12 - 12 - 2013, 02:39 PM | رقم المشاركة : ( 41 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
إحذر رحلة الأنا قلنا أن الإنسان غالبًا ما يخدع نفسه أكثر من خداعه للغير، إذ فيما هو منغمس في أنانيته، طالبًا لذة جسده أو كرامته أو غناه يظن في نفسه أنه مملوُء محبة للغير باذل ومعطاء.لكي لا ننخدع يلزمنا أن نميز بين النفس core self والأنا ego. فالحب هو رحلة النفس self trip وليس رحلة الأنا ego trip. خلال الحب ننطلق إلى أعماقنا الداخلية لنكتشف جوهر كياننا ونتعرف على مركزنا كأبناء لله وعلى رسالتنا. اللَّه محب البشر يقيم مملكة حبه في داخله، فيتسع الداخل ليضم -إن أمكن- الكل بالحب الإلهي. هذه الرحلة الداخلية تحطم الأنا. يمكننا أن نقدم علامتين تُحذِّران الإنسان من انحرافه إلى رحلة الأنا: 1- إحذر أن تطلب صورتك في الغيرالإنسان الذي في حبه يريد أن يكون الكل صورة مطابقة له، أي يريد أن يشكل كل من هم حوله حسب رغباته الخاصة الشخصية وميوله، محبته هذه هي نكوص إلى النرجسية مملوءة أنانية وقاتلة. فالوالدان اللذان لا يدخلان مع أبنائهما في حوار محبة بفكر متسع ورغبة صادقة للاستماع إليهم بجدية وإهتمام يحطمان شخصياتهم، إذ يريدان من الأبناء الطاعة العمياء لأوامرهما، إنهما يريدان أن يشكلا الأبناء حسب هواهما الشخصي في أنانية. فالأب الذي كان يحلم أن ينال درجة علمية معينة أو يرقى إلى مركز إجتماعي معين وقد نجح أو فشل في ذلك، غالبًا ما يدفع إبنه (أو إبنته) دفعًا لنوال ما بلغ إليه أو فشل في الحصول عليه دون مراعاة ما لهذا الإبن (أو الإبنة) من شخصيته أو ميوله أو مواهبه أو قدراته. فإن أصر الإبن على الرفض حسبه عنيدًا ومتمردًا لا يتقبل مشورة والده المملوءة حبًا، وإن تعثر عن البلوغ إتهمه الأب بالاستهتار أو الفشل أو الغباء، مما يحطم نفسيته ويقتل شخصيته،يحدث ذات الأمر أحيانًا مع الكاهن أو أب الاعتراف الذي إن أحب طريقًا معينًا كالحياة التأملية الرهبانية أو الحياة العاملة الكهنوتية أو التكريس بطريق أو آخر يدفع أولاده وبناته للطريق الذي يعشقه دون تقدير لمواهبهم وقدراتهم. يتجلى هذا الأمر بقوة في الحياة الزوجية، إذ كثيرًا ما ما يطلب كل طرف أن يرى الآخر صورة مطابقة له في كل شيء، لا أن يكون يكون مكملًا له، فيحطم الواحد الآخر، بل ويحطم نفسه معه. ما أروع الاختلاف والتباين خلال رحلة الحب، كل منا يقبل الغير كما هو، وإن ألتزم بتوجيهه إنما حسب ميول الغيرة ومواهبه. بالحب تتحول الاختلافات إلى تكامل وتناغم معًا له جمال خاص، فيه لا يفقد إنسان شخصيته في الغير. أراد ليو باسكاجليا (5) توضيح هذه الفكرة من خلال الطبيعة فأورد قصة رمزية يعرضها رجال التربية، ملخصها أن طائرًا وسمكة وقردًا وغزالًا قرروا إنشاء مدرسة في غابة، فأقاموا من أنفسهم مجلسًا للتعليم لوضع المنهج. أصر الطائر على أن يتعلم الكل الطيران لأنه عمل نافع وجميل، وأصرت السمكة على السباحة، والأرانب على حفر الجحور burrowing والقرد على القفز بين الأشجار والغزال على الجري. حصلت الطيور على درجة إمتياز في الطيران لكنها تعثرت في بقية المواد، وصارت هذه المواد تمثل مشكلة حقيقية بالنسبة لهم. فالطيور جميلة بطيرانها، لكنها إن حاولت حفر جحور تنكسر مناقيرها وأجنحتها، فتضيّع وقتها وتحطم نفسها. هذه القصة الرمزية توضح عطية الله للخليقة، خاصة للبشر، فلكل إنسان مواهبه وقدراته تختلف عما للغير، هذا لا يقلل أو يزيد من شأنه، إنما يخلق نوعًا من التكامل والانسجام بين البشر. هذا الروح إنجيلي عبّر عنه الرسول بولس بقوة، إذ يقول: "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد... أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد" 1كو12. 2- إحذر العطاء المادي دون عطاء القلب والنفس العلامة الثانية للحب الصادق هي إهتمام الإنسان أن يعطي من الداخل متناسقًا مع ما يعطيه في الظاهر. كثير من الآباء يعطون أولادهم بسخاء لكن دون مراعاة مشاعر أولادهم كأن ينعتونهم بالغباء أو الكسل أو الإستهتار أو الفشل. هذه الإتهامات تحطم نفسية المراهقين حتى أن بعضهم يفضل ترك المنزل والحرمان من كل عون مادي من الوالدين من أجل حريتهم وكرامتهم التي هي أثمن من كل شيء. لنفس السبب نجد بعض الأزواج يتهمون زوجاتهم بالجفاف وعدم المحبة، متعجبين أنهم يقدمون لهن كل الإمكانيات المادية والحياة المترفة بفيض دون أن يجوا مقابلًا لذلك من زوجاتهم... ذلك لأن الزوجات لا يعطين إهتمامًا لهذه العطايا متى رافقتها كلمة جارحة تقتل حياتهن. وأيضًا نجد بعض الزوجات يشتكين رجالهن، لأنهم لا يقدرون تعبهن ومحبتهن. فالمرأة قد تقضي اليوم كله في البيت لتنسيقه وتجميله وتقديم أنواعًا شهية من الطعام، لكن يأتي الزوج ليجد زوجته مرهقة تمامًا فقدت بشاشتها ولطفها. لا تدرك الزوجة أن رجلها يطلب قلب زوجته لا نظافة البيت وتنسيقه وتقديم أطعمة. إذن البشرية كلها في عوز إلى الحب الداخلي، القلب المتسع، عطاء النفس sel-giving قبل العطاء المادي. أذكر في زيارة لاحدى البلاد بالولايات المتحدة الأمريكية إلتقيت مع سيدة مصممة على الإنفصال لأن زوجها لا يهتم بها وببيته. وإذ عرفت أن زوجها في نفس الأسبوع اشترى قطعة أرض باسمه وإسمها معًا بمليون دولار، سألتها: ألا تشعرين أن زوجك يحبك إذ يشتري هذه الأرض باسمك مشتركًا مع إسمه؟ أجابت: "أريد قلبه لا المليون دولا!"، وكانت مصممة على الإنفصال، لأن الحب لا يقدر بمال! الإنسان في عطش إلى حب الغير وإهتمامه، فقد جاء في تمثيلية: "مدينتنا Our Town" أن فتاة تدعى إميلي ماتت ثم عادت إلى العالم لتجد نفسها في يوم عيد ميلادها الثاني عشر. وجدت والدتها منهمكة في عمل "كعكة عيد الميلاد"، ووالدها مشغولًا بمكتبه وأوراقه، وأخاها مهتمًا بمصالحه الخاصة... عادت الفتاة إلى الآلهة تقول: "أقصوني بعيدًا عن العالم، فقد نسيت المتاعب التي يعانيها المرء كإنسان بشري، إذ لا يوجد من يتطلع إلى آخر بعد" (6). حقًا لقد كانت الأم مهتمة أن تصنع كعكة عيد ميلاد إميلي، لكن إميلي لا تريد الكعكة، إنما تريد الأم نفسها أن تجلس معها وتسمع لها وتحاورها بالحب وتهتم بها وتكشف عن إعتزازها بها. لا تريد حفل عيد ميلاد بل تأكيد شخصيتها. هنا يليق بنا أن نقف قليلًا لنرى معاملات رب المجد معنا، كيف يسكب نفسه بالحب فينا، يقدم ذاته مع عطاياه لنقتنيه ويقتنينا أشخاصًا لنا مواهبنا الخاصة. يريدنا أشخاصًا نحبه ويحبنا، نحاوره ويحاورنا، مؤكدًا شخصياتنا كأحباء وأصدقاء. ينادينا بأسمائنا كما فعل مع زكا (لو 19) ويدخل بيوتنا وقلوبنا. ليتنا نعرف كيف نتأمل مع أولادنا وأصدقائنا وزملائنا ومرؤوسينا والغرباء عنا كما يتعامل السيد المسيح نفسه معنا! |
||||
12 - 12 - 2013, 02:40 PM | رقم المشاركة : ( 42 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
الحب... رحلة النفس sel-trip فريسكو يصور القديس بولص الرسول تحدثنا عن غاية الحب ألا وهو الدخول إلى أعماق النفس واكتشافها لتقديمها بفرح للغير، هذه الرحلة التي لن يستطيع الإنسان بلوغها دون مساندة روح الله القدوس، هي عمل داخلي دون تجاهل للواقع الخارجي. ففي الخارج يجابه المؤمن صعوبات وضيقات ويلتزم بتضحيات مستمرة، لذا طريقها ضيق (لو24:13)، لكنه مُبهج للنفس يهب سلامًا، لأنه يمارس البذل كمشاركة مع السيد المسيح في آلامه، حاسبًا ما يقدمه للغير ربحًا لا خسارة. بفرح اشتاق الرسول بولس أن يستعبد نفسه للغير لكي يربح الكثيرين حاسبًا عبوديته للغير ليس ذلًا بل مجدًا داخليًا ومشاركة للسيد المسيح في أتعابه. مع كل تعب يتجلى مسيحنا المصلوب في القلب ليجد المؤمن نفسه متألمًا معه، فتتحول آلامه إلى تعزيات القيامة وبهجتها. هذا المفهوم يهب النفس تحريرًا داخليًا، إذ يعيش الإنسان لكي يعطي، ويبقى عطاؤه بفيض بلا توقف حتى وإن لم تملك يداه شيئًا، لأنه يعطي حبًا من الأعماق يتعطش إليه الكثيرون. يعيش بالحب حرًا لا تقدر الإمكانيات الخارجية أن توقف تياره، ولا الزمن أن يحطّمه، ولا تصرفات الغير أن تغلق قلبه. يعيش حرًا بعطائه الداخلي، يسكب نفسه خلال مسيحه الذبيح من أجل الكل. لذا بقوة يقول الرسول بولس: "كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2كو10:6). الحب رحلة النفس في الطريق الضيق لكنه طريق عذب فيه حرية، وأيضًا دائم التجديد. فالمحب الحقيقي يشتاق في بذله أن يبلغ "إلى قياس قامة ملء المسيخ" (أف13:4)، يطلب كل يوم أن ينسى ما وراء ويمتد إلى ما هو قدام (في13:3)، حاسبًا كل ما قدمه كلا شيء من أجل صدق رغبته في التمتع بالشركة في طبيعة الحب التي لمسيحنا. بهذا ينسى كل متاعب العالم وأحداثه المؤلمة، متطلعًا إلى أعماقه، ليجد مسيحه مالكًا فيه، يفيض بالحب للكل. بهذه النظرة نعيش حياتنا كلها نمارس الحب خلال التجديد المستمر في نظرتنا نحو الحياة والغير، حتى ليبدو كل ما في داخلنا وما حولنا جديدًا كل يوم. يمكننا القول أن سر إرتفاع نسبة الطلاق هو قيام الحب الزوجي لا على أساس إكتشاف الإنسان نفسه ليقدمها للآحر في الرب، بل على أسس خارجية. فمن يركز أنظاره في إختيار شريكة الحياة (شريك حياتها) على جمال البدن أو قوته، أو مركز الإنسان الأدبي أو العلمي أو الإجتماعي، أو إمكانياته المادية، أو ملاطفته، سرعان ما تتحول المحبة إلى بغضة بعد الزواج، فلا يطيق الواحد الآخر، لأن كل منهما يطلب ما لذاته حتى وإن حمل مظهر المعطاء والباذل، فلا يجد شبعًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.أما إن قام الحب على رغبة صادقة وعملية لتقديم الإنسان نفسه للآخر في الرب، تتزايد هذه الرغبة وتنمو مع الزمن بالرغم من ظهور إختلافات فكرية، إذ يقدم الواحد الآخر ويقدّره. لا تشيخ هذه المحبة، بل تتجدد بروح الله في عذوبة وبهجة حتى وسط المصاعب. |
