24 - 10 - 2014, 04:36 PM | رقم المشاركة : ( 6661 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثلا بناء البُرْج وخوض الحرب نصُّ الإنجيلوكانتْ جموعٌ كثيرةٌ تسيرُ مَعَ يسوع , فالتفتَ وقالَ لهُم : " مَنْ أَتى إِليَّ ولَمْ يُفضِّلْني على أَبيهِ وأُمِّهِ وامرأَتِهِ وبَنيهِ وإِخوتِهِ وأَخواتِهِ , بلْ على نفسِهِ أَيضاً , لا يستطيعُ أَنْ يكونَ لي تلميذاً . ومَنْ لمْ يحمِلْ صليبَهُ ويتبَعْني لا يستطيعُ أَنْ يكونَ لي تلميذاً . فمَنْ مِنكُم , إِذا أَرادَ أَنْ يَبنيَ بُرجاً , لا يجلِسُ قَبْلَ ذلكَ ويَحسُبُ النفقَةَ , ليرى هَلْ بإِمكانِهِ أَنْ يُتِمَّهُ , مخافةَ أَنْ يضعَ الأَساسَ ولا يَقْدِرَ على الإتمام , فيأَخُذَ جميعُ الناظرينَ إِليهِ يسخَرونَ مِنْهُ ويقولون : هذا الرجلُ شرَعَ في بِناءٍ ولم يَقْدِرْ على إِتمامِهِ . أَمْ أيُّ ملكٍ يسيرُ إلى مُحاربةِ ملكٍ آخَرَ , ولا يجلِسُ قبلَ ذلك فيُفكِّرُ ليرى هل يستطيعُ أَنْ يُلاقيَ بعشَرَةِ آلافٍ مَنْ يزحَفُ إِليهِ بعشرينَ أَلفاً ؟ وإلاَّ أَرسَلَ وفداً، ما دامَ ذلكَ الملكُ بعيداً عَنهُ , يسأَلُهُ عنْ شروطِ الصُلح . وهكذا كُلُّ واحدٍ منكُم لا يتخلَّى عَنْ جَميعِ أَموالِهِ لا يستطيعُ أََنْ يكونَ لي تلميذاً." ( لوقا 14/25-33 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن هي أنَّ المسيحي لا يستطيع أن يُتَمِّمَ بناءَ بُرْج خلاصه الأبدي, ولا أن يحارب عدوَّه إبليس وينتصر عليه إذا اكتفى بعاطفة دينيَّة سطحيَّة تنهار تحت تأثير الصدمة الأولى, بل يجب عليه ليُصيب هذا الهدف الديني السامي أن يستند إلى غِنى يسوع وقوَّته الإلهيَّة, وإلى مساهمة إرادته الصامدة المصمِّمة على اتباع المعلِّم الإلهي, مهما كانت مطالبُهُ صعبةً وشاقَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. العاطفة الدينيَّة السطحيَّة تنهار بسرعة رأى يسوع أنَّ كثيرين مِنَ الناس يواكِبونَهُ, تدفعهم إلى السير معه عاطفة الحماسة الدينيَّة السطحيَّة. فالتفت إليهم وقال لهم: " من أتى إليَّ ولم يتخلَّ عن أحبِّ الناس وأقربهم إليه, وحتى عن نفسه, ولم يحملْ صليبه ويتبعْني, فلا يمكن أن يكون لي تلميذاً " . بهذا الكلام الواضح القاطع حذَّرهم يسوع مِنَ الاكتفاء بالعاطفة الدينيَّة السطحيَّة غير المؤسَّسةِ فيهم على الإيمان الراسخ به والمحبَّة الصادقة له والإرادة الصامدة أمام الصعوبات, ذلك لأنَّ العاطفة وحدَها مؤقَّتة وضعيفة لا تلبث أن تنهار وتضمحلَّ أمام متطلَّبات يسوع الشاقَّة, فيتركونه نهائيَّاً وينقطعون عن السير معه, وعن سماع أقواله وتعاليمه, وتتلاشى فيهم كُلُّ علاقةٍ إيمانيَّةٍ به. وأراد يسوع أن يوضِّح فكرته فضرب لهم مثلَيْ بناء البُرْج وخوض الحرب. بناء البُرْج وخوض الحرب شبَّه يسوع من يستسلم إلى العاطفة الدينيَّة السطحيَّة وحدَها برجُلٍ أخذ يبني بُرْجاً ولم يحسُب نفقة البناء. فما كادت جدران البُرْج ترتفع حتى توقَّف عن العمل لأنَّه استند إلى عاطفة الافتخار بقدرته الماليَّة الوهميَّة, ولم يستندْ إلى الطاقة الماليَّة الفعليَّة الضروريَّة لإتمام البناء. وشبَّهَهُ أيضاً بملكٍ أراد أن يُحارب ملكاً آخر بعشَرة آلاف جندي, مع أنَّ جيش الملك خصمه مؤلَّف من عشرين ألفاً. فلو أقدم على خوض المعركة ضدَّه مُستنداً إلى عاطفة الاعتزاز بجيشه الأضعف لوقع حتماً في الأسر وأضاع مملكته وفَقَدَ حياته. لذلك فمن أراد أن يبني بُرْجاً بكامله يجب عليه ألاَّ يكتفي بعاطفة الافتخار الوهميَّة, بل يجب أن تكون لدَيْه القدرةُ الماليَّة الحقيقيَّة. وكذلك الملك الذي يريد أن يحارب ملكاً آخر ويربح الحرب يجب عليه ألاَّ يكتفي بعاطفة الاعتزاز بجيشه الضعيف, بل يجب أن تكون لدَيْه الطاقةُ العسكريَّة المتفوِّقة. هكذا فإنَّ من أراد أن يتبع يسوع باستمرار طوالَ أيَّام حياته يجب ألاَّ يكتفي بعاطفة دينيَّة سطحيَّة تنهار أمام الصدمة الأولى, بل يجب أن تكون لدَيْه القدرةُ الفعّالة التي تمكِّنه من تحقيق مطالب يسوع الثلاثة الصعبة. وهذه القدرة تأتيه من مؤآزرة الله, والإيمان بالمسيح, ومساهمة إرادته القويَّة المصمِّمة على اتباع يسوع. ومتى حقَّق مطالب يسوع الثلاثة استطاع أن يتمِّم بناء بُرْج خلاصه الأبدي, ويحارب عدوَّه إبليس وينتصر عليه. مطالب يسوع الثلاثة الصعبة عندما نتحدَّث عن مطالب يسوع نتصوَّر أنَّه يريد منَّا أن نقوم بأعمال صالحة محدَّدة, كالصوم والصلاة والإحسان. إنَّ مطالبَ يسوع أعمقُ منها وأصعب. إنَّه يريد منَّا أن نتخلَّى عن ثلاثة أمور غالية الثمن, وهي أموالنا, وأقاربنا, وحياتنا نفسها. وإليكم إيضاح مطالب يسوع الثلاثة: 1- التخلِّي عن الأموال كلِّها من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب عليه أن يتخلَّى عن جميع أمواله: " هكذا كُلُّ واحدٍ مِنكُم لا يتَخَلَّى عنْ جَميعِ أَموالهِ لا يستطيعُ أَنْ يكونَ لي تلميذاً" لا يطلب يسوع بهذا القول أن يكون تلميذه فقيراً مُعدماً يحتاج إلى لقمة العيش, بل يطلب منه ألاَّ يتعلَّق قلبه بحُبِّ المال, ولا يجعل المال إلَهاً يعبده من دون الله. فالله قد أعطانا المال لنعيش بكرامة, ونساعد الفقراء, ونعمِّم الخير في العالم, ونساهم في نشر ملكوت الله على الأرض فنؤازر الكنيسة ونساعد المرسَلين في العالم, وغير ذلك من الحاجات الإنسانيَّة والدينيَّة الضروريَّة. 2- التخلِّي عن قيود القرابة من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب عليه أن يتخلَّى عن قيود القرابة: " مَنْ أَتى إليَّ ولَمْ يُفَضِّلْني على أَبيهِ وأُمِّهِ وامرأَتِهِ وبَنيهِ وإِخوتِهِ وأَخواتِهِ لا يستطيعُ أَنْ يكونَ لي تلميذاً." لقد وجَّه يسوع هذا القول إلى فئتين من المسيحيين: فالفئة الأولى هي الفئة المختارة التي دعاها يسوع إلى أن تفضِّل الحياة معه على كلِّ قرابة. وهذه الفئة تتألَّف من مجموعة الرهبان والراهبات والمُرسَلين والمُرسَلات. إنَّهم يتركون بلادهم ووالديهم وإخوتهم وأخواتهم, ويمتنعون عن الزواج, ويعيشون كُليَّاً مع يسوع في الأديار وأماكن الإرساليّات, ويبشِّرون باسمه في كُلِّ قطرٍ من أقطار العالم أرسلتْهم إليه إرادتُهُ الإلهيَّة. والفئة الثانية تتألَّف من سائر المسيحيين الأتقياء المنتشرين في العالم. هؤلاء لا يتركون بيوتهم ولا أقاربهم, ولا يمتنعون عن الزواج, بل يتخلَّون عن كُلِّ ما تميل إليه الطبيعة البشريَّة من شهوات ورغبات وعلاقات خاطئة, فيعيشون مع يسوع عيشة الحُبِّ بصفاء, ويمارسون واجباتهم الدينيَّة بأمانة, وينصرفون إلى تحقيق مطالب المحبَّة الأخويَّة بصدق, ويقدِّمون للمسيح بكرم وسخاء أولادهم المدعوِّين إلى سلوك الحياة الكهنوتيَّة والحياة الرهبانيّة المكرَّسة, فيكون ليسوع في قلوبهم المقامُ الأوَّلُ حتى بالنسبة إلى أقرب أقاربهم. 3- التخلِّي عن الأنانيَّة الشخصيَّة من أراد أن يكون تلميذاً ليسوع يجب أن يتخلَّى عن أنانيَّته الشخصيَّة وحُبِّه المفرط لذاته, ويحمل صليبه كُلَّ يوم ويتبع يسوع: " مَنْ أَتَى إِلَيَّ ولم يُفَضِّلْني على نَفسِهِ ولمْ يَحمِلْ صليبَهُ ويَتبعْني لا يستطيعُ أَنْ يكونَ لي تلميذاً." بهذا الكلام أراد يسوع أن يُقاوِمَ المسيحيُّون الإفراط في حُبِّ ذواتهم, ويتخلَّوا عن نزوات أنانيَّتهم الفرديَّة, ويسيطروا على عواطفهم الشخصيّة, ويفضِّلوا حبَّه ورغباته الروحيَّة على كُلِّ حُبٍّ ذاتي وكلِّ رغبةٍ شخصيَّة ماديّة, ويقبلوا من يده القدوسة كلَّ متاعب الحياة وصعوباتها وصُلبانها باستسلام كامل إلى إرادة الله تعالى. البنَّاؤون المهرة والملوك الظافرون ومن هم هؤلاء البنَّاؤون المَهَرة والملوك الظافرون؟ إنّهم القدِّيسون. لقد فهموا أنَّهم لن ينالوا السعادة الأبديَّة المرجوَّة إلاَّ إذا بنَوا لأنفسهم بُرْج الخلاص, وخاضوا ضدَّ إبليس معركة النصر. وفهموا أيضاً أنَّهم لن يتمكَّنوا من بناء هذا البُرْج والانتصار في المعركة إلاَّ إذا تسلَّحوا بقدرة الربِّ يسوع الإلهيَّة. فإنَّهم بشرٌ ضِعاف, ومقدرتهم الشخصيَّة ضئيلة, وذخائِرَهم القتاليَّة محدودة جدَّاً. لذلك فإنَّهم يلجأون إلى الربِّ يسوع ليؤازرهم على إصابة هدفهم السامي. إنَّهم يُنفِّذون مطالب يسوع الثلاثة, فيتخلَّون عن أموال الدنيا الزائلة, وعن قيود القرابة البشريَّة, وعن كلِّ رغبةٍ أرضيَّة, فينالون المعونة المطلوبة, ويبنون بُرْج خلاصهم, وينتصرون على إبليس, ويهيِّئون أنفسهم لأن يكونوا من سكَّان السَماء ويتمتَّعوا يوماً ما بالمطلب الحقيقي الأسمى وهو يسوع نفسه. يسوع هو المطلب الحقيقي الأسمى 1- إنَّ المسيحي الصادق لا يتخلَّى عن كُلِّ شيء في الدنيا إلاَّ ليحصل على يسوع نفسه ويتمتّع به مدى الأبد. فإنَّه اللُؤْلُؤَةُ الثمينة والكنزُ الحقيقي والمطلب الأسمى. 2- وكذلك فإنَّه لا يبدأ بناء البُرْج المؤدِّي إلى السماء, ثمَّ يتوقَّف عن ضجرٍ أو عجزٍ أو عدمِ حكمةٍ روحيَّة, ولا يُقدِم على محاربة عدوِّه إبليس من دون أن يُقدِّر سلطته وقوَّته الشيطانيَّة, بل يتمسَّك بشخص يسوع وقدرته الفائقة, ويسأله مؤازرة نعمته الإلهيَّة, ويبدي استعداده لأن يضحِّي في سبيل الحصول عليه بكُلِّ شيء في هذه الحياة ليكون قويَّاً بقوَّة يسوع, وعندئذِ يستطيع أن يُتِمَّ بناء بُرْج خلاصه, ويتغلَّب على إبليس عدوِّه, ويحظى بيسوع نفسِهِ مطلبِهِ الأسمى ومصدر سعادته الأبديَّة. التطبيق العملي 1- يطلب منك يسوع أن تقوم بالجهاد الروحي المتواصل وتتبعه باستمرار. فلبِّ طلبه بإرادةٍ حازمة متوكِّلاً على نعمة الله. ولا يكُنِ المالُ أو ميلُ الطبيعة البشريَّة أو حبُّ الذات المفرط عائِقاً يمنعُك من تحقيق ما يريده منك. 2- وإذا دعاك يسوع إلى تبنِّي الحياة الكهنوتيَّة أو الحياة الرهبانيَّة المكرَّسة, أو حياة الخدمة الرسوليَّة, فلا ترفضْ هذه الدعوة السامية, ولا يكُنْ تعلُّقك بأهلك حاجِزاً ينتصب بينك وبين دعوته لك. 3- ولا تنطوِ أبداً على ذاتِك تحت تأثير الأنانيَّة, بل افتحْ قلبك لكُلِّ نداء يوجِّهه إليك يسوع صديقك المُخْلص. وتحمَّلْ كُلَّ مشقَّة وتعب في سبيل تحقيق رغباته فيك. |
||||
24 - 10 - 2014, 04:38 PM | رقم المشاركة : ( 6662 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل السِراج المُنير
نصُّ الإنجيل قالَ يسوع : " أَيَأْتي السِراجُ لِيُوضَعَ تَحتَ المِكيالِ أوْ تَحتَ السَرير ؟ أَلا يأْتي ليُوضَعَ على المَنارة ؟ فما مِنْ خَفِيٍّ إلاَّ سَيُظهَر ولا مِنْ مَكتُومٍ إِلاَّ سيُعلَن . مَنْ كانَ لهُ أُذُنانِ تَسمعانِ , فليسمَعْ ." ( مرقس 4/21-23 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ السِراج المُنير هو يسوع نفسُهُ, النور السماوي المتلألئ, الذي جاءَ إلى العالم لا ليختفيَ تحت طيِّ الكتمان, بل لينتشر في العالم كلِّه ويضيء الناس ويجعَلهم يتمتَّعون به, فيكون بهجةَ قلوبهم وسببَ خلاصِهم الأبدي. وإليكُم إيضاح هذه الفكرة. يسوع نور العالم قال يسوع للجمع: " أَنا نورُ العالَم . مَنْ يتبَعْني لا يمشِ في الظلام . بل يكونُ لهُ نورُ الحياة ." (يوحنا 8/12 ) 1- فيسوع نورُ العالم بسموِّ تعاليمه الموحاة التي أَطْلَعَ بها الناس على أُبوَّة الله للبشر ومحبَّته الوالديَّة لهم وعنايته بهم أجمعين, وعلى الواجب الذي يدعوهم إلى أن يحبُّوا بعضهم بعضاً، كما أحَبَّهم هو حُبّاً بلغ مُنتهى الحبّ. 2- ويسوع نورُ العالم بكمال شخصيّته الإلهيّة ومَثَلُ الفضائل السامية التي مارسها في حياته, ومِنْ أبرزها المحبّة والوداعة والحنان والصبر والعفاف والطاعة الكاملة لإرادة أبيه السماوي, والعطف على المرضى والخطأة والمتألِّمين والمُهمَلين. 3- ويسوع نورُ العالم بروعة التضحيات الكثيرة التي تحمَّلها, ولا سيَّما بالتضحية الكبرى التي أقدم عليها ونفَّذها في سبيل خلاص البشريَّة الخاطِئة, فمات على الصليب طوعاً لأجلِها. 4- ويسوع نورُ العالم بالكشف عن حياة الله الداخليّة الفائقة الوصف التي أظهرت للناس أنَّ الله محبَّة, وأنَّ المحبَّة فضيلةٌ إلهيَّة تنعَمُ بها, حتى على الأرض, نفسُ كلِّ من يؤمِن بيسوع ويحيا حياة القداسة, فتكون هذه المحبّةُ سببَ سعادته الدائمة في السماء. نور يسوع يتلألأ أمام جميع الناس لم يأتِ يسوع إلى العالم ليبقى سِرّاً مخفيَّاً أو نصيبَ فئةٍ ضئيلةٍ من المؤمنين, بل ليكون نوراً يتلألأ أمام جميع الناس. وهذا ما حمله على أن يأمر تلاميذه بأن ينشروا نورَهُ في العالم كلّه: " اذهَبوا وتلمِذوا جميعَ الأُمَم , وعلِّموهم أَنْ يحفظوا كُلَّ ما أَوصيتُكم بِهِ ." ( متى 28/19 ) لقد أرسل يسوع تلاميذه إلى العالم لكي يُعلِنوا للجميع كلَّ ما علَّمهُم إيَّاه على انفراد من الحقائق الإلهيَّة النَيِّرة. قال لهم: " ما أَقولُهُ لكُم في الظُلُمات قولُوهُ في وَضْحِ النهار , وما تسمعونَهُ يُهمَسُ في آذانِكُم نادوا بهِ على السُطوح . فما مِنْ خفيٍّ إلاَّ سيُظهَر ولا مِنْ مكتومٍ إلاَّ سيُعلن." ( متى 10/26 ومرقس 4/23 ) الكنيسة تابعت مَهَمَّة الرسل التبشيريَّة 1- إنَّ الكنيسة التي خلفت الرسل تابعت- ولا تزال تتابع- مَهَمَّتهم التبشيريَّة في العالم, فنقلت إلى الناس أجمعين تعليم يسوع الذي اقتبسته من الإنجيل المقدَّس, ومن رسائل بولس الرسول, ومن الرسائل الجامعة التي كتبها سائر الرسل القديسين. 2- فمن أصغى إلى أقوال الكنيسة, وكان صاحب نيَّة سليمة, تغلغل كلام يسوع في قلبه, وكان هذا الكلام نوراً له وهداية, فبلغ إلى معرفة الله الحقَّة, وسلك حياة التوبة, وقام بالأعمال الصالحة, وجاهد الجهاد الروحي ليحقِّق خلاصه الأبدي. وهذا ما أشار إليه يسوع بعبارة وجيزة عندما قال:" من له أُذنانِ تسمعانِ فليسمعْ" . 3- ولكنَّنا نعلم أنَّ في العالم أناساً أشراراً, يكرهون نور يسوع لأنَّ أعمالهم شرِّيرة. فهؤلاء تحلُّ بهم دينونة الله. قال فيهم يوحنَّا الإنجيلي: "إِنَّ النورَ جاءَ إلى العالم , ففضَّلَ الناسُ الظلامَ على النورِ لأَنَّ أَعمالَهم كانتْ سيِّئَة ."(يوحنا 3/19 ) إنَّ هؤلاء الأشرار الذين يحاولون أن يُخفوا نور يسوع "تحت المكيال" أو "تحت السرير" هم المُلحدون وأصحابُ البِدَع. إنَّهم لا يستطيعون أن يحجبوا عن العالم نورَ يسوع الساطع, ولا أن يطفئوه, لأنَّ يسوع هو نورُ الله, وهو أسمى من أن تطاله أيدي الكفرة والملحدين والأثمة. يريد يسوع أن يكون المسيحي أيضاً نورَ العالم قال يسوع لتلاميذه : " أنتم نور العالم ". (متّى 5/14/) لم يشأ أن يكون وحدَه نور العالم, بل أراد أن يقتدي به كلُّ فردٍ من أتباعه المسيحيين, فيكون بإيمانه القويم وأخلاقه الصالحة وسيرة حياته الفاضلة نوراً للعالم. وعبَّر يسوع عن فكرته بتشبيهين 1- المسيحي مدينةٌ مبنيَّةٌ على جبل شبَّه يسوع الإنسان المسيحي بالمدينة المبنيَّة على جبل. قال: " لا تَخفى مدينةٌ مَبنيَّةٌ على جَبَل ." (متّى 5/14) إنَّ جميع الناس يرونها من بعيد, فيأتون إليها ويدخلونها, ويحتمون في داخل أسوارها من أذى الأعداء وخطر الحيوانات المفترسة, فيحيون فيها حياة الاطمئنان والأمان والسلام. إنّ هذا التشبيه يؤكّد أنّه يجب على المسيحي أن يكون كالمدينة العالية التي تجذُب الناس إليها، فيُصبحَ بأعماله الفاضلة قدوةً صالحة لهم يجذُبَهم بها إلى تبنّي أسلوب حياته القويم ويجعلهم يحيَون على مثاله حياةَ السلام والاطمئنان الروحي. 2- المسيحي سِراجٌ منير وقال يسوع: " لا يُوَقدُ سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المِكيالِ , بل على المنارةِ فيُضِيءُ لجميعِ الذينَ في البيت ." بهذا القول شبَّه يسوع الإنسان المسيحي بالسراج المنير الذي يوضع على المنارة لينير جميع مَنْ في البيت. وما هو البيت الذي ذكره يسوع ؟ إنَّ البيت الذي ذكره هو المحيط البشري الذي يعيش فيه المسيحي, والأسرة التي يحيا بين أعضائها, والرعية التي ينضمُّ إليها, والأخويَّة التي ينتسب إليها, والمدرسة التي يُعلِّم أو يتعلَّم فيها, وورشة العمل التي يشتغل فيها, والوظيفة التي يُمارسها, والنادي الذي يرتاده, ومجموعة الأصدقاء الذين يُعاشرهم. يسوع يطلب من المسيحي أن يكون نوراً ساطعاً في هذا البيت, ليحمل جميعَ من يعيشون فيه على أن يسلكوا سلوك حياته الفاضلة المستنيرة بالأعمال الصالحة: " لِيُضِئْْ نورُكُم قُدَّامَ الناسِ , لِيَروا أَعمالَكُم الصالحةَ ويُمَجِّدوا أَباكُم الذي في السماوات." (متى 5/14-16) فالهدف الذي يتوخَّى يسوع إصابته من دعوته للمسيحي إلى أن يكون نوراً للآخرين بأعماله الصالحة هو تمجيدُ اسم الله الآب السماوي على الأرض, لا الافتخار بنفسه أمام عيون الناس. التطبيق العملي نحن نؤمن بأنَّ يسوع نورُ العالم. وهذا ما يجعلنا نتبعه بفرحٍ وسلام. ولكنَّ يسوع لا يكتفي بأن يكون وحده نور العالم، بل يطلب مِنْ كُلِّ واحدٍ منَّا أن يصبح هو أيضاً نور العالم. غير أنَّنا كثيراً ما نُهمل طلب يسوع, عن تعمُّدٍ أو عن طيش, ونعيش عيشة الفتور والخطيئة السافرة, فعوضاً عن أن نكون للآخرين قدوة صالحة تقودهم إلى الله, نكون لهم سبب عثرة وخطيئة تُبعدهم عنه تعالى. ولذلك نشعر بخجلٍ عميق يستولي علينا, ولا نعرف كيف نبرِّر أنفسنا أمام نظرات يسوع الحادَّة التي تُعاتِبنا على سوء سلوكنا. إنَّنا لا نقدر أن نلبِّي دعوة يسوع ونكون نوراً للآخرين إلاَّ إذا كان حُبَّ يسوع قائماً في قلوبنا. ولا يقوم هذا الحُبُّ فينا إلاَّ إذا عشنا معه بالصلاة والتأمّل في أقواله الإنجيليَّة, وطلبنا منه القوَّة والعون بوساطة أسراره المقدَّسة التي رسمها لتشفي نفوسنا، وتُغذّي حياتنا الروحيَّة، وتجعلنا قادرين على أن نكون نوراً للناس بأعمالنا الصالحة التي تمجِّد الله تعالى. |
||||
24 - 10 - 2014, 04:44 PM | رقم المشاركة : ( 6663 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معنى الأمثال الواردة في الإنجيل وتصنيفها المطران ميشيل يتيم أتحدّث إليكم في هذا المساء عن الأمثال التي ضربها يسوع في أثناء حياته التبشيرية، والمدوَّنة في الأناجيل المقدَّسة.معنى المثل للمثل في اللغة العربية عدة معانٍ. اكتفي بذكر معنَيَيْن فقط. فالمثل، في المعنى الأول، هو قول سائر بين الناس، يعبّر بجملة موجزة عن خبرة شعب معيّن في مجالات السلوك والأخلاق والمواقف الحياتية والتصرّف اليومي. إنّ الحلبيين يحبون المآكل الطيبة، ومع ذلك فإنهم يفضّلون عليها الأفراح والحفلات، ويسمونها "البَسْط". فجاء المثل في قولهم: "إن جاعَتْ البطن بأيْش ما كان قَوّتْها وساعة البسط عمرك لا تفوّتها". وقالوا في الاستعداد للزواج: "حَضِّر الفلوس بتجي العروس". وقالوا في محبتهم للهدايا: "شو أحلى من العسل؟ خلَّ ببلاش". إني لا أتحدث عن الأمثال بهذا المعنى، بل بالمعنى الثاني. فالمثل، بالمعنى الثاني، هو قصة قصيرة، مشوّقة، وبسيطة، ورفيعة المستوى الخُلقي وذات معنى ديني سامٍ، سردها يسوع على الذين كانوا يستمعون إليه، وقد اقتبس مكوّناتها من عادات الناس، أو من تصرف ملوكهم، أومن أعراسهم وحفلاتهم، أو من مِهَنِهم، أو من مظاهر فضائلهم وخطاياهم، أو من الطبيعة الزراعية المحيطة بهم. ومن أشهر الأمثال الواردة في الأناجيل مثل "الابن الشاطر" ومثل "السامري الرحيم" ومثل "الغني والعازر الفقير". في أيٍّ من الأناجيل الأربعة نجد الأمثال ؟ إننا نجد الأمثال في الأناجيل الإزائية الثلاثة التي كتبها الإنجيليون متى ومرقس ولوقا. ولكننا لا نجد أيّ مثل في إنجيل يوحنا بل أقوالاً صريحة تفوّه بها يسوع مع بعض تشابيه. ولماذا لم تَرِد الأمثال في إنجيل يوحنا؟ لأن يوحنا توخّى في كتابة إنجيله أن يعرض مطلب يسوع الأساسي، وهو الإيمان به. وألحّ على ذكر هذا المطلب حتى إنه أصبح الهدف الذي أراد إصابته من كتابة إنجيله. قال يسوع يوماً للمستمعين إليه ولا سيما لرؤساء اليهود من الكتبة والفرّيسيين وعلماء الشريعة: "إنْ لم تؤمنوا بأني أنا هو تموتون في خطاياكم." أَجابوه: "مَنْ أنت؟" (يوحنا 8/24). وفي الواقع كيف يمكنهم أن يؤمنوا به إن لم يعرفوا من هو معرفة دقيقة؟ إن هذه المعرفة الدقيقة التي طلبوها من يسوع حملته على أن يحدّد هُويّته تحديداً واضحاً وشاملاً ، بكلام صريح ، دقيق ، ومفصّل ، وَرَدَ لا في صفحة واحدة من إنجيل يوحنا ، بل في كثيرٍ من صفحات إنجيله . قال لهم عن نفسه : " أنا نور العالم " (يو 8/12) – " أنا خبز الحياة " (يو 6/48) – "أنا الطريق والحق والحياة" (يو 14/6)– " أنا الراعي الصالح" (يو 10/11) – " أنا الكرمة وأنتم الأغصان " (يو 15/5) – "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8/58) أي منذ الأزل – "أنا ملك" (يو 18/3) قال ذلك القول لبيلاطس – "أنا المسيح" (يو 4/25) قال ذلك القول للسامرية – "أنا والآب واحد" (يو 10/20) قال ذلك القول لرؤساء اليهود . إن هذه الأقوال وغيرها التي حدّدت شخصية يسوع بدقّة قد فهمها الرؤساء فهماً جيداً . فحاولوا أن يقبضوا عليه وأن يرجموه بالحجارة . قالواله : " أنت إنسان ، وتجعل نفسك إلهاً "(يو10/33). لم يتكلّم يسوع معهم على شخصيّته بلغة الأمثال، لأن الأمثال لا تستطيع أن تحدّد هويّته بدقّة ووضوح لِما فيها من رموز ومعانٍ خفيّة، ولِما تحتمله من تآويل مختلفة . ولمّا كان يوحنا قد عهد على نفسه أن ينقل إلينا كلام يسوع نقلاً صادقاً فقد خلا إنجيله من الأمثال خلواً كاملاً . أما الإنجيليون الثلاثة الآخرون ، متى ومرقس ولوقا ، فلم يحصروا اهتمامهم بنقل ما قاله يسوع في موضوع الإيمان به فحسب ، بل نقلوا إلينا موضوعاً آخر أيضاً ، قد تحدّث عنه يسوع مرّاتٍ كثيرة، وهو ملكوت الله. لقد تحدّث يسوع عن ملكوت الله ( أو ملكوت السماوات في إنجيل متى ) لا بلغة صريحة كما فعل لمّا حدّد هويّته، بل بلغة الأمثال. فنقل الإنجيليون الثلاثة إلينا كلام يسوع كما خرج من فمه ، أي بلغة الأمثال التي نقرأها في أناجيلهم . وسنرى في الحديث الثاني لماذا تكلّم على ملكوت الله بلغة الأمثال لا بلغة صريحة. تصنيف أمثال ملكوت الله ضرب يسوع خمسةً وثلاثين مثلاً عن ملكوت الله وتحدّث عنه من جوانبه الثلاثة ، وهي الجانب العقائدي ، والجانب الأخلاقي ، والجانب النَبَوي . وإليكم كلمة عامة على هذه الجوانب الثلاثة: - الجانب العقائدي يعرض علينا ما قام به يسوع من أعمال لنشر ملكوت الله على الأرض ، ويبيّن مقاومة الشيطان لأعمال يسوع ، ومصير مَنْ يتبعون غواية الشيطان . - والجانب الأخلاقي يذكر لنا أجمل الفضائل وأسماها التي يجب على أبناء الملكوت أن يمارسوها في حياتهم الفردية والاجتماعية. - والجانب النَبَوي يؤكد لنا ضرورة قبول ملكوت الله ، ويصف لنا حكم الله الشديد على الذين يرفضونه ، والعقاب الأليم الذي يحلّ بهم . لذلك نقول إن الأمثال على ثلاثة أنواع : عقائدية ، وأخلاقية ، ونبوية . وإليكم بعض التوضيح لكلٍّ من هذه الأنواع الثلاثة . النوع الأول : الأمثال العقائدية كان لرسالة يسوع على الأرض وجهان متميّزان الواحد عن الآخر تمييزاً واضحاً . فالوجه الأول هو التبشير بملكوت الله , والوجه الثاني هو فداء البشرية الخاطئة وخلاصها الأبدي بتضحيات حياته وموته على الصليب ، وبقيامته من بين الأموات . إن الأمثال لا تتكلم إلاّ على الوجه الأول ، وهو التبشير بملكوت الله وسعي يسوع لنشره في العالم . ولا تذكر شيئاً عن الوجه الثاني ، وهو فداء البشرية وخلاصها الأبدي ( إلاّ تلميحاً بسيطاً جداً جاء في مثل الكرّامين القتلة ) . ومما يجدر الإشارة إليه هو أن الأمثال التي تتحدّث عن سعي يسوع لنشر ملكوت الله لا تذكر بالتفصيل كلّ ما قام به يسوع من أعمال في سبيل نشر هذا الملكوت ، بل تذكر نوعين من الأعمال فقط، وهما نشاطه في زرع كلام الله في نفوس الناس ، وتأسيسه للكنيسة التي تتابع عمله التبشيري في العالم . إن الأمثال العقائدية ثمانية ، سبعة وردت في إنجيل متى ( في الفصل الثالث عشر ) وواحد في إنجيل مرقس خاص به ( في الفصل الرابع ) . وهذه الأمثال هي أمثال الزارع ، والزؤان ، وحبّة الخردل ، والخميرة في العجين ، واللؤلؤة الثمينة ، والشبكة التي ألقيت في البحر ، والزرع الذي ينمو ، والكنز