منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06 - 08 - 2014, 11:56 AM   رقم المشاركة : ( 4791 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

معاني الرموز في الصلوات الطقسية
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقدمة:
توجد مجموعة من رموز وضعها السيّد المسيح، أو وضعتها الكنسية، لتذكير المؤمنين بالحقائق السماويّة أو للدلالة عليها.
فإن الذهن البشريّ، ولاسيّما ذهن عامة الشعب، شديد التأثر بالرموز التي تشير، عن طريق العلامات الحسيّة، الى أمور تفوق إدراك الحواسّ. والطقوس الشرقيّة بنوع خاص غنيّة بالرموز أكثر من سواها. للرمز عادةً منفعتان: منفعة خاصة مباشرة، لكونه وُضع لفائدة عمليّة خاصّة؛ ومنفعة رمزيّة غير مباشرة، لكونه يدلّ على شيء آخر يسمو عليه.
فالشمعة مثلاً التي تضاء على المذبح المقدّس لها أولاً منفعتها المباشرة في إنارة المكالن، كسائر أدوات الإنارة، ولها أيضًا فائدة رمزيّة، لأنها تشير الى نور التعليم الإلهي والى النفس المؤمنة التي تضيء في العالم إلا إذا ذابت كالشمعة على هيكل الذبيحة. غير أن لبعض الرموز منفعة رمزيّة فقط،
إذ إنها وُضعت من أصلها للدلالة على الرموز له لا غير، كالرفرفة بالغطاء الكبير على القرابين في اثناء تلاوة قانون الإيمان: إنها وُضعت للدلالة على الزلزلة الأرضية التي رافقت موت المسيح على الصليب، لا لفائدة عملية خاصة. والرموز والإشارات كثيرة في حياة الكنيسة وفي الاسرار، منها ما يلي: الماء:
1- يكرّس يوم عيد الظهور (الغطاس) ويرشّ فتقدّس به المنازل يوم الغطاس وفي ظروف أخرى. ويستقي منه المؤمنون ويدهنون به.
2- ويُكرّس خصيصًا يوم العماد المقدّس. وهو شرط أساسي للعماد.
3- وهو ينضح ويزيل الأوساخ، ويرمز الى المسحة الروحيّة والطهارة والتخلّص من الخطيئة ويشير الى نقاوة الروح
4- وهو يرمز الى عماد المسيح الذي حلّ عليه الروح القدس يوم العماد. ولذا فالماء إشارة الى الروح القدس (يوحنا 7: 39)
5- وهو عربون الولادة الجديدة بالماء والروح (يوحنا 3: 5).
6- وهو رمز الى أن المسيح بعماده قدّس المياه وعناصر الطبيعة كلها
7- به يغسل الكاهن يديه قبل مباشرة الذبيحة الإلهيّة.
8- وكان ولا يزال للماء شأن كبير في الحياة الطقسيّة في كل الديانات (الوضوء- غسل الأواني والهياكل إلخ...).


الزيت:
1- يكرّس احتفاليًّا يوم خميس الأسرار في الطقس الشرقيّ ويُمسح به المؤمنون قبل المناولة الفصحيّة.
2- وهو رمز التكريس ويرمز الى الحياة الروحية، والى التوبة، والشفاء (النفس والجسد) وغنى النعمة الداخليّة، والى القوّة في النضال الروحيّ ضد الخطيئة...والمرونة والطيبة والى ثمار الروح القدس: "اللطف وطول الأناة والمحبة والفرح والسلام والوداعة والعفاف...:" (الرسالة إلى أهل غلاطية 5: 22-25).
3- يدخل الزيت في مادة الأسرار وأشباهها (التكريسات والتقديسات) هكذا: مع ماء العماد- في العماد (المسحة بالزيت)- في "طبخة" الميرون المقدس، في مسحة الكهنة، في مسحة المرضى والتائبين (ويسمّى زيت التائبين)، في المسحة الأخيرة، وفي رتبة جناز الموتى...وفي تكريس المنازل والهياكل والكنائس والأيقونات الجديدة الخ...
4- وهو باعث النور وتضاء منه القناديل الكثيرة في الكنيسة....
5- وهو رمز الى أعمال الفضائل التي تهيّئنا لاستقبال المسيح مثل العذارى الحكيمات...
الخبز
1- هو الرمز الطبيعيّ لسرّ الإفخارستيّا، كما أراده المسيح متكلّمًا عن خبز الحياة والخبز النازل من السماء (يوحنا 6، وما رواه الانجيليون عن العشاء السرّي).
2- وهو رمز نعمة الله: أعطنا خبزنا كفاف يومنا. وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
3- وهو رمز المشاركة، ولذا تسمّى المناولة باللغات اليونانيّة واللاتينيّة والأوروبيّة "شركة" (عبارة تناول ومناولة بالعربيّ أضعف تعبيرًا).
4- ويستعمل في إفخارستيّا ذبيحة القدّاس.
5- كما يكرّس في صلاة الغروب والأغربنيّة ويؤكل كعلامة للشركة في حفلات أو ولائم الأغابي أو المحبّة.
6- ويقدّم في ذكرالأموات (بهيئة قمح أيضًا ويسمّى رحمة أو سليقة).
7- ويوزّع بركة في آخر القدّاس.
8- ويؤكل بهيئة قمح مسلوق في عيد القديسة بربارة (4 كانون الأول) والسبت الأول من الصوم. وهو يرمز الى الحياة والقيامة. حبّة الحنطة إن لم تمت بقيت وحدها.
9- وهو علامة الصداقة بين الناس: "بيننا خبز وملح!"، نتقاسم الخبز والملح.
الخمر
1- هو الرمز الطبيعيّ الثاني لسرّ الإفخارستيّا حسب إرادة السيّد المسيح في العشاء السرّي.
2- وهو رمز الفرح: "الخمر يفرّح قلب الإنسان
3- ويكرّس رمزيًّا يوم عيد التجلّي (6 آب) بتكريس بواكير العنب
4- تعطى كأس الخمر المشتركة للعروسين يوم الإكليل.
5- يكرّس ويبارك في صلاة الغروب في الطقس الشرقيّ مع القمح والخبز والزيت.
6- يرمز الى المحبّة والحياة الروحيّة والتأمل والارتواء الروحيّ السرّي
وضع الأيدي
1- رمز طبيعيّ للتكريس والمسحة السريّة والوسم السرّي الذي يعطى في بعض الأسرار، خاصةً العماد والتثبيت والكهنوت.
2- يُستعمل رمزُ وضع الأيدي في العماد والتثبيت والكهنوت بمختلف درجاته وفي كل الطقوس
3- كما يُستعمل في البركات والتكريسات والصلوات في حالات المرض وبركة الأشخاص...(يطلب الناس من الكاهن أن يضع يده عليهم).
4- واليد هي علامة الشفاء (راجع الإنجيل وأعمال الرسل والنصوص الطقسيّة).
5- واليد رمز المصالحة والمصافحة والصداقة والتعاون والسلام والمحبّة
قرع الصدر:
رمز للتوبة والندامة
النعم (أو آمين)
- عبارة تعني قبول السرّ، الموافقة على المسيح.
2- وتستعمل في المعموديّة المقدّسة، وفي سرّ الزواج المقدس وفي النذر الرهبانيّ. (هكذا "نعم" مريم والرسل عندما قبلوا دعوة يسوع).
3- تتردّد تكرارًا في آخر الصلوات وأجزائها
قبلة السلام: - وهي عبارة المصالحة والمسالمة في الليترجيّا الإلهيّة، وهي استعداد لسرّ الإفخارستيّا. - يتبادلها المؤمنون في القداس، قبل "نؤمن" في الطقس البيزنطي (لكن العادة بطلت عمومًا). - وتقوم بشدّ اليد أو بقبلة الكتف.


البخور
1- رمز الصلاة: "لترتفع صلاتي كالبخور أمامك" (مزمور 142)
2- رمز العبادة والسجود.
3- رمز التقديس والتكريس: يبخَّر الشيء المقدّس: الخبز والخمر والزيت والهيكل والإيقونات الخ
4- رمز الاحترام: يُبخَّر الأشخاص المصلّون.
5- رمز رائحة المسيح: "أنتم رائحة المسيح الطيّبة" (2 كور 2: 15).
6- المبخرة ترمز الى مريم العذراء. والنار داخلها الى نار اللاهوت الذي حلَّ في مريم دون أن يحرقها.
7- للمبخرة إثنا عشر جرسًا ترمز الى أصوات الإثني عشر رسولاً الكارزين بالمسيح. (في كلّ الأرض ذاع منطقهم والى أقاصي المسكونة كلامهم


النور والشموع
1- رمز المسيح: "أنا نور العالم"!
2- رمز يوحنا السابق للمسيح، في زيّاح الإنجيل في الطقس البيزنطيّ.
3- رمز الحضور الإلهي.
4- رمز استعدادنا لمجيء المسيح الثاني
5- رمز التكريس والنذر والتقدمة (الشموع التي تضاء أمام الايقونات).
6- شمعات المطران: المثلث (تريكاري) ويرمز الى الثالوث الأقدس ووحدانيّة الله، والمثنّى (ذيكاري): ويرمز الى أن المسيح إله كامل وإنسان كامل وهو واحد بطبيعتين إلهيّة وإنسانيّة


إشارة الصليب
رموزها تختلف باختلاف طريقة رسمها. - لاحِظ رمزها في الطقس البيزنطيّ: الثالوث الأقدس والوحدة في الله والطبيعتان في شخص المسيح الواحد.
السمكة
على ثياب الكهنة والشمامسة أو ستائر الهيكل الخ ترمز في أحرفها اليونانية IXOYE الى هذه الكلمات: يسوع المسيح ابن الله المخلص.
السنابل
على ثياب الكهنة والشمامسة أو على الستائر والشبابيك الخ ترمز الى القمح والى خبز الإفخارستيّا المقدّسة
 
قديم 06 - 08 - 2014, 11:57 AM   رقم المشاركة : ( 4792 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المجامع كعيادات لطبّ النفس



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأب يوحنا رومانيدس
نقلها إلى العربية الأب أفرام كرياكوس


هـ - اللاهوت والعقيدة

كل من وصل إلى حالة المجد يشهد "بأنه يستحيل التعبير عن الله وأكثر من ذلك يستحيل إدراكه. لأنهم يعرفون من خبرتهم أنه لا شَبَه بين ما هو مخلوق وبين ما هو غير مخلوق".

الله لا "يتحرّك" "يحرّك" "ويتحرّك"،"وهو لا أحد، لا وحدة، لا ألوهة... لا بنوّة، لا أبوّة الخ..." هذا في حالة المجد. في هذه الحالة تُلغى دلائل الكتاب المقدّس والعقائد فهم ليسوا هدفاً بحدّ ذاتهم ولا علاقة لهم بالميتافيزيق (ما يفوق الطبيعة).

هذا يعني أنّ الكلمات والأفكار التي لا تتناقض مع خبرة المجد والتي تقود إلى التطّهر واستنارة القلب والتمجّد هي أرثوذكسية. الكلمات والأفكار التي تتناقض مع التمجّد ولا تقود إلى الشفاء والكمال في المسيح هي هرطوقية. هذا هو مفتاح قرارات المجامع المسكونية الرومية السبعة كما هي قرارات المجمع الثامن 879 وخاصة التاسع 1341.

أغلب المؤرخين لا يرون ذلك كله لأنهم لا يعتقدون أنّ الآباء كانوا مثل أوغسطين، يبحثون عن الأفكار والتأمّلات من أجل فهم سرّ الله وما وراء الكلمات والأفكار حوله. يُدخلون حتى بعض الآباء مثل القدّيس غريغوريوس اللاهوتي ضمن اللاهوت اللاتيني بالتعبير عنه، بأن الله مفهوم فقط عند "أساتذة الفكر والتأمل" وليس عند "المتألّهين"، الذين في حالة "رؤية المسيح" في مرآة في لغز" "بأنواع الألسنة" و"وجهاً لوجه" في "المجد".

