10 - 02 - 2014, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
هوّذا آتٍ طافرًا على الجبال (نش 2: 8) على الجبال: إن عذراء النشيد -بالكشف الإلهي- أمكنها أن ترى تجسد المسيح، قبل مجيئه بأكثر من ألف سنة. فقالت " صوت حبيبي. هوذا آتٍ، طافرًا على الجبال.. " فأية جبال تراها كانت تعني؟ 1- أولها جبال يهوذا، وهو في بطن العذراء: إذ يقول الإنجيل إن مريم العذراء، لما قال لها الملاك " وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوختها. وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا" (لو 1: 36) حينئذ قامت مريم في تلك الأيام، وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا، وسلمت على أليصابات" (لو 1: 39، 40). وكان الرب يسوع حينئذ جنينًا في بطنها، وهي على جبال يهوذا. لذلك لما صار سلام مريم في أذني أليصابات، أمتلأت أليصابات من الروح القدس، وأرتكض الجنين في بطنها (لو 1 42، 44). مستقبلًا هذا الذي أتاه طافرًا على الجبال.. 2- جبل قسقام في مصر: وذلك أثناء الهروب إلى مصر، حسب أمر الملاك ليوسف النجار (مت 1: 13). وكان آخر المطاف في مصر هو عند موضع الدير المحرق في جبل فسقام، حيث بارك الرب هذا الجبل وكل أرض مصر التي عبر بها 3- جبل التجربة (مت 4): ويمكن أن ندعوه أيضًا جبل الانتصار، إذ قضى الرب " أربعين يومًا يُجَرب من الشيطان. وكان مع الوحوش. وصارت الملائكة تخدمه" (مر 1: 12). والتجربة الثالثة كانت على جبل عال حيث رأى " جميع ممالك الأرض ومجدها (مت 4: 8) مزدريًا بها جميعًا ومنتصرًا على كل حيل إبليس، فأستطاع بهذا أن يقول لتلاميذه " ثقوا، أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 23) وقال عنه القديس بولس الرسول إنه " مُجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطيه" (عب 4: 15) وأيضًا " لأنه فيما هو تألم مُجربًا، قادر أن يعين المُجربين" (عب 2: 18). كان على جبل التجربة تعزية لنا في تجاربنا. وتشجيعًا لنا في الانتصار على تجاربنا. 4- على جبل العظه (مت 5): كما كانت تعاليمه هكذا عاليه ومرتفعه عن كل تعليم بشري، لاق بها أن نقول على جبل عالٍ. وفي هذا يقول القديس متى في بداية العظة على الجبل " ولما أبصر الجموع صعد إلى الجبل.. وفتح فاه وعلمهم قائلًا: طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات.." (مت 5: 1 – 3). وهكذا قيل عن سمو هذه العظات التي قالها الرب على الجبل " فلما أكمل يسوع هذه الأقوال، بهتت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان، وليس كالكتبة" (مت 7: 28، 29). وكثيرًا ما كان الرب يُعلم على الجبال. 5- على جبل التجلي: وقيل في ذلك " أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا. وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم. وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا، يتكلمان معه.. ، (مت 17: 1 – 3) (مر 9: 1 – 3) ويكمل القديس متى الإنجيلي هذه المعجزة المبهرة بقوله " إذا سحابه نيره ظللتهم، وصوت من السحابة قائلًا: هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا" (مت 17: 5) ويذكر هذا إنجيل مرقس أيضًا (مر 9: 7). كما ورد ذلك في إنجيل لوقا كذلك (لو 9: 34، 35). ويقول القديس بطرس الرسول عن الرب يسوع: " لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد؟؟؟؟ هذا هو أبني الحبيب الذي أنا به سررت. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء، إذ كنا معه على الجبل المقدس" (2بط 1: 17، 18). كان جبل التجلي عظيمًا هكذا، إذ عبر عن لاهوت الرب ومحبة الآب له. لذلك لاق به أن يدعى " الجبل المقدس " ويذكر بين الجبال الهامة التي طفر عليها الرب. 6- جبال الصلاة والتأمل: ما أكثر ما كان السيد الرب يختار الجبل مكانًا للصلاة والتأمل والخلوة مع الآب. يقول عنه القديس متى الرسول " وبعد ما صرف الجموع، صعد إلى الجبل ليصلي" (مت 14: 23). ويقول القديس مرقس الرسول".. صرف الجمع. وبعد ما ودعهم، صعد إلى الجبل ليصلي" (مر 6: 46). ويقول القديس لوقا " وفي تلك الأيام، خرج إلى الجبل ليصلي. وقضى الليل كله في الصلاة لله" (لو 6: 12). ويقول أيضًا " وكان في النهار يعلّم في الهيكل. وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون (لو 21: 37). حقًا إن جبل الزيتون كان من أهم الجبال في أثناء فترة تجسد الرب على الأرض. ومن العبارات المؤثرة في إنجيل القديس يوحنا الحبيب، قوله " فمضى كل واحد إلى خاصته. أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون" (يو 7: 53)، (يو 8: 1). 7- جبل الجلجثة: وأهم آخر الجبال التي وصل إليها الرب في تجسده على الأرض. هو جبل الفداء الذي فيه سفك دمه الطاهر عنا لأجل خلاصنا. لأنه لا يوجد حب أعظم من هذا أن يضع احد نفسه لأجل أحبائه (يو 15 : 13). وعن صلب الرب يقول إنجيل متى إنهم " أتوا إلى موضع يقال له جلجثه وهو المسمى موضع الجمجمة " (مت 27: 33). ويذكر مرقس الرسول هذه الجلجثة أيضًا (مر 15: 22) ويقول القديس لوقا " ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك.." (لو 23: 33). ويقول القديس يوحنا " فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له موضع الجمجمة. ويُقال له بالعبرانية جلجثة، حيث صلبوه وصلبوا أثنين آخرين معه.." (يو 19: 17، 18). 8- جبال أخرى: جبال أخرى في حياة تجسد المسيح على الأرض، ما أكثرها، بعضها خاصة بمعجزاته والبعض بتعليمه من على هذه الجبال.. |
||||
10 - 02 - 2014, 04:02 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
تعال يا حبيبي، لنخرج إلى الحقل (نش 7: 11) هكذا قيل في سفر النشيد: أنا لحبيبي وإلي اشتياقه. تعال يا حبيبي لنخرج إلي الحقل ولنبت في القري. لنبكرن إلي الكروم لننظر هل ازهر الكرم؟ هل تفتح الفعال؟ هل نور الرمان؟ هناك أعطيك حبي" (نش7: 10- 12). أنا لحبيبي:لست للعالم، ولست للمادة، ولست لأي شيء أخر، بل أكثر من هذا أنا لست لذاتي، أنا لحبيبي... إنه لون من تخصيص النفس لله، تكريسها له... وهي عبارة تكررت كثيرًا من سفر النشيد "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش6: 3)، ولقد وهبته الحياة كلها، لأنه صاحبها، وقد اشتراها بدمه، فلم تعد لي، وإنما له. وقبل شرائها بدمه، هو صاحبها، لأنه خالقها من العدم. فلتكن مكرسة له... الله هو الذي أعطاك هذا الوجود والكيان، وهذه الحياة، فأصبحت له. تذكر باستمرار أنك لحبيبك الذي خلقك وافتداك. وهو الذي سيبقي معك إلي الأبد، أما العالم فسيبيد وشهوته معه (1يو2: 17).. وإن لم تستطع أن تكرس حياتك كلها للرب، فعلي الأقل يمكنك أن تكرس محبتك وقلبك. "أنا لحبيبي، وإلي اشتياقه" (نش7: 10)، أنه يشتاق إليك، إلي نفسك. ينظر إلي قلبك، ,ويقول في شوق "ها هو موضع راحتي إلي أبد الأبد ههنا أسكن لأني أشتهيته" (مز132: 14). الله مسرته في بني البشر شوقه أن يسكن وسط شعبه... نوعان من الحب: الحب لله علي نوعين: احدهما مظهره الجلوس مع الله، في حب، في عبادة، في صلاة في تأمل في شركة جسده ودمه. والنوع الثاني هو أن تظهر محبتك لله بالخدمة: تحب ملكوته وكنيسته وأولاده. وتظهر محبتك بأن تدعو الناس إلي محبته... قرأنا في إنجيل يوحنا أن الرب قال لسمعان بطرس "أتحبني؟.. أرع غنمي" (يو21:15)، إن كنت تحبني حقًا إشترك معي في بناء الملكوت، وفي جذب الناس إليه. هل يوجد حب أعظم من حب الملائكة لله. هؤلاء الملائكة قيل عنهم إنهم "أرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14)، وإنها حالة حول خائفيه وتنجيهم (مز34: 7). أنت أيضًا ملاك، أرسلك الله للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص. صدقوني، أن الدعوة للخدمة هي دليل علي تواضع الله... الله يستطيع أن يقوم ببناء المكلوت وحده. ليس هو محتاجًا إلي مواهب الإنسان أو إلي مجهوده، فمواهب الإنسان ومجهوده هما أيضًا عطية من الله. إن الله من تواضعه يشركنا مع في العمل، ويقول "تعال ياحبيبي، لنخرج إلي الحقل" وهو أيضًا يرفع معنوياتنا باشراكنا معه في العمل... أنا يا ابني أستطيع أن أعمل العمل كله وحدي، ولكنني أريد أن أشعرك بأنك تستطيع أن تعمل شيئًا، أريد أن أفرحك بعمل النعمة فيك، أريد أن تفرح معي بنجاح أخوتك وخلاصهم، وتكون شريكًا لي في هذا العمل الروحي. تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقل. والحقل يرمز باستمرار إلي الكنيسة، إلي مكان عمل الله... يقول الكتاب عن الرب "خرج الزارع ليزرع"، خرج إلي الحقل، يلقي بذار النعمة. فتعال نخرج معاَ إلي الحقل. إنها تعزية كبيرة أن نخرج مع الله، ولا نخرج بمفردنا. لو كنا نعمل وحدنا، لكان العمل يبدو صعبًا علينا. ولكننا هنا ندخل في شركة الروح القدس. يعجبني أن أتأمل منظر كل خادم، كل واعظ وكل كاهن، سائرًا في طريق الخدمة إلي جوار الله، يده في يده، يعملان معًا. كما قال بولس عن نفسه وعن أبولس "نحن عاملان مع الله" (1كو3: 9). فتعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، ونبيت في القري. جميل أن نلحظ اهتمام الرب بالقري. المدينة مزدحمة بالخدمة وتستهوي الناس بإمكانياتها، أما القرية فمحتاجة إلي الخدمة.. لذلك قيل عن السيد المسيح إنه كان "يطوف المدن والقري، يعلم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت.." (مت9: 35). وعندما أقول القري، لا أقصد مجرد الريف. ففي مدينة عظيمة كالقاهرة، توجد أحياء لها طابع القري، فقيرة، وأحياء عمال وصناع، وأحياء شعبية.. محتاجة. تبدو كجزء من المدينة، ولها طابع القري! يعجبني في قصة الخليقة، أن الله بعد أن خلق الجنة، وضع فيها آدم، لكي يعمل فيها ويحفظها (تك2: 15). لم يكن آدم يعمل ليأكل، فالرزق كان وفيرًا، أكثر من احتياجه، ولكنه كان يعمل لأن العمل مفيد له روحيًا وجسديًا. الذي يعمل ربما يحاربه شيطان واحد. أما الذي لا يعمل فتحاربه شياطين كثيرة لا يوجد أصعب من الفراغ، ولا أشد من حربه. "وعقل الكسلان معمل للشيطان" كما يقولون. الذي لا يعمل، تتعبه الأفكار، وقد تشغل ذهنه بما لا يليق. فمادام العمل لازمًا. تعال أعمل معي، ولنخرج معًا إلي الحقل. في هذا العمل الروحي، سيمتلئ عقلك بالأفكار الروحانية، ويمتلئ قلبك بمحبة الله والناس. وستحيا في الروحيات، في جو نقي... تأكد أنك سوف تستفيد من الخدمة أكثر مما تفيد غيرك. لذلك نحن نعتبر الخدمة من الوسائط الروحية التي تنمي حياة الإنسان: تأكد أنك ستأخذ بركة من الخدمة. إنها دعوة لكل إنسان أن يعمل في الملكوت. لا يوجد أحد ليس له عمل في بناء الملكوت... الكنيسة هي جسم المسيح، وأنت عضو فيه. تؤثر وتتأثر. تأكد أنك لو امتلأت بالمحبة لوجدت ذاتك تخدم تلقائيًا. العجيب في عبارة النشيد، أنها دعوة للخدمة (علي الجاهز). "لنبكرن إلي الكروم.. لننظر هل أزهر الكرم؟ هل نور الرمان؟ إذن هناك حقل، وكروم، ورمان. وأنت قد دعيت لتعمل في ما لم تتعب فيه. في بدء تدريب التلاميذ علي الخدمة. قال لهم الرب في قصة هداية السامرة "الحقول أبيضت للحصاد. أنتم دخلتم علي ما لم تتعبوا فيه" (يو4: 35، 37) وهكذا الدعوة في النشيد... آباؤنا الأول تعبوا، غرسوا وسقوا، وعملوا في أراض جرداء لم تكن فيها حقول ولا كروم. ذهبوا إلي بلاد لا إيمان فيها، ولا كنائس، بل فيها مقاومات للإيمان. أما نحن، فالدعوة سهلة: تعال لنخرج إلي الحقل. النفوس المؤمنة موجودة، الأشجار نامية، ولكنها تحتاج إلي ري، إلي تسميد، إلي عناية، إلي افتقاد: لننظر هل أزهر الكرم، هل نور الرمان. فهل هذا القليل، لا نستطيعه أيضًا؟! إن كل عمل تعمله، تسبقك النعمة إليه، فتعده لك. تعد القلب والفكر لسماع الكلمة التي تقولها أنت، وتعمل في الإرادة لتتأثر بها، وحتي هذه الكلمة التي تقولها سأعطيك أنا إياها. ثم أذهب معك إلي الحقل لنري هل أزهر الكرم.. تعال معي، لا تضيع وقتك في العالميات. كفاك صيدًا للسمك، اترك شباكك، وتعال لنصطاد الناس. أي شرف أعظم من هذا، أن ترافق الله في رحلاته الرعوية، وتكون شريكًا للروح القدس في عمله؟! تعال، لتعمل معي. سأتكلم علي لسانك، سأعطيك الفكرة، سأعمل فيك وبك. ستكون مجرد متفرج تنظر كيف يزهر الكرم وكيف ينور الرمان. هناك أشجار إن لم نروها ونسمدها، ستموت، فاقبل الدعوة واخدم، "وإن سمعتم صوته، لا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 8) إنها دعوة للتكريس، دعوة للخدمة، دعوة للعمل لأجل أخوتك. تعال لكي نبيت في القري، نقضي النهار في العمل، والليل في الصلاة "لنبكرن في الكروم". نبكرن إليها، قبل أن تلوحها الشمس، قبل أن تقفز عليها الثعالب الصغار المفسدة للكروم. لا يكفي أن نغرس الكروم وإنما يجب أن نفتقدها أيضًا. هناك أعطيك حبي: هناك في الخدمة، في التعب، في التبكير، في محبتك لأخوتك في بنائك للملكوت. هناك أعطيك حبي. أتريد حبي. أخرج معي. لن أعطيك حبي في جبل التجلي وحده، بل في بستان جثسيماني وفي جبل الجلجثة. لن أعطيك حبي في مكان الجباية، ولا في سفينة الصيد، إنما هناك وأنت تتبعني. إن الله يحدد أماكن لقياه، حيث يعطينا حبه. نحن لا نفرض عليه مكانًا ولا وضعًا، بل هو يحدد. أعطي حبه ليوحنا في جزيرة بطمس، وأعطاه للثلاثة فتية في أتون النار، ولدنيال في جب الأسود. هناك أشخاص يظنون أنهم لا ينالون محبة الله إلا في حياة الخلوة و التأمل. وهنا يدعونا الله إلي الحقول، وفيها يعطينا حبه. جميل أن الله هو الذي يعطي هذا الحب، يسكبه فينا بالروح القدس (رو5:5). فلنصل أن نوهب هذا الحب، ولنلح في هذه الطلبة... "أعطني يا رب أن أحبك. أملأ قلبي من محبتك". سليمان طلب هذه الحكمة، وهي أعظم من العظمة والمال، وأعطاه الله إياها (1مل3: 9-12).. وسقط سليمان (1مل11: 4). ولكن المحبة لا تسقط ابدًا (1كو13: 8). مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها (نش8: 7). فاعطنا يا رب أن نحبك. لنخرج إلي الحقل:الحقل يرمز إلي ميادين الخدمة الروحية، أو يرمز إلي العالم كله الذي نعمل في كرازته (مت13: 38). والزارع هو الرب نفسه أو رسله وخدامه "أنا غرست، وأبولس سقي، ولكن الله كان ينمي" (1كو3: 6). والسيد المسيح بعد أول إيمان أعده في السامرة، قال لتلاميذه "ارفعوا أعينكم وأنظروا الحقول، إنها قد أبيضت للحصاد، والحاصد يأخد أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية.."أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه" (يو4: 35- 38) "إذن عبارة تعال يا حبيبي نخرج إلي الحقل"، معناها تعال نعمل معًا في خدمة الناس، نتعب من أجل خلاص الناس... تعال نخدم معًا، تعال لتعمل في شركة الروح القدس، وتشترك مع عمل النعمة، والإنسان لا يخدم وحده، لأن الرب قد قال "بدوني لا تقدرون إن تعملوا شيئًا" (يو15: 5). في كل مرة تخرج إلي الخدمة، ناد علي الرب قائلًا "تعال يا حبيبي نخرج إلي الحقول". أنا بدونك لا أستطيع شيئًا، سأتكلم ولكنك أنت الذي تضع الكلمة في فمي، وأنت الذي تعطي الكلمة قوة ومفعولًا. إن لم تذهب معي، لن أخرج وحدي إلي الحقل. هناك طريقان يصل بهما الإنسان إلي الله. ويتمتع به: (أ) طريق التأمل: في الجلسة الهادئة مع الرب عند خمائل الطيب. حيث يقول النشيد "حبيبي نزل إلي جنته، إلي خمائل الطيب" (6: 2)، هناك عند قدمي المسيح، مع مريم تسمع النفس وتتأمل، وتتمتع بالرب، في الهدوء، في السكون، في الوحدة، في حياة الصلاة، وحياة التأمل. (ب) أما الطريق الاخر فهو الخدمة، الخروج إلي الحقول، والمبيت في القري. وفي الخدمة سيأخد الإنسان من الرب كما يأخد من حياة التأمل، لأن النشيد يقول في الخروج إلي الحقول " هناك أعطيك حبي"... الملائكة أيضًا علي نفس النوعين: فيهم الذي يقف أمام الله مسبحًا قائلًا "قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت" مثل جماعة السارافيم (أش 6). وفيهم الملائكة الحالة حول خائفيه وتنجيهم، الذين قال عنهم الرسول "أليس جميعهم أرواحا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14). فإن كان الملائكة يعملون في الخدمة، أفلا نعمل نحن، لكي تكون مشيئة الله كما في السماء كذلك علي الارض؟! تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، فإن كثيرين محتاجون إلي العمل الدائب الدائم، وكيف يسمعون بلا كارز؟! (رو10: 14). تعال فإن المحبة تدفعنا أن نذهب إلي الحقول، وأن نبيت في القري، لكي نفتقد أخوتنا.."ومن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع4: 17). تعال يا حبيبي، لنخرج إلي الحقول، فإن الحصاد كثير والفعلة قليلون (مت9: 37). تعال، لأنه لا يوجد عمل اسمي من العمل لأجل خلاص أنفس مات المسيح لأجلها، ولا يوجد عمل أشرف من العمل مع الله. تعال نشترك مع الروح القدس في عمل الخلاص، تعال لنعمل مع الله: الله يعمل فينا، ويعمل بنا، ويعمل معنا، لنكون سفراء لله، خدامًا له نبني ملكوته، وننفذ مشيئته، ونرعي أولاده، ونقربهم إلي قلبه.. نجول نصنع خيرًا (أع 10: 38)، ونخلص علي كل حال قومًا (1كو9: 22). تعال يا حبيبي، لنخرج غلي الحقول، ولنبت في القري. تعال يا حبيبي، لنذهب إلي أخوتك المنسيين والضائعين "والذين ليس لهم أحد يذكرهم. تعال نعمل عمل الملائكة الأرضيين والملائكة السمائيين "المرسلين للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص". ليس عمل الملائكة قاصرًا علي التسبيح، فإن يوحنا المعمدان الذي كان يهيئ الطريق قدام المسيح دعي ملاكًا. ورعاة الكنائس السبع دعوا ملائكة (رؤ2، 3)... الاهتمام بخدمة القري: تعال يا حبيبي نذهب إلي الحقول "ونبت في القري" إن الله يبدي هنا اهتمامًا خاصًا بالقري، لا نذهب إليها فقط، بل نبيت فيها، لأنها أكثر احتياجًا، لنباشر عمل الرب هناك: هل أزهر الكرم، هل نوَّر الرمان... |
||||
10 - 02 - 2014, 04:05 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
إجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعِدك (نش 8: 6) كلمة خاتم هنا معناها ختم. فيكون القلب مختوما به، وكذلك يكون الساعد (الذراع) مختوما، مثلما قال الرب للمدينة المقدسة " نقشك علي كفي" (أش 49: 16). عبارة الختم علي القلب تعني الحب والعاطفة. و الختم علي الساعد تعني العمل الجاد. فالمساعدة مشتقة من الساعد. و الختم علي كليهما يعني العاطفة التي تعبر عن ذاتها بالعمل. فلا يكفي فقط أن تحبني، بل أن تكون يدك معي أيضا، تعمل معي. ومن جهة التأمل في هذه الأية: يمكن أن تؤخذ كأنها موجهة من الإنسان إلي الله، ومن الله إلي الإنسان، ومن إنسان إلي إنسان غيره (أي في العلاقات البشرية). فإن كانت لك محبة من نحو الله والناس، ينبغي أن تكون المحبة في قلبك، وأيضا في عملك (في ساعدك). وإن كان سفر النشيد قد تكلم عن الحب، فلم يقصد به مجرد الحب في القلب " حبيبي لي، وأنا له" (نش 2: 16) بل قيل أيضا " شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نش 2: 6). أي أن الساعد مشترك مع القلب. هنا الحب والحنان معا. فالمحبة ليست مجرد عواطف وكلام. بل قال الرسول " لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1 يو 3: 18). الأم تحب أبنها، طفلها رضيعها، هو خاتم علي قلبها. وفي نفس الوقت هي تحمله وتحتمله، وتغذيه وترعاه وتنظفه وتداويه. هو خاتم علي ساعدها. و الأب يحب أولاده. محبتهم في قلبه. ولكنه يشتغل ويصرف عليهم (هم في ساعده). و لنتناول هذه الأية من جهة الله ومحبته للأنسان. لقد أحبنا الله " أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهي" (يو 13: 1). هنا المحبة في القلب. ولكنها في الساعد أيضا، في كل أعمال الرعاية، وكذلك في الفداء " هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). *إذن علي الصليب، كان الحب في القلب، وفي الساعدين المبسوطين وفي كل أنواع الرعاية، ظهر عمليا الحب الذي في القلب.. أحب الله الشعب المضطهد من فرعون، فظهرت يده القوية في تخليصهم منه: في الضربات العشر، ثم في شق البحر الأحمر. وبساعده اهتم بهم في البرية، بهدايتهم، وبإتزال المن والسلوى من السماء، وبتفجير الماء من الصخرة.. أحب دانيال الملقي في الجب، هذا عن القلب. وماذا عن ساعده؟ يقول دانيال: إلهي أرسل ملاكه , فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22). وبنفس الوضع مع الثلاثة فتية: تمشي معهم في النار، ولم يجعل لها سلطانا عليهم (دا 3). أحب يوسف الصديق، فجعله إنسانا ناجحا، وزوده بموهبة تفسير الأحلام، وأخرجه من السجن ليكون " رئيسا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8). وظهر قلب الله وساعده، فيما أجراه من معجزات. كانوا خاتما علي قلبه في قول الكتاب " لما أبصر الجموع تحنن عليها" (مت 9: 36) (مت 14: 14) (مر 6: 34). وفي معجزة الخمس خبزات والسمكتين، في قوله " إني أشفق علي الجموع.. لئلا يخوروا في الطريق" (مت 15: 32). ولم يكتف بالإشفاق، بل أعطاهم ليأكلوا وإشبعهم.. وأرملة نايين الباكية لموت ابنها وحيدها " لما راها الرب، تكنن عليها" (لو 7: 13). هذا من جهة القلب. أما عن ساعده، فأقام ابنها ودفعه إلي امه.. و ساعده أيضا يظهر في معجزات الشفاء، إذ كانوا يقدمون له المرضي، فيضع يديه علي كل واحد فيشفيهم" (لو 4: 40). *قلبه وساعده يظهران أيضا في أعمال المعونة والإنقاذ. وبهذا يتغني داود النبي في المزمور فيقول " لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.. مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب.." (مز 124). أحب لعازر. وقيل " بكي يسوع". ولما راه اليهود يبكي، قالوا " أنظروا كيف كان يحبه" (يو 11: 25، 16). ولم يكتف بحب القلب، بل أقام لعازر. هنا ساعده.. *قلبه وساعده ظهرا أيضا في أعمال المغفرة. لا شك أن مغفرة الله للخطاة تدل علي محبته، وأنهم خاتم علي قلبه. ومن أجمل الأمثلة هنا، معاملته لزكا العشار، الذي كان أيضا خاتما علي ساعده، فدخل إلي بيته، ولم يبال بانتقاد اليهود الذين تذمروا لدخوله إلي بيت رجل خاطئ. بل أكثر من هذا أنه دافع عن زكا وقال "إذ هو أيضا ابن إبراهيم " لذلك صرح قائلا " اليوم حصل خلاص لأهل هذا البيت" (لو 19: 9). مثال اخر محبته لتوما الذي شك في قيامته. وهكذا ظهر له، ومد ساعده وقال لتوما " هات أصبعك إلي هنا، وابصر يدي.. ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا " وهكذا فعل أيضا في أزالة شكوك كل تلاميذه (لو 24: 36 – 43). وظهرت محبته للموأة المضبوطة في ذات الفعل، أنه مد يده وكتب علي الأرض (غالبا خطايا المتامرين عليها). ونجاها منهم قائلا لهم " من كان منكم بلا خطية، فليرمها بأول حجر" (يو 8: 7). كذلك مع الخروف الضال: لم يكن فقط خاتما علي قلبه، بل أيضا ذهب وبحث عنه حتى وجده. وامتد ساعده فأخذه " وحمله علي منكبيه فرحا" (لو 15: 5). وهكذا فعل أيضا مع الدرهم المفقود (لو 15: 8). *قلب الله وساعده ظهرا أيضا في أعمال الرعاية: إنه ليس فقط يحب غنمه، بل أيضا " يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11) بل يقول أيضا " وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلي الأبد. ولا يخطفها أحد من يدي" (يو 10: 28). لماذا؟ لأنها " خاتم علي ساعده". ولأنها خاتم علي ساعده، لا يجعلها معوزة شيئا، بل " في مراع خضر يربضها، وغلي ماء الراحة يوردها. يهديها إلي سبل البر" (مز 23). وهكذا يقول " أنا أرعي غني وأربضها.. واطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح.." (حز 34: 15، 16). أليست هذه أعمال ساعده؟.. ومن عمل ساعده في أعمال الرعاية، قوله إذا وقع خروفك في يوم سبت، ألا تقيمه؟ (مت 12: 11) ز هذا يقودنا إلي نقطة أخري هي: *قلب الله وساعده في عمل التوبة والخلاص: إننا خاتم علي قلبه " يريد أن الجميع يخلصون، وإلي معرفة الحق يقبلون" (1 تي 2: 4). ولا يسر بموت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا" (حز 18: 23).. ولكنه لم يكتف هنا بأن نكون مجرد خاتم علي قلبه، بل جعلنا أيضا خاتما علي ساعده. وكيف؟ بأن أرسل إلينا الأنبياء والوحي والوصايا. وكلف رسله بخدمة المصالحة، ينادون لنا " أن اصطلحوا مع الله" (2 كو 5: 20). وبالإضافة إلي هذا، منحنا النعمة وعمل روحه القدوس "يبكتنا علي خطية" (يو 16: 8) ويذكرنا بكل ما قاله الرب لنا (يو 14: 26). وأرسل إلينا ملائكته " كأرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). اه يا رب، أنا أعرف أنك جعلتني خاتما علي قلبك، إجعلني أيضا خاتما علي ساعدك، وساعدني بكل قوتك علي خلاص نفسي. لا تتركني.. من جهة البشر: تكلمنا عن الله – تبارك اسمه – وكيف أنه جعلنا خاتما علي قلبه وخاتما علي ساعده. وبقي أن اسأل: هل يفعل البشر هكذا في علاقتهم مع الله؟ كلنا نقول إننا نحب الله، وقد جعلناه خاتما علي قلوبنا. فهل جعلناه أيضا خاتما علي سواعدنا؟ وهل يظهر هذا في حياتنا العملية؟ أمثلة توضح كيف يكون الله خاتما علي سواعدنا، ولا يكون كذلك: *كان السيد المسيح خاتما علي قلب بطرس، حينما قال له بطرس " ولو أنكرك الجميع لا أنكرك " " لم شك فيك الجميع، فأنا لا أشك" (مت 26: 33) (مت 26: 35) " أنا مستعد أن أذهب معك إلي الموت وإلي السجن" (لو 22: 33). ولكنه لم يجعل السيد علي ساعده، حينما أنكره ثلاث مرات، وسب ولعن وقال " لا أعرف الرجل" (ت 26: 74). كان علي ساعده (و إنما بطريقة خاطئة) حينما سئل سيفه دفاعا عنه وقطع أذن العبد (يو 18: 10) وحينما جاهد من أجله فيما بعد. وقال " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " (أع 5: 29) وأيضا حينما صلب بسب إيمانه به، كان الرب خاتما علي قلبه، وخاتما علي ساعده. *أيضا باقي التلاميذ كان الرب خاتما علي قلوبهم (مت 26: 35) ولكنه لم يكن خاتما علي سواعدهم حينما هربوا وقت القبض عليه (مت 26: 56) ثم أصبح الرب خاتما علي قلوبهم وسواعدهم بعد حلول الروح القدس عليهم (أع 2). *أيضا الذين أنكروا الرب في عصر الاستشهاد ثم عادوا فتابوا، كان الرب خاتما علي قلوبهم، ولم يكن خاتما علي سواعدهم وقت إنكارهم. *أما الشهداء والمعترفون، فكان الرب خاتما علي قلوبهم وعلي سواعدهم.. وكذلك أيضا كل أبطال الإيمان، الذين جاهدوا واحتملوا بسب إيمانهم. عناصر في جعل الله خاتما علي سواعدنا: 1-في عمل الرعاية وبناء ملكوته: قال السيد الرب لبطرس " أتحبني.. ؟.. أرع غنمي.. أرع خرافي" (يو 21: 15، 16). أي إن جعلتني خاتما علي قلبك، فاجعلني خاتما علي ساعدك برعاية أولادي.. كإنسان يقول للرب: أنا جعلتك خاتما علي قلبي. والدليل علي ذلك إنني أحمل أولادك علي ذراعي.. ينطبق هذا علي كل بناة الملكوت، كل الرسل والمعلمين الحقيقيين. 