حســـــاب النفقــة
الإنسان الجاد الذي يُريد أن يُتابع مسيرة رحلته لنهايتها، فأنه يجلس أولاً يحسب نفقة الطريق والمكسب والخسارة، وما لهُ وما عليه، وذلك لكي يستطيع أن يُحدد هل هو قادر على تكلفة السفر ونفقاته أم أنه لا يستطيع أن يتحمل النفقة، ومن هنا يقدر أن يُقرر هل سيستكمل الطريق لنهايته أو الأفضل ألا يدخل فيه منذ البداية، لئلا يبدأ بالدخول فيه ومن ثمَّ بسبب أنه لم يحسب النفقة بدقة، فأنه حينما يواجه أشياء غير متوقعه، فأنه يُفاجأ بها فيبدأ يتذمر على الوضع [1] ويتأسف على مسيرته التي بدأ فيها [2] ومن ثمَّ يبدأ في التراجع للوراء [3]، أو لو حاول أن يستمر ولم يحسم الأمر - منذ بدايته - ويعي خطورة الطريق وكل ما يحيط به من مضايقات وعراقيل ويقبله كما هوَّ، ويبدأ أن يتعامل معه بالإيمان الحي مع الصبر فأنه يضطرب جداً ويرتبك ويضل ويحيا مشوشاً لا يعرف إلى أين يذهب، مثل من أشترى أرض وبدأ بوضع الأساس فيها، وبكونه لم يكن عنده ما يكفي من إمكانيات فلم يستطع أن يستكمل البناء، وأعلن إفلاسه التام لأنه لم يكن لديه ما يكفي من تكلفة، لذلك كل من يعرفه أو يرى ما فعله يسخر منه، وهذا هو سرّ فشل الحياة الروحية لدى الكثيرين وأيضاً فشل خدمة خُدام كثيرين، بكونهم لما بدئوا مع الله لم يستمروا وتراجعوا داخلياً، إنما ظاهرياً، فأن لهم شكل الروحانيين لكنهم في قلبهم عزموا أن يرجعوا لأنهم لم يحتملوا تكلفة الطريق ويصبروا على مشقاته.
والسؤال المطروح علينا كلنا الآن، هو: ما هي التكلفة التي قصدها الرب وكيف نحسبها!
طبعاً لا نستطيع أن نُحدد الموضوع حسب رأينا ولا تأملاتنا الشخصية حتى لو كانت رائعة في معناها، بل حسب ما قاله الرب لنا بنفسه، لذلك من الضروري يا إخوتي أن نقرأ كلمة الله بكل دقة وتدقيق لكي نعرف إرادته وكيف نسير معه حسب التدبير اللائق كما حدده هو بنفسه، فنجد أن الرب أظهر لنا الموضوع في إنجيل لوقا حينما كان يسير معه جموع كثيرة، لأن سير الناس معه ليس هو الهدف، لأننا لا نسير مع الرب لكي نسمع منه وبكوننا نرتاح بصحبته، وفعلاً طبعاً سنرتاح، أنها حقيقة بالطبع، لكنه مع ذلك التفت وكلمهم ليوضح كيفية السير الحقيقي معه، لأن الرب يسوع لا يهمه العدد الذي يحيط به ولا الكم، إنما ينظر للقلوب التي تتبعه إلى المنتهى حتى الموت، ولننتبه جداً لترتيب الكلام الذي ينتهي بالنتيجة عن الملح الجيد وفساده: