منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30 - 07 - 2015, 04:02 PM   رقم المشاركة : ( 8661 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب ضرورة لأنه فتح قلب الله للإنسان وبين له محبته

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


امتلأ قلب الإنسان بالعداء لله , من يوم أن عصاه وما زال الشيطان يحاول كل يوم أن يزيد هذا العداء البغيض في قلب الإنسان , بتوجيه نظره إلى الجوانب السوداء في الحياة فهو بدلا من أن يفتح عيون الناس على نور الشمس المشرقة , يفتحها لكي تنظر ساهمة إلى ظلام الليل البهيم , وبدلا من أن يريهم جمال الزهور المنثورة على وجه الأرض , يملأ عقولهم بالتفكير في قسوة المرض وضراوة الجراثيم !! وبدلا من أن يوجه أفكارهم إلى غنى رحمة الله , يذكرهم بالظروف السوداء التي تمر بهم في موكب الزمن , وهكذا يرسم صورة قاسية لله , تزيد قلب الإنسان نفوراً , وإحساسه قساوة وجموداً
ويخطئ من يعتقد أن الله قد كره الإنسان بعد أن تمرد عليه , وكسر وصيته , فالحقيقة أن الله قد أبغض خطية الإنسان ! ولا شك أن الله ملتزم أن يقف ضد الخطية , لأن الخطية قد أتلفت أجمل مخلوقاته وهو الإنسان ,وأعمت عينيه عن أن يرى صلاحه العظيم , وملأت بسمومها كل ينابيع كيانه , وحملت إلى الموت والقبر الملايين الكثيرة من الناس , وصنعت السلاسل التي تقيد بها النفوس !! ومن نبعها القذر قد فاض الحزن , والألم , والصراخ , والدماء , والدموع فكيف يمكن لله مع الخطية كأنها أمر زهيد ؟!
لقد كان عليه أن يظهر غضبه على الخطية , فأغرقها بالطوفان في أيام نوح , وأحرقها بالنار في أرض سدوم , فظن البشر أن الله يكرههم هم , مع أنه يقيناً يكره الخطية التي لوثت حياتهم !!
وعندما جاء المسيح ومات على الصليب , لم يأت ليثير الشفقة من نحونا في قلب الله , بل جاء لان الله أحبنا , وهذا ما يقرره بولس الرسول في كلماته ((لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء , مات في الوقت المعين لأجل الفجار , فانه بالجهد يموت أحد لأجل بار ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت ولكن الله بين محبته لنا لأنه بعد خطاة مات المسيح لأجلنا)) رو 6:5 -8 ومن يدرس الإصحاح الخامس من رسالة رومية يلاحظ أربع صفات للناس الذي أحبهم الله , فهم ((ضعفاء)) و ((فجار)) و ((خطاة)) و ((أعداء)) , ومع هذا كله يبين الله محبته لهم بموت المسيح على الصليب , هذه التضحية الكبرى التي صورها يوحنا في إنجيله الذهبي قائلا ((لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) يو 16:3 , ثم أراد أن يجعل المؤمنين يتعمقون في بحرها الطامي فهتف لهم مردداً ((أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله)) 1 يو 1:3 أجل إنها محبة يصعب التعبير عنها بلغة البشر أظهرها لنا صليب المسيح الكريم !
حدثنا رجل من رجال الله في بلاد الغرب , عن قصة فتاة اسمها ((ماري)) تركها والدها وهي طفلة ما زالت في المهد , وكانت جميلة مشرقة الوجه , كجمال الورد وإشراقه في وقت الربيع وكانت أمها فقيرة فقراً مدقعاً , لكنها أحبت الطفلة الجميلة وبدأت تكافح من أجلها في الحياة , رضت لنفسها أن تقوم بأحقر الأعمال حتى توفر العيش الهنيء لابنتها المحبوبة , وكبرت الطفلة , ونمت وترعرعت , وسارت سيراً جميلا في مراحلها الدراسية , أنهت التعليم الابتدائي , والثانوي , والعالي , وبدلا من أن ترد الجميل للأم العجوز التي تعبت من أجلها , وكافحت في سبيل تربيتها , تدهورت تدهوراً شنيعاً جداً , وهربت إلى مكان لا تعرفه أمها الحنون
ولم تستطع الأم العجوز أن تنسى ابنتها , كانت تحبها حبا ملك عليها مشاعرها , أحبتها رغم تمردها وشرها وهربها , وشرعت تفتش عنها في كل مكان تعتقد أنها ذهبت إليه , وكان بحثها عن الابنة الضالة يكلفها مالا , فكانت تشتغل في تنظيف البيوت لتحصل على ما يكفيها للقيام برحلة للبحث عن ابنتها لكن جهودها ذهبت دون جدوى كان طيف ابنتها الشاردة يداعب خيالها أثناء النوم , ويمر بذاكرتها وقت النهار كانت تذكر طفولتها البيضاء وشبابها الجميل , وأنوثتها المكتملة , فتذوب شوقا إليها , ويدفعها الحنين إلى أن تسعى في أرجاء البلاد للبحث عنها
أعياها السفر , وأتعبها البحث , وأجهدها التفكير , وأضناها ألم الفراق , فتفتق ذهنها عن حيلة جديدة , قدمت نفسها للخدمة في عدة بيوت , فلما اقتصدت مبلغا كافياً ذهبت إلى مصور مشهور , وطلبت منه أن يلتقط لها صورة وهي في منظر المتوسلة الضارعة وأن يطبع لها من هذه الصورة اثنتي عشرة واحدة من حجم كبير يلفت الأنظار , وأن يعطيها لخطاط يكتب تحت الصورة هذه العبارة ((ما زلت أحبك يا ماري عودي اليّ))
أجاب المصور طلبها , وسلمها الصور , فقامت برحلات إلى كل مكان اعتقدت أن ابنتها قد تذهب إليه , وتوسلت إلى أصحاب الملاهي والمراقص أن يضعوا صورتها هذه في مكان ظاهر , فقد تأتي ماري وتراها فتنكسر أمام حبها وتعود وأشفق أصحاب الملاهي على المرأة العجوز. ووضعوا صورتها في مكان يلفت الأنظار
وفي ليلة ما دخلت ماري إلى مرقص من هذه المراقص , كانت في تلك اللحظة محطمة النفس , ضعيفة الجسم فقد باعت نفسها للشيطان والخطية , ولم تجن منهما إلا الشوك والحسك كان أصدقاؤها قد هجروها , وكان المرض قد بدأ يدب في جسدها , وكانت نفسها قد استيقظت تطالبها بالتوبة والرجوع إلى أمها والى إلهها , وكان ما يقض مضجعها هو : ((هل تقبلها أمها في البيت بعد أن هجرتها ؟ هل تصفح الأم المسكينة عن آثام ابنتها التي ضلت سواء السبيل ؟ آه ! ليتها تستطيع أن تعود إنها بحاجة إلى صدر أمها الحنون , والى قبلاتها الطاهرة , والى كلماتها الرقيقة , والى غفرانها وصفحها لكن هل يمكن؟))
دخلت إلى المرقص وهي تترنح من الألم , واسترعى انتباهها جماعة من الناس يتطلعون في صورة على الحائط , فدفعها الفضول أن تتقدم لنرى , وظلت تقترب وتقترب حتى تبينت صورة أمها , إنها هي ليست في ذلك أدنى ريب , لكن من الذي أتى بصورتها إلى هذا المكان ؟ من الذي وضعها في هذا المكان الظاهر للعيان ؟ واستمرت الفتاة تتأمل الصورة المعلقة أمامها !! هل يمكن أن تكون هذه الصورة هي صورة لامرأة شبيهة بأمها , آه ! ما هذه الكلمات المكتوبة تحت الصورة ((ما زلت أحبك يا ماري عودي اليّ)) , ولم تحتمل الفتاة أكثر فقد تحطم قلبها أمام محبة والدتها فأسرعت إلى المحطة وركبت أول قطار إلى مدينتها , ودخلت لترتمي على صدر أمها وتطلب منها الصفح و الغفران وقد غفرت الأم !! غفرت منذ خرجت الشاردة من بيتها غفرت وكانت عودة ابنتها لتشعرها بهذا الغفران !!
وإذا كانت هذه الصورة , صورة قوية للمحبة الغافرة , فهي في الواقع صورة باهتة إذا قيست بمحبة الله التي ظهرت في الصليب , فمحبة هذه الأم , هي محبة إنسان لإنسان أم لابنتها أما محبة الله , فهي محبة الله الخالق , لابن آدم الدود إنها يقيناً فائقة المعرفة
يحدثنا مستر مودي المبشر المعروف بحادثة كان لها أكبر الأثر في حياته, ففي سنة 1867 , تقابل مودي مع مبشر ممتلئ بروح الله اسمه ((هنري مورهاوس)) في مدينة لندن , كان مودي يعظ في دار مرسلية , وأصغى إليه ((مورهاوس)) خمس دقائق , عرف منها أن مودي لا يعظ الكتاب , وليس في عظته من الكتاب إلا الآية , وبعد الوعظ اتجه إليه وقال له بصراحة ((يا مودي , أنت غلطان ! لو أنك تعظ كلام الله لا كلامك أنت لصيرك الله قوة عظيمة ! واستاء مودي جداً من الملاحظة , خصوصا وقد كان يرى نفسه أعظم الواعظين !! لكن ((مورهاوس)) لم يتوقف عند هذا الحد فقد اتجه إلى شيكاغو , وفي غياب مودي ألقى عظتين في ليلتين متواليتين عن الآية الذهبية ((لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) يو 16:3 واستمر يعظ عن هذه الآية سبع مرات , وعاد مودي من غيابه ليجد جماهير تأتي لتسمع الشاب الانجليزي الذي يعظ عن آية واحدة سبع عظات متوالية , والذي لا يقسم الوعظ إلى ثانيا وثالثا ورابعا , بل يأخذ الآية بكليتها ثم يغوص في التوراة من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا ليبرهن أن الله أحب العالم في كل الأجيال وقال مودي في نفسه وهو يسمعه ((إني لم أعرف أن الله أحب العالم هكذا , فابتدأ قلبي يخفق ولم أقدر أن أحجز دموعي المتهاطلة , قد كنت معتاداً أن أعظ : أن الله وراء الخاطئ حاملا سيفاً ذا حدين ليضربه به , ولكني من ذلك اليوم شرعت أعظ أن الله وراء الخاطئ بالمحبة , وأن الله يركض والخاطئ أمامه يهرب من محبته !!))
وظل ((مورهاوس)) يعظ عن محبة الله بانياً كل حقيقة يقولها على أسس من الكتاب ومن الكتاب وحده , وفي الليلة السابعة رقي المنبر ثم ردد هذه الكلمات ((يا أصحابي , لقد اجتهدت أن أجد آية جديدة أعظ عنها هذه الليلة , فلم أجد أنسب من الآية القديمة ((هكذا أحب الله العالم)) , وفي ختام عظته ذكر هذه العبارات : ((أيها الأصحاب , لقد قصدت خلال الأسبوع أن أخبركم كيف أحب الله العالم على أنه ذلك متعذر عليّ بهذا اللسان القاصر , ولو استطعت أن أرقى سلم يعقوب وأسأل جبرائيل الواقف في حضرة القدوس عن مقدار محبة الله للبشر , لكان ما يقدر أن يقوله : ((هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) أجل : هناك فوق الجلجثة و تكلم الله للناس لا في لغة يونانية , ولا في لغة لاتينية , ولا في لغة عبرانية , بل في لغة ((البذل والتضحية)) أنه أحب العالم المتمرد المسكين !!
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:04 PM   رقم المشاركة : ( 8662 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب ضرورة لأن الله اشترى به الإنسان وأعاده إلى ملكيته
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



يصف الرسول بولس نفسه قبل أن يقترب إلى الصليب قائلا ((وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية)) رو 14:7 , ويقول إيليا النبي لآخاب الذي أعماه الطمع حتى قتل نابوت اليزرعيلي ليستولي على حقله ((وجدتك لأنك قد بعت نفسك لعمل الشر)) 1 مل 2:21 وهذه الكلمات تنطبق على الإنسانية جمعاء لأن ((الرب من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله الكل زاغوا معا فسدوا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد)) مزمور 2:14 و3 , ((لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله)) رو 22:3 و 23 , فالبشر في الموازين هم إلى فوق , والعالم قد اشتراه الشيطان مجاناً بخداعه ومكره , كما يقول الله لإسرائيل المرتد ((مجانا بعتم)) اش 3:52
واذاً فلابد أن يشتري الله من جديد الخليقة التي باعت نفسها للشيطان , ورضت بعبوديته فأي ثمن يدفعه لشراء الإنسان ؟!
يقول بطرس ((عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كم من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح)) 1 بط 18:1 و 19 وفي سفر الرؤيا نسمع هتاف المفديين ((وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة)) رؤ 9:5 ونحن نقرأ في سفر اللاويين عن شريعة الفكاك , أي إعادة الشيء المباع بشرائه من جديد ونرى أروع منظر للفكاك في الإصحاح الخامس والعشرين في هذه الكلمات ((وإذا طالت يد غريب أو نزيل عندك وافتقر أخوك عنده وبيع للغريب المستوطن عندك أو لنسل عشيرة الغريب فبعد بيعه يكون له فكاك يفكه واحد من إخوته , أو يفكه عمه أو ابن عمه أو يفكه واحد من أقرباء جسده من عشيرته)) لاويين 47:25 – 49 , ومن هذه الآيات نلاحظ أن من يرد الإنسان الذي بيع يشترط فيه ثلاثة شروط :
أن يكون قريباً للشخص المباع ( 2) أن تكون له إرادة للفكاك (3) أن يكون بيده الثمن و وهذا ينطبق تماما على ما عمله الرب يسوع المسيح فقد اشترك معنا في اللحم والدم ليعتقنا من إبليس الغريب كما يقول كاتب العبرانيين ((فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية)) عب 14:2 , وكذلك رضى طوعا واختياراً أن يضع نفسه عنا لكي يشترينا من جديد لله أبيه كما قرر هو بذاته قائلا ((ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه)) ((لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً)) يو 17:10 و 18 , وفوق هذا فقد دفع الثمن العظيم الذي يفك به الإنسان المستعبد الضعيف وهو دمه , ولم يكن في مقدور أحد غيره أن يدفع هذا الثمن كما يؤكد ذلك المزمور القائل ((الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه وكريمة هي فدية نفوسهم فغلقت إلى الدهر)) مز 7:49 و 8 , فأين هي هذه الفدية الكريمة التي يستطيع الإنسان دفعها ؟ إنها ليست شيئاً !! انه شخص المسيح الكريم الذي قال لتلاميذه ((إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين)) مت 28:2 , أجل انه دفع الثمن وفك العبد البائس الفقير !! وكان هذا الثمن هو موته على الصليب ولذا فليس بعجيب أن يرنم له إنسان أحس بفضله :
كنت في سجن الخطايا عبد إبليس الرجيم
غير مأمول خلاصي ثم نجاني الرحيم
واشتراني واشتراني ذاك بالدم الكريم

لم يفي بالمال ديني ذلك الفادي العظيم
بل فداني بدماه من عذابات الجحيم
واشتراني واشتراني ذاك بالدم الكريم
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:05 PM   رقم المشاركة : ( 8663 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب ضرورة لأنه نقض أعمال الشيطان وأكد هزيمته
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يكتب يوحنا الحبيب في نغمة تحوي كل عناصر الظفر والانتصار كلماته الحلوة ((لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس)) 1 يو 8:3 , وأعمال إبليس كلها للخراب , والإفساد , والتدمير , فقد جرب العائلة البشرية الأولى وقادها إلى الخراب , واستعبد الإنسان الضعيف ولوث صفحة حياته بأقذر الخطايا , وأشنع الموبقات , ثم أحدره إلى الموت في أرض السكوت لأنه قد أخذ بإسقاطه للإنسان هذا السلطان !!
((ولكن لما جاء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني)) غلا 4:4 وكانت أول معركة دخل فيها المسيح مع الشيطان في حرب سافرة هي معركة البرية , حين حاول الشيطان أن يسقط ((يسوع)) في ثلاث تجارب شديدة , هي التجارب التي يمر بها كل إنسان , وكانت التجربة الأولى التي قدمها ليسوع , تجربة موجهة لغريزة حب الحياة , وكانت التجربة الثانية موجهة لغريزة حب السيادة , وكانت التجربة الثالثة موجهة لغريزة حب الامتلاك , لكن ((يسوع))انتصر في التجارب الثلاث , وكانت هذه أول هزيمة علنية أصابت الشيطان
ويلذ لنا في هذه المناسبة أن نقارن بين تجربة ((آدم الأول)) وتجربة ((آدم الأخير)) فآدم الأول جرب في جنة ولكنه سقط فتحولت الأرض بسببه إلى برية جرداء , و ((آدم الأخير يسوع المسيح)) جرب في البرية الجرداء , فانتصر نصرة عظمى , وفتح للبشر الطريق إلى السماء
لكن المعركة الحاسمة التي نقض فيها المسيح أعمال الشيطان ,وأكد فيها هزيمته النكراء , هي معركة الصليب , فقد ظن الشيطان أن الصليب هو نهاية الصراع بينه وبين المسيح , وصفق مجمع الأبالسة في زهو وفخار , يوم رأوا يسوع المسيح معلقاً بين الأرض والسماء , لكن المسيح حول الصليب إلى سيف حاد ودحر به قوات الظلام , كما يقول كاتب العبرانيين ((فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس)) عب 14:2 , وكما يقرر ذلك رسول الأمم في رسالته إلى أهل كولوسي قائلا ((وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا إذ محا الصك الذي كان علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا , وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه)) كولوسي 3:2 -15 , وليس شك في أن الرياسات والسلاطين الذين جردهم المسيح من سلاحهم , وشهر بهم , وظفر بهم في الصليب , هم الذين ذكرهم الرسول حين قال ((فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء , مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات)) أفسس 12:6 هؤلاء جميعا جردهم يسوع من سلاحهم البتار , وأعلن هزيمتهم العظمى أمام الجميع , إذ هزم رئيسهم الأكبر الذي له سلطان الموت في معركة الصليب , وحرر البشر من عبوديته إلى التمام , وهذه هي الصورة التي يرسمها بولس في كلماته إلى القديسين في أفسس قائلا ((وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية الذين نحن جميعا تصرفنا قبلا بيتهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة أنتم مخلصون وأقامنا معه , وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع)) أفسس 1:2-6
يقينا أن محبة الله الظاهرة في الصليب , قد حررت من الأسر الأسير , وبقوة الصليب يعطي يسوع النصرة على الشيطان لكل من يؤمن به كما يقول يوحنا في رؤياه عن الغالبين ((وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت)) رؤ 11:12 وكما يكتب للمؤمنين الأحداث في رسالته قائلا ((كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير)) 1 يو 14:2 ((أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم)) 1 يو 4:4 , لقد أكد السيد نصرته العظمى على الشيطان عندما في قوله ((رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء)) لو 18:10 , وفي قوله ((الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا)) يو 31:12 ,أجل , لقد استطاع يسوع أن ينتصر على الشيطان لأنه لم يكن ملكا له ! ولا كان تحت سلطان حكمه , وقد أكد ذلك لتلاميذه قائلا ((رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء)) يو 3:14 وقد تمت نصرته بالصليب الذي نقض به أعمال الشيطان , وأكد هزيمته , ونحن نرى كيف خلق الله السماء والأرض , وكيف ضربت الأرض باللعنة بسبب خطية الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى السماء الجديدة والأرض الجديدة وقد خلت من كل لعنة وحزن وشقاء
في سفر التكوين نرى الجنة الأرضية , وفيها شجرة الحياة , ونهر البركات وقد فقدها الإنسان الأول بالعصيان , وفي سفر الرؤيا نرى فردوس الله , وشجرة الحياة , والنهر النقي كالبللور خارجا من عرش الله والمسيح أو بعبارة أخرى نرى الفردوس المردود بواسطة كفارة الصليب
في سفر التكوين نرى أول رمز للحمل المذبوح , وفي سفر الرؤيا نرى الحمل الذي ذبح قائماً في وسط العرش
في سفر التكوين نقرأ عن بداية الخطية , حينما دخلت الحية إلى الجنة الهادئة الوادعة لتخدع بمكرها الإنسان , وفي سفر الرؤيا نجد الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان وقد طرح في بحيرة النار
في سفر التكوين نجد القاتل الأول , ونجد أول من مارس تعدد الزوجات , ونجد المتمرد الأول , والسكير الأول , وفي سفر الرؤيا نرى أمثال هؤلاء ونصيبهم البحيرة المتقدة بنار وكبريت
في سفر التكوين نرى مدينة الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى مدينة الله.
في سفر التكوين نرى الإنسان غارقا في الدم , والألم , والدموع يطارده الموت أينما كان , ولكن سفر الرؤيا لا يختتم إلا بعد أن نرى محبة الله المحب , وهو يمسح كل دمعة من العيون , ويرحب بكل مفدي بالدم , في مدينته التي لا يمكن أن يدخلها الموت والخطية والألم , والحزن , والعذاب.
في سفر التكوين نرى أول مملكة للعالم وقد حل بها التبلبل والشقاق , وفي سفر الرؤيا نسمع الهتاف الداوي ((قد صارت ممالك العالم لربنا ولمسيحه))
في سفر التكوين نرى نصرة الشيطان على الإنسان , وفي سفر الرؤيا نرى نصرة الله على الشيطان وهذه النصرة جاءت عن طريق موت المسيح على الصليب وهكذا بالصليب نقض الله أعمال الشيطان وأكد هزيمته وأتم برنامجه الرائع الذي قصده للإنسان
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:06 PM   رقم المشاركة : ( 8664 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب ضرورة لأنه الواسطة التي صالح بها الله خليقته
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


قال أيوب في عمق بلواه وهو يتحدث عن إحساسه من نحو الله ((لأنه ليس إنسانا مثلي فأجاوبه فنأتي جميعا إلى المحاكمة ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا)) أيوب 32:9 و33 , وكأن أيوب وهو يفكر في جلال الله , وقداسته , يحس بأنه كانسان خاطئ لا يستطيع الاقتراب إليه فيتمنى أن يأتي ذلك المصالح الذي يضع يده على يد الله , ويضعها كذلك على يده ويصالحه مع الله , ولاشك أن الشخص الذي تاق أيوب إلى مجيئه , لابد أن يكون إلها كاملا ليضع يده على يد الله , وإنسانا كاملا ليضع يده على يد الإنسان , أي أن يكون وسيطا إلهيا يصالح الإنسان مع الله !!
ولقد جاء هذا المصالح و ومات على الصليب , وتحدث عنه بولس قائلا ((ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة أي أن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة
اذاً نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه)) 2 كو 18:5-21 وقد يتبادر إلى الذهن أن المسيح بموته على الصليب قد أزال العداوة التي في قلب الله من نحو البشر , وقرب الله إلى الناس , وهذا فكر خاطئ من أساسه ذلك لأن ((الله محبة)) وهو لم يبغض خليقته في يوم من الأيام , ولم يشعر نحوها قط بإحساس العداء ولكنه قد أبغض الخطية لأنه يعرف ما عملته بالجنس البشري , وكيف خربت حياة الناس وقادتهم إلى الهلاك الأبدي !! وموقف السيد له المجد وهو يمر على مدينة أورشليم قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها , يرسم لنا صورة واضحة للمحبة الباكية و التي ترى عناد البشرية , وترى النهاية المريعة الآتية كنتيجة لهذا العناد فلا يسعها إلا أن تبكي , وهذا هو ما نقرأه في إنجيل لوقا ((وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلا انك لو علمت أيضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الآن قد أخفى عن عينيك فانه ستأتي أيام ويحيط ك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك)) لو 41:19 -44فهذه الدموع التي ذرفها المسيح على المدينة التي لم تعرف زمان افتقادها هي دموع المحبة الباكية على الخاطئ المسكين الذي لا يعرف نهايته المفزعة , فالله يحب الخاطئ , ويكره الخطية , ولكن الإنسان يحب الخطية , ويقف موقف العداء من الله حتى أنه يقول له في تبجحه ((أبعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر))
لهذا جاء الله المحب في المسيح , ليعلن للناس عواطف قلبه , حتى إذا رأى الناس هذا الحب الإلهي وقد تمثل في صورة بشر , وتحمل لأجلهم الألم والعذاب , ومات موت الصليب , تزول العداوة التي في قلوبهم من نحو الله فيسعون إلى الاقتراب إليه
وجدير بنا أن نلاحظ أن الإنسان لم يسع من جانبه لمصالحة اله بل أن الله هو الذي ((كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم))
سأل أحدهم مستر جرينفلد : هل تقدر أن تخبرني عن السبب الذي من أجله دعي يسوع المسيح كلمة الله ؟ أجاب مستر جرينفلد قائلا : أظن أنه كما أن الكلمات هي واسطة التفاهم بين الناس , استعمل الوحي الإلهي هذا التعبير ليوضح لنا بأن المسيح هو واسطة التفاهم بين الله والناس ! ((لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نسه فدية لأجل الجميع)) 1 تي 5:2 يقيناً أنه لأجل مصالحتنا مع الله جاء يسوع ومات على الصليب
وقد حدثنا دكتور ((جويلبويد)) عن رجل عذّب زوجته عذاباً شديداً قبل تجديده , فلما تجدد كان أول ما نطق به بعد عبارات الشكر لله أن قال ((الآن علي أن أذهب لمصالحة زوجتي)) لقد ذاب العداء الذي في قلبه من نحو زوجته , وأحس أنه يجب أن يعود للاعتذار لها عن ما بدر منه في حقها !! وهذا هو المعنى المقصود بالمصالحة مع الله , ففي اللحظة التي يرى فيها الإنسان آلام المسيح المصلوب , يذوب العداء الذي في قلبه ضد الله ويسرع إلى المصالحة معه , معترفاً له بخطيته , وعازماً أن يعيش الحياة التي ترضيه , ويبدو هذا المعنى واضحاً في كلمات الرسول التي وجهها إلى القديسين والأخوة في كولوسي قائلا : ((لأنه فيه سر أن يحل كل الملء وأن يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات وأنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت)) كو 19:1 -21
ثم يوضح غرض هذه المصالحة العظمى قائلا ((ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه)) كو 22:1 فالمصالحة اذا تعني وجهين : الوجه الأول : هو إزالة العداء من قلب الإنسان , والوجه الثاني : هو تغيير حياة الإنسان من الأعمال الشريرة , إلى الحياة التي بلا لوم ولا شكوى أمامه بما يتفق مع قداسة الله , وهكذا يتمتع الإنسان بالسلام مع الله , ويضم صوته إلى صوت بولس قائلا : ((لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به المصالحة)) رو 10:5 و 11 وفي ذات الوقت فان هذه المصالحة تحمل معنى ثالثا : هو وجود السلام بين اليهود والأمم كما يقول الرسول : ((لذلك أذكروا أنكم أنتم الأمم قبلا في الجسد المدعوين غرلة من المدعو ختانا مصنوعا باليد في الجسد أنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لا رجاء لكم وبلا اله في العالم ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً وتقض حائط السياج المتوسط أي العداوة مبطلا بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانا واحدا جديدا صانعا سلاما ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا العداوة به)) أفسس 11:2-16.
فالمسيح بموته على الصليب قد جعل اليهود والأمم واحداً , ليس بجعله اليهودي أمميا أو الاممي يهوديا , بل بأن أنسي اليهودي يهوديته وأنسي الاممي أمميته وصار الاثنان يذكر أنهما مسيحيان قبل كل شيء , وفوق كل شيء, ويقول رجل من رجال الله في تفسيره لهذه الآيات ((لسنا ندري هل وجدت بين العوامل الطبيعية مادة تصهر معدنين متباينين فتصيغ منهما معدنا واحداً , لكننا نعلم علم اليقين أن المسيح قد استطاع بدمه الثمين أن يصوغ من اليهود والأمم – الذين لا يقبلان تمازجاً بطبيعتهما – معدنا واحداً صافيا , إذا أمعنت النظر فيه ألفيته عنصراً واحداً , لكن السيد عمل هذا بنقضه لحائط السياج المتوسط الذي كان بين اليهود والأمم , ولكي نفهم المراد من هذه العبارة , يجب أن نرجع بأفكارنا إلى الحالة التي عليها الهيكل وقت كتابة هذه الكلمات , فمن المسلم به أن هيرودس الأكبر أضاف إلى الهيكل قطعة فسيحة من الأرض كانت مؤلفة من دار متداخلة في دار , حتى تصل إلى القدس , ومنه إلى قدس الأقداس , وكانت كل دار تزيد في درجة ((القدسية)) عن الدار الخارجة عنها , حتى تنتهي إلى ((قدس الأقداس)) الذي لا يسمح بدخوله إلا لرئيس الكهنة وحده , مرة واحدة في السنة , وأما القدس فكان يسمح للكاهن بدخوله يوميا ليحرق البخور على مذبح المحرقة وقت تقديم ذبيحتي الصباح والمساء , وكانت تقدم هاتان الذبيحتان في دار الكهنة على مذبح المحرقة , وخارج هذه الدار , داران أخريان : أحدهما , وهي الملاصقة لدار الكهنة مباشرة تسمى ((دار بني إسرائيل)) والثانية و وهي خارج الأولى شرقا تسمى ((دار النساء)) كل هذه الأمكنة , قدس الأقداس , والقدس , ودار الكهنة , ودار بني إسرائيل , ودار النساء , كانت مقامة على مستوى عال حسا ومعنى , ينتهي في عدة مواضع منه إلى خمس درجات تؤدي إلى أبواب مفتوحة في جدار مرتفع , تتصل به منصة ضيقة تشرف على دار خارجية فسيحة , وهذه الدار الخارجية كانت مخصصة للأمميين الذين يريدون أن يجتلوا محاسن أمجاد هيكل اليهود , أو أن يقدموا ذبائح وتقدمات لإله إسرائيل و ولكن لم يكن مسموحا لهم أن يتخطوا هذا ((الحائط)) الذي كان يفصل هذه الدار عن الهيكل وكل من تحدثه نفسه باقتحام ذلك الحائط يقع تحت طائلة الإعدام , ومبالغة في التحوط , لمنع الأمم من أن يمسوا الجدار المرتفع ذا الأبواب أقام اليهود حائط سياج منحوتا من حجر , مطوقا أبنية الهيكل , يبلغ ارتفاعه نحو خمسة أقدام , هذا السياج الذي قصده بولس وحدثنا عنه يوسيفوس في ((سفر الأثار)) , وحائط السياج المتوسط هذا لم يكن موجوداً في الهيكل فقط , بل كان قائماً في قلوب اليهود فمنع دخول الأمم إليهم , لكنه زال مذ أن انشق حجاب الهيكل والمسيح معلق على الصليب , وهكذا تصالح اليهود والأمم في صليب المسيح , وصارا إنسانا واحداً جديداً , رمز للإنسانية الجديدة الموحدة التي لا مجال فيها للخلاف الذي توجده الجنسية , ولا للعداء الذي يسببه اللون , ولا للمشاحنة التي يولدها المذهب , ومن ثم صالح المسيح الاثنين اليهود والأمم – بعد أن أزال علة عداوتهما – وهو ناموس الوصايا في فرائض , أي الناموس الطقسي الذي أقام منه اليهود سوراً منيعاً فصل بينهم وبين الأمم , فاليهود كانوا يتورعون عن أن يمسوا شيئاً في الأسواق العامة متى علموا أن يداً أممية مسته لئلا يتنجسوا , وكانوا يأنفون أن يأكلوا على مائدة واحدة مع شخص أممي لئلا يتلوثوا , فجعلوا من هذه الفرائض حصناً منيعاً تحصنوا وراءه ضد الأمم , فامتلأت قلوبهم بالعداء لهم))
وقد أزال المسيح بموته على الصليب هذا الناموس الطقسي , ثم صالح الاثنين مع الله بالصليب قاتلا العداوة به !! ومن يستطيع أن يعي معنى هذه المصالحة الكبرى ولا يرقص قلبه طربا
يحدثنا دكتور سكوفيلد في إحدى عظاته عن حادثة مؤثرة حدثت في حياة تشارلس فني ! كان فني يعقد سلسلة اجتماعات , وفي ختام أحدها جاءه رجل ترتسم عليه علائم الشقاء , وصافحه ورجاه أن يزوره في بيته , لكن أحد الأصدقاء نصح فني أن لا يذهب لأن الرجل شرير خطير , لكن ((فني)) عزم على أن يبر بوعده وذهب مع الرجل حتى وصلا إلى البيت , ففتح الرجل الباب وأدخل مستر فني , ثم أغلق الباب بالمزلاج , وأخرج ((مسدسا)) من جيبه وأشهره في وجه ((فني)) وقال : قتلت أربعة بهذا ((المسدس)) وأنت ستكون الخامس إن لم تعطني إجابة شافية عن أشياء سأسألك عنها :
1- قتلت في شري وأثمي أربعة رجال , وقد الوقت الذي يستطيع القانون أن يحاكمني فيه , لكن ضميري ثائر على ! فهل من علاج ؟ أجابه مستر فني قائلا ((دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية))
2 – إني أدير حانة , قدت الكثيرين من الذين دخلوها إلى البؤس والشقاء , وأنزلت بالكثيرين منهم إلى الخراب والدمار , فمن نجا بثيابه لم ينج بصحته فهل من علاج ؟ فأجابه مستر فني قائلا ((دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية))
3 – في حانتي مكان للقمار , صفت فيه الموائد الخضراء للمقامرين المغرورين فمن خرج ببعض المال من حانة الخمر , سلبته منه على موائد القمار فهل من علاج ؟ قال فني : ((دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية))
4 – وتابع الرجل حديثه قائلا : ((منذ ثلاث عشرة سنة تزوجت من امرأة فاضلة رزقت منها ابنة عمرها الآن إحدى عشرة سنة اسمها ((مرغريت)) وأنزلت بزوجتي وابنتي أقسى أنواع العذاب ! قد خدعت زوجتي قبل الزواج موهما إياها بأنني وكيل لإحدى الشركات ! فهل من علاج ؟ وأجاب فني ((دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية))
5 – وسكت الرجل لحظة ثم عاد يقول : هناك سؤال أخيرياً يا مستر فني , أشعر بعد أن سمعت كلامك بأنني يجب أن أتصالح مع الله , وأخرج العداء الذي في قلبي من نحوه ! فهل من علاج ؟
وأجاب فني : ((دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية))
مد المجرم الخطير يد فني مصافحا , وفتح له الباب للخروج
وفي الصباح الباكر رؤى ذلك الرجل , وهو يحطم المرايا , والزجاجات , وموائد القمار , ويعلن أنه أغلق حانته الرهيبة إلى الأبد ثم يتجه إلى بيته ليعتذر لزوجته عن ما سببه لها من آلام ! ومن ذلك الوقت صار بيته جنة فيحاء وامتلأ قلب زوجته بالهناء , وضاع كل إحساس بالخوف وكل شعور بالشقاء من قلب ابنته التي كانت جميلة كالزهرة البيضاء ! وتصالح الرجل مع الله وأصلح صلاته مع الناس وكل ذلك حدث بقوة الصليب الذي صالح به الله خليقته
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:08 PM   رقم المشاركة : ( 8665 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب ضرورة لأنه أظهر للإنسان حقيقة قيمته وأوضح له أسرار حياته

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وقف داود فوق مراعي الأرض المقدسة يتطلع إلى الشمس والكواكب والنجوم التي خلقها الله , وإذ غمره الشعور بالجمال والجلال هتف مردداً ((أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض حيث جعلت جلالك فوق السموات إذا أرى سمواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التي كونتها فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده ؟)) مز 1:8 و3 و4
وسؤال داود الذي نطق به وهو يتأمل جلال السموات كثيراً ما يخطر على بال الإنسان وهو يشعر بحقارة نفسه إزاء هذا الكون العظيم , فأرضنا تحمل على سطحها أكثر من بليونين وربع بليون إنسان , يموت منهم 50 مليونا كل سنة , أو.986 136كل يوم , أو 5707 كل ساعة , أو 95 شخصا كل دقيقة ! فما قيمة الفرد في هذا العدد العديد ؟ أجل ! من هو الإنسان الواحد وسط هذه البلايين ؟
ثم لنأت إلى الإنسان في صفاته ! من هو ؟ انه مجموعة من المتناقضات والنقضات , ففيه ضراوة الأسد , ومكر الثعلب , ونعومة الحية , وكبرياء الطاووس , وغباء الحمار و ووحشية النمر وهو في شره وانحطاطه وفيه النقاء , والصفاء , والحب , والوفاء , عندما يتجدد قلبه ويقترب إلى الله ! ولقد وصفه أحد رجال الله فقال : ((إن حياة الإنسان مليئة بالأنهار والبحار والكهوف والوديان , والجبال والسهول , والنسيم والعواصف , فميوله أنهاره , ومطامحه بحاره , وأسراره كهوفه , ومعلناته وديانه وعزائمه جباله , وأمانيه سهوله , وخياله نسيمه , وعواطفه عواصفه)) فهو أكثر المخلوقات تعقيداً في شخصيته.
والآن ! من هو الإنسان بالنسبة للنظام الشمسي الذي يحيط به في روعة وإبداع !!
قص علينا خادم وقور قصة عن عالم جليل تحدث إلى رجل غني مغرور أراد أن يريه حقيقة نفسه فقال : ((دعني أريك حقيقتك أيها الرجل الغني ! بين الأكوان العظيمة التي خلقها الله يوجد شيء اسمه ((المجرة)) أي النظام الشمسي وفي ((المجرة)) توجد بقعة سوداء صغيرة اسمها الأرض , وعلى الأرض يعيش ملايين من ذرات الكربون الحقيرة القذرة اسمهم البشر. فيا صاحبي أنت ذرة كربون حقيرة قذرة)) هذا هو الإنسان بالقياس إلى ما يحيط به من عوالم وأكوان , وهو إذ تصدمه هذه الحقيقة كثيراً ما يرفع عينيه إلى الأعالي ويقول : أحقاً يهتم بي الله أنا المخلوق التافه الضعيف؟!
والجواب الشافي عن قيمة الإنسان لا نجده إلا في الصليب , إذ هناك شخص نظير بولس الذي كان قبلا مجدفاً ومضطهداً ومفترياً أن يهتف ولهيب الحب يهز عواطفه , إذ يرى المسيح معلقا على الصليب قائلا ((ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي)) غلا 29:2 وإذا كان ابن الله قد أسلم نفسه لأجل الإنسان , فقيمة الإنسان اذاً , عظيمة بهذا المقدار
حدثنا رجل جليل من رجال الله عن شخص عاش عيشة التشرد , وسار تقذفه مدينة وتتلقاه أخرى , وانتهى به المطاف إلى مدينة ((لومبارديا)) حيث أصيب بمرض خطير وحملوه إلى المستشفى العام , وهناك أحاط به الأطباء وفحصوه , ثم قال بعضهم لبعض بلغة علمية صعبة ((دعونا نجري عملية لهذا المخلوق التافه الوضيع)) ولم يخطر ببالهم أن يفهم الرجل المريض كلماتهم , فهو في نظرهم متشرد جاهل وضيع !! لكن الرجل المريض رفع عينيه إلى من أحاط به من أطباء وقال ((كيف تقولون عن شخص مات المسيح من أجله أنه مخلوق تافه وضيع))
وحقا ! إن شخصا مات المسيح لأجله , هو أعظم من كل العوالم وأضخم من كل كوكب يدور في الأفلاك , بل أعلى من السماك
لكن سؤالا يخطر ببالنا حين نصل إلى هذا الحق الجميل هو : إذا كان الإنسان كريماً , ثميناً بهذا المقدار الذي كلف الله بذل ابنه الوحيد لأجله على الصليب : فلماذا يسمح الله بآلام الإنسان ؟ بل لماذا يرضى بآلام الأبرار والقديسين؟
وفي الصليب يكشف لنا الله أسرار الحياة , فعلى الجلجثة , تمثلت أعمال العناية التي تبدو أمام عيوننا غامضة , فرأينا هناك المسيح القدوس البريء يتألم لأجل شر الأشرار , ويحترق قلبه من فرط العار , ويموت وهو في ريعان الشباب , مع أنه سمع صوت السماء يناديه في مستهل خدمته ((هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت))
فإذا كانت قلوبنا تحترق من الحزن على فقد عزيز , فكذلك احترق قلب المسيح , وإذا اغتصب الأشرار ميراثنا , وأخذوا ظلما ًمالنا , فكذلك اقتسم الجنود الرومان ثياب المسيح , وعلى لباسه ألقوا قرعة !! وإذا مات أحد أعزائنا ميتة شنيعة , فكذلك مات المسيح ميتة العار على صليب الهوان ! وإذا ما خطر ببالنا أن نتساءل عن قصد الله في آلامنا , أجابنا ((الصليب)) بأن كل ألم في حياة أولاد الله مرتب بمشورة الله المحتومة لغاية عليا , وقصد جليل ! وإذا تعجبنا كيف رضى الله أن يأخذ فلذة كبدنا وهو في ربيع حياته , وعنفوان شبابه ؟ رأينا على الصليب مسيح الله الذي قضى وهو في الثلاثين ؟؟؟
وهكذا تتوضح لنا أسرار الألم في حياتنا
لكن ما يعزينا , هو أن الموت لم يكن خاتمة المسيح , ولا كان القبر نهاية كفاحه وخدمته وآلامه ؟؟ كلا !! فبعد الموت أشرق فجر القيامة , ويعد ظلمة القبر ارتقى المسيح إلى عرشه المجيد , وبعد الصليب حمل السيد تاج المجد التليد.
فيليق بنا أن نفرح ونبتهج , إذ بعد آلام الحياة وأحزانها , سوف نتمتع بتاج الخلود السعيد.
فيا نفسي لا تجزعي ولا تفزعي
بل انحني في خضوع عند الصليب
ففيه أظهر الله لك حقيقة قيمتك
وفيه الحل الأوحد لمشاكل حياتك
وفيه أعلن الله حبه المريح لبني الإنسان
وعنده يستريح المتعبون
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:09 PM   رقم المشاركة : ( 8666 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب في الرموز والنبوات