2-كل الذين يتعبون في الخدمة من أجل الله. مثلما قال بولس الرسول " جاهدت الجهاد الحسن.. حفظت الإيمان" (2 كو 11: 23). وكما قال لتلميذه تيموثاوس " اعكف علي الكلمة" " عظ، وبخ، انتهر، بكل أناة وتعليم " (2 تي 4: 2). 3-يحفظ الوصايا، وحياة القداسة. قال الرب " إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي" (يو 15: 10). " من يحبني " أي من يجعلني خاتما علي قلبه. يحفظ وصاياي، أي يجعلني خاتما علي ساعده، بأن يجاهد في تنفيذ أوامري. وبهذا يكون نقيا في قلبه. هنا الارتباط الوثيق بين الخاتم علي القلب والخاتم علي الساعد. قال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولي " من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته، فحقا في هذا قد تكملت محبة الله" (1 يو 2: 4، 5). 4-تجعل الرب خاتما علي ساعدك، بالطاعة. *أبونا إبراهيم أبو الاباء، كان الرب خاتما علي قلبه، ومن أجله ترك أهله وعشيرته وبيت أبيه (تك 12: 1) ومضي وهو لا يعلم إلي أين يذهب (عب 11: 8). بهذا كلن الله علي ساعده أيضا، وبالأكثر حين أطاع الله في تقديم ابنه وحيده الذي يحبه إسحق، ورفع ساعده بالسكين ليقدمه محرقة لله (تك 22). *الملائكة يحبون الله، هو خاتم علي قلوبهم، وهم أيضا يجعلونه خاتما علي سواعدهم، يقول الكتاب عنهم " الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20). 5-نجعل الله خاتما علي سواعدنا، بالاهتمام ببيته. *حينما سمع نحميا أن أورشليم مهدمة وأبوابها محروقة بالنار، يقول " لما سمعت هذا، جلست وبكيت، ونحت أياما وصمت وصليت" (نح 1: 4) هنا كان الله خاتما علي قلبه. ولكنه لم يكتف بهذا، بل كلم الملك أرتحشستا وذهب فعلا وبني سور أورشليم، واحتمل في سبيل ذلك الكثير. فكان الرب بذلك خاتما علي ساعده. *كذلك كان داود النبي، حينما أعد كل العدة لبناء بيت الله. *وكذلك كل من يصرف علي تعمير الكنائس والأديرة، مثلما كان يفعل المعلم إبراهيم الجوهري. وأيضا من يهب بيته ليكون كنيسة كما فعلت مريم أم مرقس الرسول (أع 12: 12). وكما فعل أكيلا وبريسكلا (رو 16: 5). وكما فعل نمفاس في لاوديكية (كو 4: 15) وغيرهم. كل هؤلاء، كان الله خاتما علي قلوبهم، وعبروا عن ذلك بأن وهبوا بيوتهم لله. وبرهنوا بذلك علي أن الله خاتم علي سواعدهم. وفي هذه النقطة لا ننسي ما فعلته: الملكة القديسة هيلانة. 6- أيضا جعلوا الرب خاتما علي سواعدهم: اولئك المتوحدون والنساك: بسب محبتهم للملك المسيح، كان خاتما علي قلوبهم. وعبروا عن كونه خاتما علي سواعدهم، بأن تركوا من أجله العالم وكل مشتهياته، احتملوا الام الوحدة ومتاعب الطبيعة، والنسك والصوم والسهر. 7- كذلك الذين يحيون حياة التسبيح والصلاة الدائمة. سواء كانوا من السواح والرهبان. ومثل طائفة السارافيم الذين يسبحون قائلين " قدوس قدوس قدوس.." (أش 6: 3). ومن يجاهدون في الصلاة وفي التأمل قدر طاقتهم، ويأخذون طقس مريم التي جلست عند قدمي المسيح، تسمع وتتأمل (لو 10: 39). 8-نضم إلي هؤلاء: الذي يعترف باسم الرب، ويجاهر باسمه. مثال ذلك يوسف الرامي في قصة صلب المسيح. كان التلاميذ خائفين، والبعض أنكر. أما هو فذهب إلي بيلاطس، وطلب جسد يسوع بعد موته (مر 15: 43). ولم يخف، وكفنه، ودفنه في قبرجديد له، معلنا إيمانه به، واهتمامه بجسده وهو ميت. 9-يجعل الرب خاتما علي ساعده أيضا، من له غيرة مقدسة في الدفاع عن أسم الرب. مثال ذلك الشاب داود, لما سمع جليات الجبار يجدف علي اسم الرب وشعبه. حينئذ أخذته الحمية , وقال: من هذا الأغلف حتى يعير صفوف الله؟.. لا يسقط قلب أحد بسببه (1 صم 17: 26، 32). ولم يبال بقوة الرجل وجبروته، وبأن الجيش كله خائف منه. بل ذهب ليحاربه وهو لا يملك سوي المقلاع وبعض حصوات ملساء! 10-أيضا يجعل الرب خاتما علي ساعده، من يضبط جسده ونفسه. و يقول مع القديس بولس الرسول " اقمع جسدي واستعبده" (1 كو 9: 27). من أجل محبة الله الذي جعله خاتما علي قلبه، يجاهد شهواته، ويصلب الجسد مع الأهواء (غل 6: 24). وبهذا يجعل الرب خاتما علي ساعده، لأنه يعمل من أجله مجاهدا نفسه، متأثرا بتوبيخ الرسول الذي قال " لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). 11-عبارة " اجعلني خاتم علي قلبك، كخاتم علي ساعدك " تشمل الإيمان والأعمال. " خاتم علي قلبك " تشير إلي الإيمان. و" خاتم علي ساعدك " تشير إلي الأعمال. ولا يمكن أن تستقيم حياة الإنسان الروحية بدون الاثنين معا. فالخاتم علي الساعد ثمر للإيمان , ثمر للخاتم علي القلب. 12-أحيانا تكون وسائط النعمة خاتما علي ساعدك، وليست خاتما علي قلبك! مجرد عمل خال من الحب. *كالعبادة التي تتحول إلي روتين، وتخلو من العاطفة والحب. وقد وبخ الرب أمثال هؤلاء قائلا "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا" (مت 15: 8). فهو ليس خاتما علي قلبه. وبالمثل ما قاله الرب عن كل العبادات المرفوضة منه.. *وهكذا كان الفريسيون، يدققون كثيرا في تنفيذ الشريعة، بدرجة وصلت إلي الحرفية، كأنها خاتم علي سواعدهم! وفي نفس الوقت لم يكن الله خاتما علي قلوبهم. إذ كانت قلوبهم مركزة في الذات والعظمة! ونجد مثالا واضحا لذلك في قصة الفريسي والعشار. حيث قال الفريسي "أشكرك يا رب أني لست مثل سائر الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه" (لو 18: 11 , 12). كان الله خاتما علي ساعده بكل هذه الأعمال.. ولكنه لم يكن خاتما علي قلبه. لذلك لم ينزل من الهيكل مبررا (لو 18: 14). *مثال اخر: من يدق صليبا علي ذراعه، ومن تعلق صليبا علي صدرها. و يكون كل منهما بعيدا عن محبة الله. فالله خاتم علي ساعده وليس خاتما علي قلبه! وبالمثل كل من هن مسيحي بمجرد الاسم.. في معاملات الناس: *هناك النخوة والشجاعة، في القلب وفي العمل. مثال ذلك موقف ابينا إبراهيم، لما سمع عن سبي لوط ضمن سبي سادوم. كان لوط خاتما علي قلبه، فلم يحتمل أن يتركه مسبيا، وتحركت النخوة في قلبه. ولكنه لم يكتف بهذا. بل يقول المتاب: فلما سمع ابرام أن أخاه سبي، جر غلمانه المدربين، ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر". وهكذا حارب ورد سبي لوط وسادوم (تك 14: 14 – 16). بهذا اشترك ساعده مع قلبه. *مثال اخر هم دفاع الجندي عن وطنه. بمحبته لوطنه، يكون وطنه خاتما علي قلبه. ولكنه يصبح أيضا خاتما علي ساعده، حينما يحمل هذا الجندي سلاحا ويدافع عن وطنه. وقد يجرح ويقتل من أجله. أمثلة أخري، يكون فيها الخاتم علي القلب، خاتما علي الساعد: *موقف بولس الرسول من أنسيموس عبد فليمون: كان خاتما علي قلبه، في قوله عنه " ابني أنسيموس الذي لودته في قيودي.. الذي هو أحشائي" (فل 10، 12) " لا كعبد فيما بعد، بل أفضل من عبد، أخا محبوبا ولاسيما إلي" (فل 16).. وكان أنسيمس خاتما علي ساعد القديس بولس، في قوله عنه لفليمون " إن كان ظلمك بشئ. ولك عليه دين، فاحسب ذلك علي. أنا بولس كتبت بيدي، أنا أوفي" (فل 18، 19). *مثال اخر في معجزة الخمس خبزات والسمكتين: لم يكتف السيد الرب باشفاقه علي الشعب وعدم صرفهم جوعانين. وإنما جعلهم خاتما علي ساعده، حينما بارك الخبز القليل وأعطاهم، فشبعوا وفضل عنهم.، إعطانا درسا حينما قال لتلاميذه "أعطوهم ليأكلوا" (لو 9: 13). إذن لا يكفي أن نظهر اشفاقنا علي الفقراء، وأن نكتب ذلك في مقالات. فالخاتم علي القلب وحده لا يكفي. إنما يجب أن نعطيهم ليأكلوا، بذلك يكونون خاتما علي سواعدنا أيضا. *كذلك أيضا في معاملاتنا للأطفال، لا يكفي فقط أن نحبهم، إنما نظهر حبنا لهم بما نقدمه من هدايا ومن ملاطفة. إن العاطفة خاتم علي القلب. أما العطاء فهو خاتم علي الساعد، وتعبير عملي عن الخاتم الذي علي القلب. و السيد المسيح لم يأمر تلاميذه فقط بأن يتلمذوا الناس ويعمدوهم ويعلموهم (مت 28: 19، 20). إنما قال لهم أيضا: " اشفوا مرضي، طهروا برصا، اقيموا موتي، اخرجوا شياطين" (مت 10 ك 8). وبذلك يكون الناس خاتما أيضا علي سواعدهم.. وقال كذلك " مهما فعلتموه بأخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم" (مت 25: 40). *فمثلا ابن يحب أباه، ويجعله خاتما علي قلبه. يحب أيضا أن يجعله خاتما علي ساعده: بأن يحترمه، ويهتم به في شيخوخته ويعوله، كما فعل يوسف الصديق مع أبيه يعقوب في أرض مصر (تك 47). هناك أمثلة عكسية لا يتفق فيها الخاتمان معا (القلب والساعد) *يعقوب أبو الأباء: لاشك أنه كان يحب أباه إسحق ويحترمه ويجعله خاتما علي قلبه ويطلب بركته ويسعي إليها. لكنه لم يجعل أباه خاتما علي ساعده، حينما خدع أباه وكذب عليه وقال له "أنا عيسو بكرك" (تك 27: 19). *كذلك في قصة أصحاب أيوب، لما أتوا إليه في تجربته، أظهروا أنه كان خاتما علي قلوبهم حينما حزنوا عليه " ورفعوا أصواتهم وبكوا، ومزق كل واحد جبته، وذروا ترابا فوق رؤسهم.." (أي 2: 12). ولكنه لم يكن خاتما علي سواعدهم في كلامهم معه، حينما أخزوه، ولم يراعوا شعوره، بل اتهموه ظلما وأثاروه.. *نحن نحب ملكوت الله ونجعله خاتما علي قلوبنا، فهل جعلناه خاتما علي سواعدنا بالعمل لأجله. إننا نقول "مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات" (مز 84: 1). فكما أنها هكذا خاتم علي قلوبنا، هل جعلناها خاتما علي سواعدنا، بالخشوع فيها ودوام التردد عليها؟! |
||||
التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 10 - 02 - 2014 الساعة 04:12 PM |
|||||
10 - 02 - 2014, 04:16 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
في الليل على فراشي (نش 3: 1) نود ان نتأمل في قول عذراء النشيد: "في الليل على فراشي، طلبت من تحبه نفسي- طلبته فما وجدته. إنى أقوم وأطوف في المدينة, في الأسواق وفي الشوارع, أطلب من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته" (نش3: 1, 2). عبارة "في الليل" لها معنيان: إما الليل بمعناه الحرفى. وإما الليل بمعناه الرمزى, أي في الظلمة, في الحيرة وفي ظلمة القلب, في التعب الروحي الذي أنا فيه.. "وعلى فراشي" تعنى: في كسلى, في تهاونى, في رقادى, في بعدى عن الله.. في كل هذا "طلبته فما وجدته".. أو يقصد بها معناها الحرفي. والتى تقول هذا, إما أنها إنسانة أممية وسوداء, ليست من شعب الله. وهى نفس خاطئة كسلانة, راقدة على فراشها, لم تفتح بعد قلبها للرب, "فتحول عنها وعبر" وهى نفس تعيش في مرحلة التخلى. لقد تخلى عنها الرب- ولو جزئيا- لذلك هى تصرخ وتقول "طلبته فما وجدته". عجيب أن إنسانا يطلب الله فلا يجده. بينما قال الرب "أطلبوا تجدوا" (مت7: 7). وهو الواقف على الباب يقرع لنفتح نحن له! (رؤ3: 20). وأيضا هو القائل "من يقبل الى ,لا أخرجه خارجا" (يو6: 37). إذن لماذا هذا التخلى منه تجاه نفس تطلبه؟! إن التخلى يأتى أما بسبب الإنسان, ولحكمة الله في التدبير. قد يأتى بسبب قسوة الإنسان, وعناد وإصراره على الخطية, ورفضه أنذارات الله المتكررة, ورفضه عمل النعمة, كما سلك فرعون.. وبسبب عدم استسلامه للروح القدس, وعدم استجابته لنداء الله ونداء الضمير.. فيصل إلى مرحلة التخلى, التي قد تتطور إلى حالة الرفض الكامل.. وربما يتخلى الرب جزئيا ومؤقتا عن إنسان, حتى لا يرتفع قلبه في بره. فيقود هذا التخلى إلى الإتضاع. إنسان سالك في البر. وربما يظن أنه قد وصل! فيرتفع قلبه.. ويحارب بهذا. فيتخلى الرب عنه- ولو قليلا –لكى يعرف ضعفه. أو قد يكون بارا. وفي عدم سقوطه, لا يشفق على الساقطين. فيتخلى عنه الرب فيسقط وحينئذ يحنو على الخطاه, إذ قد جرب حروب العدو وشدتها. ويعرف حكمة الرسول في قوله "أذكروا المقيدين أنكم مقيدين معهم و(أذكروا) المذلين كأنكم أنتم أيضا في الجسد" (عب13: 3) إذن ليس كل الذين يتخلى عنهم الرب أحيانا, كانوا أشرارا وساقطين! من تحبه نفسي: "في الليل على فراشي, طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته". إن عبارة "من تحبه نفسي", قد تكررت هنا كثير.. وعجيب أن هذه العروس- على الرغم من كسلها وسوادها وتهاونها- لا تزال تكرر القول بأنها تحب الرب!! وكأنها تقول: إننى أخطئ, ولكننى احبك. المحبة موجودة "لم تسقط أبدا" (اكو 13: 8) على الرغم من الضعف البشرى, الذي بسببه قد اسقط أحيانا. مثلما حدث للقديس بطرس الرسول الذي "أنكر الرب ثلاث مرات" (مت26: 75). ومع ذلك قال له بعد القيامة: "انت تعلم يا رب كل شيء. انت تعلم انى أحبك" (يو21: 