منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12 - 03 - 2014, 04:30 PM   رقم المشاركة : ( 71 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

حول له الآخر أيضًا

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يقف كثير من الناس متحيرين أو مبهورين أمام هذه الوصية "من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضًا" (مت5: 39)!! إنها إحدى وصايا الكمال التي علّم بها السيد المسيح.
أحد الرهبان القديسين طلبه رجل ليشترى منه زنابيل وعندما قرع الراهب الباب فتحت له ابنة الرجل وكان بها روح نجس والراهب لا يعلم. وعندما أبصرته لطمته على خده، فحول الخد الآخر وللوقت صرعها الروح النجس وخرج منها وهو يولول صارخًا: [آه هزمتني باتضاعك وتنفيذ وصية إلهك].. لقد خرج الروح النجس من الفتاة دون أن يعلم الراهب أن بها روحًا نجسًا، ودون أن يصلى عليها لإخراج الشيطان..!!
هذه هي قوة الوصية الخالدة.. وهكذا هزم السيد المسيح الشيطان حينما أراد أن يعبر بطبيعتنا البشرية من الموت إلى الحياة.
تحويل الخد الآخر ليس هو نوع من الضعف أو الخنوع، ولكنه هو دواء الكراهية والعنف. هو قوة الاحتمال وهو روعة الوصية التي تألقت معانيها على الصليب حينما صلى السيد المسيح من أجل صالبيه.
تحويل الخد الآخر في القلب من الداخل أهم من تحويله في المظهر الخارجي أي أن الغفران القلبي هو الخد الآخر الخفي الذي ينبغي أن يسبق الخد الآخر الظاهر لئلا نحول الخد الآخر وقلبنا يمتلئ بالغضب أو عدم الغفران..!!
أيتها الوصية الخالدة ما أروع معانيك؟! ليتنا نسبر أغوارك..!
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:31 PM   رقم المشاركة : ( 72 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

أحبوا أعدائكم

قال السيد المسيح في تعاليمه الإلهية: "سمعتم أنه قيل (للقدماء) تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطرودكم" (مت5: 43، 44).
لم يكن من الممكن إعطاء هذه الوصية في العهد القديم. لأن الإنسان المولود حسب الجسد لا يمكنه أن يسلك بحسب الروح بأسلوب يفوق طاقة الطبيعة البشرية التي ورثها عن أبيه آدم بعد السقوط.
محبة العدو هي مسألة فائقة للطبيعة البشرية التي سقطت ولم يعد بإمكانها أن تأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله. شجرة الحياة هي شجرة الحب.. الحب الفائق الممنوح من الله ليحيا به الإنسان في شركة المحبة مع الله كلى المحبة.
لهذا وضع القديس يوحنا الرسول محبة الإخوة كعلامة للولادة والانتقال من الموت إلى الحياة بالولادة من الله فقال: "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة" (1يو3: 14). قال بولس الرسول: "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5).
كذلك قال عن ثمار الروح القدس في حياة الإنسان المولود من الله: "أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام.." (غل5: 22).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
تحب قريبك

أقصى شيء كان من الممكن أن يطالَب به الإنسان في العهد القديم هو محبة القريب وليس العدو.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ومع هذا لم يتمكن الكثيرون من تطبيق وصية محبة القريب، وحدثت خصومات ومنازعات بين كثيرين من الإخوة والأقرباء في العهد القديم. بل كثرت المظالم بين الأقرباء حتى كان الرب يوبخ شعبه كثيرًا على انتشار الظلم بينهم. (انظر إش1).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
من هو القريب عند السيد المسيح؟