لم يفهم الآباء الأرثوذكسيون العقيدة كمحاولة ميتافيزيقية (تفوق الطبيعة) لفهم سرّ الله والتجسّد عقلياً. القديس غرغوريوس اللاهوتي يهزأ بمثل هؤلاء الهراطقة "قلْ ما هي ولادة الآب فأفسّر لك ولادة الابن وانبثاق الروح فنصبح مجانين في التوغل في سرّ الله". ولم يشارك الآباء أبداً في فكرة أوغسطين بأنّ مع عبور الزمن يزداد فهم الكنيسة للإيمان. كلّ اشتراك في المجد هو اشتراك في حقيقة العنصرة كلّها، لا يُضاف عليها شيء ولا تُفهم أكثر.

هذا يعني أن العقيدة الأرثوذكسية هي عقيدةٌ رعائية لأنها لا توجد ولا معنى لها خارج إطار شفاء الأفراد والأمراض الإجتماعية في سبيل الكمال. اللاهوتي هو أولاً اختصاصي في مكائد الشرير. الاستنارة وخاصة التمجّد يحتويان على موهبة التمييز بين الأروح من أجل طرد الشرير...


و- الأسرار

إن نتيجة تحوّل التربية الأرثوذكسية اللاهوتية إلى تربية لاتينية فكرية في القرنين 18و19 ألغى إطار وجود الكنيسة من أجل التطّهر والاستنارة والتمجّد من الكتب العقائدية وخاصة من النصوص حول الأسرار. هذه الكتب لم تعِ الواقع الآبائي الكتابي بأن الموهبة الكهنوتية تفترض النبوّة.

"لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوّة مع وضع أيدي الشيخة" (1تيمو4: 14).


ز- الأنبياء والمفكّرون العقلانيون

ترتبط الخليقة بالله، مع العلم أنه لا شبه أبداً بينهما. هذا يعني أن لا فرق بين المتعلّمين وغير المتعلّمين عندما يمرّ الاثنان عبر الشفاء عن طريق الاستنارة ليصبحوا أنبياءَ بالتمجّد. إن التفوّق بالمعرفة في المخلوقات لا يُعطي أيَّ إدّعاء أو أية معرفة للأمور غير المخلوقة. ولا الجهل حول المخلوقات هو عائق في سبيل المعرفة الفائقة للحقيقة غير المخلوقة.

ح- الآباء والباباوات اللاتين

من البطريركيات الروميّة الخمسة احتلّ الفرنك بطريركية روما واستبدلوا الباباوات الرومانيين بباباوات تيوتونيكيين (قبائل جرمانية) بالقوّة العسكرية خلال صراع بدأ في سنة 983 وانتهى في سنة 1046. هكذا امتدت رقابتهم على التسلسل الرسولي عن طريق الباباوات كجزء من مخططاتهم للسيطرة على العالم. لقد حوّلوا الآباء الروميين إلى يونانيين ولاتين وربطوا أنفسهم بالآخرين، هكذا اخترعوا وجود مسيحيّين. بالنسبة للإسلام، البابا هو فرنجي ولاتيني وبطريركياتنا روما الجديدة، الإسكندرية، انطاكية، أورشليم هي بعد روميّة. التيوتونيون كانو يجهلون مَن هم الممجّدون وماهية حالة التمجّد وسبب أن يأتي الممجّدون بعد الرسل وخلفائهم. هذا الجهل أدّى إلى فراغ ملأه مبدأ عصمة البابا اللاتيني.

ط- الأنبياء والآباء

يفيد القدّيس غرغوريوس النيصصي قرّاءه بأن الهرطقات تظهر في الكنائس التي لا يوجد فيها أنبياء. يعود السبب إلى أن رؤساء هذه الكنائس يحاولون الاتصال بالله عن طريق التأمل بدل الاستنارة والتمجّد. إن حصول الخلطُ في العلاقة يوصل الإنسان إلى الوثنية..

يقصد بولس الرسول في كلامه التالي الرسل والأنبياء: "الإنسان الروحي يحكم في كل شيء ولا يُحكم فيه من أحد" (1كور2:15). والسبب في ذلك أنه عن طريق تمجيده في مجد الله غير المخلوق في المسيح يصبح شاهداً بأن "رؤساء هذا الدهر" قد "صلبوا ربّ المجد" (1كور2:15). هو رب المجد نفسه (ملاك المجمع الكبير الذي يدعو نفسه). "الكائن، أبا ابراهيم واسحق ويعقوب" الكلي القدرة، حكمة الله، الصخرة التي رافقت (1كور10: 1-4) والذي رآه أنبياء العهد القديم. السابق يوحنا المعمدان كان أوّل نبي رأى ربّ المجد في البشرة. طبعاً، اليهود "لو عرفوا لما صلبوا ربّ المجد" (1كور8:2).

يكيّف بولس قوله "ما لم تره عين ولم تسمع به أذنٌ ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه"، على صلب ربّ المجد في العهد القديم الذي "أعلنه الله لنا نحن بروحه" (1كور9:2-10). الممجَّدون هم السلطة الوحيدة في الكنيسة الأرثوذكسية. هم الذين يعطون التعابير العقائدية التي تستخدم كوسائل إرشادية من أجل شفاء الشخصية البشرية ومن أجل الاحتياط من الأطباء الكذبة المضِلّين الذين يعِدون بالكثير ولا يقدّمون شيئاً من اختبار مجد المسيح الذي سوف يراه كلّ واحد.


ي- ربّ المجد والمجامع المسكونية

بذِكر الكتب، يقصد المسيح والرسل العهدَ القديم الذي أضيف اليه العهد الجديد. دوّنت الأناجيل الازائية مرقس، متى ولوقاً إرشاداً قبل المعمودية خلال مراحل التطّهر والإستنارة للإنسان الداخلي في القلب. المسيح نفسه هو ربّ المجد الذي كشف عن نفسه لأنبيائه في العهد القديم. هذا ما اتّضح علناً في معموديته وفي التجلّي حيث أظهر مجدَ أبيه وملكه، الذي هو مجده وملكه بالطبيعة.

دُوّن إنجيل يوحنا لهدف استمرار تقدّم الواحد في حالة الإستنارة (يوحنا 3:13-16) ليصل إلى حالة المجد (يوحنا 17) حيث يرى الواحد مجد ربّ المجد (الإبن) في أبيه ومجدَ الآب في ابنه (يوحنا 31:13 و18-21). "فلما خرج قال يسوع الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه" (يوحنا 31:13) من أجل هذا السبب دُعي إنجيل يوحنا الإنجيل الروحاني.

أولئك الذين تدرّبوا في جسد الكنيسة لم يتعرّفوا على التجسّد، على المعمودية، التجلّي، الصلب، الموت، الدفن، القيامة، الصعود وعلى عودة ربّ المجد في العنصرة في روحه القدوس وألسنته النارية غير المخلوقة ليصير رأس الجسد أي رأس الكنيسة. لم يتعرّفوا على كل ذلك بمجرّد دراسة نصوص العهد القديم والجديد. درسوا الكتابَ كجزء من عملية تطهير القلب، إستنارته وتهيئته لإقتبال المجد في ربّ المجد نفسه الذي مجّد أنبياء العهد القديم ولكن الآن في طبيعته الإنسانية المولودة من العذراء مريم.

ضمن هذا الإطار وحّدت الكنيسة القديمة المسيحَ مع الرب، مع الملاك، مع الحكمة التي بواسطتها خلق الله العالم ومجّد أصدقاءه الأنبياء، والتي بواسطتها (أو بواسطتهم) أنقذ إسرائيل من الأسر وأرشده إلى الوقت حين أصبح هو بنفسه بشرةً لكي يضع حدّاً للموت الذي طغى على كنيسته في العهد الجديد: "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي. وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 18:16). لقد مات أنبياء العهدُ القديم بالرغم من تمجيدهم. ولكن الآن "إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد" (يوحنا 52:8).

هذا لأنه يوجد قيامة أولى في الإنسان الداخلي "مباركٌ ومقدسٌ من له نصيب في القيامة الأولى" (رؤيا 6:20). وهناك قيامة ثانية للجسد (الآية نفسها) "هؤلاء ليس للموت الثاني بسلطان عليهم". وهناك الموت الأول للإنسان الداخلي "وأما المتنّعمة فقد ماتت وهي حيّة" (1تيمو 6:5). وهناك موت الجسد الثاني "وطُرح الموتُ والهاوية في بحيرة النار هذا هو الموت الثاني" (رؤيا14:20).

حتى الهراطقة كالآريوسيين والأفنوميين المحكوم عليهم في المجمعين المسكونين الأول والثاني كانوا يعترفون بأنّ المسيح هو نفسه ربّ المجد الآتي في العهد القديم. لكنهم كانوا يدّعون أنّ ملاك الرب هذا كان الخليقة الأولى لإرادة الله من العدم قبل الزمن، وليس مساوياً للآب في الأزلية. وقد استخدموا ظهورَ ملاك الرب للأنبياء كبرهان لطبيعته المخلوقة بطريقة مشابهة لأولئك الذين كانوا يوحّدون بين ملاك العهد القديم هذا مع الإله الأدنى الذي خلق العالم الشرير وأضلَّ إسرائيل.

إن الأريوسيين والأفنوميين لم ينكروا ولم يجهلوا أنه عن طريق المجد يصبح الواحد إلهاً بالنعمة (التأله théosis) وإنّ هذا الإنسان يرى مجد الله وملكه في المسيح عن طريق الله نفسه. هكذا، فإن الله يكشف عن نفسه لأصدقائه الممجّدين وليس عن طريق مخلوق باستثناء طبيعة ابنه المخلوق مع العلم أنّ نعمة الاستنارة ومُلكها والمجد الذين ينقلهما المسيح لجسده الكنيسة غير مخلوقين.

أوغسطين لم يعرف خبرة التأله الآبائية بل عرف الخبرة الأفلاطونية الحديثة. إن العقيدة اللاتينية الفرنكية القائلة بأن النعمة مخلوقة غير موجودة في تقليد المجامع المسكونية
 
قديم 06 - 08 - 2014, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 4793 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سلسلة جبال الله المشهورة



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



1- جبل النجاة: أراراط



يرتبط اسم هذا الجبل بفلك نوح، بسبب استقرار الفلك على إحدى قمم هذا الجبل. توضح هذه القصّة أمانة الله تجاه نوح، الّذي بنى الفلك كما أمره الله. فنجا نوحٌ وكلّ أفراد عائلته من الطوفان، بالإضافة إلى زوجٍ من كلّ أنواع الحيوانات والطيور (ذكرًا وأنثى).



2- جبل الامتحان: المريّا


امتحن الله على هذا الجبل إيمان وولاء إبراهيم له. لقد طلب الله من إبراهيم أن يقدّم إسحاق، ابنه الحبيب، ذبيحةً مقدّسةً له. ولكنّ الله أنقذ إسحاق بكبشٍ وبارك إبراهيم بسبب أمانته.



3- جبل الوصايا العشر: سيناء



جبل سيناء هو الجبل الّذي أعطى الله عليه الوصايا لنبيّه الأمين موسى، الّذي أنقذ شعبه من مصر. يحتوي هذا الكتيّب على دراسة مختصرة في الوصايا العشر.



4- جبل القرار الحاسم: جبل الكرمل



ترتبط أهميّة هذا الجبل بتحدّي إيليّا للأربعمائة نبيٍّ من أنبياء البعل في أيّام أخآب الملك. وكيف استجاب الله لصلاة إيليّا والتهمت نيرانه الذبيحة. فصرخ الشعب: "الرب هو الله! الرب هو الله!".



5- جبل التجربة



يقع هذا الجبل في مكانٍ ناءٍ في الصحراء، حيث جرّب الشيطان يسوع، بعد أن كان يسوع قد صام أربعين يومًا. لم يستسلم يسوع لهذه التجارب الخبيثة، إنّما هزم الشيطان رغم كلّ حيله.



6- جبل التطويبات



هذا الجبل هو المكان حيث علّم يسوع تلاميذه المبادئ المسيحيّة الأساسيّة من حيث: التعليم، السلوك ومبادئ الأخلاق. وهذه التطويبات تُعرف "بالموعظة على الجبل".



7- جبل التجلّي: جبل حرمون



هذا هو الجبل الّذي تجلّى عليه يسوع . لقد ظهر يسوع بمجده السماوي لتلاميذه الثلاثة: بطرس، يعقوب ويوحنّا، الّذين اصطحبهم معه إلى الجبل. وفجأةً ظهر النبيّان موسى وإيليّا بمجدٍ وبهاءٍ بجانب يسوع.



8- جبل الفداء: الجلجثة



الجلجثة وتعني موضع الجمجمة، هو المكان الّذي صُلب فيه يسوع المسيح ليخلّصنا من خطايانا. وهو، أي يسوع، مخلّصنا. يصف هذا الكتيّب كيفيّة صلب يسوع.



9- جبل الصعود: جبل الزيتون



يصف هذا الكتيّب صعود يسوع المسيح، بعد قيامته، إلى السماء بحضور تلاميذه. كذلك فإنّه يخبر عن أمر يسوع لهم ليكونوا شهوده وليبشّروا بالإنجيل كلّ الأمم.




 
قديم 06 - 08 - 2014, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 4794 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الله القوي القادر على كل شئ
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

قوة الله عجيبة تشمل كل شئ. وهى أولاً قوة ذاتية..

أى أن الله قوى في ذاته، وليست قوته من أى مصدر خارجى مثل قوة البشر أو الملائكة، فكل هؤلاء مصدر قوتهم من الله خالقهم

فمن جهة البشر، إن قلنا إن العقل البشرى له قوة عجيبة استطاعت أن تصل في الفضاء إلى بعض الكواكب، وأن تقوم باختراعات مذهلة... نقول إلى جوار ذلك إن العقل هو هبة من الله للبشر. والله هو الذي أعطاه هذه القوة.

ونفس الوضع نقول عن الملائكة. أما الله فقوته في ذاته كذلك يمكن لأى كائن قوى أن يفقد قوته، أو أن تقل القوة التي له، أو أن ينافسه أحد في قوته ويعقل مفعولها ولو إلى حين. أما الله فقوته ثابتة بلا منافس، ولا تتغير..
نقطة اخرى تميز قوة الله عن أية قوة أخرى

وهى أن الله وحده هو القادر على كل شئ

قد يوجد مخلوق قادر في ناحية من النواحى. ولكن لا يوجد إطلاقا أى مخلوق قادر على كل شئ. فهذه الصفة هي لله وحده. وهى إحدى صفاته الذاتية.
معروف أن الملائكة أقوياء يمكنهم أن يقوموا بأعمال معجزية، ولكنهم ليسوا قادرين على كل شئ. وبعض البشر قد يكونون مقتدرين في بعض المجالات، ولكنهم بلا شك ليسوا قادرين على كل شئ. كما أن قوة البشر والملائكة مصدرها هو الله.

كذلك الطبيعة قد يكون لها قوة. فالزلازل والبراكين مثلاً قد تستطيع أن تهدم وتخرب وتحرق وتشرد البشر. ومع ذلك كله فقوة الطبيعة محدودة، وليست هي قادرة على كل شئ

نقطة اخرى، وهى أن الله بلا منافس في قوته وقدرته

بعض الشعوب البدائية كانت تؤمن بوجود الهين: آله للخير. وآله للشر. ولكن ذلك ضد الإيمان بقوة الله. ونحن جميعاً نؤمن باله واحد تشمل قوته كل أحد. ولا نؤمن أن الشيطان منافس لله أو أنه اله للشر. فهو أيضاً من خليقة الله. والله قادر أن يفنيه أو يوقف عمله. ولكنه صابر عليه، وسيكون مصيره الهلاك في اليوم الأخير.

ولاشك أن معجزة اخراج الشياطين هي ضد قوة الشيطان. والشيطان أيضاً ليس قادراً على كل شئ، وإلا كان قد ضرّب العالم

أيضاً من دلائل قدرة الله على كل شئ: قدرته على الخلق..

هو وحده الذي يخلق. وهذه هي إحدى صفاته الذاتية.. أما الإنسان فأقصى ما يصل اليه، أن يكون صانعاً ومكتشفاً... يكتشف طبيعة الأشياء وخواصها، ويصنع منها ما يستطيعه عقله. وهذه الأشياء أو المواد التي يصنع منها الإنسان ما يقدر عليه هي من خلق الله، وعقله أيضاً هو من خلق الله. وقدرته وإبداعه هبه من الله. ولكنه لا يستطيع إطلاقاً أن يخلق، أى يُوجد شيئاً من العدم: فهذه قدرة الله وحده...

وتظهر قوة الله العجيبة في الخلق، من جهة عدد الخليقة التي خلقها، وأنواعها: ما يُرى وما لا يُرى. مما لا يستطيع إحصاءه أى عقل بشرى...

قدرة الله على كل شئ، تظهر أيضاً في إقامة الموتى.

إنها معجزة فوق عقولنا جميعاً، أن يقدر الله على إقامة الموتى جميعاً، ملايين الملايين من البشر منذ آدم إلى آخر الدهور، في كل بقاع الأرض، ممن قد تحولت أجسادهم وتحولت إلى تراب!! وتقوم كلها في وقت واحد، وتدخل فيها أرواحا وتقف أمام الله في يوم الدينونة، ليجازى كلاً منها حسب أعمالها!

أيضاً تظهر قوة الله على كل شئ، في كثرة المعجزات والأعاجيب.

إنها معجزات وأعاجيب لا نستطيع حصرها، ورد الكثير منها في الكتب المقدسة، نذكر من بينها منح البصر للعميان، وشفاء الأمراض المستعصية، وشق البحر الأحمر أيام موسى النبى، والطوفان أيام أبينا نوح. ومعجزات اخرى على أيدى بعض البشر أو الملائكة...

والمعجزة ليست شيئاً ضد العقل، ولكنها فوق العقل. وقد عجز عن فهم كيف تمت. لذلك سميت معجزة. وهى بلاشك من صنع الله القادر على كل شئ.

ومن تواضع الله في قدرته، أنه منح قدرات لبعض مخلوقاته:

فقد منح قدرات عجيبة للملائكة، بحيث يمكنهم أن ينتقلوا من السماء إلى الأرض، وأن يقوموا بأعمال معجزية يكلفهم بها.

كذلك القدرات التي منحها الله للعقل البشرى، فاستطاع العلماء أن يبتكروا ويخترعوا ويصنعوا أشياء تفوق الخيال، مثل الطائرات، والكمبيوتر، والفاكس، والتليفون بين القارات واستخدام الذرة والليزر في مخترعات تفيد البشر، وبخاصة في مجال الطب.

ولكن كل قدرات البشر والملائكة ليست ذاتية، بل هي هبة من الله .

هناك نواحٍ اخرى تظهر قدرة الله العجيبة:

+ مثل قوة الله في احتماله، وكيف احتمل عبادة الأصنام عصوراً طويلة قد انتشر الإيمان في الأرض، واحتمل الإلحاد كما في روسيا الشيوعية 70 سنة، واحتمل الالحاد الذي نشرة بعض الفلاسفة. وكيف احتمل فجور الناس وخطاياهم حتى تابوا..!
+ تظهر أيضاً قوة الله في محبته وعطائه. وكيف انه يعطى بسخاء، ويعطى دون أن نطلب، وفوق ما نطلب، ويفتح كوى السماء فتفيض بالخيرات التي تكفى لسكان الأرض كله

+ كذلك قوة الله في الانقاذ، حيث ينقذ البعض في حالات يبدو فيها لا أمل ولا نجاة. لذلك نفرح اننا في حماية اله قوى قادر أن ينقذ مهما كانت كل الأبواب تبدو مغلقة

+ تظهر أيضاً قوة الله في مغفرته. وكيف أن الإنسان حينما يتوب، يغفر الله كل ما سبق مهما كانت بشاعة خطاياه!
 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:01 PM   رقم المشاركة : ( 4795 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

البشريّة المريضة

بيت الداء وحقيقة الدواء(3)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أوّل ما حصل، إثر السقوط، أن دخلتْ نفسُ الإنسان نطاق الموت. هذا لأنّه انحرم، بالخطيئة التي ارتكبها، من نعمة الله. الموت تأتّى من الشيطان (القدّيس إيريناوس الليّوني).

لم يعاقِب الله الإنسان بصورة مباشرة بل بصورة غير مباشرة إذ سمح له، إذا هو رغب في ذلك، أن ينفصل عنه ويُحرَم الحياة (القدّيس إيريناوس).

وهكذا بعد أن كان ناموس النعمة هو الفاعل فيه، صار الفاعل فيه هو ناموس الخطيئة (رو 7: 23). هذا صار له كَمِثْل طبيعة ثانية، منبثّاً، في صورة أهواء، في طبيعته البشريّة التي خلقه الربّ الإله عليها.

ناموس النعمة كان له، أيضاً، قبل السقوط، كمثْل طبيعة ثانية، لكنّه كان ناموساً للحياة، أمّا ناموس الخطيئة فصار ناموساً للموت. ولكن، إذا ما كانت الحياة الأبدية هبة الله، فالموت هو أجرة الخطيئة (رو 6: 23)، أي هو ما جرّه الإنسان على نفسه بالخطيئة (القدّيس يوحنّا الدمشقي).

ناموس الخطيئة، "الكائن في أعضائي" (رو 7: 23)، صار لي، إذاً، آليةً للموت. لذلك بالخطيئة دخل الموت إلى العالم (رو 5: 12).

نذكّر هنا بأنّ تحوّل الإنسان من النعمة إلى الخطيئة كان، في المستوى الوجودي، تحوّلاً من حبّ الله إلى حبّ الذات. إلى حبّ الذات صار الإنسان مائلاً، بصورة تلقائية، بعد السقوط. ناموس الخطيئة والموت، إذاً، هو، في عمقه الكياني، ناموس حبّ الذات.


آدم وحوّاء، الجدّان الأوّلان، سقطا، بدءاً، لأنّهما خطِئا. وهما خطِئا لأنّهما عصيا الله. خطيئتهما كانت عن جهل. شخصياً، تابا وسلكا، بعد ذلك، في بركة الله. إذ لمّا ولدت حوّاء صبيّاً أسمته قايين لأنّها قالت "اقتنيت رجلاً من عند الربّ" (تك 4: 1).

لذلك حُسِبا صدِّيقَين ولهما ذِكْرٌ، بين الأبرار، في الكنيسة، في أحد الأجداد، قبل عيد الميلاد.

أمّا أوّل مَن انطلق فيه فِعلُ ناموس الخطيئة واستبان لديه التعاون الواعي بين الإنسان والشيطان، باتجاه بلوَرَة الخطيئة وتحويلها إلى عالم قائم بذاته له تراثه، فكان قايين.

كِلا الأخوَين، قايين وهابيل، كانت له فرصة السلوك في وصايا الله. هابيل كان قويماً. قدّم لله ذبيحة "من أبكار غنمه ومن سمانها" (تك 4: 4).

الذبيحة لاقتناء رضى الله. وهذا يعني أنّه قرَّب من خيرة ما لديه. فنال حظوة في عيني الرب. أمّا قايين، الذي كان عاملاً في الأرض، فـ "قدَّم من أثمار الأرض [ما اتفق له] قرباناً للربّ".

فإذا لم ينظر الربّ إلى قربانه، وهو علاّم القلوب، فلأنّ قايين لم يكن سليم النيّة أمامه. وهذا استبان في أنّه قدَّم من ثمار الأرض، رخيصَها، ولم يقرِّب من بكورها وأفضلها. احتفظ بالجيّد لنفسه. استبان طمّاعاً.

ثمّ لم يتّضع قايين، وهو المفترض أن يكون عارفاً بما في نفسه (1 كو 2: 11)، ولا قال "خطئت، سامحني!" بل اغتاظ واغتمّ، إمعاناً في البِرّ الذاتي. لكنْ نبّهه الربّ الإله عسى أن يعود إلى نفسه.

لا حقّ لك يا قايين في أن تغتاظ وتغتمّ! فلو كنتَ أحسنتَ فعْلاً أفما كانت ذبيحتك قُبِلت؟ لم يتخلّ الله عن خليقته بعد السقوط. اعتنى بهابيل واعتنى بقايين أيضاً. لذلك حذّر قايينَ بكلام واضح ومعبِّر جداً: "إن لم تُحْسِن فعند الباب خطيئة رابضة وإليك اشتياقها وأنتَ تسود عليها" (تك 4: 7).

انتبه لنفسك يا قايين! الخطيئة الرابضة عند باب قلبك، والتي تتحفّز للإنقضاض عليك هي الحسد! أنتَ مائل إليها، مشتاق إليها. ولكنْ، لا زال في طاقتك أن تمتنع عنها، أن تتّضع، أن تقي نفسك شرّها. القرار قرارك أنتَ!

الخطيئة لا تفرض نفسها عليك فرضاً ولو كانت عند الباب. أنت تسود عليها وهي لا تسود عليك. فقط إذا فتحتَ لها قلبك دخلتْ إليك وفعلتْ فعلها فيك. لم ينتصح قايين بل أسلم نفسه، طوعاً، للحسد فـ "قام على هابيل أخيه وقتله".

هكذا يكون بآدم قد دخل ناموس الخطيئة، أي حبّ الذات، وأوّل ما تفعّل هذا الناموس كان في قايين إذ أفرخ حبُّ الذات، فيه، طمعاً والطمعُ حسداً والحسدُ موتاً. على هذا استبان، بإزاء ناموس الخطيئة، فريقان: فريق تَمثّل بهابيل الذي قاوم الطمع وغلبه.

نقول ذلك لأنّه لا بدّ أن يكون قد خطر بباله فكرُ طمعٍ طالما أخذ عن أبويه الميل إلى حبّ الذات. لكن هابيل قاوم الطمع وغلب فاستبان أميناً لله وبورك. هذا هو الذين عملوا الصالحات بعد السقوط وقبل المسيح.

وفريق تمثّل بقايين الذي استسلم للطمع فجرَّه الطمع إلى الحسد والحسد إلى الموت. هذا هو الذين عملوا السيئات من السقوط إلى المسيح.

ولكنْ إذا ما أمكن الإنسان، بعد السقوط، مقاومة ناموس الخطيئة فلم يكن بإمكانه، لا باراً ولا آثماً، أن يتفادى الموت.

لم تُعطَ الغلبةُ على الموت، عن تدبير إلهي، إلاّ للربّ يسوع وبه. وسيكون للأبرار، المؤمنين بالربّ يسوع، أن يقوَوا على الموت، في منتهى الدهور، إلى حياة أبدية، لأن "آخر عدوّ يُبطَل هو الموت" (1 كو 15: 26). عَامِلو السيئات أيضاً سيقومون ولكنْ إلى عذاب أبدي (مت 25: 46).

ولله في إبقاء الموت إلى النهاية، وفق آباء الكنيسة، قصد ولطف وحكمة وتدبير. فهم يوردون لذلك ثلاثة أسباب:

1. لكيما بالموت لا تكون للإثم فرصة أن يتخلّد.

2. لكيما، بمعاينة الموت، يدرك الإنسان مرضه وحاجته إلى الله ليخلص.

3. لكيما، إذا ما أَذَلّ الإنسانَ واقعُ الموت تاب إلى ربّه وتمرّس، بالتجارب، في حياة الفضيلة والكمال، فأمسى الموتُ له سبيلاً إلى الخلاص المحقّق بالمخلِّص، الربِّ يسوع المسيح، الذي لا اسمٌ آخرُ أُعطي لنا تحت السماء به ينبغي أن نخلص (أع 4: 12).

على هذا يكون الموت، من جهة الشيطان، صنيعةً للقضاء على البشريّة، ومن جهة الله تدبيراً لخلاصها من حيث إنّ المسيح وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.

ولكنْ، كيف استعبد الشيطان الجنس البشري بالموت؟

أوقع الشيطانُ الإنسانَ، بالحيلة، في الخطيئة / المعصية فانحسم الإنسان وانقطع عن نعمة الله.

إذ ذاك حلّ الموت. والموت أدخل الإنسان في دوّامة الخوف على الذات، والخوف على الذات دفع الإنسان باتجاه الخطيئة لأنّ الخطيئة قائمة في حبّ الذات، على قاعدة "داوني بالتي كانت هي الداء".

الخطيئة صارت له بليّة وملاذاً معاً. هكذا صار الموتُ باعثاً على الخطيئة. على هذا النحو دخل الإنسان في حلقة مفرغة: الموت يدفعه، بقوة الخوف، إلى الخطيئة من حيث إن الخطيئة هي شوكة الموت (1 كو 15: 56)، ثمّ تُعمِلُ فيه الخطيئةُ موتاً وتلقيه في الموت. حلقة الوصل بين الموت والخطيئة كانت الخوف!

هكذا استعبَدَنا الشيطان، في الحقيقة: بالخوف! من هنا قول الرسالة إلى العبرانيين عن الربّ يسوع إنّه "إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويُعتِق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية" (عب 2: 14 ? 15).

لمّا كان الإنسان مكتَنَفاً بنعمة الله كان في سلام عميق، فلمّا خسر النعمة بالخطيئة المعصية حلّ، في كيانه، الخوفُ والقلق. صار همُّه، في إطار الواقع الجديد، واقع الخطيئة والموت، حفظَ البقاء، أولاً وأخيراً.

بات، في إطار منطق الخطيئة والموت، مستعداً لأن يُخضع ذاته "لأي شيء"، بتعبير الذهبي الفم "اجتناباً للموت".

هذا جعله يُقبل على الخطيئة بالأكثر لأنّ للخطيئة، دائماً، جاذبيتها. نفسه تشتهيها لأنّها "جيِّدة للأكل وبهجة للعيون" (تك 3: 6). الخوف، في أعماقه، جعله، كيانياً، يهرب إلى الخطيئة.

لكن الخطيئة لا تروي الغليل. النعمة تروي، أما الخطيئة فتُلقي بالخاطئ، بعد متعة عابرة، في فراغ. لذلك وُجد الإنسان قايينياً ملعوناً "تائهاً هارباً في الأرض" (تك 4: 12). ولكي يُقنِع نفسه بأنّ لحياته، في هذه الخلفيّة، معنى، أخذ يُقَارب الخطيئة بتفنّن.

أعمَلَ فيها تصوّراً وتعاطاها كمَعين أحلامٍ وخيالات. إلى أرض الأوهام فرّ لأنّ الواقع المحسوس كان أقسى وأضنى من أن يتمكّن من مواجهته.

في كل ذلك لم يكن الربّ الإله بعيداً عن الناس ولا ترك نفسه بلا شاهد في كل أمّة (أع 14: 16 ? 17). كان له دائماً قطيعُه الصغير "الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا بِرّاً... تقوّوا من ضعف... عُذِّبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل... جُرِّبوا... طافوا... معتازين مكروبين مُذَلِّين. وهم لم يكن العالم مستحقّاً لهم..." (عب 11: 32 ? 39).

فيما عدا ذلك، فيما عدا البقية الأمينة، كانت عبادة الله ملتوية وكذا كانت سيرة المجتمعات والعالم
 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:03 PM   رقم المشاركة : ( 4796 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

فلسفة التملّك



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الميتروبوليت يوحنا (شاهوفسكوي)، مطران سان فرانسيسكو


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

1. يمتلك الإنسان ما هو لله فقط. العالم هو خليقة الله وكذلك الإنسان. لا يمكن للإنسان أن يفرّ من ملكيّة الله، ولو غاص إلى الأعماق، أو صعد إلى المرتفعات، فملكيّة الله في كل مكان، غير محدودة، يتعذّر فهمها ولا يُسبَر غورها... يغطس بيلاطس إلى عمق الغدر: إنه مستعد لأن يسلّم البريء للصلب، فماذا يسمع من الحكمة الإلهية: "لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ" (يوحنا 11:19). في ضمّه في ذاته وفي كلماته ملءَ الأرضيّ والسماوي، أشار ربنا إلى بيلاطس أولاً، والقياصرة الذين أخذ منهم سلطته، وحتى إلى مصدر كل سلطة وملكية.

2. قد يحجب المرء نفسه عن الله، عن رؤية السيّد. هكذا اختبأ آدم في الأجمة حاجباً نفسه عن الله. هذا علم النفس البسيط عند كلّ خاطئ. "آدم، أين أنت... اختبأتُ.." سنون لا تُحصى مرّت منذ ذلك الحين، وأبناء آدم ما زالوا يتخيّلون أنّ بإمكانهم الاختباء عن الله. وهم يختبئون قدر استطاعتهم في الأدغال الإيديولوجيّة النامية المتشابكة لحضارة هذا العالم: الفقر الخصوصي، الفقر العام، فقر الدولة، الشيوعية، الاشتراكيّة، الحرية، العبودية، الغنى، الفقر، الممتلكات، القوانين الاقتصادية، وغيرها.

3. في أساس كلّ ما هو معقّد تكون البساطة. إذا غابت هذه البساطة الأوّلية يكون التشويش بدل التعقيد. أمّا إذا حضرت هذه البساطة الأساسية، يكون التعقيد متناغماً. فقط على ضوء معرفة المبادئ الأولية للحياة التي وضعها الخالق، يمكن أن تأتي حضارتنا العالمية المعقّدة إلى مشابهة أوركسترا متناغمة ليس فيها أي آلات غير ضرورية، أو أقلّه ليس فيها أي آلة غير حسنة الترابط ومن غير أجزاء زائدة.

فقط من خلال معرفة هذه القوانين المُطلَقَة يمكننا أن نقدّر كل التصوّرات البشرية ونحدّد قيمتها الحقيقية. لطالما كان العالم لله وسوف يبقى بغضّ النظر عن القوى التي قد تسيطر عليه بشكل مؤقت.

لكنّ أيعني هذا أنّه لا يصحّ أن يكون للإنسان أيّ ممتلكات؟ على العكس، للتملّك البشري أساسه الثابت على أساس وجود هذه الممتلكات ووجود سيّد لها. وإذا كان للممتلكات سيّد حقيقي يعني أن من الممكن إعطاؤها. إنّ هذا الأساس للتملّك الصحيح عميق وواسع: على ضوئه يصير مفهوماً لما لا يصحّ أن يسرق الإنسان، أو يستولي على أي شيء، أو أن يغنى ويرفع نفسه من خلال أي شيء. كل الممتلكات لله، كما أن الحياة له وهو يمنح الملكيّة كما يمنح الحياة.

4. يُمنَح الإنسان "موهبة": امتداد من الحياة في الجسد، من القدرات العقلية، من الإمكانيات الروحية. لا تُعطى هذه الموهبة لتُدفَن في الأرض، بل ليُصار إلى تعهدها. يمكن مقارنة حياة الإنسان بقطعة من الأرض. واجبه ليس في الاستلقاء عاطلاً عن العمل في هذه الأرض الممنوحة من الله بل في تعهدها، في استثمار هذه الحياة الممنوحة على أفضل وجه في الخدمة كرمز للحياة الأفضل والتربة الأفضل. "َالأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ" (لوقا 16:10). ما يُعطى للإنسان هو هذا "القليل". ومهما بدا هذا القليل في عينيه الأرضيتين عظيماً، ومهما اعتبره الآخرون عظيماً، هو صغير جداً بالمقارنة مع ما يمثّله مسبقاً.

ومع هذا، فإن هذا القليل ينبغي استعماله لخير العالم. لهذا السبب، الأغنياء الذين يستعملون ثروتهم بإبداع، فيما يحيون بتواضع، هم مسيحيون حقيقيون بالرغم من "ملكيّاتهم الكبيرة".

يقول القديس مكسيموس المعترف: "أملك فقط ما أعطَيت". أعطيت... لمَن؟ لله وللناس. هناك أناس لا يستفيدون من ثروتهم. من بينهم مَن قد خبّئوها لأنفسهم، طمروها في الأرض. البعض أعطوها لله مؤمنين بأنّ واجبهم هو توزيعها في العالم بعدل.

يُعبَّر عن هذه الخدمة المباركة بتعابير مختلفة. البعض يتخلّى عن ثروته تدريجياً أو دفعة واحدة. غيرهم يحتفظ بكل مظاهر الملكية لكن يخضِعون قلوبهم لله بإخلاص، لتكون مهمتهم مجرّد توزيع عادل للثروة. قد تأخذ شكل الشركة الاقتصادية العادية من أعمال صناعية أو زراعية. بالظاهر تكون مثل كل أعمال هذا العالم، لكن في محتواها الداخلي تكون تحقيقاً مصغّراً لملكوت الله...

على هذا الشكل كان لخومياكوف أرض وخدم، لكن في العمق لم يكن سيّداً لخدمه بل أباً راعياً وبالحقيقة خادماً. هذه هي نفسية المسيحيين الأغنياء: أصحاب الملاك، الصناعيين، أصحاب المعامل... عندما قال السيد يسوع المسيح "الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ" عنى بعبارة "الأكبر" الغني، سواء بالمال أو بالمرتبة أو بالموهبة. على "الأكبر" أن يخدم لا أن يمارس السلطة من خلال المواهب، المادية والروحية، التي ائتُمِن عليها لفترة فقط.

5. كل الممتلكات الأرضية قصيرة العمر ومليئة بالمتاعب، إذ ما أن تظهر ويتعلّق الإنسان بها حتى تختفي تاركةً إياه للحيرة والألم والحزن والموت. إنها تترك فراغاً في مكانها وغباراً في مكان الإنسان. لكن إلى أن يحلّ الفراغ محلّ الممتلكات، فهي قادرة على حمل "ثمر كثير"، حتى ممتلكات الفقراء الصغيرة منها: فلس الأرملة أثبت أنه ذو قيمة كبرى، وذو قوة تفوق قوّة كنوز الفريسيين.

6. يملك الإنسان أقلّ مما يظن. يمتلك المليونير الملايين فقط في مخيّلته، بينما في الحقيقة هي تمتلكه. في حيّز كبير هو مقيّد بملايينه، ملزَم بنمط عيش تحدده هي، مرتبط بمجموعة محددة من البشر، مُحاط، بشكل يصعب تلافيه، بالتملّق والحسد والخيانة والتذلّل والإغواء ومحاولات الاعتداء على حياته، عقلياً وجسدياً...

أليس كلّ هذا عبودية وأشغال شاقّة تزداد قساوتها مع ازدياد الثروة؟ أيستحق ما يمكن شراؤه الكثير؟ أيمكن شراء السلام الروحي الذي هو السعادة الأسمى؟

7. ولكن من وجهة نظر أخرى، ممتلكات الإنسان أعظم بكثير مما يظن. كلّ نَفَس يصل إلى رئتيه يكون مُلكاً له، بشكل أكبر من العملة التي في جيبه، لأنّه يحييه بشكل مباشر. كلّ شعاع من نور الشمس يدفِئ رجلاً يتّحد به بشكل كليّ... وهكذا في كلّ شيء، في التجليّات الصغيرة في الحياة يكون الإنسان مُحاطاً بالممتلكات، أي بمواهب الله منثورة فوقه ومانحة إياه الحياة. عظيم هو هذا الناموس الذي يجعل كلّ إنسان غنياً.

8. للدخول في تناغم العالم الذي صار صاخباً وليعود مجدداً إلى الانسجام، على المرء أن يعترف بكل وعيه، وليس فقط في فكره، بقوة الله وأن يصبح هو نفسه مُلْكاً لله، كما أن الكون هو مُلكاً له أصلاً. عوالم لا تُحصى وشموس ونجوم وما لا يُعَدّ من الحيوات تتحرّك ضمن الحدود التي رسمها الخالق. الصخور، الماء، الهواء، الأرض، النار كلّها تطيع القوانين الثابتة التي قد يبحث فيها الإنسان وهي تكون له أموراً للاكتشاف.... لأي سبب؟

بهدف تعلّم كيفية العيش على نحو ملائم لهذه القوانين. الالتزام بالقوانين الطبيعية ليس إلا رمزاً للالتزام بقوانين الله الروحية. كما أن الطبيعة المادية تكشف نفسها للإنسان في العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والميكانيك وعلم الكون وغيرها، كذلك الطبيعة الروحية تظهر في الإنجيل. في ملاحظته لخضوع الطبيعة المادية لله، على الإنسان أن يتعلّم إخضاع روحه لله أيضاً.

9. الإنسان ذو الفكر الرصين وغير المنحاز يفكّر طبيعياً ويرى أن ممتلكاته الأرضية أكثر من "نسبية"... قرون ذابت ومثلها ملكيّة الإنسان على الأرض. كل الحقوق الأرضية التي للأشخاص والمدن والأمم، الحق بتملّك الأرض والخيرات، وحتّى الحق بالحياة، كلّها تختفي في الهواء الخفيف.

الشيء الوحيد غير القابل للفساد في هذا الكون هو القوّة الإلهية التي تخلق كلّ شيء. كلّ ما تبقّى هشّ، مهلِك وقابل للهلاك حتى لا ينظر الناس إلى ما هو قابل للهلاك وكأنه لا يفنى. في حياة العالم الآتي، عندما يُجمَع القمح، أي عندما يجتمع الأبرار ومحبو الله من كل الأجيال، لا يُخشى أن يحب أي إنسان المخلوق أكثر من الخالق، ومن جديد، كما في الفردوس، يصير الفاني غير قابل للفناء. لن يؤلّه الطبيعة الأبدية غير الهالكة أحدٌ. الجميع سوف يعاينون مجد الله وحده ويرون في نوره الذي لا يُوصَف كلّ الوجود ويجدون حياتهم الخالدة تتجدد أبدياً.

10. هذه الحالة مستحيلة علينا على الأرض، لأننا دائماً نحبّ أحداً أو شيئاً ما أكثر من الله. قلبنا ميّال إلى الزنا، بالمعنى الإيماني العميق للكلمة. لهذا السبب سمّى الفادي البشر "الجيل الفاسد الخاطئ"، وهو عادل دائماً. البشرية الساقطة تتعلّق بقيَم عابرة، وتلتصق بملذات هذا العالم وثرواته الخادعة ومجده الوهمي. لو لم يكن العالم للدود والصدأ والعثّ والجراد والنتانة والفساد والألم والموت لكانَ جحيماً حياً. يرغب البعض في أن يكون العكس صحيحاً: لو لم يكن على الأرض ألم وحزن لكانت "الملكوت". لكنها أقرب إلى الجحيم.

قابلية الجسد الأرضي للخطيئة تغطّيها الأحزان العالمية. ملح الألم المبارَك يحفظ النفس البشرية من الاضمحلال والموت الأبدي. إنّه يحفظها في البشر الذين يفهمون "طريق المسيح الضيّق" ويقبلونها.

لهذا السبب، كل طرق الربّ مباركة عند الأبرار ومباركٌ صليبُ كل حياة على هذه الأرض الوقتية.

11. تجد الحياة البشرية أسمى تعابيرها في التكريس الكامل لله. عندما يتحرّر الإنسان من كل أنواع الماديّة يصير أكثر شفافية نحو الله، حتى يسكن فيه روح الله الأكثر نقاوة. وعندما يصير الإنسان شفافاً بالكامل، متحرراً من كل تكبّر ومن كلّ اعتزاز خاطئ بالنفس وبالعالم، يصير ما لله، أي العالم، مُلكاً له. وإذ يصير بلا أي ملكية، ولا حتّى هو نفسه يعود مُلكاً لذاته، سوف يمتلك كلّ الأشياء. عندها يسكن الله في الإنسان ويجعل حياته غنية هادئة. هذا التناغم الحميم في الحياة هو ملكوت الله.

12. إن تسلسل الحياة الوقتية مُعطى للإنسان كسلّم للصعود إلى الحياة الأبدية. وحده "الأمين على القليل (الوقتي) أمين على الكثير (الأبدي)". فيما نحن ما نزال هنا على الأرض، علينا أن نتعلّم أن نحيا الحياة الأبدية. الذين لا يثبتون في كرمة الله (يوحنا 5:15) لا يعيشون. في صعود سلم الحياة الأرضية والقيَم الأرضية (أي الابتعاد عنها) ندخل في ملكوت الله. لكن إن ابتعد المرء عن قيَم العالم في الاتّجاه الخطأ (أي في اليأس أو الانتحار)، يسقط في الهاوية.

13. عالم المادة هو عكّاز النفس المريضة، مرساتها، نقطة ارتكاز القوى الأوّلية للروح ? عكّاز يساعدنا على الصعود إلى الله، إذا عرفنا استعماله. كلّ ما في العالم مخلوق أو مُتاح لخير الإنسان وهو قادر على تحويل حتّى أكثر مظاهر الحياة الأرضية تجربةً وألماً إلى درب للملكوت.

14. عالم المادة يؤمّن وسيلة لا نهاية لها للخلاص وللبلوغ إلى الله. لكن هذه الوسائل مُتاحَة فقط لغير الساعين إلى الربح. أمّا الذين يسعون إلى الربح فالعالم مجرّد شبكة وفخّ قاتل.

15. مبارَكَة هي الملكيّة القائمة على محبة الله والقلب الحر. المُلكية المُهداة تجلب معها البركة. المُلكية المُغتَصَبة تستنزل اللعنة. التملّك قد يكون جشعاً أو نزيهاً. التملّك الجشع أناني، بينما النزيه إفخارستي. التملّك الإنساني الحقيقي موجود في الخاصيّة الإفخارستية التي تأتي من الله وتعود إلى الله عِبْر الإنسان. وحده هذا التملّك المستنير روحياً الذي لا يثقِل النفس، ولا يسمّرنا إلى الحياة الوقتية ولا يشدنا إلى الخطيئة، يمكن أن نسمّيه مبارَكاً. بالحقيقة إنه مبارَك، مهما كان الشكل الذي يتخذه: مواهب، عطايا، أشياء، أراضٍ، بشر آخرين. كلّ هذا مبارك عندما يكون في الله. وكلّ هذا ملعون عندما يفصلنا عن الله ويحوّل العالم إلهاً.