17). ومثلما قال القديس بولس الرسول "الإرادة حاضرة عندى. أما أنا افعل الحسنى فلست أجد لانى لست افعل الصالح الذي أريد, بل الشر الذي لست أريده, فإياه أفعل" (رو7: 8, 19). "انا يا رب نائمة حقا, ولكنى أحبك. إننى أخطئ حقا ولكنى أحبك. انا أحبك من أعماقى. ولست أفعل الخطية عن نقص في محبتى. بل عن ضعف, وتعود, وعثرة, ولشدة الحرب, ولدوافع خارجة عنى.. حقا اننى لا أعمل اعمالا تليق بمحبتى لك. ولكنى على الرغم من ذلك أحبك. إن حبى لك يشبه بذرة حية, فيها عناصر الحياة. ولكن لها حياة كامنة لم تظهر بعد.. ربما لو توفرت لها التربة الخصبة والماء والرى وكل ظروف الإنبات, لظهرت هذه الحياة في خذور وساق وفروع وأوراق أزهار وثمار.. هكذا أنا. ولكن عدم ظهور حياة الحب في, لا يمنع أنها موجودة.. ! في الليل على فراشي: · زكا العشار طلب الرب في الليل, وهو على فراشه, في الظلمة الظلم (لو19). لم يترك اعمال العشارين ويطلب الرب. بل طلبه وهو رئيس العشارين. حتى أن اليهود تذمروا على السيد كيف يدخل بيت رجل خاطئ! (لو19: 7). · واللص اليمين, طلب الرب بالليل, على فراشه على الصليب (لو23: 42). · أوغسطينوس طلب الله وهو في عمق الليل, في عمل الخطية والشك! · مريم القبطية, بيلاجية, موسي الأسود.. كل أولئك طلبوا الرب في الليل! المهم أن كل هؤلاء طلبوا الرب في الليل وعلى فراشهم فوجدوه. أما هذه العذراء فقط طلبته, ولم تجده! وعلى الرغم من ذلك ظلت تسعى وراءه حتى وجدته (نش3: 3, 4). هناك نوعان من الناس في طلب الله, وهم خطاة.. خاطئ يجاهد, وينتظر حتى يتطهر ويتقدس, فيجرؤ أن يتصل بالله. وخاطئ اخر لا ينتظر ذلك, بل – في خطيئته وسقوطه – يطلب الله, لكي يطهره الله ويقدسه. وكأنه يقول للرب: لست أنتظر حتى أتطهر فأطلبك. إنما أطلبك لكي تطهرنى. لست أنتظر حتى أصير مجتهدا وقويا في الروح ثم أطلبك, إنما وأنا كسلان, سأطلبك الآن لكي تنجينى من كسلى وتقوينى. هل أتوب أولآ ثم أطلبك؟! أم أطلبك وأقول "توبنى فأتوب" (ار31: 18) نعم, ساطلبك وانا بعيد عنك, لكي تقربنى أنت إليك. سأطلبك وانا على فراشى, لكي توقظنى من نومى. أطلبك وانا في الخطية, لكي تنجينى منها.. النية موجودة عندى. ولكنى لم أسر بعد في الطريق, بل أطلب نعمتك لكي تقودنى.. إن الابن الضال لم يلبس الحلة الأولى وهو في كورة الخنازير, إنما ألبسه أبوه إياها (لو15: 22). وقد رجع هو إليه بثيابه المتسخة.. إن الله يريدك أن تأتى إليه كما أنت, فلا تنتظر. لا تنتظر حتى تصل إلى الصلاة الطاهرة, ثم بعد ذلك تصلى! كلا, بل صل حتى وأنت في طياشة الفكر, وعدم الفهم وعدم القابلية! حينئذ يمنحك الله الصلاة الطاهرة, مكأفاة على ثباتك وأنت في ضعفك. · "في الليل على فراشي, طلبت من تحبه نفسي". لو كان الذين يطلبونك يا رب هم القديسون وحدهم, لضعنا جميعا.. ولكن الخطاة أيضا يطلبونك. وهذا يعطينا رجاء. جميل جدا, ومعز للغاية, أن يشعر الواحد منا أن الله في وسط الليل, أوجد نجوما وكواكب تنير ظلمة الليل.. كذلك, وأنت في ظلمة الخطية, هناك أضواء تحيط بك, يكفى أنك مازلت تحب الله وتطلبه. أنا يا رب أريد أن أكون معك, حتى وانا في الخطية!! إن الخطية تحطم النقاوة في حياتى, ولكنها لا تحطم عواطفى نحوك. مثل ابن يخالف أباه لتحقيق شهوة ما, ولكنه لا يزال يحب أباه.. "في الليل على فراشي, طلبت من تحبه نفسي". طلبته وانا على فراشي. ليس في الكنيسة, ولا في أماكن العبادة, ولا في أجتماع روحى.. لذلك لا تحتقر الذين لا يحضرون الكنيسة. ربما يطلبون الله على فراشهم. ربما كلمة (الليل)، تعنى أيضا الليل بمعناه الحرفى. فقد لا أجد فرصة التقى فيها مع الله, خلال ضوضاء النهار, وزحمة الناس, وكثرة اللقاءات, وكثرة المشغوليات, وما يقدمه النهار من مشاكل وأحداث وأخبار, أكون في وسطها مثل التائه.. ولكننى في الليل, في هدوئه وسكونه, أجد فرصة للإنفراد بك. وهكذا "في الليل على فراشي, طلبت من تحبه نفسي" حسب قول المزمور: في الليالى أرفعوا أيدكم أيها القديسون, وباركوا الرب (مز 134). نعم, في الليل على فراشي. ولذلك حسنا قال الرب عن الصلاة: "أدخل الى مخدعك" (مت6: 6). كذلك قول المرتل في المزمور " الذي تقولونه في قلوبكم, أندموا عليه في مضاجعكم" (مز4). إذن ما معنى: طلبته في الليل, فما وجدته؟ انا أتيت في الليل, وفكرى مشغول بأحاديث وأحداث النهار, فلما طلبتك لم أطلبك بفكر مركز فيك, بل وانا مهتم ومضطرب لأجل أمور كثيرة, "بينما الحاجة الى واحد" (لو10: 41, 42). لهذا ما وجدتك! أو ربما لم أجدك, لأن هناك حواجز بينى وبينك. لهذا أنا أدعو, وأنت لا تستجيب. وأشعر أنه تقف أمامى عبارتك التي تقول فيها "حين تبسطون أيديكم, استر وجهى عنكم. وإن أكثرتم الصلاة, لا أسمع. أيديكم ملآنة دما" (اش1: 15). توجد حواجز بينى وبينك, لأننى تركت محبتى الأولى, وفقدت الدالة التي كانت تربطنى بك, وخنت عشرتك.. وأشعر في مذلة نفسي ان كلماتى لا تدخل إليك, وكأننى لست ابنك!! أريد أن اصطلح معك, واسترجع المحبة القديمة التي كانت بيننا. أريد أن أعتذر إليك, وأطيب قلبك من جهتى. نعم أريد. عذراء النشيد, كانت أحكم من أبينا آدم حينما أخطأ. أبونا آدم أخطأ, فهرب من الله, وأختبأ خلف الشجر (تك3: 8). أما عروس النشيد, فإنها تسعى إلى الله لكي تجده, حتى لو كانت في حالة سيئة! لكي يوجد حديث وسعى وبحث في الشوارع والأسواق عنه. حقا يا رب إننى في مرحلة تخلى. ولكنى سأسعى وراءك بكل قوة لكي أرجع علاقتى بك. سأبحث عنك, واسأل الناس عنك, حتى أجدك.. احترس يا أخى إذن من جهة علاقتك بالله. لا تقل قد تخلى الرب عنى, سأتخلى أنا أيضا!! لا صلاة ولا كنيسة ولا اعتراف.. ! قل له: أنت لو تخليت عنى, فلن تخسر شيئا. أما أنا فسوف أفقد كل شيء. إن تخليت عنى سأضيع. لأن فيك وجودى وحياتى ومصيرى. لو تخليت عنى, سأجرى وراءك في الشوارع والأسواق, وأقوم وأطوف في المدينة أطلب من تحبه نفسي (نش3: 2) سأفتش عليك في كل موضع, لأننى بدونك لا أستطيع شيئا (يو15: 5). وإن كنت غاضبا منى, وغاضبا على, سأحاول أن أصالحك وأعتذر إليك. لن أهرب منك كما فعل جدى آدم, إذ "بك نحيا ونوجد ونتحرك" (اع17: 28). وكما قال عبدك الرسول بولس "لى الحياة هى المسيح" (في1: 21). نفسي على فراشها. ولكنها فترة مؤقتة, ستزول بعد حين. مجرد كسل عارض, فلا تحسبه صفة العمر كله. حقا إننى تركتك يا رب بعض الوقت, وجريت وراء شهوات العالم. ولكنها مجرد شهوات وليست حبا. فالحب بحقيقته هو لك وحدك, الحب كله في عمقه. أما ما يربطنى بالعالم, فهو مشاعر طارئة زائلة, مجرد ملاذ وقتية لا يمكن أن ترتقى إلى مستوى الحب. لأن الحب هو عاطفة عميقة عميقة, في عمق أعماق القلب, الذي هو لك, وأنت له. العالم بالنسبة لي كان عرضا لا جوهرا. أما الحب فهو لك, والقلب هو لك, أنت الذي تحبه نفسي, حتى إن اشتهت غيرك أحيانا. تقول عروس النشيد: طلبته فما وجدته. ولكن ليس معنى هذا أننى سوف لا أجده طول العمر! فإن لم أجده اليوم سأجده غدا. ذلك لأن نفسي لا تستطيع أن تحيا إن لم تجده, فهى لا تحيا بدونه. كما أنه- فيما أبحث عنه- هو يبحث أيضا عنى حتى يجدنى. ومتى وجدنى, سوف يضعنى على منكبيه فرحا, كما فعل مع خروفه الضال حينما وجده (لو15: 4, 5). إن هذه العروس تعطينا مثالا للنفس التي لا تيأس مهما فقدت الرب! وكما يقول الرب "بصبركم تقتنون أنفسكم" (لو21: 19). هذا التخلى من الله كانت له فائدته, لأن النائمة قامت. تركت فراشها, وظلت تبحث عنه. تحركت وتقدمت وطلبت (نش3: 2). وهكذا بتخلى الله الجزئى, يجعلنا نتحرك. إذ لا يصح أن نستلقي على ظهورنا وننام, ونطلب من النعمة أن تعمل كل شئ!! إن كان روح الله يعمل فينا, فيجب علينا أن نشترك مع روحه في العمل. فهذه هى "شركة الروح القدس" كما يذكرها الكتاب (2كو13: 14). إنك قد قلت يا رب "من يحبنى يحفظ وصاياى".. وأنا أحبك, ولكننى لم أحفظ وصاياك بعد!! إذ لم أصل حتى الآن إلى هذه الدرجة. ومع ذلك فإننى أطلبك, لكي تعطينى القوة التي أحفظ بها وصاياك. فأحبك حينئذ بالعمل, وليس بمشاعر القلب فقط. |
||||
10 - 02 - 2014, 04:17 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
في الليل على فراشي طلبت مَنْ تحبه نفسي (نش 3: 1) تقول عذراء النشيد "في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته" (نش 3: 1). وقلنا ان هذا يدل علي أنها تجتاز مرحلة من التخلي. وهنا عبارة (علي فراشي). تدل علي الكسل والتهاون. ذلك أن الحياة الروحية، ليست كلها متعة دائمة مع الله. فقد تتخللها أحيانا فترات من الضعف والفتور، والمحاربات التي ربما يسقط فيها الإنسان، ويفقد محبته الأولي (رؤ 2: 4). وكما يقول الكتاب " الصديق يسقط سبع مرات ويقوم " (أم 24: 16). فالشيطان يحسد اولاد الله. وقد يحاول أن يغربلهم كالحنطة (لو 20: 31). كما فعل مع الاباء الرسل! لذلك لا تستطيع النفس البشرية أن تحتفظ بثباتها في الرب كل حين، وتقول علي الدوام " شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني " (نش 2: 6). لعل هذا يذكرنا بما قيل في سفر التكوين " مدة كل أيام الأرض: زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل، لا تزال" (تك 8: 22).. فأن وقعت في يوم برد، ومر بك ليل، لا تتضايق. بل استمر ثابتا في الرب. انتظر بعد الليل نهار، وبعد البرد حر. كلمة (الليل) كما تشير إلي الظلام روحيا، تشير أيضا إلي هدوء الليل. هدوء الليل وسكونه، وبعده عن الضوضاء وعن المشغوليات، حيث تهدأ الطبيعة بعيدا عن شغب الليل وضجيجه، ويفرغ الإنسان عن دوامة العمل، ومن دوامة الأخبار، ويخلو إلي ذاته، لكي يخلو بذلك مع الله: يتحدث معه، ويتمتع به. لذلك قال أحد الأباء "الليل مفروز لعمل الصلاة، وللعمل مع الله" أي أنه مخصص بهدوئه للعمل الروحي، إذ يصلح سكونه لذلك. قيل عن اليسد المسيح إنه كان يقضي الليل كله في الصلاة (لو 6: 12). وقيل في المزمور " في الليالي أرفعوا أياديكم أيها القديسون و باركوا الرب" (مز134). وكانوا الأباء المتوحدون ينامون قليلا في النهار ويسهرون الليل كله في الصلاة. كما حكي عن القديس الأنبا أرسانيوس الكبير الذي كان يقف للصلاة وقت الغروب، والشمس وراءه. ويظل في صلاته حتى تطلع الشمس من أمامه.. قال أحد الروحيين: أكسبوا صداقة الليل حتى تكون لكم حياة روحية في النهار. تجترون فيها ما اختزنتم من روحيات أثناء الليل. حتى علي الفراش ينشغل الإنسان بالله، فيصير فراشه مقدسا.. كما قال داود النبي " كنت أذكرك علي فراشي، وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لك" (مز 63).. أنا يا رب لك باستمرار. في ليلي وفي نهاري. كنت قائما وراكعا علي فراشي. إن الليل قد لا يكون كله مظلما وحالكا. وداكن العتمة. فأحيانا توجد فيه بعض أضواء.. نور السماء ونور النجوم لإضاءة الليل. و كلما نذكر أن الله افتقد الليل في ظلامه، وخلق الله القمر والنجوم لإضاءته، ولتخفيف ظلمته. حينئذ نتعزي.. مبارك أنت يا رب. إنك لست إله النهار فقط، وإنما إله الليل أيضا. علي الرغم من ظلامه، لا تتركه رعايتك.. لولا رعايتك لليل، ما استطعت – في خطيئتي وكسلي – أن أفول " في الليل علي فراشي طلبت من تحبه نفسي".. طلبت من تحبه نفسي: وكأن هذه النفس – من علي فراشها – تقول للرب: حقا إنني في ليل. ولكنني لست بعيدة عنك. وقد تكتنفني الظلمة من الخارج. ولكن روحك لا يزال في الداخل ينير أعماقي. أنا في الليل. ولكن هذا الليل لابد وراءه فجر، ووراءه نهار أنا في حياة الخطية والفتور والكسل. ولكني مع ذلك مازلت أطلب من تحبه نفسي. هذا الليل لا يجلب اليأس، لأنه ليس مظلما كله. وحتى إن كان مظلما، أنت قادر يا رب أن تنيره , لأنك أنت النور الحقيقي. إنني أحيانا أقع في الخطية، ولكنني مع ذلك لست أحبها. بل أحبك أنت. وينطبق علي حالتي قول القديس بولس الرسول " الشر الذي لست أريده، أياه أفعل.. " (رو 7: 19، 15). الخطية بالنسبة إلي هي عمل خارجي، وليست في داخلي. هي ضعف مني وعجز وإهمال. وأفعلها بحكم العادة، وبضغط ظروف خارجية. ولكنها لا يمكن أن تكون كراهية مني لك يا رب وخيانة!!! إنني مهما أخطأت وسقطت، فمازلت أحبك يا رب. ما زلت أطلبك. وأنا علي فراشي. أما الخطية فإنني أجاهد لكي أتخلص منها. وأحيانا لا أجاهد، ومع ذلك أود من كل قلبي أن أتخلص منها. وأحيانا لا أجاهد، ومع ذلك أود من كل قلبي أن أتخلص من كل ضعفاتي وخطاياي. وأكون سعيدا يا رب إن انتشلتني منها مثل " شعلة منتشلة من النار" (زك 3: 2). وحينئذ اسمع منك نشيدك الحلو " اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 9). " في الليل علي فراشي طلبت من تحبه نفسي " قد تكون إحدي زيارات النعمة أفتقدتني بها محبتك. قد يكون عملا لروحك القدوس الذي لا تنزعه مني. قد تكون ثورة مني علي الخطية التي حطمتني، وألقتني علي فراشي.. قد يكون طلبي لك شيئا من هذا كله وغيره، سواء بإرادتي وبتوجيه منك. نطقت أنا، ونطق روحك علي فمي. ولكن الأمر اليقين هو أنني أطلبك من كل قلبي. وكلما