المخفي في الحقل . ليس لدينا الوقت لدراسة كل مثل بمفرده . أكتفي بأن أعرض عليكم فكرة عامة وسريعة عن هذه الأمثال ، وأشرح لكم شرحاً بسيطاً مثل الكنز المخفي في الحقل . إن هذه الأمثال تؤكد لنا أن ملكوت الله حقيقة واقعية . فهي مملكة روحية قائمة على الأرض ، مكوّنة من البشر، ومَلِكها الله تعالى . لقد قام فيها يسوع بنشاط رائع . زرع في قلوب الناس كلام الله ( مثل الزارع ) ، وأسّس الكنيسة، فكانت في بدء وجودها صغيرة تكاد لا تُرى ( الشطر الأول من مثل حبة الخردل ) . ثم أخذت تتابع عمله وتعمل في قلوب الناس عملاً خفياً ( مثل الخميرة في العجين ) . فانضمّ إليها مجموعة كبيرة من الناس ، حتى إنها امتدت في الأرض ونمت وأصبحت كالشجرة العظيمة التي تأوي إليها طيور السماء ( الشطر الثاني من مثل حبة الخردل ) . ولكن الشيطان لا يريد أن تنعم الكنيسة بالوحدة وصفاء الإيمان ، فزرع بين أبنائها الصالحين جماعة من الأشرار وأصحاب البدع ( مثل الزؤان ) . ومع ذلك ، فإن الكنيسة تتابع نموّها ( مثل الزرع الذي ينمو )حتى انقضاء الدهر . ومتى حلّ انقضاء الدهر يُفصل الأبرار عن الأشرار ( مثل الشبكة التي ألقيت في البحر ) ، فيتمتّع الأبرار بالسعادة الأبدية ( مثل اللؤلؤة الثمينة ) ويُلقى الأشرار في الهلاك الأبدي كما يُلقى السمك الرديء في قاع البحر ( خاتمة مثل الشبكة ) . لقد سُمّيت هذه الأمثال أمثالاً عقائدية بالمعنى الواسع ، أي إنها عرضت بعض العقائد المسيحية من دون تحديد أو تفصيل وقبل أن أنتقل إلى الحديث عن النوع الثاني من الأمثال أعرض بسرعة " مثل الكنز المخفي في الحقل " : بينما كان الفلاح يحرث حقل سيده اصطدمت سكّة المحراث بشيء صلب ، فتوقف الفلاح عن العمل ومال إلى الأرض وكشف التراب . يا للفرح ! صندوق حديدي مخفي تحت التراب مملوء بالذهب والجواهر . الفلاح ذكي وفطن . إنْ حمله إلى بيته فوراً كُشف أمره وصادرته الحكومة . فعاد وطمره ، وذهب ، وباع بيته وكل ما كان يملكه وجاء إلى صاحب الحقل ورجاه أن يبيعه الحقل . فباعه إياه . فأصبح الفلاح منذ تلك الساعة من كبار الأغنياء . الكنز هو يسوع نفسه . من اكتشفه بالإيمان لن يتخلّى عنه ، بل يضحّي بكل شيء ليحتفظ به . هذا ما فعله القديسون . إنه الغنى والسعادة . وهذا ما يجب علينا أن نفعله ليبقى يسوع لنا غنىً في الدنيا والآخرة . النوع الثاني : الأمثال الأخلاقية جاء يسوع ليهذّب الناس ويرفع مستواهم الخلقي ، فضرب سبعة عشر مثلاً ، ذكر فيها أهم الفضائل الخلقية التي يجب على المسيحيين أن يمارسوها . إن هذه الأمثال موزّعة على إنجيل لوقا وإنجيل متى ، أكثرها في إنجيل لوقا ، وأقلّها في إنجيل متى ، ولا وجود لها في إنجيل مرقس . وإليكم لائحة هذه الأمثال الخلقية : السامري الرحيم ( لو 10/31-37 ) – والعبد العديم الشفقة ( متى 18/23-35 ) – والابن الشاطر ( لو 15/11-32 ) – والفرّيسي والعشّار ( لو 18/9-13 ) – والغني والجاهل ( لو 12/16-21 )– والوكيل الخائن ( لو 16/1-8 )– والمدينيْن اللذين عجزا عن وفاء دَيْنهما (لو7/41-43) – والصديق اللّجوج ( لو 11/5-8 ) – والقاضي الظالم والأرملة ( لو 18/1-8 ) - وبناء البرج (لو 14/28-29)– والمـلك وضرورة الاستعداد للحرب (14/31-32) – والخروف الضالّ (متى 18/12-14) – والدرهم الضائع (لو 15/8-10) – والوزنات (متى 25/14-30)– والأمناء (لو 19/11-27) – والـعبيد الـذين ينتظرون سيّدهم (لو 12/35-38)– والغني والـعازر الفقير (لو 16/19-30). وإليكم فكرة عامة عن هذه الأمثال . إن هذه الأمثال تدعو الإنسان المسيحي إلى ممارسة الفضائل الكبرى: 1- فتلحّ إلحاحاً شديداً على ضرورة ممارسة ملكة الفضائل التي هي المحبة بشقّيها محبة الله ومحبة الآخرين. فتبيّن جمالها ( السامري الرحيم ) ، ومفعولها في النفس ( المدينان اللذان عجزا عن وفاء دينهما ) ، والمصير البائس الذي يلقاه مَن لا يمارسها ( الغني والعازر الفقير ، والغني الجاهل ، والعبد عديم الشفقة ). 2- وتذكر مساوئ الخطيئة ، وواجب التوبة ، وحنان الله على التائب ، وقباحة الحقد بين الإخوة ( الابن الشاطر ) وجَهْد يسوع لإعادة الإنسان الخاطئ إلى التوبة ( الخروف الضال ، والدرهم المفقود ). 3- وتصف الفائدة الروحية من الصلاة المتواضعة ( الفرّيسي والعشّار ) والثقة البَنَوية التي تحمل على الإلحاح في الصلاة ( الصديق اللّجوج ، والقاضي الظالم والأرملة ) . 4- وتبيّن ضرورة التصرّف بحكمة في الحياة لبلوغ الخلاص الأبدي ( الوكيل الخائن ، بناء البرج ، استعداد الملك للحرب) وأهمية الجهاد الروحي لاستثمار مواهب الله فينا (الوزنات والأمناء) وفائدة إخلاص الإنسان لله خالقه (العبيد الذين ينتظرون سيدهم). إن هذه الأمثال تؤمن بقدرة الإنسان المسيحي على أن ينمو داخلياً ويرتفع إلى مستوى عالٍ في مجالات العلاقات البشرية ، وحياة التقوى ، والصلاة , والتصرّف بحكمة وجهد وإخلاص ، بشرط أن يلبّي دعوة الله ، ويفتح نفسه التوّاقة إلى الأسمى ، لنعمة الله لتعمل فيها عملها الإلهي . وأختم حديثي عن الأمثال الخلقية بعرض مثل " الغني الجاهل " . رجل غنيّ أخصبت أراضيه . فلما جمع غلاله قال في نفسه :" غلالي وافرة ومخازني ضيّقة ، ماذا أعمل ؟ أهدم مخازني ، وأبني أوسع منها ، وأكدّس فيها غلالي. وأقول لنفسي :" يا نفسي ، لك خيرات كثيرة لسنين كثيرة . فاستريحي ، وكلي، واشربي ، وتنعّمي ." فقال له الله :" يا جاهل ! في هذه الليلة تؤخذ منك نفسك. فَلِمَنْ يكون ما أعددته " وقال يسوع :" هذا مصير من يكنز لنفسه ولا يغتني عند الله ." لقد ارتكب هذا الغني خطأين كبيرين : الأول أنه اطمأن إلى حياة طويلة . فالمال شدّد قلبه ونزع من ذهنه فكرة الموت، فلم يستعدّ لآخرته . والخطأ الثاني ، وهو الأعظم ، أنه استسلم إلى الأنانية المفرطة ، فلم يفكّر في مؤازرة المحتاجين من أطفال يتامى ، ونساء أرامل ، وشيوخ وعجائز مهملين، ومرضى معذبين بحاجة إلى الدواء، وفقراء تعوزهم لقمة العيش . كان بخيلاً، أنانياً إلى أبعد حدٍّ من البخل والأنانية.لذلك قال عنه يسوع إنه قد اغتنى للأرض ، ولم يغتنِ عند الله . فكان غنياً جاهلاً لم يعرف أن يستفيد من غناه للحصول على سعادة الحيا ة الأبدية . إنه مثلٌ يدعونا نحن المسيحيين ، إلى أن ننفتح على الآخرين ونفكّر في مؤازرتهم على قدر إمكاناتنا . النوع الثالث : الأمثال النَبَوية لقد اصطدم يسوع في حياته التبشيرية بالشرّ المتغلغل في قلوب بعض الناس ، ولا سيّما في قلوب الكتبة والفرّيسيين وعلماء الشريعة . وكان أبشع مظهر لهذا الشرّ رفض الإيمان بالمسيح ، ومقاومة إرادة الله بالعصيان، ومحاولة تشويه مخطّط الله لخلاص البشر ، وسلوك الحياة الفارغة من الأعمال الصالحة . فضرب يسوع بعض الأمثال ليعبّر عن شرّ هؤلاء الأثمة ، ويدعوهم إلى التوبة والإيمان بالمسيح الموعود ، وينذرهم بالعقاب الذي سيحلّ بهم بسبب مواقفهم السيئة . وقد دُعيت هذه الأمثال نَبَوية لا لأنها كانت كلّها تتنبّأ عن المستقبل ، بل لأنها كانت تؤنّب الخطأة المعاندين كما كان أنبياء العهد القديم يؤنّبون المتمسكين بشرّ الخطيئة وينذرونهم بعقاب الله . إن أكثر هذه الأمثال ورد في إنجيل متى ، وأقلّها في إنجيل لوقا ، وعددها عشرة ، وإليكم لائحتها : التينة العقيمة (لو13/6-9) - التينة المورقة (متى 21/18-22) - العذارى العشر (متى 25/1-12) – مثل الإبنَيْن (متى 21/28-32) – عمّال الكرم (متى20/1-16) – الصِبْية في الساحات (متى 11/16-17) – التينة التي لانت أوراقها (متى 24/32-34) – المدعوون إلى العرس (متى 22/2-14) – المدعوون إلى العشاء (لو 14/15-24) – الكرّامون القتلة (متى 21/33-45). لا يمكننا أن نطالع الآن هذه الأمثال كلّها . إني أكتفي بأن أعطيكم عنها فكرة عامة . إن هذه الأمثال ثلاث فئات : 1- الفئة الأولى تدعو الخطأة إلى التوبة والقيام بالأعمال الصالحة ، وإلاّ حلّ بهم الموت الروحي وكان مصيرهم الهلاك الأبدي ( التينة العقيمة ، التينة المورقة ، العذارى العشر ) ، كما تدعوهم إلى طاعة الله ( مثل الإبنَين ) وعدم التذمر على أحكام الله وإلاّ طُردوا من الملكوت ( عمّال الكرم ) . 2- الفئة الثانية تصف عناد الفرّيسيين وتمسّكهم بالحجج الواهية لرفض الإيمان بالمسيح ابن الله . ولذلك فقد حرمهم الله من حكمته الإلهية ( الصِبية في الساحات ) وحطّم كيانهم تحطيماً كلّياً ( التينة التي لانت أوراقها ، المدعوون إلى العرس ، المدعوون إلى العشاء ) . 3- الفئة الثالثة تذكر خيانة الرؤساء لعهد الله ، وقد تعدّوا على ابن صاحب الكرم وقتلوه ( الكرّامون القتلة ) ، فكان نصيبهم الموت واستبدالهم بكرّامين أمناء ، وهم الرسل ، يؤدّون لصاحب الكرم الثمر في أوانه . ولا بدّ هنا من ملاحظة هامة، وهي أن هذه الأمثال بأنواعها الثلاثة يتداخل بعضها في بعض ، وليس بينها فاصل قاطع، بمعنى أن الأمثال النَبَوية فيها توجيهات أخلاقية ، وأن الأمثال الأخلاقية فيها إشارات عقائدية . والآن أعرض باختصار مثل المدعوين إلى عرس ابن الملك (متى 22/2-14). الملك وجّه دعوته إلى المدعوين بمناسبة عرس ابنه. فرفضوها. فمنهم من لم يبالِ بها ، ومنهم من تعدّى علىخدّام الملك فشتموهم وقتلوهم. فأرسل الملك جيوشه وأهلك هؤلاء القتلة وأحرق مدينتهم . ثم أرسل الملك خدّامه إلى الطرق فدعوا إلى العرس كلّ من وجدوه ، فامتلأت القاعة بالمدعوين. ولمّا تفقّد الملك المدعوين لاحظ أن واحداً منهم ليس عليه حلّة العرس التي كانت تُقدّم لهم عندما كانوا يدخلون القاعة. فأمر الملك عبيده بأن يقيّدوا يديه ورجليه ويلقوه في الظلمة البرّانية حيث البكاء وصريف الأسنان . المثل واضح . اليهود هم أوّل من وُجّهت إليهم الدعوة إلى الإيمان بابن الله، فلم يبالوا بها أو رفضوها بعنف. فعاقبهم الله وهدم مدينتهم ( وجرى ذلك في العام 70 على يدَي طيطس القائد الروماني ). أما الذين كانوا في الطرق فهم الوثنيون. فقد لبّوا الدعوة، وآمنوا بابن الله، ودخلوا الكنيسة. ولكن لا يكفي أن يكون المسيحي عضواً في الكنيسة ليتمتّع بالسعادة الأبدية. فلا بدّ له من أن يلبس حلّة العرس، أي أن يكون في حال النعمة ، وإلاّ كان الهلاك مصيره. فالمثل يفرض علينا أن نعيش في حال النعمة الإلهية لننعم بالسعادة الأبدية ونتكئ إلى مائدة الملك السماوي للأبد. الخـلاصة عندما نقرأ هذه الأمثال المشوّقة نطرح على يسوع هذا السؤال ، كما طرحه عليه الرسل قبلنا : لماذا تكلّم الجموع بالأمثال ( متى 13/10 ) . أرجو الحصول منه على الجواب في الحديث المقبل |
||||
24 - 10 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 6664 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل السامري الرحيم