16. التملّك الإفخارستي يعني كلّ ما يمكن أن يحمل الإنسان على شكر الله، والناس الذين من خلالهم الله يعطي. هذا الامتنان يتضمّن الإيمان بالله والاعتراف بأنّه سيّد الحياة. الإفخارستيا هي التعبير الأكثر كمالاً عن الامتنان على الحياة وعلى كل شيء آخر. وبهذا الامتنان يصعد الإنسان إلى حياة جديدة، إلى ملكوت الله.

قيَم هذا العالم اللامتناهية في الصغَر، مُمَلَّحَة بالامتنان لله، تصير ملكيّة الإنسان الإفخارستية وتبقى خاصته إلى الأبد كشيء جديد وعظيم منقول إلى خلف مداخل الأبدية.

17. الملكيّة موصِلَة المحبة الإلهية والبشرية. لكن البشر غالباً ما يجعلونها مادة موصِلة لبغض الله والإنسان. ليست الملكية المخطئة ولا التملّك بل الملكية الشريرة أو الرغبة الشريرة بالتملّك.

18. الإنسان مدعو إلى إخضاع الأرض (تكوين 28:1)، وهو سوف يرثها (متى 5:5)
 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:05 PM   رقم المشاركة : ( 4797 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ماذا يريد الله منا
" ماذا تُريد يارب أن أفعل " ( أع 9 : 6 )


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
+ كتب القديس بولس الرسول لشعب أفسس ، وقال بحزم : : لا تكونوا أغبياء ، بل فاهمين ، ما هى مشيئة الله ؟! ( أف 5 : 17 ) .

+ ماهى إرادة الله لأولاده ؟ :

1 - أن نتخلص فوراً من الخطية لكى ننجو من الهلاك الأبدى :

* " يُريد أن جميع الناس يخلُصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون " ( 1 تى 2 : 4 ) .

* " هل مسرة أُسر بموت ( هلاك ) الشرير ؟! ألا برجوعه عن طرقه ( الرديئة ) فيّحيا " ؟ ( حز 18 : 33 ) .

* " جاء يطلب ويُخلص ما قد هلك " ( مت 18 : 11 ) .

* " جاء إلى العالم ليُخلص الخُطاة " ( 1 تى 1 : 15 ) .

* " ليست مشيئة أمام أبيكم الذى فى السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار " ( مت 18 : 14 ) .

2 - أن نكون حكماء فى عمل البر ( وليس ذكاء فى فعل الشر ) :

* " أريد أن تكونوا حُكماء للخير ، وبسطاء للشر " ( رو 6 : 19 ) .

3 - أن نكون له أبناء أوفياء وأمناء :

* " سبق فعيننا للتبنى حسب مسرة مشيئته " ( أف 1 : 5 ) .

* " الذين قبلوه فأعطاهم سُلطاناً ، أن يصيروا أولاد الله " ( يو 1 : 12 - 13 ) .

4 - يريد أن ننمو فى النعمة : (وليس مجرد تائبين عاديين ) :

* " هذه إرادة الله قداستكم " ( 1 تس 4 : 3 ) .

5 - أن ننجح فى كل المجالات :

* " أروم ( أرغب بشدة ) أن تكون ناجحاً وصحيحاً ( بدنياً وذهنياً ) ، كما أن نفسك ( معنوياتك ) ناجحة ( مرتفعة ) " ( 3 يو 2 ) .

6 - أن نكون رُحماء بمرضى الروح ( الخُطاة ) :

* " إنى أريد رحمة ، لا ذبيحة " ( مت 9 : 13 ) .

7 - يريد عدم إنشغالنا بالهموم والأحزان :

* " أريد أن تكونوا بلا هم " ( 1 كو 7 : 32 ) .

8 - يريد أن نكون شاكرين دائماً :

* " شاكرين كل حين على كل شئ " ( أف 5 : 20 ) .

9 - يريد أن نخدمه :

* " اذهب اليوم اعمل فى كرّمى " ( كت 21 : 28 ) .

10 - يريد أن يمتحنا لنعرف مقدار إيماننا ونتوب :

* " إن الحزن ، الذى بحسب مشيئة الله ( بسماحة ) ، ينشئ توبة ، لخلاص بلا ندامة " ( 2 كو 7 : 10 ) .

+ فسِر ( يا أخى / يا أختى ) حسب إرادة الله ، وسوف تنال رضاه ، فى دُنياه وسماه .
 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:08 PM   رقم المشاركة : ( 4798 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لاهوت الأيقونة الأرثوذكسية

الأرشمندريت بندلايمون فرح


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يوحنا الدمشقي والمجمع السابع

تظهر مسألة الأيقونات التي أثيرت في بيزنطية في نهاية القرن السابع في القانون الثاني والثمانين من قوانين مجمع ترولو( القبة). وأهمية هذا النص أنه يلقي ضوءً على المسألة الخريستولوجية.

نص القانون الثاني والثمانين من قوانين مجمع ترولو:

" نشاهد في بعض الأيقونات المكرمة صورة حمل والسابق يشير إليه بأصبعه. وقد كان الحمل يعتبر رمزاً للنعمة. فإن الشريعة قديماً أشارت إلى المسيح إلهنا الذي هو الحمل الحقيقي. ولكن لمّا كانت الرسوم القديمة والظلال قد اتُخذت رموزاً للحقيقة. فنحن في الكنيسة نفضّل "النعمة والحق" وقد أعطيناهما متممين للشريعة. ولكي يظهر الكامل بارزاً على الأقل في صورة ملوّنة للعيون. نأمر بأن يعرض الحمل الذي رفع خطايا العالم في الصور من الآن فصاعدا بالشكل الإنساني عوض رسم الحمل القديم. فيفهم الجميع بذلك عمق اتضاع الله الكلمة ونتمكن من أن نعيد إلى ذاكرتنا سيرته بالجسد بيننا وآلامه الخلاصية وموته الفدائي من أجل العالم كله".

ظهرت صورة المسيح الحمل لآباء مجمع ترولو كنبوءة عن التجسد التاريخي لا تستطيع أن تعبّر عن نفسها بصورة رمزية. فالحمل رمز للمسيح ونحن لا نستطيع رسم رمز الرمز بصورة الحمل. بل توجد ضرورة لإبراز المسيح في "شكل بشري".

محاربو الأيقونة

جرمانوس الأول (715-730) بطريرك القسطنطينية، عارض المحتجّين على رسم الأيقونات ومحاربيها ومقدمي الحجج ضدها انطلاقاً من قصر لاون الثالث الذي أظهر عدائية حيال الأيقونات وأصدر قرارات بنزعها من الكنائس فنلخص رده بما يلي: "من أجل ذكر أبدي لحياة ربنا يسوع المسيح بالجسد وآلامه وموته الخلاصي وفدائه للعالم الناتج عن موته، تسلّمنا تقليداً بأن نرسمه بشكله البشري، هذا يعني بظهوره الإلهي المرئي، يستنتج من هذا أننا هكذا نبرز تواضع الله الكلمة"

وبات جرمانوس أول الأرثوذكس المتصدّين لمحطمّي الأيقونات في بيزنطية وتسلّم بعده القديس يوحنا الدمشقي مهمّة الدفاع عن الأيقونات وإبراز أهميتها عقائدياً وروحياً، لكن ضغوطات الإمبراطور أجبرت الحبر الشيخ على ألاّ يتمّ رسالته. فانتقل الدفاع عن الأيقونات إلى منطقة بعيدة جغرافياً، إلى القديس يوحنا الدمشقي، الراهب الذي عاش وكتب في الجزء الناتج عن الاحتلال العربي. هذا الراهب الجليل في دير القديس سابا في فلسطين، في مقالاته الثلاث: "الدفاع عن الأيقونات"، ساهم في توحيد الرأي الأرثوذكسي في كل العالم البيزنطي. فأول مقال في التأكيد على المستند الخريستولوجي: "رسم الرب غير المنظور ليس نسبة إلى أنه غير مرئي، بل بالقياس إلى أنه صار منظوراً حين شاركنا اللحم والدم"

لقد عاش يوحنا بشكل أساسي على التغيير الحاصل في العلاقة ما بين الله والعالم المرئي حين صار إنساناً بإرادته. فالله صار مرئيا لاقتباله الوجود المادي بإعطائه للمادة عملا جيداً وقيمة جيدة.

يقول القديس يوحنا: " في العهد القديم لم يكن لله جسد ولا شكل فلم يكن يستطاع تمثيله ولا بأية طريقة. ولكن اليوم، منذ أن ظهر الله بالجسد وعاش بين الناس، فأني أقدر أن أرسم ما هو مرئي في الله " Tَ őpατου τοữ εοữ " فأنا لا أكّرم المادة ولكني أكرم خالق المادة. الذي صار مادة لأجل محبته لي. الذي تحمّل وتقبّل الحياة بالجسد فأكمل مصالحتي عبر المادة"

بالإضافة إلى هذا المعتقد الرئيسي استخدم القديس يوحنا مواضيع ثانوية أخرى أقل دقة. فمثلا إرتكز على أن العهد القديم لم يكن ضد الأيقونات كلياً، لأنه أستخدم بعض الصور على الأخص في العبادة داخل الهيكل التي يمكن للمسيحيين اعتبارها مقدمة لرسم المسيح. وقد عيب على محاربي الأيقونات تشبيههم الأيقونة بالنموذج الأصلي. فالأيقونة عندهم هي "الله". وفي هذا الخصوص أعتبر أن أساليب الأفلاطونية الحديثة والأوريجانية التي أستخدمها محاربو الأيقونات هي لصالح الأرثوذكس وتدعمهم أيضاً: فقط الابن والروح هما "الأيقونة الطبيعية" للآب. وبالتالي هما متساويان له. بينما تختلف الصور الأخرى معه جوهريا. الا انها ليست اصناما.


هذه المحاورة حول طبيعة الأيقونة استخدمت لابراز أهمية تكريم الأيقونات وتعريفها. الأمر الذي قبله المجمع المسكوني السابع سنة سبع مئة وسبعة وثمانين(787)( ثاني مجامع مدينة نيقية). فالصورة والايقونة تتميز عن النموذج الالهي الأصلي. يمكننا أن نميزها بالسجود التكريمي. فالتكريم يعود إلى أصلها وليس بالعبادة، لأن العبادة توجّه لله فقط

هذا التأكيد المستمد سلطته من المجمع المسكوني يحرم بوضوح عبادة الأيقونات، التي غالباً ما نُتَّهم بها.

بالنسبة لهذا الموضوع فإن الفهم السيء قديم ومتأتي من صعوبات في الترجمة. فالعبارة اليونانية " prosNعُElslS " (السجود التكريمي) ترجمت إلى اللاتينية "عبادة"، في ترجمة أعمال المجامع، التي استخدمها شارلمان في كتبه المشهورة "كارولين". ولكن بعد فترة فهم توما الاكويني العبارة فوافق مجمع نيقية الثاني.

يتحدث القديس يوحنا الدمشقي عن تكريم القديسين في الكنيسة. حسب رأيه، هذا التكريم مرتبط بعبادة الله إذ هناك علاقة ما بين الخالق والمخلوقات: oعsευἱ ỏε

وهذا المبدأ العام ينطبق على تكريم القديسين وذخائرهم وعلى تكريم الأيقونات عامة. فنحن نكرّم القديسين لأنهم خدام الله وأولاده وورثته بالنعمة، أصدقاء المسيح وهياكل الروح القدس الحية. وهذا التكريم يعود إلى الله ذاته إذ هو ممجد في قديسيه وفي خدامه الأمناء الذين ننعم بإحساناتهم إلينا. وفي الحقيقة أن القديسين هم شفعاء للجنس البشري بأكمله"-------------"

----- ولكن ينبغي أن ننتبه لئلا نحسبهم في عداد الأموات. إنهم دوماً أحياء وأجسادهم نفسها وبقاياهم ذاتها تستحق إكرامنا لها.

هذه هي أفكاره التي عالجها في كتاب "الإيمان الأرثوذكسي" وفي الحوارات حول الأيقونات. فباعتقاده أن كل تكريم للقديسين إنما يعود إلى يسوع المسيح. فالتكريم له، من خلال قديسيه وبقاياهم والأشياء المختصة بهم وأيضا للصليب المقدس ولأدوات تعذيب السيد وكذلك من خلال الأماكن التي تقدست بحضور الرب يسوع فيه، أو باحتكاكها به، أو من العذراء.

على الأخص في دفاعه عن الأيقونات، الذي ألّفه ضد محاربي الأيقونات ومحطميها، حيث جمع كل مصادر علمه اللاهوتي في ثلاثة دفاعات حول الأيقونات. ثم لخّصها في عرض الايمان الأرثوذكسي(1، 17، 16).

كل براهينه تهدف لإيضاح هذه النقاط الثلاث:

1" لا تصوير لجوهر الله، بل للكلمة المتجسد.

2" تكريم الأيقونات عائد لأصلها.

3" الأيقونة كتاب مصور.

وُجد التصوير المقدس بهدف أن التكريم الموجه للأيقونات المقدسة هو تكريم مسموح به من الوجهة اللاهوتية وأن هذا التكريم يعطينا الكثير من البركات وهو يقر بأننا لا نستطيع صنع صورة لله تمثله كما هو في جوهره. في طبيعته اللامرئية غير المتجسدة التي لا توصف واللامحدودة. فلو حاول أحد رسم مثل هذه الصورة لجاءت صورة كاذبة وليس لها أساس من الحقيقة وهذا المبدأ لا جدل فيه. ليس فقط عند الدمشقي ولكن عند كل اللاهوتيين الأرثوذكسيين البيزنطيين المدافعين عن الأيقونات. والقديس يوحنا الدمشقي قد وجه كلمات قاسية للمحاولين تمثيل الألوهة بالذات، لأن مثل هذه المحاولة هي قمّة الغباء وعدم التقوى.

لا نجد في الغرب وضوحاً كمثل وضوحه. فهو يقر بأن الكتاب المقدس يرفض تمثيل الله بصور ويتساءل إن كان الله اللامنظور وغير الموصوف لا يمكن تصويره. فمن يمنعنا عن تصوير الله المتجسد من العذراء أمه أو تصوير والدة الإله والقديسين والملائكة القديسين؟ ليس فقط لأنهم ظهروا بأشكال مرئية ولكن على الأخص قد بدت للعيان طاقاتهم فباتوا قابلين للوصف والرسم.

فالأيقونوغرافيا المقدسة لها أساس في حقيقة الأشياء. إذاُ، على عكس ما يدعى محاربو الأيقونات، فمثل هذه الأيقونوغرافيا ليست محرّمة في الكتاب المقدس. فالعهد القديم يمنع الأصنام المخترعة ولكنه يخلق وفرة من الصوَر. على كل، نحن لسنا تحت الناموس، لأننا دخلنا في نضوج المسيح. فالله بتجسده صار مرئياً وهو بطريقة ما يدعونا لتصوير صورته المرئية. أليس هو أول من صنع أيقونة؟ فإنه ولد الكلمة قبل الدهور صورة جوهره الكاملة. ألم يصنع الإنسان على صورته ومثاله؟ ألا يحمل في ذاته أفكار وصور كل الأشياء؟ لقد أراد أن يكون العهد القديم صورة للعهد الجديد، وبالتالي إن كان مسموحا صنع أيقونات تمثل هذه الحقائق فمسموح إكرامها أيضاً.

إن ما قاله القديس يوحنا الدمشقي هو التقليد الأرثوذكسي. فإذا كان محطمو الأيقونات على حق فالكنيسة كانت مخدوعة كل تلك الحقبة، وهذا غير معقول، ويشكل هذا الرأي إدانة للهراطقة فلا يمكنهم الإدّعاء بأن تصوير الأيقونات وتكريمها هو ضرب من الصنمية بينما ينبغي أن نتوجه بعبادتنا إلى الله وحده.

احترام الأيقونة وتكريمها لا يتوجهان إلى الأيقونة من حيث هي مادة بسيطة، ولكن من حيث هي صورة. هذا يعني أنها تظهر النموذج الأصلي. وهذا الإكرام (Προσηعυησις ) لا يتوقف عند الأيقونة ولكن من خلالها يصل إلى العنصر الأول بحسب قول القديس باسيليوس الكبير: "إن إكرام الأيقونة يرجع إلى عنصرها الأول".

فإن كنا نكرّم سيدنا يسوع المسيح وأمه والقديسين فلماذا لا نكرّم أيقوناتهم؟ هذا ما قاله القديس يوحنا الدمشقي للإمبراطور لاون الإيصوري: "فإما أن تلغي الاحتفال بأعياد القديسين أو فاسمحوا لنا بإكرام أيقوناتهم".
ويفسّر لاهوتيونا بوضوح تام بأن العبادة لله وإكرامه يصير في عدة وجوه.


هناك سجود العبادة، الذي لا يجوز لغير الله، الذي هو الأعظم وسيد كل المخلوقات. إنها العبادة
ή ІІροσْυησις ηατά λατρείαυ ή λατρεία وبعد هذه العبادة الفائقة هناك علامات الشكر، الكثيرة والمختلفة، والإحترام والتكريم المقدمة للمخلوقات بسبب بعض ميزاتها المعطاة لها كالسجود التكريمي مثلا أمام بقايا قديس، أو أيقونة، أو شخص قديس، أو أشياء مخصصة للخدمة الالهية، أو لأصحاب الجلالة، أو لأي شخص، لأنه صورة الله. فبهذا الشكل يعتبر السجود الإكرامي للأيقونة أمراً طبيعياً.


اعتبار الأيقونة واحترامها يعطيان للمؤمنين آلاف البركات:

- فالأيقونة هي كتاب لغير القادرين على القراءة. إنها تذكرنا بتاريخ الخلاص كله وبصنيع الله وبأسرار تدبيره الإلهي.

- أنها تعليم صامت للتشبّه بمثل القديسين.

- أنها قناة لانسكاب النعم الإلهية. فهي صلة وصل بالنعمة وبها ومن خلالها يوزع الله إحساناته وعطاياه علينا. فهي تشترك، بشكل من الأشكال، في قوة النموذج الأول، الذي تمثله وفي صلاحه. ويمكننا القول بأن النعمة الإلهية، والعمل الإلهي يقيمان ويسكنان في الأيقونة كما يسكنان في البقايا المقدسة.

فالقديسون منذ حياتهم على الأرض كانوا مملوئين من الروح القدس وبعد موتهم لم تبتعد النعمة الإلهية التي بالروح القدس، عن أرواحهم ولا عن أجسادهم في القبور، ولا عن أيقوناتهم المقدسة. ليس لأنها تلازمهم جوهرياً، ولكن لأنها من خلالهم، تعمل البركات.

هذه ليست فكرة الدمشقي وحده بل هي أفكار الآباء الأرثوذكسيين أجمع، الرأي الذي تبنته الكنيسة في المجمع المسكوني السابع، الذي دافع عن تكريم الأيقونات وأعطانا مثل هذه التوصيات.

إن ما أراد الأرثوذكس قوله هو أن الله يقبل منا الإكرام فيكافئنا بالمعجزات أحيانا، حين نكرمه من خلال تكريمنا للأيقونات المقدسة وبقايا القديسين.

 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:11 PM   رقم المشاركة : ( 4799 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

سلوك أولاد الله الأطهار
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

+ السلوك المطلوب ، والتصرف المرغوب ، يكون على مثال الرب يسوع ، ورسله وقديسيه وأولاده ،
الذين كانوا يسيرون بقدوة وحكمة ، فجذبوا الملايين إلى الإيمان وللآن يسلكون بالأمانة ، حسب وصايا الله ، وعلى ضوء سلوكه السليم ، وتعليمه العظيم

* " كما سلك ذاك ( المسيح ) هكذا نسلك نحن " ( 1 يو 2 : 6 ) .
* وقال أيوب البار "بنوره سلكت فى الظلمة " ( اى 29 : 3 ) .

* وامتدح داود الإنسان الذى يسلك فى الفضيلة ، ويبتعد عن تصرفات الأصدقاء الأشرار وقال :

" طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار ،
وفى طريق الخطاة لم يقف ، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس " ( مز 1 : 1 ) .

* " طوبى لكل من يتقى الرب ويسلك فى طرقه " ( مز 128 : 1 ) .

وحدد الرسول بولس " نماذجاً " من الطرق التى يجب السلوك فيها :ً
* " اسلكوا بالروح ولا تُكملوا شهوة ( رغبات ) الجسد " ( غل 5 : 16 ) .
* " اسلكوا فى المحبة ، كما أحبنا المسيح وأسلّم نفسه لأجلنا " ( أف 5 : 2 ) .أى بالمحبة المضحية وليس بروح الأنانية .
* " اسلكوا بحكمة ( بقدوة ) من جهة الذين هم من خارج " ( أهل العالم ) ( كو 4 : 5 ) .

والسلوك المطلوب لأولاد الله يمكن تلخيصه فى الآتى :v
1 - السلوك بإيمان ومحبة لله والناس ( تث 6 : 5 ) ، ( تث 22 : 37 ) .
2 - تبعية الرب فى الطريق الضيق ، وفى طاعة كاملة ( يو 14 : 21 ) .
3 - السلوك فى البر والخير ( رو 6 : 18 ) ، ( بط 2 : 24 ) .
4 - السلوك بالحق والصدق ( 1 تس 2 : 12 ) .
5 - الأمتناع عن كل شر ، أو شبه كل شر ( 1 تس 5 : 22 ) .
6 - السلوك فى قداسة ( 2 كو 7 : 1 ? 2 ) ، ومبغضين الدنس ( يهوذا 1 : 23 ) .
7 - السلوك بقدوة ، وبلا عثرة ( 1 تى 4 : 12 ) ، ( 1 بط 2 : 12 ) .
8 - السلوك بلا غضب ( أف 4 : 26 ) ، ( يع 1 : 19 ) .
9 - إحتمال ظلم الأشرار ( مت 5 : 39 - 41 ) ، ( يع 1 : 19 ) .
10 - السلوك فى طريق الصفح والسماح ( مت 6 : 14 ) ، ( ( رو 12 : 20 ) .
11 - الحياة بسلام مع الجميع ( رو 12 : 8 ) ، ( عب 12 : 14 ) .
12 - المشاركة للكل فى السراء والضراء ( رو 12 : 15 ) ، ( 1 تس 5 : 14 ) .
13 - السلوك بحكمة ومحبة الأسرة ( أف 6 : 1 ? 8 ) ، ( 1 بط 3 : 1 - 7 ) .
14 - إفتقاد المرضى والحزانى والأرامل ، والمسجونين والمتضايقين ( مت 25 : 36 ) .
15 - الخضوع للسلطات الدينية والإدارية ( رو 13 : 1 ? 7 ) .
16 - اسخياء فى العطاء ( أع 20 : 35 ) ، ( رو 12 : 12 ) .
17 - السلوك بطاعة ووداعة وقناعة ( فى 4 : 11 ) ، 0 عب 13 : 5 ) .
v وبهذا المسلك تجنى الطوبى من الرب ، واستحسان الناس ( يو 15 : 10 ) ، ويرتاح القلب من كثير من المعاناة الناتجة من عدم الحكمة ، ورفض المشورة الصالحة .
واعلم ، أن الله يعطى الإنسان الحرية الكاملة ، فى التصرف وفى السلوك ، فى طريق النور أو الظلمة ،
ولن يتدخل رغماً عنه ، ليوقفه عن سيره فى طريق الخير أو الشر ، لأنه سوف يجازيه فى الآخرة ، لأنه مسئول تماماً عن كافة تصرفاته الإيجابية والسلبية ( راجع حزقيال 18 ) .