||||
12 - 12 - 2013, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 43 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
شهوة... لا حب أولاد اللّه الذين لا يتجاوبون مع روح الله، روح الحب الإلهي، الذي يتسلم الطاقات الإلهية ويقدسها وينميها، تنحرف طاقاتهم لتطلب إلهًا آخر تتعبد له هو "الذات"، تتجسم في تصرفات جسدية خاطئة مع نفسه أو مع آخر. فلا نعجب أن نسمع عن فتى يحب فتاة حتى العبادة - حسب التعبير الدارج، فنراها إحتلت قلبه. يرى فيها كل الكمال وكل التعقل وكل الجمال وكل صلاح، فيحسب الحياة بدونها مستحيلة. هكذا يُؤلِّه الشخص محبوبته حتى يكاد يعصمها من كل خطأ، أو يبرر لها كل ما ترتكبه، يرى فيها كل الشبع العقلي والعاطفي وأحيانًا الجنسي. لكنه إن دقق يجد نفسه إنما يحب ذاته، ويقيم ذاته إلهًا محققًا ذلك خلال محبوبته التي تعطيه شيئًا من الشبع المؤقت. والدليل على هذا أنه متى تعرّف على أخرى لتحتل قلبه يبغض الأولى ويمقتها، حاسبًا نفسه أنه مخدوعًا فيها. لقد قدم لنا الكتاب المقدس أمثلة كثيرة لأناس انحرفوا بالحب الحق عن مصدره -الله- إلى الشهوة النابعة عن الأنا. 1- حب ينقلب إلى بغضة!لقد ظن أمنون أنه يحب أخته ثامار، فبسبب حبه وتعلقه بها مرض جدًا، مشتاقًا أن يدفع أي ثمن لممارسة علاقات جسدية معها. لكنه إذ حقق شهوته أبغضها "بغضة شديدة جدًا حتى إن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها" (2صم15:13). أي حب هذا الذي ينقلب إلى بغضة شديدة جدًا؟! 2- حب يدفع إلى السجن! قصة الشاب الطاهر يوسف وإمرأة سيده فوطيفار توضح التمييز بين الحب والشهوة، إذ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: (قال أحدهم: كيف قبلت المرأة المصرية التي أحبت يوسف أن تضره؟ السبب أنها أحبت حبًا شيطانيًا. ومع كل فهو لم يحبها بنفس حبها الشيطاني بل أحبها بالحب الذي طالبنا به الرسول بولس. كلمة الشهوة باللغة العربية والإنجليزية تأمل ما قالته: "إنه شتمني وحسبني زانية، وأخطأ إلى زوجي، وإزدرى بكل من في البيت، وخانه أمام الله". إن مثل هذه الكلمات تصدر عن شخص بعيد كل البعد عن أن يكون محبًا ليوسف، بل ولم تكن تحب حتى نفسها. أما يوسف فإذ كان بالحقيقة يحبها حذرها من هذا كله، ولكي يقنعها أنها مندفعة عرّفها طبيعتها بتقديمه النصيحة لها. لأنه لم يكتف بالابتعاد عنها بل قدم لها إرشادًا كافيًا لإخماد لهيب شهوتها قائلًا... "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت" (تك8:39)،. لم يقل "زوجك" بل "سيدي" حتى يوقظ ضميرها لكي تعرف مركزها ومركز من تعشقه، إنها سيدته! لأنه إن كان زوجها سيدًا له فهي سيدته. فكأنه يقول لها: "عار عليك أن تألفي عبدًا! تأملي زوجة مَن أنت؟! ومن هو الذي تتصلين به؟! وأمام من تقفين موقف الجحد والإزدراء؟!". لقد وبخها باعتبارات بشرية بقوله: "لا يعرف معي ما في البيت". كأنه يقول لها: "إنه أعظم من أحسن إلي"، فلا أصفع سيدي في أعز ما لديه. لقد جعلني السيد الثاني على هذا البيت، "لم يمسك عني شيئًا غيرك"، وبهذا يرغب أن يسمو بعقلها بكل طريق حتى يقنعها فتخجل. لم يقف يوسف عند هذا الحد بل أضاف ما يكفي لصدها قائلًا: "لأنكِ إمرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم؟!". على أي الأحوال لم تستفد شيئًا من إرشاده بل لا زالت تبحث كيف تجتذبه لأن رغبتها هي إشباع عواطفها وليس حب يوسف. ويظهر عدم حبها له في تدبير المكيدة وإتهامها له وحملها شهادة زور ضده، وكوحش مفترس قدمت ذاك الذي لم يخطئ وطرحته في السجن أو بالحري قد تنكرت من جانبها له وأدانته. هل كان يوسف مثلها؟ بل على العكس تمامًا، فإنه لم يشتكِ عليها ولا أتهمها بل ومن الحوادث التالية أظهر يوسف إرادته الصالحة وحبه لها، فإنه حتى عندما شعر باضطراره إلى ذكر سبب سجنه وبقائه فيه لم يشأ أن يذكر القصة كاملة، بل قال: "لأني قد سُرقت من أرض العبرانيين وهنا أيضًا لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن". إنه لم يشر قط إليها كزانية... فالإنسان عادة عندما يرتكب خطية لا يلوم نفسه على ما أرتكبه حتى لا يوبخه أحد، فأي إعجاب استحقه يوسف لأنه كان هكذا تقيًا حتى أنه لم يذكر شهوات المرأة ولا أظهر خطيتها، بل وحتى عندما إرتفع إلى العرش وصار حاكمًا لم يتذكر الخطأ الذي صنعته به ولا قام بعتابها!! أنظر كيف راعى هذه المرأة؟! أما عاطفتها هي فلم تكن حبًا بل جنونًا، لأنها لم تكن تحب يوسف بل تبحث عن إشباع شهواتها). (بالحقيقة الإنسان المحب هو الذي لا يبحث إلا عن نفع محبوبه. فلو خالف المحب ذلك فإنه ولو صنع عشرات الآلاف من أعمال المحبة الصالحة. فإنه بالأكثر يكون أقسى من أي عدو). 