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هذا الخيط القرمزي الذي يتخلل صفحات الكتاب المقدس من تكوينه إلى رؤياه ! ما دلالته وما معناه ؟!؟
هذه الذبائح التي نحرت على مذبح الله خلال القرون والأجيال إلى من ترمز والى أي شخص تشير ؟!؟
هذه النبوات التي نطق بها أنبياء العهد القديم والتي تتحدث عن شخص آت سيتألم ويموت ! من هو هذا الشخص الذي تعنيه ؟
إن هذا الخيط القرمزي , وهذه الذبائح الكثيرة , وهذه النبوات العديدة , تشير كلها إلى شخص واحد هو ((يسوع المسيح)) الذي قال عنه بطرس الرسول وهو أحد كبار الحواريين ((ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم الذي أيضاً قتلوه معلقين إياه على خشبة الصليب له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا)) أعمال 39:10 و 43
فقبل أن يأتي المسيح بمئات السنين ويصلب على الصليب تنبأ الأنبياء عن مكان ولادته , وكيفية هذه الولادة المعجزية , وموته على صليب العار كفارة لخطايا البشر !!
ومعنى هذه النبوات أن الله في عليه الواسع , ومعرفته المطلقة يعرف النهاية من البداية , كما يقول في سفر أشعياء ((أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر عنها قبل أن تنبت أعلمكم بها)) أش 9:42 ((اذكروا هذا وكونوا رجالا رددوه في قلوبكم أيها العصاة , اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر , الإله وليس مثلي مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلا رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي)) أش 108:46 وهذا يتفق تماما مع ما قاله يعقوب الرسول ((معلومة عند الر ب منذ الأزل جميع أعماله)) أع 18:15
فسقوط الإنسان لم يكن مفاجأة لله لم يعمل لها حسابا , لكنه عرف بسابق علمه أن الإنسان سينحدر إلى هاوية السقوط , لأنه خلق الإنسان حراً واحترم حريته , فأي تدخل من جانبه تبارك اسمه كان يعتبر امتهانا للحرية التي منحها للإنسان وبالتالي يجعل من الإنسان أداة مسيرة في يد الله , وليس هذا هو قصد الله في خلقه الإنسان , لأنه خلق الإنسان حراً , ووضعه تحت التزام أدبي أمامه , وكان من واجب الإنسان أن يستمر مطيعا لوصية الخالق العظيم , لكنه أصغى لصوت الشيطان وسقط سقوطه المشين.
ومع هذا فان الله في حكمته الأزلية التي جلت وعلت , اتخذ من سقوط الإنسان وسيلة لإظهار بره وقداسته , وعدالته ورحمته , في الوقت الذي أبقى فيه للإنسان كامل حريته و وكان الصليب هو مفتاح التدبير الحكيم !!
ولا يغرب عن بالنا أنه بعد سقوط الإنسان , أعلن له الله خلاصه بواسطة ((الدم)) , وخلال هذه الآلاف من السنين التي سبقت مجيء المسيح, كان الله يعد البشرية عن طريق الذبائح الرمزية والإعلانات النبوية لترى الوسيلة الحكيمة التي رتبها لفدائها , ولتعرف خلاصه الثمين الذي سيجريه لأجلها بالصليب
فالصليب إذا لم يكن حادثاً عابراً في حياة المسيح , ولكنه كان تدبيراً أزلياً في مشورات الله , ولذا فان موت المسيح ليس كموت الأنبياء , والشهداء , وأصحاب الرسالات , ومن يموتون حباً في الوطن الذي يعيشون فيه , لأنه يختلف كل الاختلاف عن موت هؤلاء , ذلك لأن المسيح ولد لكي يموت !! ومات طوعاً واختياراً لا لأن اليهود أرادوا له أن يموت , ولا لأن بيلاطس الوالي الروماني حكم عليه بالموت , لكن لأنع جاء خصيصاً لكي يموت وأعلن وهو الصادق الأمين هذا الحق بقوله ((إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين)) مت 28:20 , وقد تكلم له المجد عن موته على الصليب عدة مرات فأنبأ به نيقوديموس في مستهل خدمته قائلا ((وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكونه له الحياة الأبدية)) يو 14:3 وأعلنه لليهود في قلب خدمته حين قال ((وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت)) يو 32:12 و 33 وأخبر به تلاميذه قرب نهاية خدمته فقال لهم ((انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة , ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم)) متى 21:16 فلم يكن الصليب اذاً أمراً جديداً على المسيح , بل كان شيئا منتظراً ثبت وجهه لكي ينطلق نحوه
ويكشف لنا بطرس الرسول عن الحقيقة الأزلية فيقول في عظته التي ألقاها يوم الخميس ((هذا ] أي المسيح] أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه)) أع 23:2 ثم يعود مؤكداً هذا الحق في رسالته قائلا ((عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم)) 1 بط 18-20 وعلى هذا فان المسيح لم يمت على الصليب موت شهيد , أو موت نبي مضطهد , لأنه لم يمت على الرغم منه , بل مات طوعا واختياراً وأعلن عن موته الاختياري قائلا : ((لهذا يحبني أبي لأني أضع نفسي لآخذها أيضا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي 0 لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا)) يو 17:10 , فموت المسيح الذي تم باختياره على الصليب لأجل خلاص البشر كان أمراً معروفا ومرتبا قبل تأسيس العالم وأصدق دليل على هذا هو الرموز الكثيرة الواضحة التي تذخر بها كتب العهد القديم , والنبوات العديدة الصريحة التي تمت بصورة جلية في الصليب
يحدثنا المهندس الانجليزي ((لندزى جلج)) في كتاب له عن منظر آخاذ رآه في قاعة كبرى ملحقة بإحدى الكنائس في بلاد الغرب
يتوسط هذه القاعة البديعة التنسيق تمثال رائع للمسيح المصلوب , وحول هذا التمثال عدة تماثيل لأنبياء العهد القديم وقد أشار كل منهم بإصبعه إلى ذلك الصليب المرتفع في جلال وبهاء , وتحت تمثال كل نبي الآية المركزية في نبواته عن المسيح وموته مصلوباً على الصليب
فتحت تمثال موسى الذي يشير بإصبعه إلى الصليب العجيب كتبت هذه الكلمات ((يقيم لك الله الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثل له تسمعون)) خر 15:18
وتحت تمثال اشعياء سجلت هذه الآية الجليلة ((كنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا)) أش 6:53
وتحت تمثال داود كتبت هذه الكلمات ((لأنه قد أحاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتني , ثقبوا يدي ورجلي)) مز 16:22
وتحت تمثال دانيال كتبت هذه الآية الكريمة ((يقطع المسيح وليس له)) دا 26:9
وتحت تمثال يوحنا المعمدان تلمع هذه الكلمات ((هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم)) يو 29:1.
وهكذا يرى الواقف في هذه القاعة الجميلة , جميع أنبياء العهد القديم , وهم يشيرون إلى مجيء المسيح ليخلص العالم الأثيم
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:17 PM   رقم المشاركة : ( 8667 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب في الرموز

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
1 – وعد وأقمصة من جلد :

إن أول لمحة من أضواء النبوة تلمع بجمالها الرائع بعد سقوط الإنسان , نجدها في الإصحاح الثالث من سفر التكوين فقد جاء الله ليعلن حبه للبشر , وليريهم الطريق الذي رتبه لإنقاذهم من الهلاك ويلذ لنا أن نعرف أن الله قبل أن ينطق بحكم العدالة على آدم وحواء أعطى أولا وعد الفداء العتيد , فقال للحية ((وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه)) تك 15:3 , وكان هذا الوعد هو النور الوهاج الذي أشرق أمام الإنسان بالرجاء , إذ فيه سمع الإنسان عن ميلاد ((نسل المرأة)) الذي يسحق رأس الحية القديمة إبليس والشيطان , وقد تم هذا الوعد بصورة واضحة إذ ((لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة)) 4:4 ليكون فعلا وحقاً ((نسل المرأة)) الظافر المنتصر الذي يسحق بصليبه رأس إبليس , ويسحق إبليس عقبه بآلام الصليب
وجدير بنا أن نلاحظ أن هذا النسل الموعود هو ((نسل المرأة)) أي أنه وليد يأتي من امرأة بغير رجل , وقد تمت هذه النبوة في شخص المسيح وسجلها متى في إنجيله قائلا ((وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا)) متى 22:1 و 23
وفوق ذلك فإننا نرى خلال قصة السقوط رمزاً صريحاً عن طريق الفداء ((بالدم)) , إذ نقرأ الكلمات ((وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما)) تك 21:3
فكيف تسنى لله أن يصنع هذه الأقمصة الجلدية ؟ لا ريب في أن هذا قد تم بواسطة سفك دم حيوان بريء , أخذ الله جلده وكسا به عري الإنسان , وهكذا تبزغ أمامنا الحقيقة التي بدت بعد ذلك واضحة في الرموز , والذبائح , والنبوات , حقيقة مجيء ((البديل البريء)) , الذي سيأخذ مكان الإنسان , ويسفك دمه لأجله لينال الإنسان الغفران والحياة إذ أنه ((بدون سفك دم لا تحصل مغفرة))
وهنا قد يعترض معترض قائلا : إن فلسفة ((البديل)) , فلسفة غير عادلة , لأنها ترضى أن يموت البريء عوضاً عن المجرم الأصيل , وأن يأخذ الذي لم يفعل الجريمة , مكان المعتدي الأثيم !!
ويجيب ((جيويلبويد)) عن هذا الاعتراض قائلا ((انه في كل قضية إنسانية مشابهة أربعة أطراف إلى جانب المجرم الحقيقي :
أولا : القاضي ثانيا : البديل ثالثا : المجتمع الذي أسيء إليه رابعا : رأس الدولة الممثل لقانون البلاد , والذي أقسم القاضي في محضره أن يكون نزيها في تنفيذ عدالة القانون , وفي قضية هذه أطرافها لا يمكن للقاضي أن يحكم على شخص بريء حتى ولو رضى ذلك الشخص أن يأخذ مكان المجرم الأصيل , لأن عملا كهذا يسيء إلى المجتمع الذي لم يأخذ القانون مجراه في القاتل الحقيقي لأحد أفراده , كما يسيء إلى القانون الذي أقسم القاضي على تنفيذه بعدالة وصدق , ويجعل القاضي في موقف الرضى عن الظلم والغش والتدليس
أما في ((قضية الصليب)) , وفي وضع المسيح كبديل بريء عن البشر الآثمين , فالأمر يختلف كل الاختلاف0 إذ أننا نرى في هذه القضية أن المجرم الحقيقي هو ((الإنسان الخاطئ الأثيم)) , ولكننا لا نجد أمامه سوى شخص واحد هو ((القاضي)) , وهو نفسه ((المجتمع الذي أسيء إليه)) , وهو ((واضع القانون)) , وهو ((ممثل القانون)) وهو في ذات الوقت الذي ارتضى أن يكون ((البديل البريء)) وهو ((الله المحب الشفوق العادل البار القدوس)) , الذي لا يمكن أن توافق عدالته على أن يغفر للناس بغير حساب ولذا فان الله حين جاء في المسيح ليموت على الصليب , لم يكن منفذاً لقانون شخص آخر , بل للقانون الذي وضعه هو , والجريمة لم ترتكب ضد شخص سواه وفوق الكل فانه لم يأخذ شخصا آخر بعيداً عنه ليجعله بديلا للإنسان , بل على العكس قد رفض هذا في وضوح عندما عرض عليه موسى أن يجعله بديلا لإسرائيل وأن يمحوه لأجلهم من كتابه الذي كتب ] خروج 30:32 – 35 [ , ولكنه جاء بنفسه آخذاً صورة العبيد الآثمين , وحمل في الجسد الإنساني الذي أخذه عقاب قانونه وبهذا وفق بين عدله ورحمته , وبين قداسته ومحبته , وبين كراهيته الشديدة للخطية , ومحبته الفائقة للإنسان !! وبينما تألم ومات على الصليب , نجده يعلن عن نفسه أنه ((القاضي العادل ديان كل الأرض)) ] مت 41:13 -43 و 31 -46 [ , وعلى هذا فنحن لا نجد الله القدوس يعاقب شخصا بريئا باعتباره طرفا ثالثا في القضية بل نرى أن ((القاضي)) هنا هو الله المثلث الأقانيم, وأن الأقنوم الثاني من اللاهوت , قد رضى في محبته أن يأخذ شخصية المجرم ممثلا إياه في كل شيء ما عدا الخطية, وأخيراً صار هو نفسه ((خطية)) , وارتضى أن ينفذ في شخصه عقاب القانون الذي وضعه هو ضد الخطية , وهو القانون القائل ((النفس التي تخطيء هي تموت)) , وفي ذات الوقت نجد أن هذا القانون لا وجود له بعيداً عن وجود الله العادل الذي وضعه في الوجود))
وكل هذا يرينا بأن فلسفة ((البديل البريء)) التي تنادي بها المسيحية, هي القمة الشاهقة التي يعلن الله من فوقها عن صفاته الأدبية الكاملة , والتي تظهر فيها حكمة الله ومحبة الله
حدثنا مستر مودي في كتاب ((الكلمة الحمراء)) عن سيدة ذهب زوجها إلى كاليفورنيا بحثا عن الرزق , وعندما صادفه النجاح , أرسل إلى زوجته لتأتي إليه مع ابنهما الوحيد ! استقلت الزوجة الباخرة , وأقلعت الباخرة متجهة صوب هدفها المقصود , ولم يمض وقت طويل حتى سمع ركابها صراخ شديد ((النار النار)) , وأدرك القبطان أن الباخرة سيكون مصيرها الدمار لأنها كانت تحمل شحنة من ((البارود)) , فأسرع بإنزال قوارب النجاة , وطلب من ركاب السفينة الإسراع في النزول , وفي لحظة خاطفة كانت جميع القوارب ممتلئة بالناس , وكانت الأم وولدها على ظهر الباخرة التي ينتظرها الحريق !! وصرخت الأم متوسلة ((خذوني وخذوا ولدي)) لكن ركاب القوارب رفضوا أخذهما إذ لم يكن لهما موضع في أي قارب للنجاة وبكت المرأة بالدموع , حتى رق لها قلب الركاب , وقالوا لها : إننا لا نستطيع أن نأخذ سوى شخص واحد في القارب وبلا تردد احتضنت الأم ولدها , وقبلته قبلة الوداع , ثم قالت له : ((يا ولدي الحبيب , إذا قيض الله لك الحياة حتى ترى أباك , فقل له أن أمي ماتت عوضا عني ماتت لكي تهبني أنا الحياة))
إننا نقف أمام تضحية هذه الأم لأجل ابنها وقد أحنينا رؤوسنا في إجلال !! وكل تضحية في الوجود تثير في القلب مشاعر الاحترام والتقدير , فهل يمكن أن يكون الله أقل تضحية من خليقته ؟!
إننا نقف خاشعين أمام أب يحترق ليخلص أحد أولاده من الحريق !! أو جندي يثبت في موضعه حتى الموت لينقذ فرقته من الدمار !! أو شاب يلقي بنفسه وسط الأمواج العاتية لينقذ إنسانا أشرف على الغرق !! وفي كل هذه الصور نحن نرى فلسفة ((البديل)) , ونرى في هذا البديل شهامة تستحق منا المحبة والإجلال والتوقير !
ومع ذلك فان هذه الصورة مجتمعة , لا تعبر إلا تعبيراً باهتاً ضعيفاً عن تضحية المسيح البريء , وموته الاختياري على الصليب , ليخلص الإنسان من العقاب والهلاك , ويريه كيف دخل معه في معركة الموت لينقذه إلى الأبد من هذا العدو الرهيب
لقد حاول الإنسان ب أن أحس بعريه المشين , أن يستر عري نفسه بأوراق التين , لكن هذه الأوراق جفت وآلت إلى ذبول ! وهنا ((صنع الرب الله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما)) , ومعنى ذلك أن الخلاص هو من ((صنع الله وحده)) , وأنه ليس من أعمال الإنسان. أو مجهوده , أو تفكيره , بل معناه كذلك أن الخلاص لم يتم إلا عن طريق ((الدم)) الذي سفك لستر عري الإنسان , وهذا الرمز قد تم بأجلى بيان في صليب المسيح فهناك أتم الله عملية الفداء وأنقذ الإنسان من العار , والعري , والشقاء كما يقول بولس الرسول ((لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله 0 ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد)) ( أفسس 8:2 و 9 )
2 – ذبيحة هابيل :