ونصيحة القديس بولس لنا اليوم لكى نسلك بأسلوب يليق بأولاد الله الأطهار الأتقياء الذين يسيرون فى النور ، ويرفضون السير فى طريق الظلمة الشيطانى ، مع أتباع إبليس الضالين والمُضلين.
 
قديم 06 - 08 - 2014, 12:13 PM   رقم المشاركة : ( 4800 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأغنياء والفقراء
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي - دوما
قال أحدهم عن صديق عزيز عليّ إنّه يحبّ الأغنياء. قال ذلك بلهجة اتّهامية وكأن في محبّة الأغنياء نقيصة. أجبته: بكل تأكيد، ولكنّه يحبّ الفقراء أيضاً!
هل هناك قول إلهي يمنع محبّة الأغنياء؟ كأنّك تظنّ أنّ في محبّة الأغنياء محاباة لا محالة؟ أليس الأغنياء، أيضاً، برسم الخلاص؟ هل الأغنياء بخلاء أو مستغِلّون بالضرورة؟
هل هم أشرار لأنّهم أغنياء؟ يوسف الرامي كان غنيّاً (مت 27) لكنّه كان غيوراً ليسوع، وقد أنفق عليه، إثر صلبه، إذ اشترى أكفاناً وطيوباً وحنّطه وجعله في قبر جديد كان له. من جهة أخرى، يهوذا الإسخريوطي، أغلب الظنّ أنّه كان فقيراً، ومع ذلك فقد باع السيّد بثلاثين من الفضّة.
يوسف الرامي صار قدّيساً في الكنيسة ويهوذا الإسخريوطي، بعدما كان واحداً من الإثني عشر رسولاً الأوائل، صار خائناً. وحدهم الموتورون يحسبون الفقراء صالحين والأغنياء فاسدين. بين الأغنياء، كما بين الفقراء، هناك الحسن وهناك الرديء.
الغنى لا يؤدّي، بالضرورة، إلى فساد الأخلاق، والفقر لا يجعل صاحبه، بالضرورة، ذا أخلاق حميدة. الغنى تجربة والفقر تجربة أيضاً.
صحيح أنّ السيّد قال إنّه أيسر أن يدخل الجمل من ثقب الإبرة من أن يدخل غنيّ ملكوت السموات، لكنّه قال أيضاً إنّ ما هو غير مستطاع عند الناس مستطاع عند الله، وكل شيء مستطاع عند الله. الغني عرضة لتجربة البخل والاستغلال وقسوة القلب، هذا لا شكّ فيه.
لهذا، بالضبط، هم بحاجة لمَن يحبّهم، لمَن يرعاهم، لمَن يساعدهم حتى يصيروا كرماء في التوزيع، أمناء في التعامل، رفيقين في المحبّة.
ألم يشأ الربّ الإله أن يدخل بيت زكّا؟ وماذا كانت النتيجة؟ زكّا تغيَّر!
قال للربّ: ها أنا ذا أُعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد غبنتُ أحداً أردّ له أربعة أضعاف. وقد علّق يسوع على عزم زكّا بالقول:
"اليوم حصل الخلاص لهذا البيت لأنّه هو أيضاً ابن إبراهيم".
بالعكس، لأنّ الأغنياء تجربتُهم ليست بقليلة وخلاصهم في خطر يحتاجون إلى محبّة أعمق وإلى رعاية أوفر. طبعاً مَن يرعاهم عرضة لأن يحابيهم، لأن يتزلّف لهم، لأن يعوِّج الحقّ سعياً وراء مكافآتهم،
لأنّ يشتهي عِشرتهم وطريقة حياتهم، هذه تجربة ليست بقليلة، ولكن هل يجوز أن يكون ذلك مبرِّراً لتجنّب الأغنياء وإدانتهم ومعاداتهم ومحاربتهم؟ فقط ضعفاء النفوس يتعلّلون بمثل علل الخطايا هذه.
هل الموضوع أن تحمي نفسك من تجربة غنى الأغنياء وحسب؟ طبعاً هذا عليك أن تفعله في كل حين ولكنْ لو كنتَ تحبّ الله، لو كنت فقيراً إليه، لو كنت لا تطلب شيئاً لنفسك إلاّ رضاه لما كان عليك خوف.
لو كنت أصيلاً في رعايتك لما كنت تخشى الأغنياء ومفاسد الغنى.
ليس حقاً أن تنتقد الآخرين والعلّة فيك! أصلح نفسك أولاً تبصرْ جيداً كيف تتعامل مع الأغنياء، كيف ترعاهم. وإن لم تصلح نفسك فلست فقط في موضع مَن يسيء إلى الأغنياء بل إلى الفقراء أيضاً.
مستحيل عليك أن ترعى الفقراء رعاية حقّانيّة إن كنت في، قرارة نفسك، غير فقير إلى ربّك ومحبّاً للغنى. لا تستحقّ، إذ ذاك، أن تكون في موقع الرعاية أصلاً. أخشى، يا صاحبي، في معظم الأحيان، أن تكون العداوة للأغنياء، في النفوس، ناشئة عن الحسد، وأن يكون التظاهر بمظهر الغيرة على الفقراء شكلياً على نحو ما فعل يهوذا الإسخريوطي.
هذا تذرّع بمحبّة الفقراء عندما علّق على ما فعلته المرأة التي سكبت الطيب على السيّد بالقول إنّه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويُعطَى للفقراء.
قال ذلك لأنّ الصندوق كان عنده وكان هو سارقاً ولصّاً. كثيراً ما تَلقى، يا صاحبي، قوماً يعادون الأغنياء ويرفعون راية قضيّة الدفاع عن الفقراء، ويكون، في العمق، أنّهم يرومون، هم أنفسهم، أن يصيروا أغنياء، ومتى اغتنَوا ضربوا الصفح عن الفقراء واستغلّوهم بالقول والعمل معاً وضارعوا بعض الأغنياء قسوةَ قلب وزادوا من باب ردّ الفعل.
فلا نؤخَذَن، يا صاحبي، بالمظاهر والشعارات. الإنسان الساقط ساقط في كل حال. ولو كان فقيراً في الظاهر فنفسه تشتهي الغنى. النفس حيّالة، ما أخبثها!
ما رأيك، يا صاحبي، أن نحبّ الأغنياء ونعتني بهم ثمّ نأخذ منهم ونعين الفقراء؟
الغنى والفقر واقعان لا يُلغَيان بالكلام والتمنّي والشعارات. المهم أن نبني جسراً بين الغنيّ والفقير، أن يصير الواحد للآخر سبب فرح وشكران لله. إن تَعَلَّم الغنيّ محبّة الفقير تعلّم الفقرَ إلى الله، وإن تعلّم الفقيرُ محبّةَ الغنيّ تعلّم أنّ كل عطيّة صالحة هي منحدرة من العلو من عند أب الأنوار. أليس هذا هو الطريق إلى تآخي الغنيّ والفقير؟
ألسنا جميعاً مدعووين لأن نصير إخوة؟ ألم يقل السيّد:
"وأنتم جميعاً إخوة" (مت 23)؟
هذه العداوات في المبدأ بين الأغنياء والفقراء ليست من الله. هذه شعارات سياسيّة يستغلّها مَن يريدون أن يوهمونا أنّ المجتمع صراع طبقات. والذين يفعلون ذلك يستغلّون الأغنياء بإثارة مخاوفهم والفقراء بإثارة أحقادهم وتحويل الخوف والحقد إلى طاقة عنف ليصلوا إلى مأربهم. ومأربهم، في العمق، أولاً، هو الوصول إلى السلطة.
مشكلتنا ليست لا مع الغنيّ ولا مع الفقير.
مشكلتنا هي مع أنفسنا، الغنيّ مع نفسه والفقير مع نفسه. كلٌّ بحاجة لأن يصلح نفسه، لأن يتوب إلى ربّه، والكلّ بحاجة إلى رعاية ليتعلّم كيف يفعل ذلك. لا بديل عن هذا النهج.
وكلّ نهج آخر يُظهر شيئاً ويُبطن شيئاً آخر. المهم أن يعرف الإنسان نفسه، أن يعرف حقيقة ما في داخله حتى تكون تدابيره قويمة وإلاّ يوجد كاذباً من حيث لا يدري وتكون تدابيره ملتوية، بدل أن يحلَّ أزمة الإنسان والكيان يزيدها تفاقماً.
إذ ذاك يدور في حلقة مفرغة ويرتكب الأخطاء عينها مرّة بعد مرّة إلى ما لا نهاية على غير طائل، ويستشري الظلم والعمى.
المسيح أزال الحاجز المتوسّط بين الأغنياء والفقراء. وحده كلامه منهج الحياة الحقّ. يعيد الإنسان إلى نفسه، والغنيّ إلى الفقير، والفقير إلى الغنيّ، والناس إلى بعضهم البعض والكلّ إلى الله.
أيّهما أكثر إنسانيّة وأقرب إلى قلب الله أن نسعى إلى قمع الأغنياء والبطش بهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم أم أن نوجّه الجهد نحو رعايتهم والصلاة لأجلهم وإقناعهم بأنّه خير لهم وللآخرين أن يشتركوا في الخيرات التي هي بين أيديهم مع المعوزين؟
أيّهما أكثر إنسانيّة واقرب إلى قلب الله أن نحرّك أحقاد الفقراء والمحرومين ونستغلّها لنقيم الناس على الناس ونباعد ما بينهم والأغنياء أم أن نوجّه الجهد نحو رعايتهم وتشجيعهم على التعامل مع الأغنياء كإخوة قادرين، بنعمة الله، على مساعدتهم والتخفيف عنهم أثقال المعيشة؟
لعمري هذه هي السياسة الأكثر ملاءمة للإنسان والأدنى إلى تجسيد الكلمة الإنجيليّة.
طبعاً نتمنّى ونسعى، من خلال القانون والنظام، إلى وضع حدّ للاستغلال وإحقاق العدالة الاجتماعيّة.
فإن تحقّق هذا الأمر فحسناً يكون وإن لم يتحقّق فليس الحلّ بضرب الأغنياء واستيلاء الدولة على ثروات البلد. موظّفو الدولة، الكبار والصغار، إذ ذاك، سيشكّلون طبقة أغنياء جديدة. وفرة السلطات والمقدّرات والأموال تفسد القيّمين عليها إلاّ ما ندر.
فقط القدّيسون بإمكانهم أن يتعاطوا الغنى والسلطة الكبيرَين باستقامة دون أن ينفسدوا.
ما تبقّى الناس ناس ولهم شهواتهم ولهم ضعفاتهم ولهم تجاربهم ولو عرفوا أن يموِّهوها ويتوارَوا وراء شعارات خاوية رنّانة. السياسة، في المدى الأخير، لا تحلّ المشكلة. تحلّها في المبدأ ولا تحلّها في التطبيق.
في الظاهر يمكن أن تحقّق بعض العدالة. أما في عمقها التنفيذي فهي مضروبة، لا محالة، بشهوة السلطة والغنى لدى الناس إلاّ القدّيسين. وهؤلاء لا يعملون في السياسة.
السياسة، على أرض الواقع، تنفِّر القدّيسين وتلفظهم خارجاً. ولو عمل القدّيسون في السياسة فإنّهم لا يلبثون أن يشعروا بالإحباط وييأسوا.
ليس غير الرعاية على التحابب والتعاون وحفظ الكلمة الإلهيّة ينفع، وإلاّ بقي عالمنا يتمرّغ في الشعارات والعنف والأوهام، على غير طائل، إلى ما شاء الله.
كل نفس مدمنة السلطة والغنى، نهجاً، طالما بقيت مستغنية عن الله!
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024