3- حب يدفع إلى كسر الوصية لقد شوّه آدم حبه لحواء حينما إنحرف بالحب يعيدًا عن الله. يقول أغسطينوس إن آدم لم يُغو إذ كان حكيمًا وعاقلًا، يعرف أن أكل الثمرة الممنوعة لا يجعله إلهًا كما قالت حواء، إذ يقول الرسول: "وآدم لم يُغو لكن المرأة أُغويت في التعدي" (1تي14:2). إنما سقط آدم لأنه أحب إمرأته جدًا خارج دائرة الحب، فطغت المحبة المنحرفة على قلبه لُيرضي زوجته مرتكبًا ما يحطمه ويحطمها. بنفس الصورة سقط سليمان الحكيم في عبادة الأوثان بسبب المحبة المنحرفة لنساء وثنيات، إذ يقول الكتاب المقدس: "وأحب الملك سليمان نسًاء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات... فألتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة... وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءُه أمَلنَ قلبه وراء آلهةٍ أخرى" (1مل11). يعلق القديس أغسطينوس: " (كان يعطيهن لئلا يُحزن شهواته الملتهبة فيه، كالمثل المتداول: "عبد الشهوة أذل من عبد الرق"). |
||||
12 - 12 - 2013, 03:05 PM | رقم المشاركة : ( 44 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
أحببت من أول لقاء! ما دمنا نتحدث عن الحب وتمييزه عن الشهوة، يليق بنا أيضًا أن نميز بين الحب والافتتان Puppy (calf) love. كثيرًا ما يلتقي إنسان بآخر من الجنس الثاني، في مناسبة أو أخرى فيشعر بشيء من الراحة والانسجام، ربما لأول لقاء أو من أول نظرة. هذا الانسجام ربما يتحقق بسبب جمال جسدي، أو موهبة ممتازة في الشخص الآخر، أو لطف في التعامل، أو قدرة على خلق علاقات مع الغير أو تديّن إلخ... هذا ما يسمي بالافتتان، حيث يفتتن الشخص بالطرف الثاني في أول لقاء. 1- يتزوج الصورة لا الشخص!فتاة غاضبة غالبًا ما يقبل الإنسان الطرف الآخر لا كشخص آخر، إنما يحب صورته مواهبه أو مسلكًا معينًا من سلوكه، إنه يتزوج الصورة أو الموهبة ليفاجأ فيما بعد أنه غير قادر على قبول الآخر كشخص. الحب الزوجي الحكيم يقوم على إكتشاف الإنسان لأعماق نفسه ودراسته أيضًا للآخر كشخص من كل جوانبه. 2- تجاهل التدخل الإلهي! الحب الزوجي الحكيم لا يقوم على إفتتانٍ بجانب معين على رجاء تغيير الجوانب الأخرى وتشكيلها فيما بعد، وإنما يحتاج إلأى تدخل إلهي بطلب مشورته. الله الذي يحقق الوحدة الزوجية، واهبًا العروسين "سر الزواج" كِسر حب زوجي، هو المرشد الأول للإنسان في إختيار شريك (أو شريكة) الحياة. 3- زيجات سريعة! غالبًا ما يخفي الإفتتان جانبًا أنانيًا في حياة الإنسان، فالإختيار السريع خلال أول لقاء يعني عطشًا في الداخل تحقق دون روية، لهذا إذ يقوم الزواج على أساس غير الحب الحقيقي ينتهي بالفشل. يقول الدكتور جيمس دبسون (من المعروف كحقيقة واقعية أن خمسين في المئة من كل زيجات المراهقين تنتهي بالطلاق خلال الخمس سنوات الأولى! يا لها من نبة عالية مأساوية! إنها تعني أن نصف الشعب الذين كانوا يحسبون أنهم كانوا في حب، إذ كانوا معجبين ببعضهم البعض على مستوى عالٍ جدًا، سرعان ما يتحررون من وهمهم، ويصيرون في مرارة وبؤس وتحطيم،كيف تحولت محبتهم المشتركة إلى كراهية وغضب وصراع بعد شهور قليلة؟! (8)). |
||||
12 - 12 - 2013, 03:06 PM | رقم المشاركة : ( 45 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
إتجاهات خاطئة تحت ستار "الحب" ما دمنا نتحدث عن تمييز الحب الحقيقي عن الشهوة وأيضًا عن الإفتتان أو الحب الرومانتيكي romantic أي الخيالي الوهمي، يليق بالمراهق أيضًا أن يتبصر لئلا ينحرف نحو إتجاهات خاطئة تحمل إسم "الحب" نذكر منها (9): 1- حب السيطرة أو الإستحواز على الآخركثيرًا ما يمارس المراهق "حب الذات" أو "حب السيطرة" تحت ستار الحب. فالمراهق غالبًا ما ينشغل في بدء حياته بالتعرف على قدرته على التأثير على الجنس الآخر، فيجرب أقنعة ويمثل أدوارًا في ملبسه وتصرفاته، مُيررًا جمال بدنه أو قوته، سرعة بديهته، لطفه ورقته وأحيانًا صرامته وحزمه... إنه يستعرض ذاته على الجنس الآخر، لأنه شديد الإعجاب بذاته، يريد أن يؤكد إعجاب الجنس الآخر وتعلقه به. فهو يتطلع إلى الجنس الآخر على أنه مجرد مرآة تكشف له قوة شخصيته وجاذبيتها. المراهق يريد تأكيد رجولته فسرعان ما يستحوذ على فتاة من المعجبات به، يفرض نفوذه عليها ويحملها على التعلق به تارة بالرقة الشديدة والجري وراءها وأخرى بتصنع العنف وتجاهلها، وفي كلتا الحالتين لا يطلب ما لبنيانها، إنما ما يؤكد لنفسه