إذ نقلب سفر التكوين يقابلنا في الإصحاح الرابع رجلين هما ((قايين)) و ((هابيل)) ونراهما وهما يحاولان الاقتراب إلى الله كل واحد بالطريقة التي أرادها , أما قايين فقد ((قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب)) وأما هابيل فقد قدم ((من أبكار غنمه ومن سمانها)) ! فكيف نظر الله إلى تقدمة كل منهما , يقول لنا كاتب سفر التكوين ((فنطر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر)) !
فلماذا رفض الله تقدمة قايين وقبل تقدمة هابيل ؟ إن تقدمة قايين في جملتها ليست إلا نكراناً شاملا لكل ما قاله الله عن لعنته للأرض وأثمارها , وعن حقيقة الخطية والحاجة إلى مخلص يكفر عنها الأمر الذي أوضحه الله لآدم وحواء عندما صنع لهما أقمصة من جلد , والذي لا شك أنه أكده أكثر من مرة في تعاليمه ووصاياه لكليهما ولهذا كان طريق قايين طريقاً مضاداً لمشيئة الله , وهذا الطريق هو طريق الذي يتكلون على أعمالهم الصالحة , ومجهوداتهم , وثمار أتعابهم , مع أن الله قد أعلن أن أعمالنا الصالحة لا يمكن أن تخلصنا من عقاب خطايانا , وأن حسناتنا لا يذهبن سيئاتنا , فقال على لسان نبيه اشعياء ((قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أعمال برنا)) اش 6:64 , وقد قيل إن ((عدة المرأة هي أيام طمثها)) , فأنظر كيف يصور الله أعمال برنا بثوب امتلأ نجاسة وقذارة ؟! ثم قل : فماذا تكون أعمال شرنا ؟! لقد رفض الله تقدمة قايين لأنها كانت من ثمار الأرض الملعونة , فكانت تحمل اللعنة في ثناياها
أما ذبيحة هابيل فقد قبلها الله , لأنها كانت اعترافا وديعا متواضعا , وقبولا صحيحا واضحا لطريقة الله في الغفران والقبول 0 ويسجل كاتب الرسالة إلى العبرانيين عن هابيل هذه الكلمات ((بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين فبه شهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه)) عب 4:11 , ويقينا أنه لا يمكن أن يكون هناك إيمان ما لم يكن هناك إعلان سابق يستند عليه هذا الإيمان لأن ((الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله)) , وعلى هذا فان هابيل لم يقدم ذبيحته الدموية لمجرد استحسانه الشخصي أو تفكيره العقلي , بل لابد أن الله قد أعلن منذ البدء الحقيقة الكبرى أنه ((بدون سفك دم لا تحصل مغفرة)) , وأن هابيل قد عرف هذه الحقيقة من آدم أبيه وقبلها في ثقة ويقين , فكانت ذبيحته رمزاً للمسيح الذبيح الأعظم.
3 – فلك نوح :

نصل الآن إلى رمز ثالث لشخص المسيح هو فلك نوح , ففي أيام ذلك الرجل البار فسدت الأرض وامتلأت ظلما , وكان لابد أن يفعل الله شيئا ليظهر كراهيته للخطية , وحكمه الرهيب عليها , وفي ذات الوقت كان عليه أن ينقذ الأقلية الضئيلة التي آمنت به وعاشت بحسب وصاياه , وكان نوح وعائلته هم هذه الأقلية الأمينة ((فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي لأن الأرض امتلأت ظلما منهم فها أنا مهلكهم مع الأرض اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء كل ما في الأرض يموت
ولكن أقيم عهدي معك فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك)) تك 13:6 و 14 و 17 و18
ومن سياق القصة نهرى أن الفلك قد عمل بتصميم الله , وأنه كان السبيل الوحيد لنجاة نوح وأفراد أسرته , وبهذا أنقذهم جميعهم من موت محقق 0
وكل هذه الصفات تنطبق تماما على شخص ربنا يسوع المسيح فهو المخلص المعين من الله , الممسوح منه لأجل الخلاص , وهو الطريق الوحيد لخلاص البشر كما قال فيه بطرس ((وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص)) أع 12:4 , وهو الذي طمت عليه تيارات ولجج غضب العدل الإلهي عوضاً عن الخطاة الآثمين , فصار من يلجأ إليه في حمى من دينونة الله كما يؤكد ذلك بولس الرسول قائلا ((اذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح)) رو 1:8 وهكذا نرى في ذلك الفلك القديم رمزاً جميلا للرب يسوع المسيح
4 – تقديم اسحق :

نستمر سائرين مع السجل المقدس , إلى أن نصل إلى قصة تقديم اسحق , وهي قطعا من أروع قصص العهد القديم وقد ذكرها الكتاب في هذه الكلمات ((وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن ابراهيم فقال له يا ابراهيم فقال هأنذا فقاتل خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك)) تك 1:22 و 2 وقد أطاع ابراهيم صوت الله , وأخذ ابنه المحبوب ليقدمه محرقة لأجله , ولكنه ما كاد يصل إلى الجبل , ويربط اسحق ويضعه على المذبح فوق الحطب الذي أعده حتى ناداه الرب من السماء قائلا ((ابراهيم ابراهيم لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا)) تك 11:22 ((فرفع ابراهيم عينيه ونظر وإذا كبش ممسكا في الغابة بقرنيه فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه)) تك 13:22
وفي تتبعنا لسياق القصة تقابلنا هذه الحقائق الهامة وهي :
أولا : إن الله قد أشفق على اسحق فلم يسمح لأبيه أن يذبحه , وهذا أصدق دليل على أن الله لا يحب الذبائح البشرية , ولا يوافق عليها بحال , وكل ما في الأمر أنه أراد أن يجيز ابراهيم في اختبار حي , وأن يعطيه شعاعة من نور محبته للبشر ((لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) يو 16:3 , أجل إن الله ((لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين)) رو 32:8 لكي يعلن لنا مدى حبه , ومقدار عواطف قلبه , وبينما أشفق على ((ابن ابراهيم)) وقال لأبيه ((لا تمد يدك إلى الغلام)) ترك ابنه الوحيد معلقا على الصليب يتجرع آلامه المريرة , وموته القاسي البطيء الرهيب لأجل العالم الأثيم ويصف يوحنا هذا الحب الإلهي قائلا ((في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا)) 1 يو 10:4
أما الحقيقة الثانية التي نراها في هذا الرمز الجميل , فهي أن اسحق وهو يحمل المحرقة على كتفه ويصعد به إلى جبل المريا إنما كان يرمز إلى ذاك الذبيح الحقيقي الذي قال عنه يوحنا في إنجيله ((فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة حيث صلبوه)) يو 17:19 و 18 , وليس ببعيد أن يكون الله قد رفع حجاب الزمن عن عيني ابراهيم في هذه الساعة بالذات فرأى بديل البشرية الأوحد يسوع المسيح ولذا فقد قال رب المجد لليهود ((أبوكم ابراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح)) يو 56:8
وهناك حقيقة ثالثة في هذه القصة الخالدة هي حقيقة الفداء ((بالدم)) إذ لما رفع ابراهيم عينيه رأى كبشا ممسكا في الغابة بقرنيه فذهب ابراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه
وهكذا مات الكبش البريء مكان الولد الذي كان مزمعا أن يموت تماما , كما مات المسيح ((حمل الله)) بدل كل خاطئ أثيم وذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد عب 9:2
5- سلم يعقوب :

إذ نستمر في سياحتنا في سفر التكوين نقرأ عن سلم يعقوب التي رآها في حلمه الفريد , واليك قصة هذا الحلم ((فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران , وصادف مكانا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها)) تك 10:28-13 , والواقع أنه ما كان لنا أن نقول إن هذه السلم ترمز إلى شخص المسيح الكريم , لولا أن أشار رب المجد إلى ذلك بكلام صريح إذ قال ((الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان)) يو 51:1 , وفي بحثنا عن أوجه الشبه بين هذه السلم وبين شخص المسيح , نرى الانطباق في نواح ثلاث , فهذه السلم قد أوصلت الأرض بالسماء , ويسوع هو الوسيط الوحيد الذي أوصل الأرض بالسماء كما قال عنه بولس الرسول ((لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح)) 1 تي 5:2 كما أن هذه السلم من الطول والعظمة بحيث يستحيل أن تقيمها أيادي بشرية , وهذا دليل على أنه من العبث أن نحاول إقامة سلم من أعمالنا الصالحة لتوصلنا إلى السماء , وفوق ذلك فان هذه السلم قد أقامها الله للتعبير عن محبته ورعايته لإنسان ضعيف وحيد نظير يعقوب , وشخص المسيح هو التعبير المتجسد لمحبة الله ولأجل هذا فقد نزل إلى أرضنا على درجات سلم الاتضاع , ليرفع البشر على ذات هذه السلم إلى السماء , وعن هذا يقول رسول الأمم ((فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً 0 الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه ] 1 [ أخلى نفسه ] 2 [ آخذاً صورة عبد ] 3 [ صائراً في شبه الناس ] 4 [ وإذ وجد في الهيئة كانسان ] 5 [ وضع نفسه وأطاع حتى الموت ] 6 [ موت الصليب)) في 5:2 – 8 , وبهذا الموت الكفاري أحيانا الله مع المسيح ((وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع)) أفسس 6:2 وصارت الملائكة عن هذا الطريق في خدمتنا وحراستنا ((أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص)) عب 14:1 , وهكذا في سلم يعقوب رمزاً جميلا رائعاً للمسيح المصلوب الكريم.
6- خروف الفصح :

عندما نصل إلى سفر الخروج الإصحاح الثاني عشر نجد أن كل آية من آيات هذا الإصحاح المبارك تنضح بالدم , دم الحمل المذبوح لنجاة شعب الله , والآن دعنا نقرا معاً بعض عبارات هذا الإصحاح الثمين ((وكلم الرب موسى وهرون في أرض مصر قائلا هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة للبيت تكون لكم شاة صحيحة ذكراً ابن سنة ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها فاني اجتاز في أرض مصر هذه الليلة وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك)) خر 1:12 – 13
وترينا هذه الحادثة أمرين : دينونة الله وطريق النجاة – أما الدينونة فهي ((موت كل بكر)) وأما طريق النجاة فهو ((دم الخروف المذبوح)) إذ قال الرب ((فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك)).
ويقول الواعظ الأشهر مستر مودي ((إن الله لم يقل : حين أرى أعمالكم الصالحة , وحين أرى كيفية صلاتكم , وحين أرى دموعكم أعبر عنكم ! بل قال ((فأرى الدم وأعبر عنكم)) , فكل شيء كان متوقفاً على تصديق كلمة الله , ووضع الدم على القائمتين والعتبة العليا !! لكن لماذا لم يوضع الدم على العتبة السفلى ؟ ذلك لأن الله لا يسمح أن ندوس دم ابنه الثمين , مع أن هذا هو ما يفعله العالم اليوم , حين يحتقر الهالكون طريق الخلاص بالدم , ويزدرون بدم المسيح الكريم
ويجدر بنا أن نلاحظ أن موت ((خروف الفصح)) كان هو السبيل لنجاة الشعب , وليس الخروف الحي , وما أثمن الدرس الذي لنا هنا , فالخروف الذي بلا عيب كان شيئاً ثميناً , لكن وسيلة خلاص الشعب كانت في دم هذا الخروف , لا في مجرد بقائه حياً , فيسوع الكامل القدوس كان لابد أن يموت وأن يسفك دمه على الصليب لأجل خلاص البشر ولكن الغريب أن يقول الكثيرون إن حياة المسيح العالية المثالية هي التي تخلص الناس , مع أن الله لم يقل لشعبه ((خذوا خروفاً صحيحاً نظيفاً واربطوه حياً على باب بيتكم , وحينما أرى الخروف أعبر عنكم كلا !! لقد كان دم ذلك الحمل هو وسيلة النجاة ((فأرى الدم وأعبر عنكم)) ولو أن أي واحد من أفراد الشعب ربط ((الخروف)) على باب بيته حيا لدخل الملاك وضرب بكره ضربة الموت بغير جدال
كان الدم وحده هو طريق الخلاص , وكان البكر في أفقر بيت من بيوت شعب الله , في أمان وراء الدم تماما كموسى , وهرون , ويشوع وكالب , وأي واحد من عظماء العبرانيين
وقد يقول قائل : إنني لا أستطيع أن أدرك تماما لماذا يطلب الله الدم؟! أهو يسر بمنظر الدماء الجارية كالأنهار ؟ أهو يفرح بهذه المئات من الذبائح تنحر على مذبحه ؟ أهو يتلذذ بموت هذه الكباش والثيران والحملان؟
لكن صاحب هذه الأسئلة , ينسى الحقيقة المركزية في معنى هذه الذبائح الدموية , وقد أوضح سفر اللاويين السبب الرئيسي في أن الله يطلب الدم في هذه الكلمات ((لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يكفر عن النفس)) لاويين 11:7
فالله قد طلب ((الدم)) ووضع هذه الذبائح العديدة , لكي يركز في عقل الإنسان أن ((أجرة الخطية هي موت)) , نفس الحقيقة التي قالها لآدم ((لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)) , ففي كل مرة يخطئ الإنسان كان عليه أن يقدم لله ذبيحة , وكأنه يعترف وهو يضع يده على ذبيحته , أنه يستحق الموت الذي ستحتمله هذه الذبيحة البريئة لأنه أخطأ وتعدى وصية الله ((وأجرة الخطية هي موت))
لقد قال الشيطان لحواء وهو يغريها للأكل من الشجرة ((لن تموتا)) , لكنه كان كاذباً في ادعائه 0 وتمت كلمة الله , وكان لابد أن يموت الإنسان أو أن يموت ((المسيح بديله على الصليب))
وكانت هذه الذبائح التي قدمت على مر عصور التاريخ قبل مجيء المسيح رمزاً جميلا وإشارة صريحة إلى موت الصليب !!
وفي اعتقادي أن الذين لا يحبون الله الذي يطلب ((الدم)) لا يقدرون في ذات الوقت أن يعيشوا تحت نظام يخالف عدالته :
فهب أن رئيس دولة قال : إنني رجل طيب القلب , وأشعر بالأسى لأن المجرمين والقتلة في السجون , ولن أرضى من اليوم بأن أحكم على قاتل واحد بالإعدام , وسآمر بفتح السجون وإخراج المسجونين أحراراً , فمن من المواطنين يرضى برجل كهذا على رأس الدولة التي يعيش فيها ؟ إنها قطعا ستكون دولة الفوضى , والجريمة , وانتهاك حرمات الآمنين !!
إن الله محبة هذا حق لامع واضح , لكنه لا يغفر خطية الخاطئ إلا ((بالدم)) الذي هو رمز الموت أو بمعنى آخر أنه لن يرضى بتحطيم عدالته على حساب رحمته , وقد قالت عدالته ((إن النفس التي تخطئ هي تموت)) , وهذا هو السبب الحقيقي في وجود هذا الخط القرمزي من الدم خلال صفحات الكتاب المقدس
كان الدم اذاً هو وسيلة خلاص أبكار شعب الله ! لكن هل استهزأ العالميون بهذا الدم أم خضعوا لهذه الوسيلة البسيطة التي رتبها الله ؟! يقينا أن كثيرين من عظماء جوسان قد نظروا إلى ما يفعله شعب الله في استهزاء وتهكم واستغراب , ولا يبعد أن الكثيرين منهم رأوا في ((الدم)) لطخا غير جميلة شوهت بيوت العبرانيين , وهذا هو موقف الهالكين إزاء صليب المسيح كما يقول بولس الرسول ((فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله)) 1 كو 18:1 فحاذر يا صاحبي من الاستهزاء بالدم , وحاذر من الاستهانة بالصليب , طريق خلاص الله 0
لقد تمم الله كلمته ((فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن)) خر 29:12 , فبيعداً عن حمى الدم لا يوجد سوى الموت والهلاك ! فهل ترى حمل الله يسوع المسيح , مرموزاً إليه في خروف الفصح الذي ذبح في أرض مصر ؟ لقد رأى بولس فيه هذه الحقيقة فهتف في فرح قلبه قائلا ((لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا)) 1 كو 7:5
7- الصخرة المضروبة :

نستمر سائرين إلى مناسبة أخرى من المناسبات الواردة في العهد القديم حيث نرى الله يشير برمز صريح إلى المسيح المصلوب ! وفي قصة الصخرة المضروبة يتجسم أمامنا هذا الحق الجميل , فدعنا نقرأها معا ((ثم ارتحل كل جماعة بني إسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم عل موجب أمر الرب ونزلوا في رفيديم ولم يكن ماء ليشرب الشعب فخاصم الشعب موسى وقالوا أعطونا ماء لنشرب فقال لهم موسى لماذا تخاصمونني لماذا تجربون الرب وعطش هناك الشعب إلى الماء وتذمر الشعب على موسى وقالوا لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش فصرخ موسى إلى الرب قائلا ماذا أفعل بهذا الشعب بعد قليل يرجمونني فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب ها أنا أقف أمامك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل)) خر 1:17 –6
شعب يموت عطشا في الصحراء , في أرض ناشفة يابسة بلا ماء ! يعطيه الله ماء لحياته وإرواء عطشه من صخرة ضربها موسى بعصاه مع أنه عرف أن الرب نفسه واقف على هذه الصخرة ! ويكفينا بولس الرسول مشقة الاستنتاج , مؤكداً لنا أن هذه الصخرة كانت رمزاً للمسيح الذي ضرب من أجلنا على الصليب , فيقول ((فاني لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر وجميعهم شربوا شرابا واحداً روحياً 0 لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح)) 1 كو 1:10 و 4 أجل , فكما أن الصخرة في البرية وقف عليها الرب , كذلك كان ((الله في المسيح مصالحاً العالم في نفسه)) , معطياً للعالم الذي كاد العطش أن يميته ماء الحياة من قلبه الذي جرح على الصليب , ولذا فليس بغريب أن يقول السيد للمرأة السامرية ((من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية)) يو 14:4 , وهذا الماء الجاري الفياض قد صار لنا لأن ((يسوع)) قد ضُرب لأجلنا كما يقول اشعياء ((ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولا وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا وبحبره شفينا)) أش 4:53 و 5.
8- الحية النحاسية في البرية :

نمر الآن سريعاً لنصل إلى هذه القصة في سفر العدد ((وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف ليدوروا بأرض أدوم فضاقت نفس الشعب في الطريق وتكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية لأنه لا خبز ولا ماء وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل فأتى الشعب إلى موسى وقالوا : قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك فصل إلى الرب ليرفع عنا الحيات فصلى موسى لأجل الشعب فقال الرب لموسى : ((اصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكل من لدغ ونظر إليها يحيا)) فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية فكان متى لدغت حية إنسانا ونظر إلى حية النحاس يحيا)) عدد 4:21 – 9 والآن دعنا نقف لحظة متأملين في هذا الرمز الجميل الذي أكد السيد له المجد أنه يشير إلى موته على الصليب حين قال لنيقوديموس , ((وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) يو 14:3 فلماذا رفع موسى الحية في البرية ؟ لقد رفعت هذه الحية لأجل أناس رفضوا طريق الله , ورفضوا الطعام الذي قدمه لهم وأسموه ((الطعام السخيف)) , ولدغتهم الحيات المحرقة فسرت سمومها في دمائهم لإماتتهم ؟؟ ولم تكن هذه الحية النحاسية من ابتكار موسى بل كانت بتدبير الله , وكانت حية واحدة فقط لكنها كانت كافية لشفاء ((كل من ينظر إليها)) , وكان النظر إليها يهب الحياة من جديد لكل من لدغته حية محرقة !! وكانت حية من نحاس لها شكل الحية المحرقة لكنها خالية من سمها !! وكل هذه الأوصاف تنطبق على شخص ربنا يسوع , المخلص الوحيد الذي أخذ صورة الإنسان لكنه كان خالياً من خطية الإنسان والذي يهب الحياة لكل من ينظر إليه بالإيمان ((التفتوا اليّ وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر)) اش 22:45
وفي كل هذه الرموز التي مرت بنا نرى ناحية من نواحي عمل الصليب , ففي أقمصة الجلد نرى المسيح الذي يكسو عري الإنسان , وفي ذبيحة هابيل نجد المسيح طريق اقترابنا إلى الله , وفي فلك نوح نرى المسيح الذي يحمينا من الدينونة , وفي تقديم اسحق تشع علينا أنوار محبة قلب الآب الذي بذل ابنه الوحيد , وفي سلم يعقوب نرى يسوع الوسيط الوحيد بين الأرض والسماء , وفي خروف الفصح يشير الدم المسفوك في أرض مصر إلى حمل الله الذي يرفع خطية العالم , وفي الصخرة المضروبة نرى سيدنا الذي احتمل ضربة سيف العدل الإلهي لأجل خطايانا , وفي الحية النحاسية المرفوعة في البرية نرى طريق نوال الخلاص بنظرة مصدقة إلى المسيح المصلوب وهكذا يلمع أمامنا الصليب بأنواره الساطعة في كل هذه الرموز
9- الذبائح في سفر اللاويين :