نصُّ الإنجيل قالَ أَحدُ عُلَماءِ الشريعةِ ليسوع : " مَنْ قَريبي ؟ " فأَجابَ يسوع : " كانَ رَجُلٌ نازِلاً مِنْ أُورشَليم إلى أَريحا , فوَقَعَ بأَيْدي اللُّصوص . فعرَّوهُ وانهالوا عليهِ بالضَرْب . ثُمَّ مَضَوا وقد تركُوهُ بَيْنَ حَيٍّ ومَيْت . فاتَّفقَ أَنَّ كاهِناً كانَ نازِلاً في ذَلِكَ الطَريق , فرآهُ فَمالَ عنهُ ومَضَى . وكذلكَ وَصَلَ لاويٌّ إلى المكانِ فرآهُ فمالَ عنهُ ومَضَى . ووصَلَ إليهِ سامِريٌّ مسافرٌ , ورآهُ فأَشْفَقَ عليهِ . فدنا مِنهُ وضَمَدَ جِراحَهُ , وصَبَّ عليها زيتاً وخمراً , ثُمَّ حَمَلَهُ على دابَّتِهِ وذهبَ بهِ إلى فُنْدُقٍ واعتَنى بهِ . وفي الغدِ أَخرَجَ دينارَيْنِ ودَفَعَهُما إلى صاحِبِ الفندُقِ وقال : " اِعتنِ بأَمرِهِ , ومَهما أَنفَقْتَ زيادَةً على ذلِكَ , أُؤَدِّيهِ أَنا إِليكَ عِنْدَ عَودَتي." قالَ يسوع لعالِم الشريعة : " فَمْن كانَ في رأْيكَ مِنْ هؤلاءِ الثلاثة , قريبَ الذي وقعَ بأَيدي اللُّصوص ؟ " فأَجاب : " الذي عامَلَهُ بالرَّحمة ." فقالَ لهُ يسوع : " اِذهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلِكَ ." ( لوقا 10/29-37 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ كُلَّ إنسانٍ بائِس قريبُنا. فلا يفصِلُنا عنهُ دين أو قوميَّة أو لغة أو نظام سياسي أو وضع اقتصادي. وما دام كُلُّ إنسانٍ بائِس قريباً لنا فيجب علينا أن نساعِدَ كُلَّ إنسان يحتاج إلى مُساعدتِنا, سواء أكانت هذه المساعدة ماديَّة أم روحيَّة أم معنويَّة. وهذا ما فعله السامري الرحيم. أمَّا السامري الأعظم, الذي لم يَرِدْ اِسمُهُ بصراحة في هذا المثل, فهو يسوع المسيح نفسه الذي تحنَّنَ على البشريَّةِ الجريحة, فقدَّمَ لها المؤازرة بتعاليمِهِ ونِعَمِهِ وموتِهِ على الصليب وقيامتِهِ المجيدة, وأعادَ إليها الحياة الإلهيَّة وعافيتها الروحيَّة التي فقدتْها بالخطيئة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. من قريبي؟ من قريبي؟ طرحَ مُعَلِّمُ الشريعة على يسوع هذا السؤال وهدفُهُ أن يُقيم معهُ جدالاً نظريَّاً لتحديدِ هويَّةِ القريب. ولكنَّ يسوع أعرض بلباقة عن هذا الجدال العقيم, وقاد مُعلِّم الشريعة إلى أرض الواقع, وضربَ لهُ مثلاً قالَ له فيه: إنَّ قريبَك هو كلُّ إنسان بائِس يحتاج إلى مُساعدتِك, حتى وإنْ كان هذا الإنسانُ في الظاهر بعيداً عنكَ أو عدوَّاً لك. وجاء في المثل على ذِكرِ ثلاثةِ رجال مرُّوا بالجريح, فوصف سلوك كُلِّ واحدٍ منهم وأظهر بذلك من هو القريب, وكيف يجب علينا أن نساعد القريب المحتاج. سلوك الرجال الثلاثة الرجل الأوَّل كاهنٌ يهودي. مرَّ بالجريح اليهودي وأبصرهُ ثمَّ تركَهُ بحُجَّةِ أن مساعدة الجريح ليست من شأنه ولا من مَهَمَّتِه. إنَّ مَهَمَّتَهُ تقوم بأن يُقَدِّم في الهيكل الذبائح لله تعالى. وبهذه الحُجَّة طمأَنَ قلبَهُ وتابعَ طريقَهُ وهو مرتاحُ الضمير. والرجل الثاني لاويٌّ يهودي. واللاوي رجلٌ عُهِدَتْ إليه خدمةُ الهيكل, وفُرِض عليه أن يُحافِظ على الطهارة الشرعيَّة. فإنْ مسَّ مَيْتاً أصبحَ نَجِساً وأُبعِدَ عن الخِدمة. فلمَّا تطلَّع إلى الجريح, والجريحُ يَئِنُّ ويتلوَّى بين الحياة والموت, قال في نفسِه: إن مَسَسْتُهُ قد يموتُ بين يديَّ فأصبحُ نجساً. والشريعةُ تنهاني عن أن أُعرِّض نفسي للنجاسة. وتمسَّك اللاوي بحرف الشريعة وتابع طريقَهُ وهو مطمئِنُّ الضمير. والرجل الثالث رجلٌ سامري. والسامريُّون أعداء اليهود. فكان من الطبيعي أن يترك الجريحَ اليهوديَّ, ويتابع طريقه كما فعل الكاهن واللاَّوي. ولكنَّ صوت الضمير أخذ يتحدَّث إليه ويقول له: " لا شكَّ في أنّ هذا الجريح ربُّ أسرةٍ. فإذا أهملتَهُ مات ففقدتْ أسرتُُهُ مُعيلَها، وتعرّضت للفقر والجوع وأصبحت في شقاءٍ عظيم. فمتى ظهر البؤسُ زالتِ العداوةُ بين الناس، وقامتْ مقامَها الرحمة". وسمع السامري لصوت ضميره. فنزل عن دابَّتِه, ومال إلى الجريح, وقدَّم له ما يحتاج إليه من إسعافات وخدمات. وهكذا أصبح هذا الجريحُ العدوُّ أقربَ الناس إلى السامري. وختم يسوع مثله بقوله لمعلِّم الشريعة: "اِذهبْ فاعملْ أنتَ مِثل ذلك." معنى المثل: الأنانيّةُ تُبعد والمحبّةُ تُقرّب يُطلِعُنا هذا المثل على أن الإنسان البائس, المطروح أمامنا, كثيراً ما يكون في واقع سلوكنا اليومي بعيداً عنَّا بُعداً شاسعاً لأنَّ الأنانيَّة التي فينا, كما كانت في الكاهن اليهودي واللاَّوي, تمنعُنا من أن نتطلَّع إليه ونتوقَّف عنده ونميل إلى مساعدته. فمن كان مسيحيَّاً صادقاً عَمِلَ, كالسامري الرحيم, على أن يكون كُلُّ إنسانٍ بعيدٍ عنه لسببٍ ما قريباً منه, وذلك بأن يترك للمحبَّة المجال لأن تفتحَ عينَيْه ليرى بؤس مَنْ يتألَّم في هذه الدنيا, وتجعلَه يتوقَّف عنده ويؤازره. فالأنانيَّة تُبعِد, والمحبَّة تُقرِّب. الأولى تخلق المسافات بين الناس, والثانية تُزيلُها كلّياًً. لقد جاء يسوع ليُعلِّمنا أن نقاوم الأنانيَّة المتأصِّلة في قلوبِنا ونُلبِّي نداء المحبَّة الصادقة التي دعانا الله إلى ممارستِها. يسوع المسيح السامريُّ الأعظم إنَّ إيماننا المسيحي يقول لنا إنَّ هناك سامريَّاً آخر أعظمُ شأناً بما لا يقاس من السامري الرحيم. فهو لم يكتفِ بأن يُنقِذَ رجلاً جريحاً بائِساً, بل أنقذ البشريَّة الجريحة كلَّّها من الموت والهلاك الأبدي. إنَّه يسوع المسيح. 1- البشريَّة الجريحة كانت البشريَّة قبل أَلفَيْ عام جريحة تتلوَّى على الأرض بين الموت والحياة. لقد هاجَمها الشيطان بإزالةِ عبادة الله من قلوب البشر, ونشْرِ الوثنيَّة, وحَمْلِ الأقوياء على التفنُّن في استعباد الضعفاء, ودَفْعِ الناس إلى ارتكاب الخطايا القذرة والجرائِم البشعة من دون رادع ضمير, فشوَّه فيهم معرفة الله, وأضعف قدرتهم على عمل الخير. فلم تعُد البشريَّة تقوى على أن تداوي نَفسَها بنفسِها. (رومة 1/18-32) 2- عجزُ كهنةُ الأصنام ومرَّ بها, وهي طريحةٌ على الأرض, كهنة الأصنام والعبادات الوثنيَّة, فعجزوا عن تقديم الدواء الشافي لها لتستعيد صِحَّتها الروحيَّة، فبقيت على شفا الموت. 3- عدم فائدة مخطَّطات العلماء الاجتماعيين ثمَّ مرَّ بها علماءُ النظريَّات الاجتماعيَّة, فرسموا المخطَّطات الكثيرة ونظَّموا القواعد التقنيَّة في سبيل استثمار قدرات الطبيعة. ولكنَّهم لم يُفيدوا البشريَّة الخاطئة التي بقيت قابعةً في بؤسها الروحي وبعيدةً عن الله بُعداً شاسعاً. 4- محبّة يسوع السامري الأعظم ومرَّ بها السامري الأعظم, يسوع المسيح, فتوقَّف عن المسير, ومال إليها, وضَمَدَ جروحها بدمه المهراق على الصليب وخمر أسراره المقدَّسة, فأنعش حياتها بنعمة قيامته المجيدة, وجاء بها إلى فندق الكنيسة لتُتابع العناية بها. ثمَّ وعدها بأن يعود إلى الأرض مرّةً ثانيةً, في يوم الدينونة العامَّة, ليُعيد النظام إلى نصابه, ويضع كُلَّ إنسانٍ في المكان الذي يستحقَّه. لقد عطف يسوع على البشريَّة الخاطئة, وأنقذها من بؤسها الروحي بتعاليمه وموته وقيامته وتدفُّق نِعَمِه عليها. إنَّه السامري الأعظم صاحب المحبَّة اللاَّمحدودة. التطبيق العملي 1- تذكَّرْ أنَّ الدينَ المسيحي دينُ المحبَّة. فكُنْ في حياتِك السامريَّ الرحيم على مثال يسوع السامري الأعظم. وساعدْ المحتاجين على قدْر طاقتِك. 2- أمَّا مجالات المساعدة فكثيرةٌ جدَّاً, تطلَّعْ إليها تَجِدْها بسهولة. إنَّها دوماً بين يديك. إنَّ ظروفَ الإنسان المحتاج تدلّك على المساعدة التي يطلبها منك ليخفّف عنه ثَِقَلَ حاجته. فلا تكُنْ قاسي القلب كالكاهن اليهودي واللاّوي المرائي. |
||||
24 - 10 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 6665 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل اللُّؤلؤة الثمينة نصُّ الإنجيلمَثَلُ ملكوتِ السمَاواتِ كَمَثَلِ تاجرٍ كانَ يَطلُبُ اللُّؤْلُؤَ الكريم فَوَجَدَ لُؤْلُؤَةً ثَمينة , فمضَى وبَاعَ جَميعَ ما يَملِكُ واشتَراها. (متى 13/45-46) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يعرض على الإنسان المسيحي لُؤْلُؤَةً ثمينةً للغاية, وهو مُستعدٌّ لأن يبيعها بثَمن أدنى بكثير من قيمتها الفِعليَّة. فالمسيحي الواثق بالله تاجرٌ ماهر لا يَدَعُ هذه اللُّؤْلُؤَة تُفلِت من بين يدَيْه, بل يضحِّي بكُلِّ ما يملكُه ويشتريها لأنَّها ستكون مصدرَ غِناه وسعادتِه الأبديَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. اللُّؤْلُؤَة الثمينة هي الحياة الأبديَّة شبَّه يسوع ملكوت السمَاوات باللُّؤلؤة الثمينة. واللُّؤلؤَة الثمينة في هذا المثل هي الحياة الأبديَّة. إن الحياة الأبديَّة هي الحياة السعيدة عند الله في المدينة السماويَّة مقرِّ الهناءِ الدائم والفرح الصافي والبهجةِ التي لا تنتهي ولا يشوبها كَدَر. وقد وصفها يوحنَّا الرسول في سفر الرؤيا فقال: "ورأَيْتُ المَدينةَ المقدَّسةَ أُورشليمَ الجديدةَ نازلةً من السماء . وسمعتُ صوتاً يهتِفُ : هوذا بيتُ اللهِ والناس . يسكُنُ اللهُ مَعَهُم، ويكونونَ لهُ شعْباً . اللهُ مَعَهُم ويكونُ لهُم إِلهاً . ويُكَفكِفُ كُلَّ دَمعَةٍ تسيلُ مِنْ عيونِهم . ولم يبقَ لِلموتِ وجودٌ , ولا لِلبُكاءِ , ولا لِلصُراخِ , ولا للألَمِ , لأنَّ العالَمَ القديمَ قد زال . وكانتِ المدينةُ المقدَّسَةُ تَتَلأْلأُ مِثْلَ أَكْرَمِ الحِجارة , وبها غِنىً عن ضِياءِ الشمسِ والقمر, لأنَّ مَجْدَ اللهِ أَضاءَها ." (سفر الرؤيا 21/3-23 ) إن كلَّ سعادةٍ أرضيَّة, مهما كانت عارمة تذوبُ أمامَ سعادةِ السماء, لأنَّ سعادة الأرض زائِفة ومؤَقَّتة وممزوجة بالخوف من المستقبل المجهول, ومعرَّضة حتماً للفناء والموت. أمَّا سعادة الحياة الأبديَّة فهي التمتُّع بالجمالِ اللاَّمتناهي, جمالِ الله, وجمالِ يسوعَ الممجَّد, وجمالِ حُبِّ الله للإنسان. فكُلُّ جمال أرضي, مهما سمت روعَتُهُ, ظِلٌّ شاحب وفانٍ أمامَ جمالِ السماء الدائم وغير المحدود. وهذا الجمال هو مصدر سعادةِ المسيحي المقيم عند الله للأَبد. ضرورة التضحية لبلوغ الحياة الأبديَّة إن هذا التاجر الماهر كان يطلُب اللؤلؤ الكريم, فلمَّا وجدَ لؤلؤَةً كريمة عرَفَ على الفور قيمتها الغالية, فضحَّى بكُلِّ ما كان يملك واشتراها. فلا بدَّ للمسيحي من التضحية ليملُكَ لؤلؤة الحياة الأبديَّة. والتضحية التي يجب أن يتحمَّلها المسيحي تقتضي منه أن يقوم بأمورٍ ثلاثة, وهي: 1- أنْ يحفظ الوصايا العَشْر التي أعطانا الله إيَّاها بوساطة موسى النّبي. قال يسوع للشابِّ الغني: " إِنْ أَردْتَ أَنْ تدخُلَ الحياةَ فاحفظِ الوصايا . "( متى 19/17 ) 2- أنْ يحبّ الآخرين محبة صادقة. فإنَّ الحياة الأبديَّة حياةُ محبَّة. ولن يتمتَّع بالحياة إلاَّ من أحبُّوا إخوتهم, ولا سيَّما إخوتهم البائسين. يقول يسوع في يوم الدينونة للذين مارسوا المحبَّة: " تعالَوا يا مُبارَكي أَبي فرِثوا الملَكوتَ المُعَدَّ لَكُم منذُ إِنشاءِ العَالمِ , لأَنِّي جُعتُ فأَطعمتموني... " ( متى 25/34 ) 3- أن يحمِلَ صليبَهُ ويتبعَ يسوع باستسلامٍ كامل إلى مشيئةِ الله. قال يسوع: "مَنْ لم يحمِلْ صليبَهُ ويَتبَعْني فليسَ أَهلاً لي . مَنْ حَفِظَ حياتَهُ يفقِدُها ومَنْ فَقَدَ حياتَهُ في سبيلي يحفظُها . " ( متى 10/38-39 ) إنَّ المسيحي الواثق بحُبِّ يسوع له يقبل هذه التضحية ويُمارسُها بكُلِّ رضى لأنَّه يؤمن بأنَّ يسوع الفادي لا يريد له إلاَّ الخير والسعادة في الدنيا والآخرة. موقف المسيحيين من قبول التضحية إن المسيحيين بالنسبة إلى قبول التضحية لأجل بلوغ الحياة الأبديَّة ثلاث فئات: 1- الفئة الأولى ترفض التضحية لأنَّها تدَّعي أن وصايا الله نيرٌ ثقيل, وأن توجيهات الكنيسة تقيِّد حُرِّية الإنسان الشخصيَّة. فهي لا تفكِّر في الحياة الأبديَّة, بل تبتغي سعادة الأرض وحدَها, وتسعى للتمتُّع بها بأكبرِ قدْرٍ من المستطاع. 2- والفئة الثانية تقبل التضحية وهي مُرغَمة, وتتصرَّف تُجاه الله بعقليَّة العبيد. فما دام الله يأمر, ولا مجال لمقاومة إرادته, فإنَّها ترضخ لأوامِرِه وتَصبِر على أحكامِه, فتُطيعُ وصاياه, وفي نفسِها مرارةُ الطاعة وألمُ الانقياد لشريعة الله. إنَّها تنسى أنَّنا أبناء الله الأحبَّاء، وأنّنا لسنا عبيداً مُقيَّدين. 3- والفئة الثالثة تقبل التضحية بحُبٍّ وفرح, لأنَّها تؤمن بأن الله الذي يعرض التضحية على المسيحي لا يستعبده ولا يقيِّد حرِّيته بأوامِرِه, ولا يحمِّلُه فرائض ثقيلة عديمة المنطق أو معاكسة لرغباته المُحقَّة, بل يدعوه بالتضحية إلى أن يحيا الحياة السعيدة مع يسوع الحيّ والمثال الأعلى للتضحية بالذات في سبيل سعادة البشر. قال لنا: " احمِلوا نِيري ... لأنَّ نِيري لطيفٌ وحِمْلي خفيف " (متى 11/29-30) كما انَّها تؤمن بما عبَّر عنه بولس الرسول في رسائِله مرَّاتٍ كثيرة, وهو أن تحمُّلَ شدائد الدنيا في سبيل الحياة الأبديَّة أمرٌ طفيف مقابل المجد الأبدي الذي أعدَّه الله لنا: " وأَرى أَنَّ آلامَ هذه الدنيا لا تُوازي المجدَ الذي سيتجلَّى فينا." (رومة 8/18) التطبيق العملي 1- الحياة الأبديَّة هي اللُّؤلؤَة الثمينة التي يعرض الله عليك شِراءَها لكي تتمتَّع بها مدى الأبديّة، وثَمَنُها التضحية التي يطلُبها منك يسوع. فلا تتردَّدْ للحصول عليها في القيام بهذه التضحية فتعيش عيشةَ التقوى والمحبَّة والعِفَّة والأمانة لله. 2- وتذكَّرْ أن المكافأة التي أعدَّها الله لك أعظمُ بكثير من كُلِّ تضحية تقوم بها في سبيل تتميم إرادتِه تعالى. |