وحينما جاء السيد المسيح أعطانا شريعة الكمال التي تتناسب مع الطبيعة الجديدة التي ينالها الإنسان بولادته من الله في المعمودية بعد الإيمان بالمسيح كقول الكتاب "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله -أي المؤمنون باسمه- الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد، ولا مشيئة رجل بل من الله" (يو1: 12، 13).
في مَثل السامري أوضح السيد المسيح أن القريب هو كل إنسان مهما كانت هويته. وأن المحبة مطلوبة للجميع. وأن صنع الخير هو للجميع.
وفى الموعظة على الجبل أوضح السيد المسيح أن المحبة ينبغي أن تقدّم ليس للقريب فقط، بل وللعدو أيضًا.
ليس أن نحب محبة نظرية للعدو، بل محبة عملية. إذ قال: "أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت5: 44).
وهنا نرى في تعليم السيد المسيح أن محبة العدو لا تتوقف عند احتمال إساءاته وعدم الإساءة إليه بالمثل، بل تتخطى ذلك كثيرًا:
1- باركوا لاعنيكم: في مقابل اللعنة ينبغي أن نبارك من يلعننا. وبهذا نقهر الشيطان الذي يريد أن ينشر اللعنة. أما أولاد الله فينشرون البركة والحب.
2- أحسنوا إلى مبغضيكم: في مقابل البغضة والإساءة ينبغي أن نقدم عمل المحبة والإحسان، نمنح مبغضينا الطعام إن جاعوا، والشراب إن عطشوا، والدواء إن مرضوا، والعلاج إن تعرضت حياتهم للخطر في المستشفيات مثلًا،نقدم أيضًا لهم النصائح لفائدتهم إذا احتاجوا إلى نصيحة وسنحت الفرصة لنصحهم.. وهكذا.
3- وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطرودكم: الأعداء يحتاجون إلى صلوات القديسين لعل الله ينير قلوبهم بمعرفة الحق. إن المحبة هي الدواء الذي يشفى من تملأ الكراهية قلبه. والصلاة بدافع الحب لها قوة عظيمة في طرد شياطين الكراهية من قلوب المبغضين.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كثير من القساة لانت قلوبهم حينما علموا بصلوات القديسين الذين تعذبوا منهم. مثل وإلى أنصنا الذي آمن وصار راهبًا حينما علم بصلوات القديس أسقف أنصنا من أجله بعد انقضاء زمان الاضطهاد. مع أن هذا الأسقف قد نالته شدائد كثيرة على يد هذا الوالي. كذلك أريانوس وإلى أنصنا السابق له، آمن بالمسيح وصار شهيدًا لسبب محبة أحد الشهداء له أثناء تعذيبه حينما أصاب نشاب عين الوالي وأبرأها له هذا القديس. ونالا كلاهما إكليل الشهادة فيما بعد.
هذه هي روعة وصية السيد المسيح التي تحوّل العدو إلى صديق محب. فبالرغم من صعوبتها البادية لأول وهلة، إلا أنها مملوءة بالفرح والنصرة.
وهذا يذكرنا بالنصيحة التي يرددها قداسة البابا شنودة الثالث-أطال الله حياته- عن قول القديس يوحنا ذهبي الفم: [إن أفضل طريقة يتخلص بها الإنسان من عدوه، هو أن يحول هذا العدو إلى صديق].
ويعجبني أيضًا قول الشاعر المستوحى من وصية السيد المسيح بمحبة الأعداء:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا تُلقى بحجر فتُعطى أطيب الثمر
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 73 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