وإذ نقرأ سفر اللاويين نرى صفحاته وقد غمرها تيار جارف من دماء الذبائح التي تشير كلها إلى ذبيحنا الوحيد العظيم فهناك نقرأ عن ذبيحة المحرقة التي تشير إلى المسيح كمن أنهى مسألة الخطية وأعلن مجد الله على القياس الأكمل ] اقرأ لاويين 1[ , ونقرأ عن ذبيحة السلامة التي تشير إلى الشركة مع الله على أساس السلام الذي صنعه المسيح بالصليب ] لاويين 1:3 – 17 , 11:7 – 34 [ , وكذلك عن ذبيحة الخطية , وذبيحة الإثم وهما تشيران إلى دينونة الله الشديدة ضد الخطية عندما وضع خطايانا على بديلنا القدوس ] اقرأ لا 4 و1:5 – 19 و 1:6 – 7 [ 0 ونحن نذكر هذه الذبائح باختصار تام , تاركين لمن يريد التوسع , أن يبحث لنفسه عن المعاني السامية لموت المسيح , كما هي موجودة في هذا السفر الجليل
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:25 PM   رقم المشاركة : ( 8668 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب في النبوات

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تذخر الأسفار النبوية , بنبوات صريحة عن موت المسيح كفاد للبشرية , وقبل أن أذكر هذه النبوات وإتمامها الواضح الصريح في شخص المسيح , أود أن ألفت نظر القارئ إلى ملاحظة هامة جداً في العهد القديم :
حدثنا ((آرثر جلاس)) في رسالة له بعنوان ((اسم يسوع في العهد القديم)) قال : ((لقد كان ما يتعبني في خدمتي مع اليهود هو سؤالهم : إذا يسوع هو المسيا الذي تنبأت عنه كتب العهد القديم , فكيف لم يذكر اسمه فيها بحصر اللفظ ولو مرة واحدة ؟ , ومع أن اسم ((المسيح)) قد ذكر بحصر اللفظ في نبوات كثيرة مثل دانيال 26:9 حيث نقرأ ((يقطع المسيح وليس له)) , إلا أنني لم أكن أجد اسم ((يسوع)) إلى أن فتح الروح القدس عيني في يوم ما , فهتفت من الفرح إذ وجدت نفس الاسم ((يسوع)) موجوداً في العهد القديم حوالي مئة مرة , من سفر التكوين إلى سفر حبقوق , نفس الاسم الذي بشر به جبرائيل الملاك ((مريم العذراء)) في لو 31:1 فأين نجد اسم ((يسوع)) في العهد القديم ؟ في كل مرة تذكر فيها النبوة كلمة ((خلاص)) مع ضمير المتكلم أو المخاطب أو الغائب نجد أن هذه الكلمة هي نفسها ((يسوع أو يشوع yeshua)) التي استعملت في متى 21:1 حين قال ملاك الرب في الحلم ليوسف ((فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم)) ولنذكر أن الملاك لم يتحدث إلى يوسف باللغة اللاتينية , أو الانجليزية , أو اليونانية , بل باللغة العبرانية وقد فهم يوسف ومريم معنى هذا الاسم , إذ كانت العادة في العهد القديم أن يسمى الناس أبناءهم بأسماء ذات معنى ] راجع تكوين 25:10 – و 32:29 وخر 10:2 [ وعلى هذا فإننا نستطيع القول بأن ملاك الرب حين تكلم إلى يوسف وقال له ((فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع)) قال بالعبرانية ((فستلد ابنا وتدعو اسمه خلاص yeshua لأنه يخلص شعبه من خطاياهم)) وقد لمعت أمامي هذه الآية بنور وضاح بعد تجديدي بأربع وعشرين سنة إذ رأيت كل تدبيرات العهد القديم في هذا الاسم العزيز المبارك
فدعونا نسير لنرى بأكثر وضوح أن الاسم العبراني ((يشوع yeshua)) هو نفسه اسم ((يسوع)) المذكور في العهد الجديد
عندما نام يعقوب على فراش الاحتضار , وبدأ يبارك بنيه , كان روح الله يعلن في بركته مستقبل أولاده وفي عدد 18 من الإصحاح 49 نقرأ الكلمات ((لخلاصك انتظرت يا رب)) , والكلمات في العبرانية ((ليشوعك انتظرت يارب)) ومعنى هذا أن يعقوب كان ينتظر ((يسوع)) الآتي
وفي مزمور 14:91-16 نقرأ هذه الآيات ((لأنك قلت أنت يا رب ملجأي جعلت العلى مسكنك لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق 0 أنقذه وأمجده 0 من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي)) , والكلمات الأخيرة هي في العبرانية ((وأريه يسوعي))
ونجد في سفر اشعياء كلمة ((يسوع)) في العبرانية بصورة جلية مباركة إذ نقرأ هذه الكلمات ((هوذا الله خلاصي فاطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصا)) أش 2:12
والكلمات في العبرانية ((هوذا الله يسوعي فاطمئن ولا أرتعب لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي ((يسوع)) , ثم تستمر النبوة قائلة ((فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص أي من ينابيع ] يسوع [))
ولكي أوكد هذا التفسير الصحيح , وأذكر حادثة عابرة حدثت معي , فقد تقابلت مرة مع شخص يهودي , ودار الحديث حول شخص يسوع ((مركز كل حديث جليل)) , وقد اعترض ذلك اليهودي بعدم وجود اسم يسوع في العهد القديم , ولم أجبه إجابة مباشرة , ولكنني طلبت إليه أن يترجم لي الآية الموجودة في أش 11:62 من العبرانية إلى الانجليزية , وكان الرجل أستاذاً في اللغة العبرانية فترجم الآية بسهولة عظيمة , وهذه هي ترجمته للآية ((هوذا الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض قولوا لابنة صهيون هوذا ((يشوعك)) آت ها أجرته معه وجزاؤه قدامه , وعندما انتهى من ترجمته أحمر وجهه , لأنه رأى أنه وضع سلاحاً بتاراً في يدي بترجمة ((مخلصك)) إلى كلمة ((يشوعك أو يسوعك)) , فهتف قائلا : مستر جلاس انك دفعتني لقراءة كلمة ((مخلصك)) بهذه الصورة فأجبته كلا : انك قرأت كلمة الله كما هي , أفلا تستطيع أن ترى أن كلمة ((مخلصك)) هي اسم شخص , وأن هذا الشخص آت , وأن أجرته معه , وجزاءه قدامه !! وعندئذ أسرع بإحضار كتابه العبراني وهو يقول : أنا واثق أن كتابي يختلف عن كتابك , فلما وجد أن النسختين واحد سلم بالحقيقة الواضحة.
ونحن نرى هذه الحقيقة أكثر لمعاناً في قصة سمعان الشيخ التي نقرأها في هذه الكلمات ((وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح كان عليه وكان قد أوحى إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب فأتى بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس أخذه على ذراعيه وقال ((الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك)) لوقا 25:2-30 والكلمات الأخيرة حرفياً ((لأن عيني قد أبصرتا يسوعك)) !! ويقينا أن الرجل لم يبصر يسوع فقط , بل لمسه , وحمله بين يديه , ففاض في قلبه الإحساس بالفرح العميق لرؤياه ((يسوع الله – خلاص الله))
وإذ رأينا اسم يسوع ظاهراًُ بهذه الكيفية في أسفار العهد القديم , سأكتفي فيما يلي من حديث بذكر خمسة وعشرين نبوة , وردت في العهد القديم متضمنة تسليم , ومحاكمة , وموت , ودفن ربنا يسوع المسيح وقد نطق بها أنبياء كثيرون في أزمنة مختلفة من سنة 1 إلى سنة 5 قبل المسيح , أي مدة خمسة أجيال , ولكن هذه النبوات قد تمت كلها حرفيا في شخص المسيح خلال أربع وعشرين ساعة أي في يوم واحد , هو يوم الصليب الخالد المجيد , فلنتابع في إخلاص هذه النبوات وكيف تمت في ربنا يسوع المبارك
1- بيع المسيح بثلاثين من الفضة

نقرأ في سفر زكريا هذه النبوة ((فقلت لهم أن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة)) زكريا 12:11 , وقد تمت هذه النبوة وذكرها متى البشير قائلا ((وحينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي إلى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم فجعلوا له ثلاثين من الفضة)) متى 14:26 و 15
2- سلم المسيح لليهود صاحب من تلاميذه

وقد تنبأ عن ذلك صاحب المزمور فقال ((لأنه ليس عدو يعيرني فأحتمل ليس مبغضي تعظم علي فأختبئ منه , بل أنت إنسان عديلى الفى وصديقي 0 الذي معه كانت معه تحلو العشرة إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور)) مز 12:55 -14 0 كما جاءت هذه النبوة في مزمور آخر ((أيضا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليّ عقبه)) مز 9:41 , وتمت هذه النبوة وذكرها متى أيضاً قائلا ((وفيما هو يتكلم إذا يهوذا واحد من الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة فللوقت تقدم إلى يسوع وقال السلام يا سيدي 0 وقبله 0 فقال له يسوع ياصاحب لماذا جئت حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه)) متى 47:26 و49و50
3- الفضة التي أخذها يهوذا ثمناً لتسليم المسيح ألقيت إلى الفخارى

وهذه النبوة ذكرها زكريا بقوله ((فقال لي الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذي ثمنوني به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى في بيت الرب)) زكريا 13:11 وتمت هذه النبوة ونقرأ عن إتمامها ((فطرح ] يهوذا [ الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم : فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء)) متى 5:27 -7 ولاحظ أنه في كل من النبوة وإتمامها نتحقق ( 1 ) أن الثمن كان من الفضة ( 2 ) وكان الثمن ثلاثين من الفضة مت 3:27 (3 ) وأنه ألقى ( 4 ) وقد ألقى في بيت الرب ( 5 ) وقد استخدمت الدراهم في شراء حقل الفخاري0
4- تلاميذ السيد المسيح تركوه وهربوا

وتقول النبوة ((اضرب الراعي فتتشتت الغنم)) زكريا 7:13 وقد تمت حرفياً اذ نقرأ ((تركه التلاميذ وهربوا)) مت 56:26 ] اقرأ أيضا مرقس 50:14 [.
5- الشهود الذين شهدوا ضد المسيح كانوا شهود زور

وهذه هي النبوة ((شهود زور يقومون وعما لم أعلم يسألونني)) مزمور 11:25 , وتمت هذه النبوة في يوم الصلب ((وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه فلم يجدوا. ولكن أخيراً تقدم شاهدا زور)) مت.59:26
6- ضرب المسيح , وبصق على وجهه

وقد جاء هذا في النبوة القائلة ((بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين وجهي لم أستر عن العار والبصق)) اش 6:50 وتمت هذه النبوة في الكلمات ((حينئذ أطلق لهم ] بيلاطس [ باراباس وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب)) مت 26:27 ((حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه)) متى 67:26 وجدير بالملاحظة أن نرى التفاصيل المتفقة في كل من النبوة وإتمامها فيسوع قد ( 1 ) ضرب ( 2 ) وضرب على وجهه وكذلك على كل أجزاء جسمه ] اقرأ لوقا 64:22 [ ( 3 ) وبصق عليه
7- كان المسيح صامتا أمام المشتكين عليه

وهذا ما ورد في النبوة ((ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أم جازيها فلم يفتح فاه)) اش 7:53 وهذا ما جاء عن إتمامها ((وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء فقال بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك فلم يجبه ولا كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً)) مت 12:27 -14.
8- جرح المسيح وسحق لأجل آثامنا

تقول النبوة ((وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا)) اش 5:53 وجاء إتمامها في الكلمات ((فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده وضفر العسكر إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان
وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه)) يو 1:19 -3.
9- سقط المسيح تحت الصليب من فرط الإعياء

وهذا ما جاء في النبوة ((ركبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن)) مز 24:109 , وقد تمت هذه النبوة في الكلمات ((فخرج ] يسوع [ وهو حامل صليبه)) يو 17:19 , ولأنه لم يقو على حمل الصليب من فرط ضعفه نقرأ ((ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلا قيروانياً ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع)) لو 26:23.
10- ثقب الجنود يديه ورجليه على الصليب

وهذا ما جاء في النبوة ((لأنه قد أحاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتني ثقبوا يدي ورجلي)) مز 16:22 وتمت هذه النبوة حرفياً ((ولما مضوا إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك)) لو 33:23 , وقد صلب المسيح له المجد بالكيفية التي اعتادها الرومان , إذ ثقبوا يديه ورجليه بمسامير كبيرة حتى يثبت الجسد بالصليب وهذا ما نجده واضحاً في إنجيل يوحنا إذ قال توما ((إن لم أبصر في يديه أثر المسامير لا أومن)) وقد جاء السيد بعد قيامه وقال له ((هات أصبعك وأبصر يديّ)) يوحنا 25:20 و27.
11- صلب المسيح مع لصوص

وقد قالت النبوة ((وأحصى مع آثمة)) اش 12:53 وتمت في الكلمات ((وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره فتم الكتاب القائل وأحصى مع آثمة)) مر 27:15 و 28.
12- صلى السيد لأجل مضطهديه

وهذه هي النبوة ((وشفع في المذنبين)) اش 12:53 وهذا إتمامها ((فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون)) لو 34:23.
13- هز الناس رؤوسهم حينما رأوه على الصليب

قالت النبوة ((وأنا صرت عاراً عندهم ينظرون اليّ وينغضون رؤوسهم)) مز 25:109 وتمت في القول ((وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم)) مت 39:27.
14- استهزأ الناس بالمسيح المصلوب

وجاء هذا في النبوة ((قائلين اتكل على الرب فلينجه لينقذه لأنه سر به)) مز 8:22 لاحظ عدد 7 0 وتمت النبوة تماماً إذ نقرأ ((وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده)) مت 41:27 و43.
15- نظر الشعب باستغراب إلى شخص المصلوب

وهذا ما قالته النبوة ((وهم ينظرون ويتفرسون فيّ)) مز 17:22 وهذا إتمامها ((وكان الشعب واقفين ينظرون)) لو 35:23.
16-اقتسم الجنود ثياب المسيح وألقوا عليها القرعة

وقد ذكرت النبوة هذا بالقول ((يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون)) مز 18:22 , وجاء إتمامها في الكلمات ((ثم إن العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسما وأخذوا القميص أيضا وكان القميص بغير خياطة منسوجاً كله من فوق فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة)) يو 23:19 و24 , وما أدق هذه النبوة الموحى بها , فثياب المسيح قسمت بين العسكر , وأما القميص فلكي لا يمزقوه ألقوا عليه القرعة ووقع من نصيب أحدهم , وهذه حقائق كانت تبدو حسب الظاهر متضادة لولا أن أوضحتها حوادث الصليب.
17- صرخ المسيح صرخة الإحساس بالهجران

وتقول النبوة في مزمور الصليب ((الهي الهي لماذا تركتني)) مز 1:22 وقد تمت في القول ((فصرخ ] يسوع [ بصوت عظيم قائلا الهي الهي لماذا تركتني)) متى 46:27.
18- أعطوه مراً وخلاً

وهذه هي النبوة ((ويجعلون في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني خلا)) مز 21:69 , وهذا إتمامها ((بعد هذا قال أنا عطشان وكان إناء موضوعاً مملوءاً خلا فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه)) يو 28:19 و29.
19- استودع روحه في يدي الآب

وقد قالت النبوة ((في يدك استودع روحي)) مز 5:31
وجاء إتمامها في الكلمات ((ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي)) لو 46:23.
20- أصحاب المسيح وقفوا بعيداً

وهذه هي النبوة ((أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيداً)) مز 11:38 , وتمت حرفياً ((وكان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك)) لو 49:23.
21- لم تكسر عظام المسيح

واليك ما جاء في النبوة ((يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر)) مز 20:34 , وما جاء عن إتمامها ((وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه)) يو 33:39 و36 , ويليق بنا أن نقف عند نبوتين أخريين بخصوص عظامه , ففي مزمور 14:22 يقول ((انفصلت كل عظامي)) , فالتعليق على الصليب من اليدين والرجلين كاف بأن يفصل عظامه خصوصاً عندما نتذكر أن جسده علق على الخشبة وهي موضوعة على الأرض , وفي مزمور 17:22 نقرأ ((أحصى كل عظامي)) , ونقدر أن نفهم هذه العبارة عندما نعرف أن المسيح قد ترك معلقاً على الصليب عرياناً يوحنا 23:19 , ولذا فقد كان من الممكن أن ترى عظامه وهو في هذا الوضع الأليم , إذ أن امتداد الجسد , وآلام الصلب جعلت العظام واضحة حتى كان من الممكن أن تعد
22- ذاب قلب المسيح على الصليب

وهذا ما ذكرته النبوة ((صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي)) مز 14:22 , وتمت النبوة في الكلمات ((لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء)) يو 34:19 ويقيناً أن خروج الدم من الجنب المطعون , يدل دلالة أكيدة على أن القلب قد انفجر حقيقة
23- طعنوه في جنبه

واليك النبوة ((فينظرون إلى الذي طعنوه)) زك 10:12 واليك إتمامها ((لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة)) يو 34:19 ] اقرأ أيضا الأعداد 35-37 [.
24-ظلام يوم الصلب

قالت النبوة ((ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب إني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور)) عاموس 9:7 وتمت هذه النبوة إذ نقرأ ((ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة)) مت 45:27 , وجدير بالذكر أن نقول : ((إن اليهود كانوا يحسبون اليوم اثنتي عشرة ساعة من شروق الشمس إلى غروبها – ومعنى ذلك أن الساعة السادسة هي الظهر تماماً , وأن الساعة التاسعة توافق الساعة الثالثة بعد الظهر)).
25- دفن في قبر إنسان غني مع أنه مات مع لصيّن

وهذا ما ذكرته النبوة ((وجعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته)) اش 9:53 , وقد تمت النبوة تماماً في الكلمات ((ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف وكان هو أيضا تلميذاً ليسوع فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي , ووضعه في قبره الجديد)) مت 57:27 -60.
هذه النبوات الواضحة الصريحة , التي شغلت مئات السنين , ما معنى أن تتم حرفيا في شخص واحد وخلال يوم واحد ؟!؟
إن إتمام هذه النبوات يقدم لكل عقل بعيد عن الغرض برهانا قويا , على أن الكتاب المقدس موحى به من الله الذي يعرف النهاية من البداية , وعلى أن العهد القديم هو عهد الرموز والنبوات التي تشير كلها إلى شخص المسيح , وعلى أن اليهودية هي ديانة الرموز والظلال , التي كان لابد أن تأتي المسيحية بعدها لأنها ديانة الحق المتجسد في يسوع المصلوب , وعلى أن يسوع المسيح هو فعلاً وحقاً مخلص البشرية , وعلى أن إتمام هذه النبوات كان ((لكي تكمل كتب الأنبياء)) مت 56:26 في المخلص الموعود من الله , كما يقول يوحنا التلميذ الحبيب ((وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح هو ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه)) يوحنا 31:20.
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:34 PM   رقم المشاركة : ( 8669 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شخصية المصلوب
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


