رؤيا الله المرهبة بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني، لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد ( أي 42: 5 ،6) عندما نصلي طالبين أن نرى رؤيا الله. ماذا نتوقع؟ هل منظر رؤيا متوهجة في كبد السماء؟ أم لمعان مجد يخطف الأبصار كالذي رآه شاول الطرسوسي؟ أم شعور بسمو روحي غامر عميق؟ إننا إذا درسنا الرؤى الإلهية المدوَّنة في الكتاب المقدس نجد الصورة مختلفة. ففي كل حادثة كان الذي يرى الرؤيا يشعر بانكسار وانسحاق، وباشتداد قوة الرؤيا يكون الانكسار أمام الله أشد وأعظم. كان أيوب في عيني نفسه كاملاً، لكن كيف كان حال هذا الرجل الكامل عندما رأى رؤيا الله؟ يقول "بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني، لذلك أرفض (نفسي) وأندم في التراب والرماد" ( أي 42: 5 ،6). فعندما يواجه الإنسان الكامل رؤيا الله ينكمش ويكره نفسه بذُّل وانكسار. وموسى الذي له أن يفتخر بعلمه ومعرفته ومقامه كابن ابنة فرعون، لما ناداه الرب من وسط العليّقة "غطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله" ( خر 3: 2 -6). وإيليا وهو يسمع صوت الله المنخفض الخفيف، أحس بالانكسار والخضوع والخشوع "فلف وجهه بردائه" ( 1مل 19: 11 -13). وإشعياء النبي كان يجد في نفسه الكفاءة لاستنزال الويل على معاصريه حتى رأى رؤيا الله. فقال "ويل لي، إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين .. لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" ( إش 6: 1 -5). وحزقيال في رؤياه يقول "ولما رأيته خررت على وجهي" ( خر 1: 26 -28). ودانيال يقول "فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدي ... ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبخاً على وجهي ووجهي إلى الأرض" ( دا 10: 7 -9). وبطرس عندما رأى الرب قال "اخرج يا رب من سفينتي لأني رجل خاطئ" ( لو 5: 8 ). وشاول "سقط على الأرض" ( أع 9: 3 -5). في كل هذه الرؤى، نرى أسلوباً واحداً لا يتغير، تجيء الرؤيا فيتحول الرائي عن ذاته إذ يرى فساده. والله بهذه الطريقة يهيئ النفس لنوال البركة. فالله لا يقدر أن يهب إنساناً أية بركة روحية عميقة، أو أية خدمة روحية هامة، إلا بعد أن يختبر هذا الإنسان انهياراً كاملاً للذات.