الأمين، يوحنا المعمدان داعياً إيّاه "السّراج المتّقد المنير" (يوحنا 5: 35)، و"أعظم نبيّ في أولاد النساء" (متى 11: 11)، ولكنه يستدرك " أن أصغر الذين في ملكوت السماوات أكبر منه"، مظهراً بذلك تفوّق نعمة الملكوت على موهبة النبوّة، دون أن يحطّ من شأن قداسة يوحنا المعمدان. ولكن يبقى يوحنّا المعمدان ذاك النبي بل خاتم الأنبياء الّذي يُعدّ لمجيء المسيح، وهو مثالنا في زمن المجيء. دعاء ايها الرب الاله، إنك تحيي فينا الرجاء في رؤية يوم المسيح المنتظر، ساعدنا أن نُعدّ قلوبنا وقلوب إخوتنا من خلال ردم أودية الخطيئة وتسوية جبال الكبرياء، كي تكون مستعدة لمجيئك القريب، أشركنا في قوة الروح القدس الذي ملأ يوحنا المعمدان، كي نعرف كيف ننتظر مجيء الرب بروح الصلاة والتواضع والتوبة. استجبنا ايها الرب المبارك الى دهر الدهور. آمين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88758 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الاحد الثاني من السنة (يوحنا 1: 29-34) قدّم انجيل الاحد (يوحنا 1: 29-34) صورة يوحنا المعمدان، "نَبِيِّ العَلِي" (لوقا 1: 76)، ومُهيئ طريق المسيح ومُبشِّر بظهوره الموعود (لوقا 1: 5-25) والشاهد للنور (يوحنا 7:1)؛ وجاء يشهد ان يسوع هو ابن الله وحَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29، 33)؛ أولا وقائع النص الانجيلي (يوحنا 1: 29-34) 29 وفي الغَد رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه فقال: ((هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم. تشير عبارة " في الغَد " الى اليوم الذي فيه أرسل اليهود من اورشليم البعثة لاستجواب يوحنا المعمدان "إِذا لم يكُنِ المسيحَ ولا إِيلِيَّا ولا النَّبِيّ، فلِمَ يُعمِّدُ إِذاً؟" فأدّى شهادته في المسيح قدَّامهم (يوحنا 1: 25)؛ أمَّا عبارة " فقال" فتشير الى قوله على مسمع الجمع الذي أجتمع اليه. أمَّا عبارة " رأَى يسوعَ آتِياً نَحوَه " فتشير الى مجيء يسوع الى يوحنا المعمدان في بدء خدمته العلنية لأنه بحاجة لشهادة وإعلان حتى يعرفه الناس، فهذه اللحظة هي لحظة تسليم وتسلم، المسيح أتى ليوحنا المعمدان ليمنحهُ الفرصة للشهادة له ويستلم المسيح تلاميذه الذين أعدهم له المعمدان مثل يعقوب ويوحنا ابنا زبدى وبطرس وأندراوس؛ أمَّا عبارة "هُوَذا حَمَلُ اللهِ" فتشير الى تسمية المسيح حملاً كونه ذبيحة الخطيئة وأنه المرموز إليه بكل الذبائح التي قُدمِّت في العهد القديم كفارة عن الإثم (الاحبار 5: 6). والحمل يُقدَّم كذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. وهذه العبارة تلمّح الى نبوءة أشعيا النبي التي تقول "عُومِلَ بِقَسوَةٍ فتَواضَع ولـــم يَفتَحْ فاهُ كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ " (أشعيا 53: 7) ، وبالتالي فهي تدل على موت يسوع التكفيـري، بدمج صورتين تقليديتين: فمن جهة صورة العبد المتألم (أشعيا 52: 13) الذي يأخذ على عاتقه خطايا جماعة الناس والذي، مع انه بريء يقرّب نفسه تقدمة حَمَل " كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ " (أشعيا 53: 7 ) ، ومن جهة أخرى صورة حمل الفصح، رمز فداء إسرائيل ، إذ هو علامة حماية العبرانيّين من اللعنة التي أصابت المصريّين. "فَيكونُ الدَّمُ لَكم عَلامةً على البُيوتِ الَّتي أَنْتُم فيها، فأَرى الدَّمَ وأَعبُرُ مِن فَوقِكم، ولا تَحِلُّ بِكُم ضَربَةٌ مُهلِكة، إِذا ضَرَبتُ أرضَ مِصْر" (خروج 12: 13) كما ورد في تعليم بولس الرسول "فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح "(1 قورنتس 5: 7)، وأكدت رؤية يوحنا الحبيب هذا التعليم "الحَمَلُ الذَّبيحُ أَهلٌ لأَن يَنالَ القُدرَةَ والغِنى والحِكمَةَ والقُوَّةَ والإِكْرامَ والمَجدَ والتَّسْبيح" ( رؤيا 5: 12)؛ ويليق بالمسيح ان يكون ذبيحة لأنه كان حملا " لَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس" ( 1 بطرس 1: 19). أمَّا عبارة " هُوَذا " فتشير الى يسوع المسيح كما تكلم عنه يوحنا المعمدان وهو يخاطب الفرّيسيّين الذين يستمعون إليه، ولكنّهـــــــــم لم يُقرّوا أنّ يسوع هو المسيح، ولهذا قال لهم يوحنّا، "هوذا حمل الله الّذي يرفع خطيئة العالم"؛ أمَّا الفعل " يَرفَعُ " في اللغة اليونانية ???? (معناها إمَّا "حمل، أخذ على عاتقه، وإمَّا أزال ما أخطاء الآخر إليه) فتشير الى المهمة المحددة والوحيدة لهذا الحمل الجديد هي حمل خطيئة العالم على كتفيه كما ورد في رسالة يوحنا " إِنَّ خَطاياكم غُفِرَت بِفَضْلِ اسمِه (1يوحنا 2: 12). وجاءت صيغة الفعل في المضارع ?????بمعنى الاستمرارية يرفع ويظل يرفع (يزيل) خطايا العالم كما جاء تعليم يوحنا الرسول " تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا"(1 يوحنا 3: 5)؛ أمَّا عبارة "خَطيئَةَ" فتشير الى صيغة المفرد للدلالة على المعنى الكلي لخطايا العالم، باعتبار ان كل خطايا العالم جُعلت حِمْلا واحد ليحمله المسيح. فالخطيئة هي المشكلة الكبرى للإنسان، وليس بمقدور قواه الذاتية وحدها الخلاص منها دون ذبيحة حمل الفصح ربنا. المسيح هو الذي حرَّر الانسان من الخطيئة، إذ قدّم الخلاص لكل العالم. لكن من يخلص هو من يؤمن ويتعمّد كما جاء في تعليم المسيح "فمَن آمَنَ واعتَمَدَ يَخلُص، ومَن لَم يُؤمِنْ يُحكَمْ عَليه"(مرقس 16: 16)؛ أمَّا عبارة "يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فتشير الى خطيئة كل إنسان، خطيئة كل فرد. رفع عن الناس الخطيئة الاصلية والخطيئة الفعلية وعقوباتها وسلطتها عليهم. رفع يسوع الخطيئة عن غيره بوضعه إياها على نفسه وفق نبوءة أشعيا " قَرَّبَت نَفسُه ذَبيحَةَ إِثمٍ ... وهو يَحتَمِلُ آثامَهم" (أشعيا 53: 10-11). وصرّح الرسول بطرس بذلك "وهو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبة" (1 بطرس 2: 24). فيسوع يزيل خطايا العالم كما ورد في رسالته "تَعلَمونَ أَنَّه قد ظَهَرَ لِيُزيلَ الخَطايا ولا خَطيئَةَ لَه " (1 يوحنا 3: 5). فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: فلَم أَجِدْ على هذا الرَّجُلِ شيئاً مِمَّا تَتَّهِمونَه به "(لوقا 123: 14)، ولما أسلمه غسل يديه قائلًا:" أَنا بَريءٌ مِن هذا الدَّم" (متى 27: 24). وهناك شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، هي شهادة اللص اليمين، إذ انتهر زميله قائلًا: " أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لِأَنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءً" (لوقا 23: 41). أمَّا عبارة " العالَم " فتشير الى كل البشر وليس اليهود فقط كما زعم البعض. قدّم المسيح الخلاص مجانا لكل إنسان بدليل قول الرسول بولس " ذلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلاَّتِهم " (2 قورنتس 5: 19). وفي موضع آخر يقول يوحنا الرسول مؤكِّدا ذلك " إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العالَمِ أَجمعَ " (1يوحنا 2: 2). وشهادة يوحنا المعمدان هي أوضح شهادة عن المسيح قدمها إنسان مملوء بالروح الذي فتح عيني قلبه. لقد أعدّ الله منذ البدء يوحنّا المعمدان ليأتي ويبشّر بحضور مخلّصنا، "حَمَلُ اللهِ". هوذا الذي يخلِّصُ من الموت؛ هوذا الذي يُحطِّم الخطيئة. فعلينا ان ننظر الى يسوع بعين العبادة والشكر والمحبة والايمان لخلاصنا الآن وتعزيتنا عند موتنا وتمجيدنا في السماء. 30 هذا الَّذي قُلتُ فيه: يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي. تشير عبارة "يأتي بَعْدي رَجُلٌ قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي" الى شهادة أدَّاها يوحنا المعمدان سابقا "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الآتيَ بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي " (يوحنا 1: 15) وكان قد أشار اليه أنه الآتي، وهنا نفسه حاضرٌ. أمَّا عبارة "يأتي بَعْدي" فتشير الى يوحنا الذي جاء قبل يسوع المسيح على الأرض، ومع ذلك فالمسيح كان موجوداً قبل يوحنـا، لأنه الكلمة المولود قبل الزمن. يوحنا المعمدان يأتي كسابق للمسيح كما تنبأ ملاخي النبي "هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمام" (ملاخي 1:3). ولكن المسيح الأزلي كان قبله في الزمان والبهاء والعظمة والمجد. أمَّا عبارة " قَبْلي" فتشير الى شهادة يوحنا المعمدان الذي يلمِّح الى ان يسوع الذي جاء بعده في التاريخ وحيث أنه صار جسداً، فقد دخل في الزمن، في تاريخ البشر لكن يفوقه في أصله ورسالته الإلهية؛ وبالرغم من ان يوحنا كان واعظا مشهوراً وقد جذب اليه جموعا كثيرة، الاَّ انه اعطى يسوع المكانة الأسمى "أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه. مَن كانَت لَه العَروس فهوَ العَريس. وأَمَّا صَديقُ العَريس الَّذي يَقِفُ يَستَمِعُ إِلَيه فإِنَّه يَفرَحُ أَشدَّ الفَرَحِ لِصَوتِ العَريس" (يوحنا 3: 28-29)، وذلك دليل على تواضع يوحنا كما صرّح "لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر" (يوحنا 3: 30). 31 وأَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنِّي ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل تشير عبارة " لم أَكُنْ أَعرِفُه " الى ان يوحنا المعمدان لم يعرف يسوع شخصيا لأنه أَقامَ في البَراري إِلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل (لوقا 80:1)، ولم يعرف يوحنا ان يسوع هو المسيح الى ان رأى الروح القدس يستقر عليه في اثناء اعتماده (يوحنا 1: 32-33). ومن هذا المنطلق، نستنتج أن أحداث المعمودية، هي التي كشفت عن سر يسوع المسيح، حمل الله وأنه ابن الله. ويعلق العلامة اريجين "وإن كان قد عرفه وهو لا يزال في رحم أمه (لوقا 1: 41-44) بالتأكيد لم يعرف كل شيء عنه، وربما لم يكن يعرف أنه ذاك "الذي يعمد بالروح القدس والنار"؛ قصد يوحنا ان يُبين لليهود ان شهادته بان يسوع هو المسيح مبنيَّة على إعلان الله لا على معرفته الشخصية. ويُعبّر البابا فرنسيس من خلال هذه الكلمات الثلاثة عن موقف يوحنا تجاه دعوته " موقف يجب أن يميّز كل دعوة. فكل منا مدعو في دعوته الشخصية أن يتجاوز ما يستطيع فهمه وأن يسير وراء الرب بتواضع وطواعية. هكذا فعل إبراهيم، هكذا فعل موسى، وهكذا فعل يوحنا المعمدان… وهكذا أنا أيضًا مدعو لأفعل إذا أردت أن أكتشف الرب في حياتي لأن حضور الرب في حياة الإنسان هو في صيغة المستقبل والمصير" (خطبة البابا فرنسيس 3/1/2017). أمَّا عبارة " ما جِئْتُ أُعَمِّدُ في الماء إِلاَّ لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل " فتشير الى اَّنَّ الله أرسل يوحنا المعمدان ليعمد التائبين كعلامة على توبتهم وبالتالي لكي يتمكّنوا من معرفة المسيح، والأهم لكي يُعمِّد المسيح، فيؤسس المسيح سر المعمودية، أن تقديم هذه الشهادة امر جوهري في ارسالية يوحنا المعمدان. أمَّا عبارة " أُعَمِّدُ في الماء " فتشير الى التطهير الروحي الذي ُيهيئ الطريق للمسيح. أمَّا عبارة "إِسْرائيل" وهو اسم عبري ?????????? ومعناه " الله يصارع" او يجاهد مع الله" للدلالة على يعقوب، ابن إسحاق ورفقة، لكن هنا تدل كلمة إسرائيل على نسل يعقوب أي أسباط إسرائيل الاثني عشر(التكوين 34: 7)، بل بالأحرى الى "إسرائيل" بمعنى روحي أي شعب الله الروحي الأمين ( أشعيا 49: 3)، ويوضّح ذلك بولس الرسول إذ يفرّق بين إسرائيل حسب الجسد وإسرائيل حسب الروح " أُولئِكَ الَّذينَ هم بَنو إِسرائيل ولَهُمُ التَّبَنِّي والمَجْدُ والعُهود والتَّشريعُ والعِبادَةُ والمَواعِدُ والآباء، ومِنهمُ المسيحُ مِن حَيثُ إِنَّه بَشَر، وهو فَوقَ كُلِّ شيءٍ إِلهٌ مُبارَكٌ أَبَدَ الدُّهور. آمين"(رومة 9" 4-5). 32 وشَهِدَ يوحَنَّا قال: ((رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. تشير عبـــــــارة " رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِــــــــنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه" الــــى العلامة التي أعطـــــاها الله ليوحنا المعمدان ليعرف أن يسوع هو المسيح ابن الله. فقد رأى يوحنا رؤيا غير عادية، رأى حمامة وعرف أنها هـــي الروح القدس الذي حــــلّ على المسيح علـــــى بهيئة حمامة رمزًا للسلام. فالمسيح هو أمير السلام؛ أمَّا عبارة "فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير الى حلول الروح القدس حلولا دائما ثابتا على المسيح كما تنبأ أشعيا "يَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ روحُ الحِكمَةِ والفَهْم روخُ المَشورَةِ والقُوَّة روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ" (أشعيا 11: 2)، بعكس حلول روح الربّ على الأنبياء في القديم، حلولاً مؤقّتاً، لأداء مهمّة ما، أو شهادة ما. ونرى هنا صورة مباركة لعمل الأقانيم الثلاثة متّحدة معاً، الآب المُرسِل، والإبن المُكرَّس، والروح الحالّ. 33 وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس. تشير عبارة "أَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه" الى تكرار ما قيل سابقا "أَنا لم أَكُنْ أَعرِفُه" (يوحنا 1: 31). لا يعني يوحنا هنا معرفة يسوع معرفة بشرية لانهما كانا مرتبطين بصلة قرابة حيث ان اليصابات ام يوحنا، ومريم العذراء، ام يسوع كانتا قريبتين (لوقا 1: 36)، ولكن معرفة مسيحانية، بمعنى يوحنا لم يكن يعرف يسوع انه المسيح. أمَّا عبارة " أَرسَلَني " فتشير الى الله الذي أمر يوحنا ان يعمِّد. أمَّا عبارة " أُعَمِّدُ في الماءِ " فتشير الى معمودية التوبة للهرب من الغضب الآتي (متى 3: 7)، لان معمودية المسيح الآتي تحمل معها دينونة (متى 3: 12)؛ فكانت معموديّة يوحنّا تعني أمرين: الغُسل والتنقية وهو رمز للغسل الروحي، للتنقية من كلّ عيب. وهي تعني أيضاً التكريس والتخصيص لحياة جديدة، وهدف جديد وغاية