||||
24 - 10 - 2014, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 6666 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الابن الضالّ نصُّ الإنجيل كانَ لِرَجُلٍ اِبنان . فقالَ أَصغرُهما لأَبيهِ : " يا أَبتِ , أَعْطِنِي النَصيبَ الذي يَعودُ عليَّ مِنَ المال ." فقَسَمَ مالَهُ بينَهُما . وبعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ جَمَعَ الابنُ الأَصغرُ كُلَّ شيءٍ له , وسافَرَ إلى بلَدٍ بعيد , فبدَّدَ مالَهُ هُناكَ في عِيشَةِ التبذير . فلمَّا أَنفَقَ كُلَّ شيءٍ أَصابتْ ذلك البلَدَ مجاعةٌ شديدة , فأَخذَ يشكو العَوَز . ثُمَّ ذَهَبَ فالتحَقَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهلِ ذلك البلد , فأَرسَلَهُ إلى حقولِهِ يَرعَى الخنازير . وكانَ يشتَهي أَنْ يملأَ بطنَهُ مِنَ الخُرنوبِ الذي كانتِ الخنازيرُ تأْكُلُهُ , فلا يُعطيهِ أَحَد . فرَجَعَ إلى نفسِهِ وقال : " كَمْ أَجيرٍ لأَبي يفضُلُ عَنهُ الخُبزُ وأَنا أَهلِكُ هنا جُوعاً . أَقُومُ وأَمضي إِلى أَبي فأَقُولُ لَهُ : يا أَبَتِ إِنِّي خَطِئْتُ إِلى السَماءِ وإِليك . ولَسْتُ أَهلاً بعدَ ذَلك لأَنْ أُدْعَى لكَ ابناً , فاجعَلْني كأَحَدِ أُجرائكَ ." فَقامَ ومضَى إِلى أَبيهِ . وكانَ لَمْ يَزلْ بَعيداً إِذْ رآهُ أَبُوهُ , فتحرَّكَتْ أَحشاؤهُ وأَسرعَ فأَلقَى بِنفسِهِ على عُنُقِهِ وقَبَّلَهُ طَويلاً . فَقالَ لَهُ الإِبنُ : " يا أَبَتِ إِنَّي خَطِئْتُ إِلى السَماءِ وإِليك . ولَسْتُ أَهلاً بعدَ ذَلك لأَنْ أُدْعَى لكَ ابناً ." فقالَ الأَبُ لخَدَمِهِ : " أَسرِعوا فأْتوا بأَفخَرِ حُلَّةٍ وأَلبِسُوهُ , واجعَلوا في إِصبَعِهِ خاتَماً، وفي رِجلَيْهِ حِذاءً . وأْتوا بالعِجلِ المُسَمَّنِ واذبحوُهُ فَنَأَكلَ ونتنعَّمَ لأنَّ ابني هذا كانَ مَيْتاً فعاش، وكان ضالاً فَوُجِد." فأَخَذوا يفرَحون. وكانَ ابنُهُ الأَكبرُ في الحَقل . فلمَّا رَجَعَ واقترَبَ مِنَ الدار سَمِعَ غِناءً ورقصاً . فدعا أَحَدَ الخدَمِ واسْتَخْبَرَ ما عَسى أَنْ يكونَ ذَلِكَ . فقالَ لَهُ : " قَدِمَ أَخوكَ فذبحَ أَبوكَ العِجلَ المُسمَّن لأَنَّهُ لَقِيَهُ سالِماً ." فغَضِبَ وأَبى أَنْ يدخُل. فخرَجَ إِليهِ أَبوُهُ يسأَلُهُ أَنْ يدخُل . فأَجابَ أَباهُ : " ها إِنِّي أَخدُمُكَ منذُ سنينَ طِوال , وما عَصَيْتُ لَكَ أَمراً قط . فما أَعطيتَني جَدْياً واحِداً لأَتَنعَّمَ بِهِ مَعَ أَصدِقائي. ولمَّا رَجَعَ إِبنُكَ هذا الذي أَكلَ مالَكَ مَعَ البَغايا ذبحتَ لَهُ العِجلَ المُسمَّن ." فقالَ لَـهُ : " أَنتَ مَعي دائِماً أَبداً, وجَميعُ ما هو لي فهوَ لَك. ولَكِن قد وَجَبَ أَنْ نتنَعَّمَ ونفرَح لأَنَّ أَخاكَ هذا كانَ مَيْتاً فعاش, وكانَ ضالاً فَوُجِد." ( لوقا 15/11-32 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنّ الإنسان الخاطئ يتوهَّم أنَّه إذا استسلم إلى الخطيئة وجد السعادة التي يتوق إليها, ولكنَّه لا يلبث أنْ يذوق مرارة الخطيئة التي أبعدته عن الله مصدر سعادته الحقَّة. فإذا نَدِمَ على سوء تصرُّفه وعاد إلى الله تائِباً غفر لـه الله خطيئَتَه مهما اشتدَّت شناعتُها. فعلى المسيحيين أن يتوبوا من ذنوبهم كالابن الأصغر, ويقتدوا بالله الغَفور, ولا يستسلموا كالابن الأكبر إلى كبريائهم وحقدهم, بل يتعاملوا بعضهم مع بعض بحنانٍ وتفهُّمٍ ومحبَّةٍ أخويَّة. إنَّ هذا المثل هو من أجمل الأمثال التي ضربها يسوع وتحدَّث فيها عن علاقة الله بالإنسان الخاطئ, وعن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. إنَّ فيه ثلاث شخصيَّات هي الابن الأصغر, والأب, والابن الأكبر. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. الإبن الأصغر الإبن الأصغر شابٌّ طائش. لقد ظنَّ أنَّه يجِد في الاستقلال عن سلطة أبيه الوالديَّة السعادة الكاملة التي يتوق إليها. ولكنَّه لم يجد إلاَّ الذلَّ والفقر والحرمان. إنَّه في الواقع قد أساء استعمال حُريَّته الشخصيَّة إساءةً بعيدة المدى. ولكنَّ تفكيره السليم الهادئ في سوء حالته حمله على العودة إلى أبيه تائِباً مُستغفِراً. فأضحى بذلك قدوةً للمسيحيين الخطأة الذين يتوهَّمون أنَّهم, بارتكاب الخطيئة, يتحرَّرون من سلطة الله أبيهم, ويجدون الهناء وسعادة القلب. ولكنَّهم لا يلاقون في الخطيئة إلاَّ الفقر الروحي, وعبوديّة إبليس والحرمان من صداقة الله ومحبَّته. فإذا عمدوا إلى التفكير الهادئ والتأمُّل في سوء حالتهم الروحيَّة ندِموا على ما ارتكبوه من المآثِم, واغتنموا المناسبات الدينيَّة الكبرى, كأيَّام الصيام والأعياد وعادوا إلى الله مستغفرين, فنالوا مغفِرة ذنوبهم وعاشوا في صداقة الله عيشة السعادة. الأب إنَّ الأب رجلٌ حكيمٌ حنونٌ غفور. لقد فرِح بعودةِ ابنه الضال فرحاً عظيماً, فغفر له سوء سلوكه, وأعاده إلى منزلته البَنَويَّة, من دون أيِّ تردُّدٍ أو عِتاب. إنَّه يمثِّل الله الحكيم الحنون الغفور الذي يقبل توبة الخاطئ بفرحٍ عظيم. إنَّ في قلبه حناناً أعمق بما لا يُقاس من حنان أحنِّ الآباء. فلن نرى على الأرض أباً يبدي نحو ابنه العاصي حناناً كحنان الله على أبنائِه الخطأة, ومغفرةً لهم كمغفرة الله عند توبتهم وعودتهم إليه نادمين. إنَّ الهدف الأكبر الذي توخَّى المثل إصابته هو أن يُظهِر لنا أنَّ الله أبٌ حنون يعطف علينا, ويغفر لنا, ويُحِبُّنا حتى وإنْ أسأنا استعمال حُرِّيتنا, وابتعدنا عنه بارتكاب الخطيئة. وهذا ما ينشئ فينا الثقةَ الكاملة بحُبِّه وحنانه, والرَّغبةَ في البقاء بقربه الوالدي, في البيت الأبوي, والتصميمَ على العودة إليه إذا ما ابتعدنا عنه بالاستسلام إلى المعصية. الإبن الأكبر 1- إنَّ الابن الأكبر شابٌّ نشيط وجادّ ولكنّه حقودٌ ومتكبِّر. لقد اطَّّلع بانزعاجٍ شديد على خبر عودة أخيه. فعدَّد لأبيه أعماله وخدماته بالتفصيل, وعاتبه عتاباً قويَّاً, وألحَّ على ذكر ذنوب أخيه القبيحة, ورفض أن يدخل الدار ويسلِّم عليه تحت تأثير حقده وكبريائِه ورغبته في الانتقام منه. لقد أبدى الأب نحو ابنه الأكبر تنازلاً رائِعاً عندما أخذ يتوسَّل إليه. وعمِل كلَّ ما في وسعه ليُحرِّك في قلبه عاطفة الأخوَّة ويجعله يشعر بحلاوة المحبَّة التي يجب أنْ تقوم بين الإخوة الأشقَّاء. ولا نعرف ما إذا كان كلام الأب قد أثَّر في قلبه المتحجِّر. 2- إنَّ هذا الابن الأكبر يمثِّل بعض المسيحيين المتكبِّرين الذين يدَّعون التقوى والسيرة الحميدة, ولكنَّهم يستسلمون في قلوبهم إلى الحقد والكبرياء والتعالي والرغبة في الانتقام, ويحتقرون الآخرين, ويتململون في أنفسهم لأنَّهم يعتقدون أنَّ الله لا يُكافئهم على صلاحهم وحسن سيرتهم المكافأة التي يستحقُّونها, ويستغربون كلَّ الاستغراب أنَّه يغفِر للخطأة والفُجَّار خطاياهم ويغمرهم بنِعَمٍ غزيرة لا تليق بسلوكِهم الخاطئ. 3- إنَّ الله يعرف ما في قلوب الناس من ميول شرّيرة ومن عواطف الحسد والتشفِّي والمنافسة الشديدة التي تدفعهم إلى أن ينتقمَ بعضُهم من بعض لأقلِّ هفوةٍ تصدر عنهم. فإنَّ هذه العواطف القبيحة التي تتأجَّج في صدورهم مظهرٌ من مظاهر ضَعف الطبيعة البشريَّة الميَّالة إلى الشرّ بسبب تأثير الخطيئة الأولى التي ورثنا نتائجها الوخيمة من سقطة أبوينا الأوَّلَيْن. ولذلك فإنَّ الله يبقى أباً غفوراً حنوناً على الجميع لا يرفض أحداً من البشر, بل يغمر الناس كلّهم بعطفه, ويغفِر لهم زلاَّتهم عندما يعودون إليه تائبين. التطبيق العملي 1- إذا جرَّتك التجربة إلى سوء استعمال حُريَّتِك ودفعتك إلى ارتكاب الخطيئة فلا تُهمل التوبة, بل عُدْ إلى نفسِك بالتفكير والتأمُّل في حالتك الروحيَّة البائِسة. وكُنْ على يقين أنَّ الخطيئة أعظمُ شرٍّ يهدِّدُ سعادتك في الدنيا والآخرة. 2- ولا تيأسْ أبداً مِنْ رحمة الله وحنانه ومغفرته. لقد اطَّلعت من المثل الذي ضربه يسوع على اتِّساع قلب الأب الذي قَبِلَ عودة ابنه الطائِش بالحُبِّ والحنان. إنّ هذا الموقف يدعوك إلى أنْ تثِق بحنان قلب الله وتُقبل على قبول سرِّ المصالحة كلَّما سقطت في الخطيئة عن ضَعفٍ أو طيشٍ أو تعمُّد. ولا تظنَّ نفسك أفضل من الآخرين مهما اطَّلعت عليه من عيوبٍ تشوِّه حياتهم الروحيَّة, ولا تحتقرْ أحداً كما احتقر الابن الأكبر أخاه- بل عاملِ الجميع بمحبَّة أخويَّة صافية. |
||||
24 - 10 - 2014, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 6667 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقالة لماذا تكلَّم يسوع بالأمثال ؟ المطران ميشيل يتيم لماذا تكلَّم يسوع بالأمثال ؟ القسم الأول تكلَّم يسوع على ملكوت الله بالأمثال. إن هذا الأسلوب الذي اتبّعه لفت انتباه التلاميذ فسألوه: لماذا تكلّم الجموع بالأمثال؟ (متى13/10). قبل أن أقدّم لكم جواب يسوع عن هذا السؤال أقول لكم إنه ليس من الغريب أن يتكلَّم يسوع بالأمثال. إن التكُّم بالأمثال طريقة تعبيرية تبنَّتها عدة شعوب في العاَلميْن القديم والحديث. فالشعب اليوناني القديم كانت له أمثاله،وقد كتبها الفيلسوف الشعبي إيسوب. والشعوب الهندية كانت لها أمثالها، وقد تُرجمت إلى اللغة العربية، وكتبها لنا ابن المقفع بلغة سهلة، سَلِسة في كتابه الشهير "كليلة ودمنة"، ولدى الشعب الفرنسي أمثال "لافونتين" وقد نَقَلَ بعضَها إلى اللغة العربية بعضُ شعراء العرب المحدَثين، وترجمها كلّها بلغة الشعر الأديبُ المعروف الأب نقولا أبو هنا المخلِّصي. إنّ هذه الأمثال قد جرت على ألسِنة الحيوانات، وقد نَسَبَ كتَّابُها إلى الحيوانات صفات الناس وعيوبهم. فالكلب أمين، والثعلب خبيث خدّاع، والذئب شرس الطباع، والأسدُ ملك مستبد بالشعب? والشعب العِبْري أيضا كانت له أمثاُله، ومن أشهرها المثل الذي ضربه ناتان النبي لداود الملك الذي قتلَ أُوريّا الحِثّي أحدَ جنوده واتّخذ لنفسه امرأته الجميلة بتشابع (سفر الملوك الثاني 11/2-27و12/1-15). واتّبع علماء اليهود طريقة عرض تعاليمهم بالأمثال القصصية، ومن أشهرهم العلماء الثلاثة هيلاّل وشمعي وغماليئيل. وكان هذا الأخير أستاذ بولس قبل أن يهتدي. أمَّا كتب الحكمة والأمثال والجامعة المنسوبة إلى سليمان الملك وأمثال يشوع بن سيراخ فهي حكم تربويَّة فقط، لا أمثال قصصية. ولم يَحِدْ يسوع عن الخط الذي سار عليه علماء شعبه، فعلَّم هو الآخر بالأمثال ذات المعاني الدينية السامية، كما رأينا في الحديث الأول. لماذا تكلّم يسوع بالأمثال ؟ تكلَّم يسوع بالأمثال لأن التكلُّم بها طريقة تعليمية وتربوية ممتازة تتفَّوق في بعض الأحيان على الكلام الصريح، ذلك لأن للأمثال جاذبية خاصة تستأثر بها انتباه السامعين، وتقرّب إليهم فهم الأمور حتى المعقّدة والمُستعصية منها. إن هذا الجواب العام لا يكفي وحده للردِّ على السؤال الذي طرحه التلاميذ على المعلم الإلهي، لأنّ يسوع كان يتوخَّى في ضرب أمثاله إصابةَ أهدافٍ ثلاثةٍ محددة، لا هدفٍ واحد. وإذا أردنا معرفة هذه الأهداف الثلاثة فلابدَّ لنا من أن نعود إلى البحث عن هدف كل نوع من أنواع الأمثال الثلاثة، العقائدية والأخلاقية والنبويّة التي ضربها يسوع تارةً للشعب عامةً، وتارةً أُخرى لرؤساء الشعب خاصة، وهم الكتبة والفريسيون وعلماء الشريعة. وإليكم الحديث عن كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة لنطّلع على الأهداف التي أراد يسوع إصابتها عندما كان يتحدَّث بالأمثال عن ملكوت الله. 1- الأمثال العقائدية ضرب يسوع الأمثال العقائدية ليحمل السامعين له من أبناء الشعب على التفكير والتأمل واكتشاف الفكرة العقائدية التي يحويها المثل، لا ليشعروا، بعد بذل الجهد الشخصي، بلذّة الاكتشاف العقلية فحسب، بل لترسخ الفكرةُ العقائدية المكتشَفة في نفوسهم وتكون في نهاية الأمر موضوع إيمانهم. لقد ضرب يسوع مثل "الزارع" ليفسح لهم المجال لأن يفكروا في معناه، ويتأملوا فيه، ويطرحوا على ذواتهم الأسئلة التالية: مَنْ هو الزارع؟ وما هي الأرض التي سقط فيها الحبّ؟ ولماذا بعضُ الحبّ أثمر؟ وبعضه لم يثمر؟ ولماذا تفاوتت كمية الحبّ الذي أثمر، فكانت قليلة في بعض الأرض وغزيرة في بعضها الآخر؟ إنَّ الأَجوبة عن هذه الأسئلة لا تُنشِّط الفكر وتنشئ فيه المسرَّة العقلية فقط، بل تُثبِّت الإيمان وترسخّه في قلب السامع المفكّر الذي اكتشف أن الزارع هو يسوع نفسه، وأن الزرع هو كلام الله، وأن الأرض التي وقع فيها الحبّ هي قلبه. فيرجع إلى نفسه ويقول: لابدّ من أن أفتح قلبي لكلام الله ليتوطّد فيه هذا الكلام، وأحيا حياةَ الإيمان بيسوع الذي نقل إليَّ كلام الله. 2- الأمثال الأخلاقية ضرب يسوع الأمثال الأَخلاقية ليُبرزَ جمالَ الفضيلة، ويجعلها تؤثر في قلوب السامعين، ويبّين لهم قباحة الرذيلة، فيمارسون الفضيلة وينفرون من الرذيلة. لمَّا ضرب يسوع مثل السامري الرحيم أظهر لهم جمال ممارسة فضيلة المحبة التي حملت السامري هذا الرجل الغريب، بل العدو، على تقديم المساعدة لعدوّه اليهودي الجريح، كما أوضح لهم قباحة اللامبالاة بالإنسان المتألم التي استسلم إليها الكاهن واللاوي اليهوديّان اللذان مرّا بجريح من أبناء دينهما وقوميتهما، وأكملا طريقهما من دون أن يقدِّما له المساعدة التي كان بأشد الحاجة إليها. إن هذا المثل الخُلُقي بيَّن للسامعين، بطريقة جلية، أنّ المحبة جميلة ورائعة لأنها تبدّد الحزازات وتزيل العداوات الدينية والقومية بين الناس، وتجعلهم يتساندون في أوقات المحن والشدائد، كما علَّمهم كيف يمارسون المحبّة لإخوتهم البشر، بطريقة عملية ومناسبة، وإلى أيّ حدّ ينبغي أن يمارسوها. فالمثل يطبع في القلب حُبَّ الفضيلة حُباً لا يُمحى، وكراهية الرذيلة مدى الحياة. ويمكننا تطبيق هذا الهدف على جميع الفضائل المذكورة، أو المُشار إليها في الأمثال الخلقيّة 3- الأمثال النَبَوية ضرب يسوع الأمثال النبوية ليحملَ الناس ولا سيَّما رؤساء الشعب، وهم الكتبة والفريسيون وعلماء الناموس، على التوبة والقيام بالأعمال الصالحة والإيمان بالمسيح الموعود. إن بناء المثل النَبَوي يختلف كلّياً عن بناء المثل العقائدي والمثل الخلقي. إنَّ مَثَل "التينة المورقة" (متى21/18-22)، وهو من الأمثال النبوية، يوضّح لنا هذه الفكرة. فيما كان يسوع نازلاً من جبل الزيتون في صباح أحد الأيام، شعر بالجوع، فرأى على الطريق شجرة تين عليها ورق غزير، فدنا منها ليقطف منها بعض التين يسدّ به جوعه. فلم يجد عليها ولا ثمرة؛ فَلَعَنها. وعلى الفور اصفرَّت أوراقها الخضراء ويبست، (إن هذا المثل واقعي وحياتي وليس مثلاً قصصياً) لاحظوا أنّ هذا المثل مكوَّن من شِقّيْن: الشِقَّ الأول هو وضع شجرة التين التاعس: إنها خالية من الثمر. والشِقَّ الثاني هو العقاب الذي حلَّ بها: إِنها نالت اللعنة ويبست. إن مثل التينة المورقة النَبَوي هو نموذج لسائر الأمثال النَبَوية. لقد بنى يسوع كُلاً منها من شِقّيْن، فبالشِقّ الأول وصف وضع الرؤساء الديني التاعس والمتدنيّ، وبالشِقَّ الثاني أنذرهم بالعقاب الرهيب الذي سوف يحلّ بهم إذا لم يتوبوا، ولم يقوموا بالأعمال الصالحة، ولم يؤمنوا بالمسيح الموعود. إذا تأمّلْنا في الأمثال النَبَوية نجد أنّ يسوع وَصَفَ في الشِقّ الأول منها الرؤساء بأنهم يتمسَّكون بالخطيئة، ويعصون أوامر الله، ويرفضون الإيمان بالمسيح، ويخونون الأَمانة التي سلّمهم الله إياها. وأيدَّ وصْفه هذا بنبوءة أشعيا النبي الذي قال عنهم إنهّم عميان وصُمّ، عديمو الفهم، غليظو القلوب، يرفضون العودة إلى الله لينالوا منه شفاء أمراضهم الروحية. قال لهم أشعيا بنبوءته: "تسمعون سماعاً ولا تفهمون، وتنظرون نظراً ولا تُبصِرون، فقد غَلُظ قلبُ هذا الشعب، وأصمّوا آذانهم، وأغمضوا عيونهم لئلا يُبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم". (متى13/14-16). وفي الشِقّ الثاني من أمثاله النَبَوية انتقل إلى الإنذار بالعقاب الرهيب الذي سيحلّ بهم إذا لم يصلحوا أنفسهم ولم يؤمنوا: إنه دمار مدينتهم وهيكلهم، وزوال وجودهم، وموتهم الروحي،وإغلاق باب السعادة الأبدية في وجوههم. (لوكان لدينا الوقت لدرسنا الأمثال النَبَوية بالتفصيل واطّلعنا على الوصف والعقاب). ترَوْن أن يسوع لمّا ضرب أمثاله العقائدية والأخلاقية والنَبَوية أصاب أهدافه الثلاثة بمهارة تعليميّة وتربويّة فائقة. فقد فتح لنا المجال بالأمثال العقائدية للتفكير والتأمل فيها ليثُبِّتَ إيماننا به ويَتوطّد. وزيّن لنا بالأمثال الأخلاقية طبيعة الفضائل المسيحية الكبرى، ولا سيما المحبة، ليدفعنا إلى ممارستها باستمرار، ونبذِ الرذائل القبيحة التي تشوِّه أخلاقنا. وحَمَلَنا، بالأمثال النَبَوية، على التوبة والقيام بالأعمال الصالحة والإيمان بالمسيح الموعود، لنحيا معه حياة روحية مستنيرة بأنوار النعمة، لا تكتنفها ظلمة الخطيئة والشرّ والعمى الروحي. والآن بعدما اطّلعنا على السبب الذي حمل يسوع على ضرب الأمثال، وعلى مقدرته التربويَّة الفائقة في ضرب أمثال ملكوت الله، هل نعرض هذه الأمثال على طلابنا وشبيبتنا في لقاءاتنا الدينية؟ وكيف نعرِضها؟ القسم الثاني هل نعرض الأمثال ؟ لكي نتمكَّن من الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال نميّز المراحل التعليمية بعضها من بعض. هناك ثلاث مراحل مدرسية: الابتدائية والإعدادية والثانوية، ومرحلة جامعية واحدة، تُضّمُّ إليها فئةُ الشبيبة الحُرّة. 1- طلاب المرحلة الابتدائية (بين 6و11سنة) إنّ طلاب المرحلة الابتدائية غير أهل لأن يفهموا معنى المثل. إنهم يفهمون "القصة" ولكنهم لا يفهمون معناها. فالقاعدة التربوية تنصح المربين ألاّ يعرضوا عليهم التربية الدينية عن طريق المثل. ويمكن التساهل مع طلاب الصفَّيْن الخامس والسادس فيُعرض عليهم "مثل السامري الرحيم" و"مثل العبد القاسي القلب" لأن المعنى فيهما واضح جداً، وهو ممارسة المحبة والتسامح الأخوي. 2- طلاب المرحلة الإعدادية (بين 12و15 سنة) في هذه المرحلة نمت عقولهم وأخذوا يدركون بعض المعاني المجرَّدة السهلة. ولذلك يختار المربي الأمثال الخُلُقيّة فقط ويعرضها عليهم من وقت لآخر، من دون مبالغة، لئلا يتوهّموا أن ديننا المسيحي مبني على قصصٍ وحكايات خيالية. وهذا الوهم خَطِر جداً على إيمانهم في المستقبل. 3- طلاب المرحلة الثانوية والجامعية والشبيبة الحرة (بين16و26 سنة) يمكن عرض الأمثال كلّها بشرط اتباع القواعد الأربع التالية. كيف نعرض الأمثال ؟ لدينا أربع قواعد أساسية يجب مراعاتها في كيفية عرض الأمثال على الطلاب؛ وإلاَّ كان عرْضُنا مَبنياً على أساس ضعيف، ينتج عنه خللٌ تربوي له تأثير سيّئ في نفوسهم وفي تربيتهم الدينية. وإليكم هذه القواعد الأربع. 1- القاعدة الأولى نحن مربون ولسنا قصّاصي حكايات شعبية؛ فالتفاصيل التي نقدّمها للطلاب يجب أن تكون ضرورية لفهم المثل لا للتسلية أو المُزاح. 2- القاعدة الثانية نحن مربّون، ولسنا أساتذة تاريخ أو جغرافيا أو زراعة. ففي الأمثال كلمات تشير إلى التاريخ والجغرافيا والزراعة، مثلاً: الكتبة، الفرّيسيون، علماء الشريعة، العشَّار، الوزنة، المنا، العبد، أورشليم، أريحا، الزؤان، الخردل، وغيرها. هذه كلها تحتاج إلى شرح. ولكنّ الشرح يجب أن يُقتصر على فهم المثل، من دون التمادي في إعطاء معلومات تاريخية أو جغرافية أو زراعية خارجة عن إطار المثل. 3- القاعدة الثالثة نحن مربّون، مهمتنا تقديم تعليم السيد المسيح الوارد في المثل. فلابدّ من أنَّ نفهم هذا التعليم، ونكون على يقين أنه هو التعليم الصحيح الذي أراده يسوع. وهذا يقتضي مِنّا أن نتأمّل في المَثَل، ونطالع الكتب الدينية التي تشرح الأمثال، أو نسأل كاهناً ضليعاً يعطينا الفكرة الأساسية الواردة في المثل؛ وليس من العيب أن نقرأ أو نسأل. 4- القاعدة الرابعة القاعدة الرابعة هي أهم القواعد الأربع، وتقوم بأن نقدّم المثل في ثوب مُحدَث معاصر، لا في ثوب قديم.يسوع تكلم بلغة زمانه، وصاغ عباراته بعقلية ومفاهيم وحاجات زمانه. فإذا أردنا أن يكون للمثل تأثير في نفوس طلابنا وشبيبتنا يجب أن يُقدَّم المثل مطابقاً لأوضاعنا، وبلغة تتماشى مع عقليتنا ومفاهيمنا وطريقة تربيتنا العصرية. فإن مخطط الله ? أو كما يقول بولس الرسول: تدبير الله- يعالج لا الماضي فقط بل الحاضر أيضاً. وبتعبير آخر، يسوع لا يتحدّث إلى اليهود القدامى فقط، بل إلينا نحن أيضاً، ويتحدّث بلغتنا ويعالج مشكلاتنا كما عالج مشكلات القدامى، ويتبنّى حضارتنا كما تبنَّى حضارة الأقدمين. إن هذه القاعدة الرابعة تحتاج إلى أمثلة كثيرة، لكي نعرف كيفية تطبيقها في عرض أمثال يسوع تطبيقاً عملياً يناسب إيماننا المسيحي وعقليتنا العصرية. ولكن ليس لدينا الوقت الكافي الآن للقيام بمثل هذه المهمة التربوية الجزيلة الأهمية. أكتفي بأن أعرض عليكم توجيهيْن عملييْن فقط. التوجيه الأول يقوم بأن نُضْفي على الأحداث الماضية الواردة في المثل طابع الأحداث الحاضرة القائمة اليوم. فإن أبطال المثل ليسوا يهوداً عاشوا قبل ألفيْ عام، بل هم مسيحيون يعيشون اليوم في مدينتنا وفي بيئتنا الحلبية، ونحن نعرفهم ونعيش معهم. فمنهم صالحون، ومنهم خطأة. إنهم مسيحيون صالحون كالسامري الرحيم، والعشّار التائب، والأرملة الملحِّة في الصلاة،والخدّام النشيطين الذين استثمروا المواهب التي أعطاهم الله إياها، والعذارى الخمس الحكيمات اللواتي استقبلْنَ العريس لأنهنَّ كنّ يَعِشْنَ في حالة النعمة. وإنهم مسيحيون خطأة كالابن الشاطر، والغني الجاهل البخيل، والغني الأناني الذي ترك لعازر يموت على الطريق، والمدعويّن إلى عرس المسيح بالإيمان، الذين رفضوا الدعوة، والعذارى الخمس الجاهلات اللواتي لم يستقبِلْنَ العريس لأنهنَّ كنَّ يعِشْنَ في حالة الخطيئة. فما هو موقفنا العملي بالنسبة إلى هؤلاء المسيحيين؟... نحن نقتدي بالمسيحيين الصالحين في القيام بأعمال الرحمة، والتوبة، والصلاة، والنشاط في استثمار المواهب، والحياة في حالة النعمة. ونرفض التشبُّه بالمسيحيين الخطأة في حياة الطيش والبخل والأنانية ورفض إلهامات الروح القدس والعيش في حالة الخطيئة. ونكتفي بالصلاة لأجلهم وإعطاء المثل الصالح. وهكذا نطبّق الأمثالَ على حياتنا الحاضرة التي نحياها في محيطنا، ولا تبقى الأمثال قصصاًَ بعيدة ضربها يسوع في قديم الزمان لأُناس كانوا يعيشون خارج بيئتنا ومدينتنا وحضارتنا. إنَّ يسوع الذي تكلم قديماً يتكلم اليوم، ويتحدّث إلى الجميع، يشجِّع الصالحين ويؤنِّب الخطأة. إنه حاضر في بيئتنا ويعيش معنا. إنّ إضفاء الطابع الحاضر على الأحداث القديمة ليس عملية خيالية، بل طريقة تربوية ناجحة جداً لدى من يتقن استعمالها بمهارة. ولذلك فإنها تقتضي للقيام بها تدريباً جِدّيا؛ ومَنْ أتقنها جذب انتباه سامعيه، وأفادهم إفادة جزيلة. التوجيه الثاني هو أنْ يقوم بين المربين والمجتمعين من الطلاب والشبيبة في اللقاء الديني، تفاعل مستمر في أثناء اللقاء،فإذا كان الطلاب من ذوي المرحلة الابتدائية أو المرحلة الإعدادية، سلك هذا التفاعل طريق الأسئلة والأجوبة مع تصحيح متواصل لأخطاء الأجوبة ليكون التعليم الديني صحيحاً. وإذا كان الطلاب من ذوي المرحلة الثانوية أو من الشبيبة، سلك التفاعل طريق الحوار، لا طريق الأسئلة. ولا يقوم الحوار بأن يفرض الطرف الواحد رأيه على الطرف الآخر (هذا جدال)، بل يقوم بان يقبل الطرف الواحد ما هو صحيح في رأي الآخر، ويقبل الآخر ما هو صحيح في رأي الأول. عندئذ يكون تفاعل سليم ولقاء مثمر بين الطرفين. ففي مثل المدعويّن إلى عرس ابن الملك، يقوم حوار بين المربي والشبيبة، يصل بالطرفين إلى معرفة شخصية مَنْ يدعو إلى العرس، وشخصية العريس، ومضمون الدعوة، وتحديد موقف المسيحيين اليوم من هذه الدعوة الموجَّهة إليهم: قبول، لا مبالاة، معاداة. إنّ هذا الحوار لا يُثمِر إلاّ إذا كشفنا كلّ ما لاحظناه وعرفناه عن بيئتنا الحلبية التي نعيش فيها، فإن معرفة البيئة شرط أساسي لنجاح الحوار والوصول إلى نتائج عملية تناسب إيماننا ووضعنا الحالي اليوم. الخلاصة أدعوكم إلى أن تتأملوا في الأمثال لتطّلعوا على غناها الديني والتربوي لتفيدوا أنفسكم وتفيدوا الطلاب والشبيبة |