قدرته على السيطرة ليصير معبودًا في عيني نفسه. هذا ما يسبب المنازعات والمنافسات بين المراهقين للتباهي بالغلبة والنصرة بقصد جذب الأنظار إليهم. بنفس الروح تمارس أحيانًا الفتاة المراهقة ما تسميه الحب، لكي تيقظ في المراهق رغبته نحوها فتتحداه في صميم غريزته، وتسيطر عليه لا لرغبة جسدية تريد إشباعها وإنما بالأكثر للإستحواز عليه وتأكيد الأنا بين صواحباتها. أذكر على سبيل المثال أن إحدى الفتيات في سن المراهقة تعرّف عليها شابًا يقطن في نفس منطقة سكنها، وكان يلاحقها باستمرار مؤكدًا لها أنه يحبها حتى العبادة، وأنه مرتبط بها بكل قلبه وأحاسيسه ومشاعره... وغذ روت لي الفتاة مدى إخلاص هذا الشاب وتعلقه الشديد بها بكونها الفريدة في حياته، سألتها عن إسمه... وكانت المفاجأة لي أنه يقوم بذات الدور مع فتاتين آخرتين... كل واحدة من الثلاثة، فتيات تظن أنها الوحيدة في حياته... كان يخدع الكل لا لشيء إلا ليمثل دور البطولة في إصطياد الفتيات أمام نفسه وأمام أصدقائه. 2- فضول غرامي! محبة الجميع في المسيح أحيانًا يتكلف المراهقون العاطفة ويمثلون أدوار الحب في مبالغة لا لشيء إلا بسبب فضولهم الغرامي؛ كل يطلب أن يتعرف على الجنس الآخر كسرِ مجهول له، وهو يعرف أن "الحب الغرامي" هو المفتاح الذي يدخل به إلى أسرار الجنس الآخر ويتعرف على عواطفه وأفكاره. 3- الحب الهائم يحمل البعض في داخلهم صورة لشخص من الجنس الآخر يرسمها (أو ترسمها) المخيلة من واقع الخبرات القيمة مع مسحة من الخيال،وإذ يلتقي المراهق بآخر من الجنس الثاني سرعان ما يُضفي الصورة بكاملها عليه، فيمارس الحب لا خلال الشخص الواقعي الذي يتعامل معه، بل خلال الصورة التي في مخيلته، فيظنه الشخص الوحيد المناسب للارتباط به في حياة زوجية سعيدة لكن إذ يرتبط الإثنان بالزواج تزول الصورة ويقى الشخص قائمًا أمامه يختلف تمامًا عمن كان يتعامل معه قبلًا تحت ستار "الحب الهائم". 4- تطلب صاحب خبرات لعل من أخطر المشاكل التي نجابهها الآن في الزيجات، أن الفتاة تبحث عن فتى جريء يظفر بها ويفوز بحبها، فإذا ما وجدت هذا الفتى الجريء صاحب الخبرات الطويلة في إقتناص الفتيات تعجب به وتحسب رغبته في الإستحواز عليها رجولة وقوة. تظن أنها الفتاة الوحيدة التي يحبها ليتزوجها مع أن كثيرات يطلبنه كزوج لكنه لا يقبل. إنه يعلن لها توبته مصارحًا إياها أنه قد تعرّف على كثيرات لكن للتسلية أما هي فموضع إحترامه وتقديره يطلبها كزوجة؛ وربما يكون صادقًا في أحاديثه معها. إنها تحبه لأجل صراحته، وهو يحبها لأجل طهارتها وعفتها، لكن إذ لم يتب من أجل خلاص نفسه وشوقه إلى الحياة الأبدية إنما لأجا إعجابه ببساطة الفتاة وطهارتها، سرعان ما ينحرف أو يمارس العنف معها ويتحطم سلام الأسرة. هذه أمثلة تكشف كيف يخدع الإنسان نفسه ليسلك في إتجاهات منحرفة، ظانًا أنه في طريق الحب. |
||||
12 - 12 - 2013, 03:07 PM | رقم المشاركة : ( 46 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
سريعو الانفعال.... ثائرون كثيرًا ما يُوجه إتهامان ضد المراهقين: الأول: أنهم يحملون عواطف قوية وانفعالات عنيفة وفي نفس الوقت متذبذبة، تارة تجدهم في غاية العنف والشدة وأخرى في منتهى اللطف والرقة. والثاني: أنهم متحاملون ضد الجيل السابق لهم متمثلًا في الوالدين أو المرشدين، يتمردون عليهم ولا يقبلون نصائحهم، متطلعين إليهم كأشخاص جامدين خبراتهم قديمة لا تناسب العصر. |
||||
12 - 12 - 2013, 03:08 PM | رقم المشاركة : ( 47 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
محتاج إلى حبكما وعاطفتكما وتقديركما لي! إن كان البالغون يشتكون من التهاب عواطف المراهقين وسرعة انفعالاتهم وتغيرها المستمر، فإننا لا تستطيع أن ننكر ما على البالغين -خاصة الوالدين ورجال الدين- من المسئولية لو جزئيًا في التهاب عواطف المراهقين وانحرافها أيضًا. حرمان أولادنا من عاطفة الوالدين في طفولتهم يفقدهم اتزانهم العاطفي فينشأون في فراغ داخلي يريدون ملئه بوسيلة أو أخرى مهما كان الثمن. الطفلة الصغيرة التي لا تشعر بحب أبيها وحنانه واهتمامه، بالرغم مما يبذله من تعب لإشباع احتياجات الأسرة ماديًا ورفع مستواها اجتماعيًا، مثل هذه الطفلة إذ تدخل في بدء مرحلة المراهقة تشعر بقوّة عميقة تفصل بينها وبين والدها. فهي تتعطش إلى حب أبيها غير المشروط لكي تجد نفسها موضع حبه وتقديره واعتزازه، الأمر الذي يبعث في داخلها روح الثقة والتقدير الذاتي. هذه الفتاة تبحث عن هذا الحب فلا تجده، وربما في الثالثة عشرة من عمرها أو أقل إذ تجد شابًا -أيًا كان هذا الشاب- يتفوّه بكلمات الإعجاب بها ترتمي في أحضانه، وربما تترك دراستها وتنسى كل قيمها الروحية والاجتماعية، لا