تحطيم فضيلة لاكتساب غيرها
كلا، بل كان يقنعهم أن هرطقاتهم هي الدفاع عن الإيمان السليم!! وكان يزودهم بالتفسير الخاطئ لآيات الكتاب، لكي يقبلوا أفكاره، ولكي يقنعوا أيضًا غيرهم بها.. احترس إذن من المسميات الخاطئة، ولا تسمح للشيطان بأن يخدعك. فإن الخطية هي الخطية مهما اختفت وراء اسم آخر.. كذلك احترس من حرب أخرى يلجأ إليها الشيطان، وهى:
إن الشيطان يتضايق من فضائلك الثابتة التي صارت وكأنها من طبيعتك. لذلك يحاول أن يحطمها بكل حيلة. وليس أسهل من أن يقدم لك فضيلة أخرى جديدة، إن لم تسلك فيها بإفراز – لقلة الخبرة – تضيع الفضيلة الأولى الثابتة. ومثال ذلك:
أ – إنسان يحيا في وداعة وهدوء وسكون وسلام قلبي ودماثة خلق...
يريد الشيطان أن يفقده كل ما فيه من رقة، ومن كلمة طيبة، ومن تواضع قلب. فماذا يفعل؟ إنه لا يستطيع طبعًا أن يذم له الوداعة، أو أن يقول له: أترك طبعك هذا المحبوب من الكل.. ولكنه يصل إلى ذلك عن طريق الإحلال.. يقدم له فضيلة بديلة، دون أن يقول له إنها بديلة.. وكيف؟
يشرح له أولًا أهمية الآية القائلة "غيرة بيتك أكلتني".
وكيف أن داود المشهور بالوداعة (مز 132: 1) هو الذي قالها. وكيف أن التلاميذ تذكروها حينما صنع السيد المسيح الوديع "سوطًا من حبال، وطرد الباعة من الهيكل، وطرد الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم" (يو2: 15، 17). وقال لهم مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 13).
ويدعوه إلى محاربة الأخطاء، ويزوده بكل الآيات اللازمة.
يقول له إن السيد المسيح وبخ الكتبة والفريسيين بشدة، وقال لهم في أصحاح كامل "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون" (متى 23)، وواجههم بكل أخطائهم. وقال لهم "أيها القادة العمان "أكثر من مرة. قال لهم "إنكم تشبهون القبور المبيضة من الخارج". وقال "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (متى 23: 38). ويوحنا المعمدان قال موبخًا قادة اليهود في أيامه "يا أولاد الأفاعي. من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي..." (متى 3: 7). ثم يقول له: اسمع قول القديس بولس الرسول. إنه أمر:
يأمرك قلًا "وبخ. انتهر. عظ" (2 تى 4: 2).
ولا يكمل له الآية "بكل أناة وتعليم". ولا يقول له إنها موجهة إلى القديس تيموثاوس الأسقف (أسقف أفسس)، وليس لكل أحد. ولا يشرح له كيف كان القديس بولس نفسه يوبخ. وكيف قال لكهنة أفسس"... لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد" (أع 20: 17، 31)... وهكذا يلح عليه أن يوبخ وينتهر...
كأنه المسيح أو المعمدان، أو القديس بولس، أو تيموثاوس الأسقف.
ويقتنع هذا "الضحية "المسكين. ويظل يوبخ الكل، وهو لا يعرف الطريقة الروحية للتوبيخ. ولا من يوبخ من؟ ولا بأي سلطان يفعل هو هذا؟ وفي توبيخه يقع في إدانة الآخرين، وفي الغضب، وفي القسوة، وفي التشهير، وتسود صور الناس في نظره، وربما بهذا الأسلوب يبعد الكثيرين عن الكنيسة.. ويتحول إلى قنبلة متفجرة، تقذف شظاياها في كل اتجاه.. !
وهكذا يفقد وداعته ورقته ودماثته، ويكره الناس ويكرهونه.
ثم ما يلبث أن يتعب من هذا الأسلوب الذي لا يتفق مع طباعه، يحاول أن يعود إلى حاله الأول، ولكنه لا يجد قلبه نفس القلب، ولا فكره نفس الفكر. بل يرى أنه قد فقد بساطته ونقاوة قلبه وفكره، كما فقد حسن علاقاته مع الآخرين، وفقد أمثلته الصالحة التي كان يستفيد بها غيره.
لقد أطمعه الشيطان في فضيلة لا يعرفها، وأفقده فضيلته الأولى.
فما احتفظ بالأولى، وما كسب الثانية. وصار في بلبلة! وهو يسمح له بممارسة الثانية، لأنها غير راسخة فيه، ولا تتعب الشيطان الذي يستطيع أن يزعزعه عنها بسهولة. من أجل هذا، كان آباؤنا ينصحون أولادهم بقولهم: إن أية فضيلة يقدمها لك الشيطان، ويقصدون بها أن يهدموا فضيلة أخرى عندك، أرفضها وقل لهم:
هذه الفضيلة جيدة. ولكنني من أجل الله لا أريدها.
حقًا، إن عمل الله لا يهدم بعضه بعضًا. وكل إنسان له شخصيته التي قد تختلف عن غيره. وقد لا يناسبه ما يناسب غيره. وليس كل أحد له سلطان أن يرتب وينظم، وأن يوبخ وينتهر، وأن يحكم ويدين. ومن يعطه الله هذا السلطان، لابد سيمنحه أيضًا كيف يستخدمه حسنًا، دون أن يخطئ... وليس كل إنسان يستطيع أن يقول "ويل لي إن كنت لا أبشر". فقد قال هذه العبارة القديس بولس الرسول الذي قال في شرح ذلك "إذ الضرورة موضوعة على "وأيضًا "قد استؤمنت على وكالة" (1كو9: 16، 17). وأنت، ما هي الضرورة الموضوعة عليك؟! ومن الذي استأمنك على وكالة، كما استؤمن القديس بولس من فم المسيح نفسه. وكما أخذ المعمدان رسالته في بشرى الملاك لأبيه (لو1: 15 – 17). وكما أخذ القديس تيموثاوس مسئوليته بوضع اليد (2تى 1: 6).