ترك الرداء

قال السيد المسيح: "من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا، ومن سخرك ميلًا واحدًا فاذهب معه اثنين" (مت5: 40، 41).
تكلمنا عن الخد الآخر، وكيف ينبغي أن تقترن إدارة الخد الآخر لمن يلطمنا بالغفران القلبي الداخلى.. بل أن الخد الآخر في الداخل أهم من التظاهر بإدارة الخد الآخر مع وجود حقد وغيظ داخلي.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
هكذا أيضًا، فإن قول السيد المسيح إن من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فأعطه الرداء أيضًا، معناه أن يتسامح الإنسان مع من اغتصب حقوقه.. فلا ينبغي أن يحقد عليه، أو ينتقم منه. أن يوجد لديه الاستعداد الداخلى للتخلي والترك والبعد عن العنف والعداوة. إن من يترك الثوب راضيًا، يمكنه أن يترك الرداء أيضًا.
فالإيمان بالحياة الأبدية والجزاء الأخروي يجعل من السهل على الإنسان أن يتنازل عن حقوقه ومكاسبه وممتلكاته الأرضية، عن طيب خاطر من أجل السيد المسيح. فالأمور الأرضية وقتية وزائلة، أما الأمور الأبدية فلن تزول كقول الرسول: "غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى، بل إلى التي لا ترى. لأن التي تُرى وقتية وأما التي لا تُرى فأبدية" (2كو4: 18).
كذلك فإن الإيمان يغمر الإنسان بفيض من الإحساس بعناية الرب به، وأنه سيعوض أضعافًا عن كل ما يتخلى عنه تنفيذًا لوصية المسيح. أليس الرب نفسه هو الذي قال: "ليس أحد ترك.. لأجلى.. إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان.. وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" (مر10: 29، 30، انظر (مت19: 29، لو18: 30).
تعويض المئة ضعف الذي تكلّم الرب عنه لا يوجد صك مادي لضمانه.. ولكن الإيمان بصدق وعود السيد المسيح هو أقوى صك يستند إليه المؤمن في اتكاله على الرب وعلى عنايته.
غير المؤمن في نظره الدينار الذي في حوزته هو المضمون، أما المؤمن ففي نظره أن المئة دينار التي وعد بها الرب هي المضمونة.. فالمشكلة الحقيقية هي أن الإنسان أحيانًا يجد صعوبة في الثقة بأمور لا تُحس ولا تُرى.
لهذا قيل في تعريف الإيمان "أما الإيمان، فهو الثقة بما يُرجى، والإيقان بأمور لا تُرى" (عب11: 1).
إن تنفيذ الوصية هو فرصة لمعايشة عمل الله الإعجازي بقوة الإيمان، أما الذي يهرب من تنفيذ الوصية فإنه يخسر هذا الاختبار الفائق العظيم الذي يختبره أهل الإيمان. لهذا قال الله: "أما البار فبالإيمان يحيا وإن ارتد لا تسر به نفسي" (عب10: 38). كذلك قال الرسول: "يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازى الذين يطلبونه" (عب11: 6).
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:34 PM   رقم المشاركة : ( 74 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

الميل الثاني

عادة يشعر الناس بالاستياء إذا حاول أحد تسخيرهم في خدمة أو عمل ما. ولكن السيد المسيح ينصح تلاميذه بأن يفرحوا بخدمة الآخرين بغير مقابل.. وهذا هو مغزى السخرة. أي أن يفعل الإنسان شيئًا، ولا ينال أجرًا ممن سخره.
إن الإنسان الذي ينتظر المكافأة من الله، لا يعنيه في شيء مكافأة الناس له. بل يعتبرها فرصة ثمينة أن يتعب من أجل راحة الآخرين، دون أن ينتظر منهم المقابل.. كقول الرسول: "لا بخدمة العين كمن يرضى الناس، بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب" (أف6: 6).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ولسبب الفرح الملازم للخدمة المجانية، فإن تلاميذ الرب مستعدون للتسخير في الميل الثاني، ناظرين إلى الأجر الصالح السماوي. إنهم يدخرون لأنفسهم أجرًا سمائيًا غير ناظرين إلى الأرضيات بل إلى السماويات.
إن خدمة الميل الثاني هي برهان التحرر من محبة الذات.. وهى برهان الفرح بالخدمة دون مقابل، بل هي فرصة العطاء في الخدمة، والمعطى المسرور يحبه الرب.
الميل الأول يكون بناء على طلب الآخرين.. أما الميل الثاني فهو بمبادرة اختيارية تجعل لخدمة الميل الثاني قيمة ومعنى حقيقيًا.
الميل الثاني لا يكون في الخدمة فقط، بل في فضيلة الاحتمال بصفة عامة. والسيد المسيح يدعونا إلى طول الأناة والصبر في التعامل مع الآخرين. لهذا قال بطرس الرسول: "قدموا في إيمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففًا، وفي التعفف صبرًا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة أخوية، وفي المودة الأخوية محبة" (2بط1: 5-7).
الفضيلة هي ما يفضل أو يزيد.. أي هي الميل الثاني في كل معاملات الإنسان مع الله ومع الناس،وقد أوضح معلمنا بطرس ارتباط الفضيلة بالصبر والمحبة.. المحبة التي تحتمل كل شيء، وتصبر على كل شيء، وترجو كل شيء.
الميل الثاني في العلاقة مع الله هو عدم الاكتفاء بتقديم العشور فقط، لأن الإنسان بكامله هو لله.
والميل الثاني في العلاقة مع الله هو عدم الاكتفاء بالامتناع عن الخطية فقط، بل الحرص على محبة البر وممارسة الفضيلة.
الميل الثاني في العلاقة مع الله هو عدم الاكتفاء باهتمام الإنسان بخلاص نفسه فقط، بل الاهتمام بخلاص الآخرين، على الأقل عن طريق الصلاة من أجلهم بحرارة.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:35 PM   رقم المشاركة : ( 75 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