||||
24 - 10 - 2014, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 6668 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الغنيّ وألعازر الفقير نصُّ الإنجيل كانَ رجُلٌ غَنيٌّ يلبَسُ الأُرجُوانَ والكَتَّانَ الناعِمَ ويتنعَّمُ كُلَّ يومٍ تنعُّماً فاخِراً . وكانَ رجُلٌ فقير , إِسمُه ألِعازَر , مُلقى عِنْدَ بابِهِ , قد غطَّتِ القُروحُ جِسمَهُ . وكانَ يَشْتَهي أَنْ يَشبَعَ مِنْ فُتَاتِ مائِدةِ الغنيّ . وإِنَّ الكِلابَ نفسَها كانتْ تأْتِيهِ فتلحَسُ قُروحَهُ . وماتَ المِسكينُ فحمَلتْهُ الملائِكةُ إلى حِضْنِ إبراهيم . ثمَّ مَاتَ الغنيُّ ودُفِن. فرفَعَ عَينَيْهِ وهوَ في الجحيمِ يُقاسي العذابَ فرأَى إِبراهيمَ عَنْ بُعدٍ وألِعازرَ في حِضنِهِ. فنادى : " ارحمْني يا أَبتِ إبراهيم، وأَرسِلْ ألِعازرَ ليَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِهِ في الماءِ ويُبَرِّدَ لساني , فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللهيب ." فقالَ إِبراهيم : " يا ابني تذكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خيراتِكَ في حياتِكَ , ونَالَ ألِعازرُ بلاياه . أَمَّا اليومَ فهوَ هَهُنا يتَعزَّى وأَنتَ تتعذَّب . ومَعَ هذا كُلِّهِ فبينَنا وبينَكُم أُقيمتْ هُوَّةٌ عميقة , حتَّى إِنَّ الذين يُريدونَ الاجتيازَ مِنْ هُنا إِليكُم لا يستطيعون , ولا الذين هُناكَ يستطيعونَ الاجتيازَ إلينا ." فقالَ : " أَسألُكَ إذاً يا أَبتِ أَنْ تُرسِلَهُ إلى بيتِ أَبي , لأَنَّ لي خمسةَ إِخوة . فليُنذِرْهُم مَخافةَ أَنْ يصيروا هُم أَيضاً إلى مكانِ العذابِ هذا ." فقالَ إِبراهيم : "عِندَهُم موسى والأَنبياء، فليسْتمِعوا إِليهِم ." فقالَ : " لا يا أَبتِ إِبراهيم , ولكِنْ إِذا مضَى إليهِم واحدٌ مِنَ الأَمواتِ يتوبون ." فقالَ لهُ : " إنْ لم يسْتمعوا إلى موسى والأَنبياء , لا يَقتنِعوا ولَو قامَ واحدٌ مِنَ الأَموات." ( لوقا 16/19-31 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ يسوع يرفُض عقليَّة الأغنياء التي كانت سائِدة في زمانه, وهي أنَّ من كان غنيَّاً كان الله راضياً عنه, فيحقُّ له أن يتمتَّع وحدَهُ بغِناه. ومن كان فقيراً كان مغضوباً عليه لا يستحقُّ الشفقة والإحسان. فأظهر يسوع أنَّ هذا التفكير مخطئ. فالغنى لن يكون بركة على صاحبه إلاَّ إذا ساعد به الفقير ليتخلَّص من فقره ويعيش عيشةً كريمة. أمَّا الفقر فليس لعنةً من الله, بل امتحانٌ يطَّلع به الله على طاعة الإنسان وثقته بتدبير حكمته الإلهيَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. لماذا هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب؟ عندما نقرأ هذا المثل نتساءَل لماذا هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب؟ 1- هبط الغنيُّ إلى مقرِّ العذاب لا لأنَّه كان غنيَّاً, بل لأنَّه استأثر بخيرات الدنيا استئثاراً بعيد المدى بلغ حدود القساوة اللاّإنسانيَّة, فلم يعبأ بالفقير ولا بجوعه ولا بمرضه وحرمانه. 2- لا شكَّ في أنَّ الكتاب المقدَّس يقبل أن يمتلك الإنسان الفرد خيرات الأرض. ولكنَّه يفرض عليه أن يتصدَّق على الفقراء بقسمٍ من المال الذي أنعم الله به عليه. فلا يجوز, بموجب فضيلتَيْ العدل والمحبَّة, أن يتمتَّع وحدَه بخيراته الوافرة وأن يترك الفقراء قابعين في بؤرةِ فقرهم. قال إبراهيم ذلك للغنيّ: " تذكَّرْ أَنَّك نِلتَ خيراتِكَ في حياتِكَ " أيْ, لقد استأثرت بخيرات الأرض, ولم تُشرِك فيها الفقراء, فأنت تُعاقب على ذلك. 3- فالأغنياء الذين يعيشون على مثال عيشة هذا الغنيّ, أيْ عيشة الأنانيَّة واللاَّمبالاة بحاجات الفقراء, لن يدخلوا ملكوت الله. فالوحي يؤكِّد ذلك. قال إبراهيم للغنيّ: " لا داعي إلى أن أُرسل الفقير ألعازر إلى الأرض ليُقنِعَ اخوتك بممارسة أعمال الرحمة. إنَّ وحي الله الوارد في الكتب المقدَّسة يقول لهم ذلك ". لماذا حظيَ الفقير بالجلوسِ في حِضن إبراهيم؟ إنَّ المثل لا يمدح الفقر. فالفقر شرٌّ يجب إزالته عن هذه الأرض. كما انَّه لا يَعِدُ الفقراء بسعادةِ السماء. إنَّهم لا يتمتَّعون بسعادة الملكوت إلاَّ إذا استحقُّوها. ولكنَّ المثل الذي ضربه يسوع لا يقول بصراحة ماذا فعل ألِعازر الفقير ليستحقَّ السعادة الأبديَّة. إنَّنا نفترض استناداً إلى تدبير الله وحكمته وعدالته أنَّه صبر على فقره استسلاماً إلى مشيئة الله فيه. وهذا الاستسلام الكامل قد فتح له باب السعادة الأبديَّة لأنَّه نال به رضى الله. أهمُّ التعاليم الواردة في هذا المثل إنَّ هذا المثل غنيٌّ بالتعاليم العقائديَّة والخُلُقيَّة والاجتماعيَّة. ونحن نورد أهمَّها: 1- ضرب يسوع هذا المثل لينقُض العقليَّة الماديَّة المسيطرة في زمانه على عقول الناس, ولا سيَّما على عقول الرؤساء والأغنياء. لقد كانوا مقتنعين بأنَّ الغنى الحلال نعمة سماويَّة تشير إلى أنَّ الله يرضى عنهم كلَّ الرضى. فمن حقِّهم أن يحتفظوا بهذه النعمة وأن يتمتَّعوا بها وحدَهم لأنَّها أُعطيت لهم. فلو كانت للفقراء حظوةٌ عند الله لأنعم عليهم بخيرات الأرض, ولكنَّهم أناسٌ مغضوبٌ عليهم يستحقُّون عذاب الفقر. فلا داعي إلى مؤازرتهم وانتشالهم من فقرهم. لقد رفض يسوع هذه العقليَّة المطبوعة بطابع الأنانيَّة والقساوة واللاّمبالاة. وبيَّن في هذا المثل أنَّها عقليَّةٌ مُخطئة. فالغنى لا يكون بركة من الله إلاَّ إذا قضى الأغنياء حاجات الفقراء, وآزروهم على أن يحيوا حياةً إنسانيَّة كريمة, وإلاَّ انقلب عليهم الغنى وبالاً وأصبح سبب هلاكِهم الأبدي. كما أنَّ الفقر ليس لعنةً من الله. فإنَّ له أسباباً لا تُحصى, ومن أهمِّها المرضُ والشيخوخةُ وعبءُ الأسرة الكبيرة والركودُ الاقتصادي. فالله يرضى أن يتعذّب الفقراء بعذاب الفقر ليمتحن إيمانهم وصبرهم واتِّكالهم على العناية الإلهيَّة, ويفسح للأغنياء المجال لأن يقوموا بأعمال الرحمة والمحبَّة. 2- إنَّ هذا المثل لا يفرض على الأغنياء أن يتخلَّوا عن أموالهم أو يغيِّروا نمط حياتهم فيعيشون عيشة التقشُّف والفاقة والضيق, بل يطلب منهم, وهم يحيون حياة الرفاهية, أن يتذكَّروا الفقراء ويتصدَّقوا عليهم ويساعِدوهم على أن يتخلَّصوا من فقرهم وعَوَزِهم, وهذا ما لم يفعله هذا الغني. وقد انتقده المثل انتقاداً لاذعاً لمَّا قال إنَّ الكلاب كانت خيراً منه, فقد كانت تأتي وتلحس قروحه لتخفِّفَ عنه ألم الدمامل النتنة. 3- إنَّ هذا المثل يؤكِّد لنا بصراحةٍ كليَّة أنَّ بعد هذه الحياة حياةً أخرى أبديَّة, سعيدة أم تاعسة بحسب ما كانت حياة الإنسان على الأرض صالحة أو شرِّيرة. كما يقول لنا إنَّ وضع الحياة الأبديَّة وضعٌ لا يتغيَّر إطلاقاً. فمن دخلها وكان سعيداً بقي سعيداً للأبد, ومن هبط إلى الهلاك بقي هالكاً مدى الأبديَّة. ففي الحياة الأخرى لا إمكانيَّة للتوبة ولا لارتكاب الخطيئة. وهذا ما عبَّر عنه إبراهيم بلغةٍ شعبيَّة فقال إنَّ الهالكين لا يصعدون إلى السماء وإنَّ الأبرار لا يهبطون إلى الجحيم. 4- ويعطي المثل الأهميَّة الكبرى للكتاب المقدَّس, فيصرِّح على لسان إبراهيم بأنَّه الدليلُ الأمين الذي يهدي الناس إلى الإيمان والأخلاق الصالحة. قال إبراهيم: "إِنَّ عندَهم موسى والأَنبياء " أيْ انَّ عندهم الكتاب المقدَّس الذي كتبه موسى والأنبياء. فالكتاب المقدَّس نورُ الإنسان وطريقه إلى السعادة الأبديَّة. فلا بدَّ من التمسُّك بأقواله والعمل بموجبها لإرضاء الله والحصول على الخلاص الأبدي. الأساليب الجديدة لمساعدة الفقراء جاء في الكتاب المقدَّس أنَّه لا بدَّ من مساعدة الفقراء. فهي ضروريَّة للمرضى والعجزة وأصحاب العيال الكبيرة. ولكنَّها مهما كانت غزيرة فإنّها لا تسدُّ حاجات الفقراء لأنَّها مؤقتة وضئيلة. وهذا ما دفع المفكِّرين الذين تأمَّلوا في معنى هذا المثل إلى تطبيقه بأساليب جديدة قادرة على أن تنشل الفقراء من فقرهم. إنَّ الأساليب الجديدة التي فكَّروا فيها وعملوا على وضعها موضع التنفيذ كثيرة, ومن أبرزها: 1- العملُ على إزالة الفروقات الماديَّة الكبيرة القائمة بين الأغنياء والفقراء, بقوانين وأنظمة تصدرها الدولة, ويؤيِّدها المجتمع, وتحمل طابع العدالة الاجتماعيَّة والمحبَّة الأخويَّة وتؤمِّن للفقراء, ولا سيَّما للعمَّال, دخلاً ماديَّاً يكفي حاجاتهم اليوميَّة, وتقدِّم لهم المساعدات الماليَّة عندما ينتابُهُم العجز أو المرض أو الشيخوخة أو البطالة. وهذا ما قامت به عدَّةُ دولٍ في العالم. 2- بناءُ مدارس مِهَنيَّة تعلِّم أبناء الطبقة العاملة الفقيرة المِهَن المتنوِّعة الموافقة لحاجات بلدهم, وتُمكِّنهم من العمل وكسب معيشتهم بكرامة. 3- إنشاءُ معامل ومزارع ? من قِبَل القِطاعَيْ العامّ والخاصّ- تؤمِّن للعمَّال والفلاَّحين عملاً مستمرَّاً ودخلاً ثابتاً يعيشون به مع أُسَرهم عيشةً آمنةً مستقرَّة. 4- مكافحةُ الأُميَّة والجهل, وتعليم الجيل الناشئ القراءة والكتابة ومبادئ الحساب, ليتمكَّنوا مِنَ الاطِّلاع على حاجات بلدهم الأساسيَّة وطريقة تأمينها بمشاريع زراعيَّة وصناعات صغيرة توفِّر لهم دخلاً ثابتاً. إنَّ هذه الأساليب الحديثة تحارب الفقر في العالم, وتمنع الطبقة الغنيَّة من استغلال الطبقة الفقيرة, أو تحدُّ كثيراً هذا الاستغلال. خلق عادة مؤازرة الفقراء والمحتاجين مهما قامت الدول والكنائس المحليَّة بمشاريع اجتماعيَّة لمحاربة الفقر, فالفقر لن يزول من العالم, لأسبابٍ فرديَّة واجتماعيَّة. وهذا ما لمَّح إليه يسوع عندما قال: "إِنَّ الفقراءَ عندَكم دائماً أَبداً " (يوحنا 12/8) ولذلك فإنَّ مدَّ يد المساعدة الكريمة للفقراء تبقى دوماً ضروريَّة. إنَّ عادة مساعدة المحتاجين لا تنشأ في قلوب الميسورين تلقائيَّاً. فإنَّنا نحن البشر مفطورون على الأنانيَّة والانطواء الذاتي. فلا بدَّ من زرع عادة مؤازرة الفقراء في قلوب الأطفال منذ صغرهم, فيعتادون الإحسان والتطلُّع إلى أوضاع المساكين, ويؤازرونهم على قَدْرِ إمكانيَّاتهم عندما يكبرون. إنَّ هذه العادة الحميدة جزءٌ هامّ من التربية المسيحيَّة, وتقع على عاتق الأهلِين والمربِّين في البيت والمدرسة والكنيسة. التطبيق العملي 1- إنَّك تُحبُّ الله, فأحبِبْ أخاك الفقير حُبَّاً عمليَّاً يُخفِّف عنه ألم الفقر. ولا تُهمِل تمويل اللِّجان والجمعيّات الخيريَّة بالمؤازرة الكريمة. وتذكّر أنَّ من لا يُحِبُّ أخاه لا يُحِبُّ الله. قال يوحنَّا الرسول: " إِنَّ الذي لا يُحِبُّ أَخاه وهوَ يَرَاهُ , لا يستطيعَ أَن يُحِبَّ اللهَ وهوَ لا يَرَاهُ ." (1 يوحنا4/20) |
||||
24 - 10 - 2014, 05:09 PM | رقم المشاركة : ( 6669 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