أفتقدتك في حياتي ولم أجدك، يزداد طلبي لك، لأنك الوحيد الذي تحبه نفسي. سواء كنت أعمل في بيتك , وكنت في كسل علي فراشي. علي أن رقادي علي فراشي، هو فترة مؤقتة ومحددة من حياتي، لابد أن تنتهي بإنتهاء هذا الليل. إنني متمرد علي هذا الفراش. وإن كنت لا أستطيع أن أقوم منه، فأنت يا رب تستطيع أم تقيمني منه. إنني حاليا راقد علي فراشي، ويرن في أذني قول المرنم " قوموا يا بني النور، لنسبح رب القوات " قومي يا نفسي، لكي تلاقي " من تحبه نفسي". من تحبه نفسي: إنها نبضة القلب نحو الله. عبارة تكررت كثيرا في سفر النشيد. تقولها عذراء النشيد في داخل نفسها، وتصرح بها أمام الناس, وهي تبحث عن الله قائلة " هل رأيتم من تحبه نفسي؟" (نش 3: 3). إنه الله الذي تحبه النفس. فالكتاب يقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 5). مسكين هو الإنسان الذي يعلِّق قلبه بغير الله. لابد سيتعب. الله هو الكائن الوحيد، الذي إن أحببته، تجده معك في كل مكان، في كل مناسبة. فلا تشعر بالغربة عنه وبالانفصال عنه في أي وقت. أما أي شخص آخر تحبه، وأي كائن آخر، فمن الجائز أن تنفصل عنه، بالسفر وبالموت وبالأحداث. يفصلكما المكان والزمان. كذلك يتميز الرب عن جميع المحبين بالمحبة الكاملة الحقيقية. كثير من الناس لا تثبت محبتهم. قد يتغيَّرون، وتبرد محبتهم وينحرفون. ويصدقون فيك الأقاويل، وتؤثر عليهم عوامل خارجية.. أما الله فثابت في محبته حتى لو تغيَّرنا نحن. ومحبته مقدسة، تسمو بالإنسان وتهدف إلى منفعته وخلاصه. تقول عذراء النشيد: "مَنْ تحبه نفسي"، وهي تقصد المحبة التي تملأ كل القلب والفكر، وكل محبة أخرى تكون داخلها. فالقلب الطاهر يحب جميع الناس، دون أن تنقص محبته الكاملة لله. سعيد هو الإنسان الذي ينادي الله دائمًا بعبارة "يا مَنْ تحبه نفسي"، دون أن يبكِّته ضميره على أنه خان هذه المحبة في شيء.. اسأل نفسك إذن: هل هل محبة الله هي الغالبة المُسَيطرة في حياتك؟ هل هي القائدة لكل تصرّفاتك وأفكارك، وكل معاملاتك..؟ |
||||
10 - 02 - 2014, 04:19 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
طلبته فما وجدته (نش 3: 1) تقول عذراء النشيد " في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته" (نش 3: 1). إنها عبارة مؤثرة ومتعبة للنفس، كيف أن إنسانا يطلب الله، فلا يجده في حياته؟! كيف أن الله الذي يقول " أطلبوا تجدوا" (مت 7: 7) تقول عنه العذراء "طلبته فما وجدته" (نش 3: 1)؟! وتكررها مرة أخري (نش 3: 2). التخلي: نعم، هناك فترات ن التخلي تبعد فيها النعمة. والنفس تطلب الرب فلا تجده!.. الظلمة تدهمها , فتبحث عن طاقة من نور.. ! فترات فيها " تكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسا، والأرض التي تحتك حديدا!! (تث 28: 23). لا تشعر بالدالة التي بينك وبين الله، والتي كانت بينك وبينه! ولا بالعشرة والصلة القديمة!.. لا إحساس بوجود الله، ولا متعة، ولا عاطفة.. مرت عليك أوقات من قبل، كنت فيها نارا مشتعلة. والان نبحث عن تلك النار فلا تجدها. لا حرارة في الصلاة، ولا عاطفة في القلب، ولا تعزية ولا شعور، تطلب الله ولا تجده.. هل لأنك الان علي فراشك، بعد نهار قضيته في مشاغل كثيرة! وإذا بمشاغل النهار التي أخذتها بعمق، جعلت شاعرك الروحية تجف! لم تخلط عملك النهاري بالله، بل كنت غريبا عنه طول النهار! فلما طلبته بالليل علي فراشك، لم تجده! في أوقات دالتك مع الله، كان الله بالنسبة إليك، أقرب من النفس الذي يدخل صدرك ويخرج. أما الان فأنت تدعوه وكأنك نخاطب نفسك.. ! كنت تقرأ الكتاب المقدس، فتجد تأملات كثيرة تملأ قلبك وفكرك، وفيضا من التعزيات يغمر نفسك. أما الان فلا تجد!! وتردد عبارة: " طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته". وتفحص ذاتك فتقول: إنني لا أجده. ولكنني مع ذلك أطلبه. ليس هو موجودا معي. لا أحسه في حياتي. ولكنه موجود في قلبي أحسه في رغباتي وأشواقي.. حرماني من الله، يجعلني أطلبه بالأكثر. أنا لست راضيا عن حرماني منه. لست من الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور، " لأن أعمالهم شريرة" (يو 3: 19). فمع أنني في سقوطي، تكون أحيانا أعمالي شريرة وتشبه ذلك، إلا أنني لست أحب الظلمة.. فلماذا تخلي النعمة يشعرني بالحرمان من الله؟! أسباب التخلي: *أحيانا يكون سبب التخلي، كبرياء إرتفعت فيها النفس. إنسان يكبر في عيني نفسه، ويظن أنه قد أصبح شيئا. وفي هذا الظن يفقد احتراسه، علي أعتبار أن الخطية لم يعد لها سلطان عليه!! ويريد الرب أن ينقذ هذا الإنسان من كبريائه وارتفاع قلبه. فيتخلي عنه قليلا، ليشعر بضعفه فلا يرتفع قلبه لأنه " قريب هو الرب من المنسحقين بقلوبهم" (مز 34: 18). وبابتعاد النعمة، بالتخلي المؤقت، قد يسقط الإنسان، ويهتز قيامه ويضعف. فيعود ويحترس حتى من أقل الخطايا. ويتمسك بالرب بالأكثر. مثل هذه العذراء التي بعد أن قالت " طلبته فما وجدته " قامت وبحثت عنه. فلما وجدته قالت " أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4). *سبب اخر من أسباب التخلي، هو اهتمام الإنسان الزائد بالأور العالمية، بحيث تبرد حرارته الروحية، ويقرع الله علي قلبه وما من مجيب! و كأنه يقول لصوت الله في قلبه " أما الان فإذهب. ومتي حصل لي وقت أستدعيك" (أع 24: 25). كما قال فيلكس الوالي لبولس الرسول. وقد حدث هذا لعذراء النشيد مرات عديدة، حينما سمعت صوت الحبيب يناديها فتكاسلت عن أن تفتح له، كما ورد في الإصحاح الخامس (نش 5: 3). *حقا إن التمركز حول الذات هو من أسباب التخلي: مل أكثر ما يكون الإنسان متحوصلا حول نفسه. يفكر في ذاته، وليس في الله.. اذا أعمل؟ وماذا أكون؟ وكيف يكون؟ كيف أبني شخصيتي ومركزي؟ " أهدم مخازني وابني أعظم منها,.. وأفول لنفسي: لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة.. استريحي وافرحي" (لو 12: 18 , 19). وفيما الإنسان مشغول بذاته، يبحث عن الله فلا يجده! بل قد يدخل في خدمة الله، وهو متمركز حول ذاته، وليس حول الخدمة، ولا هو متمركز في محبة الله وملكوته.. فيفكر كيف يستحوذ علي كل السلطة في الخدمة، ويوقف فلانا عند حده وكيف تصير كلمته هي الأولي، وهي الوحيدة! وكيف تسير كل الأمور حسب تدبيره هو! وحينئذ يطلب الله فلا يجده.. معني: طلبته فما وجدته: الله موجود حقا في كل مكان. فكيف تبحث عنه فلا تجده؟! هو موجود حقا. ولكن المهم هو أحساسك بوجوده والصلة به.. الإحساس بالحب والمتعة والعشرة مع الله. الإحساس بالدالة، بحرارة اللقاء، وبسكني الله داخل القلب وعمله فيه. قد يكون الله موجودا معك، وأنت لا تشعر ولا تدرك. كما كلم السيد الرب مريم المجدلية بعد القيامة. ولكنها لم تشعر بوحوده. بل ظنته البستاني. وقالت له عن الرب " إن كنت قد أخذته" (يو 20: 15). بينما كان الرب يذاته هم الذي يكلمها وهي لا تدري, بل شعورها في ذلك الوقت كان " طلبته فما وجدته".. و نفس الأمر حدث مع تلمذي عمواس. كان الرب معهما وهما لا يعلمان. بل يقولان له " هل أنت وحدك المتغرب عن أورشليم، ةلم تعلم الأمور التي حدثت فيها؟!" (لو 24: 18). تأكد أن الله لا يتركك مهما تركته. وفي نفس الوقت الذي تقول فيه: " طلبته فما وجدته " يكون هو معك، يعمل لأجلك.. لا تيأس إذا مرت عليك فترات من التخلي. لا تظن أنه تخلِّ حقيقي! ولا نظن أن التخلي مستمر.. ما أخلي قول الرب عن إحدي فترات التخلي لتلك العاقر: " لحيظة تركتك , وبمراحم عظيمة سأجمعك" (أش 54: 7). مناسبة أخري: عبارة " طلبته فما وجدته " وردت أيضا في (نش 5: 6). حيث تقول عروس النشيد، في مناسبة أخري، فيها تخلت عن حبيبها، فتحول عنها وعبر. فقالت " نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني" (نش 5: 6) والقصة تبدأ بقولها " صوت حبيبي.. هوذا ات علي الجبال، قافزا علي التلال" (نش 3: 8). ثم " صوت حبيبي قارعا: افتحي لي يا أختي يا حبيبتي، يا حمامتي يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل، وقصصي من ندي الليل" (نش 5: 2). ولكن العروس تعتذر قائلا: " خلعت ثوبي، فكيف ألبسه؟! غسلت رجلي، فكيف أوسخها؟! ولم تفتح حينئذ تحول عنها وعبر، بسبب إهمالها.. فذاقت التخلي.. كانت هذه العروس مهتمه بذاتها أكثر من اهتمامها بالله وخدمته! كانت مهتمه بزينتها الخارجية، بثوبها بنظافتها براحتها. ووسط كل ذلك يثاقلت أن تقوم وتفتح للرب.. فتركها تذوق التخلي. لقد أنتظر الرب طويلا حتى أمتلأت رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل. ولكنها تركته يمد يده طول النهار لقلب معاند مقاوم (رو 10: 21). وهكذا قدمت قلبا متراخيا متكاسلا أمام نداء الله! عجيب أن تعتذر نفس عن لقاء الله، وتسرد لذلك حججا.. ! اه يا رب، أنا غير متفرغ لك الان. عندي مشروعات أقوم بها، وخدمة وخدمات عديدة أنما منشغل بها! وخطية محبوبة تسيطر علي عواطفي وفكري! أو مقابلات كثيرة ولقاءات تستغرق نهاري كله وجزءا من مسائي. لذلك لست أجد لك وقتا!! أعذرني إن تركتك بعض الوقت دون أن أفتح لك. فامتلأت رأسك من الطل!! وهكذا يتخلي الله، لا كعقاب وإنما كعلاج.. إنها نفس تزدري بالنعمة، وتهمل صوت الله داخلها، فتقع في التخلي، حتى تعود وتستيقظ، وتعرف ما ينبغي عليها أن تفعله. ولهذا نجد أن هذه النفس قد استفادت من التخلي.. بعد أن تحول حبيبها وعبر، نراها تقول " نفسي خرجت عندما أدبر". ولم تكتف فقط باشتعال مشاعرها من الداخل، وإنما تقول " إني أقوم أطوف في المدينة وفي الأسواق والشوارع، أطلب من تحبه نفسي".. وفعلا ذهبت تسأل عنه الحراس: " أرايتم من تحبه نفسي؟" (نش 3: 3). و بالإضافة إلي هذا البحث وهذا السعي، نري أن الله يرفع عنها ذلك التخلي، ويعود إلي النفس، فتتمسك به بالأكثر. و تقول لما رأته " أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4). إن الله يسمح أحيانا أن نذوق مرارة البعد عنه بعض الوقت. لكي نشتاق إليه بالأكثر.. لأنه من الجائز أن محبة الله لنا، بدلا من أن تقودنا إلي الله، نتحول بها إلي التدلل!! فتقول " غسلت رجلي، فكيف أوسخها؟!" لك ما شئت. ولكن أن حبيبك تحول وعبر.. فماذا أفادك التدلل؟! |
||||
10 - 02 - 2014, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
إني أقوم وأطوف في المدينة (نش 3: 2) تقول عذراء النشيد "في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته. إني أقوم وأطوف في المدينة، في الأسواق وفي الشوارع، أطلب من تحبه نفسي" (نش3: 1، 2). هذا يدل علي أن الإنسان – مهما بعد عن الله – ففي قلبه إشتياق إلي هذا الإله، حتى لو دخل في الليل، ورقد علي فراشه.. ! إشتياق إلي الله: لا يزال في القلب حنين إلي الله.. فينا نفخة إلهية تشتاق إلي مصدرها (تك2: 7). فينا روح علي صورة الله، كشبهه (تك1: 26، 27). وهذه تجعل الإنسان بطبيعته يشتاق إلي الله. * فالإشتياق إلي الله، جزء من طبيعة الإنسان ومن فطرته.. فإن قلنا إن محبة الأم لطفلها جزء من طبيعتها يجري في دمها، وكذلك محبة الأب لابنه.. نقول كذلك إنه أمر طبيعي بالأكثر، أن الأنسان يحب الله ويشتاق إليه. وليس هذا عند الشعوب المتحضرة المتمدينة فحسب، بل حتى عند الشعوب البدائية أيضًا.. ومن الناحية الأخري، محبة العالم شيء دخيل علي الإنسان، ليس في طبعه الأصلي. أما محبة الله فهي طبيعته الأصلية. لذلك مهما بعد الإنسان عن الله لابد أن يعود فيشتاق إليه. مثل عقرب البوصلة، لابد أن يتجه إلي الشمال، مهما بعد عنه. لهذا لا يصح أن ييأس الإنسان، مهما طال بعده عن الله. لا تيأس، فطبيعتك بفطرتها ميالة. لذلك حتى في الليل – وأنت علي فراشك – يعود إشتياقك إليه. مثل الابن الضال: ذهب إلي كورة بعيدة، ثم عاد واشتاق إلي أبيه، ورجع إليه. ومثل أوغسطينوس: بعد متاهة طويلة في الفلسفة وفي ملاذ العالم، عاد أخيرًا ليقول للرب: تأخرت كثيرًا في حبك، أيها الجمال الذي لا يوصف.. وأنت مهما تهت وبعدت، في أعماقك بذرة محبة الله. فلا تظنوا أن الرعاة والوعاظ والمرشدين والآباء الرسل، هم وحدهم الذين دخلت محبة الله إلي قلوبهم! كلا، فمحبته فيكم من الأصل. كل ما في الأمر، أنك تزيل ما ترسب فوقها وأخفاها. *" في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي". هناك لحظات تمر علي الإنسان، يجد نفسه مشتاقة إلي الله. لا يعرف متي تأتي تلك اللحظات؟ ولا كيف؟ ولا أين؟ ولا يستطيع أن يحدد مواعيد لهذا الإشتياق. والكتاب يقول "ملكوت الله لا يأتي بمراقبة" (لو17: 20). كما قال الرب أيضًا " الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، ولكنك لا تعلم من أين تأتي، ولا إلي أين تذهب" (يو3: 8) إنها زيارة من زيارات النعمة، لا تأتي بمراقبة. أنت لا تعرف متي يتحرك شعورك نحو الرب. ولكنك في وقت ما، تسمع صوتًا يناديك في داخلك، ويحركك نحو الله، مهما كنت خاطئًا، ومهما بعدت، ومهما ضللت.. زيارة النعمة هذه تثير مشاعر الحب الإلهي وتعيدها.. عدم الإحساس بوجود الله: من العجيب أن هذه العروس تقول "طلبته فما وجدته" بينما الله في داخلها، وهو الذي حرك قلبها لكي تطلبه! بدونه ما كان ممكنًا لها – وهي علي الفراش – أن تطلبه! هو الذي مد يده من الكوة، فأنّت عليه أحشاؤها (نش5: 4). ولكن لماذا – علي الرغم من وجوده فيها – تقول "فما وجدته"؟! أحيانًا يكون الرب فينا، ونحن لا نشعر به!! مثلما حدث لتلميذي عمواس، إذ كان الرب يسير معهما ويتحدث إليهما، وهما لا يعرفانه (لو24: 15، 16). ومثلما قيل في تجسد السيد الرب: إن "النور أضاء في الظلمة، والظلمة لم تدركه" (يو1: 5). وأيضًا مثلما قال القديس أوغسطينوس للرب: "كنت معي، ولكنني من فرط شقاوتي لم أكن معك!". إبراهيم أبو الآباء ظهر له الرب مع ملاكين (تك18: 2، 17) ولكنه لم يدرك وجود الرب، وإلا ما كان أحضر للثلاثة لحمًا ولبنًا (تك 18: 7، 8). وهكذا قال الكتاب "لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون!" (عب13: 2). أحيانًا يكون الله معك، وأنت غير شاعر بوجوده. وقد تظن أنه قد تخلي عنك. بينما أنت الذي ينقصك الإدراك الروحي لوجود الله معك. وقد تقول له "إلي متي يا رب تنساني؟ إلي الإنقضاء! (مز13: 1). ولا يكون الرب قد نسيك. لأنه إن نسيت الأم رضيعها لا ينساك (أش49: 15). إنما أنت الذي لم تعد تحس وجود الله فيك! بالإيمان تستطيع أن تدرك وجوده معك. كما قال داود "تأملت فرأيت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز16: 8). وكما قال إيليا النبي "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1مل18: 15). البحث عن الله: أحيانًا يخفي الله ذاته عنك، لكي تبحث عنه.. لا يسمح لك أن تراه، لكي تشتاق إلي رؤيته. يظهر حينًا، ويختفي حينًا آخر مثل النجم الذي ظهر للمجوس (مت2: 9).. لكي يتحرك القلب فيبحث ويسأل. الله لايريد أن تكون المحبة من طرف واحد: هو يحبك، وأنت راقد علي فراشك. يريدك أن تحبه كما يحبك، فتبحث عنه.. لهذا تجد أن العروس لما طلبته فلم تجده، قالت للتو: "إني أقوم وأطوف في المدينة، في الشوارع وفي الأسواق. أطلب من تحبه نفسي". ولاحظوا إنها لم تقل أقوم، بل إني أقوم، كنوع من التأكيد والإصرار علي البحث. وهكذا زال تكاسل النفس، إذ شعرت بالتخلي، ولو كان شكليًا.. يا ليت كل واحد منكم يخرج من إجتماعنا هذا (أو من قراءة هذا المقال) وهو يقوم ويطوف يبحث عمن تحبه نفسه، أعني الله الذي يحبه. كما قالت عذارء النشيد.. في الأسواق اذهب واشتر لك زيتًا، لكي لا ينطفئ مصباحك (مت25: 9). وكما قيل في سفر الرؤيا "اشير عليك أن تشتري ذهبًا مصفي بالنار، وثيابًا بيضًا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريتك" (رؤ3: 18). وكما قال الرب "ومن ليس له سيف، فليبع ثوبه ويشتر سيفًا" (لو22: 36).. اذهب إذن إلي الأسواق، وادفع ثمن ما تشتريه. وابحث عن الرب هناك. طف وأبحث أين تجد الله.. هل في الكنائس في الأديرة، في بيوت الخلوة وفي أماكن الخدمة.. أم حيث تراه.. المهم أن تنشط وتبحث، ولا تستمر راقدًا علي فراشك.. أنظر إلي طريق يوصلك إلي الله، وسر فيه: طريق التوبة، طريق الصلاة والتأمل، طريق الخدمة، طريق القراءة والإجتماعات.. الطرق المؤدية إلي الله كثيرة. إختر ما يناسبك منها. كلمة "أقوم" تعطينا معني طيبًا. فعلي الرغم من أن الخلاص يقوم بقه الله وحده، إلا أنه لابد لك من أن تشترك معه، من جهة الاستجابة لعمله فيك: أن تشترك معه، أن تطلبه وتبحث معه.. "اقوم واذهب إلي أبي" (لو15: 18) هكذا قال الابن الضال.. أقوم وأرد أربعة أضعاف لكل من ظلمته، كما قال زكا العشار (لو19: 8). حقًا، إننا في بعض أوقات نقول "قم أيها الرب الإله، وليتبدد جميع أعدائك" (عد10: 35). والرب نفسه يقول "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم يقول الرب، اصنع الخلاص علانية" (مز12: 5). ولكن علي الرغم من كل ذلك، لابد أن تقوم مع المسيح، وأن تعمل مع الرب: ترفع الحجر، لكي يقيم الرب لعازر (يو11: 41). أنت تقدم الخمس خبزات، والرب يباركها ويشبع بها الألوف (يو6: 9- 12). أنت ترمي الشبكة، والرب يأتي بالسمك. أنت تغرس وتسقي، والله هو الذي ينمي (1كو3: 6). المهم أن تقوم وتعمل مع الرب. إنني حينما أعمل عملًا، إنما أبرهن علي محبتي للرب ورغبتي في الخير. فالله لا يرغمني إرغامًا علي عمل الخير، ولكني أقوم من نفسي. علي فراشي قد أحلم بالرب. ولكني لا أجده إلا إذا قمت. تأكدوا أن الملائكة يفرحون في السماء، وهم يرون هذه النفس تقوم وتطوف في المدينة وفي الشوارع بحثًا عن الرب (لو15: 7). هناك أشخاص يبدلون عبارة "وعلمنا طرق الخلاص" في القداس الإلهي بعبارة "طريق الخلاص" علي الرغم أن الكلمة في القبطية (التي تعني طرق)، مفسرين ذلك بأن الخلاص طريقًا واحدًا هو الفداء. هذا حق أنه من جهة الله هناك طريق واحد، هو الصليب وقد تم. ولكن من جهتنا لا ننال بركات الفداء إلا بطرق الإيمان والمعمودية والتوبة وحفظ الوصايا. كما أن حياتنا الروحية اللازمة للخلاص لها طرق تؤدي إلي الله: منها الخدمة والوحدة، الزواج والبتولية، الحزم والطيبة.. والمهم أن يتخذ كل واحد نوع الطريق الذي يناسبه.. وكما قال ماراسحق: "لمعرفة الله باختلاف الطبائع البشرية، لم يجعل طريقًا واحدًا مؤديًا إلي الخلاص، لئلا يفشل من لا يستطيع السير فيه. وإنما جعل أمام الإنسان طرقًا عديدة. حتى أن الذي لا يناسبه طريق لصعوبته، يسير في الآخر لسهولته". ومادامت هناك طرق عديدة فلا تيأس. إن لم تجد في نفسك قابلية للصلاة، الجأ إلي القراءة والتأمل. وإن لم تجد قابلية للقراءة، رتل. وإن لم تستطع شيئًا من ذلك كله، اخرج وافتقد واخدم. وكلن لا تيأس أبدًا. أبحث في الطرقات والشوارع والأسواق.. ولهذا لا يجوز لأب الاعتراف أن يجعل أبناءه صورة منه! ولا يجوز أن يجعلهم كلهم صورة واحدة من بعضهم البعض! فربما ما يناسب واحدًا منهم، لا يناسب غيره.. لإختلاف نفسياتهم.. كذلك أنت: إن أعجبك طريق في الحياة، لا تشجع كل إنسان علي السلوك فيه! ربما ما يناسبك، لا يناسبه. عروس النشيد طافت في الطرقات، ولم تجد الرب. فلم تعتذر بذلك وتكف عن البحث. وإنما قابلت الحرس الطائف وسألتهم (نش3: 3). هؤلاء الحرس، هم حراس المبادئ والقيم. أقامهم الرب علي شريعته وعلي رعيته، يرشدون الناس إلي الطريق.. وما أن جاوزتهم قليلًا، حتى وجدت من تحبه نفسها.. لم تقل شيئًا مما قالته للحرس، ولا ما قد قالوه لها، إنها ركزت علي هدفها، وهو الوصول إلي حبيبها.. يوجد أشخاص يكفي أن تقول لهم المشكلة فتنحل.. حتى بدون إرشادات وحلول تسمعها منهم. تكفي بركتهم وصلواتهم. الملاحظة الأخيرة، هي أن هذه العروس تعبت كثيرًا حتى وجدت من تحبه نفسها، ولم تجده من أول طلب، ولا من أول بحث. وكانت وراء ذلك حكمة إلهية. لكي تتمسك بمن تعبت لأجله. قال القديس باسيليوس الكبير: إن الأشياء التي تحصل عليها بسهولة، قد تفقدها أيضًا بسهولة. لهذا أحيانًا لا يستجيب الله بسرعة. ولأن هذه العروس تعبت حتى وجدت من تحبه نفسها، لذلك عندما وجدته قالت "أمسكته ولم أرخه" (نش3: 4). |
||||
10 - 02 - 2014, 04:24 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا نائمة، وقلبي مستيقظ (أ) (نش 5: 2) هذا النشيد يعطي روح الرجاء، حتى بالنسبة إلي النائمين. ما أجمل قول المسيح للتلاميذ وهم نائمون في البستان "الروح نشيط أما الجسد فضعيف" (مت26: 41). إذن فحتى لو كان الجسد ضعيفًا، لا يستطيع أن يتمشي مع عمل الروح، فإننا نشكر الله الذي يمتدح الروح علي الرغم من ضعف الجسد، ويعطيها رجاء. وعذراء النشيد تجد نفسها هنا (نائمة): لا يقظة روحية، ولا نشاط، ولا حرارة، ولا حيوية، ولا عمل روحي. ومع هذا النوم تري نافذة من رجاء مفتوحة: وهي قلبها المستيقظ. علي الرغم من نومها، مازال قلبها مستيقظًا. مازلت حساسة لصوت حبيبها، تسمعه وهو يقول لها "افتحي لي". إذن هو مجرد نوم، وليس موتًا، ومازال القلب نابضًا بالحياة. هنا حياة قد تكون خاملة، ولكنها موجودة.. الشجرة لا تعطي ثمرها، ولكنها لا تزال حية، ربما لو نقب الرب حولها ووضع زبلًا، تعطي ثمرًا فيما بعد.. النفس نائمة ولكنها حساسة لصوت الرب ولندائه، تميزه عن صوت الغرباء، وتشعر أنه حبيبها علي الرغم من عدم صلتها به.. أنا نائمة وقلبي مستيقظ. لا نضيع الوقت في توبيخ النوم، وإنما نفرح بيقظة القلب، فهي التي ستقيم النفس من نومها. نشكر الله أنه لم ييأس من النائمين، وإلا هلكوا وضاعوا.. قد تكون نفسي أمامك يا رب، أرضًا خربة مغمورة بالمياه، وعلي وجه الغمر ظلمة (تك1: 2)، ولكن المفرح أن روحك مازال يرف علي وجه المياه، وسيأتي وقت تقول فيه ليكن نور، فيكون نور (تك1: 3).. ما أجمل قول النبي "لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم (مي7: 8)، قد أكون نائمًا، ولكني سأستيقظ.. "كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهه، ولكن أنت يا رب ناصري. مجدي ورافع رأسي" هكذا قال المزمور: "أنا أضطجعت ونمت ثم استيقظت، لأن الرب معي" (مز3) ربما تكون لي أربعة أيام في القبر، يقولون عني قد أنتن (يو11: 39). ولكني واثق أن صوتك سيأتيني "لعازر هلم خارجًا" (يو11: 43) وتقوم نفسي النائمة، حينما يسمع صوتك قلبي المستيقظ. حقًا لا نستطيع أن نغلق باب الرجاء، أمام أي نفس.. مهما كانت حالتها تبدو ميئوسًا منها!.. الله قادر أن يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم (مت3: 9).. إن الرسول يقول: لا نفشل حتى إن مات إنساننا الخارج يفني، فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2كو4: 16). هذا يعطي رجاءً ليس للنائمين فقط، وإنما للخدام أيضًا. لا تيأس من أحد، مهما بعد عن الرب.. ربما تكون البذرة في حالة خمول، ولكن الحياة الكامنة فيها تنتظر وسائل إنبات لكي تدب فيها الحياة من جديد.. إن الرياح في الصحراء قد تحمل البذار وتلقيها بعيدًا حيث تدفن في الرمال، وتظل مدفونة مددًا طويلة، إلي أن تسقط بعض الأمطار، فتدب الحياة في هذه البذار المدفونة وتنبت.. وهناك بذار بطيئة في نموها، كنواة البلح، تمضي شهورًا طويلة بدون علامة حياة علي وجه الأرض، ثم تظهر الخضرة.. نحن لا نيأس مطلقًا من النفوس النائمة مهما طال نومها. كان الرسل النائمين، خائفين ومختبئين في العلية. ولكن جاء الوقت الذي ظهروا فيه، وملأوا الدنيا كرازة وتبشيرًا.. وحتى لو ظل النائمون مستمرين في نومهم، فلا نيأس مادامت هناك نفوس أخري ساهرة من أجلهم. يذكرني هذا بالرعاة المتبدين الذين كانوا يسهرون في حراسات الليل علي غنمهم وقت ميلاد المسيح (لو2: 8) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويذكرني أيضًا بقول بولس "من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29). قد تكون هناك نفوس نائمة، ولكن الكنيسة ساهرة من أجلها، لتوقظها.. وحتى إن نام الرعاة، هناك عين الله الساهرة، التي لا تنام. إن لم تستطع نفسي أن تقول "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" فإنها ستقول لك يا رب "أنا نائمة ويكفي أنك أنت مستيقظ". إن كلمة الرب قد تصل إلي النفس، وربما يبدو أنها لم تحدث أثرًا ولم تأت بنتيجة. ولكن عمل الروح القدس الدائم في النفس، سيظهر هذه النتيجة فيما بعد، لأن كلمة الرب لا ترجع فارغة (أش55: 11) إنها كالخبز علي وجه المياه، بعد أيام كثيرة تجده (جا11: 1). "أنا نائمة وقلبي مستيقظ". ربما يكون نومي كسلًا، وضعفًا، وفتورًا، وسقوطًا، ولكنه لن يكون خيانة.. فقلبي مستيقظ، وقلبي لك، يسمع صوت حبيبه قارعًا. قد أسقط في الخطية، ولكني أسمع الصوت في داخلي يوبخني ويقول إن هذا لا يليق.. قد أبعد عنك، ولكن نخسك لقلبي مستمر. ولن أستطيع مقاومته مدة طويلة.. قد أقاوم محبتك إلي حين، ولكن صعب علي أن أرفس مناخس (أع9: 5).. أنا أعلم أنني سأستيقظ. ولكن لا يجوز أن يطول نومي. إن الرجاء لن يدفعني إلي التراخي، بل سيبكتني ضميري عليه فيما بعد، وسأوبخ نفسي كما قال لك القديس أوغسطينوس "لقد تأخرت كثيرًا في حبك". وكما قال بولس "أنا الذي كنت مضطهدًا للكنيسة" (1كو15: 9) إن مناخسك تعمل في قلبي وأنا نائم… أنا يا رب لا أستطيع أن أبعد عنك: إحساسي بمناخسك في قلبي، تدل علي أن القلب مستيقظ، وأنه لن يقبل النوم.. إنني أسمع صوت الكنيسة تقول "قوموا يابني النور، لنسبح رب القوات" وقول الرسول "إنها الآن ساعة لنستيقظ" (رو13: 11) وأيضًا: "استيقظ أيها النائم، فيضئ لك المسيح" (أف5: 14). "أنا نائمة وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعًا". إنني أعجب لهذه النفس التي تسمع صوت حبيبها وتظل نائمة! بينما الله "فيما نحن ندعو، هو يستجيب".. إننا لا نعامله بنفس المعاملة. ما أكثر ما نغلق أبوابنا في وجهه، حتى يمتلئ رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل.. ولكننا نشكر الله في كل ذلك علي صبره وطول أناته. إنه يدعو قائلًا "قومي يا حبيبتي وجميلتي وتعالي" (نش2: 10). ونحن نسمع ولا نستجيب. ويظل الرب يقرع علي أبوابنا ويقول "مددت يدي طول النهار لشعب معاند ومقاوم" (رو10: 21).. والعجيب أن أعذارنا كثيرة، نحاول بها أن نبرر بها عدم استجابتنا.. "غسلت رجلي، فكيف أوسخهما؟ّ خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!. يطبق القديس أغسطينوس هذه الآية علي النفس في دعوتها إلي الخدمة: نفس لبست البر، ونالت الطهارة، واستراحت إلي هذا ونامت. وصارت تحتج: كيف أخرج إلي الخدمة وأصطدم بما فيها من مشاكل وتعب! وفيما أنا أسير علي الأرض في طريق الخدمة قد تتسخ رجلاي مرة أخري، فكيف أوسخهما؟ ويجيب القديس أوغسطينوس: لا تتضايق إذا اتسخت رجلاك، فالمسيح قد غسل أرجل تلاميذه. وسيظل يغسلك كلما اتسخت.. إذا دعاك الرب، فلا تضع أمامك عوائق، ولا تعتذر بأعذار.. فطالما الأعذار موجودة، منخاس الله موجود.. هل أنتفعت هذه العروس بأعذارها؟! لقد قالت: حبيبي تحول وعبر.. ومع ذلك كان صوت حبيبها أقوي من جميع أعذارها.. كما أنها لم تستطع أن تحتمل عملًا آخر من أعمال محبته "حبيبي مد يده من الكوة، فأنّت عليه أحشائي". لقد أنت أحشاؤها، لأن قلبها كان مستيقظًا ولم تحتمل محبة الرب. "أنا نائمة" إنه اعتراف. والمعترفة بخطاياها قريبة من اليقظة. إن كنت نائمًا، قم إذن واستيقظ، فالسيد الرب يقول "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة". اولاد الله دائمًا متيقظون قلبًا وفكرًا وروحًا، متيقظون من نحو أنفسهم ونحو الآخرين "من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29). ما أجمل ما نفهمه من هذا الفصل: إنه حتى الأبواب المغلقة لا يتركها الله، وإنما يق وراءها قارعًا، في حب وانتظار. |
