22 - 01 - 2014, 02:07 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 19 (18 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الله يعلن عن ذاتهمناسبة كتابية: ربما كان داود يتأمل جمال السموات وقت السحر حين أُلهم بكتابة هذا المزمور. يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور يحوي تسبحتين منفصلتين[379] [1-6؛ 7-14]، بينما يؤكد آخرون وحدة المزمور. فهو يظهر أن الله يعلن عن نفسه بإصدار ثلاثة كتب لتثقيف أبناءه، هي: الخليقة، والكتاب المقدس، والخبرة اليومية أو معاملات الله معنا كل يوم. تعلن الخليقة عن قدرة الله ومجده، أما كلمته فتعرفنا حب الله الخلاصي من أجل تقديسنا، أي تعلن عن قداسته. ومن خلال خبرتنا اليومية نكتشف العلاقة الشخصية بين الله وكل عضو من أعضاء الكنيسة، التي تتحقق خلال نعمته الإلهية. هذا المزمور هو تسبحة حمد لإله الكون "الوهيم" [1-6]، الذي يُظهر صدى كلمته السرية وبهاء لاهوته في السماء والأرض. يمجد المزمور الرب "يهوه" الذي له علاقة فريدة بشعبه تحيي كل جانب من جوانب وجودهم وتُضفي عليهم بالبهاء، بكونهم كنيسته الواحدة [7-11] وكأعضاء فيها [12-14]. يقول Stuhlmueller: [يحمل مزمور 19 تفاؤلًا روحيًا واتجاهًا مسكونيًا قويًا. 1. يتضمن تقديرًا خاصًا للكون في كليته؛ عالمنا يتخلله مجد الله! 2. يجب ألا يفسر سرّ الكون ولا يطبق فقط على حياتنا اليومية خلال القوانين الطبيعية، إذ يلزم ألا يضيع سرّه أو يتلاشى في موكب الحياة. فالمزمور يطلب منا أن نحفظ سرّ الإيمان في كل تعاليمنا وتفسيرنا للكون. 3. يجب أن يوجد صدى (أو تفاعل) بين ليتورجية الكون وليتورجية الهيكل (كأن الطبيعة في شهادتها لعمل الله لا تنفصل عن عبادتنا في الكنيسة). 4. الخطية ليست دائمًا هي ثمرة الإرادة الشريرة، لكنها قد تلقى بظلالها حتى على المثاليات والصلاح في ضمير الإنسان المرهف الحس[380]]. الإطار العام: 1. إعلان الخليقة [1-6]. 2. إعلان الكتاب المقدس [7-11]. المسيح كلمة الله 3. إعلان الحياة اليومية [12-14]. اقبل حياتي شاهدة لك يا الله! 1. إعلان الله في الخليقة: تحمل خلقة الله العجيبة شهادة له كخالق. يقول القديس بولس: "لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته" (رو 1: 20). الخلقة هي الشاهد الأول لله عند البشر، خليقته، بكونها لغة يفهمها الطفل ويستمتع بها الفيلسوف والعالم. لا توجد قطعة شعرية تحمل دلائل ضد الإلحاد أروع وأفضل مما ورد في هذا المزمور. في عودة نابليون من مصر خلال البحر الأبيض المتوسط سمع أحد ضباطه يتفوه بصراحة بكلمات إلحادية، عندئذ أشار نابليون إلى النجوم، وقال: "من صنع هذه؟" ولم يكن للإلحاد إجابة[381]. أعمال الله في الخليقة تشهد لله ليس بكونه القدير وكلي الحكمة فحسب بل بكونه الآب الذي يهتم بالكبائر والصغائر. قيل إن إلهنا قد أصدر كتابين: كتاب الخليقة فيه نقرأ عن قدرة الخالق ولاهوته؛ والكتاب المقدس الذي يعرفنا إرادة الله[382]. كانت الخطورة الكبرى في العصور الأولى أن يؤلّه الإنسان في ضعفه قوى الطبيعة التي لم يعرف كيف يتحكم فيها؛ أما اليوم إذ يظن الإنسان أنه قادر على ذلك يؤلّه نفسه؛ أما المرتل فقد أدرك بوضوح قوة الله وحكمته في الطبيعة[383]. الأعداد [1-6] هي "مزمور الطبيعة"، يشبه المزمور 8، مع تركيز أعظم على إظهار إبداع الله، متأملًا في شيء من الرهبة جلال الله المعلن في الخليقة. انعكاس فكر كاتب المزمور 8 يكمن بالأكثر في العلاقة بين الخالق وخليقته، أما موضوع المزمور (19: 1-6) فقد ركز بالأكثر على إعلان الله في الخليقة. كل الخليقة هي في خدمة الله، واجبها أن تتغنى بحمد الله وأن تكون أداة للإعلان عنه. السموات والجَلَد والنهار والليل كلها شهود وُهبت القدرة على الحديث عن الجلال الإلهي وعظمة عمل الخالق. فالسيد يُعرف خلال عمله[384]. *أعطى الله بواسطة كلمته، للكون ترتيبه وتدبيره، حتى يمكن للبشر أن يتعرفوا عليه بطريقة ما خلال أعماله ما دام هو بطبعه غير منظور. غالبًا ما يُعرف الفنان بأعماله حتى وإن لم يره الشخص[385]. البابا أثناسيوس الرسولي القديس يوحنا الذهبي الفم "السموات تذيع مجد الله" [1]. السموات هي الكتاب الذي يمكن للعالم كله أن يستقي منه معرفته بالله. يكشف علم الفلك عن بعض عجائب السموات غير المدركة. القليل الذي نعرفه عن ملايين النجوم والمجموعات الشمسية يكشف عن مجد الله، كما يقدم لنا شعورًا بالفرح إذ خلق الله الكون كله لأجلنا. فنحن الخليقة الترابة ننظر إلى فوق نحو السموات، متأملين أعمال الله، ممجدين إياه، لا نعيش كالحيوانات متطلعين بأنظارنا إلى أسفل نحو الرض. *ألا تسمع السموات وهي تبعث صوتًا خلال الرؤية (أي تتحدث معنا خلال تطلعنا إليها)، بينما ينطق النظام العجيب في كل الأمور بأكثر وضوح من بوقٍ؟ ألا ترى ساعات الليل والنهار مترابطة معًا بلا توقف، النظام البديع للشتاء والربيع وغيرهما من فصول السنة كأمر ثابت أكيد، والتزام البحر حدوده رغم دواماته وأمواجه؟ هكذا ترتبط كل الأمور بنظام مع جمالٍ وإبداع، كارزة بالخالق بصوت عالٍ[388]! القديس يوحنا الذهبي الفم القديس غريغوريوس أسقف نيصص ثيؤدورت أسقف قورش السموات هي الكنيسة الحقيقية المقدسة هي التي يسكنها المخلص السماوي. إنها تشترك في التسابيح الملائكية وفي الشركة مع السمائيين. بحياتها السماوية تحمل قوة الشهادة لمخلصها المؤثرة أكثر من أي جدال آخر. *"السموات تحدث بمجد الله" [1]. الإنجيليون القديسون، الذين يسكن الله في داخلهم كما في السموات يعلنون عن مجد ربنا يسوع المسيح، أو ربما المجد الذي قدمه الابن للآب في حياته على الأرض. * السموات هي القديسون، الذين يرفرفون فوق الأرض، حاملين الرب. *إننا عمله، مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة (أف 2: 10)؛ حقًا خلقنا الله ولم نخلق أنفسنا، ليس بشرًا فحسب وإنما خلقنا أناسًا أبرارًا إن كنا هكذا. القديس أغسطينوس يقول إشعياء النبي: "إرفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه؛ من الذي يُخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء، لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحد" (إش 40: 26).*إن كنت تشك في عناية الله سلْ الأرض والسماء والشمس والقمر. سلْ الكائنات غير العاقلة والزروع... سلْ الصخور والجبال والكثبان الرملية والتلال. سلْ الليل والنهار؛ فإن عناية الله أوضح من الشمس وأشعتها، في كل مكان: في البراري والمدن المسكونة، على الأرض وفي البحار... أينما ذهبت تسمع شهادة ناطقة بهذه العناية الفائقة[391]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس يوحنا الذهبي الفم وليل إلى ليل يظهر علمًا" [2]. كل الأيام والليالي هي ينابيع تفيض بمجد الله وتعلن مراحم الله ورعايته المتجددة في حياتنا. تفتح قلوبنا بالحب المتجاوب مع حب الله فنسمع صوته الإلهي إلينا بكلمة خاصة بنا، وينير أذهاننا بالعلم الروحي والمعرفة. مع كل نهار إذ يشرق شمس البّر ينطق المؤمنون بكلمات جديدة تعكس تجديدهم المستمر وخبرتهم مع الثالوث القدوس. تصير حياتهم ينبوعًا يفيض مياه حيَّة بلا توقف. لا يعبر يوم إلا ويُظهر الله شهادة واضحة عن قدرته وحنِّوه. يساهم كل يوم في تقديم برهان جديد على أبّوة الله الحانية لنا. ونحن من جانبنا نشهد لإلهنا نهارًا وليلًا، أعني في الفرج والضيق. نشكر إلهنا على عطاياه، ونصلي إليه بثقة عندما يحل بنا ضيق. النهار والليل ينطقان معًا في حياتنا، معلنين حب الله. يمكننا أيضًا القول بإننا نمجد إلهنا نهارًا وليلًا، يكون النهار رمزًا للعمل والليل رمزًا للتأمل في الله... نمجده بجهادنا بنعمته وأيضًا بتأملنا في أسراره؛ وإن كان العمل والتأمل يمثلان حياة واحدة متكاملة. يرى القديس أغسطينوسأن النهار يشير إلى الروحانيين وأن الليل يشير إلى الجسدانيين؛ بالإيمان الحيّ يتمجد الله في هؤلاء وأولئك... * "يوم إلى يوم يبدي الكلمة". يعلن الروح للروحيين عن "حكمة الله" غير المتغير في كماله، وأن الكلمة الذي كان مع الله من البدء هو الله (يو 1: 1). "وليل إلى ليل يظهر علمًا"؛ هذا الجسد القابل للموت الذي يقدم الإيمان إلى غير الروحيين يصرخ إليهم كما لو كانوا واقفين بعيدًا عن المعرفة التي تتبع الإيمان. القديس أغسطينوس الذي لا تُسمع أصواتهم، في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" [3-4]. تشهد الكنيسة للإنجيل بحياتها أكثر مما بكلماتها. إذ يسكن كلمة الله في حياتنا الداخلية ينطق للآخرين حتى بصمتنا. بالحياة المقدسة في المسيح نعلن عن الأخبار السارة خلال الصمت كما بالكلمات. * كل جنس وكل لسان يسمع إعلانات الليل والنهار. لسان يختلف عن لسان، ولكن الطبيعة واحدة وتقدم ذات الدرس بالنهار كما بالليل[393]. ثيؤدورث أسقف قورش القديس أغسطينوس القديس أثناسيوس الإسكندري القديس جيروم القديس يوحنا الذهبي الفم *مرة أخرى يقول داود في المزامير: "تعالوا إلى الله يا مدن الأمم، وذلك بلا شك لأنه "إلى كل الأرض" بلغت كرازة الرسل. قدموا للرب مجدًا وكرامة، قدموا لله ذبائح لاسمه، خذوا ذبائح وادخلوا إلى دياره"[397]. *لديكم نبوة عن عمل الرسل: "ما أجمل أقدام المبشرين بإنجيل السلام، تجلب الأخبار الصالحة، وليس أخبار حرب أو أخبار شر". "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقطار المسكونة بلغت كلماتهم"، بمعنى أن كلماتهم التي حوت الشريعة الصادرة من صهيون وكلمة الرب الصادرة من أورشليم قد انتشرت كما كتب: "الذين كانوا بعيدين عن بِرّي صاروا قريبين من بِرّي ومن الحق"[398]. العلامة ترتليان وهو مثل العريس الخارج من خدره" [5]. الشمس في العبرية كما في الآرامية "مذكر"، لهذا تقارن الشمس بالعريس. السيد المسيح - العريس السماوي - هو شمس البر الذي يشرق والشفاء في أجنحته (ملا 3). في كبد السماء نصبت الشمس خيمتها، وتبدو كأنها تسير مثل ملك جبار في موكب علني عالمي، تشع ببهائها على مشارق الأرض ومغاربها... إنها كملك يرحل، يضرب خيمته ثم سرعام ما يخلعها ويرحل إلى موضع آخر. تشرق الشمس بنورها وتبعث حرارتها لتهب حياة، هكذا جاء شمس البر يشرق على نفوس مؤمنيه في المشارق والمغارب ليهبهم استنارة ودفئًا روحيًا وحياة متجددة على الدوام. * إنه هو الذي يعد خيمته - الكنيسة - في الشمس، على مرأى من جميع الناس. القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهب الفم *من ثَم، فأنه جاء في المزمور: "كالعريس الخارج من خدره". لقد خطبنا عروسًا له خلال إعادة ميلادنا سريًا، نحن الذين كنا كفتاة ارتكبت الزنا مع الأوثان (حز 23: 37)، وقد غيّر طبيعتنا إلى عذراوية غير قابلة للفساد. مراسيم الزواج لم تكمل بعد؛ لقد زُفت الكنيسة إلى الكلمة، كما قال يوحنا: "من له العروس فهو العريس" (يو 3: 29). دخلت حِجال العُرسِ السرَّي، وها الملائكة تترقب عودة ملكهم الذي يقود الكنيسة إلى تلك الطوباوية اللائقة بطبيعتها[400]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص يليق بنا أن نلاحظ أن المرتل يرى العريس السماوي كالجبار المسرع فرحًا. إنه يهب المؤمن به فرحه الأبدي، بينما يظهر كجبار أمام الشرير الذي لا يقدر أن يلتقي معه أو يرى مخافيه. أما المؤمنون الذين يتحدون مع العريس فيشاركونه سماته: تصير حياتهم عذبة جدًا ومفرحة وفي نفس الوقت ينالون قوة وسلطانًا للغلبة على الأعداء حتى الموت نفسه. في عبادتنا ننعم بعريسنا المرتبك جدًا بحياتنا الداخلية، إذ نتحد نحن معه؛ وفي ذات الوقت نعبده بمخافة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بإن المؤمن إذ ينعم بالتبني للآب يتشبه بالابن الوحيد، يبعث أشعة روحية في هذا العالم بالمسيح الساكن فيه. * ما قيل عن الشمس "كالعريس الخارج من خدره" يمكننا بالحري أن نقوله الآن عن المؤمنين الذين يبعثون أشعة أكثر بهاءًا من الشمس[401]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس إيريناؤس * تبرد محبة الكثيرين من أجل برود خطاياهم المتزايدة، الذين يصيرون جامدين كالثلج، على أي الأحوال إذ يحل دفء الرحمة الإلهية بهم يذوبون[403]. الأب قيصريوس أسقف آرل 2. شهادة الكتاب المقدس لله: إن كان الإنسان لا يقدر أن يعيش بدون الشمس التي خلقها الله لأجله، بل أقام الكون كله لأجله، لكنه بالأحرى يجد في كلمة الله ما هو أهم وأعظم. الطبيعة تحدث الإنسان عن مركزه كمخلوق يحتل المركز الأسمى على الأرض، أما كلمة الله فتعلن عن مركز الإنسان كابن لله. في مديح الناموس إنما يمجد المرتل الله نفسه المتجلي في الناموس. الأعداد الثلاثة الأولى [7-9] أشبه بقطعة ليتورجية، تمجد ناموس الله بكونه هبة إلهية تنير وتقود. كلمة الله كاملة، أمينة، مستقيمة، نقية... يقدم المرتل ستة ألقاب لكلمة الله، ربما ليشير إلى ستة أيام العمل، وكأنه يليق بنا في جهادنا اليومي أن ننعم بكلمة الله كما بلقب جديد، وبتذوق جديد. كلمة الله لن تشيخ مطلقًا. أما في اليوم السابع، أي السبت والراحة، ففيها نلتقي بكلمة الله نفسه وجهًا لوجه بطريقة لا يُنطق بها. ألقاب كلمة الله الستة الواردة في هذا المزمور هي: ناموس الرب، شهادة الرب، فرائض الرب، وصية الرب، خشية الرب، أحكام الرب. "ناموس الرب بلا عيب، يرد النفوس. شهادة الرب صادقة، تعلم الأطفال" [7]. يقول القديس بولس: "فإننا نعلم أن الناموس روحي، وأما أنا فجسدي، مبيع تحت الخطية" (رو 7: 14). إن كلمة الله ترد النفس حيث تكشف عن الخطايا وتشير إلى طريق الخلاص منها بنعمة الله المجانية ومن جانب آخر فهي تهب المؤمنين البسطاء حكمة من فوق. "وأنك منذ الطفولة تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (1 تي 3: 15). إن كنا قد فسدنا بالخطية فلم يعد فينا أي في جسدنا شيء صالح، كقول الرسول بولس، فإن ناموس الرب أو كلمة الله بلا عيب، تحمل النفس الفاسدة إلى الصليب لتنهل من الدم الكفاري، فتصير هي أيضًا بلا عيب. وراء الكلمة المكتوبة يختفي مسيحنا الذي بلا خطية وحده، الكامل، الذي بلا عيب، نتحد به بروحه القدوس فنحمل سماته فينا ونُحسب في عيني الآب بلا لوم، إذ يرى صورة ابنه الوحيد الجنس مطبوعة في أعماقنا. يقول القديس مرقس الناسك: [إن السيد المسيح "كلمة الله" مخفي وراء الوصية، فمن يدخل إلى الوصية بحياته العملية إنما يلتقي بالمسيح نفسه]. * ناموس الرب ليس إلا الرب نفسه، الذي جاء لكي يكمل الناموس، وليس لكي ينقضه (مت 5: 17). القديس أغسطينوس الأب دوروثيؤوس من غزة "شهادة الرب صادقة، تعلم الأطفال" [7]. كلمة الرب صادقة، تدعى "شهادة الرب"، تشهد عن مرارة الخطية، وعن صدق وعود الله بالخلاص التي تُقدم للنفوس الواثقة في الرب، كثقة الأطفال البسطاء في والديهم، الذين يلتقون على صدورهم كما على صخرة الحب، يتمتعون بعهده الإلهي الصادق. "فرائض الرب مستقيمة تفرح القلب، وصية الرب مضيئة، تنير العينين عن بعد" [8]. كلمة الرب ليست أوامر ونواهٍ تسبب مرارة للنفس، إنما هي علامة حب بين الله والإنسان، تبعث الفرح الداخلي... لاحظ كيف بدأ المرتل برجوع النفس إلى الله (ترد النفس) ثم تلاها بالتعليم (تعلم الأطفال)، بعد ذلك فرح القلب. عندما تقود الكلمة النفس تردها بالتوبة إلى الحضن الأبوي، فيتعلم كطفل صغير كيف يثق في مشيئة أبيه، ويفرح داخليًا بتحقيق إرادة الله أبيه فيه. أفراح العالم تقف إلى حد ما عند الشفتين وإلى حين أما فرح الرب فيهز أعماق النفس الداخلية، لذا قال "يفرّح القلب". تفيض تعزيات الروح في أعماق الإنسان إذ يجد أنه بكلمة الله قد ارتد إلى الحضن الأبوي، وتغيرت طبيعته من أعماقها، وتمتع بأسرار الله خلال اتحاده معه! إن كانت الخطية قد أظلمت بصيرتنا الداخلية فصار الله بالنسبة لنا مرعبًا ومخيفًا، نهرب منه كما فعل أبوانا الأولان حين سمعا صوت الله ماشيًا في الجنة، فإن كلمة الله الخلاصية تفرّح القلب وتنزع عنه الحزن القاتل وتنيره بروح الفرح والرجاء فترى في الله إلهها المخلص. تنفتح البصيرة لا لمعرفة الخير والشر وإنما لإدراك وخبرة عربون الحياة الجديدة السماوية والميراث الأبدي. لذلك يترنم داود النبي، قائلًا: "وصية الرب مضيئة، تنير العينين من البعد"، أي تهبهما أبعاد جديدة في النظر... ترفع العينين إلى السماء عينها لتعاين الأمور غير المنظورة. "خشية الرب زكية، دائمة إلى أبد الأبد. أحكام الرب أحكام حق وعادلة معًا" [9]. يدعو كلمة الرب "خشية الرب" أو مخافته... وكما سبق فقلنا أن مخافة الرب هنا لا تعني خوف العبيد إنما روح التقوى. فإن كانت الكلمة الإلهية تحملنا للاتحاد مع الله في ابنه الكلمة المتجسد، فإننا إذ ننال - في مياه المعمودية - البنوة لله نحمل خشية البنين الذين يحرصون ألا يجرحوا مشاعر أبيهم المترفق بأولاده. بالمخافة نحرص ألا نخطئ، ونمتنع عن أن نخطئ بفعل النعمة الإلهية، فنثبت في الكلمة الأبدي، ونصير معه وبه خالدين، نعيش معه في سمواته إلى الأبد. يرى القديس أكلمندس الإسكندري أن الخوف يحفظنا من ارتكاب الخطية وأما الحب فيدفعنا إلى ممارسة الصلاح تلقائيًا كأبناء محبين لأبيهم القدوس الصالح. *أما بالنسبة لهؤلاء الذين بدافع الخوف يتحولون إلى الإيمان والبر، يبقى فيهم الخوف إلى الأبد. يُولّد الخوف امتناعًا عن الشر، أما الحب فيدفع إلى ممارسة الفضيلة بالبناء تلقائيًا، حتى يُسمع قول الله: "لست أدعوكم عبيدًا بل أحباءً، ويمكن للإنسان عندئذ أن يتقدم إلى الصلاة بثقة[405]. القديس أكليمندس الإسكندري "شهوات قلبه مختارة أفضل من الذهب والحجر الكثير الثمن، وأحلى من العسل والشهد. وأن عبدك يحفظها، وفي حفظها مجازاة كثيرة" [10-11]. الكلمة الإلهية الشاهدة عن أبوة الله وحنانه ليست فرضًا نتغصَّبه، وإنما هي أولًا "شهوة قلب"، تطلبها الأعماق إذ تجد فيها شبعها الحقيقي، وهي الغنى الحق أفضل من الذهب والحجر الكريم، وعذبة أحلى من العسل والشهد، بجانب هذا كله تقدم مجازاة كثيرة... أبدية لا يُعبر عنها. إنها فوق كل غنى العالم وقِيمِه وملذاته الأرضية. إذ يرتبط المؤمن بكلمة الله التي هي أفضل من الذهب والحجر الكثير الثمن، يصير هو بدوره ذهبًا وحجرًا كريمًا مُمتحنًا بالنار، محفوظًا ككنز إلهي مخفي، يحب كلمة الرب وأحكامه أكثر من حبه لنفسه أو لحياته الزمنية، مفضلًا إرادة الله عن إرادته الذاتية. *"أحلى من العسل والشهد" [10]. إذ تلتزم النفس بأن تصير عسلًا نقيًا، متحررة من رباطات الحياة المائتة، تنتظر في بساطة بركات الوليمة الإلهية؛ أو أنها تكون في قرص الشهد، ملتحفة بهذه الحياة كما في خلايا شمع العسل التي تملأها دون أن تصير مثلها (أي دون أن تصير شمعًا). وهي في هذا تحتاج إلى معونة يد الله التي تضغط لا لتحطم بل لكي تقطر عسلًا. تصير أحكام الله بالنسبة لمثل هذه النفس أحلى من كيانها هي ذاته، أحلى من العسل والشهد. القديس أغسطينوس * يجلب مَنّ كلمة الله لفمك التذوُّق الذي تشتهيه. على أي الأحوال، إذا ما تقبله إنسان ما بغير إيمان، فأخفاه عوض أن يأكله يُدوِّد. أتظن أننا نصل إلى التفكير بأن كلمة الله تصير "دودة"؟ ليت سماعك هنا لا يقلقك، إنما إصغ إلى النبي القائل في شخص ربنا "أما أنا فدودة لا إنسان" (مز 22: 6). إذ صار هو نفسه مصدرًا لهلاك البعض (بعدم إيمانهم) ووسيلة القيامة لآخرين، هكذا صار المن هو العسل الحلو للمؤمنين ودود لغير المؤمنين[406]. الأب قيصريوس أسقف آرل * إذ تختلط الكلمة بالحب تنطفئ في الحال شهواتنا ونتطهر من خطايانا؛ ويبدو القول "أحلى من العسل" في مجرى الحديث يخص الكلمة[407]... *عذبة هي الكلمة التي تهبنا نورًا، إنها أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وأشهى من العسل والشهد. كيف لا تشتهيها وهي التي تنير العقل الذي دُفن في الظلمة، وتهب حذاقة لعيني النفس المستنيرة بها؟"[408]. القديس أكليمندس الإسكندري الأب قيصريوس أسقف آرل حينما نتحدث عن الشريعة أو كلمة الله يليق بنا أن ندرك أن ربنا يسوع المسيح هو كلمة الله السرَّمدي، الحق الأبدي، الذي يعلن لنا الأسرار الإلهية. *اقبل المسيح، اقبل البصيرة الداخلية، تَقبّل نورك حتى يمكنك أن ترى الله والناس حسنًا. "عذبة هي الكلمة التي تهبنا نورًا، إنها أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وأشهى من العسل والشهد"[410]. القديس أكليمندس الإسكندري *مخلصنا هو صورة الله غير المنظور؛ إذا قورن بالآب نفسه فهو الحق، وإذا قورن بنا نحن الذين أعلن لهم الآب فهو الصورة التي تأتي بنا إلى معرفة الآب، المعرفة التي ليست إلا للابن، والتي سُرَّ الابن أن يعلنها[412]. العلامة أوريجانوس القديس باسيليوس الكبير 3. إعلان الله في خبرتنا اليومية: هذا القسم عبارة عن صلاة ومرثاة؛ فإنه إذ يتعرف المرتل على الناموس الإلهي كنور يصير أكثر حساسية للخطية حتى بالنسبة للصادرة عن سهو أو بغير إرادة، فيكتشف الإنسان بكلمة الله ظلمات نفسه. فإنه كلما اشتدت الإضاءة صار الظل أكثر وضوحًا. لقد كشف المرتل عن عظمة المكافأة لمن يحفظ الوصايا... لكن من يقدر أن يتبرر أمام الله؟ من يقدر أن يهرب من السهوات...؟ في كل يوم نختبر الله في رحمته كمخلص من الضعفات وغافر للخطايا... هذا ما يؤكده المرتل بقوله: "وإن عبدك يحفظها، وفي حفظها مجازاة كثيرة. من يقدر أن يتفهم الهفوات؟! طهرني يا رب من خفياتي ومن الغرباء اشفق على عبدك" [11-12]. يحدثنا القديس باسيليوس الكبيرعن مكافأة حفظ وصايا الرب، قائلًا: [توجد مكافأة عظيمة للذين يحفظون الوصايا، مجازاة جزيلة، أكاليل عدل، مسكن دائم، حياة بلا نهاية، فرح لا يُنطق به، مواضع لا تفنى مع الآب والابن والروح القدس الإله الحق في السموات، لقاء وجه لوجه، طرب في صحبة الملائكة والآباء والأنبياء والرسل والشهداء والمعترفين وكل الذين يرضون الله منذ البدء[414]]. هذا هو المجد العظيم الذي سيُستعلن فينا كأولاد لله حافظين بالحب وصيته... لكنه من يقدر أن يحفظ الوصية؟! بأنفسنا نحن ضعفاء وعاجزون، نحتاج إلى خبرة أعمال محبة الله اليومية معنا، فتشهد نعمته الغافرة للخطايا عن وجوده في حياتنا. يقول المرتل: "من يقدر أن يتفهم الهفوات؟! طهرني يا رب من خفياتي، ومن الغرباء اشفق على عبدك" [12]. كأنه يقول: "أنت يا رب تجد فيَّ الخطايا التي اختفت فيّ. ما أكثر الخطايا التي تحاربني خفيةً كغرباء وتقتل نفسي دون أن أدري لولا مراحمك عليّ؟!" خبرتي اليومية هي التلاقي مع مخلصي غافر الخطية بدمه الكفاري! * هكذا يعرف القديسون أن برّ الإنسان ضعيف وناقص ويطلبون مراحم الله على الدوام[415]. الأب ثيوناس القديس أغسطينوس القديس كيرلس الإسكندري لا تخف إن كنت مسيحيًا، لا تخف من تسلّط أي إنسان من الخارج، إنما خف الله على الدوام. خف الشر الذي في داخلك، وشهواتك الدنيئة التي لم يصنعها الله بداخلك إنما هي من صنعك أنت. لقد خلقك الله عبدًا أمينًا، لكنك خلقت لنفسك سيدًا شريرًا في قلبك. حقًا لقد صرت مستحقًا للخضوع للشر، تأهلت للخضوع للسيد الذي خلقته أنت لنفسك، إذ رفضت الخضوع لمن خلقك. *"واتنقى من خطية عظيمة"؛ أية خطية؟ بالتأكيد الكبرياء. لا توجد خطية أخطر منها تفصل الإنسان عن الله، فقد بدأت الخطية في الإنسان بالكبرياء. *لأنه ما لم أتبرأ من الخطية العظيمة تكون كلماتي موضع إعجاب في نظر البشرية وليس في نظرك (يا الله). النفس المتكبرة تود أن تشرق في عيني البشر، أما المتضعة فتشرق سرًا حيث يعاينها الله. إن كان أحد يرضي الناس بعمله الصالح فليفرح لأجلهم أي الذين يسرون بالعمل الصالح لكنه لا يفرح بنفسه (أي لا يفتخر بذاته)، ففي الحقيقة إن ممارسة العمل الصالح مشبع في ذاته (ولا يحتاج الإنسان إلى رضاء الناس). القديس أغسطينوس "وتكون جميع أقوال فمي بمسرة. وتلاوة قلبي أمامك في كل حين. يا رب أنت معيني ومخلصي" [14]. هكذا يختم المرتل المزمور بالسرور والفرح المعلنين بالفم والقلب، خلال التسبيح العلني والخفي، لأن الله هو معيننا في كل عمل صالح ومخلصنا غافر الخطية! اقبل حياتي شاهدة لك يا الله! * لتُقم يا رب ملكوتك في داخلي، فتعلن سمواتك فيّ! هب لي أن أتحدث بحبك وعمل خلاصك خلال حبي وحياتي! * أيها العريس شمس البر الجبّار، هب لنفسي بهجتك فلا ينزع العالم فرحك من أعماقي! هب لها قوة فتجاهد بنعمتك ضد إبليس وظلمته! * اغرس أحكامك فيَّ فتشبع نفسي وتغتني بك، أجدك أثمن من كل العالم، وأشهى من كل عذوبة! * إسترني من خطاياي الخفية والظاهرة، واحفظني من عدو الخير الغريب! هب لي برك فيمتلئ لساني تهليلًا وقلبي فرحًا! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:10 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 20 (19 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الله يخلص الملكمناسبة المزمور: هذا المزمور ملوكي، ليتورجي، ومسيّاني. كان يخص طقس الهيكل للملوك، خاصة في وقت الحرب. نظمه داود ليُصلى به عند نجاح حملته ضد بني عمون وآرام الذين جاءوا بعدد عظيم من الخيل والمركبات لمحاربته (2 صم 10: 6، 8؛ 1 أي 19: 7). بمعنى آخر، وضع داود المزمور كصيحة قتال، به يحث نفسه والشعب ويدفعهم إلى الصلاة[417]. ربما كان المزمور يُرتل بطريقة ليتورجية، كجزء من ليتورجية الذبيحة، تُؤَدَّى قبل خروج الملك إلى أرض المعركة. فقد اعتاد الشعب أن يجتمع في الهيكل للصلاة، لكي ما يَهَب الله نصرة للملك ولجيشه (أنظر 1 صم 7: 9؛ 13: 9؛ 1 مل 8: 44؛ 2 أي 20: 18 إلخ...)[418]. أما المزمور 21 فيُتلى كخدمة شكر بعد نوال النصرة. يُرى الملك في المقدس يقدم ذبائح [3]، بينما يجتمع الشعب في الدار الخارجية للصلاة لأجله. فإنه من واجب الشعب الصلاة لأجل ازدهار المسيّا الملك (ازدهار كنيسته المتحدة معه كجسده)، الخارج إلى المعركة ضد إبليس لأجل خلاص البشرية. لقد قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة لأجل العالم كله؛ لكن من واجب الكنيسة -كهنة وشعبًا- الصلاة والعمل لأجل خلاص البشر. يقول ابن عزرا (اليهودي) إن البعض يفسرون هذا المزمور كمزمور خاص بالمسيّا. ويرى كثير من آباء الكنيسة أنه نبوة عن آلام السيد المسيح وأعماله الخلاصية من أيدي أعدائنا، إذ تنتصر مع مسيحها! هذا الملك الغالب في المعركة هو المؤمن (رؤ 1: 6)، المدعو جندي المسيح. وكما يقول القديس بولس: "فاشترِكْ أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح" (2 تي 2: 3). يلزمه أن يتلو هذا المزمور طول اليوم، مصليًا إلى الله الذي يَهَبه النصرة الروحية في استحقاقات المسيح الذبيح. يقرن بعض المفسرين هذا المزمور بليتورجية ثابتة، هي ليتورجية بدء العام الجديد حيث يتمجد الله كملك[419] مع بداية كل عام جديد، أي يحسب بدء العام هو عيد تجليس الله ملكًا على شعبه، وفي قلوبهم، كملك غالب حطّم مملكة الظلمة من داخلنا. التزم داود النبي أن يدخل معارك كثيرة منذ صباه... ومع كل معركة نال خبرة جديدة عبّر عنها بتقديم مزامير، صارت سرّ قوة وفرح ورجاء للمؤمنين في معركتهم ضد إبليس؛ وهكذا يُخرِج الله من الضيقات عذوبة لا للمؤمن وحده بل وللكنيسة كلها. هيكل المزمور: 1. تشفع من أجل الملك [1-7]. * صلاة الجماعة أو الكاهن من أجل الملك [1]، وذلك عند وصوله إلى المقدس. * تسبحة يترنّم بها حورس المرتلين [2-3]، عند تقديم الذبائح. * تسبحة يترنّم بها خورس المرتلين [4-5 (أ)] عندما تُحمل الرايات والنُصُب التذكارية في موكب. * صلاة الجماعة [5 (ب)] عندما يقف الملك في الوسط. 2. صلاة شكر تتنبأ عن نصرة الملك [6-8]. * قول ينطق به رئيس الكهنة أو نبي. * استجابة الملك [6]: هنا فقط يتكلم الملك، إذ قد تشجع بصلوات شعبه، وتسنده الذبيحة التي قُدِمّت عنه، وتسابيح الخورس؛ لذا ينطق بباعث من الإيمان بعمل الله الأكيد معه. * تأكيد النصر [7-8] ينطق به رئيس الكهنة أو نبي في حضور الملك وجنوده. 3. ختام [9]. * تسبحة يرتلها الشعب [9]، ربما تتكرّر عدة مرات أثناء هذا الاحتفال. الإطار العام: 1. صلاة نبوية عن المسيح [1-3]. 2. اشتياق قلب المسيح [4-6]. 3. نمو ملكوت المسيح [7-9]. صلاة 1. صلاة نبوية عن المسيح: "يستجيب لك الرب في يوم شدتك" [1]. مسرة الله أن يستجيب صلوات مؤمنيه الذين يثقون فيه، واهبًا إياهم نصرة وحماية وسرورًا. حياتنا ككل لها وجهان متكاملان، فهي "يوم شدة" وفي نفس الوقت "يوم فرح داخلي". هي يوم شدة بسبب وجود عدو لا ينام، يحاربنا لكي ينتزعنا من أيدي إلهنا. وهي يوم فرح داخلي لأننا ننعم فيها بعربون الحياة الأبدية خلال شركتنا مع المسيح كنزنا وسلامنا. لقد تعلم داود الملك بما لديه من خبرة كرجل حرب أن يضع ثقته في الله، ليس فقط برفع صلاة لله في مخدعه أو حتى أمام تابوت العهد، وإنما أيضًا بطلبه الصلاة لأجله من الكهنة والشعب، وأن يقدموا ذبائح عنه. وكأن العبادة الشخصية والجماعية متكاملة. يتعرض أعظم الرجال -حتى الرسل والقديسون والملوك المقتدرون- للألم والضيق، ويحتاجون إلى صلوات الغير عنهم، ليعينهم الله نفسه. ففي الليتورجيات القبطية يصلي الكاهن من أجل الشعب والشعب أيضًا من أجل الكاهن. الكنيسة المصلية معًا -كهنة وشعبًا- لا يُستهان بها في السماء! يلتزم كل مؤمن -كاهنًا أو من الشعب- ألا يحتقرَ صلوات الغير لأجله، بل يطلبها في جدّية، حتى من الذين يَبْدون أقل منه في كل الوجوه. غير أن هذه الصلوات لا تفيد كثيرًا - حتى إن قَدَّمها قديسون - ما لم يُصَلِّ الإنسان نفسه أيضًا. فداود كان ملكًا، ورجل حرب، وقاضيًا إلخ... وكان لديه كهنة وأنبياء بل وكان الشعب أيضًا يصلي لأجله، ومع هذا لم يُعْفِ نفسه من الصلاة. ما هو يوم الشدة؟ إنه اليوم الذي فيه حمل ربنا يسوع خطايانا، محتملًا الموت، موت الصليب، لأجلنا. لقد اجتاز ربنا يسوع هذا اليوم، ومات على الصليب، ودُفن في القبر، وقام ثانية، وصعد إلى السموات، لكي يهبنا شركة مجده... هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، إنه يوم شدة، لكنه مصدر فرح وبهجة. الحياة الحاضرة هي "يوم شدة"، أو "وادي الدموع"، لأن الكنيسة كعروس للمصلوب تشارك عريسها آلامه، وتصارع بنعمته ضد الظلمة، وتجاهد حتى يتمتع كل واحدٍ بنعمة الخلاص. "ينصرك اسم إله يعقوب" [1]. سبق أن تحدَّثنا عن أهمية "الاسم"، بكونه يمثل صاحبه ويحمل قوته. فإننا ننعم بالنصرة ليس بواسطة "إله مجهول" كما شاهد الرسول بولس أثناء تجوّله في أثينا، لكننا ننالها (أي النصرة) خلال إله عرفناه، نعرف اسمه، ونختبر سِماته، وننعم بالشركة معه خلال الصليب. إسم الله ليس تعويذةً سحرية بها ننال الغلبة، وإنما هي تتمتع بالحضرة الإلهية واهبة النعم؛ ترديدنا إسمه إنما يعني ثقتنا في حضرته في داخلنا، ويقيننا أنه وحده يقدر أن يَفْدينا. أما ذِكْرُهُ "يعقوب" هنا فيعني أن الله العامل فينا والحاضر في حياتنا إنما هو رب الكنيسة كلها، بكْونِ يعقوب أب الأسباط كلها. وكأن المرتل يقول: إن كان لك لقاءٌ شخصيٌ مع الله فلتتيقّنْ أن رب الكنيسة كلها يدافع عنك أنت شخصيًا. ولما كان إبراهيم يمثل "الأبوة" وإسحق "الطاعة" ويعقوب "الصراع" فإن الله الذي ينصرك مجانًا إنما يعمل فيك وأنت تصارع ضد الخطية؛ فهو لا ينصر المتراخين في حياتهم والمتهاونين في جهادهم الروحي... إنه إله كل يعقوب مصارع! "يرسل لك عونًا من قدسه، ومن صهيون يعضدك" [2]. قُدْس الرب أو هيكله المقدس على الأرض هو رمز للمُقَدَّسات السماوية، أو سمواته عينها، حيث يسمع الله صلوات شعبه الصاعدة كرائحة بخور طيبة ويستجيب لها. الله القدوس الساكن في السموات يستجيب للطلبات التي تصدر عن قلب مقدس متفقة مع إرادته المقدسة... لذلك يُقال في ذات المزمور: "واستجاب له من سماء قدسه" [6]. إن كان الشعب يصلي لأجل مساندة الملك في حربه، فإن الله القدوس مالئ السماء والأرض يقدّم عونًا للملك من خلال مَقدسه أو من خلال تابوت العهد، كتجاوب أو كتحقيق لوعده الإلهي وميثاقه مع شعبه المقدس المحبوب لديه. والآن إذ قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة انفتحت أبواب السماء أمام الكنيسة لتعيش في السماء عينها أثناء خدمة ليتورجية الافخارستيا، فيرفع روح الله القدوس صلواتنا بل ونفوسنا إلى السماء فتنال العوْن الإلهي. هذا ما دفع المرتل للقول: "ومن صهيون يعضدك"، أي من كنيسة المسيح، صهيون السماوية، حيث يسكن المسيح السماوي الذبيح. إذا ما أقام الرب ملكوته في داخلنا (لو 17: 21)، نَصيرُ قُدْسه وصهيون الجديد... لذا نقدم صلواتنا لله الساكن فينا لنجد إستجابته السريعة تصدر من أعماقنا، ننعم بعونه، واهبًا إيانا النصرة في حربنا ضد عدو الخير. تحقق هذا القول في صورة فريدة رائعة مع ابن الإنسان حين أَحْنَي رأسه ليحمل خطايانا؛ فدخل إلى الضيقة، وكانت نفسه حزينة جدًا حتى الموت. وأرسل الآب ملاكًا من السماء يُعْلِن ما للإبن من مجٍد حتى في أَمرّ لحظات الألم. كانت آلامه مجدًا ونصرة لملك الملوك، فيه ننال كملوك نصرة من المقادس في صهيون السماوية! بقوله: "ومن صهيون يعضدك" يؤكد الوحي الإلهي دَوْر الجماعة المقدسة، وفاعلية صلواتها، فقد تمتع بطرس الرسول ببركة صلوات الكنيسة المجتمعة في العلية التي تصلي بلجاجة من أجله (أع 12: 5 إلخ). "يذكر جميع ذبائحك، ويَسْتسْمِن محرقاتك" [3]. يُشير المرتل هنا إلى الذبائح التي كانت تُقدّم أثناء التسبيح بهذا المزمور قبل ذهاب الملك إلى المعركة... تقديم الذبائح يُشير إلى أن سرّ النصرة يكمن في المصالحة مع الله بالدم، والمحرقات علامة الثقة وعربون النصرة؛ إذ يُقدّمُ الكل قلوبهم ذبائح محرقة ملتهبة بنار الحب الإلهي. والمؤمن في حربه اليومية يجد نصرته في ذبيحة المسيح، وقبول صليبه كقوة الخلاص. يقول الرسول: "ولكننا نكرز بالمسيح مصلوبًا... فبالمسيح قوة الله وحكمة الله... لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع وإياه مصلوبًا" (1 كو 1: 23-24؛ 2: 2). لنعرف أن الله يقبل محرقاتنا الروحية، إذا ما أشعل في نفوسنا بروحه القدوس نار الحب الإلهي التي تلهب قلوبنا داخلنا، ولا تقدر مياه كثيرة أن تطفئها... يهب داخلنا قوة القيامة ونصرتها على الموت وبهجتها الأبدية. * ليت الصليب الذي قدمت عليه ذاتك كمحرقة كاملة لله (الآب)، يتحول إلى بهجة القيامة. القديس أغسطينوس 2. اشتياق قلب المسيح: "يتمم كل مشورتك" [5]. ما هي شهوة قلب السيد المسيح؟ خلاص البشر الذي استدعى موته الذبيحي وقيامته وصعوده إلى الأمجاد، ليملك على القلوب. * "نعترف لك يا رب بخلاصك" [5]. إننا نبتهج، لأنه لم يكن ممكنًا للموت أن يؤذيك بأي حال من الأحوال؛ ولهذا أنت تبرهن لنا أنه لا يقدر أن يؤذينا نحن أيضًا. القديس أغسطينوس لقد وهب الله داود سُؤْل قلبه، لأن قلبه كان مثل قلب الله، ولم يهدف قط إلاّ إلى ما يُرضيه. وهكذا مَنْ يسلكون حسب مشورة الله وإرادته يتمم الله سُؤْل قلبهم ويحقق لهم إرادتهم، واهبًا إياهم الفرح الحقيقي. "نعترف لك يا رب بخلاصك" [5]. الذين يُثّبتون أنظارهم على خلاص الرب لا ينشغلون بالنصر في ذاته بل بالرب وعمله الخلاصي؛ يبتهجون به ويعترفون له بعمله العجيب المملوء حبًا. "وباسم إلهنا ننمو" [5] وفي النص العبري: "وباسم إلهنا نرفع رايتنا". ربما يعني رفع رايات النصرة التي تُرفرف أمام الجند. وكأنه في البركة التي يتمتع بها الملك قبل المعركة يُعِلن بهجةً برفع الرايات متأكدًا من عمله معه. جاءت فكرة رفع الراية عن عادة قديمة سادت في الشرق، وهي أنه في حالة حدوث جريمة قتل، يحمل ابن القتيل أو عائلته نوعًا من الضغينة ضد القاتل وعائلته، وتبقى الرغبة في الأخذ بالثأر إلى أجيال عديدة. يشعر أبناء القتيل وأحفاده بالالتزام بالثأر وإلا فقدوا كرامتهم ورجولتهم. أحيانًا كان يلجأ المطلوب قتله (أي القاتل نفسه أو ابنه) إلى مدينة ما ليطلب الحماية والرحمة من شخص له وزنه وتقديره؛ فإذا ما وافق الرجل وعفا عنه يقوم بمصالحته مع عائلة القتيل. وإذا ما تحقق ذلك تجتمع مجموعة من الرجال، وتجول في المدينة لتُعْلِن هذا النبأ السار بخلاص من كان يُطلَب قتله بحمل مَنْ تمتّع بالعفو راية فوق رأسه، ويصرخ داعيًا المدينة كلها كي تأتي وترى الإنسان الذي باسمه تمتع بالحرية وعُتِق من حكم الموت. هكذا نحن كنا تحت حكم الموت، وقد صرخنا طالبين الخلاص باسم المسيح الحسن، فوهبنا غفرانًا لنفوسنا وخلصنا من حكم الموت الأبدي، لذلك صار علينا التزامٌ أدبيٌ وروحيٌ أن نشهد أمام العالم كله بهذا الخبر السار، معترفين ومبتهجين بخلاصه، ممجدين اسمه لأنه استجاب لتوسلاتنا، فباسم إلهنا نرفع رايتنا، لكي يأتي الجميع ويروا ذاك الذي باسمه نحيا، وننعم بالخلاص العظيم[420]. "يا رب خلص مَلِكَكْ واستجب لنا يوم ندعوك" [6]. يرى كثير من آباء الكنيسة أن الملك المنسوب للآب، "مَلِكَهْ" إنما هو السيد المسيح، ملك الملوك، يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [لقد خلص الله المسيح بأن أقامه من الموت[421]]. 3. نُموّ ملكوت المسيح: "هؤلاء بمركبات، وهؤلاء بخيل ونحن باسم الرب إلهنا ننمو. هم عثروا وسقطوا، ونحن قمنا واستقمنا. يا رب خلص مَلِكَكْ، وإستجب لنا يوم ندعوك" [7-9]. هذه خاتمة رائعة لهذا المزمور المسيّاني، فإننا قمنا فيه. أدركنا الحياة الجديدة بعد موت الخطية. نحن ننعم بالاستقامة خلال صلاحه، فينمو ملكوته خلال خلاصنا. يكرز الأنبياء على الدوام مُعْلِنين أن إرادة الله لا أن يتنافس شعبه مع الأمم الأخرى، واضعين ثقتهم في أفضل أسلحة الحرب كالمركبات والخيل (تث 17: 16؛ هو 1: 7؛ 14: 4؛ ميخا 5: 9؛ إش 31: 1؛ زك 8: 9؛ مز 33: 16 إلخ؛ 147: 10 إلخ...) إنما سلاحهم هو الرب نفسه. تفتخر الأمم بقوتها الكامنة في المركبات والخيل وكل المظاهر الجذابة، أما كنيسة المسيح فتجد قوتها في عمانوئيل السماوي الذي جاء متواضعًا ووديعًا ليحملنا فيه إلى سمواته. * بالصلوات كانوا ينطلقون بالرب[422]. البابا أثناسيوس الرسولي العلامة ترتليان بدأ المرتل بالحديث عن آلام السيد المسيح، والدخول بنا إلى كنيسته للتمتع بعمله الذبيحي، ليملك بدمه الثمين على قلوبنا، واهبًا إيانا النصرة والغلبة باسمه وليس بالإمكانيات البشرية... وها هو يختتم المزمور بنصرتنا نحن فيه واستقامتنا ببره. صلاة * أيها القائد الحقيقي، لتدخل بنا إلى معركة الصليب، واهبًا إيانا الغلبة والنصرة على قوات الظلمة. * هب لنا التمتع بصليبك، قوة الله وحكمته، فلا نتكل على ذراع بشري، بل على عملك الإلهي! * اِمْلك يا رب في قلوبنا، وأقِمْ ملكوتك في داخلنا، ولا يكون للعدو موضع فينا! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:13 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 21 - تفسير سفر المزامير نشيد نصرة الملكمزمور ملوكي: هو مزمور ملوكي وصلاة ليتورجية من أجل انتصار الملك. يشبه المزمور السابق بكونه يركز على الملك؛ وهو يناسب أي احتفال ملوكي أو أي تذكار خاص بالملك. يرى بعض الدارسين أن المزمور السابق يُنشد قبل المعركة، أما هذا المزمور فهو تسبحة حمد لله تُرنَّم بعد المعركة من أجل استجابة الصلاة الواردة في المزمور السابق. وضعة داود الملك وهو في قمة الفرح بروح الشكر لله الذي وهبه النصرة، ربما في معركته ضد بنى عمون في رِبَّه (2 صم 12: 26-31). يعتقد البعض أن هذا المزمور يعكس احتفالًا في الهيكل قبيل المُضِيّ إلى الحرب كالمزمور السابق؛ وأن الاختلاف الأساسي بينهما هو أن المزمور 20 يهتم بطلب العون والنجاح في الحرب بينما يُشير المزمور 21 إلى دائرة المواهب الإلهية ككل الممنوحة لمسيح الرب[424]. ينفرد ثيؤدورت باقتراض أن المزمور كُتِب بمناسبة مرض الملك حزقيا وشفائه. يقول L. Sabourin: [ربما كان المزمور جزءًا من طقس تتويج الملك (راجع عدد 4 - الترجمة السبعينية)؛ ربما كان الكاهن - في حضرة الملك - يتلو كلًا من تقديم البركات بطريقة تعبدية [2-7] والصلاة [9-13]، بينما يردد الشعب العددان [8، 14] أنتيفون (قرار) مثل (مز 60: 6)... هذا المزمور هو ليتروجية خاصة بتتويج الملك، يشبه في هذا المزامير (5، 16، 23، 27، 42-43، 61، 63، 84، 91، 101)[425]. مزمور مسيّاني: يقول R.J. Clifford: [بعدما توقف النظام الملكي في إسرائيل بعد القرن السادس ق.م.، صارت لغة (هذا المزمور) مُستِخْدمة عن ابن داود المقبل[426]]. ويقول Gaebelein: [هذا المزمور مسيّاني. يُعلم الترجوم (الصيغة الكلدانية للعهد القديم) والتلمود بأن الملك المذكور في هذا المزمور المسيَّا. قبل العاِلم العظيم المتخصص في التلمود الحاخام سليمان اسحق المعروف باسم راشي (وُلد عام 1040 م.) هذا التفسير فاقترح أن يُتَرك هذا المزمور لحساب المسيحيين لاستخدامه برهانًا على أن يسوع الناصري هو المسيّا... لعدة قرون استخدم الطقسيون هذا المزمور بحق في الاحتفال بعيد الصعود، كذكرى لعودة ربنا إلى المجد ودوره كرئيس كهنتنا الأعظم... قبل العصر المسيحي، استُخِدم المزمور دون شك في العبادة الهيكلية]. بعض أجزاء من هذا المزمور [مثل عدد 4] لا يمكن أن تنطبق حرفيًا إلا على المسيَّا[427]، مع هذا لم يُقْتَبس هذا المزمور قط في العهد الجديد، وإن كان قد أُشير إليه بالتلميح مرتين في (عب 2: 9، 12: 2). إن كان هذا المزمور هو "نشيد نصرة الملك"، حيث نترنم بحب المسيَّا، ملك الملوك الممجد، الذي يهبنا فيه شركة الأمجاد، فإنه يقودنا إلى المزمور التالي (22)، مزمور "آلام المسيح المجيدة"، يقودنا إلى رابية الجلجثة، ويدخل بنا إلى أعتاب عرشه. يحثنا هذا المزمور على تكريس حياتنا تكريسًا كاملًا لحساب ربنا يسوع، في طاعة مطلقة لإرادة الله، وفي ثقة شديدة في أمانة الله من نحونا. الكلمة الاسترشادية (مفتاح السفر): الكمة الاسترشادية هي "قوة" [1، 13]؛ ويليق بنا هنا أن نشير إلى كلمة أخرى لها صلة بالقوة جاءت في العدد [7]: "وبرحمة (الحب الثابت) العلي لا يتزعزع"، تُفسرّ لنا مصدر كل قوة توجد في الميثاق بين الرب وشعبه، رباط الحب الشديد، الإخلاص خلال دم المسيح الخلاصي، المتأصل في الرب. الإطار العام: 1. نصرات المسيح الملك الماضية [1- 7]. أولًا: شكر لله من أجل قوته وخلاصه لماذا يفرح داود بخلاص الله؟ ثانيًا: الشكر لاستجابة الله سُوْل قلبنا ثالثًا: الشكر لله الذي يمجد ابنه رابعًا: الشكر لله من أجل الحياة المقامة خامسًا: الشكر لله من أجل البركات الإلهية سادسًا: شكر لله من أجل الفرح برؤية الله 2. نصرات المسيح المقبلة [8- 12]. 3. تسبيح وحمد الشعب [13]. صلاة 1. نصرات المسيح الملك الماضية: هذا القسم [1-7] هو شكر من أجل الأمتيازات التي قُدّمت للملك وكما قلنا أن هذا الملك هو ابن داود الذي يصوره المرتل كملك مقاتل يُحارب إبليس وجنوده الأشرار لحسابنا. ونحن أيضًا كأعضاء جسد المسيح صرنا ملوكًا محاربين، نتلقى العون من ملك الملوك في حربنا الروحية. لذلك أُستُخِدم الكثير من عبارات هذا المزمور عن القديسين في الليتورجيات مثل Desiderium cordis euis tribuistiei[428]. أولًا: شكر لله من أجل قوته وخلاصه. "يا رب بقوتك يفرح الملك، وبخلاصك يتهلل جدًا" [1]. إذ سأل بيلاطس السيد المسيح: "أنت ملك اليهود"، أجابه: "أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني...؟! أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العاَلم لأشهد للحق" (يو 18: 23-27). إنه ليس مجرد ملك، لكنه "الملك"، الذي ارتفع على الصليب بالحب كعرش له، ليقيم مملكته في القلوب وداخل النفوس. يمكننا القول إن المزمور السابق هو نشيد الملك في البستان حيث يدخل معركة الصليب "يوم الشدة"، مُقدّمًا حياته ذبيحة محرقة، وقد استجاب الآب طلبته وشفاعته الكفارية عن جميع مؤمنيه، الآن يُترنَّم بتسبحة القيامة، بكونها قوة الملك الغالب الموت، واهب الفرح والتهليل لكل المتمتعين بحياته المُقامة. لم يفرح داود بعرشة ولا بقوة جيشة وإنما بقوة الرب وخلاصه المجاني. ونحن أيضًا إذ نتحد مع ابن داود نملك على أهوائنا، لنعيش بحياته المُقامة، غالبين ومنتصرين. وكما يقول القديس بولس: "لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهِر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 2: 14). اختبر داود الملك أن كل خلاص إنما يتحقق بالله، متى قدم خلاصًا يُقهر كل عدو. لماذا يفرح داود بخلاص الله؟ أ. خلاص الله فعَّال، به يظهر كل الأعداء عاجزين عن أن يسببوا لنا ضررًا، إذ لا حول لهم ولا قوة أمام المخلص. *لما نظر الله الكائن في كل أحد، كيف مسك الشيطان البشر وقادهم في جميع طرقه الممتلئة عثرات... شفق وتحنن هو برحمته التي لا قياس لها، ورأى بحكمته ومحبته التي لا تدرك أن يكسر افتخار الشيطان وشموخه، ويُظهر ويفضح غشه... أتى إلينا وشفانا وشجعنا وقوّانا ونصرنا... وأشركنا مع عظمته، ورفعنا إلى عالمه الحقيقي ومملكته الأمينة[429]. القديس يوحنا التبايسي الآن إذ نأكل "كلمة" الآب، وتُمسح قلوبنا بدم العهد الجديد نعرف النعمة التي يهبنا إياها المخلص، الذي قال: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19). لأنه لا يعود يملك الموت، بل تتسلط الحياة عوض الموت، إذ يقول الرب: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6)، حتى أن كل شيء قد امتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب: "الرب قد ملك فلتفرح الأرض"[430]. البابا أثناسيوس الرسولي ب. يتحقق الخلاص بطرق لم تكن في الحسبان. ج. يتم الخلاص في أحلك اللحظات؛ الله لا يتأخر لحظة واحدة في تقديم مراحمه، لكنه أحيانا ينتظر حتى اللحظة الأخيرة[432]. د. لم يكن فرح داود بالنصرة في ذاتها بل في قوة الله وخلاصه. لم يفتخر داود بإمكانياته ولا بنصرة جيوشه، معطيًا كل المجد والكرامة لمخلصه. ه. كانت انتصارات داود ظلًا لانتصارات ابن داود التي تحققت بالصليب. يقول القديس بولس: "الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزى، فجلس عن يمين عرش الله" (عب 12: 2). كنائب عنا، تألم وصُلب لحسابنا؛ فيه قمنا وفيه ارتفع إنساننا الداخلي إلى السموات معه (أف 3: 6)، لهذا يتهلل السيد المسيح نفسه بخلاص الآب الذي تممه فيه، ولعمله الفدائي... إذ "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). لذا قيل: "يا رب بقوتك يفرح الملك، وبخلاصك يتهلل جدًا". ونحن أيضًا إذ صرنا ملوكًا نفرح بالشركة معه في صلبه، لأن ما يُسِرُّ الملك (المسيح) يُفرّحنا نحن أيضًا (1 صم 3: 16). في المسيح يسوع نتهلل حين نتمتع بعمله الفدائي في حياتنا اليومية وعند رؤيتنا الآخرين يَنْعمون معنا بذات النعمة التي نتمتع بها. ثانيًا: الشكر لاستجابة الله سُوْل قلبنا. "شهوة قلبه أعطيه، وسؤال شفتيه لم تعدمه" [2]. يبدأ المرتل بشهوة القلب ثم يُكمل بسؤال الشفتين، لأن شهوة القلب تسبق سؤال الشفتين ويَلزم أن تتفق معه، ليعمل الداخل والخارج حسب إرادة الله... عندئذ نجد استجابة الله السريعة للقلب كما للفم. لقد صلى مسيحنا بشفتيه: "مَجِدّ ابنك فيُمجِدك ابنك أيضًا" (يو 17: 1)، وجاءت كلماته تتفق مع شهوة قلبه، وقد استُجِيبَت. * اشتهي المسيح أن يأكل الفصح (لو 22: 15)، وأن يبذل حياته ليضعها بإرادته ويأخذها أيضًا بإرادته (يو 10: 18)، وقد تحققت شهوته. القديس أغسطينوس ثالثًا: الشكر لله الذي يمجد ابنه. "لأنك أدركته ببركات صلاحك، ووضعت على رأسه إكليلًا من حجر كريم" [3]. في النص العبري: "لأنك تتقدمه ببركات خير"، فقد سبقت بركات صلاحه أو خيره فأُعْلِنت حتى قبل تجسده، فقد رأى إبراهيم يوم الرب فتهلل وفرح (يو 8: 56)، وتمتع رجال العهد القديم بالخلاص خلال رموزه وظلاله وعلى رجاء موته. ونحن أيضًا في العهد الجديد تمتعنا ببركات صلاحه، فنلنا الكثير من العطايا الإلهية قبل أن نسأله أو نطلبها مثل نعمة الوجود، وتمتعنا بالإيمان المسيحي، ونوالنا العماد وسمحة الميرون وسكنى الروح القدس في قلوبنا مع أمور كثيرة لا تُحصَى وُهِبت لنا كما أنعم لداود بالعرش دون فضل من جانبه. لم يطلب أحد ما مخلصًا إنما هو من قبيل حب الله جاء الوعد بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية. وكأن عطايا الله للبشر هي من قبيل حبه وصلاحه، يبادر بالحب حتى قبلما أن نوجد أو نتعرف عليه. رأى المرتل مسيحنا مكللًا على الصليب كملك، فقال: "وضعتَ على رأسه إكليلًا من حجر كريم". حسب الظاهر وُضِع على رأسه إكليل شوك لا أحجار كريمة ليدفع ثمن خطايانا، أما في الداخل فقد توَّجنا معه ملوكًا لنَنْعم بأكاليل سماوية ثمينة. *إن كانت الملائكة تفرح متى رأت إنسانًا خاطئًا يرجع إلى الله تائبًا، فكيف لا يمتلئون فرحًا عظيمًا عندما يرون الطبيعة البشرية كلها - في بكرها - تصعد اليوم إلى السماء؟![433]. القديس يوحنا ذهبي الفم مجدًا وبهاءً عظيمًا جعلت عليه، لأنك تعطهِ بركة إلى أبد الأبد" [5]. لأجلنا أخلى ذاته عن مجده ولأجلنا تمجّد، نال من الآب الكرامة والمجد (1 بط 1: 17)، المجد الذي كان له من قبل تأسيس العالم (يو 17: 5). ربنا يسوع -ملك الملوك- يضع التيجان الملوكية على رؤوس مؤمنيه الأتقياء بيده. ما من درجة من الكرامة مهما علت لا يمكن لله أن يرفعنا إليها إذا أراد ذلك؛ فهو يرفع المسكين من المزبلة، ويقيمه وسط الأشراف (مز 113: 7-8) "الملوك الروحيين". فقد أخذ الرب داود من بين أغنامه وأقامه ملكًا متوجًا على أعظم عرش في المسكونة كلها في ذلك الحين. في استحقاقات الدم الثمين وهبنا ربنا يسوع المسيح روحه القدوس، الذي يشكل إنساننا الداخلي لنحمل شركة المجد والبهاء بصورة فائقة: * الابن يجعل الذين يقبلونه مشابهين له بواسطة الروح القدس[434]. *حينما تتجدد صورتنا بالقداسة يفعل هذا الروح، فنحن في الواقع نتغير إلى صورة الله، وهذا هو ما يقوله الرسول: "يا أولادي الذين اتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" فالمسيح فينا بالروح القدس الذي يجدد شكلنا بحسب الله[435]. * المسيح يتصور فينا بفعل الروح القدس الذي يرسم في نفوسنا صورة إلهية في البر والقداسة[436]. القديس كيرلس الكبير "حياة سألك فأعطيته، طول الأيام إلى أبد الأبد" [4]. لعل من أعمق الأسباب لتقديم الشكر لله هو تمتعنا بالحياة الجديدة الغالبة للموت. ربما قدم داود الشكر لله لأنه منذ صباه وحتى شيخوخته تعرض لتجارب كثيرة جعلته حسب المنطق البشري على عتبة أبواب الموت، وفي كل مرة كان خلاصة من الموت هو عطية من قبل الله، وليس بعمل بشري. شعر داود الملك أنه مدين لله بكل حياته. إن انطلقنا إلى ابن داود نجده وقد أطاع حتى الموت موت الصليب تقبل القيامة من الآب مع كونه هو "القيامة"، وبسلطانه وضع نفسه وأخذها... بالطاعة نال إرادة الآب أن يقوم. ونحن أيضًا إذ صرنا أعضاء جسد المسيح القائم من الأموات ننال هذه الحياة الجديدة فيه. *"حياة سألك فأعطيته"، أي القيامة التي اِنْجلَت في كلماته: "أيها الآب مَجِدّ ابنك" (يو 14: 7)، وقد أعطيتها له. "طول الأيام إلى أبد الأبد"، أي تلك السنين التي تعيشها الكنيسة في العالم الآن، وستبقى فيما بعد إلى الدهر الذي بلا نهاية. القديس أغسطينوس خامسًا: الشكر لله من أجل البركات الإلهية. "لأنك تعطيه بركة إلى أبد الأبد" [6]. السيد المسيح المُبارك، مصدر كل بركة؛ بالصليب بسط يديه فاتحًا أحضانه لكل الأمم كي تَنْعَم بالبركات الإلهية؛ فيجد الكل فيه كفايتهم وشبعهم. سادسًا: شكر لله من أجل الفرح برؤية الله. "أبهجته بفرح مع وجهك" [6]. نشكر الله من أجل قوّته وخلاصه اللذين يملاّننا فرحًا، وتهليلًا، ومن أجل تحقيق شهوة قلوبنا وسُؤْل شفاهنا في صلواتنا، من أجل المجد الذي نلناه في الداخل باتحادنا معه، ولتمتُّعِنا بالحياة الجديدة في المسيح يسوع، ومن أجل فيض بركاته، أما تاج هذا كله فهو دخولنا إلى ملكوت الفرح بتمتُّعِنا بوجه إلهنا حيث نَنْعم برؤيته. 2. نصرات المسيح المقبلة: الشكر الحقيقي الذي يقدمه المَلِك والشعب لا يكمن في تمجيد الماضي وإنما بالحري من أجل الثقة في عمل الله معهم في المستقبل. لقد عَلَّم المرتل شعبه أن يتطلعوا إلى الماضي بفرح مُمَجّدين عمل الله معهم حتى يثقوا في الله الذي يهب الخلاص من الأعداء مهما بلغت قوتهم. هو الذي خلصهم ويُخلصهم ويبقى يُخلصهم في المستقبل. لذا يصف المرتل هنا الأعداء وتخطيطاتهم ومصيرهم: "تظفر يدك بجميع أعدائك، ويمينك تظفر بجميع مبغضيك تجعلهم مثل تنور نار في آوان وجهك. يا رب بغضبك تُقلقهم، وتأكلهم النار" [8-9]. إن كان الرب بصليبه قد مزق صك خطايانا، وشّهَّر بعدو الخير وكل قواته؛ عند مجيئه الأخير سيحطم مملكته تمامًا. يجعله كأتون النار لأنفسهم، وذلك " في أوان وجهك"، أي في زمان مجيء الرب للدينونة؛ زمان الغضب. شَبَّه أعداء الملِك والذين هم أنفسهم أعداء الله، بالعُشْب الجاف والكلأ، الذي يُوقد به في التنور (الفرن)، ويُلقى في نيرانه. وقد تكررت الكلمة المقابلة للتنور oven 15 مرة في النص العبري والكلمة التي تقابل فرن furnace أربع مرات، هذه الصور تُعبّر عن هلاك أعداء الله، إذ يبيدون كقطع خشبية قد زُجَّت في الفرن، فيهلكون تمامًا[438]. وتُستخدم كلمة "نار" في الكتاب المقدس أحيانًا للتعبير عن غضب الله (راجع تث 4: 12؛ 5: 22-25؛ مز 18: 14) وعن يوم الرب الانقضائي (الاسخاتولوجي) (عا 1: 4-14؛ 2: 2-5؛ ملا 3: 2؛ 4: 1)[439]. ويقول سفر الرؤيا عن الأشرار: "يتصاعد دخان عذاباتهم إلى الأبد". لا يعني غضب الله كراهية أو انتقامًا لنفسه، وإنما يختار الأشرار لأنفسهم أن يكونوا عشبًا زائلًا ويرفضوا أن يَنْعموا بموضع في الحضن الإلهي. إنهم يعدون أنفسهم بمحض إرادتهم ألا يقبلوا مراحم الله ليشتركوا في أمجاده. "وثمرتهم من الأرض تهلك، ونسلهم من بني البشر" [10]. جاءت كلمة "ثمرة" في العبرية "أولاد" فالحديث عن الأولاد كثمر هو حديث قديم جدًا (راجع تك 30: 2؛ تث 7: 13؛ 28: 4؛ مز 127: 3؛ 132: 11؛ إش 13: 18؛ مرا 2: 20؛ هو 9: 16؛ مي 6: 7). في المسيح يسوع ربنا تهلك ثمرة إبليس وكل أبنائه، أي الخطايا التي تربض في القلب كما في الأرض. بنعمة الله لا يُتْرك لهم أثر في قلوبنا أو أفكارنا أو عواطفنا، فنقول مع موسى النبي: "لا يبقى ظلف" (خر 10: 26). إذ يُحوّل الرب قلوبنا إلى السماء تتبدد ظلمة إبليس وكل أعماله، فلا يوجد في داخلنا تراب أو أرض يمكن للعدو أن يركض فيها، لذا قيل "ثمرتهم من الأرض تهلك". ربما يعني بالأرض الجسد، فلا يكون للعدو ثمر في جسدنا كما لا مكان له في نفوسنا؛ إذ يتقدس الإنسان بكُليّته: الجسد والنفس معًا. "لأنهم أمالوا عليك شرورًا، وتشاوروا مشورة لم يستطيعوا إقامتها" [11]. أعداء المسيح أقوياء لكنهم أمامه ضعفاء للغاية. إنهم مملؤون دهاءً وشرًا، يدبرون بالخبث مكائدهم ضده وضد كنيسته، لكنه أخيرًا يفشلون إذ "لا يستطيعون إقامتها". إنهم كالأفعى تحمل سمًّا لكن رأسه مهشم، وكالأسد يزأر لكنه أسير! يقول الأب قيصريوس أسقف آرل: [إن هذه النبوة قد تحققت عندما زعم الجنود الأشرار أن التلاميذ جاءوا ليلًا وسرقوا جسد السيد المسيح وهم نائمون، لأنهم لو كانوا مستيقظين لحرسوا القبر؟ ولكن إن كانوا نائمين فكيف علموا ما حدث؟