من سألك فأعطه

قال السيد المسيح في تعليمه: "من سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (مت5: 42).
حينما سقط الإنسان بدأ التحول في إحساسه بقيمة الوجود مع الله وحياة الشركة معه، إلى الرغبة في امتلاك الأمور العالمية المنظورة. كان الإنسان في الفردوس لا يشعر بالرغبة في الامتلاك لأن الرب كان هو نصيبه وفي عطاياه الكفاية والشبع.
لم يشعر أنه سوف يحتاج، وبالتالي لم يفكر في اكتناز الأموال أو المقتنيات بل كانت الحياة تسرى بصورتها الطبيعية.. فكل شيء في الطبيعة المحيطة به خاضع له، وفي خدمته. وكان يشعر بالاكتفاء، وكوكيل على الخليقة المنظورة كان يعمل في الجنة ليحافظ على جمال الطبيعة ورونقها.
لم يكن هناك صراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، لا على المال ولا على الأرض ولا على خيراتها.. ففي الأرض متسع للجميع، والخير هو للجميع كل حسب احتياجه.. هكذا كان ينبغي أن يعيش الإنسان في ظل حب الله ورعايته.
وقد أراد السيد المسيح أن يعالج هذه الحالة المأساوية في حياة الإنسان، بتجريده من حب الاقتناء إلى الإتجاه بالحب نحو الآخرين، والرغبة في سد احتياجهم.
جاء كلمة الله متجسدًا لكي يحرر الإنسان من محبة العالم ولكي يرفع بصيرته نحو السمائيات ولكي يعيد الإنسان إلى الصورة التي خلق عليها.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ولهذا قال: "من سألك فأعطه".. لأن ما يملكه الإنسان على الأرض هو ملك للرب، وهو وسيلة لتنمية علاقات الحب بين البشر.
الله يسمح أحيانًا للبعض بالاحتياج، ويسمح للبعض الآخر بالغنى وهنا تكمن القوة الدافعة لممارسة الحب بالعطاء.
الله قادر أن يغنى الفقراء من عنده مباشرة. ولكنه يريد أن يرى تصرف الأغنياء كوكلاء على نعمة الله المتنوعة.
هناك إنسان غنى في الأموال، وإنسان آخر غنى في الإيمان، وآخر غنى في المواهب.. وكل إنسان عليه أن يعطى مما أنعم به الرب عليه من العطايا والمواهب المتنوعة.
الكل يشكلون معًا جسدًا واحدًا في المسيح.. وفي الجسد الواحد يتكامل الأعضاء معًا.
إن الفم هو الذي يمنح الطعام لباقي أعضاء الجسد،ولكن باقي الأعضاء ضرورية للفم لاستمرار حياته وقدرته على أداء واجبه. لو احتفظ الفم بالطعام داخله فلن يصل الغذاء إلى الدم وإلى القلب وإلى الأعصاب والعضلات والمخ وبالتالي فلن يمكن للفم أن يعمل ولا أن يعيش.
لهذا قال الرب في سفر الأمثال: "محتكر الحنطة يلعنه الشعب" (أم 11: 26). وقال أيضًا: "النفس السخية تسمن والمُروى هو أيضًا يُروى" (أم11: 25).
كلما أعطى الإنسان، كلما ازداد الخير بين يديه. وكلما أعطى بسرور كلما زادت غبطة الرب به لأن "المعطى المسرور يحبه الله" (2كو9: 7).
إن إحساس البنوة لله يجعل الإنسان يتصرف كابن في بيت أبيه.. يتصرف بالخير نحو إخوته، عالمًا أن أبيه سوف يغبطه إن أحسن معاملة إخوته واعتنى بهم.
إن حالة التشرذم والتمزق بين البشر التي أنشأتها الخطية؛ قد جاء السيد المسيح ليزيلها ويعالجها بحيث يكون الجميع واحد، تربطهم مشاعر المحبة الصادقة على مثال المحبة بين أقانيم الثالوث القدوس.
عبارة "من سألك فأعطه" لا تعنى أن يعطى الإنسان لغير المحتاج الذي يحاول استغلال هذه الوصية بطريقة خاطئة، بل ينبغي أن يكون العطاء بحكمة ولمن هو محتاج بالحقيقة. ومن الممكن مساعدة من لا نعرف حقيقة أمره مساعدة مؤقتة إلى أن يتم فحص احتياجه بالكامل.
كذلك فإن عبارة "من سألك فأعطه" لا تعنى أن يعطى الإنسان لغيره ما يؤذى به نفسه. مثل من يأخذ نقودًا ليتعاطى مواد مُسْكِرة أو مواد مخدرة أو يسلك في طريق الخلاعة أو ما يشبه ذلك. في هذه الحالة العطاء يكون على صورة نصيحة للإنسان الراغب في الانحراف ليتراجع عن شره، أو مجهودات لعلاجه من الإدمان أو السلوك في طريق الشر أو الخطية.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:36 PM   رقم المشاركة : ( 76 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