كان الصليب قبله لعنة كبرى ((لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة)) غلا 13:3 , لكنه أضحى بعد أن صلب هو عليه زينة للتيجان , وحافزاً للخدمة والتضحية في كل ميدان
فمن هو هذا الشخص الذي حوّل الصليب الملعون إلى صولجان يقود به جماهير الشعوب ؟!! هل هو مجرد نبي ظهر في فلسطين ؟ أم هو مصلح اجتماعي أراد أن يرفع حياة البشر ؟ أم هو عبقري فذ من عباقرة التاريخ ؟ أم هو صاحب رسالة جاء ليؤدي الرسالة التي آمن بها ؟ أم هو فوق الأنبياء, والمصلحين , والعباقرة , وأصحاب الرسالات ؟
لقد ظهر في التاريخ عشرات من الرجال العظام أمثال سقراط , وأفلاطون , وأرسطو , والاسكندر , ونابليون, وتولستوي , وبوذا , وكونفوشيوس , وغاندي , لكن هؤلاء جميعاً يبدون كالشهب , أمام نور هذا الكوكب !! أجل فيسوع المسيح أعظم من كل هؤلاء , وفوق كل هؤلاء !! ويذكر دكتور زويمر عدة أسباب تؤكد عظمة شخصية المسيح ,وأول هذه الأسباب أن التاريخ نفسه قد وضع المسيح في مركز مسرحه العظيم , فكل حادثة تؤرخ من تاريخ ميلاده , وكل الصحف , والمجلات , والكتب في الشرق والغرب تحصي الزمن ابتداء من هذا التاريخ , الذي صار حدا فاصلا في حياة البشر , كسهم من النور شق كبد الليل , ففصل بين الظلام وسناء السحر
أما السبب الثاني الذي يؤكد عظمة المسيح فهو : أنه أجاب إجابات قاطعة عن كل الأسئلة العميقة الصعبة التي جالت بعقول الفلاسفة فأراق نوراً ساطعاً على الحياة والمصير !! والحق والشخصية !! والله والطبيعة !! وأجاب عن أسئلة المفكرين المتسائلين : أين نحن ؟ والى أين المصير ؟ ولماذا نحن في هذا العالم الشرير ؟ وما سر الألم في حياة البشر ؟! أجل أجاب المسيح عن كل هذه الألغاز العسيرة الفهم إجابات جامعة مانعة !!
وهناك سبب ثالث يؤكد عظمة شخصية المسيح , وهو أن الفن في بلدان الغرب , وفي آسيا وأفريقيا , قد طرح عند قدمي الناصري أبدع ما جاد به من تحف فالموسيقى الأوربية قد سمت إلى أوج جمالها وجلالها في ألحان ((هاندل)) و ((موزار)) التي ألفاها لتمجيد المسيح , والحجارة الصماء نطقت في جلال وروعة بين يدي ((ميخائيل انجلو)) عندما أقام منها هذه المشاهد الرائعة لحياة المسيح وفن البناء قد وصل إلى أعلى ذرى الجلال حين شاد المهندسون الكاتدرائيات الكبرى لأجل المسيح
وفوق هذا كله فان المسيح في كل الأديان هو المقياس الأعلى للأخلاق , قال هذا الغزالي حجة الإسلام , وأكده جلال الدين الرومي , واعترف به غاندي , والى اليوم لم يستطع مؤرخ , ولم يجرؤ ملحد على أن يقول انه عثر في حياة المسيح على مسة من الإثم أو مسحة من الضعف
فهل يمكن أن نمر بشخصية عظيمة دون أن نعطيها حقها من الدرس, ونعرف مقوماتها الضخمة العميقة
إن الخلاص للنفس يدفع المرء إلى التساؤل عن حقيقة شخصية المسيح , ذلك لأنه بالنسبة للموقف الذي يقفه الإنسان بإزاء هذه الشخصية يتوقف مصيره في الأرض , وفي الحياة الآتية ولكي نتحقق شخصية المسيح , لابد لنا أن نعرف شهادة أصدقائه , وشهادة أعدائه , وشهادته هو عن نفسه , وشهادة الله عنه.
شهادة الحواريين :

سأل السيد المسيح يوماً تلاميذه قائلا ((من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان ؟ فقالوا قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون أرمياء أو واحد من الأنبياء فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا ؟ فأجاب بطرس وقال : أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان ابن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات)) مت 13:16 -17
فالحواريون آمنوا بأن المسيح هو ((ابن الله الحي)) , ولا يغرب عن بالنا أن هؤلاء الحواريين كانوا يهوداً من الذين يعرفون الوصية القائلة ((أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر لا يكن لك آلهة أخرى أمامي)) تث 6:5 و7 , ومع ذلك فإنهم رغم اطلاعهم عن قرب على حياة السيد المسيح , وتدوينها للناس بما فيها من فقر وتعب ونوم وأكل وحزن وأنين ودموع وموت , فإنهم عبدوه وقدموه للناس كالمخلص وصلوا باسمه , واعترفوا بأنه ((ابن الله الحي)) , ويوحنا الذي اتكأ على صدره أعلن بأنه الكلمة الأزلي وسجل في غير تردد ما فعله توما حين سجد له قائلا ((ربي والهي)) يو 28:2 , وفي هذا كله ما يثير في العقل المخلص التفكير !!
ونجد إلى جوار اعتراف الحواريين إشارة إلى ((صيت المسيح أو سمعته)) , وشهادة عن ((أخلاقه)) فيما ذكره الحواريين للسيد عن آراء الناس فيه , ويجدر بنا أن نفهم أن ((الصيت)) ليس هو الأخلاق فصيت الإنسان هو الظل الذي يلازمه في نور النهار , وقد يكون طويلاً أو قصيراً , وقد يكون مجرد شائعات لا أساس لها في حياة صاحبها !! أما الأخلاق فهي ما تنطوي عليه النفسية في الظلمة عندما يختلي المرء إلى ربه و ضميره والآراء التي ذكرها تلاميذ المسيح في معرض حديثهم , ترينا الصور المرتسمة في أدمغة الناس عنه , وكل صورة من هذه الصور ترسم ناحية من نواحي العظمة الحقيقية التي تجلت في شخصه الكريم فقد قال بعضهم ((انه يوحنا المعمدان)) فرأوا فيه داعية التوبة , وموبخ الخطية والرياء والتستر , ورجل الشجاعة الأدبية المنادى بعصر جديد , وقد كان يسوع المسيح هذا كله , بل أكثر من هذا كله
وقال آخرون : انه ((إيليا)) ! نبي الله , ورجل الصلاة , وصانع المعجزات وقطعاً كان يسوع أعظم من إيليا. وقال آخرون انه : ((أرمياء)) رجل الأوجاع ومختبر الحزن ؟ الذي بكى على شعبه المرتد , والذي تقوس ظهره تحت عبء خطاياهم وقد كان يسوع المسيح , رجل أوجاع وأحزان , بكى على أورشليم العاصية , وكسر فؤاده لأجل البشرية , ولكنه كان أعظم من أرمياء بغير جدال
شهادة الأعداء :

والآن ! ما هي شهادة أعداء المسيح عنه ؟ في مرة أرسل رؤساء اليهود خداماً ليقتنصوا يسوع , ويقبضوا عليه ويأتوا به إليهم , لكن الخدام عادوا دون أن يلقوا الأيادي على المسيح ولما سألهم الرؤساء : لماذا لم تأتوا به ؟ أجاب الخدام ((لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان)) يو 46:7
ويهوذا بعد أن باعه لرؤساء الكهنة والشيوخ ثار عليه ضميره ورد الثلاثين من الفضة إليهم قائلا ((قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً))
وبيلاطس الوالي الروماني لما رأى فشل محاولاته لإنقاذ المسيح من الموت , أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلا ((إني بريء من دم هذا البار)) مت 24:27
ورؤساء الكهنة قالوا عنه وهو على الصليب ((خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها)) مت 42:27
وقائد المئة الذي تولى عملية الصلب , والذين معه يحرسون يسوع قالوا ((حقاً كان هذا ابن الله)) مت 54:27.
شهادة المسيح عن نفسه :

ودعونا نخلع أحذيتنا من أرجلنا , ونستمع إلى المسيح وهو يشهد لنفسه , فشهادته لها كل الاعتبار , ذلك لأن قصة حياته فريدة لا تدانيها قصة أخرى لعظيم من العظماء , كما قال نابليون بونابرت وهو يتحدث في منفاه إلى الجنرال ((برترند)) عن شخصية الكريم ((إن المقارنة بين يسوع وغيره من البشر مستحيلة : لأنه في مكانة خاصة به لا يدانيه فيها أحد فولادته , وقصة حياته , وعمق تعاليمه هذه كلها أسرار عميقة تدفعني إلى التأمل والتفكير العميق , ومع ذلك فلست أستطيع أن أنكرها أو أعللها))
أجل ! إن شخصية المسيح فوق كل الشخصيات !! فقد كان معجزة في ميلاده إذ ولد من عذراء قديسة بغير رجل , وكان معجزة في حياته إذ عاش بلا خطيئة , وكان هو رب المعجزات , فأسكت البحر والرياح , وشفى الأبرص , وأعاد إلى الأكمه البصر , وجعل المقعد يقفز كالأيائل , دون أن يطلب ممن شفاهم أجراً !! وأقام الموتى من قبورهم , فأعلن قدرته على الموت
فلنصغ اذاً في وقار واحترام وخشوع إلى شهادته عن نفسه فقد قال ((أنا هو الطريق والحق والحياة)) يو 6:14 ((أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة)) يو 12:8 ((أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق)) يو 23:8 ((أنا في الآب والآب فيّ)) يو 10:14 ((الذي رآني فقد رأى الرب)) يو 9:14 ((قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن)) يو 58:8 ((إن ههنا أعظم من الهيكل)) مت 6:12 ((هوذا أعظم من سليمان ههنا)) مت 42:12 ((تعالوا اليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم)) مت 28:11.
ويقف الباحث المدقق أمام أقوال المسيح أحد موقفين , فإما أن يقرر بأن هذه الأقوال مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة , ومعنى هذا أن يكون المسيح أكبر مجدف ظهر في التاريخ , لأنه ادعى أنه نور العالم , والطريق والحق والحياة , وأنه من فوق وليس من هذا العالم , وأنه في الآب والآب فيه , وأن الذي رآه فقد رأى الآب , وأنه كائن قبل ابراهيم , وأنه أعظم من الهيكل وليس أعظم من الهيكل غير الله الذي يعبد فيه , وأنه أعظم من يونان , ومن سليمان , وأنه يستطيع أن يريح جميع المتعبين والثقيلي الأحمال , وهذه كلها ادعاءات فوق طاقة الإنسان البشري , أو أن يقرر بأن ما قاله المسيح هو الصدق الكامل والحق الصراح !! والمنطق السليم يرينا أن المسيح قد تكلم الصدق الكامل , ذلك لأن مقدمات حياته , ترسم خطوط نتائج هذه الحياة , فذاك الذي ولد من عذراء , وعاش بلا خطية وأجرى هذه المعجزات هو يقيناً شخص منزه عن الكذب , واذاً فلابد أن يكون ما قاله عن نفسه هو الحق الذي لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه , واذاً فالمسيح هو ((ابن الله))
شهادة الله :

ومع كل ما تقدم من شهادات عندنا أيضاً شهادة الله , فثلاث مرات نقرأ أن الحجاب بين السماء والأرض قد انشق , ثلاث مرات شذت السماء عن صمتها وتكلم الله ليشهد للمسيح الكريم , أول مرة عند معمودية المسيح في نهر الأردن , إذ عندما صعد من الماء ((وإذ السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السموات قائلا : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)) مت 16:3 و17
والمرة الثانية حين كان فوق جبل التجلي ومعه يعقوب وبطرس ويوحنا , وإذ بوجهه يلمع كالشمس وثيابه تصير بيضاء كالنور وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه وإذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا : ((هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا)) مت 3:17 و5 , وقد طبعت هذه الحادثة آثاراً عميقة في عقل بطرس , فكتب عنها في رسالته الثانية قائلا : ((لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفنا كم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجداً إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس)) 2 بط 16:1 -18 أما المرة الثالثة التي تكلم فيها الله شاهداً لمجد يسوع وعظمته فكانت عندما زاره نفر من اليونانيين في الهيكل بأورشليم , فبينما كان يسوع يصلي قائلا ((أيها الرب مجد اسمك فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضا فالجمع الذي كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد وآخرون قالوا قد كلمه ملاك أجاب يسوع وقال ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم)) يو 28:12-30 وكل هذه الشهادات تؤكد لنا أن المسيح هو ((ابن الله)) !!
لكن ماذا تعني العبارة ((ابن الله ؟)) هل تعني أن الله اتخذ له ولداً سبحانه ؟ أم أن لها معنى خاص في كتابات الوحي المقدس ؟
لقد فهم اليهود من هذا التعبير أن المسيح يقصد مساواته بالله أو الآب !! يو 18:5.
ويقيناً أن كلمة ابن الله لا تعني أن الله اتخذ له ولداً , لأن الله لم يلد ولم يولد , ولكنها تعني صلة سرية خاصة فريدة بين الله والمسيح , فكما يقال والقياس مع الفارق ((ولد العين)) تعبيراً لوصف جوهر العين , كذلك المسيح هو ((رسم جوهر الله)) عب 3:1 وهو ((ابن الله)) بهذا المعنى , أي أنه تعبير الله عن ذاته تعالى كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين ((الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه)) عب 1:1 , وجدير بنا أن نلاحظ أن الله كلم الآباء بالأنبياء , أي بواسطة الأنبياء , لكنه كلمنا في هذه الأيام الأخيرة ((في ابنه)) أي جاء هو في ابنه , أو كما يقول يوحنا في غرة إنجيله ((في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله والكلمة صار جسداً وحل بيننا الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر)) يو 1:1 و14و18 ! فالمسيح هو ابن الله بمعنى أنه كلمة الله , والكلمة هي الوسيلة التي يعبر بها الشخص عن وجوده , وأفكاره , ويتصل بها مع غيره ! وإذا تساءل الإنسان ((ليت شعري ما هو شبه الله ؟)) فالجواب السديد على هذا هو المسيح المكتوب عنه ((الكلمة صار جسداً وحل بيننا)) فهو ((صورة الله غير المنظور)) و ((بهاء مجده ورسم جوهره)) وهو الذي أعلن لنا صفات الله , وأظهر لنا بحياته وموته على الصليب مكنونات قلبه
ومع أن المسيح هو ابن الله , كذلك هو ابن الإنسان , وكما قال عن نفسه انه ابن الله في قوله ((ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له)) مت 27:11 , كذلك أعلن أنه ابن الإنسان في قوله ((لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك)) لو 10:19 فهو ((ابن الإنسانية)) الذي ولد لكي يمثل الإنسان , ويشاركه في أتعابه , وضعفه وآلامه , ويجرب تعبه , وحزنه وبكاءه , وهو ((ابن الله)) الذي جاء لكي يخلص الإنسان !
ولماذا كان من الضروري أن يكون فادي البشر ومخلصهم إنساناً والهاً في وقت واحد ؟!
والجواب على ذلك أن هناك عدة مميزات ضرورية لشخصية الفادي لا يمكن أن تنطبق إلا على شخص يكون إنساناً والهاً معاً , وسندرس فيما يلي من حديث هذه المميزات لنرى مدى انطباقها على شخص المسيح الكريم
1- المميز الأول لشخص الفادي هو أن يكون مساويا لمن يفديهم :

فالفادي الذي يتصدى لفداء البشر يجب أن يكون إنساناً , له جسم من اللحم والدم , وعلى هذا فان أي ملاك ليس في مقدوره أن يقوم بعملية الفداء , لأن الملاك روح , وهو في مركز يخالف مركز البشر , ولذا فهو لا يستطيع أن يفديهم
وكذلك الحيوان لا يصلح لفداء البشر , لأنه ليس منهم ولا في درجتهم ولذا فان دمه لا يرفع خطاياهم كما يقول كاتب العبرانيين ((لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر)) عب 4:10
اذاً فلماذا أمر الله بني إسرائيل بتقديم الذبائح الحيوانية للتكفير عن خطاياهم ؟ ومع أننا أجبنا على هذا السؤال في فصل سابق إلا أننا نقرر من جديد : أن الله وهو يتعامل مع شعبه في أيام بداوته كان يريد أن يظهر للناس خطورة الخطية , وعاقبتها المرة القاسية بوسائل محسوسة تقدر عقولهم البدائية على فهمها وإدراكها , فكان لابد أن يصور لهم الموت , وهو أجرة الخطية بعملية يمكنهم رؤيتها بعيونهم , وفهم فحواها بعقولهم , ففي الذبيحة الحيوانية يعلن للخاطئ الأثيم ما يستحقه من موت مجسما من ناحيته الزمنية في ذبح الحيوان ومن ناحيته الأبدية في حرقه بالنار , فكان الخاطئ في عقليته البدائية يدرك بهذه الكيفية الملموسة أن أجرة الخطية هي موت بالنسبة للحياة الجسدية الأرضية , وحرق في جهنم حيث الدود لا يموت والنار لا تطفأ بعد الدينونة النهائية , ولكن هذه الذبائح لم يكن لها سلطان البتة أن تنزع الخطايا إذ لم تكن سوى رمز للفادي الآتي وما دام البشر أنفسهم في حاجة إلى ذبائح للتكفير عنهم , فمعنى هذا ضمناً أن أحداً من البشر لا يستطيع أن يفدي البشرية الساقطة , ((لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله)) رو 22:3 و23 ((وأجرة الخطية هي موت)) فهل في مقدور من حكم عليه بالموت أن يفدي شخصاً آخر تحت هذا الحكم ؟ وكيف يستطيع المفلس أن يسدد ديون المفلسين !؟
إذن فأين نجد الشخص الذي يمكن أن نعتبره من البشر , وفي ذات الوقت يساوي البشر أجمعين ليستطيع أن يقدم ذبيحة كافية عن البشر منذ سقط آدم إلى اليوم الأخير ؟!
هنا يظهر لنا شخص المسيح في مجده وعظمته , فهو إنسان باعتباره قد تجسد من مريم العذراء , لأنه ((أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب)) في 5:2-8 وهو مساو للبشرية بأسرها باعتباره خالق البشرية كما يقول عنه يوحنا ((كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس)) يو 3:1و4 , ومن هنا نرى أن هذا المميز قد وجد في شخص المسيح باعتباره ((الإنسان)) ((وخالق الإنسان)) في وقت معاً
2- المميز الثاني لشخص الفادي هو أن يكون خاليا من الخطية :