[440] بقولهم هذا أكدَّوا القيامة وهم لا يدرون؟ 3. تسبيح وحمد الشعب: "ارتفع يا رب بقوتك، نسبح ونرتل لجبروتك" [13]. جاءت الخاتمة مشابهة للأفتتاحية إلى حد كبير ومماثلة لختام (ذكصولوجية) الصلاة الربانية[441]. هكذا تنتهي آلامنا إلى إعلان مجد الله المفرح في حياتنا وفي لقائنا معه أبديًا! صلاة * يدك يا إلهي لا تقصر عن أن تعمل في حياة أولادك! * أنت الذي خلَّصتَ وتُخلّص وستُخلّص حتى تدخل بنا جميعًا إلى شركة أمجادك. * اقبل يا رب شكرنا وتهليلاتنا لأنك أتيت وخلصتنا؛ تسمع نبضات قلبنا وتستجيب لكلمات شفاهنا؛ تسكب بهاءك علينا فنصلح لمملكة؛ تهبنا حياتك سرّ القيامة التي لا يُحطمها الموت؛ تُفيض علينا بينبوع بركات لا يجف؛ وأخيرًا تُعلن ذاتك فنعرف ونراك وجهًا لوجه! * حَطّم يا رب ثمر العدو في قلوبنا، ولتُقِمْ ملكوتك داخلنا؛ ولتتمجَّد فينا إلى الأبد! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:18 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 22 - تفسير سفر المزامير آلام المسيح المجيدةمن الآلام إلى الأمجاد: يعتبر هذا المزمور بالنسبة للمسيحيين "قدس الأقداس". استخدم مخلصنا كلماته الافتتاحية في صلاته على الصليب وهو يروي لنا في شيء من التفصيل الصلب والقيامة وتأسيس مملكة المسيح الروحية من الأمم. نسمع في هذا المزمور ربنا يسوع -خلال فم داود النبي- يتغنى بتسبحة الألم ليحوّل آلامنا إلى تسبيح! وكما يقول القديس بولس: "ناظرين إلى... يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس عن يمين عرش الله" (عب 12: 2). مزمور مسياني: هيكل هذا المزمور فريد في نوعه يراه البعض مرثاة لها قوتها الخاصة[442]، ويحسبه آخرون تجميعًا لثلاثة مزامير منفصلة[443]، أو على الأقل لمزمورين: واحد مرثاة [1-21]، والآخر شكر [22-31]. هذان المزموران أو القسمان متمايزان عن بعضهما البعض، لاختلافهم من جهة نفسية المرتل، وأفكاره وأسلوبه[444]. يظن بعض الدارسين أن هذين القسمين كُتبا منفصلين بعد اجتياز المرتل خبرة مُرَّةً رهيبة، وأُضيفا فيما بعد إلى بعضهما البعض لاستخدامهما في الهيكل للعبادة، وقد فُسرا معًا كمزمور مستقبلي يحمل فهمًا مسيانيًا[445]. يتطلع آباء الكنيسة إلى هذا المزمور كمزمور مسياني، يروى بتناغم وتوافق أحداث الصلب المؤلمة جنبًا إلى جنب مع أحداث القيامة المبهجة، وأخبار الكرازة بالإنجيل (الأخبار السارة) بين الأمم لإقامة كنيسة المسيح، مملكة المجيدة! لا يمكن لمسيحي أن يقرأ هذا المزمور إلا ويلتقي بالصلب في حيوية وقوة. "النبوة" ربما هي الموضوع الوحيد لهذا المزمور (1 بط 1: 10-11؛ لو 24: 25-26)، إذ يُحسب إحدى النبوات الكاملة عن آلام المسيح واتضاعه ومملكته المجيدة غير المحدودة بين الأمم. ورد في العهد الجديد اقتباسات من هذا المزمور 13 مرة، منها 9 مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ ربنا يسوع المسيح مادة للكرازة بالرسالة الخلاصية لصلب السيد المسيح وموته وقيامته. مع شعور المرتل بالعزلة التامة والتخلي عنه، غير أنه يعيش في مملكة السلام. لا نجده يُلمِّح وهو متألم إلى خطية ما، ولا يناشد بتبرئة نفسه، ولا يدافع قط ضد اتهامات باطلة، ولا ينفث غضبًا ضد أعدائه. لا نجد ذكرًا مباشرًا للأعداء، ولا طلب اللعنة عليهم كما في معظم المراثي[446]. العنوان: "لإمام المغنين على أيلة الصبح (سحر الصباح) Aijeleth Sahar؛ مزمور داود". ماذا يعني تعبير "أيلة الصبح"؟ 1. يصف عمل السيد المسيح الفدائي: آلام القدوس وقيامته. إذ تتألم الأيل الجريحة وهي بريئة ليأتي عليها السحر بالفرج. هكذا تألم مسيحنا وجُرح على الصليب، ليعلن مجده في فجر الأحد بقيامته. مسيحنا مثل غُفْرِ الأيائل على جبال الأطياب (نش 8: 14)، مثل الظبية المحبوبة والوعلة الزهية لدى جميع المؤمنين (أم 5: 19)، ينطق بأقوال حسنة كنفتالي الذي يشبه "أيلة مسبية" (تك 49: 21). 2. بحسب التقليد اليهودي القديم، هذا التعبير يعني الشكناه، أي السحابة المجيدة التي كانت تظهر وسط شعب الله. بحسب التقليد كان الحمل يُقدم كذبيحة صباحية بمجرد أن يرى الرقيب من فوق قبة الهيكل أشعة الفجر (السحر) الأولى، فيصرخ قائلًا: "انظروا ها هي أشعة النهار الأولى قد سطعت". هكذا يتحقق إشراق الفداء المقدس خلال آلام المسيح حمل الله التي نراها في هذا المزمور[447]. 3. يرى آخرون أن هذا التعبير يشير إلى مجرد النغمة التي تستخدم للتسبيح بالمزمور. أقسام المزمور: 1. المسيح المتألم [1-21]. 2. المسيح الممجد [22-31]. 1. المسيح المتألم: ورد هنا وصف كامل لقصة الصلب الرهيبة، التي تحققت تمامًا وبطريقة حرفية خلال آلام السيد المسيح. "إلهي إلهي لماذا تركتني؟! بعيدًا عن خلاصي عن كلام زفيري (عن ثقل خطاياي)" [1]. ربما يقول أحد إن كلمات الافتتاحية هذه تناقض نفسها، إذ كيف يمكن لأحد أن يقول "إلهي" لذاك الإله الذي ترك عبده؟! إلا أننا لا نشعر أننا متروكون من الغرباء إنما فقط يكون لنا هذا الشعور نحو الملاصقين لنا. إنها صرخة يائسة اقتبسها ربنا على الصليب، مظهرًا أنه يختبر ما ورد في هذا المزمور. لقد حُسب ربنا -كمثل للبشرية- كأنه متروك من الآب إلى حين، لأنه صار لعنة لأجلنا (غلا 3: 13)، وصار خطية من أجلنا ذاك الذي لم يعرف خطية (2 كو 5: 21) حتى لا نصير نحن متروكين من الآب أبديًا. جاء في إشعياء "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة أجمعك، بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة، وبإحسان أبدي أرحمك" (إش 54: 7). شاركنا مخلصنا خبرتنا المُرّة إذ نشعر أن الله تركنا. صارع حتى الموت ليقيم نفسه جسرًا يقودنا خارج ضيقاتنا وينطلق بنا إلى حضن الآب. أُظهر لنا على الصليب مقدار بعدنا عن الله وانفصالنا عنه، هذا الذي هو علّة وجودنا كله. تدخل بنا هذه الكلمات وجهًا لوجه مع أعماق عمل المسيح غير المدرك الحامل لخطايانا، هذا الذي وضع عليه إثم جميعنا. يسوع الذي صار خطية لأجلنا، وفي خضوع وضع نفسه تحت غضب الآب وكراهيته للخطية. "أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن" (إش 53: 10). * لم يكن المسيح متروكًا من الآب ولا من لاهوته كما يظن البعض، أو كما لو كان خائفًا من الآلام فانفصل بلاهوته عن ناسوته أثناء آلامه...؛ وإنما كما قلت إنه كان ينوب عنا في شخصه. نحن كنا قبلًا متروكين ومرذولين، أما الآن فبآلام ذاك الذي لا يسوغ له أن يتألم (حسب اللاهوت) أقامنا وخلصنا[448]. القديس غرغوريوس النزيزى القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس القديس أمبروسيوس القديس يوحنا الذهبي الفم قداسة الله تكشف الفرق الشاسع بين عظمة الله وبيننا نحن. خلال الصليب صرنا ملتصقين بالله الذي لا يُدنى منه، إذ ننال الشركة مع الابن الذي هو بِرُّنا وتقديسنا، وفيه نصير قديسين. 2. يُظهر المزمور صورة الصليب بآلامه وعاره. يقول المرتل إن آباءه اتكلوا على الرب [5-6]، أما حالته فميئوس منها، لأنه دودة لا إنسان. "أما أنا فدودة لا إنسان، عار عند البشر ومحتقر الشعب" [6]. هذه هي كلمات السيد المسيح الذي صار مهانًا ومُحتقر الشعب. صار في عيني الأعداء مرزولًا من الله، كدودة مدوسة بالأقدام! الكلمة العبرية المقابلة ل "دودة" تُستخدم للحشرة الصغيرة cocus التي يستخرج منها الصبغة القرمزية اللون أو الأرجوانية، تنتج عن موت الحشرة. هذا اللون كان لازمًا في خيمة الاجتماع. هكذا مات السيد المسيح حتى تصير خطايانا التي كالقرمز بيضاء كالثلج. * "وأما أنا فدودة" ... الآن لا أتكلم كآدم، إنما أنا يسوع المسيح أتحدث باسمي الخاص. لقد وُلدت حاملًا الجسد البشري دون زرع بشر، حتى بكوني إنسنًا أصير فوق البشر؛ بهذا أُخضع الكبرياء البشري بامتثالهم لاتضاعي. * لماذا "... لا إنسان"؟ لأنه هو الله. لماذا وضع نفسه هكذا حتى قال إنه "دودة"؟ هل لأن الدودة تولد من جسم دون اتصال جسدي، كما جاء السيد المسيح من العذراء مريم؟ ... فقد وُلد من جسد لكن دون زرع بشري. القديس أغسطينوس يرى القديس باسيليوس الكبير في كلمات المرتل داود "أنا دودة لا إنسان" دعوة للاتضاع، إذ يقول: [هل احتقرك (إنسان) واستخف بك؟! أذكر أنك قد خُلقت من التراب (تك 3: 19)... إن دعاك وضيعًا، حقيرًا، كلا شيء، قل في نفسك إنك تراب ورماد. فإنك لست أعظم من أبينا إبراهيم الذي اعتاد أن يستخدم هذا الأسلوب مع نفسه (تك 18: 27). إن قال لك عدوك إنك حقير وشحاذ وتافه، قل في نفسك مع داود: "أنا دودة" وُجدت في الحمأة[452]]. هكذا في اتضاع ندرك حقيقة ضعفنا، لكي بالإيمان نتمتع بكرامة مسيحنا المتضع، ونُحسب بحق أولاد الله المكرمين حتى بين السمائيين.! * "عار عند البشر ومحقر الشعب" [6]. اتضاعي جعلي موضع سخرية البشر، فيستطيعون القول باستخفاف وبروح الإساءة: "أنت تلميذ ذاك" (يو 9: 28)، وهكذا يقودون الغوغاء إلى احتقاره. "يفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس" [7]. صمتت قلوبهم، فنطقوا بشفاههم وحدها. القديس أغسطينوس * يقول في المزمور: "لأنك أنت جذبتني من البطن" [9]، مشيرًا إلى أنه وُلد بغير زرع بشر، بكونه أُخذ من بطن العذراء وجسدها، لأن أسلوب الولادة (هنا) مختلف عن أسلوب أولئك الذين يولدون عن طريق الزواج[453]. القديس كيرلس الأورشليمي 4. يظهر مقاوموه -في المزمور- بوضوح أكثر من أي شيء آخر كعلة لآلامه [6، 7، 8، 12، 13، 16، 17، 18]. استخدم المرتل حديثًا مَجازيًّا لوصف أعدائه: الثيران، الكلاب، الأسود، قادة اليهود الأشرار اضطهدوا السيد المسيح كثيرانٍ وأسود متعجرفة بغيضة، وآخرون أقل منهم في المراكز شبههم بالكلاب، الدنسة، الجشعة، لا يكفون عن الحط منه. الشيطان نفسه، الأسد، هو العدو الحقيقي: "خلصني من فم الأسد" [21]. هذا المقاوم الخطير الذي له سلطان الموت قد تحطم بالموت (1 بط 5: 8؛ 2 تي 4: 17؛ عب 2: 14). * أنا نفسي كنت فريسة الأسد، عندما أمسك بي وقادني للموت، وهو يزأر: "أصلبه أصلبه" (يو 19: 6). القديس أغسطينوس القديس أغسطينوس 5. "وإلى تراب الموت تضعني" [15]: الموت الذي اجتازه كان بحسب إرادة الآب، كعمل طاعة من جانبه. 6. يصف هذا المزمور موت السيد المسيح على الصليب، هذه الوسيلة التي لم تكن متبعة قط عند اليهود، إنما ابتكرتها الإمبراطورية الرومانية. هنا يصور لنا هذا الموت الرهيب: أ. يشير إلى الظلمة [2] التي غطت الأرض عندما صُلب ربنا. ب. "كالماء انسكبتُ" [14]. عندما طُعن جنب ربنا خرج من الجرح دم وماء. ج. "انفصلت كل عظامي" [14]. عندما عُلق السيد المسيح على الصليب أرهقت العضلات وانفصلت المفاصل عن مكانها. * لا توجد كلمات تصف تمدد جسد (المسيح) فوق الشجرة أفضل من هذه: "أُحصى كل عظامي". القديس أغسطينوس * "تبعثرت كل عظامي" [14]. بالرغم من أن عظام جسمه لم تتبعثر، ولم يُكسر منها واحدة. لكنه إذ تحققت القيامة، قيامة جسد المسيح الكامل الحق، فإنه يجتمع معًا أعضاء جسد المسيح الذين يكونون في ذلك الوقت عظامًا جافة، كل عظم من عظمه، فيلتصق الكل ويرتبط معًا (لأن من كان عاجزًا عن الترابط معًا لن يبلغ الإنسان الكامل)، وهكذا يبلغون إلى قياس ملء قامة المسيح. حينئذ يصير الأعضاء الكثيرون جسد واحد، مع كثرتهم يصير الكل أعضاء الجسد الواحد[454]. العلامة أوريجانوس عظام السيد المسيح هي إيماننا الداخلي به، فإننا كثيرًا ما نئن عندما تشتد التجربة، صارخين في أعماقنا: "إلى متى يا رب تنساني...؟! إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أردد هذه المشورات في نفسي وهذه الأوجاع في قلبي؟" (مز 13: 1-2). كأن الله قد فارقنا أو إيماننا قد ضعف... لكن سرعان ما يعمل الله فينا بنعمته لنكمل صرخات المرتل: "يبتهج قلبي بخلاصك" (مز 13: 5)، معلنين أن عظامه فينا لا تنكسر وإن تبعثرت إلى حين! * بعدما سمعت النبوات الخاصة بموته، تسأل: ماذا يُقال عن صليبه...؟ "ثقبوا يدي ورجلي. أحصى كل عظامي" [16]. هذا عن موت يتحقق برفع الشخص وتعليقه على شجرة، لا يمكن أن يتحقق إلا بالصليب. أيضًا ثقب اليدين والرجلين لا يتم بموتٍ آخر غير الصليب[455]. البابا أثناسيوس الرسولي القديس جيروم * أحشاؤه ترمز إلى الضعفاء في الكنيسة. كيف صار قلبه كالشمع؟؟ قلبه هو إنجيله، أو بالأكثر حكمته المذخرة في الكتب المقدسة. الكتاب المقدس مغلق لا يفهمه أحد. عندما صلب ربنا ذاب الكتاب المقدس مثل الشمع، فصار حتى الضعفاء قادرين على الدخول إلى معانيه. لذلك انشق حجاب الهيكل (مت 27: 15)، لأن ما كان محجوبًا صار ظاهرًا. القديس أغسطينوس ) ز. "ولصق لساني بحنكي" [15]. ح. "وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ" [17]. ط. "ويقسِمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" [18]. * لقد عرفنا أنه يتألم. عظامه قد أُحصيت، أُستهِزئَ به، ثيابه قد قُسَّمت. ألقوا قرعة على لباسه، أحاط به الرجال وهم مملؤون غضبًا وعظامه تبعثرت. إننا نستمع إلى القصة ونقرأ عنها في الأنجيل. القديس أغسطينوس "أنقِذْ من السيف نفسي" [20]. إنه السيف الملتهب الذي للغضب المقدس، الذي يتحرك في كل اتجاه. 2. المسيح الممجد: كما أن الكلمات الأولى للمرثاة [1]. استخدمها السيد المسيح على الصليب. هكذا نُسبت الكلمة الأولى لأغنية النصرة إلى السيد بوضوح (عب 2: 12). في هذا القسم يشير المرتل إلى الشبع والنصرة الذين يهبهما المخلص في آلامه، بإعلانه عن حضرته وسط كنيسته المملؤة فرحًا وشبعًا: 1. أُُقيمت الكنيسة بإعلان "اسم الله" [22]. قال مخلصنا في صلاته الوداعية: "وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). لقد تعرفنا عليه خلال حبه الإلهي على الصليب. عمل الكنيسة في كل عبادتها التمتع بالمعرفة الإلهية ومنحها للمؤمنين. فالمعمودية مثلًا تُدعى "سرّ الاستنارة"، وفي الأفخارستيا ننال معرفة عملية جديدة[457]. 2. المدعون (للعضوية في كنيسة المسيح) يدخلون في علاقة قرب شديدة للسيد المسيح، فيُحسبون "إخوته". "أُخبْر باسمك إخوتي، في وسط الجماعة أسبحك" [22]. بينما رأيناه على الصليب وحيدًا، لا نراه هكذا بعد، بل يظهر وسط إخوته. في يوم قيامته قدم الرسالة المفرحة: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو 20: 17). نسمعه يخاطب تلاميذه كإخوته وذلك في يوم قيامته المجيدة بعدما اجتاز آلامه. فإننا إذ نتقدس بعمله الخلاصي (آلام الصليب)، ليس فقط لا يخجل بل يُسر جدًا أن يدعوهم هكذا "إخوته" (عب 2: 12). * إننا أقرباء الرب حسب الجسد، لذا يقول: "أخبر باسمك إخوتي" (عب 2: 12؛ مز 22: 22). وكما أن الأغصان واحدة مع الكرمة (الأصل) وهي منها (يو 15: 1) هكذا نحن أيضًا جسد واحد متجانس مع جسد الرب، ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا (يو 1: 16)، ولنا هذا الجسد كأصل لقيامتنا وخلاصنا[458]. القديس أثناسيوس الرسولي * بفرح أعلن مجدك في أركان كنيستي. القديس أغسطينوس الحب ومخافة الرب هنا متكاملان في حياة المؤمنين. بهما يُعد المؤمنين زرع يعقوب وإسرائيل، وعليه تحل بركة إبراهيم [23]. 5. هؤلاء الإخوة الذين ينالون الحب مع مخافة الرب المقدسين يلزمهم أن ينضموا في الجماعة العظيمة [25]، الكنيسة الجامعة. فالكنيسة كمملكة الله يليق بها أن تمتد إلى كل أركان الأرض [27-28]. تنبأ عن خلاص الأمم قائلًا: "تَذكُر وترجِعُ إلى الرب كل أقاصي الأرض" [27]، يأتي العالم ليعبد الرب. "الجماعية" كموضوع هذا المزمور موحاة من (مز 18: 44) في اختصار، ومن مزمور 87 بأكثر توسع[459]. * ستتعبد له كل أجناس المسكونة داخل قلوبهم، "لأن للرب المُلْك، وهو المتسلط على الأمم" [28]. المملكة هي للرب لا للإنسان المتكبر، وهو يتسلط على الأمم. القديس أغسطينوس * إن نفسي التي تستهين بهذا العالم يبدو كميت في نظر الإنسان، تنسى ذاتها لتعيش في (المسيح). القديس أغسطينوس يصير المساكين بالروح أغنياء بالبركات الروحية، ويشبع الجياع بالخيرات، لأن السيد المسيح نفسه هو شبعهم! يرى القديس أكليمندس الإسكندري في العبارة: "تحيا قلوبكم إلى الأبد" [26] أن سرّ الشبع والحياة هي المعرفة الروحية التي وُهبت لنا بالسيد المسيح. * الذين يطلبونه بالحق مسبحين الرب يمتلئون معرفة، وتحيا نفوسهم، فإن يُقال عن النفس "قلبًا" من قبيل الرمز، هذا الذي يدبر الحياة[460]. القديس أكليمندس الإسكندرى 8. يليق بالكنيسة أن تستمر حتى النهاية، عبر الأجيال. "تحيا قلوبُكُم إلى الأبد" [26]. لأننا في المسيح يسوع المُقام لن نعرف الموت قط إنما نعيش فيه أبديًا، نشاركه أمجاده. عندما نترنّم بهذا المزمور نتأمل في آلام السيد المسيح وقيامته، نشاركه صلبه ونبلغ قوة قيامته ومجدها، كمصدر نصرتنا على الموت وتمتعنا بالمجد السماوي. |
||||
22 - 01 - 2014, 02:21 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 23 (22 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير مزمور الراعيأو مزمور الباراقليط تسبحة ثقة مزمور ملوكي ليتروجي ارتباطه بالمزمور السابق مزمور سرائري الخطوط العريضة للمزمور راعيّ ماذا يقدم لنا الراعي؟ 1. "في مراعٍ خُضْرٍ يُرْبِضني" 2. "إلى مياه الراحة يوُرِدني" 3. "يَهديني إلى سُبُل البِرّ" 4. "وأيضًا إذ سرت في وادي ظل الموت 5. "عصاك وعكازك هما يُعزيّانني" 6. "تُرتّب قدامي مائدة تجاه مضايقي" 7. "مسحت بالدهن رأسي" 8. "كأس سكرك، ما أمجدها؟!" راعيّ الصالح تسبحة ثقة: يُعتبر هذا المزمور من أعذب ما ورد في سفر المزامير، بكونه تسبحة ثقة؛ فالسمة الغالبة عليه هي اليقين والثقة في الله حيث يرتمي المرتل على صدر الله كطفل وقت السِلْم والسكون[461]. في هذا المزمور يختفي بوق الحرب لتظهر قيثارة السلام التي لا تعود تُصْدِر لحنًا حزينًا بل سيمفونية حب مفرحة تتغنى بالله كراعٍ صالح قائد حكيم وصديق شخصي للنفس البشرية. يحب اليهود الأرثوذكس هذا المزمور، ويستخدمه اليهود المصلحون Jews Reformed للعبادة في المجمع. وجد آباء الكنيسة الأوائل بهجتهم وسرورهم وتهليلهم فيه، إذ رأوا فيه رعاية الراعي الصالح وعنايته بقطيعه. حسنًا اختاره القديس أغسطينوس كتسبحة للشهداء[462]. يعتقد كثيرون أن هذا المزمور هو أحد المزامير الأولى التي نظمها داود النبي؛ وتُشكّل عادات حياته الأولى كراعٍ للغنم لتصورات الجزء الأول من المزمور. يُعتَبر داود بحق هو أنسب شخصية تكتب مزمورًا تقويًا رعويًا كهذا[463]. يقول الأسقف وايرز Weiswe: [إن المؤلف اختبر خلال الخدمة الإلهية بركات الشركة مع الله. إذ كان يسترجع حياته الماضية فيراها وقد عبرت تحت رعاية الله اليقظة الساهرة وسط كل أنواع الضيقات. هذه الرعاية الإلهية أو قيادة الراعي تحتضن كل عضو من شعب الله بل وكل الشعب كجماعة. ويمكن لهذه الخدمة الإلهية أن تصير تسبحة حمدٍ لله، حيث قاد الراعي (مز 80: 1) الشعب المتمتع بالعهد وعَبَر به خلال تاريخ الخلاص، خاصة في نصرة الخروج التي انتهت بما ناله الشعب من سلام في أرض الرب أو أرض الموعد (إش 40: 11؛ 63: 14؛ حز 34؛ مز 95: 7؛ 100: 3)]. مزمور ملوكي ليتروجي: يرى A.L. Merrilأن هذا المزمور يصف طقس تتويج الملك، يتضمن موكبًا يبدأ من الهيكل ويستمر إلى الينبوع، وربما يشمل الطوف حول المدينة المقدسة (مز 48: 13 الخ). ربما يُستخدم هذا المزمور في تجليس الملك (مَن نسل داود) أولًا بكون هذا التجليس ليس إلا رمزًا لرعاية السيد المسيح نفسه (ابن داود) الملك الراعي المحب لشعبه، غير المتسلط. ثانيًا، لكي يتأكد الشعب عند تجليس الملك أن الراعي الحقيقي ليس الملِك ولا القيادات المدنية أو الكنسية إنما الله نفسه الذي يرعى الكل ويهتم بالنفس والجسد معًا. يرى E. Vogt أن هذا المزمور مرتبط بذبيحة الشكر التي يقدمها زائر للأماكن المقدسة من أجل تمتّعه ببركة معينة، فيكون كمن عَبَر بوادٍ مظلم [4] ليدخل إلى بيت الله[464]. ومع كل عطية نتمتع بها نرى يدّ الله الحانية ورعايته الفائقة لنا، إذ يقودنا في وادي هذا العالم لنسكن معه أبديًا في مَقْدسه السماوي [6]. ارتباطه بالمزمور السابق: في المزمور السابق نرى صورة رائعة للراعي المتألم، وهنا نجد صورة مبهجة للقطيع المملوء فرحًا وشَبَعًا. في المزمور السابق نرى الراعي وقد عُلّق على الشجرة لكي يحمل أتعاب شعبه، ويَعْبر بهم خلال صليبه إلى الأمجاد... هنا يتقدم الراعي قطيعه ليدخل بهم في استحقاقات دمه إلى مراعٍ خضراء، هي فردوسه المشبع للروح، يدخل بهم إلى جداول مياه مُنسابة وسط المراعي، هي جداول روحه القدوس المروي للأعماق الداخلية. ما كان يمكننا أن نتمتع بهذا المزمور "جوهرة المزامير" ما لم نَتقبَّل عمل المسيح الخلاصي وندخل إلى المزمور السابق بكونه "قدس الأقداس". ما كنا نختبر عذوبة رعاية المسيح ما لم نتعرف على دمه المهراق لأجلنا. لا يمكن للنفس أن تترنم "مسكني في بيت الرب طول الأيام" [6]. ما لم يصرخ المخلص: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟!" (مز 22: 1). صار متروكًا حتى كما من الآب وهو واحد معه في الجوهر ومساوٍ له، لا ينفصل عنه لكي نصير نحن غير متروكين منه أبديًا. مزمور سرائري: يختفي وراء بساطة هذا المزمور العمقُ مع القوة. لقد وجد المسيحيون الأوائل في هذا المزمور رمزًا لأعمال السيد المسيح القدسية السرائرية. لهذا جعلوه من صُلْب ليتورجيا العماد، ففي ليلة عيد القيامة (الفصح المسيحي) كان المعمدون حديثًا غالبًا يترنمون به بعد نوالهم سرى العماد والميرون، وقد لبسوا الثياب البيضاء وحملوا المشاعل، مُسرعين تجاه مذبح الرب بالفرح يشتركون في المائدة السماوية. ومازالت كنيستنا تترنم بهذا المزمور يوميًا أثناء تسبحة الساعة الثالثة، تذكارًا لحلول الروح القدس على التلاميذ في تلك الساعة، هذا الروح الذي لا يزال عاملًا في الكنيسة، خاصة في الأسرار الإلهية المقدسة. الخطوط العريضة للمزمور: يبرز هذا المزمور الله المخلص من جوانب ثلاثة: المخلص كراعٍ صالح، المخلص كقائد يدخل بنا في سُبًل البرّ، المخلص كصديق يستقبلنا في بيته المقدس كل أيام حياتنا. 