||||
10 - 02 - 2014, 04:25 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
أنا نائمة، وقلبي مستيقظ (ب) (نش 5: 2) تقول العروس في النشيد "أنا نائمة، وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعًا: افتحي لي يا أختي، يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي. لأن رأسي إمتلأ من الطل، وقصصي من ندى الليل" "قد خلعت ثوبي، فكيف ألبسه؟! قد غسلت رجليَ، فكيف أوسخها؟! حبيبي مدّ يده من الكوة، فأنت عليه أحشائي.." (نش5: 2-4). أنا نائمة وقلبي مستيقظ: يقول الرب "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة" "اسهروا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ابن الإنسان" (لو12: 40) "لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا" (مر13: 36).. إذن فكل نفس نائمة هي ساهية عن خلاص نفسها، غفلانة كسلانة لا تدري ما هي فيه. ونسيت تحذير الكتاب: لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا".. أما هذه النفس التي تقول أنا نائمة وقلبي مستيقظ، فإن حالها عجيب.. هل هي تخدع نفسها، وتدعى اليقظة بينما هي نائمة؟!. كيف تظن أنها مستيقظة القلب بينما هي نائمة؟! كثير من الناس يقول الواحد منهم "أنا أحب الرب من كل قلب. الله هو كل شيء في حياتي". فإن سألته عن صلواته وتأملاته وقراءاته الروحية واعترفاته وتناوله، يقول لك.. حقًا، إنني مقصر جدًا في كل هذا، ولكني مع ذلك أحب الله.. روحياتي واقفة، نفسي نائمة، ومع ذلك فقلبي مستيقظ. والأعجب من هذا، إنسان آخر، يقول لك إنني في عمق الخطية، ومع ذلك فأنا أحب الله. نفسي نائمة، وقلبي مستيقظ.. وتتعجب أنت من هذا: كيف تكون محبة الله في قلب هذا الإنسان، وهو في عمق الخطية؟! ألم يقل الرب "من يحبني، يحفظ وصاياي" فكيف لا يحفظ وصاياه، ويقول "أنا أحبه".. ألم يقل يوحنا الحبيب "كل كم يخطئن لم يبصره ولا عرفه" (1يو3: 6).. الظاهر أن هناك أناسًا يظنون أن عاطفة المحبة نحو الله تكون في القلب فقط، دون أن تظهر في الأعمال ولا في السيرة والسلوك، ودون أن يعبروا عن محبتهم تعبيرًا عمليًا يظهرها ويؤكدها.. لا تكفي يقظة القلب، إن كانت الحياة نائمة.. المفروض أن القلب المستيقظ يدفع الإنسان باستمرار إلى العمل الروحي.. إن الإيمان دون أعمال ميت كما قال الرسول (يع2: 26). ما فائدة محبة القلب، وما معنى محبة القلب، إن كنت نائمًا وكسلانًا ولا تعمل ما تستوجبه تلك المحبة؟ ما معنى أن يكون الغصن حيًا، إن كان لا يزهر ولا يثمر.. ؟! والغرابة أنه على الرغم من هذا الكسل والنوم، ما تزال النفس تقول "حبيبي".. "صوت حبيبي قارعًا" "حبيبي مد يده من الكوة فأنت عليه أحشائي" "قمت لأفتح لحبيبي.. فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر".. أهو حبيب حقًا، إذن هو "تعب المحبة"؟! الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد.. الرب أحبنا فمات عنا، أنت تحبين، فماذا فعلت في التعبير عن حبك؟! هذا الحبيب الذي أحبك يقرع على الباب، ولا تفتحين.. !! يظل في انتظارك حتى تمتلئ رأسه من الطل، وقصصه من ندى الليل، وأنت نائمة، تحتجين بأنك قد خلعت ثوبك، وغسلت رجليك، وتتركينه، مقدمة له شتى الأعذار.. ثم تجرؤين أن تسمى هذا حبًا؟! إن الحب النظري لا ينفع شيئًا، لابد أن يكون حبًا عمليًا لقد قال يوحنا الرسول "لا نحب بالكلام، ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو 3: 18). هذه النفس تفكر في ذاتها أكثر مما تفكر في الله.. تفكر في ثوبها وفي رجليها وفي راحتها، ولا تفكر في حبيبها الواقف منتظرًا الذي امتلأ رأسه من الطل.. الذاتية تمنعها من البذل، وحب الراحة يعطلها. هذه النفس تريد أن تجمع بين الله والعالم بين محبة الله ومحبة ذاتها. لا تريد أن تتعب. لا تريد أن تدخل من الباب الضيق. تريد حبًا بدون صليب.. ماذا لو أن الله أحبنا، دون أن يصعد على الصليب؟! ماذا لو أحبنا دون أن يبذل ذاته عنا؟!.. إذن لماذا لا نفعل مثله في المحبة الباذلة؟! ولكن هذه النفس المسكينة في سفر النشيد، تريد أن تحب الله وهى نائمة. و: انها تقول لله "أحبك يا رب، وأحب النوم أيضًا. أتراني أجمعكما معًا؟". هذه العروس تقول في النشيد "قلبي مستيقظ". أهي بالفعل يقظة حقيقية؟ وإن كانت كذلك، فما هي فاعليتها؟ هناك يقظة عقلية، ويقظة أخرى عملية. قد يكون القلب مستيقظًا: يحس أن هذا خطأ، ومع ذلك يقع فيه. يستطيع أن يميز صوت الله من صوت الغرباء، ومع ذلك لا يتبع صوت الله.. إنها صورة شرحها بولس الرسول في رسالته إلى رومية "الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي أريده فإياه أفعل" (رو7: 18، 19). إذن قد يكون القلب مستيقظًا، والإرادة ضعيفة. الضمير ميتقظ، ولكن لاعزيمة ولا إرادة. ونتيجة الضعف يسقط الإنسان في الشر الذي لايريده، كبطرس حينما أنكر سيده. صوت حبيبي قارعًا، أفتحي لي.. إن قول الرب لها "أفتحى لى" يعني إنها مغلقة أمامه. قد أغلقت نفسها على ذاتها تحوصلت داخل هذه الذات.. داخل عبارات ثوبي، ورجلي، وراحتي، ونومي.. كثيرًا ما تقف الذات عقبة في طريق الله.. تسأل إنسانًا أن يصلي، فيقول لك: وقتي، شغلي، دروسي.. تسأله أن يصوم. فيقول لك: رغباتي، شهواتي، غرائزي، جسدي، أفكاري.. دائمًا قبل كل شيء، والله هو آخر الكل.. وقد يصلي الإنسان، ولكن ذاته تكون كل شيء في صلاته، ينسى الله في صلاته، ولا يتذكر سوى طلباته. هي ذاته موضع اهتمامه، وليس محبة الله. هذه الأعذار تدل على أن النفس "تركت محبتها الأول، المحبة التي كانت مشتعلة قبلًا. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها. وأعذار كثيرة لا يمكن أن تعوقها. إنها في القلب فقط، لأن القلب مستيقظ، ولكنه ليس في الإرادة لأنها نائمة. "افتحي لي يا أختي، يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي. فإن رأسي قد إمتلأ من الطل، وقصصي من ندى الليل". كلام عاطفي ومؤثر، قد يلين الحجر. ولكن هناك نفوسًا قاسية لا تلين مهما كلمها الرب بحب ورفق.. كثيرًا ما تقف قساوة القلب حائلًا بين الإنسان والله. لذلك ينصحنا الرسول قائلًا "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب3). وفي قصة عذراء النشيد، نجد أنها على الرغم من قساوة قلبها، ومن رفضها وعم استجابتها، لا تزال تبرر أخطاءها بالأعذار.. غسلت رجلي، فكيف أوسخهما؟! القديس أوغسطينوس يتأمل هذه العبارة من زاوية الخدمة.. كأن العروس تعتذر عن القيام بالخدمة مكتفية براحتها في الهدوء والتأمل، وفي ذلك تقول للرب: في طريقي إليك، في خدمتي لك، سأطأ الأرض، ستلمس قدماي التراب والمادة، فاتسخ.. سأصطدم بالناس وبعوائق الخدمة والعثرات، فأتسخ.. وأنا قد غسلت رجلي في المعمودية، وخرجت طاهرة، كيف أوسخهما؟! نعم، قد تتسخ رجلاك في طريق الخدمة، ولكن عزاءنا في ذلك أن السيد المسيح غسل أرجل التلاميذ. وقال لهم"أنتم الآن طاهرون" (يو13: 10).. أدخلي في الخدمة، وواجهى العثرات والمعطلات، وثقى أن يد الله ستكون معك، وستغسل كل ما يتسخ فيك.. موسى النبي الوديع الذي كان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس، دخل في الخدمة (غلا4: 2)، وغضب، وكسر لوحي العهد المكتوبين بأصبع الله. وبولس الرسول أضطر ان يغير صوته في الخدمة، وأن يقول أفيأتيكم بعصا، وقال "أيها الغلاطيون الأغبياء" (غلا3: 10) وقال أيضًا "قد صرت غبيًا وأنا أفتخر، أنتم ألزمتونى" (2كو12: 11). وفي كل ذلك غسل المسيح أرجل رسله وتلاميذه.. "أنا نائمة وقلبي مستيقظ". هل تدل هذه العبارة على حب بغير عمل، أم على حالة فتور، أم تدل على النفس البشرية، أم اعتذارها عن الخدمة؟ |
||||
10 - 02 - 2014, 04:28 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تأملات في سفر نشيد الأناشيد - البابا شنوده الثالث
حبيبي تحوَّل وعبر (نش 5: 6) تقول عذراء النشيد "خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟! غسلت رجليَ, فكيف أوسخهما؟! حبيبي مدّ يده من الكوة: فأنّت عليه أحشائي. قمت لأفتح لحبيبي, ويداي تقطران مرًّا, وأصابعي مرّ قاطر على مقبض القفل, فتحت لحبيبي, لكن حبيبي تحول وعبر, نفسي خرجت حينما أدبر. طلبتة فما وجدته, دعوته فما أجابني" (نش5: 3-6). آفة كبرى, أن يخطئ الإنسان, ولا يحس إنه أخطأ, فيكون ضميره نائمًا, وقلبه نائمًا أيضًا: لا يوبخ, ولا ينتهر, ولا يبكت, ولا يبث شعور الندم والخزي. أما هذه العذراء, على الرغم من نومها, كان قلبها مستيقظًا, كانت لها الحساسية القلبية المرهفة, على الرغم من أن الإرادة كانت ضعيفة.. كانت نائمة, كسلانة, لا تريد أن تقوم وتفتح الباب.. وعلى الرغم من هذا الكسل, كانت تلتمس لها الأعذار! " قد خلعت ثوبي, فكيف ألبسة؟ قد غسلت رجليّ, فكيف أوسخهما".. ؟ كثيرًا ما يأتي على النفس شعور, أنها تريد أن تستريح, وهكذا يصبح كل عمل روحي وقتذاك, ثقيلًا عليها. إن هذا العمل الروحي سيكون على حساب راحتها وهدوئها واستجمامها.. جاء صوت الله متأخرًا!! بعد أن خلعت ثوبها وذهبت لتنام. بعد أن تعبت من ثقل النهار وحرة, ودخلت لتستريح.. كيف تقوم مرة أخرى؟! وكيف تسير لتفتح الباب؟ هل تشاء يا رب أن تفتح بابًا جديدًا للجهاد، بعد أن خلنا ثوب الحرب ودخلنا نستريح؟! ألا تتركُنا لنستريح من هذا الجهاد؟ ونغفوا ولو قليلًا؟ حقًا إن الروح نشيط (القلب مستيقظ), ولكن الجسد ضعيف لذلك فأنا نائمة. صعب أن يأتينا الامتحان ونحن في وقت راحتنا، ونحن في برودة روحية, حينئذ تكون الحرب شديدة, لأننا غير مستعدين لها، ولعلة من أجل هذا السبب, قال لنا الرب " صلوا لكي لا يكون هربكم في الشتاء ولا في سبت" (مت24: 20). الشتاء وقت البرودة, والسبت وقت الراحة.. هذه العذراء أتتها الدعوة الإلهية في وقت رأته غير مناسب. كان ممكن أن يجيئني الرب قبل أن أدخل إلي حجرتي, وأخلع ثيابي, وأغسل رجلي, وأعطر يديِ, وأغفوا لأستريح.. ! هنا يبدو أن الدعوة الإلهية تحتاج إلي بذل, وإلي تضحية, وإلي عطاء,.. إنها طريقة الله.. يطلب من الأرملة أن تعطي من أعوازها (مر12: 44), ويطلب من إبراهيم أن يقدم ابنه الوحيد الذي تحبه نفسه (تك22: 2), ويطلب من أرملة صرفة صيدا أن تعطي لإيليا كل غذائها في وقت المجاعة (1مل17: 13), المسألة تحتاج إذن إلي بذل لأن العطاء من سعة هو عطاء رخيص, لا يمس القلب.. أما البذل فهو دليل الحب, ودليل على إن الإنسان قد خرج من سيطرة الذات, ووضع نفسه في المتكأ الأخير. وهذا هو محك الاختبار الذي يريده لك المسيح.. يريد أن يثبت حبك عن طريق تعبك وبذلك, وحسبما تتعب تبذل على هذا القدر يعوضك الرب أضعافًا في ملكوته. وكما قال الرسول: " كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبة" (1كو3: 8).. لا تستلم للراحة, قم وأتعب من أجل الرب. هكذا يكون الصليب هو علامة محبتك للرب, لابد أن تحمل صليبك في طريقك إليه, ولابد أن تصعد على الصليب.. عذراء النشيد دخلت إلي فراشها لتستريح، وتثاقلت في أن تقوم, ولكن على عكسها كان داود النبي, الذي أقسم قائلًا: " إني لا أدخل إلي مسكن بيتي, ولا أصعد على سرير فراشي, ولا أعطي لعيني نومًا, ولا لأجفاني نعاسًا, ولا راحة لصدغي, إلي أن أجد موضعًا للرب ومسكنًا لإله يعقوب" (مز132: 2 -3). كانت العذراء نائمة بينما الكتاب يحذرنا من هذا النوم بقوله: لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا (مر13: 36), " اسهروا إذن وصلوا". "أنا نائمة وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعًا.. " أريد أن أتمتع بالنوم, وأتمتع بحبيبي في نفس الوقت!! أريد أن أحب دون أن أختبر" تعب المحبة".. إنه حبيبي, وأنا أحبه, وأعرف صوته, وأميز صوته, من صوت الغريب. مشاعري كلها نحوه. ولكن أن افعل الحسنى فلست أجد" (رو7: 18). عندما مد يده من الكوة " أّنت عليه أحشائي". قلبي كله له لكن إرادتي مبتعدة عنه بعيدًا, لا تقوى على الطريق الضيق, ولا تقوى على حمل الصليب.. متى تتصالح الإرادة, مع مشاعر القلب, وتخضع لها؟ متى أسمع صوت حبيبي فأقفز من على فراشي, ولا أطيق أن أنام. إنما أخرج أنا أيضًا معه " ظافرا على الجبال, وقافزًا على التلال" (نش2: 7), أتبعه حيثما كان.. يكفي أنه تنازل وأتى ِ, ويكفي إنه ناداني بأسمى. إن نداء الرب له تأثيره العميق مهما تكاسلت عنه. إن كلمة الرب حية وفعالة, وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب4: 12), ولا يمكن أن ترجع إليه فارغة (أش55: 11).. هذا الصوت الذي رنّ في أذني, قد رن بالأكثر في قلبي, ومهما كنت نائمة لابد, سأقوم.. " قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مرًا" (نش5: 5), (والمر هو عطر سائل). هذه النفس المتدللة, كانت يداها تقطران مرًا.. أي لم تكن تكتفي بأن ترش شيئًا من العطر على يديها, بل كانت تغطسهما في إناء مملوء من عطر المر, وهي راقدة على فراشها, حتى تقوم ويداها " تقطران مرًا".. هذه النفس المتدللة المتكاسلة التي أعتذرت عن القيام للرب بقولها: " خلعت ثوبي فكيف ألبسة؟ غسلت رجلي فكيف أوسخهما.. ؟! وكانت عندها نظافة رجليها, أكثر من تفكيرها في الرب, وفتح مكان له في حياتها. هذه النفس المتدللة, حينما قامت أخيرًا لتفتح للرب, قامت متأخرة, وكان حبيبها قد تحول وعبر, وتركها لفترة مريرة من فترات التخلي.. لقد زارتها النعمة, ثم تركتها بسبب تكاسلها وتراخيها.. كثيرًا ما تزور النعمة إنسانًا, ولكنها تنظر إلي مدى تجاوبة مع عملها فيه. إن وجدته حارًا في الروح, يشترك في العمل الإلهي مع نعمة الرب, ألهبته النعمة بالحب, وصار بعملة معها شريكًا للروح القدس. أما إن تراخى وتكاسل, واستهان بدعوة الله, فأن النعمة تتركة. ويبقى هذا الإنسان وحيدًا, ويقاسى مرارة التخلي.. وسنضرب مثلًا لهذا التكاسل الذي يسبب التخلي.. قد تستيقظ من النوم, وتسمع صوتًا عميقًا يناديك من الداخل " قم صلي" قف وتكلم مع الله, ليكن الله هو أول من تحادثة في هذا اليوم. لا تتكاسل. لا تهمل الصلاة مثل أمس وقبل من أمس.. " ولكنك تقول "نعم سأصلي, ولكن بعد أن أغسل وجهي، بعد أن أسرح شعري, بعد أن أرتب ملابسي, بعد أن أقضي هذا الأمر وذاك".. ثم تشغلك عوائق كثيرة عن الصلاة, وتقف لتصلي فتجد فكرك مشتتًا, وعدد من الموضوعات قد دخل فيه. ولا تجد الحرارة السابقة فتقول في مرارة " حبيبي تحول وعبر" وتتذكر قول داود: يا الله أنت إلهي, إليك أبكر, عطشت نفسي إليك, " أنا أستيقظ مبكرًا".. كم مرة لمست النعمة قلوبنا, ولكننا تكاسلنا, فضاع الشعور, وضاعت العاطفة, وبردت الحرارة, وتحول حبيبنا وعبر.. كثير من الناس ضاعت الفرصة منهم, لأنهم قاموا للرب متأخرين, مثل العذارى الجاهلات, جئن بعد أن أغلق الباب.. لماذا إذن تتأخر في الاستجابة للرب؟! لو إن هذه النفس, عندما قالت " صوت حبيبي قارعًا ", قامت بسرعة وفتحت له, حتى قبل أن يتكلم, لكانت قد تمتعت بالوجود مع الرب, وما كانت بكت قائلة: نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني. عجيب هذا الأمر حقًا.. الله المحب الحنون, الذي يقول " فيما تدعو إني أنا أستجيب". تقول عنه العروس هنا " دعوته فما أجابني"!! الله الذي يقول " أطلبوا تجدوا" (لو11: 9), تقول عذراء النشيد "طلبته فما وجدته"!! إن الحب يا أخوتي, هو أكثر المشاعر حساسية, وأكثرها تأثيرًا. ولا يوجد شيء أكثر إيلامًا للقلب..، من أن تحب إنسانًا فيتجاهلك, وتقرع بابه فلا يفتح لك. لهذا قال الرب "جرحت في بيت أحبائي" (زك13: 6). لقد سعى الرب إلي هذا النفس, طافرًا على الجبال, قافزًا على التلال. وخاطبها بأرق الألفاظ " إفتحي لي يا أختي, يا حبيبيتي يا حماماتي, يا كاملتي",.. ومع كل ذلك لم تستجب. لذلك تركها لتختبر البعد عنه.. لعلها وجدت إنه هو الساعي, فتدللت وتثاقلت.. ورأت إنه الطارق, فتناومت وتكاسلت, وكما يقول المثل: إذا كثر العرض قل الطلب. لذلك أبتعد الرب عنها, لكيما تشتاق له, وتركها لكي تسعى إليه, وحرمها هذا الحب حتى لا تحسبه رخيصًا فتهمله. وجعلها تقاسي مرارة البُعد, حتى تقدر حلاوة الحب. إن المحبة يا ابنتي ليست ضريبة تفرض عليك, ليست أمرًا ترغمين عليه, وتغصبين نفسك على ممارسته, بل هو اشتياق وانجذاب.. أنت لا تريدين أن تفتحي لي, لا مانع, سأتركك إلي حريتك, إلي أن تشعري بأهمية وجودي في حياتك, إلي أن تفهمي مدى حاجتك إلي الوجود معي. وحينئذ ستندمين على بعدك, وسترجعين.. فترات التخلي: ستندم تلك النفس على تكاسلها, وبعدها عن حبيبها, وحينئذ ستبحث عنه, وترجع إليه. وسوف تدرك إن التخلي كان اختبارا نافعًا لها.. فترات التخلي هذه تأتي على كثيرين, فيشعرون إن هناك حائلًا كبيرًا بينهم وبين الله. يشعر الشخص منهم إنه واقف وحده, بعيدًا عن الله, بجفاف في حياته, وعدم إحساس بالعزاء الداخلي, يشعر إن عبادته بلا عاطفة, بلا حرارة, بلا حب, بلا روح, بلا صلة, بلا استجابة, بلا دالة.. والناس في مراحل التخلي على نوعين: نوع إذ مر بمرحلة، يلوم نفسه وليس الله: يقول: أنا السبب. أنا سلكت نحو الله مسلكًا جعله يتخلى عني. والأفضل أن أرجع إلي علاقتي الأولي بالله. إن الله في كمال محبته, لا يستحق مني هذه المعاملة السيئة. وفي إحساناته الكثيرة لا يصح أن أتذمر عليه هكذا. ليتني أصطلح معة. ونوع أخر إذ وجد في مرحلة التخلي يتذمر على الله: ويجدف على الله ويحتج ويقول: أين ما يقولونه عن حنانك وعن محبتك؟! وأفرض أنني أخطأت, لماذا لا تسامح؟ ولماذا لا تغفر؟ لماذا تعاملني هكذا؟ لماذا أنت شديد وقاسي وعنيف؟! وبمثل هذه التجاديف تزداد الخطية وتستفحل الخطية. وإنسان أخر في مرحلة التخلي لا يتذمر على الله, ولا يسترضيه, وإنما ينساه, يتركه.. يقول له: إن كنت أنت تتخلى عني, وتتركني, وأنا كذلك. حسن إن هذا الأمر قد جاء منك.. !! وهكذا يسلك بعيدًا عن الله, ويتمادى في تركه, ويتحول ما فيه من جفاف إلي انحراف.. وهكذا ينهار ويضيع, كما لو كان يعاند الله.. إن فترات التخلي, غالبًا ما تكون بسبب الإنسان.. وفي قصة عذراء النشيد كانت بسبب التراخي والكسل. هناك نوع أخر من التخلي, يكون بسبب الكبرياء. يسلك إنسان في كبرياء القلب, ينتفخ من الداخل,يظن في نفسه إنه شئ, تكبر مواهبه في عينيه. حنان الله الذي حفظه من الخطية فترة من الزمن, بسببه يشهر إنه بلا خطية!! وأن عنصرة فوق مستوى الخطأ, وإن الخطية خاصة بالمبتدئين فقط. وهكذا بسبب كبريائه, تتخلى عنه النعمة ليعرف ضعفه. وفي مرحلة التخلي يبحث عن نفسه فلا يجده, ويسقط في خطايا المبتدئين. ويحاول أن يصلي فلا يعرف, ويجاهد لكي يتوب فلا يقدر. ويصرخ من أعماق قلبه " طلبته, فما وجدته. دعوته, فما أجابني". ويرجع إلي الله ليقول له: أنا ضعيف ومسكين. أنا أضعف من أن أقاتل أصغرهم. وهذا التخلي يقود إلي الانسحاق والاتضاع.. حينئذ يعرف أنه في الموازين إلي فوق. وإنه خير له أن يأخذ موقف العشار المتذلل, وليس موقف الفريسي المنتفخ.. ويقول للرب: " وأخيرًا يا رب, عرفت أن الباطل المنسحق, خير من الحق المنتفخ".. حقًا إنه قبل الكسر كبرياء, وقبل السقوط تشامخ الروح (أم16: 8), وإن هذا الكبرياء من أسباب التخلي. سبب أخر للتخلي, هو إدانة الآخرين.. أحيانا ندين الآخرين على خطية معينة, فيسمح الله بتخليه عنا, أن نقع في نفس الخطية, لكي ندرك إننا لسنا أقوى من غيرنا, ولكي نعرف إن ثباتنا كان سبب عمل النعمة فينا, ولم يكن بسبب قوتنا الخاصة. ولي نعرف أيضًا قوة العدو المحارب, وعنفه وقسوته في حروبه, فنشفق على الساقطين بدلًا من أن ندينهم. حقًا, أن فترات التخلي تعطي القلب شفقة على الخطاة.. فيدرك تمامًا إن مغزى قول الرسول" أذكروا المقيدين كأنكم مقيدين أيضًا مثلهم, والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب13), وهكذا إذ وجد إنسانًا ساقطًا يبكي عليه كأنه هو الساقط. وهكذا كان يفعل القديس يوحنا القصير: كان إذ رأى إنسانًا ساقطًا يبكي ويقول: إن العدو قوي, وكما أسقط أخي اليوم قد يسقطني غدًا, وقد يقوم أخي من سقطته, وأنا لا أقوم, لذلك أبكي.. إن تخلي النعمة قد يكون ظاهريًا وليس حقيقيًا.. ربما يكون مجرد حرب سمح فيها الله للشيطان أن يضرب هذا الإنسان, دون أن تتخلى النعمة عنه, فيطن هذا الإنسان إنه قد سقط من يد الله.. بينما الله كضابط للكل يراقب الموقف بعمق شديد, وقد حوَّط بنعمته حول الإنسان حتى لا يضيع. مثال ذلك قصة أيوب الصديق. ظن في تجربته إن الله قد تخلى عنه, ولم يكن الأمر كذلك, وأنقذ الله أيوب. من الجائز أن يكون هذا التخلي, لونًا من الحكمة الإلهية في تدريب الإنسان وتربيته. مثال هذا الأم التي تعلم أبنها المشي. تمسكه بيدها ليمشي قليلًا, ثم تتركه فيقع ويصرخ ولا تقيمه بل تتركه حتى يقف ويتابع المشي, ولو حملته باستمرار على كتفيها, وأمسكته باستمرار في مشيه, ما تعلم المشي قط.. هكذا أيضًا تفعل الطيور في تعليم فراخها للطير, وهكذا يفعل الآباء في تعليم أبنائهم العوم. وهكذا يفعل الله في تربية الإنسان: بالتخلي يعلمه الحرب, كما قال داود النبي " مبارك الرب.. الذي يعلّم يديّ القتال, وأصابعي الحرب" (مز144: 1). نهاية التدليل والكسل والفتور في حياة هذه العروس, كانت تخلي الرب عنها. وفي فترات التخلي, ذاقت كم فعل العدو بها. إننا نصمد أمام العدو, طالما كانت قوة الرب معنا, فإن فارقتنا قوة الرب, وقعنا في أيدي أعدائنا. مثال ذلك شمشون الجبار, لم يستطع أحد أن يقوى عليه, طالما كانت قوة الرب معه. فلما كسر نذرة, وفارقته القوة الإلهية, استطاع أعداؤة أن يذلوة. كذلك قيل عن شاو ل الملك " وفارقت روح الرب شاو ل, وبغتة روح ردئ من قبل الرب" (1صم16: 14). هذا الروح الردئ لم يكن له عليه سلطان قبل أن يفارقه روح الرب.. إن العدو ينتهز فترات التخلي, لكي ليضرب ضرباته بلا رحمة.. وهكذا تقول عذراء النشيد "ضربوني, جرحوني, رفعوا إزاري عني.." لقد كنت مصانة أيها العروس داخل بيتك, وكان الرب يقرع على بابك ويناديك.. أما الآن فقد ضاعت هيبتك الروحية في شوارع المدينة.. لقد وجد العدو فرصته وانتهزها. بدأ العدو يضربك, ويعريكِ, وينزع عنك ثوب البر الذي ألبسك الرب إياه من قبل. الابن الضال أيضًا أذله العدو وهو في كورة بعيدة.. عندما ابتعد هذا الابن عن الأب, استطاع العدو أن يضربه وبلا سلاح. واستطاع أن ينزع إزاره عنه. إنها فرصته وقد سمح له الرب بها.. ولكن هل يمكن أن يسمح الله للعدو بأن يفعل هذا؟ نعم يمكن لأجل, فائدة الإنسان, يمكن أن " يسلم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد, لتخلص الروح في يوم الرب" (1كو5: 5).. لقد سمح الله مرة للشيطان أن يضرب أيوب البار, أفلا يسمح له بأن يضرب الكسالى والمتهاونين والمخالفين وصاياة؟! وهكذا ممكن أن يسلم الله إنسانًا لأيدي أعدائه.. عندما أخطأ بنو إسرائيل, سلمهم الرب لأيدي أعدائهم أكثر من مرة, وتكررت هذه العبارة مرارًا أكثر من مرة في العهد القديم, مثلما ورد في سفر القضاة " فحميّ غضب الرب على إسرائيل. فدفعهم إلي أيدي ناهبين نهبوهم, وباعهم بأيدي أعدائهم حولهم. ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم.. فضاق بهم الأمر جدًا" (قض2: 14, 15), سمح الله أيضًا أن يدفعهم إلي أيدي نبوخذ نصر, وان يسلمهم إلي سبي بابل وسبي أشور. كان خيرًا لهم أن" يبكوا على أنهار بابل, وأن يعلقوا قيثاراتهم على أشجار الصفصاف" (مز 137). كانت فترة التخلي نافعة روحيًا. وكما قال الكتاب " أملأ وجوههم خزيًا, فيطلبون أسمك يا رب.. " وهكذا حدث مع عذراء النشيد: لولا التخلي ومتاعبه, ما كان ممكنًا أن نقول "أحلفكن يا بنات أورشليم, إن وجدتن حبيبي, أن تخبرنه بأنني مريضة حبًا". من أين أتت عبارة " مريضة حبًا".. ؟ إنه إحساس الاشتياق جاء كثمرة طبيعية للتخلي والبعد والحرمان.. كانت النعمة تسعى إلي هذه العروس المتدللة المتكاسلة, وتقرع بابها, ولكنها لم تشعر بقيمة هذه النعمة. فلما قاست مرارة التخلي, ولما ضربت وجرحت من الحرس الطائف, حينئذ أحست إنها كانت في نعمة لم تقدرها.. وحينئذ شعرت بحاجتها إلي الرب الذي لم تفتح له قبلًا فقالت: " إنني مريضة حبًا" حسن أن هذه العروس, لمل تحول عنها الرب وعبر, لم تتركه هي أيضًا. فمن داخلها قالت " نفسي خرجت حينما أدبر". ومن جهة العمل قالت " طلبته فما وجدته, دعوته فما أجابني " ولما لم تجده ولم يجبها, لم ينته بها الأمر عند هذا الحد.. بل سعت إليه. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|