من أراد أن يقترض منك فلا ترده

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الإنسان حينما يطلب قرضًا من المال فإنه يكون في أزمة مالية عارضة. ربما هو ليس فقيرًا بالمعنى المطلق للكلمة. ولكنه يحتاج إلى مساعدة مؤقتة حتى يعبر من مأزق يتعرض له. مثل صاحب محل مهدد بالإفلاس إن لم يسدد بعض الضرائب الطارئة عليه، أو مثل إنسان أراد أن يزوج ابنته في موعد قريب، وليس معه ما يكفى في الوقت الحاضر ولكن يمكنه تقسيط المبلغ أو تجميعه في فسحة من الوقت. أو مثل من لديه مشروع تجارى ويحتاج إلى رأس مال لتشغيل المشروع كأن يوجد لديه محل فارغ من البضاعة ويحتاج إلى بضائع تملأ المحل ويبدأ في الحصول على دخل يسدد به القرض الذي أخذه.
كثير من الناس لا يقبلون المساعدة على هيئة صدقة، بل يرغبون في الاقتراض على أن يسددوا فيما بعد. لا ينبغي جرح كرامتهم برفض إقراضهم ما يحتاجون إليه إن كان ضروريًا لحياتهم.
تنطبق هذه القاعدة أحيانًا على بعض الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج طبي مكلف فوق طاقتهم الحاضرة ولكنهم على استعداد لسداد ما يقترضونه لهذا السبب.
لهذا أوصى السيد المسيح بعدم رد من أراد أن يقترض ممن هو قادر على الإقراض.
قد يذهب القرض ولا يعود لوفاة المقترض المريض، أو لفشل في مشروع بطريقة خارجة عن إرادته،في هذه الحالة فالرب يعوض من أقرضه لأن من يقرض المحتاج يُقرض الرب، ولا داعي للخوف في مثل هذه الحالات لأن الرب صادق في مواعيده أن من يترك لأجله ولأجل الإنجيل فسوف يعوضه الرب مئة ضعف في هذا الزمان، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:37 PM   رقم المشاركة : ( 77 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