لقد رأينا موكب البشرية رازحاً بجميع أفراده تحت وطأة الخطية , لكن الفادي يجب أن يكون شخصاً كاملا لم يرث الخطية , وليس لها وجود في حياته , وقطعاً لا يستطيع أحد من الأنبياء , أو القديسين , أو البشر العاديين أن يدعي هذا الدعاء , فداود وهو أحد الكتاب الملهمين يقرر هذه الحقيقة ((هاأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي)) مز 5:51 وبولس الرسول يكتب قائلا ((من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع)) رو 12:5 ومن هذه الكلمات نرى حقيقة عمومية الخطية , وندرك أن كل بشر يولد وفي قلبه بذرة الشر والعصيان
لكن شخص المسيح المبارك كان خالياً من الخطية يؤكد لنا هذه الحقيقة كلمات الملاك ليوسف خطيب مريم حين قال له في الحلم ((يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس)) مت 20:1.
وعلينا أن نذكر هذه الحقيقة وهي : أنه مع أن المسيح تجسد في صورة بشر , لكن جسده كان معداً بترتيب خاص , كما يقول كاتب العبرانيين ((ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً)) عب 5:10 وقد كان هذا الجسد هو شبه جسد الخطية ولكنه كان بلا خطية , كما كانت الحية النحاسية في شكل الحية الحقيقية لكنها خالية من سمها , وكما يقول بولس الرسول ((فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد)) رو 3:8 , وقد حبل بهذا الجسد من الروح القدس كما قال جبرائيل الملاك للعذراء ((الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله)) لو 35:1 وكما خلق آدم الأول خاليا من الخطية كذلك كان لابد أن يولد آدم الثاني خالياً من الخطية فالمسيح له المجد ((قدوس بلا شر ولا دنس انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات)) عب 26:7 , لم يرث خطية آدم في جسده كما قال عن نفسه ((رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء)) يو 30:14 , ولذا فالرسول يكتب عنه قائلا ((لأنه فيه سر أن يحل كل الملء)) ((فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا)) كو 19:1 و 9:2 فجسد المسيح الكامل المهيأ , كان هو مسكن الله عندما جاء ليصالح البشر ويوفي قصاص خطاياهم , ولذا فقد كان له من كفايته الشخصية قدرة على فداء البشر أجمعين , وبهذا استطاع أن يحمل ((خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر)) 1 بط 24:2.
3- المميز الثالث لشخص الفادي هو أن يثبت بالتجربة كماله بعصمته عن الخطية :

خلق الله آدم الأول في حالة البر والقداسة والكمال , لكن آدم الأول أصغى لصوت الحية , وسقط في الخطية وهكذا أسقط معه الجنس البشري كله باعتباره رأسه والنائب عنه !! وكان لابد اذاً من وجود شخص خال من الخطية , يثبت بالامتحان أنه معصوم عنها , وقد انتصر عليها , حتى يستطيع أن يفدي البشر الرازحين تحت سلطانها !! فهل استطاع نبي من الأنبياء أو رسول من الرسل أن يحيا في عصمة من الخطية طوال حياته ؟ الكتاب المقدس يقرر لنا أنه ((لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحا ولا يخطئ)) جا 10:7
أما شخص المسيح الكريم فقد قضى حياته كلها دون أن يفعل خطية كما يشهد عنه بطرس الرسول قائلا ((الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر)) 1 بط 22:2 فقد عاش على أرضنا الذي استشرى فيها وباء الخطية أكثر من ثلاث وثلاثين سنة , وأحاط به الأشرار في كل مكان , فأكل معهم وتحدث إليهم , وجرب من إبليس في البرية وفوق الصليب لكنه دحر إبليس في كل معركة , ولم يستطع أحد أن يلوث حياته بمسة من إثم , ولذلك يقول عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين ((مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية)) عب 15:4 ويتحدى له المجد الفريسيين الذين كرهوه , وفتحوا عيونهم علهم يرون في حياته نقطة ضعف , أو لمحة خطيئة قائلا لهم ((من منكم يبكتني على خطية)) يو 46:8 !! فهل استطاعوا أن يجدوا فيه شراً !! كلا ! إنهم هربوا من أمام نور وجهه في خوف ورهبة !
وبيلاطس الوالي الروماني يقرر عنه هذا التقرير الرسمي الواضح ((لست أجد في هذا الإنسان علة))
هو اذاً الظافر المنتصر , الذي أثبت بالامتحان الصعب ظفره وانتصاره, وجاز الامتحان في نجاح تام عجيب , ولذا فهو وحده الذي يقدر أن يفي العدالة حقها , وأن يخلص البشر الساقطين , ويعين المجربين
4- المميز الرابع لشخص الفادي هو أن يكون ملكا لنفسه حتى يستطيع أن يقدم نفسه فداء لغيره :

إن المخلوق هو بطبيعة الحال ملك لخالقه , وبالتالي فهو لا يستطيع أن يتصرف في نفسه كما يشاء لأنه لا يملك نفسه , وكل بشر دب على هذه الأرض هو أحد خلائق الله , فنحن اذاً نحتاج إلى فاد غير مخلوق ليكون ملكا لنفسه , ويقدم نفسه لفداء البشرية التي ضلت سواء السبيل لكن كيف يمكن أن يكون المرء إنساناً وغير مخلوق في وقت واحد ؟ وأين هو الشخص الإنساني الذي لم يخلق كسائر الناس ليكون ملكا لنفسه وله سلطان أن يضع نفسه عن البشر أجمعين ؟ إننا لا نجد في التاريخ شخصاً تنطبق عليه هذه المميزات سوى شخص المسيح , فهو مولود ولكنه غير مخلوق , لأنه لم يأت بطريق التناسل الطبيعي , وهو في ذات الوقت الله خالق كل الأشياء بكلمة قدرته !!
وقد يعترض معترض بالقول : إن مجيء الله في صورة إنسان يجعل من الله حادثاً , والحادث مخلوق وليس خالقاً !! لكن هذا المعترض ينسى أن الله ظهر في صورة شتى لأنبياء القدم , ومع ذلك فلم يعتبر ظهوره لهم حادثاً !! فقد ظهر الله لموسى في عليقة خر 4:3 وظهر لمنوح والد شمشون في صورة رجل قض 22:13 وظهر كذلك لإبراهيم تك 18 ولم يقل أحد يومئذ أن الله صار حادثاً , لأنه جلت قدرته قادر على كل شيء , وفي استطاعته أن يتجسد في صورة بشر وأن يكون في ذات الوقت مالئاً للكون كله , وهذا ما قاله السيد له المجد في حديثه مع نيقوديموس ((ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء الذي هو في السماء)) يو 13:3 فبينما كان يتحدث مع نيقوديموس على أرض فلسطين قال له انه أيضاً في السماء , وليس في تجسد الله أي أهدار لكرامته , بل على العكس إن تجسده يثير الحب في قلوب مخلوقاته , سيما عندما يدركون أنه تجسد في سبيل فدائهم , وإظهار حب قلبه لهم
وعلى هذا فان المسيح الكريم قد تميز بهذا المميز الجليل , فقال عن نفسه ((ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً)) يو 18:10 , أجل انه له المجد , قد قدم نفسه طوعاً واختياراً , لأنه يملكها , وليس لأحد آخر سلطان عليه ليأخذها منه , وكان الحب هو دافعه لتقديم نفسه لأجل البشر , ولذا فقد هتف له بولس قائلا ((ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي)) غلا 20:2 , ووضعه مثالا للمحبة المضحية أمام المؤمنين في أفسس إذ قال لهم ((اسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة)) اف 2:5 وحض الرجال على محبة زوجاتهم فأعطاهم المسيح كمثال لهذا الحب قائلا ((أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها)) أفسس 25:5 , وتحدث لأهل غلاطية عن غرض تضحية المسيح بالكلمات ((يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير)) غلا 3:1 و 4 , وسجل لتلميذه تيموثاوس هذه العبارات ((لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع)) 1 تي 5:2 و6 فأوضح بهذا أن المسيح قد قدم نفسه فدية لأجل خلاص الناس بدافع محبته لهم و ((ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه)) يو 13:15.
5- المميز الخامس لشخص الفادي هو أن يكون عارفا بمقدار الإساءة التي أحدثتها الخطية في قلب الله :

إن إحساس الإنسان بثقل الخطية على ضميره يدفعه إلى التساؤل كيف ينال الغفران ؟ فيضم صوته إلى صوت النبي ميخا حين قال ((بم أتقدم إلى الرب وأنحني للإله العلي ؟ هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة , هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت ؟ هل أعطى بكرى عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي ؟)) ميخا 6:6 و7 وفي تساؤله هذا يشعر يقيناً أن خطاياه أثقل من أن تغفر بهذه الذبائح , والتقدمات , فيقول مع داود وهو يحس بوطأة خطاياه ((لأنك لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها بمحرقة لا ترضى)) 16:51
وإذا كان هذا هو شعور الإنسان الساقط بإزاء الخطية , فأي إساءة عظمى أحدثتها الخطية في قلب الله القدوس؟
إن عدم إدراك الإنسان لمقدار الإساءة التي أحدثتها الخطية لله , يدفعه للاعتقاد بأن في مقدوره أن يخلص بأعماله الصالحة !! لكن الخطية خاطئة جداً , فهي اهانة بالغة في حق الله , وعصيان سافر لوصاياه , وتمرد عن تعمد وسبق إصرار لمشيئة العليا , وعدم اكتراث بإحساسات قلبه !! ويقيناً أن الأعمال الصالحة لا تستطيع أن تزيل الإساءة التي أحدثتها الخطية في قلب الله حتى إننا نقرأ الكلمات ((فحزن الرب أنه عمل الإنسان وتأسف في قلبه)) تك 6:6.
ومعرفة الله القدوس بحقيقة الخطية جعلته يحكم عليها حكماً صريحاً واضحاً ((النفس التي تخطئ هي تموت)) حز 4:18.
(فالخطية عقابها الموت في حكم عدالة الله)
فأي شيء في هذا الوجود يعادل الموت ؟ هل يمكن أن نعتبر بناء مستشفى أو التبرع لملجأ للأيتام , أو الصوم أسبوعاً أو شهراً أو سنة , أو دفع الزكاة , أو الصلاة , وسيلة لإلغاء حكم الموت الذي وضعه الله ضد الخطية ؟ يقيناً : لا , لأن هذه الأعمال الصالحة لا تساوي ((الموت)) في مقاييس العدالة الحقيقية !!
والواقع أن الأعمال الصالحة حينما تؤدى بقصد الخلاص من عقاب الخطية , تعتبر اهانة كبرى لذات الله , إذ أنها دليل على اعتقاد من يقوم بها بأن في قدرته إزالة الإساءة التي أحدثتها الخطية في قلب الله عن طريق عمل الصالحات , وتأدية بعض الفرائض والصلوات , وكأنه وهو يقوم بهذه الأعمال يعبر تعبيراً لا إرادياً عن شعوره بأنه غير مرضي عند الله , وبأن الله غاضب عليه , وبأن الوسيلة لنوال رضاه هي أن يقدم شيئا من الحسنات حتى يمحو سيئاته وخطاياه وكأن قلب الله لا يتحرك بالحنان , إلا بأعمال الإنسان !! وياله من فكر شرير مهين!!
وينقض الكتاب المقدس بكلا عهديه مبدأ الخلاص بالأعمال الصالحة من أساسه فيقول أليهو أحد أصحاب أيوب ((إن كنت باراً فماذا أعطيته أو ماذا يأخذ من يدك لرجل مثلك شرك ولابن آدم برك)) أيوب 7:35 ,8 ويقول أشعياء النبي ((قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة ] أي ثوب قذر [ كل أعمال برنا)) اش 6:64 ويقول بولس الرسول ((الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذا مات بلا سبب)) غلا 16:2 , 21 ويؤكد هذا الحق في رسالته إلى رومية قائلا : ((أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة بل على سبيل دين وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً)) رو 4:4 , 5 , وها نحن نقرأ في إنجيل لوقا عن ذلك الفريسي الذي اتكل على أعمال بره , وكان يصوم مرتين في الأسبوع ويدفع عشور كل ما يقتنيه , ويسلك سلوكا أعلى من سلوك الأشرار في زمانه , ونجد أن الرب قد حكم عليه بالدينونة لأنه اتكل على أعماله الصالحة , وجعلها موضوعاً لفخره في حضرة الله , وطريقاً لنوال عفوه ورضاه , مع أن ((أجرة الخطية هي موت)) وجميع أعمالنا الصالحة لا يمكن أن تعادل الموت أو تساويه
وليس معنى ذلك أن الأعمال الصالحة لا قيمة لها في مكانها , لكن معناه أنها تعتبر اهانة لله سبحانه وتعالى إذا عملناها لنوال عفوه ورضاه , لأن عفوه لا يمكن الحصول عليه بها , إذ أن حكمه الواضح أن ((النفس التي تخطئ هي تموت)) ولا سبيل للنجاة من هذا الحكم إلا بالفداء الذي بيسوع المسيح لأنه التدبير الوحيد الذي به يكون الله ((باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع)) رو 26:3 ومع هذا فان الأعمال الصالحة تعتبر تعبيراً جميلا عن إحساسنا بمحبة الله لنا , إذا صدرت عن قلب يعرف فضله عليه , ويشعر بحبه الغامر الذي ظهر على الصليب
ولقد أدرك داود أن كل عمل صالح ينبغي أن يقدم لله على اعتبار أنه تعبير عن الإحساس بمحبته وجوده , لأنه صاحب كل شيء في الوجود ((للرب الأرض وملؤها المسكونة وكل الساكنين فيها)) مز 1:24 فهو صاحب المال , والصحة , والحياة , ولذا فقد قال بعد أن قدم لإلهه مبلغاً ضخماً من المال لبناء هيكله ((ولكن من أنا ومن هو شعبي حتى نستطيع أن ننتدب هكذا لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك أيها الرب إلهنا كل هذه الثروة التي هيأناها لنبني بيتاً لاسم قدسك إنما هي من يدك ولك الكل)) 1 أخبار 14:29 و16 , وعلى هذا فإننا نستطيع القول بأن الأعمال الصالحة هي تعبير عن شكرنا لله , وإدراكنا لمحبته العظمى التي ظهرت في الصليب كما يقول بولس الرسول : ((لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد لأننا نحن عمله مخلوقين ف المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها)) أفسس 8:2 -10 واذاً ففي مقدورنا أن نقرر بأن أعمالنا , وصلاحنا , وذبائحنا , وعطايانا , كل هذه لا تستطيع أن تغطي الإساءة التي أحدثتها الخطية في قلب الله ! فمن ذا الذي يستطيع أن يدرك مدى هذه الإساءة حتى يقدر أن يوفي عقابها ؟ , يجيبنا بولس الرسول قائلا : ((هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله)) 1 كو 11:2 , أجل ! فحتى الملائكة وهم أقرب مخلوقات الله إليه لا يدركون حقيقة الإحساسات الموجودة في قلب الله عز وجل , وعلى هذا فلن نجد شخصاً يستطيع إدراك مقدار الإساءة التي أحدثتها الخطية في قلب الله الرقيق القدوس إلا الله ذاته , وقد قلنا انه من المميزات الضرورية لشخص الفادي شخصاً يتجسد الله فيه ليقدر أن يعوض التعويض اللازم عن ما يحس به الله بإزاء شناعة الخطية , وفي المسيح نرى الله متجسداً كما يقول بولس الرسول ((عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد)) 1 تي 16:3
وعلى هذا فقد جاء المسيح بادراك كلي لتأثيرات الخطية على قلب الله جل وعلا , ودفع الأجرة كاملة , فكان هو حمل الله الذي وضع عليه إثم جميعنا , والذي رفع خطية العالم , وفي سبيل ذلك , تحمل الحزن الشديد , وترك معلقاً على الصليب بين السماء والأرض تكتنفه قوات الظلام , وحجب الآب وجهه عنه , ليشرب كأس عقاب الخطية حتى الموت
6- المميز السادس لشخص الفادي هو أن يكون ذا قدرة فائقة حتى يستطيع احتمال عقاب خطايا البشرية كلها :

كان العقاب الذي حكم به الله على آدم أبي البشر يتركز في ((اللعنة)) ((ملعونة الأرض بسببك)) , والتعب ((بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك)) , والشوك ((شوكا وحسكا تنبت لك)) والعرق والجهاد ((بعرق وجهك تأكل خبزاً)) وأخيراً الموت ((حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها لأنك من تراب والى تراب تعود)) تك 17:3 -19 , وكان لابد أن يكون الشخص الذي يقوم بعملية الفداء , قادراً على احتمال هذا العقاب , لا لأجل خطية آدم وحده بل لأجل خطايا البشرية كلها
فأين هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يحتمل عقاب خطية نفسه حتى يكون في مقدوره أن يحتمل عقاب خطايا البشرية !!
لقد أحس داود بثقل خطاياه فصرخ قائلا ((آثامي قد طمت فوق رأسي كحمل ثقيل أثقل مما احتمل)) مز 4:38 , وصرخ قايين وهو يشعر بعظم خطيته قائلا ((ذنبي أعظم من أن يحتمل)) تك 13:4 اذاً أين هو صاحب القدرة ليحتمل عقاب خطايا البشرية وأوزارها التي أنقضت ظهرها؟ يقيناً أن هذا الشخص هو المسيح الكريم الذي قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين أنه ((حامل كل الأشياء بكلمة قدرته)) , ومع هذا كله فقد رضى طائعاً أن يحمل في جسده عقاب خطايانا حتى وصفه أشعياء قائلا ((كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني آدم محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولا وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه)) اش 13:52و14 و 3:53-7 لقد احتمل رب المجد عقاب خطية آدم , بل عقاب خطايا الأجيال المتعاقبة منذ آدم إلى اليوم الأخير , ذلك لأن الله في وجوده المطلق , ومعرفته المطلقة , عنده الماضي والحاضر والمستقبل في لوح مفتوح ولا فرق عنده بين زمان وزمان , وبهذه المعرفة المطلقة وضع خطايا البشرية على المسيح بديل البشرية , ويالها من خطايا قذرة , سوداء , كريهة شنيعة , وضعت كلها في حزمة واحدة على ذلك الحمل البريء , حتى أنه صار ((خطية)) لأجلنا , وانصب على شخصه الكريم غضب الله العادل البار القدوس
ومن يتتبع قصة الصليب يلاحظ أن المسيح قد احتمل حكم الخطية بكل محتوياته , فاحتمل ((اللعنة)) لأنه مات على الصليب ومكتوب ((ملعون كل من علق على خشبة)) واحتمل ((التعب والعرق)) فنقرأ عنه وهو في بستان جثسيماني أنه ((إذ كان ف جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض)) لو 44:22 , واحتمل وخز الشوك في جبينه الكريم إذ ((ضفر العسكر إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه)) يو 2:19 , ثم شرب كأس الموت بعد أن أتم خلاص الإنسان إذ ((قال قد أكمل ونكس رأسه وأسلم الروح)) يو 30:19 احتمل كل هذا في جسده بقدرة فائقة , لأنه كان الإنسان الكامل , الذي جاء ليفدي الإنسان الساقط ويحمل عقاب خطايا البشر الآثمين
7- المميز السابع لشخص الفادي هو أن يكون قادراً على خلق طبيعة جديدة في البشر تجعلهم أهلا للاقتراب من محضر الله القدوس :