توبة زكا رئيس العشارين (لوقا1-10): "ثم دخل واجتاز في أريحا. وإذا رجل اسمه زكا وهو رئيس للعشارين وكان غنيا. وطلب أن يرى يسوع من هو ولم يقدر من الجمع لأنه كان قصير القامة. فركض متقدماً وصعد إلى جميزة لكي يراه لأنه كان مزمعاً أن يمر من هناك. فلما جاء يسوع إلى المكان نظر إلى فوق فرآه وقال له يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن امكث اليوم في بيتك. فأسرع ونزل وقبله فرحاً. فلما رأى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وان كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن إبراهيم. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك." العشارون هم طائفة الجباة وكانوا يستوفون أكثر من الجزية المقررة ويأخذونها لأنفسهم (لو13:3). ولذلك كرههم اليهود وأسموهم لصوصاً. ولذلك تبرم اليهود إذ قبل السيد دخول بيت زكا. والرب دخل بيت زكا دون أن يسأله فهو عارف بما في القلوب. في الآيات السابقة ترك الرب الأعمى يصرخ فترة، بعدها إستجاب وشفاه، وهنا نجده يطلب هو بنفسه أن يدخل بيت زكا. فالرب يدخل بيتي، أو يدخل قلبي ويتمم الشفاء حين يرى القلب مستعداً. فهذا الأعمى لم يكن مستعداً بعد للشفاء، والصراخ جعله مستعداً، ولما رآه السيد مستعد تدخل وشفاه. أمّا زكا ففي إنسحاقه وفي إشتياقه لرؤية السيد كان مستعداً. فدخل يسوع بيته. هنا نرى جزاء قبول يسوع في حياتنا، وجزاء إشتياقنا له، بينما نحن شاعرين بعدم الإستحقاق، هنا يدخل يسوع قلوبنا فتصير سماء، ويغفر لنا خطايانا ونفوز بالخلاص، فهل نشتاق لخلاص يسوع مثل زكا. يقول الرب "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب.. وتجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو37:7-39). ربما قصر قامة زكا تشير لأن إيمانه كان ضعيفاً، ولكنه بإشتياقه صار مضيفاً للرب، وبتوبته صار مسكنه قصراً سمائياً يدخله الرب، لقد مُنِحَ زكا مجداً عظيماً. تأمل: كثيرون وُلِدوا بعاهات خَلْقية، مثل زكا الذي كان قصير القامة، وهم يشتكون بسببها، ولكن ألا ترى أن عاهة زكا كانت سبباً في خلاصه. إذاً علينا أن نفهم أن الله لا يخطئ وإذا كان شيئاً ينقصنا، كان هذا سبباً لخلاصنا، وهذا ما حدث للأعمى. فلنسمي هذه العاهات "بركات خلقية" فعمل الله دائماً كامل. قصة زكا العشار فتحت باب الرجاء والأمل لكل خاطئ، حين يعود بالتوبة مشتاقاً للمسيح، يدخل المسيح إلى قلبه، ويقبله ويغفر خطاياه. صار زكا هنا تطبيقاً حياً لمثل الفريسي والعشار، فهو صار مقبولاً ونال الخلاص مثل ذلك العشار الذي قال عنه السيد المسيح "نزل إلى بيته مبرراً" ولاحظ أن زكا تكلف الكثير، فهو في مركزه كرئيس للعشارين كان من غير اللائق أن يتسلق جميزة كما يفعل الأطفال (هذا ما نسميه الجهاد، وفي المقابل فلنرى النعمة التي حصل عليها). دخول الرب بيت زكا الخاطئ يمثل دخول المسيح إلى جسد بشريتنا وحمله لطبيعتنا نحن الخطاة ليقدس طبيعتنا أبدياً. كانت هناك معوقات كثيرة تحول بين زكا والمسيح: *خطيته: إذ يُحسب العشارين في نفس صفوف الزواني (مت31:21) *كراهية المجتمع له. *مركزه كرئيس قد يتأثر بما فعله، من تسلقه لجميزة. * قصر قامته، ومثل هذه العاهة تجعل الإنسان يتقوقع حول نفسه، مفضلاً الإبتعاد عن المجتمع. ولكن إيمان زكا إنتصر على كل ذلك، وإشتياقه، وقلبه التائب أعطوه الخلاص. فبالإيمان الحي العملي نغلب كل ضعف فينا ونرتفع فوق الظروف لنلتقي بربنا يسوع فنخلص. يا زكا أسرع= زكا تعني النقي المتبرر فالمسيح سامحه عن خطاياه. عبارة يا زكا أسرع هذه مثل "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة". فالمسيح في كليهما إستخدم الأسماء ليشير لمعاني خاصة. شجرة الجميز ثمارها رخيصة وتشير للأمور الزمنية التافهة، ولا يمكن أن نعاين المسيح ما لم نسمو فوق الأمور الزمنية. وهي تشير أن كل ما جمعه زكا في حياته من أموال ظن أنه متكل عليها، ما هي إلاّ تفاهات. أسرع وإنزل= كم مرة صعد في غناه وكبريائه، والآن عليه أن يتعلم أن ينزل ويتضع ويتخلى عن أمواله. ولاحظ تجاوب زكا فهو أسرع ونزل، فالتأجيل قد يضيع فرصة الخلاص، فالمسيح لم يذهب لأريحا ثانية التي يعيش فيها زكا (1:19). أعطي نصف أموالي= [أمّا دفع أربعة أضعاف فكان هذا إجراء من أقصى العقوبات التي كان يفرضها القانون على لص (خر1:22+ 2صم6:12)، وزكا فرض على نفسه هذه العقوبة (راجع أيضاً عد7:5+ لا1:6-5)] صار له القلب الرحيم غير المستعبد للمادة بمجرد أن دخل يسوع بيته. ولاحظ أنه مستعد لدفع نصف أمواله، مع أن الشريعة الموسوية لا تطلب من المختلس سوى الخمس زيادة على ما إختلسه. اليوم حصل خلاص لهذا البيت= حينما يتقدس أحد أفراد الأسرة يصير سبب بركة لكل البيت. وهذا لا يمنع أنه في حالة إيمان شخص قد يقف في وجهه كل بيته "أعداء الإنسان أهل بيته" لكن المؤمن يكون بركة لأهل بيته إن كان عندهم إستعداد (1كو14:7). هو أيضاً إبن لإبراهيم= السيد الرب بهذا يعزو خلاص زكا لتشبهه بإبراهيم في إيمانه وقداسته وبره. وكما ترك إبراهيم كل ممتلكاته في أور ترك زكا هنا نصف ممتلكاته. وفيها تذكير للفريسيين الرافضين أنه أخ لهم. نور المسيح وبره أضاءا بيت زكا وقلبه ولم يحتاج المسيح أن يوجه له كلمة عتاب أو توبيخ. المسيح لم يمر من هذا الطريق صدفة، ولم ينظر للشجرة صدفة، إنما هو كان يعرف أن في هذا المكان خروف ضال يريد أن يرده فذهب إليه. فزكا بحث عن المسيح والمسيح بحث عن زكا. ما فعله زكا هنا هو نفس ما قاله بولس الرسول (في8:3). فما إستمر يجمعه العمر كله من أموال صار كنفاية يريد الإستغناء عنها إذ تمتع بمعرفة الرب يسوع. فحينما وجد زكا اللؤلؤة كثيرة الثمن (المسيح) باع بقية اللآلئ (أمواله) التي ظل عمره يجمعها (مت46:13). وباع أمواله أو لآلئه يظهر هنا معناها، أن كل ما ظنه له قيمة من قبل، فقد قيمته الآن بعد أن عرف المسيح ودخل المسيح بيته (وقلبه). |
||||
24 - 10 - 2014, 05:11 PM | رقم المشاركة : ( 6670 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
توبة زكا العشار (لو 1:19-10) اليوم حصل الخلاص لهذا البيت فهو ايضا ابن ابراهيم لان ابن الانسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلصه باسم الآب والابن والروح القدس امين ان الله يفتش عن كل واحد منا ويريد ان يتقابل معنا شخصيا لذلك فقد ارسل الله لنا ابنه الوحيد الاوحد الرب يسوع المسيح الى عالمنا ، لكي يعرفنا بشخصه ويمنحنا الحياة الفضلى والسعادة الحقيقية والخلاص . ايها الاحباء : انجيلينا اليوم يحدثنا عن عشار مشهور في مدينة اريحا في فلسطين تاق ان يرى يسوع وايضا يضع الانجيلي لوقا هذه الحادثة ( ارتداد وتوبة زكا) ضمن اعمال يسوع اثناء رحلته الاخيرة الى اورشليم ليصلب . من هو زكا ؟ زكا رجل يهودي الاصل لقبه عشار ، مهنة زكا كانت مهنة تشترى اي تطرح في المزاد العلني وبقدر ما يدفع الشاري للمحتل الروماني يحصل على الوظيفة ويصبح رئيس للعشارين . دفع زكا المبلغ المطلوب وحصل على هذه المهنة وهي تجعل منه اولا انسانا غنيا وثانيا سارقا وثالثا يكون مرفوضا ومرذولا من جميع الناس . لانه يأخذ منهم المال ويعطيعه للمحتل الروماني ، فمن الطبيعي ان يكون مرفوضا ومرذولا وخاطئا وهذا هو الامر السيء في زكا ، ولكنه بالرغم من كل ذلك نال الخلاص لانه ابن ابراهيم لماذا ؟ ايها الاحباء تعلمون بان تهمة اليهود ليسوع كانت بانه محب للعشارين والخطأة ( متى 11- 19)(لوقا 7- 34) . لذلك العشارون هم خطأة شانهم شأن كل خطأ ، جاءهم شخص احبهم وقبلهم . يصف لنا الانجيل بان العشارين والخطأة كانوا يقتربون من يسوع ليسمعوه ( لوقا 15- 1 ) فهو فتح لهم باب قبول امام الله كما يقول الانجيل ( متى 21: 28- 32) . ايضا تعلمون ان هناك ثلاث عشارين تكلم عنهم الانجيل وهم العشار الذي صعد الى الهيكل وتبرر والثاني متى العشار الذي صار رسولا وتلميذ للمسيح بعد ان ترك كل شيء وثالث زكا العشار عنوان الانجيل اليوم . أيها الاحباء، هنالِكَ سرٌّ يحيرني دائماً؛ إنَه وبالرغمِ من كلِّ هذه الخطايا التي غاصَ فيها زكا العشار، كخطيئتِهِ ضدَّ البرِّ ( إذ إنَّه مخالفٌ للشريعةِ اللهِ بأنَّهُ متحالفٌ مع الأممِ وجابٍ للضرائب)؛ وضدَّ العدلِ (إذ أنه ظالمٌ وسارقٌ)، إلا أنَّه نالَ الخلاص. - ما هو هذا السر؟ ما هو سرُّ حصولِ زكا العشارِ على رحمةِ الرب؟ إنَّ السرَّ الذي بسببهِ حاولَ زكا أن يرى مَنْ هو يسوع؛ والذي مَكَّنَ زكا من أن يتخطى نظرةَ ازدراءِ الناسِ له، وأن يتخطى قصرَ قامتِه؛ وأن يقبَل الربَّ يسوعَ في بيتِهِ، وأن يوزِّعَ أمواله وينصِفَ مَنْ ظَلَمَ، هو تفاعلُ زكا العشارِ معَ نعمةِ اللهِ ورحمته الحالية. هذه النعمةُ هي التي حضَّرَتْ زكا العشارِ لهذا اللقاءِ معَ المسيح. فبفضلِ هذه النعمةِ التقت وأثمرتِ المبادرتان، المبادرةُ الإلهيةُ ( أي رحمةُ اللهِ التي تجلَّتْ في البحثِ عن خلاصِ الهالك ) والمبادرةُ الإنسانيةُ (والتي تجلَّت في الرغبةِ بالخلاص). بفضلِ هذه النعمةِ استخرجَ المسيح، من قلبِ زكا المظلمِ والمليءِ بالخطايا، نوراً. هذا النورُ هو نورُ الإيمانِ بقدرةِ اللهِ الخلاصيةِ للبشرِ والتي ظهرت في أعمالِ المسيح. اللهُ الذي جاءَ في يسوعَ المسيحِ باحثاً عنِ الخاطئِ ليخَلِّصَهُ. هذه النعمةُ أحيتِ اللهَ في قلبِ زكا العشارِ وفي كيانِه. فهي أحيتِ الإيمانَ بوعودِ اللهِ الخلاصية، وأحيتِ الرجاءَ بهذا الخلاصِ ( فهو ابنُ إبراهيم )، وأحيتِ المحبةَ فيه ( عندما قالَ: سأعطي نصفَ أموالي وسأردُّ أربعةَ أضعافٍ إلى من ظلمتُهُ. ) هذه هي خبرةُ زكا العشار معَ نعمةِ اللهِ الحالية. فكل ما جرى يُثير دهشتنا. فلو لم ينظر اليه يسوع من أسفل الشجرة، لكان بقي زكا مجرّد شخص نظر الى يسوع مارّاً وبقي كما هو. لكان يسوع مرّ بجانب حياته، لا في حياته. ولم يفكّر زكا لحظة واحدة ان رغبته في أن يرى من هو المسيح كانت وليدة نعمة سبقته وقادته وستغيّر قلبه وحياته كلّها. لذلك لا يجب التفكير ان الخاطئ يحصل على الرحمة كثمرة لمسيرة توبة قام هو بها. العكس هو الصحيح، الرحمة هي التي تسبقه وتدفعه الى مسيرة التوبة. فالإنسان المتروك الى قواه هو لا يستطيع شيئا. ولايحقق شيئا. والتوبة، قبل ان تكون طريقا للإنسان نحو الله، هي دخول الله في بيت الانسان. لذلك الخلاص لا يتمّ بالفعل الاّ متى تجاوب الانسان مع ما يعرضه الله من رحمة ونعمة. ذلك ان الاعتراف ليس تصحيحا قانونيا لوضع غير سليم، بل علاقة حميمة تعيد رباط المحبة بين التائب والله. من هنا لا بد من أن يقبل الانسان عمل الله الرحيم وأن يتغلّب على مقاومة الخطيئة للنعمة. وهذا ما حصل في زكّا. شعر ان المسيح يعامله على أنه ابن، فتعامل هو أيضا كابن واعاد اكتشاف اخوته. ونظرة المسيح المليئة محبة، فتحت عينيه لمحبة القريب،فعمل زكا الى مقاسمة امواله وعوض الخسارة لكل واحد اخذ منه مالا حرام اربعة اضعاف وهنا تم الخلاص . نكتشف من هذا النص ايها الاحباء : بان الخلاص ليس الخلاص الذي يقّدمه الله للإنسان، بل هو في نفس الوقت الخلاص الذي يقبله الانسان من يد الله. وهذا يفترض تغيير حياة وارتداد الى متطلّبات محبة الله. فلو أن زكا في بيته لم يفتح قلبه للآخرين، ولم يفكر بالفقراء ولم يعوّض الشر الذي اقترفه في حق الآخرين، ولم يقصد أن يغير مجرى حياته ليسلك حياة جديدة، لما كان قبل في قلبه نعمة المسيح وغفرانه وخلاصه. ان زكا لم يقدم ماله للفقراء والمظلومين فقط وانما قدم اولا قلبه لله عندئذ جاءت عطايا طبيعية وبلا كلفة ومفرحة لله. ولهذا دعي زكا ابنا لابراهيم ليس لانتمائه اليه بحسب الجسد وانما ما هو اعظم لانه حمل نفس ايمان ابراهيم الحي . فبالايمان ابراهيم ترك ارضه وعشيرته واهل بيته وسار وراء الدعوة الالهية الى ارض يجول فيها ليقدمها ميراثا لابنائه. وها هو زكا يحمل نفس الايمان ايمان ابراهيم فقد ترك كل امواله وممتلكاته وقدمها للفقرء . لهذا صار زكا ابنا للسيد المسيح حسب الايمان بل صار ابنا لله في يسوع المسيح . ايها الاحباء : هذه هي عظمة اللقاء بيسوع وهذا هو سره الذي كشفناه اليوم وعلى ضوء هذا الكشف علينا ان نغيير حساباتنا وان نصعد على الجميزة لنرى وجهه المشرق النور الحقيقي ، لان هذا النور هو الحياة . الجميزة التي نصعد عليها هي الانجيل الذي يحيينا في النور الالهي ، الجميزة هي التوبة ، الجميزة هي الفقير والمحتاج ، الجميزة هي العطاء المجاني بفرح ، الجميزة هي المحبة والتواضع . ايضا كشفنا في هذا اليوم بان الله يحبنا اكثر ما نحبه نحن ، وان الله هو أبا لنا مهما ابتعدنا عنه وحتى اذا رفضناه كأب لنا يبقى هو هو أبا محبا ورحوما . انجيل اليوم يحتم علينا مسؤولية اما ان نختار ان نأتي الى المسيح ونقبله ونحصل على الحياة الابدية والفرح او ان نرفض المسيح ونخسر الحياة والبركة ، فنصير مثل اليهود الذين خاطبهم يسوع قائلا: ولا تريدون ان تأتوا الي لتكون لكم حياة ( يوحنا 5- 4 ) اخيرا : صلاتي ودعائي يا احبتي ان تكونوا مثل زكا بتوبته تسرعوا لقبول يسوع المسيح في حياتكم وتتوبوا قبل ان نفوتكم الفرصة وتخسروا اعظم عطية قدمت لنا. |
||||