أبناء أبيكم الذي في السماوات

بعد أن تكلم السيد المسيح عن محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين والصلاة من أجل المسيئين قال: "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم، أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 45-48).
يقول معلمنا يوحنا الرسول: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1يو3: 1).
إنه شرف عظيم إذ ارتضى الله أن ندعى أولادًا له:
أولًا: لأننا كنا ساقطين في الخطية وفي قبضة الموت والهلاك الأبدي، وقد افتدانا بنعمته.
وثانيًا: لأننا نحن خليقة الله، والبنوة هنا ليست بالجوهر والطبيعة، بل بالتبني. فما أعظم الفارق بين الخالق والمخلوق.. ولولا أن الله في خيريته وصلاحه قد أعطانا نعمة الوجود، لما كنا موجودين على الإطلاق.
هذه البنوة التي أنعم الله بها علينا هي تعبير عن محبته الفائقة الوصف والمعرفة. ومن واجبنا أن نقدّرها حق قدرها.
هذه البنوة الفائقة التي لا يمكن وصفها تستدعى من جانبنا سلوكًا يتناسب مع كرامتها لئلا نحسب غير مستحقين لها لسبب تقصيرنا وإهمالنا وعدم مبالاتنا.
العبارة التي نطق بها السيد المسيح هي دعوة لنا لننتبه إلى قيمة البنوة لله "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (مت5: 16).
وقد سبق أن كرر السيد المسيح هذا المعنى في موعظته على الجبل حينما قال: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت5: 16).
وقد عبر القديس بولس الرسول عن هذه الحقائق في أنشودة جميلة في فاتحة رسالته إلى أهل أفسس فقال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح،كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب" (أف1: 3-6).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لقد اختارنا الله الآب في المسيح قبل تأسيس العالم، وسبق فعيننا للتبني، لمدح مجد نعمته.
فمن الواضح في كلام القديس بولس الرسول أن الاختيار الإلهي والتعيين للتبني بسابق علم الله قبل تأسيس العالم هو: أولًا: في المسيح. وثانيًا: لمدح مجد نعمته.
فالهدف من الاختيار السابق والتعيين للتبني هو لمجد الله.
وعاد القديس بولس يؤكد هذه الحقيقة في نفس الرسالة بقوله: "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها" (أف2: 10).
عبارة "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" معناها أننا إن أردنا أن نثبت في نعمة البنوة، ينبغي علينا أن نحفظ هذه الوصايا السامية في محبة الأعداء، والإحسان إلى المبغضين، والصلاة من أجل المسيئين. هذه الوصايا كما ذكرنا قبلًا هي أمور فائقة للطبيعة العادية لسائر البشر العاديين، ولكنها ممكنة جدًا بل ولازمة وضرورية بالنسبة لأولاد الله، وهى السمة التي تميزهم وبدونها لا يكونوا قد حققوا قصد الله من وجودهم لتمجيده ولمدح مجد نعمته.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يشرق شمسه على الأشرار والصالحين

تلاميذ المسيح لا يعرفون الكراهية ولا التعصب. لذلك يقدمون الخير للجميع متشبهين بأبيهم السماوي. وقد أراد السيد المسيح أن يوضح أن الآب السماوي لا يقدّم الخير للناس بحسب قداستهم، ولكن بحسب خيريته ورغبته في إعلان أبوته للجميع.
الكل يتمتعون بخيرات الله، حتى الذين يجدفون عليه، والذين ينكرون وجوده.. وهو يفعل هذا بطول أناته العجيب لعله يقتادهم إلى التوبة وإلى معرفته والرجوع إليه لأنه "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4).
إن الله لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع وتحيا نفسه، كما قال الرب: "هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا" (حز18: 23). ولهذا يمنح الخيرات للأشرار لعله يخجلهم بصلاحه ومحبته فيتوبون. ولكن إن لم يرجعوا ويتوبوا فإن الخير الذي منحه لهم الله سوف يكون سبب دينونته لهم فيما بعد.
وقد دعانا السيد المسيح أن نتمثل بالآب في منح الخير والعطايا للجميع.. حتى الأشرار ولكن طبعًا هذا لا يتضمن الأمور المقدسة الخاصة بالحياة الأبدية مثل التناول من جسد الرب ودمه، فهذا لا يجوز إلا للتائبين إذ هو عربون الأبدية. أما باقي الأمور الخاصة بالحياة الدنيوية فلا ينبغي أن نفرق فيها بين إنسان وآخر.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:38 PM   رقم المشاركة : ( 78 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

