![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 69261 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الأعمى هو المرائي في مفهوم يوحنا الإنجيلي، حيث يستبدل لقب مراءٍ بلقب أعمى؛ فخطيئة اليهود في نظر يوحنا الإنجيلي تقوم على قولهم "إننا نرى" في حين أنهم عميان (يوحنا 9: 40). ويتعودِ المرء مغايرة ما في القلب عما على الشفتين، فيخفي نيَّته الخبيثة تحت شعار المهاودة والتمسّك بالشكلياّت، وهذا ما ندعوه رياء أو مراءاة. وليس الرياء الديني مجرد كذب، بل هو أيضا غش للغير بقصد كسب تقديره عن طريق ممارسات دينية لا تكون النيّة فيها سليمة. فيبدو المرائي كأنه يعمل من أجل الله، في حين أنه يعمل في الواقع من أجل ذاته والاهتمام "بالظهور أمام الناس" كما جاء في تعليم السيد المسيح "جَميعُ أَعمالِهم يَعمَلونَها لِيَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهم"(متى 23: 5)، لذلك جاء تأنيب يسوع شديد اللهجة تجاههم " أَيُّها المُراؤُون، أَحسَنَ أَشَعْيا في نُبؤءتِه عَنكم إِذ قال: ((هذا الشَّعْب يُكرِمُني بِشَفَتَيْه وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي. إِنَّهُم بالباطِلِ يَعبُدونَني فلَيسَ ما يُعلِّمونَ مِنَ المَذاهِب سِوى أَحكامٍ بَشَرِيَّة"(متى 15: 7 -8). لذلك وصفهم يسوع بالقبور "الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم أَشبَهُ بِالقُبورِ المُكَلَّسَة، يَبدو ظاهِرُها جَميلاً، وأَمَّا داخِلُها فمُمتَلِئٌ من عِظامِ المَوتى وكُلِّ نَجاسَة. وكَذَلِك أَنتُم، تَبدونَ في ظاهِرِكُم لِلنَّاسِ أَبراراً، وأَمَّا باطِنُكُم فَمُمتَلِئٌ رِياءً وإِثماً" (متى 23: 27 -28). الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69262 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() المرائي الأعمى يحاسب الناس على التعدِّيات الواهية، بينما يسمح لنفسه بارتكاب المنكرات، وأعظم الشرور فُجورًا. يدين الآخرين ويرميهم بأشنع المساوئ والعيوب وهو عن نفسه أعمى، إذ لا ينظر شيئًا، لأن الخشبة في عينيه تحجب الضوء عنه. "فمَن خالفَ وَصِيَّةً مِن أَصْغَرِ تِلكَ الوَصايا وعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلوا مِثْلَه، عُدَّ الصَّغيرَ في مَلَكوتِ السَّمَوات. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ بِها ويُعَلِّمُها فذاكَ يُعَدُّ كبيراً في ملكوتِ السَّمَوات" (متى 5: 19). فيطلب منا يسوع أن نطبق النصائح على أنفسنا قبل أن نمليها على الآخرين. الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69263 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() من المعروف أنَّ للقادة الروحيين دوراً لا بدَّ منه على الأرض، ولكن لا يجوز أن يأخذوا مكان الله نفسه. فعندما يستبدلون بالشريعة الإلهية سنناً بشرية يُعتبرون عُمياناً يريدون أن يقودوا غيرهم كما أوضح يسوع "لِمَ تُخالِفونَ أَنتُم وَصِيَّةَ اللهِ مِن أَجلِ سُنَّتِكم؟ "(متى 15: 3)؛ وتعليمهم ما هو إلا خميرة خبيثة، كما نبّه يسوع تلاميذه من الفِرِّيسيِّين بقوله "إيَّاكُم وَخَميرَ الفِرِّيسيِّين، أَي الرِّياء." (لوقا 12: 1). هؤلاء العميان، وإذا أعماهم خبثهم، ينبذون صلاح يسوع، ويتمسكون بأهداب شريعة السبت ليمنعوا عمل الخير فيها كما أعلن يسوع "أَيُّها المُراؤون، أَما يَحُلُّ كُلٌّ مِنكُم يومَ السَّبْتِ رِباطَ ثَورِه أَو حِمارِه مِنَ المِذوَد، ويَذهَبُ بهِ فيَسقيه؟ وهذِه ابنَةُ إبراهيم قد رَبطَها الشَّيطانُ مُنذُ ثَمانيَ عَشرَةَ سَنَة، أَفما كانَ يَجِبُ أَن تُحَلَّ مِن هذا الرِّباطِ يَومَ السَّبْت؟"(لوقا 13: 15 -16). الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69264 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() كان الفريسيون المراؤون يجرؤون على تصور يسوع المسيح الصانع المعجزات هو ِبَعلَ زَبولَ سيِّدِ الشَّياطين، فما ذلك إلا لأن القلب الخبيث لا يمكن أن يُخرج كلمة طيبة (متى 12: 24-34). وعليه فإنّ خطيئة المرائي الأساسية هي فساده الخفي (متى 23: 27-28)، فكان يسوع هنا يستخدم الكلمة الآرامية ×”ض·×—ض²×*ضµ×¤ض´×™× التي تعني في الكتاب المقدس "فاسق، كافر ": فالمرائي يصبح في نهايته كافراً. الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69265 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() ليس خطر الرياء محصورا على الفِرِّيسيِّين، إنَّما يشمل الجميع أيضا (لوقا 12: 56). فالمسيحي عُرضةٌ هو أيضاً لأن يصبح مرائياً. فالرسول بطرس نفسه وبرنابا وبعض اليهود لم ينجُوا من هذا الخطر، في حادث أنطاكيا، الذي جعلهم في خلاف مع بولس الرسول، فسلكوهم كان رياءً كما نقرا في رسالة غلاطية "لَمَّا قَدِمَ صَخْرٌ (بطرس) إلى أَنْطاكِية، قاوَمتُه وَجْهًا لِوَجْهٍ لأَنَّه كانَ يَستَوجِبُ اللَّوم: ذلِكَ أَنَّه، قَبْلَ أَن يَقدَمَ قَومٌ مِن عِندِ يَعْقوب، كان يُؤاكِلُ الوَثنِيِّين. فلَمَّا قَدِموا أَخَذَ يتَوارى ويتَنحَّى خوفًا مِن أَهْلِ الخِتان، فجاراه سائِرُ اليَهودِ في رِيائِه، حتَّى إِنَّ بَرنابا انقادَ هو أَيضًا إلى ريائِهِم" (غلاطية 2: 12-13). لذلك يوصى بطرس الرسول المؤمن أن يعيش بعيداً عن الرياء عالماً بأن الرياء واقف له بالمرصاد "أَلقُوا عَنكم كُلَّ خُبْثٍ وكُلَّ غِشٍّ وكُلَّ أَنواعِ الرِّياءِ والحَسَدِ والنَّميمة" (1 بطرس 1:2-2). لان الرياء يقود المؤمن إلى الارتداد عن الإيمان كما جاء في تعليم بولس الرسول “إِنَّ بَعضَهم يَرتَدُّونَ عنِ الإِيمانِ في الأَزمِنَةِ الأَخيرة، ويَتْبَعونَ أَرْواحًا مُضِلَّةً ومَذاهِبَ شَيطانِيَّة، وقَد خَدَعَهم رِياءُ قَومٍ كَذَّابينَ كُوِيَت ضمائِرُهم" (طيموتاوس 4: 1-2). الأب لويس حزبون - فلسطين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69266 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب، والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ ما هو خَبيث، فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه. تشير عبارة "الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب، والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ ما هو خَبيث" فتشير إلى إدانة الإنسان على أعماله الخارجة من القلب. أمَّا عبارة "الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب" فتشير إلى هؤلاء المعلمين الصالحين الذي ينتج منهم ومن اتباعهم إثمار الروح وهي "المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ 23 والوَداعةُ والعَفاف" غلاطية 5: 22-23). هذه الأثمار لا تنتج من قلب فاسد. "فَمِن فَيضِ القَلْبِ يتكلَّمُ اللِّسانُ، الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِن كَنزِه الطَّيِّبِ يُخرِجُ الطَّيِّب. والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ الخَبيث" (مَتَّى 12: 33، 35). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69267 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب، والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ ما هو خَبيث، فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه. "قَلبِه " فتشير إلى ما هو داخلي أو مركزي أو عميق أو خفي حيث يعتبر القلب مركز العواطف الجسدية والروحية (مزمور 62: 8 ويوحنا 14: 1)، ومركزاً للعقل (خروج 35: 35) والرغبة (نحميا 4: 6) والنيّة (مزمور 12: 2). وبحسب القلب تكون طبيعة الإنسان الروحية معوجَّة أو مستقيمة، طيبة أو خبيثة (مزمور 101: 4). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69268 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِنَ الكَنْزِ الطَّيِّبِ في قَلبِه يُخرِجُ ما هُوَ طَيِّب، والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ ما هو خَبيث، فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه. "الإِنْسانُ الخَبيثُ" فتشير إلى المعلمين الكاذبين الذي يدّعون التقوى ولكن أعمالهم تغاير كلامهم. فشهادة أعمالهم أصدق من شهادة ألسنتهم. أمَّا عبارة " فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه" فتشير إلى ما نقوله ينمُّ عمّا في قلوبنا. وصدق المثل القائل "كل إناء بما فيه ينضَح" الكلمات التي تصدر من الفم، دليل على حقيقة القلب؛ فما يُخفيه الإنسان في القلب سيظهر على لسانه في حديثه وفي سلوكه. إن الحديث والأعمال تكشف عن معتقدات الإنسان الحقيقية غير الظاهرة. يوضَّح ذلك متى الإنجيلي بقوله "الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِن كَنزِه الطَّيِّبِ يُخرِجُ الطَّيِّب. والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ الخَبيث"(متى 12: 34). وقد استعمل متى الإنجيلي هذه الاستعارة نفسها ليدلَّ على الإنسان الذي يُدان على أعماله (متى 7: 16-20) كما يستخدمها لتمييز الأنبياء الكذبة الذين يتنبؤون بما يريد الملك أو الشعب أن يسمعوه ويدّعون أن كلامهم رسالة الله. ولذلك يجب أن نفحص دوافع المعلمين وتوجيهاتهم والغايات التي يسعون إليها. ذكر المسيح المعلمين الكذبة وعاقبتهم؛ وبما أن تلاميذ يسوع يمكن أن يكونوا عرضة لمثل ذلك حذَّرهم من الرياء والخبث وخداع أنفسهم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69269 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() قصة وعبرة: "مِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه" (لوقا 6: 45) حكى أنه كان هناك ثلاثة رجال، يفكرون كثيراً في كيفية حماية لسانهم من الزلل، وكيف يضمنون صواب كلماتهم وتأثيرها. وبينما هم يفكرون، أقبل عليهم ملاك من السماء قائلاً: "لقد سُرِّ الله بكم وأنتم تفكرون في أمر كهذا وأرسلني لأرى ماذا يطلب كل واحد منكم". ثم اتجه الملاك إلى الأول بسؤاله: ماذا تريد أن يعطيك الله؟ فأجاب الأول: إني أخطئ كثيراً في كلامي، لذلك أريد فماً مغلقاً. أعرف إني سوف أخسر الكثير من الكلام الجيد الذي يمكن أن أقوله، لكنى سأضمن إني لن أخطئ في الكلام". وهكذا فعل له الملاك، فأعطاه فماً مغلقاً لا ينطق، فعاش طول عمره أخرساً، لا يخطئ في الكلام، ولكنه لا يتكلم أيضاً بما يفيد. ثم اتجه الملاك إلى الثاني بذات السؤال: فجاوبه قائلاً: "أعطني ذهناً متقداً بالذكاء، وبذلك سوف يقي ذكاء ذهني لساني من الزلل، وسأعرف أن أميِّز بين المفيد والمضر من الكلام. وكان له هذا فأعطاه الملاك ذهناً متقداً بالذكاء، وكان يُميز بين المفيد من الكلام والضار بذلك الذهن المتَّقد ذكاءً، إلا أن مشاعره وأحاسيسه كانت تغلبه أحياناً، فينطق بما لا يريد أن ينطق، ويقول ما يعرف أنه ضار، لقد كان ذهنه يُميِّز بين المفيد والضار، أما إرادته فكانت تغلبه أحياناً. وأخيراً جاء الملاك الثالث بذات السؤال، لم يجيب الثالث على الفور ولكنه فتح الكتاب المقدس على إنجيل القديس لوقا وقرأ بصوت عال " فمِن فَيضِ قَلبِه يَتَكَلَّمُ لِسانُه" (لوقا 6: 45). ثم بدأ يوجه كلامه للملاك قائلاً: أعطني قلباً مرضياً لدى الله." وبذلك لن أخشى الزلل في الكلام، ولن أفكر كثيراً قبل أن أنطق. فقلبي الطاهر سيضمن لي أن أخرج كلمات نقية في وقتها الصحيح". وقد أعطاه الملاك ما طلبه، فعاش سعيداً هانئاً. ويحكى أن ذلك الشخص لم يخطئ في كلامه أبداً، بل كان كل كلامه كلام حكمة، وكان بلسم لكل متألم، وتشجيع لكل ضعيف، وقد كانت أحلى كلماته تلك التي يترنم بها، هي تلك التي يقرأها في الكتاب المقدس. فكان في كل صباح تجده يترنم قائلاً: " قَلبًا طاهِرًا اْخلُقْ فيَّ يا ألله ورُوحًا ثابِتًا جَدِّد في باطِني" (مزمور 51: 12). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 69270 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() لا تسترسل فى كآبتك ![]() «لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلَهِي» (مز42: 11؛ 43: 5) في عنوان مزمور 42 ترد كلمة “قصيدة” - وبالعبرية “ماسكل” - وتعني “تأمل” و“فهم”. وعندما نتأمل في هذا المزمور، نفهم أنه اختبار ليهودي تقي، يُعاني مِن الحرمان مِن التمتع بمحضر الله، إذ كان بعيدًا عن الهيكل، وغلبته مشاعر الحزن والألم، لكنه تحوَّل إلي الله، فوجد فيه علاجًا لحالته. وفي مزموري 42، 43 يُمكننا أن نكتشف أسباب كآبة النفس، ما يُصاحبها من مشاعر أليمة، وكيفية علاجها: أولاً: ما هي أسباب الكآبة يصف لنا الكاتب ثلاثة أسباب: (1) الذكريات الأليمة: «هَذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ»، وكما جاءت في التفسيرية: “حين أتأمل في نفسي تعاودني هذه الذكري” (مز42: 4)؛ كيف كنتُ أُرافق حشود العابدين المُحتفلين بالعيد، وأقودهم في الحضور إلي بيت الله. إنه يتذكر أوقات العبادة الجماعية السابقة، والرفقة مع جموع المُعيِّدين، لكنه الآن في جفاف روحي شديد. ومن هنا نرى أن الاستغراق في المقارنة بين الماضي الجميل، بما فيه من ذكريات حلوة، والحاضر الأليم، بما فيه من حرمان وجدوبة، يسبب الاكتئاب. (2) ظروف ضاغظة شديدة: «غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ» (مز42: 7). وإن كانت هذه العبارة تنصرف في تطبيقها التام علي آلام ربنا المعبود، لكنها من جهة أخري تُصوّر اختبار الكاتب، ومعه كثيرون مِمِن يجتازون في الضيق. فقد يسمح الله بأحزان تتوالى على الشخص كما تتوالى مياه الشلالات. والكاتب يصف حالته: «يَا إِلَهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذَلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ» (مز42: 6). “الأردن”، المنحدر، يُكلّمنا عن الموت، والمقصود “بجِبَالِ حَرْمُونَ” هنا هو الحرمان من الله، و“جَبَل مِصْعَر” أي “صغير” ونري فيه صورة لصغر النفس! (3) سهام العدو وتعييره: «أَقُولُ لِلَّهِ صَخْرَتِي: لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِينًا مِنْ مُضَايَقَةِ الْعَدُوِّ؟» (مز42: 9) يُشدّد إبليس هجومه علي النفس المتألمة، لكي يُدخلها في حالة من الظلمة النفسية، فيُصوّر لها أن الله بعيد عنها، لا يشعر بها، وأن مراحمه قد انقطعت، وأنها ربما قد نُسيت منه تمامًا. والهدف من ذلك أن يَبتلع النفس في يأس وفشل. أليس لهذا يوصينا الكتاب: «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا، لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ» (1بط5: 8، 9). ثانيًا: مخاطر حالة الكآبة تصاحب هذه الحالة مشاعر نفسية سلبية: (1) صغر النفس: اختبر داود هذه الحالة ووصفها قائلاً: «إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ! إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي! إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ!» (مز13: 1، 2). ربما كتب هذه الكلمات وهو مُطارد من شاول، عندما صغرت نفسه في عينيه جدًا لدرجة أنه قال للملك: «وَرَاءَ مَنْ خَرَجَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ؟ وَرَاءَ مَنْ أَنْتَ مُطَارِدٌ؟ وَرَاءَ كَلْبٍ مَيِّتٍ! وَرَاءَ بُرْغُوثٍ وَاحِدٍ!» (1صم24: 14). لكن داود لم يستسلم لهذه المشاعر، لكنه شغَّل إيمانه، وتعلَّق برحمة الرب، كالغريق الذي يتعلق بطوق النجاة فنجا «أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاَصِكَ» (مز13: 5). (2) انحناء النفس: وهو اختبار كاتب مزمور 42 «يَا إِلَهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ» (مز42: 6)، وقد اختبرت حَنَّة التقية - ومعني اسمها “انحناء” - هذه المشاعر الأليمة؛ «فَقَامَتْ حَنَّةُ ... وَهِيَ مُرَّةُ النَّفْسِ. فَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ، وَبَكَتْ بُكَاءً». ولما «عَالِيَ ظَنَّهَا سَكْرَى ... أَجَابَتْ حَنَّةُ: لاَ يَا سَيِّدِي. إِنِّي امْرَأَةٌ حَزِينَةُ الرُّوحِ وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا، بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ» (1صم1: 10-15). إن انحنت نفوسنا، لنتذكر أن «اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ السَّاقِطِينَ، وَمُقَوِّمٌ كُلَّ الْمُنْحَنِينَ» (مز145: 14). (3) الرثاء للنفس: وقد كان لإرميا نصيب وافر منه. لنسمعه وهو يقول: «أَنَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي رأَى مَذَلَّةً بِقَضِيبِ سَخَطِهِ. قَادَنِي وَسَيَّرَنِي فِي الظَّلاَمِ وَلاَ نُورَ. حَقًّا إِنَّهُ يَعُودُ وَيَرُدُّ عَلَيَّ يَدَهُ الْيَوْمَ كُلَّهُ» (مرا 3: 1-3). وخطورة هذه الحالة إن الشخص يتصور، خطأً، أنه هو وحده الذي يجتاز هذه الآلام، وأن الله لا يُبالي به، ويصل الأمر إلي فقدان الثقة في الرب؛ «قُلْتُ: بَادَتْ ثِقَتِي وَرَجَائِي مِنَ الرَّبِّ» (مرا 3: 18). إلا أن إرميا واجه نفسه، وغيَّر من تفكيره، فابتدأ يُعدّد احسانات الرب: «أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو: إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ» (مرا 3: 21-23). وكأنَّ الشمس أشرقت عليه مرة أخرى، بعد ليل مظلم طويل. ثالثًا: كيف تتعامل مع المشاعر السلبية؟ عادة نتعامل معها بواحدة من هذه الطرق: (1) أن نسكب نفوسنا علي نفوسنا: «هَذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ» (مز42: 4). وهي حالة أليمة من الانحصار في الأحزان، للحد الذي تُصبح كأنها الطعام الذي تتغذي النفس عليه «صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلاً، إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ: أَيْنَ إِلَهُكَ» (مز42: 3). هنا يمتلئ الذهن بالأفكار السلبية، ويشتد الحوار الباطني السلبي. ولا مخرج إلا بالتحدث مع الرب. (2) أن نسكب نفوسنا علي الآخرين: كما قيل عن الأطفال في أيام إرميا إنهم - من شدة الجوع - يذهبون ويسكبون نفوسهم «فِي أَحْضَانِ أُمَّهَاتِهِمْ» (مرا2: 12). ونتعلَّم من هذا أنه قد نتحول لأحبائنا، ونتكلَّم معهم كثيرًا عن آلامنا وأحزاننا، ثم نتوقف عند هذا الحد، وهذا لن يُريح نفوسنا حقيقة. (3) أن نسكب نفوسنا قدام الرب: وهذه هي الطريقة الصحيحة وهي «تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ يَا قَوْمُ. اسْكُبُوا قُدَّامَهُ قُلُوبَكُمْ. اللهُ مَلْجَأٌ لَنَا» (مز62: 8). هذا ما فعلته حَنَّة التقية، فهي لم تستسلم لأحزانها، ولم تكتفِ بالإفصاح عن آلامها لألقانة زوجها، لكنها اتّجهت مباشرة للرب، وسكبت نفسها قدامه، وماذا كانت النتيجة؟ «مَضَتِ الْمَرْأَةُ فِي طَرِيقِهَا وَأَكَلَتْ، وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُهَا بَعْدُ مُغَيَّرًا» (1صم1: 15، 18). رابعًا: العلاج الصحيح للكآبة من مزموري 42، 43 نتعلم ثلاثة دروس هامة: (1) أن ننشغل بمن هو الله لنفوسنا: o هو الإله الحي «عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ» (مز42: 2)؛ الوحيد الذي يُروي عطش النفس، ويملأ أعمق احتياجاتها، رغم الجدوبة والجفاف. o هو إله حياتي «بِالنَّهَارِ يُوصِي الرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاَةٌ لإِلَهِ حَيَاتِي» (مز42: 8)؛ هذا يعني إنه يعرفني بالتمام، ويعرف تكويني، لذا أستطيع أن أستودع له كل تفاصيل حياتي، واثقًا أنه يعتني بي. o هو إله حصني «لأَنَّكَ أَنْتَ إِلَهُ حِصْنِي» (مز43: 2)، الذي أحتمي به في مواجهة كل اضطرابات الحياة وكل مخاوف الطريق «اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ»، «صَالِحٌ هُوَ الرَّبُّ. حِصْنٌ فِي يَوْمِ الضَّيق، وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ» (أم18: 10؛ نا 1: 7). (2) أن ندرك حاجتنا الماسة إلي كلمته: «أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي» (مز43: 3). ليس ما يُبدد ظلمة النفس مثل الكلمة، وما تُعلنه عن الله «نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ (يُحي وينعش). شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ» (مز19: 7، 8). أحبائي لنقرأ كلمة الله، ونفهمها ونردِّدها، ونلهج فيها للقدر الذي به تتجدَّد أذهاننا. (3) أن لا نفرِّط في الوجود في حضرة الرب: لاحظ لهفة الكاتب «أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ، هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ» (مز43: 3). فلا يوجد مثل محضر الرب، حيث نلتقي به هو شخصيًا، عندئذٍ يفيض القلب بالشكر، وتنطلق الألسنة بالحمد. والكاتب يتدرج في أشواقه: «فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ اللهِ، إِلَى اللهِ بَهْجَةِ فَرَحِي، وَأَحْمَدُكَ بِالْعُودِ يَا اللهُ إِلَهِي»؛ مساكنك، مذبح الله، الله ذاته الذي هو بهجة فرحة (مز43: 3، 4). إن الرب في صلاحه كافٍ أن يخرج كل نفس حزينة من كآبتها، ويغمرها بسلامه، ويقودها للفرح فيه. آمين. |
||||