لتطلب ممارسات خاطئة، وإنما لتؤكد لنفسها قبولها لدى الغير، تود أن تجد حب والدهها المفقود في شاب مراهق من الجنس الآخر، أو في شخص قد يكبرها جدًا في السن،تود أن ترافقه وتلتصق به، وعندما يطلب منها ممارسات خاطئة تدخل في صراع مُرّ بين رغبة داخلية أكيدة للحب الأبوي المفقود ثمنه فقدان طهارتها وعفتها إرضاء لمن يشبع احتياجاتها، أو الرفض وثمنه الحرمان! ربما تحت هذا الصراع تسقط وتبكي وتندم وتقرر قطع العلاقة تمامًا مهما كان الثمن، لكن كما قال أحد المراهقين أنه كان يرفض الجنس المنحرف، لكن بممارسته كانت الرغبة فه تتزايد مع إدراكه أنّه غير مشبع! هكذا نحن لا ننكر مسئوليتنا أمام الله وأولادنا، إننا إذ نحرمهم من الحب الأبوي والأموي نلقي بهم في انحرافات عاطفية يصعب علينا وعليهم فيما بعد معالجتها. فيما يلي بعض عبارات كتبها مراهقون يطلبون عاطفة والديهم وحبهم (4): (بابا، أحبك بكونك شخصًا. لا تشتر حبي بالشيكات التي تقدمها شهريًا). (سقطت في مصيدة البحث عن الحب في الجنس، بسبب حاجتي لى الحب الذي لم تقدمه لي عائلتي). (المراهقون مثل كل إنسان؛ لهم احتياجاتهم ورغباتهم ومخاوفهم. يحتاجون أن يشعروا أنهم محبوبون، وأن يعبر عن هذا الحب. فإن لم تقم البيوت والعائلات بتقديم الحب والاهتمام فأنهم ينحرفون، إنهم يبحثون دائمًا عن شخص يقدم الحب. إنهم محتاجون إلى من يشعرهم بأنهم مقبولون وأنهم في أمان. في حالات كثيرة تفشل العائلات اليوم عن اشباع احتياجات صغارهم). (أنا إنسان بالحث لا أتحدث كثيرًا مع والديَّ، خاصة بابا. ما أريد بالحقيقة أن أقوله، أنني أحبهما كثيرًا. ومع هذا ربما لا أظهر هذا الحب لهما. أيضًا، أريد من ماما أن تقول لي: أني أحبك، أكثر مما تفعل بكثير. أنا أعرف أنها تحبني، لكنني أظن أن كل ابن (أو ابنة) يريد أن يسمع هذا). (ماما، بابا - إنني محتاج أن تخبراني إنني كنت فريدًا، وأنه كان لي وضعًا خاصًا (بالنسبة لكما). محتاج أن تقدما لي الأدوات التي تسندني لأعيش كإنسان ناضج في عالم البالغين... إنني محتاج من والديَّ أن يقولا إنني كنت موفقًا (okay). لقد فعلتما كل شيء لأجلي، هذا هو أردأ شي فعلتماه لي... لماذا تحتقرانني هكذا؟). ("أحبك I Love you". هذه الكلمات الثلاث لم تستخدم قط في بيتنا، ولهذا أنا أعاني الكثير. إلى شهور قليلة كنت أخشى أنه لا يوجد أحد يحبني، وما هو أردأ أنني ربما لا أستطيع أن أحب أحدًا. لكنني اكتشفت أن يسوع يحبني جدًا حتى مات على الصليب لأجلي. لقد عرفت أنه يوجد رجاء. الآن أستطيع بحرية أن أقول: "أنني أحبك" وأعنيها من القلب). _____ |
||||
12 - 12 - 2013, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 48 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
الجنس والكيان الإنساني تختلف كلمة "جنس" لدى الكثيرين، فالبعض يراها كلمة معيبة دنيئة لا يليق مناقشتها إذ يتصورونها في حدود العلاقة الجنسية الجسدية البحتة، أو يربطونها بالمناظر والصور المثيرة للشهوات الجنسية، لكننا إذ تطلعنا إليها من منظار مسيحي نجدها هكذا: 1- الجنس يمثل جزءًا من الكيان الإنساني الصالح الذي خلقه الله. 2- الجنس في مفهومه الواسع يمثل رباط حب وعاطفة قوية تضم الزوجين معًا ليعيشا معًا في وحدة لا يشاركهما أحد فيها. 3- الجنس وسيلة اتساع قلب الإنسان ليمارس نمو شخصيته ونضوجها من كل الجوانب. |
||||
12 - 12 - 2013, 03:10 PM | رقم المشاركة : ( 49 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
الجنس والحياة الفردوسية إن عدنا إلى بدء الخليقة نسمع: "ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك27:1)؛ كما يقول السيد المسيح "من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى" (مت4:19). هذه الحقيقة البسيطة والأساسية تكشف عن فهمنا المسيحي للجنس بكونه خطة إلهية وليست من صنع الإنسان؛ فقد أوجد البشرية منذ بدء الخليقة ليكونوا ذكورًا وإناثًا، لإيجاد مجتمع بشري "حسن جدًا" (تك31:1) (2). لقد عاش أبوانا الأولان في الفردوس "وكانا كلاهما عريانين آدم وحواء وهما لا يخجلان" (تك25:2). هذه العبارة الكتابية تكشف لنا عن نظرتنا القدسية للجسد كله -مع الاختلاف بين جسدي الرجل والمرأة- بكونه عطية إلهية صالحة. هذه النظرة تعكس نظرة قدسية للحياة الإنسانية من كل جوانبها. لقد عاش أبوانا الأولان في الفردوس قبل السقوط في حياة زوجية فردوسية، كل ما في داخلهما وخارجهما يبهج قلبيهما. يرى البعض أنهما مارسا الحياة الزوجية على مستوى العلاقات الجسدية أيضًا، معتمدين على العبارة: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا" (تك24:2)؛ وأيضًا العبارة: "اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها" (تك28:1). لكن