السلام على الآخرين
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

في مسألة التعامل مع الآخرين قال السيد المسيح أيضًا: "وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا" (مت5: 47).
الأمر يتعلق بعدم قصر السلام على المقربين أو المسيحيين فقط، بل يمتد إلى الجميع. ولكن هناك استثناء أشار إليه بولس الرسول بالنسبة لمن يسلكون في الكنيسة بلا ترتيب فقال: "إن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسِموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل. ولكن لا تحسبوه كعدو بل أنذروه كأخ" (2تس3: 14، 15). والقديس بولس الرسول يقصد في هذا الإخوة في الكنيسة الذين لا يطيعون النظام الكنسي أو الوصية الإلهية.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:39 PM   رقم المشاركة : ( 79 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

فكونوا أنتم كاملين

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
السيد المسيح يدعونا إلى الكمال متشبهين بالآب السماوي. ولكن هذا الكمال هو نسبى وليس كمال مطلق مثل كمالات الله.
قال السيد المسيح: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 48). والمزمور يقول: "طوباهم الكاملين طريقًا" (مز118: 1). وبطرس الرسول يقول: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بط1: 15).
إن الدعوة إلى الكمال هي دعوة مفتوحة لكي ينطلق الإنسان بلا حدود من كمال إلى كمال، ومن درجة في الفضيلة إلى درجة أعلى منها. ولكن عليه دائمًا أن يتذكر شعار بولس الرسول: "أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام.. ليس أنى قد نلت أو صرت كاملًا، ولكنى أسعى لعلى أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح" (فى3: 13، 12).
إن من يريد أن يعيش حياة الكمال عليه أن يشعر باستمرار إلى احتياجه إلى الكمال، وبعدم الرضا عما هو فيه. وإنه محتاج دائمًا إلى عطية النعمة التي تسعى به إلى طريق الكاملين.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 04:40 PM   رقم المشاركة : ( 80 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,344,646

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

الصدقة والعطاء

قال السيد المسيح: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (مت6: 1-4).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
سلامة الهدف

أوضح السيد المسيح أن الفضيلة لا تكون صحيحة إلا إذا كان هدفها صحيحًا. وكما قال قداسة البابا شنودة الثالث؛ أطال الرب حياته: [إن كل فضيلة إن لم تمتزج بالحب والاتضاع لا تحسب فضيلة على الإطلاق].
ففي ممارسة فضيلة الصدقة والعطاء ينبغي أن يكون الهدف هو محبة الله والقريب المحتاج، كما ينبغي أن تمارس هذه الفضيلة بروح التواضع وإنكار الذات، لأن "الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع4: 6).
لذلك حذّر السيد المسيح من أن يفقد الإنسان أجره، إذا مارس العطاء بدافع حب الظهور أمام الناس لكي يمدحوه.. إنه بهذا يكون قد استوفى أجره من مديح الناس. ولكنه يكون قد أضاع المكافأة السمائية وهى الأهم بكثير. ولو استمر الحال هكذا فما الذي ينتفع به الإنسان إن أضاع كل عمل الخير الذي عمله بسبب بحثه عن مديح الناس؟.
هل مديح الناس سوف يدخله إلى ملكوت السماوات؟! بالطبع لا.. بل بالعكس ربما يعطله عن ذلك. فإلى جوار إنه قد أضاع أجره، يكون معرضًا للسقوط في الغرور والكبرياء. ومعروف أن الكتاب قد قال "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم16: 18).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك

شدد السيد المسيح على أهمية الخفاء في ممارسة فضيلة العطاء فقال: "وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك" (مت6: 3) وقد قصد السيد المسيح بهذا القول أن يبذل الإنسان قصارى جهده في إخفاء العطاء الذي يمنحه للمحتاجين.. أن يكون العطاء في الخفاء إلى أقصى درجة، فلا يعرف به أقرب المقربين إليه.. بل لا تعرّف قلبك ما تفعله يدك.. وذلك لأن القلب يقع في الناحية اليسرى (الشمال) من صدر الإنسان. ومعنى ذلك أن يفعل الإنسان الخير ولا تمدحه أفكاره فيصير قلبه راضيًا عن نفسه.. بل المفروض أن ينسى الخير الذي فعله ويتطلع نحو الخير الذي لم يفعله.. وما أكثره!!

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أحيانًا يتبرع بعض الناس من أموالهم بدون حساب. أي أن المعطى هو نفسه لا يعرف قيمة المبلغ الذي أعطاه. مثل أن يأخذ كمية من النقود بالبركة ويمنحها لشخص محتاج أو أن تأتيه بركة مالية من الرب فلا يعدها (أي لا يحصيها)، ثم يقوم بتوزيعها على من هو محتاج دون أن يعرف مقدارها.
وأمثال هؤلاء الناس، لا تعرف شمالهم ما تفعل يمينهم.
كان القديس الأنبا ابرآم أسقف الفيوم، يقبل التبرعات تحت الوسادة، ثم إذا أتاه محتاج يطلب مساعدة يقول له أن يأخذ ما يحتاجه من تحت الوسادة. أو يأخذ كل ما تحت الوسادة معتبرًا أن البركة الموجودة قد أرسلها الرب لهذا الإنسان.
كان القديس الأنبا ابرآم رحيمًا جدًا بالفقراء دون أن تمدحه أفكاره، أو يمدحه قلبه لهذا السبب، بل كان يتزايد في عمل الخير باستمرار. وكان الرب يرسل له البركات بغزارة حسب قول الكتاب "النفس السخية هي تسمّن، والمروى هو أيضًا يُروى" (أم11: 25).
كذلك كان القديس الأنبا صرابامون أسقف المنوفية الملقب بأبي طرحة يضع شالًا على وجهه لإخفاء معالمه، ثم يذهب ليلًا إلى منازل المحتاجين ويضع أمام الباب ما يحتاجون إليه ويقرع على الباب ويسرع بالانصراف قبل أن يراه أحد أو يتعرف عليه أحد. ولسبب ذلك أسموه "أبو طرحة" أي من يضع على وجهه ثوبًا لإخفائه أثناء مساعدته للمحتاجين.
كان هؤلاء القديسون في منتهى الحكمة لأنهم لم يطلبوا مجدًا من الناس. بل كان الله هو شهوة قلوبهم والعمل على مرضاته هو مسرتهم، ومحبة الآخرين هي دافعهم إلى صنع الخير.
لم يطلبوا من الناس تعويضًا عن عطاياهم سواء بالمديح أو بالمعونة ولكن الرب كان يحرك قلوب الكثيرين ليقدموا لهم العطايا لمزيد من صنع الخير والتوزيع "لأنه بذبائح مثل هذه يُسر الله" (عب13: 16).
لم يهتم هؤلاء القديسون كثيرًا بإقامة الأبنية الفخمة، ولكنهم تركوا سيرة عطرة ومنحهم الرب مواهب الشفاء وصنع المعجزات حسب قوله المبارك: "إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي. وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب" (يو12: 26).
من أراد أن يخدم السيد المسيح يتبعه في طريق الصليب والجلجثة وإنكار الذات،وفي هذا الطريق وبهذه الخدمة الباذلة يمنح الآب الكرامة الحقيقية لخدام ابن محبته المتضعين الذين يطلبون مرضاته ولا هدف لهم إلا خدمة الرب في تواضع ومحبة حقيقيين.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص


الساعة الآن 05:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025