أسمى. أمَّا عبارة " قالَ لي" فتشير الى وعد الله ان يعرِّفه بالمسيح؛ أمَّا عبارة "إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ" فتشير الى إعطاء الله ليوحنا علامة "الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ الروح " كي يعرف المسيح. وأمَّا عبارة "هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس" فتشير الى شهادة يوحنا للمسيح بان معمودية يسوع بالروح القدس لكل المؤمنين ليقويهم ليحيوا حياة الله والشركة معه وينادوا برسالة الخلاص وقد بدأت هذه المعمودية يوم العنصرة (أعمال الرسل 2) بعد قيامة يسوع من الأموات وصعوده الى السماء؛ ويُعلق القديس أوغسطينوس "إن سلطان المعمودية العظيم هو للرب وأنه يردَّه لنفسه سواء كان حاضراً هنا على الأرض أو عند غيابه بالجسد في السماء، لئلا يقول بولس: "معموديتي"، ولئلا يقول بطرس: "معموديتي". انظروا وانتبهوا لكلمات الرسل. لم يقل أحدهم: "معموديتي". مع وجود إنجيل واحد للكل، لكنك تجدهم يقولون: "إنجيلي"، ولا تجدهم يقولون "معموديتي". فمن يتعمد بمعمودية الرب يتمتّع باستنارة الحياة، لأنّ نور حكمة الربّ يُشرق في حياته، ومشيئة الربّ تصبح واضحة أمامه، وقصد الربّ يتّضح أمامه. وهو يتمتّع أيضاً بقوّة الحياة. فروح الربّ لا يهبنا معرفة ما هو صواب وحقّ فحسب، بل يُعطينا القوّة لاتّباع هذا الصواب، والعمل بما هو حقّ والمقدرة لمجابهة مشكلات الحياة والانتصار عليها. وهو يتمتّع أيضا بنقاوة الحياة لان معمودية يسوع هي معموديّة النار (متّى 3، 11). إنّها معموديّة التي تنقِّي من كل خطيئة وغش. وبكلمة، تتميز معمودية يوحنا الذي هي بالماء عن معمودية يسوع الذي هي في الروح. وبهذه المعمودية يهب المسيح حياة روحية لنفس الانسان المؤمن به. 34 وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ أَنَّه هو ابنُ الله. تشير عبارة " وَأَنا رأَيتُ وشَهِدتُ "الى تأكيد وتقرير فكأن يوحنا يقول رأيت جليا وأيقنت تماما ومنذ ذلك الحين شهدت علانية بانه بما ان يسوع هو المسيح، حمل الله الذي يضحى بحياته ويبذل نفسه في سبيل أحبائه ليُحرِّر الانسان من الخطيئة، فهو بالتالي ابن الله. في الواقع، لا يستطيع الإنسان العادي أن يفعل ذلك. يسوع وحده يستطيع فعله، بصفته إله، ولكنه ابن الإنسان أيضاً. يوحنا المعمدان وحده رأى وسمع وشهد تجلِّي الثالوث الاقدس في وحدة تظهر سر محبة الله. أمَّا عبارة " ابنُ الله " فتشير الى إعلان صريح عن الوهية الكلمة انه الله (يوحنا 1: 14). هنا نجد شهادة علنية من المعمدان، أن المسيح هو ابن الله المسيا المنتظر؛ وإن فعل المضارع ????? في العبارة " أَنَّه هو ابنُ الله " ????? ????? ? ???? ??? ????. يخص الابن وحده الذي " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله " (يوحنا 1:1)، فهو وحده الذي يقال له: "هو ابني "إذ هو على الدوام ابن اللٌه. وقد استعمل هذا اللقب عن يسوع المسيح في العهد الجديد ما يقرب من (44) مرة، والمسيح بما انه ابن الله فهو إله بكل الكمالات غير المحدودة التي تخصُّ الجوهر الإلهي (يوحنا 1: 1-14) والابن مساو لله في الطبيعة (يوحنا 5: 17-25). فمن يرى ويعرف يشهد. وكثيرون أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا بأن المسيح هو ابن الله على خطى يوحنا المعمدان مثل بطرس الرسول (متى 16: 17)، ونثنائيل (يوحنا 1: 49)، ومرثا اخت لعازر (يوحنا 26:11-27). وأمَّا عبارة "ابن الله" فلا تشير الى وجهة النظر الجسدية كما يفهم أنما تشير الى تشبيه ليُعبِّر عن مقدار المحبة والتعاون والتساوي في الطبيعة بين الاقنوم الأول (الآب) والاقنوم الثاني (الابن) في الثالوث الاقدس. وقد قال المسيح عن نفسه انه ابن الله (يوحنا 5: 17) وقد اتهمه كهنة اليهود وحكموا عليه لأنه قال انه المسيح ابن الله (متى 26: 63-66). ويُعلق القديس كيرلس" أمَّا أنت فيُقال لك: "الآن تصير ابن الله " إذ لا تحمل بنوة طبيعية بل تتقبلها بالتبني. يسوع ابن سرمدي، أمَّا أنت فتقبلت النعمة مؤخرًا". لا أحد يُعمِّد بالروح القدس ويهب الناس المواهب الروحية ما لم يكن هو الله. وجد يوحنا في مجيء يسوع معنى لحياته واكتمالاً لرسالته وهي الشهادة ليسوع انه "حمل الله، وانه هو ابن الله". وهكذا شهد يوحنا أنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم، وأنّ يسوع هو ابن الله. وهذا ما شاهده وشهد به. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 1: 29-34) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (يوحنا 1: 29-34)، نستنتج انه يتمحور حول شهادة يوحنا المعمدان بتعابير نبوية عن يسوع المسيح المنتظر هو "حمل الله " وإبن الله". فكانت مهمته هي توجيه الشعب الى يسوع المسيح الذي كانوا يتطلعون اليه ليعرفوه كما عرفه هو نفسه. ومن هذا الإطار يمكن ان نطرح سؤالين: ما معنى حمل الله؟ وما معنى ابن لله؟ 1) ما معنى يسوع المسيح "حمل الله"؟ لم يكن يعرف يوحنا المعمدان ان يسوع هو المسيح المنتظر، لكنه عرفه من خلال كشْف الله له يوم اعتماد يسوع على يده. ولمّا جاء يسوع الى يوحنا المعمدان لإعلان خدمته العلنية من خلال المعمودية، عرف يوحنا المعمدان ان يرى يسوع الآتي اليه (يوحنا 1: 34)، وعرف ان يتجاوز المظاهر الخارجية كي يسبر غور شخصية يسوع، فقدّمه الى الناس بمناداته " هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29)، وذلك لان الله عيَّن يسوع المسيح منذ الازل ذبيحة إثم، ووعد بانه يكون كذلك في النبوءات والرموز، ثم قام بإرساله من السماء ليكون ذبيحة فاستحق ان يسمَّى "حمل الله" تمييزاً عن سائر الحملان كما جاء في تعليم بولس الرسول "ذاكَ الَّذي جَعلَه اللهُ كَفَّارةً في دَمِه بِالإِيمان ليُظهِرَ بِرَّه، بإِغْضائِه عنِ الخَطايا الماضِيَةِ في حِلمِه تَعالى ( رومة 3: 25) واخير قَبِله الله ذبيحة إثم بدل عالم الأثمة. وباختصار، تدل عبارة " حمل الله " التي وردت مرتين (يوحنا 1: 29، 36) على ان يسوع هو المسيح المنتظر، حمل الله الذي يُمثل من ناحية عبد الله المتألم، ومن ناحية أخرى يُمثل حمل الفصح. ا) يسوع حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم أشار يوحنا المعمدان الى يسوع بعبارة " حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم " (أشعيا 53: 7، 12). كانت صورة الحمل واضحة لليهود، وهي حمل الذبيحة فــــــي الهيكل: في كـــــل صباح ومساء يُقدَّم حمل ذبيحة (الاحبار 5: 6-7) في الهيكل عن خطــــــــايا الشعب تكفيرا عــــــــن الذنوب وفقــــــا للشريعة الموسوية (خروج 29: 38-42). ويُعلق العلاَّمة أُريجين "أن خروفين حوليين كانا يُقدمان كل يوم دائمًا، واحد كتقدمة صباحية دائمة، والآخر كتقدمة مسائية دائمة." وعندما كان إرميا النبي يعاني اضطهاد أعدائه، أخذ يشبه نفسه بحمل فقال "كنتُ أَنا كَحَمَلٍ أَليفٍ يُساقُ إِلى الذَّبْح " (إرميا 11: 19). وقد تنبا أشعيا ان المسيح، عبد الرب عبد الله المتألم سيُقاد الى الذبح كحمل "كحَمَلٍ سيقَ إِلى الذَّبْحِ كنَعجَةٍ صامِتَةٍ أَمامَ الَّذينَ يَجُزُّونَها ولم يَفتَحْ فاهُ "(أشعيا 53: 7). وهذا النص يُنبئ عن مصير المسيح، على نحو ما قام الشماس فيلبّس بتفسيره إلى خازن ملكة الحبش (أعمال 8: 31-35). ويرجع أصحاب الأناجيل إلى هذا النص عندما يوضِّحون أن المسيح "ظل صامتاً " أمام المجلس (متى 26: 63)، وأنه لم يجب بيلاطس بشيء (يوحنّا 19: 9). وطبقت صورة عبد الله المتألم على المسيح الذي كان مزمعاً أن يموت ليكفِّر عن خطايا شعبه. وكان دفْعُ عقوبة الخطيئة، يتمُّ بتقديم ذبيحة، حيث مات الرب يسوع على الصليب كذبيحة كاملة تامة. وبهذه الطريقة دفع يسوع بموته ثمن خطايانا كي ننال الغفران " فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهو المسيح" (1قورنتس 5: 7)، ويدل يوحنا الإنجيلي بعبارة حمل الله يرفع خطيئة العالم على موت يسوع التكفيري. وعليه فان موته يُشكل مظاهر التضحية القربانية والنيابية والفدائية. وهنا تتضح هوية يسوع المسيح المخلص الذي يحمل خطايانا بسفك دماءه الطاهرة، وهذا هي قمة التضحية والبذل والعطاء والمحبة. "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يوحنا 15: 13). والمسيح قبل كل شيء هو ابن لله الذي صار بشراً. وكونه ابن الله وابن الانسان أصبح أداة فريدة للخلاص، ذبيحة الكفارة والفداء. فهو حمل خطايا الناس وكفّر عنهم ما اقترفوه أمام الله، لذلك فهو حقا حملا لله الذي يحمل خطيئة العالم والذي يساق الى الذبح في عيد الفصح. رأى المعمدان في يسوع، حمل الله، الخلاص لهذا العالم. أتى يسوع ليس فقط ليرفع خطيئتنا بل ليحملها أيضًا ويضعنا على عن درب الله. أتى حملاً وديعًا متواضعًا ليبذل نفسه عنّا. ونستنتج مما سبق ان شهادة يوحنّا المعمدان عن يسوع أنّه "حمل الله" لها طابع نبويّ، تُلقي الضوء على حدث الفداء كما جاء في رؤية يوحنا " أَنَّكَ ذُبِحتَ وافتَدَيتَ للهِ بِدَمِكَ أُناسًا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ وأُمَّة" (رؤية 5: 9). المسيح هو حمل الله الوديع وعبد الله المتألِّم والمنتصر بآلامه وصلبه وموته وقيامته. ب) يسوع حَمَلُ الفصح حمل الفصح هو