هذه العلاقة لم تقم على اطفاء شهوة جسدية تحمل الطابع الأناني، بل على تقديم كل طرف ذاته بحياته الفكرية والنفسية والجسدية للآخر؛ أي حملت علاقة حب باذل وليس إرضاءً لشهوة مؤقتة، كما حملت روح الوحدة في أكمل صورها الزوجية بالتصاق الأعماق الداخلية جنبًا إلى جنب مع التصاق الجسد. لذا "قال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي" (تك24:2). خلال هذه النظرة الفردوسية نرى قدسية الجسد والعلاقات الجسدية بين الزوجين، تتجلى في الآتي: 1- الشعور بالخجل ليس من عمل الله (تك15:2)، إذ لا يخجل الإنسان مما خلقه الله (3). لذلك جاءت الكلمة العبرية المقابلة لـ"ألبسهما" (تك20:3) هي "Iabash" وليس "hasah". الكلمة الأولى تعني "يزين" أو "يلبسهما ليجعلهما جذّابين"، أما الثانية فتعني "اخفاء عار ونزع عري محزٍ" (4). كلاهما يعنيان تغطية عري، لكن الاختلاف هو في الغاية من التغطية. حتى بعد السقوط، إذ وهبنا ربنا يسوع الحياة الجديدة رد للحياة الزوجية قدسيتها حتى صارت في المسيحية "سرًا sacrament"؛ يلتقي الزوجان معًا في حجالهما ليتحدا معًا في شركة حب من نوع لا يشاركهما فيه أحد، يتحدا معًا في خصوصية تضمهما وحدهما في علاقة حب فريد، إذ يصيران "جسدًا واحدًا". 2- كان كلاهما في عوز إلى بعضهما البعض، إذ قيل "ليس جيدًا أن يكون آدم وحده فأصنع له معينًا نظيره" (تك18:2)،.كانت حواء نظير آدم، أي على قدم المساواة، يحتاج إليها وهي تحتاج إليه بكونهما شخصية لهما كيانهما وتقديرهما المتبادل، يكمل أحدهما الآخر، يرافقا بعضهما البعض خلال شركة الحياة والحب. 3- رأينا عند حديثنا عن "شخصية الشاب المتكاملة" أن العلاقة الجنسية التي تحققت بين أبوينا -في نظر القديس أغسطينوس- كانت تحمل بهجة pleasure دون شهوة concupiscence، هذه البهجة أكثر عذوبة مما يتمتع بها الإنسان الشهواني عند ممارسته للجنس بطريقة منحرفة. وكأن الزوجين المسيحيين وهما يعيشان حتى علاقتهما الجسدية بروح الاعتدال يجدان بهجة وعذوبة خاصة لا يجدها من يسيء استخدام الجنس: يقول الكتاب: "اشرب مياهًا من جبك، ومياهًا جارية من بئرك... ليكن ينبوعك مباركًا، وافرح بامرأة شبابك" (أم18:5). "التذَّ عيشًا مع المرأة التي أحببتها كل أيام حياة باطلك التي أعطاك إياها تحت الشمس كل أيام باطلك" (جا9:9). |
||||
12 - 12 - 2013, 03:12 PM | رقم المشاركة : ( 50 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب دعوني أنمو القمص تادرس يعقوب ملطي
الغريزة الجنسية في حياة المؤمن الغريزة الجنسية التي تعمل فينا هي جزء من كياننا، ليست شيئًا نرغب في التخلص منه، ولا دنسًا نحتقره، ولا نجاسة نخزى منها، بل هي من عمل اللهَّ صانع الخيرات وهبها لأجل ترابط البشر ووحدتهم ونموهم وسلامهم. فالإنسان ينمو، وتنمو معه غريزته الجنسية كطاقة جبارة في حياته، كعطية يشكر اللهَّ عليها، من خلالها تنضج حياته وتفكيره وسلوكه، متى سُلمت بين يدي روح اللهَّ واهب العفة والطهارة. لقد وجَّه فرويد Fraud الأنظار إلى اللبيدو Libido أي الطاقة الشهوانية كقائد عجلة الحياة الإنسانية ومحركها وواهب القوة لدفعها، من ميلاد الإنسان إلى يوم وفاته، غير أن كثيرًا من أساتذة علم النفس الحديث لم يقبل هذه المبالغة. لقد قسمّ حياة الإنسان إلى مراحل مختلفة تقوم على أساس أن الإنسان طاقة جنسية، وإن كان هذا التقسيم لم يعد مقبولًا تمامًا لكننا نذكره لنستوضح علاقة الجنس بحياة الإنسان وللكشف عن إمكانية تقديس الحب خاصة في مرحلتي المراهقة والبلوغ. 1- مرحلة الرضاعة:(خلال السنة الأولى من الميلاد)، يتركز اللبيدو Libido في تحريك شفتيه للرضاعة، فإذا ما لاطف أحد رضيعًا كأن يضع يده على وجنتيه بلطف تجد شفتيه تتحركان للرضاعة. 2- مرحلة الشرجية anal: (من سنة إلى ثلاث سنوات)، خلالها يتعلم الطفل كيف يمارس الإفراز toilet training. في هذه المرحلة يتمركز الإنسان حول جسده، لذا تسمى "المرحلة النرجسية Narrissistic stage. كما قلنا أن نرجس هو شاب أسطوري عشق صورته، فصار يتأملها في جدول ماء وبقى ينظر إليها حتى مات. في هذه المرحلة يعيش الإنسان عاشقًا "الأنا"، فيرى العالم كله ينحني لخدمته، كل ما حوله هو ملكه حتى والديه وممتلكات الغير. إنه سجين "للأنا ego". للأسف كثيرًا ما ينتكص الإنسان في سن المراهقة وأحيانًا البلوغ إلى المرحلة النرجسية يطلب أن يجد صورته هو في الغير، يريد أن يكون الكل حسب هواه. في نهاية المرحلة السابقة يدخل الطفل إلى مرحلة جديدة تسمى Phallic age حيث يتمركز اللبيدو في الأعضاء التناسلية، الأمر الذي يقلق أحيانًا الوالدين، إذ يجدونهم يلعبون في أعضائهم فينتهرونهم بطريقة خاطئة تبعث