إن الفداء الحقيقي لا يتم إلا بخلق طبيعة جديدة في الخاطئ , ليستطيع بها الاقتراب إلى الله , لأنه عندئذ يكون في توافق تام مع إلهه !! ومن ذا الذي يستطيع أن يعطي للإنسان الذي يكره الله طبيعة جديدة تحب الله , وأن يكسو عريه الروحي , وأن يعيده إلى حضرة خالقه وقد اكتسى برداء جديد ؟
إن الله وحده هو القادر على خلقة الطبيعة الجديدة في الإنسان , ولأن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه , لذلك فالمسيح يقدر أن يغير طبيعة الإنسان وهذا ما قاله بولس الرسول ((اذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً)) 2 كو 17:5
ويقيناً أن المسيح قد غير طبيعة كل خاطئ آمن به , والتجأ إليه , فغير حياة السامرية النجسة وجعل منها امرأة قديسة , وغير حياة زكا الطماع محب المال , وجعله إنساناً جديداً يضحي بالمال في سبيل حبه لله , وغير حياة مريم المجدلية التي كان جسدها مسكناً للشياطين , فجعلها رسولة الرسل , وبشيرة البشرين !! ومازال يسوع المسيح يغير بقوة دم الصليب حياة الكثيرين , ويلبسهم رداء نقياً بهياً من نسيج بره الكامل , وفدائه العظيم
فهل رأينا الأسباب التي توضح لنا ضرورة أن يكون الفادي إنساناً والهاً في وقت واحد , إننا إذا وضعنا هذه الحقيقة في أذهاننا سهل علينا جداً أن نفسر الكلمات السبع التي نطق بها السيد المسيح وهو على الصليب
فهو بحق دمه المسفوك , وكرئيس الكهنة الأعظم يصلي لأجل صالبيه وقاتليه قائلا ((يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون)) لو 34:23 , فيرينا أن الذين سفكوا دمه نالوا الغفران بذات الدم
وهو بحق هذا الدم أيضاً يلتفت إلى اللص الذي قال له ((أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك)) لو 42:23 فيمنحه رجاء بساماً ويرد على إيمانه بلا هوتة رداً يصادق على هذا الإيمان فيقول له ((الحق أقو ل لك انك اليوم تكون معي في الفردوس)) لو 43:23 وهو في إنسانيته الكاملة الرقيقة يهتم بشؤون أمه القديسة المتألمة ويطلب من يوحنا أن يرعاها قائلا لها ((ياامرأة هوذا ابنك)) ثم يقول ليوحنا ((هوذا أمك)) يو 26:19 و27 وهو بذات هذه الإنسانية التي مثل بها البشرية , احتمل عقاب الله المنصب على الخطية , ولأنه صار ((خطية)) لأجلنا حجب الله وجهه عنه لأن عينيه أطهر من أن تنظرا الخطية , وعندئذ صرخ المسيح الإنسان , ممثل الإنسانية وهو في عمق آلامه , ليظهر للبشر فظاعة خطاياهم , وموقف الله العادل من هذه الخطايا قائلا ((الهي الهي لماذا تركتني)) مت 46:27 ولا يفوتنا أن نذكر أنه قبل أن ينطق المسيح بهذه الكلمة التي أعلنت عظم آلامه , وشدة سخط الله على الخطية حدث حادث خارق إذ أظلمت الشمس في الظهيرة مت 45:27 وظلت في ظلامها ثلاث ساعات كاملة , وأثبت رجال الفلك أن هذا الظلام لم يكن كسوفاً حدث في الشمس لأن الصلب وقع يوم جمعة في زمان عيد فصح اليهود , تلك حقيقة تاريخية , وعليه فقد كان القمر بدراً كاملاً إذ ذاك طبقاً للنظام الديني المقرر عند اليهود في تعيين يوم العيد. إذ كانوا يحسبون السنين في ذلك العهد بالشهور القمرية ويوجبون في الوقت نفسه أن يكون الفصح في تاريخ يتفق وبعض مواعيد السنة الشمسية فلا يكون بعيداً عن ميعاد الاعتدال الربيعي ليتمكنوا أيضاً أن يقدموا بواكير الغلات لله طبقاً لما هو مقرر في التوراة ولأجل ذلك كان من المقرر أن يكون الفصح عند اكتمال بدر نيسان القمري وهو يتفق في بعضه وشهر أبريل الشمسي , وهم لشدة حرصهم على ذلك تدقيقاً في ما يوجبه الناموس كانوا يضيفون من حين إلى آخر شهراً إلى السنة القمرية يكون الثالث عشر فيها فيسمونه ((وآذار)) بواو العطف , أي آذار الثاني , لأن شهر آذار القمري كان يليه مباشرة شهر نيسان وهو شهر عيد الفصح , فيحصلون بذلك الفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية ] وهو 11 يوماً تقريباً [ ويردون الفصح إلى التاريخ الذي يتفق والاعتدال الربيعي ويتمكنون فيه من تقديم البواكير
وعلى ذلك يتضح أن القمر كان في يوم الصلب بدراً كاملاً فيستحيل بموجب النواميس الطبيعية حدوث كسوف إذ ذاك لأن الكسوف لا يمكن حدوثه إلا في فترة المحاق عند نهاية الشهر القمري إذ يكون القمر والحالة هذه ما بين الأرض والشمس في الفلك فإذا كانت عند ذاك مراكز كرات هذه الأجرام الثلاثة على خط مستقيم واحد ] في حالة معينة من بعد القمر عن الأرض [ حدث الكسوف التام الذي ترافقه الظلمة عند احتجاب قرص الشمس تماماً , وعلى هذا فحدوث الظلام في يوم الصلب لا يمكن أن يكون إلا من خوارق الطبيعة بقدرة إلهية , لكي تتم نبوة عاموس القائلة ((ويكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب أني أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور)) عا 9:7
لماذا حدث هذا ؟ ليعلن الله غضبه على الخطية التي شوهت أجمل مخلوقاته وهو الإنسان , والتي عذبت وصلبت ابنه الوحيد على الصليب !!
ونتقدم الآن من مشهد الصلب المؤلم لنسمع الكلمة الخامسة التي نطق بها يسوع المصلوب قائلا ((أنا عطشا)) يو 28:19 وهذه الكلمة ترينا إنسانية يسوع الكاملة المتألمة , لقد نزف دمه وفي الدم كمية كبيرة من الماء , ولذا فقد أحس بالعطش المحرق , وهو خالق الأنهار وقال ((أنا عطشان))
ولكن هل كانت هذه الكلمة آخر كلماته ؟ كلا !! فقد نطق بكلمة سادسة , قائلا ((قد أكمل)) وهكذا أعلن أن تدبير الفداء قد تم في كمال لا يشوبه نقص , فكل النبوات القديمة الخاصة بمسيا المنتظر قد أكملت , وكل مطاليب الناموس قد أكملت , وكل الآلام التي كان على المسيح أن يتحملها نتيجة خطايا البشر قد أكملت , وكل رمز في العهد القديم قد أكمل , وكل ما كلفته به محبته للبشر قد أكمل , وكل انتظارات الناس فيه قد أكملت , وكل برنامج رسالته قد أكمل , وكل حكم أصدرته عدالة الله قد أكمل أجل !! لقد أكمل المسيح المصلوب كل شيء وليس على الخطاة إلا أن يقبلوا بإيمان وثقة بركات هذا العمل الكامل التام
أخيراً اختتم المسيح المصلوب كلماته , صارخاً بصوت عظيم ((يا أبتاه في يديك أستودع روحي)) لو 46:23 وهكذا تمت كلمته القائلة ((لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً)) يو 18:10
لقد تألم المسيح آلاماً مبرحة على الصليب في جسده ونفسه , وطمت عليه كل التيارات واللجج , ولكن يجب أن نفهم أن هذه الآلام لم تقع على اللاهوت بل على الناسوت أي على ما هو بشري في المسيح , إذ أن اللاهوت لا يتأثر بما يؤثر في جسد البشر وهو وحده الذي له عدم الموت , ولذلك فنحن نقرر أن التجسد لم ينقص اللاهوت ولا جزأه , ولا خلطه , ولا أثر فيه بأي حال , أو من أي وجه كما أن أشعة الشمس لا تتأثر بالمكان الذي تضيئه على الإطلاق !!
وقد أكد بطرس في كتاباته أن يسوع المسيح حمل خطايانا في جسده على الصليب فقال ((فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أنتم أيضاً بهذه النية)) 1 بط 1:4 ((فان المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الآثمة لكي يقربنا إلى الله مماتاً في الجسد ولكن محيياً في الروح)) 1 بط 18:3 ((الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة)) 1 بط 24:2 وهذا هو ما علم به بولس أيضاً قائلا ((فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد)) رو 3:8
ولكن هل معنى هذا أن الآب لم يشعر بآلام الابن ؟ لقد كانت آلام الابن كفارية لأجل الخطية , ولكننا إذ نفكر في مشاعر الآب الحنون , نحس بأن القلم يتوقف في خشوع , فذاك الذي لما رأى شر الإنسان ((حزن وتأسف قلبه)) , وذاك الذي قيل عنه في سفر اشعياء ((في كل ضيقهم تضايق)) اش 9:63 هل يمكن أنه لم يحس بآلام ابن مسرته وهو على الصليب ؟!
يقيناً أن الثالوث الأقدس قد اشترك في عملية الفداء , فالآب أحب العالم حتى بذل الابن , والابن قد رضى طائعاً أن يقوم بعمل الفداء , والروح القدس قد اشترك في تقديم ذبيحة الصليب وأعلن مجد هذا الفداء العجيب
وكما نقرأ ((لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية)) يو 16:3 , كذلك نقرأ ((أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة)) أفسس 2:5 ونقرأ أيضاً ((فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي)) عب 14:9 وهكذا نرى الثالوث الأقدس مشتركا في عمل الفداء العظيم
فهل يمكن أن يرى الإنسان المفدي كل هذه الحقائق , ولا يرفع صوته مرنماً ومردداً :
1- خلني قرب الصليب حيث سال المجرى
من دم الفادي الحبيب داء نفسي يبرا
في الصليب في الصليب راحتي بل فخري
في حياتي وكذا عند ذاك الفجر
2- قد محا عند الصليب دم ربي إثمي
وعن القلب الكئيب زال كل الهم
3- قد رأينا في الصليب قوة الرحمان
إذ بدا أمر عجيب فدية للجاني
4- من قضى فوق الصليب ذاك جل القصد
سأراه عن قريب آتياً بالمجد
 
قديم 30 - 07 - 2015, 04:39 PM   رقم المشاركة : ( 8670 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصليب هو أساس الغفران والتبرير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




فإذا سأل أحدهم كيف أنال الغفران ؟ وكيف أتبرر عند الله ؟ أجابه بولس الرسول قائلا ((الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا)) أفسس 7:1 ((نحن متبررون الآن بدمه)) رو 9:5 , فدم يسوع المسيح المراق على الصليب هو الوسيلة الوحيدة للغفران والتبرير لأنه ((بدون سفك دم لاتحصل مغفرة)) عب 22:9 , والدم يعني ((الموت والحياة)) ((والموت ((هو قصاص الخطية , و ((الحياة)) تعطى لنا عن طريق الدم ((لأن نفس الجسد هي في الدم)) لا 11:7 , ومن العجيب أن الدم ولو سفك فانه يعتبر حياً , لذلك يقول الله لقايين بعد سفكه دم أخيه ((صوت دم أخيك صارخ اليّ من الأرض)) تك 10:4 ونقرأ في رسالة العبرانيين ((دم رش يتكلم أفضل من هابيل)) عب 12 , 24 وهذا يرينا أنه مع الدم يمثل الموت فهو كذلك وسيلة الحياة الأسمى
وهذا الفكر المزدوج يظهر واضحاً في الذبيحة اليهودية فكان اليهودي يأتي بالذبيحة إلى الدار الخارجية من خيمة الاجتماع , وهو بنفسه – لا الكاهن – يذبحها وبعمله هذا كأنه يعترف بإثمه الخاص وباستحقاقه القصاص موتاً , هذا هو الوجه الأول للذبيحة أما الوجه الثاني فنرى فيه الكاهن كنائب عن الله يأخذ دم الذبيحة ويرشه على المذبح معلناً أن الحياة قد قدمت إلى الله
وقد تم هذا كله في المسيح المصلوب يعني هذين الفكرين ((موته)) و ((حياته)) ففي يوم الكفارة كانت الذبيحة تنحر في الدار الخارجية وهذا معناه ((الموت)) ثم كان رئيس الكهنة يأخذ الدم ويجتاز به إلى قدس الأقداس ويرشه على عرش الرحمة وهذا معناه ((الحياة)) , وعلى هذا فينبغي أن لا ننظر فقط إلى موت المسيح بل إلى قيامته وصعوده كجزء جوهري من عمل الفداء لأنه ((أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا)) رو 25:4 فالدم الذي هو الموت , والقيامة التي هي الحياة , والصعود الذي هو الخلود كتلة واحدة في عملية الكفارة
ففي متى 28:26 يقول ((هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك لمغفرة الخطايا)) وهذا هو الدم والموت. وفي عب 20:13 يقول ((واله السلام الذي أقام من الأموات ربنا يسوع بدم العهد الأبدي)) وهذا هو الدم والقيامة
وفي عب 12:9 و 24 يقول ((بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا)) وهذا هو الدم والصعود
وعلى هذا فنحن نرى في دم يسوع المسيح , الموت لأجلنا , والحياة لأجلنا كما هو ظاهر في صلبه وقيامته وصعوده
فدم يسوع هو أساس غفران خطايانا , بل أساس فدائنا , وتبريرنا , لذلك إذ أشرق هذا الحق أمام عيني الأسقف لانسيلوت اندروزركع عند الصليب قائلا ((بعرقك الدامي المتجمد , ونفسك الحزينة المتألمة , برأسك المكلل بالأشواك , بعينيك المتدفقتين بالدموع , وأذنيك الممتلئتين بالسباب , بفمك المبلل بالخل والمر , ووجهك الملطخ بالبصاق , برقبتك المنحنية من حمل الصليب
وظهرك الممزق بالجلدات , بيديك المثقوبتين وقدميك بصرختك الحادة الهي الهي , وقلبك المطعون بالحربة , بالدم والماء الجاريين من جنبك , بجسمك المكسور ودمك المسفوك اغفر سيدي آثام عبدك واستر جميع خطاياه))
حدثنا خادم جليل من خدام الله كان قد عهد إليه أن يهتم بالأمور الروحية لمجرمي الحرب الأخيرة من زعماء النازي عن قوة دم المسيح للغفران حتى لأفظع المجرمين قال ((في سنة 1945 عبرنا المانش إلى فرنسا وفي 15 يوليو من تلك السنة كنا في ألمانيا , وبعد شهور قليلة عهد اليّ برعاية الحالة الروحية لزعماء النازي المسجونين رهن المحاكمة في نورتبرج وقبل أن أبدأ زياراتي لهؤلاء المجرمين في زنزاناتهم سألت نفسي هذا السؤال : ((أينبغي عليّ أن أسلم على هؤلاء الرجال الذين جروا الدمار والخراب على العالم , وجلبوا الويلات والآلام على الناس , وأزهقوا ملايين النفوس ؟ أينبغي أن أسلم عليهم وولداي قد ذهبا ضحية أفعالهم الشريرة ؟ وماذا أنا فاعل إزاءهم حتى يمكنهم أن يشعروا بحاجتهم إلى قبول كلمة الله ؟)) وأول ما فعلت دخلت ((زنزانة)) المارشال ((جورنج)) فوقف وأدى التحية العسكرية ومد لي يده , وبعدئذ واحداً بعد الآخر زيارة قصيرة وكان ذلك في العشرين من نوفمبر قبيل المحاكمة , وقضيت تلك الليلة في الصلاة طالباً من الله أن يعطيني رسالة لهم ومن تلك اللحظة أعطاني الله نعمة اقتفاء آثار خطوات الرب يسوع في أن أكره الخطية لكن أحب الخطاة ورأيت أن هؤلاء الرجال يجب أن يسمعوا أشياء عن المخلص الذي تألم ومات على الصليب لأجلهم
كانوا واحداً وعشرين مسجوناً , أربعة منهم كاثوليك وثلاثة عشر بروتستانت , أما ستريشر , ويودل , وهيس , وروزنبرج فلم يهتموا بسماع أية خدمة
أما الكاثوليك فكانوا فرانك , وسايس انكوارت , وكالتنبرونر , وفون بابن , والبروتستانت , كانوا : كيتل , وفون ربنتروب , ورايدر , ودونيتز , وفون نوارت , وسبير , وشاخت , وفريك , وفونك وفريتش , وفون شيراش , وسوكل , وجورنج , وجرت عادتنا أن نرنم ثلاث ترنيمات ونقرأ فصولا من الكلمة , ثم ألقى رسالة قصيرة , ونختم بالصلاة , وكان سوكل أول واحد بينهم فتح قلبه لقبول كلمة الله , وقد كان أباً لعشرة أطفال, وكانت زوجته مسيحية مؤمنة , وبعد زيارات قليلة له كنا نركع سوياً عند سريره , وكان يصلي صلاة العشار قائلا ((اللهم ارحمني أنا الخاطئ)) وأنا أعرف أنه كان صادقاً ! كذلك عمل الله بقوة في فريتش , وفون شيراش وسبير لأنهم في تأثر عميق طلبوا الاشتراك في مائدة الرب , ورايدر كان غيوراً ومجتهداً في قراءة الكلمة وكثيراً ما كان يلقاني متسائلا عن معاني عبارات عسرة الفهم كما طلب الاشتراك في المائدة معنا
ثم صدر حكم المحكمة وهو يقضي بالإعدام شنقاً على كل من جورنج , وفون ربنتروب , وكيتل , وكالتنبرونر, وروزنبرج , وفرانك , وفريك , وستريشر , وسوكل ويودل , وسايس انكوارت , وبالسجن مدى الحياة على هيس , وفونك , ورايدر وبالسجن عشرين عاماً على فون شيراش , وسبير , وبالسجن خمسة عشر عاماً على فون نويرات , وعشر سنوات على دونيتز , وبراءة كل من شاخت , وفون بابن , وفريتش
وبعد الحكم حتى يوم التنفيذ كنت ملازماً للمحكوم عليهم أغلب الوقت , وقد سمح للمحكوم عليهم أن يروا زوجاتهم مرة واحدة فقط , وكان اللقاء محزناً للغاية , ولقد سمعت فون ربنتروب يطلب إلى زوجته أن تعاهده على تربية أطفالها في خوف الرب ! وسوكل طلب من زوجته أن تتعهد بتربية أولاده في ظل الصليب , أما جورنج فسأل زوجته عما قالته ابنته الصغيرة ((ايدا)) عندما سمعت منطوق الحكم عليه , فقالت له زوجته إن ((ايدا)) قالت ((أرجو أن أرى أبي في السماء)) فتأثر من هذه العبارة تأثراً شديداً ولأول مرة رأيته يبكي
وليلا ونهارا كنت أقضي الوقت مع أولئك الذين سلموا حياتهم لله , وكنت أزور بعضهم خمس مرات يومياً , وكان كيتل يتأثر جدا ًمن العبارات التي تتكلم عن قوة دم المسيح للغفران , وكان يردد الآية القائلة ((دم المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية)) 1 يو 7:1.
وفي ليلة تنفيذ الحكم تقابلت مع جورنج ومكثت معه وقتاً طويلا , وكلمته كثيراً عن لزوم استعداده لملاقاة الله, فكان يهزأ ببعض حقائق الإنجيل , ورفض أن يصدق أن المسيح مات لأجل الخطاة وكان يقول ((الموت هو الموت)) , فذكرته بما قالته ابنته الصغيرة وبرجائها في أن ترى أباها في السماء فقال ((هي تؤمن على طريقتها وأنا على طريقتي)) فتركته وبعد ساعة تقريباً سمعت لغطاً وأصواتاً كثيرة وعرفت أن جورنج انتحر , فدخلت زنزانته وكان نبضه لايزال مستمراً فسألته ولكنه لم يجب وكانت على صدره أنبوبة زجاجية فارغة , لقد ذهب إلى نهايته المخيفة واقتربت ساعة التنفيذ , وقبل أن يتقدم ((فون ربنتروب)) للمقصلة قال انه يضع كل ثقته في دم المسيح الذي يرفع خطية العالم ! ثم صدر إليه الأمر أن يتقدم إلى غرفة الإعدام فتقدم ويداه مربوطتان وصعد إلى المقصلة ورفعت أنا قلبي بصلاة قصيرة ولم أره بعد ذلك
وتبعه ((كيتل)) وكان واثقاً في قوة الدم للغفران , وتقدم ((سوكل)) بعد أن ودع زوجته وأولاده وصلى صلاة قصيرة
أما روزنبرج فقد رفض أية مساعدة روحية , ولما سألته هل أصلي من أجله ؟ قال ((كلا أشكرك)) لقد عاش ومات بلا مخلص
وهكذا انطلق من آمن في قوة الدم الغافرة في ملء الاطمئنان !!
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024