حَمَلٌ تامٌّ ذَكَرٌ حَولِيٌّ الذي أمر الله كل أسرة ان تذبحه، وتأكله ليلاً، وتنضح بدمه عضادتي بابها. وبفضل هذه العلامة يفتديهم (خروج 12: 5). دم حمل الفصح افتدى الله العبرانيين من عبودية مصر، فمكّنهم من أن يُصبحوا " مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة" (خروج 19: 6) يربطهم بالله ميثاق عهد وتحكمهم شريعة موسى. ويُعلق الرابي اليعازر " ان هناك قيمة فدائيّة لدم الحمل "بسبب دم عهد الختان، وبسبب دم الفصح، قد خلَّصتْكم من مصر". وفي عيد الفصح، وهو أكبر الأعياد اليهودية وأهمها، كان اليهود يُقدّمون اعداداً كبيرة من ذبائح الحملان وهي ترمز الى حمل الفصح (خروج 12: 1-28) الذي يرمز بدوره الى فداء إسرائيل. ورأى التقليد المسيحي في المسيح "حمل الفصح الحقيقي. ويُعلق العلاَّمة اُريجين " صار حمل الله حملًا صغيرًا بريئًا يُقاد للذبح لكي ينزع خطيئة العالم "، ويفسّر القديس أوغسطينوس معنى الحمل الفصحى بقوله: "هوذا حمل الله. إنه ليس بفرعٍ ممتدٍ من آدم، إنما استمدَّ منه الجسد، ولم يأخذ خطيئة آدم. إنه لم يأخذ الخطيئة عليه من العجين الذي لنا، إنما هو الذي ينزع خطايانا. إنه حمل الله. فقد اعتادت البشرية أن تقدِّم الذبائح لله لمراضاته. أمَّا هنا فالذي يُعد ُّالذبيحة هو الله الآب نفسه الذي يقدّم ابنه الوحيد ذبيحة " كما ورد في تعليم بطرس الرسول "قَد عَلِمتُم أَنَّكم لم تُفتَدَوا بِالفاني مِنَ الفِضَّةِ أَو الذَّهَب مِن سيرَتِكمُ الباطِلَةِ الَّتي وَرِثتُموها عن آبائِكم، بل بِدَمٍ كريم، دَمِ الحَمَلِ الَّذي لا عَيبَ فيه ولا دَنَس، دَمِ المسيح"(1 بطرس 1: 18-19). ويعلق العلامة اريجين "أية عظمة لحمل الله الذي ذُبح لكي يرفع الخطيئة ليس عن قليلين بل عن كل العالم "لأنه " وإِن خَطِئ أَحدٌ فهُناك شَفيعٌ لَنا عِندَ الآب وهــــــــو يسوعُ المَسيحُ البارّ. إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانـــــا وحْدَها بل لِخَطايــــا العالَمِ أَجمعَ " (1 يوحنا 1: 1-2). إذ هو مخلص كل البشر ولا سيما المؤمنين (1 طيموتاوس 4: 10)". انتظر شعب إسرائيل مسيحا مجيداً ينتصر على الأعداء، فإذا مسيح، حمل الله في خط العبد المتألم الذي يُخلص شعبه بآلامه وموته كما جاء في شهادة يوحنا المعمدان (يوحنا 1: 29-34). إن المسيح هو الحمل الصحيح أي بلا عيب ولا دنس الذي يفتدي البشر بثمن دمه. إنه قد افتداهم من "الأرض" (رؤيا 14: 3)، ومن "العالم الشرير المستسلم للفساد نتيجة عبادتـــــــه للأصنام كما اكّد بطر الرسول " فلا تَتبَعوا ما سَلَفَ مِن شَهَواتِكم في أَيَّامِ جاهِلِيَّتِكم" (1 بطرس 1: 14) ويُمكنهم مـــــن الآن فصاعداً تجنب الخطيئة (1 بطرس 1: 5) ليكوّنوا "مملــــــــــكة الأحبار " الجديدة و"الأمة المقدسة" الحــــــق (1 بطرس 2: 9 و10) مقدمين إلى الله عبادة روحية، نابعة من حياة لا عيب فيها (1 بطرس 2: 5). الكفر بحب الله لا يكفّر عنه الا بالحب، وعصيان الله لا يكفر عنه بالا بالطاعة. ويرجع التقليد الذي يرى في المسيح حمل الفصح الحقيقي، إلى بدء المسيحيّة ذاتها. فبولس الرسول يحثّ مؤمني كنيسة قورنتس على أن يعيشوا كفطير في الطهارة والحـــــــق، بما أنه "فقَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصْحِنا، وهـــــــو المسيح" (1 قورنتس 5: 7). ولا يعرض الرسول هنا تعليماً جديدا عن المسيح-الحمل، ولكنه يستند إلى تقاليد طقسيّة خاصة بالفصح المسيحي ترجع إلى قبل سنة 57. فإن حادث موت المسيح ذاته هو أساس هذا التقليد. قد أسلم يسوع للموت عشية عيد الفطر (يوحنا 18: 28) أي يوم تهيئة الفصح، بعد الظهر (يوحنا 19: 14)، في الساعة ذاتها التي تفرض الشريعة ذبح الحملان في الهيكل. وبعد موته، لم يكسر الجنود ساقيه مثلما كسروا ساقي المصلوبين الآخرين (يوحنا 19: 33). ونستنتج مما سبق إن يوحنا الانجيلي يرى في هذه الواقعة تطبيقاً لشريعة طقسية بشأن الحمل الفصحى (يوحنا 19: 36). 2) ما معنى يسوع المسيح "ابن لله"؟ تكشف الاناجيل الإزائية وانجيل يوحنا وفي رسائل القديس بولس الرسول معنى يسوع المسيح ابن الله أ) أبن الله في انجيل متى ومرقس ولوقا لم يشهد يوحنــــــا المعمدان أن "يسوع حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" فحسب، إنما شهد أيضا ان يسوع "هو ابنُ الله"(يوحنا 1: 34). إن لقب ابن الله، يقترن عادة بلقب المسيح كما جاء في شهادة بُطرس الرسول "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" (متى 16: 16). وعليه فــــــإن لقب "ابن الله " هو لقب مسيحاني مرتبط برباط وثيق وثابت الذي يوحّده بالآب، لكنه قد يختلط بالطابع الأرض السياسي كما هو الحال في تجارب يسوع الثلاثة (متى 4: 3-7). وتدارك يسوع هذا الالتباس، وأكَّد لتلاميذه الطابع المسيحاني لابن الله " بَدأَ يسوعُ مِن ذلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث " (متى 16: 21). واحس يسوع في هذا الالتباس خاصة عندما طرح قيافا عظيم الكهنة السؤال الأساسي: " أَستَحلِفُكَ بِاللهِ الحَيّ لَتَقولَنَّ لَنا هل أَنتَ المسيحُ ابنُ الله " (متى 26: 63)، فأجابه بطريقة غير مباشرة مُنبئاً عن مجيئه كديان أعلى بصفته ابن الإنسان "فقالَ له يسوع: "(هو ما تقول، وأَنا أَقولُ لكم: سَتَرونَ بعدَ اليومِ ابنَ الإنسانِ جالِساً عن يَمينِ القَدير وآتِياً على غَمامِ السَّماء" ( متى 26: 64)؛ وهكذا اتسم لقب المسيح وابن الإنسان بمعنى إلهي محض، أبرزه لوقا بوضوح في إنجيله لما سأله شُيوخِ الشَّعْبِ مِن عُظَماءِ كَهَنَةٍ وكَتَبَة " أَفأَنتَ ابنُ اللهِ ؟ " فقالَ لَهم: "أَنتُم تَقولونَ إنِّي هو" (لوقا 22: 70). لكن موت يسوع على الصليب بدَّد كل التباس كما جاء في اعتراف قائد المائة "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً! "(مرقس 15: 39). وكشفت الاناجيل الثلاثة طبيعة علاقات يسوع مع الله، فهو "الابن". تسود ألفة عميقة بين الاثنين، وهذه الالفة تتطلب "المعرفة" المتبادلة الكاملة والمشاركة الشاملة كما صرّح يسوع "قد سَلَّمَني أَبي كُلَّ شَيء، فما مِن أَحَدٍ يَعرِفُ الابنَ إِلاَّ الآب، ولا مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه" (متى 11: 27). ولذلك يخاطب يسوع الله ويدعوه " أَبَّا، يا أَبَتِ" (مرقس 14: 36). وهكذا وضّح يسوع المعنى الكامل للقبه "ابن الله" بانه المسيح المنتظر. ب) ابن الله في انجيل يوحنا يحتل موضوع البنوة الإلهية مكاناً مرموقاً عند القديس يوحنا. يسوع يتحدث بعبارات واضحة عن العلاقات بين الابن والآب: تقوم بينهما وحدة في العمل والمجد " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: لا يَستَطيعُ الابنُ أَن يَفعَلَ شيئاً مِن عندِه بل لا يَفعَلُ إِلاَّ ما يَرى الآبَ يَفعَلُه. فما فَعَلَه الآب يَفعَلُه الابْنُ على مِثالِه "(يوحنا 5: 19). ويمنح الآب كل ما هو له لأبنه لأنه يحبه " إِنَّ الآبَ يُحِبُّ الابن فجَعَلَ كُلَّ شيءٍ في يَدِه"(يوحنا 3: 35) ويعطيه سلطة إحياء الموتى "فكَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذلِكَ الِابنُ يُحيِي مَن يَشاء" (يوحنا 5: 21)، وسلطة القضاء "لِأَنَّ الآبَ لا يَدينُ أحَداً بل أَولى القَضاءَ كُلَّه لِلاِبْن"(يوحنا 5: 22). وعندما يرجع يسوع إلى الله، يُمجِّد الآب الابن لكي يُمجده الابن "مَجِّدِ ابنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ"(يوحنا 17: 1). وهكذا تتجلى عقيدة التجسد بكل أبعادها: أرسل الله ابنه الواحد إلى العالم ليُخلص العالم " ما ظَهَرَت بِه مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا هو أَنَّ اللهَ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه. وما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا فأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا" (1 يوحنا 4: 9-10). وهذا الابن الواحد هو الذي يُخبر عن الله كما أعلن يسوع المسيح "إِنَّ "اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه"(يوحنا 1: 18)، ويمنح البشر الحياة الأبدية التي تأتي من الله " هذِهِ الشَّهادةُ هي أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه. مَن كانَ لَه الابنُ كانَت لَه الحَياة. مَن لم يَكُنْ لَه ابنُ الله لم تَكُنْ لَه الحَياة"(1 يوحنا 5: 11-12). والعمل المطلوب هو الإيمان بالابن كما يناشد يسوع " عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل" (يوحنا 6: 29). من يؤمن بالابن له الحياة الأبدية" فمَشيئةُ أَبي هيَ أَنَّ كُلَّ مَن رأَى الِابنَ وآمَنَ بِه كانَت له الحياةُ الأَبَدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6: 40)، وامَّا من لم يؤمن به فيُحكم عليه " مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد"(يوحنا 3: 18). ج) ابن الله في رسائل بولس الرسول أصبح موضوع البنوَّة الإلهية عند بولس الرسول نقطة انطلاق لفكر لاهوتي أكثر تعمقاً: "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ" (غلاطية 4: 4) لكي يُتمَّ بموته الصلح بيننا وبينه "فإِن صالَحَنا اللهُ بِمَوتِ َابِنه ونَحنُ أَعداؤُه، فما أَحرانا أَن نَنجُوَ بِحَياتِه