فيهم الشعور بالذنب والخوف، وتدنيس النظرة للجسد كله خاصة الأعضاء التناسلية... هذه النظرة لها انعكاساتها على الإنسان ربما حتى في حياته الزوجية في المستقبل. يليق بالوالدين ألا يشوّهوا نظرة الأولاد للجسد في هذه المرحلة وما بعدها، فلو أن طفلة في الثامنة من عمرها تطلعت إلى أخيها الرضيع عاريًا أو تساءلت عن بعض أعضاء جسده يتهمها الوالدان أنها طفلة بذيئة nasty وأنها تنطق بأمور معيبة دنسة بلا احتشام. مثل هذه السمات التي ينعت بها الوالدان أطفالهم الصغار تدفعهم للتفكير في أن الخطية تعادل الجنس، وأن كل ما يمس الجنس هو خطية. 4- المرحلة الأوديبية Odipal period: (من الثالثة إلى حوالي السابعة من العمر)، حيث يوجه الطفل عاطفته واهتماماته نحو الوالد من الجنس الآخر، بينما يدخل في صراع مع الوالد الذي من ذات جنسه. هذه هي مرحلة ما قبل الدراسة pre-school age، حيث يصير الولد "رجل أمه الصغير" والبنت "ابنة أبيها المدللة". يطلب الولد أمه وربما لا يطيق والده إذ يريد أن يملكها بمفرده، والبنت تطلب أباها وتغير من أمها، لأنها تود أن تمتلكه. للأسف أحيانًا ينتكص بعض المراهقين والبالغين إلى المرحلة الأوديبية، فيطلب الزوج من زوجته أن تكون أمًا له، والعكس بالنسبة للزوجة. يريد الزوج أن يملك زوجته كما ملك أمه من قبل فيكون موضوع تدليلها دون تحمل مسئولية، وتريد الزوجة أن تمتلك زوجها كما ملكت أباها يعطيها التدليل دون التزام من جانبها. 5- مرحلة الكُمون latency period: (من حوالي السابعة حتى بدء البلوغ، حتى تضم المراهقة المبكرة): في هذه المرحلة يميل كل جنس إلى ذات جنسه كما سبق الحديث في المقال الثالث. في هذه المرحلة يريد الولد أن يلعب مع الأولاد، والبنت مع البنات، مع وجود حب استطلاع للتعرف على الجنس في تخّوف. 6- مرحلة المراهقة: حيث يتغير هذا كله (5)، ليجد الإنسان نفسه في موقف جديد: تغيرات في نمو الجسد مع مشاعر وعواطف جديدة نحو الجنس الآخر. يشعر كأن العالم كله قد تغير، وصار الجنس بالنسبة له يمثل الحياة. هذا التغير المفاجئ غير المتوقع غالبًا ما يعكس على المراهق (أو المراهقة) شعورًا بالذنب. ففي القريب كان يعيش في مرحلة أشبه بالطفولة البريئة، يحمل جسدًا هادئًا وحواسًا ساكنة من جهة الجنس ونفسًا بريئة لا تميز بين ذكر وأنثى، والآن تحول كل شيء بالنسبة له، فينتابه الخجل أمام نفسه وأمام الله ووالديه والمجتمع ويظن في نفسه إنسانًا شريرًا لا يستحق الحياة بعد مع المسيح. أمام هذا الإحساس المرّ الذي يجتازه المراهق يلتجئ إلى وسيلة أو أخرى، فقد يتستر تحت ظلال شجرة الانطوائية والانعزالية ليختفي عن نظرات الله والناس، فيحيا مجاهدًا بطاقته الذاتية لضبط نفسه وكبت غرائزه وحرمان عواطفه ومعاداة جسده،وإذ هو لا يمارس الخطية بأعضائه الجسدية يحسبه الناس قديسًا بريئًا، بينما هو في عيني نفسه مجرم أثيم يحمل في أعماقه بركانًا ثائرًا وصراعًا لا ينتهي، وغالبًا ما يفلت الزمام ليمارس النجاسة في أعنف صورها، فيهرب من ضميره بإنكار الإيمان وجحد العفة والطهارة. من أجل هذا يقول القديس أغسطينوس (6) أنه ليس كل من يضبط نفسه أو يمنع نفسه عن الشهوات أو يبحث عن العفة هو "عفيف"، إذ كثيرون بحثوا عن العفة واقتنوا شيئًا آخر غير العفة. وقد يلتجئ الفتى إلى أصدقاء من ذات عمره يستجديهم معرفة الأمور الخاصة بالحياة الجنسية، فيقدمون له معلومات مأخوذة عن كتب سوقية أو أفلام عاطفية أو خبرات خاطئة بعدما يعكسون عليها خيالهم الواسع. هكذا تأتي المعلومات مملوءة سمومًا. هنا لا مفر من أن يسقط الفتى في الإباحية والاستهتار، إن لم يكن أمام المجتمع ففي أعماقه الداخلية. هنا تبرز أهمية احتضان الكنيسة والبيت للمراهقين. فالمراهق الذي يدرك حنو أب اعترافه وانفتاح قلبه له يحس بأبوة وأمومة والديه واتساع مداركهما للتفاهم معه، لا يلتجئ إلى زملائه في تفهم المور الخاصة بحياته الجنسية التي لها كل الخطورة في بنيانه أو تدميره. الأب الروحي -بالتعاون مع الوالدين- يفتح قلبه للأبناء كي يفيضوا بكل مشاعرهم وأحاسيسهم ويسألوا عن كل ما قد يظنوه غريبًا أو دنسًا. بهذا ينطلق في حكمة الروح القدس بطاقاتهم كأداة برّ لبنيان نفوسهم وكقوة جبارة للانطلاق نحو محبة الله والناس في جهاد لا ينقطع. ما أحوج أولادنا وبناتنا، بل ما أحوج كل إنسان لأن تستريح نفسه تجاه جسده بكل طاقاته ليعلم مدى قدسيته وقيمته، ويحس أن كل ما فيه -في أصله- ليس دنسًا، عندئذ يتمتع بذات مفهوم القديس أغسطينوس بأن الطاقات المستخدمة للشر في دنس يمكن أن تتحول بالتوبة إلى طاقات حب ملتهب نحو الله والكنيسة وكل البشرية حتى بالنسبة للأعداء المقاومين. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|