ونَحنُ مُصالَحون"(رومة 5: 10). أمَّا الآن فقد أقامه الله في القدرة (رومة 1: 4) فهو يدعونا لمشاركته " هو اللهُ أَمينٌ دَعاكُم إِلى مُشارَكةِ اَبنِه يسوعَ المسيحِ رَبِّنا"(1قورنتس 1: 9)، إذ انه نقلنا إلى ملكوته " فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إلى مَلَكوتِ ابنِ مُحَبَّتِه"(قولسي 1: 13). وبناء على ذلك، إن الحياة المسيحية في مفهوم بولس الرسول هي حياة "في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي"(غلاطية 2: 20)، وهي انتظار اليوم الذي فيه يأتي من جديد من السماوات " إِنَّ عَرْشَكَ أَللَّهُمَّ لأَبَدِ الدُّهور، وصَولَجانَ الاِستِقامَةِ صَولَجانُ مُلْكِكَ" (العبرانيين 1: 8). وأخيرا، تطبّق الرسالة الى العبرانيين على المسيح ما جاء في المزمور 39 " لِذلِكَ قالَ المسيحُ عِندَ دُخولِه العالَم: لم تَشَأْ ذَبيحَةً ولا قُرْبانًا ولكِنَّكَ أَعدَدتَ لي جَسَدًا. لم تَرتَضِ المُحرَقاتِ ولا الذَّبائِحَ عن الخَطايا. فقُلتُ حينَئذٍ وقَد كانَ الكَلامُ عَلَيَّ في طَيِّ الكِتاب): هاءَنَذا آتٍ، أَللَّهُمَّ لأَعمَلَ بمَشيئَتِكَ " (عبرانيين 10: 5-6). واستخدم صاحب الرسالة الى العبرانيين لقب " ابن الله" عن المسيح بنوع خاص في التحدث عن عمل الفداء العظيم الذي اجراه يسوع المسيح، النبي الأعظم، والكاهن الأعظم والملك الأعظم. فهو النبي الاعظم لأنه "كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين"(عبرانيين 1: 2)، وانه الكاهن الأعظم، لأنه "المسيحُ لم يَنتَحِلِ المَجْدَ فيَجعَلَ نَفْسَه عَظيمَ كَهَنَة، بل تَلَقَّى هذا المَجْدَ مِنَ الَّذي قالَ لَه: ((أَنتَ ابنِي وأَنا اليَومَ وَلدتُكَ"(عبرانيين 5: 5) وهو أيضا الملك الأعظم لأنه " وفي الاِبْنِ يقول: ((إِنَّ عَرْشَكَ أَللَّهُمَّ لأَبَدِ الدُّهور، وصَولَجانَ الاِستِقامَةِ صَولَجانُ مُلْكِكَ" (عبرانيين 1: 8). الخلاصة بعدما قبِلَ يوحنا المعمدان أن يُعمد يسوع (لوقا 3: 21)، رأى فيه حمل الله الذي يرفع خطايا العالم (يوحنا 1: 29) ورأى فيه "ابن الله الحي (يوحنا 1: 34). وهكذا كشف يوحنا المعمدان أن يسوع هو في الوقت نفسه العبد المتألم الذي يساق صامتا الى الذبح (أشعيا 53: 7)، الذي يحمل خطيئة الكثيرين (أشعيا 53: 12)، والحمل الفصحي رمز افتداء بني اسرائيل في الفصح الأول (خروج 12: 3-12). فكل حياة المسيح تُعبِّر عن رسالته الخلاصية، وهي أن يخدم ويبذل نفسه فداء عن الكثيرين " لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس" (مرقس 10: 45). وأمَّا الإيمان بالله هو الايمان بمن أرسله، " ابنِهَ الحَبيب (مرقس 1: 13). ويسوع نفسه قال لتلاميذه: " إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً" (يوحنا 1:14). اعترفت الكنيسة سنة 325، في مجمع نيقية المسكوني الاول، ان الابن "واحد في الجوهر" مع الآب، أي انه هو والآب إلهٌ واحد. والمجمع المسكوني الثاني، المنعقد في القسطنطينية سنة 381، احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون ايمان نيقية، واعترف بقوله "يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل جميع الدهور، نورٌ من نور، إلهٌ حقٌّ من إله الحق، مولودٌ غيرُ مَخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر". وهنا يكمن السر في شخصية يسوع الناصري الذي حاول يوحنا المعمدان ان يعلنه ويشهد به. دعاء يا حمل الله، يا حامل خطيئة العالم ارحمنا، يا حمل الفصح، وابن ألآب السماوي، كما شهد يوحنا المعمدان، ارفع، يا رب، عنا خطايانا، وأعطنا ايمانا كي نعترف بك إلهًا وربًّا ومخلصا، ونعرفك من خلال شهادة كلمتك في الكتاب المقدس، وفي الجماعة المجتمعة ا باسمك، وفي القربان الاقدس، وفي الكهنة. فنبتعك بإيمان وفرح ونكون شهود لك والى إنجيلك الطاهر بالقول والفعل. آمين الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88759 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() في تِلكَ الأَيَّام، ظهَرَ يوحنّا المَعمَدان يُنادي في بَرِّيَّةِ اليَهودِيَّةِ فيقول: تشير عبارة "في تِلكَ الأَيَّام " الى ذلك العصر أو ذلك الزمان، وقد حدّد لوقا عمر المسيح في هذا الوقت بحوالي 30 عامًا (لوقا 23:3). وقد سبق القدّيس يوحنا المعمدان يسوع بأشهرٍ قليلة حينما بلغ الثلاثين مــــن عمـــره،وهو السن القانوني للخدمة الكهنوتيّة عند اليهود |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 88760 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الرب حافظك الرب ظل لك (مز 121 : 5) ![]() |
||||