1. راعيّ [1-3 (أ)]: يمثل داود ربنا، المسيّا الراعي، يهوه الراعي. يُستَهلُّ المزمور في سطوره الأولى بإلقاء الضوء على أكثر الصور شعبية في الكتاب المقدس: صورة الراعي (تك 49: 24؛ حز 34: 11-16). في لفظة "راعٍ" يستخِدم داود أكثر التشبيهات الإيضاحية التي تكشف عن التصاق الراعي برعيته، فهو يعيش مع قطيعه، وهو كل شيءٍ بالنسبة للقطيع: يقُوته ويغذيه ويقوده ويوجهه ويعالجه ويحميه. نرى في كل تشبيهات المزمور رقة وعذوبة تخترقان القلوب التي تتلامس مع النعمة الإلهية الحانية. فما هو أعذب وأحلى من تقديم الله كراعٍ؟! 2. قائدي في سبُلُ البر [3 ب-4]: السبُلُ التي يسلكها القطيع إما أن تكون مَعيبة أو تُبرّئ اسم راعيها الصالح. تتحقق وعود الراعي وإرادته المقدسة خلال عنايته وحمايته اللتين يُظهرهما المرتل، وهكذا يُعلِن الله عن ذاته خلالهما. 3. صديقي ومضيفي [5-6]: لقد أُعدَّ وليمة عائلية بذبيحة نفسه لكي يُشبِعني ويهبني فرحًا مبهجًا. راعيّ: "الرب راعيّ فلا يُعوزني شيء" [1]. اعتادت الأمم الشرقية أن تدعو حكامها وملوكها الصالحين "رعاة". عندما يدعو الكتاب المقدس الله "ربنا" و"ملكنا" و "الخالق" الخ... فإننا عادة نشعر بقدرته وقوته ومجده في خوف ورعدة، لكن بتَسْميته "الراعي" نتذوَّق بالحري حلاوته ورقّته وتعزيته لنا وعنايته بنا - وبنفس الشيء تقريبًا عندما ندعوه "أبانا". إنني بلا شك لا أعتاز شيئًا البتة، إذ هو بنفسه يصير طعامي وشرابي وملبسي وحمايتي وسلامي وكل عوني لحياة كلها بهجة. حضوره الواهب النِعَمْ في قلبي يهبني شبعًا وكفاية. إذ يقبل الموعظ (طالبُ العماد) الرب راعيًا له، ويصير من قطيعه، يشترك في جسده ودمه المبذولين، فماذا يحتاج بعد ذلك؟ في المسيح يسوع لا يحتاج المؤمن شيئًا، إلا ما يجده في المسيح، أو بمعنى أدق يحتاج إلى السيد المسيح نفسه. هذه هي أحاسيس القديس أمبروسيوس[465] وهو يرى الكنيسة -ليلة عيد القيامة- وقد صارت سماءً، وجموع المعمَّدين حديثًا قد نالوا روح التبنّي، يُسْرِعون مع صفوف المؤمنين بالتسبيح والترنيم نحو المائدة الإلهية، يَنْعمون بما تشتهي الملائكة أن تطَّلِع إليه! * هناك حِمْلٌ واحد حَمَلْتَه على كتفيك، "طبيعتنا البشرية[466]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص يحدثنا العلامة أوريجانوس عن عناية الله ورعايته الفائقة، بكونها رعاية دائمة وشاملة ودقيقة تحتضن كل شيء حتى شعور رؤوسنا، بل ومن أجلنا يهتم الله حتى بالخليقة غير العاقلة: * إنه بعنايته يهتم بنا يوميًا، بصفة عامة وعلى وجه الخصوص، علنًا وخفية، حتى وإن كنا لا ندرك ذلك[467]. * إننا نعترف بعقيدة أكيدة وثابتة، أن الله يعتني بالأشياء القابلة للموت، وليس شيء ما في السماء أو على الأرض ليس تحت عنايته[468]. * العناية الإلهية تضم الخليقة العاقلة أولًا، ولكن نتيجة لذلك فهي تضم الحيوانات غير العاقلة لأجل نفع الإنسان[469]. *ما يحدث في حياة البشر... لا يتم بمحض الصدفة، ولا بطريقة عشوائية، وإنما بهدفٍ سامٍ محسوب، يشمل حتى شعر الرأس (مت 10: 3). هذا الأمر لا يخص القديسين وحدهم كما يظن البعض، وإنما يشمل كل البشر. فإن العناية الإلهية تمتد لتشمل العصفورين اللذين يُباعان بفلس (مت 10: 29)، سواء فهِمْنا مثل العصفورين بطريقة روحية أو رمزية[470]. * تحتضن العناية الإلهية كل شيء حتى أن شعور رؤوسنا محصاة لدى الله[471]. العلامة أوريجانوس والآن ماذا يقدم لنا الراعي؟ 1. "في مراعٍ خُضْرٍ يُرْبِضني" إنه يقود الموعوظين إلى تلك المراعي التي فيها يتهيأون لنوال المعمودية. وإذ ينالون روح التبني تبقى نفوسهم تغتذي يوميًا من مرّعْي كلمة الله الذي لا يجف. هذا المرعى هو إنجيل خلاصنا الذي يردُّنا إلى الفردوس الحق. يرعى الحمَل هناك، وهو حيوان مُجْتر (يأكل كثيرًا ثم يَجْتَرُّ ما أكله ليُعيد مضغه من جديد). * المراعي الخضراء هي الفردوس الذي سقطنا منه، فقادنا إليه السيد المسيح، وأقامنا فيه بمياه الراحة، أي المعمودية. القديس كيرلس الإسكندري من أجلنا افتقر السيد المسيح لكي نغتني به؛ وفي فقره لم يشعر قط بالعوز. لقد صنع عجائب ومعجزات لراحة أحبائه لا لمجده الذاتي ولا لراحته الخاصة. بهذه الروح يسلك كل مسيحي ارتبط بمسيحه كعضو في جسده. مسيحنا يهبنا حياته مَرْعَى لا يجف؛ إذ قد يموت الوالدان الأرضيان في أية لحظة، أما راعينا الصالح فلن يموت! 2. "إلى مياه الراحة يوُرِدني" [2]. إذ ينال القطيع قسطًا وافرًا من الطعام يقتاده الراعي إلى مَجْرَى مائي أو إلى ينبوع يفيض مياها عذبة متجددة ليشرب الكل ويرتوا منها، ويتقوى كيانهم وينتعشوا. لا يستطيع القطيع أن يذهب إلى ينابيع المياه من تلقاء نفسه إنما يحتاج إلى قيادة الراعي حيث يُورِد قطيعه أو يهديه إلى ما يناسبه. ما هي مياه الراحة؟ لقد دُعِى الهيكل "بيت قرار" (1 أي 28: 2)، أي "منزل الراحة" أو "مكان الراحة" حيث يستقر فيه تابوت الرب (مز 132: 8، 14). ومن تمَّ فأنَّ ماء الراحة يشير إلى الله الراعي الذي يستضيف المرتل في بيته الخاص به ليُرويه ويهبه راحة. المعمودية هي بلا شك مياه الراحة، التي ترفع ثقل أحمال الخطية. يقول القديس أغسطينوس: [يوردنا على مياه المعمودية حيث يُقيمنا ويدربنا ويرعانا، هذه التي تهب صحة وقوة لمن سبق له أن فقدهما]. ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [إننا في هذه المياه نجد راحتنا[472]، بدفننا مع المسيح في شِبه موته، لكننا لا ندخل إلى الموت بل إلى ظلّه كقول المرتل [3]. *يوجد أيضًا ماء نضعه في جرن نفوسنا، ماء صادر عن الجزَّة المذكورة في سفر القضاة (قض 6: 37)، وماء ورد في سفر المزامير [2]. إنها مياه رسالة السماء. ليت هذا الماء، أيها الرب يسوع، يأتي إلى نفسي، وإلى جسدي، حتى أنه خلال رطوبة ذلك الغيث (مز 75: 11) تخْضرُّ وديان عقولنا ومراعي قلوبنا. لتأتي عليّ قطراتك فتهبني نعمة وخلودًا. اغْسل درجات عقلي فلا أخطئ إليك. اغْسل أعماق نفسي فأستطيع أن أمحو اللعنة، ولا أعاني من لدغة الحية (تك 3: 15) في عَقِبْ نفسي؛ فقد أمرت الذين يتبعونك قائلًا لهم أن يدسوا الحيات والعقارب (لو 10: 19) بأقدام لا يُصيبها ضرٌر. لقد فديْت العالم فَافْدِ نفسَ خاطئٍ واحدٍ[473]. القديس أمبروسيوس في الانتقال من مَرْعّى إلى مَرْعّى يقودني عابرًا بيّ البرية القاحلة الجرداء. إنه يُجنّبُني الشقوق حتى لا تزِلَّ رجلي وينكسر ساقي، أو يقودني بعيدًا عن المناطق المملوءة أشواكًا حتى لا يمسك بالصوف فأرتمي بين الأشواك. حقًا إنه يَهديني إلى السُبُل السليمة بعيدًا عن الحفر والفخاخ. وهو يفعل هذا من أجل اسمه بكوننا نحن جسده. ما هي سُبُل البِرّ هذه إلا بِرّ المسيح. فإنه يقودني إلى ذاته، بكونه "الطريق". لأدركه كصلاحي الذي يقودني ضد قوة الخطية. يجتذبني إليه بحبال محبته الإلهية، ويهبني شركة طبيعته: القداسة والنقاوة والحب والاتضاع الخ... مسيحنا هو "سُبُل البر" أو "الطريق" الآمِنُ الذي يحملنا بروحه القدوس إلى حضن الآب دون أن يصيبنا ضرُر أو نعتاز إلى شيء، إنما ننمو في النعمة والحكمة. *النمو في الحكمة يجده الساعون نحو خلاصهم، فتتحقق رغبتهم خلال فهمهم للحق الذي في الكلمة الإلهية، وسلوكهم في البِرِّ الحقيقي. هذا يقودنا إلى إدراك كيف يكون المسيح هو الطريق. في هذا الطريق لا نأخذ معنا زادًا ولا مِزْودًا ولا ثوبًا، ولا نحمل عصا، ولا تكون لنا أحذية في أرجلنا (مت 10: 10)؛ فإن الطريق نفسه مُشْبع لكل احتياجات رحلتنا؛ مَنْ يسير فيه لا يعتاز إلى شيء. مَنْ يسير فيه يلتحف بثوب يليق بدعوة العرس. وفي هذا الطريق لا يجد الإنسان ما يُزْعِجه، إذ يقول سليمان الحكيم إنه لا يجد "طريق حيَّة على صخرة" (أم 30: 19). وأنا أضيف أنه لا يجد طريقًا لأي حيوان مفترس. لهذا فلا حاجة إلى عصا مادامت لا توجد آثار خليقة معادية. وبسبب صلابته يُدعى الطريق "صخرة، حتى لا يمكن لأي كائن ضار أن يَلْحق به[474]. العلامة أوريجانوس حقًا إن هذا الطريق ضيق، إذ لا يقدر كثيرون أن يحتملوا السير فيه، لأنهم مُحبّون لأجسادهم[475]. العلامة أوريحانوس 4. "وأيضًا إذ سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" [3]. نحن ندخل مع المسيح في موته بغير خوف إذ هو معنا...، ونبقى دومًا نختبر الموت مع المسيح بفرح إن مارسنا سرّ التوبة والاعتراف بمفهومه الحق، أي بتسليم النفس بين يدّي الروح القدوس الذي يُبكّتنا ويُتوّبنا ويردنا إلى سُبُل البرّ لأجل إسمه. ما هو معنَى ظل الموت؟ أ. بما أن الموت هو أسوأ الشرور في نظر الناس، فإن ظله يُشير إلى زمان الحزن العظيم والظلمة والتجارب، أو قد يعني ظلُّ الموت المعاناةَ من الآلام. فالمتاعب - مهما اشتدت - لا توقف مسيرتنا نحو الأبدية، ولا تُرْهِبنا، ولا تحكم رجاءنا بالخوف، مادمنا نتمتع بالمعية مع المخلّص. هنا يتحدث المرتل بدقة عجيبة، فهو في حالة "سَيْر"، لا يعرف التوقف... إنه دائم التقدم بخطىً ثابتة في الطريق الملوكي، مهما اشتدت الضيقات. وهو يسير في "وادٍ" وليس على قمم الجبال... فالسير في الوادي هو عبور في هدوء... إذ يشعر المؤمن بنوع من الهدوء والسلام مع الآمان. يُدعى الوادي "ظل الموت" وليس "موتًا"، إذ بَطَل سلطان الموت. أخيرًا ما يشغل قلب المؤمن هو معية الله أو الحضرة الإلهية كعربون للقاء مع الله وجهًا لوجه بعد عبوره الحياة الزمنية. ب. حديث المرتل يشير إلى نوع من التحالف بين المؤمن والموت نفسه، فهو لا يهابه بل يتحالف معه أو يدخل معه في عهد كي يَعْبر خلاله إلى الحياة الأبدية؛ يحسبه طريقًا للتمتع بالحياة الأخرى. ج. يُشير ظل الموت إلى شركتنا في موت المسيح، إذ نقبله بفرح لنوالنا قوة قيامته ومجدها. بقوله: "إذ سرت" يقصد سلوك المؤمن أو مَسَار حياته كزمن قصير. فالسيد المسيح الراعي الصالح سار بنفسه في ظل الموت في أيام تجسده، ودخل القبر ذاته حتى نقبل أن نسلك معه ذات الطريق. *لأنه كما سار الرب في وادي ظل الموت حيث وُجِدتْ نفوس الموتي؛ لكنه قام بالجسد بعد ذلك؛ ومن بعد القيامة صعد بها إلى السموات، فمن الجَلّى أن نفوس تلاميذه أيضًا التي لحسابها عانى الرب كل ما عاناه سوف تنطق إلى ذات الموضع غير المنظور الذي عَيَّنه لهم الله. وهناك تبقى حتى القيامة تنتظر ذلك الحدث. ثم تَسْتَلِم أجسادهم، وتقوم بكليّتها، أي بالجسد، كما قام الرب، وهكذا يأتي التلاميذ إلى حضرة الله[477]. القديس إيريناؤس العلامة أوريجانوس 5. "عصاك وعكازك هما يُعزيّانني". العصا هي للقيادة والدفاع أم العكاز فهي للسند. يرى القديس أكليمندس الإسكندري أنها عصا التعليم، عصا القوة التي أرسلها الرب من صهيون (مز 110: 2): [هكذا هي عصا قوة التعليم: مقدَّسة ومُلَطّفة ومُخلّصة[479]]. *كيف تِخلّص الحكمة نفس الشاب من الموت؟ ما هي نصيحتها له كي لا يموت...؟ تقول: "إنْ ضرَبْتُه بعصا لا يموت" (أم 23: 13)... ويخبرنا العظيم داود أن تلك العصا تُعزّى ولا تَجْرح! القديس غريغوريوس أسقف نيصص في الشرق الأوسط عادة ما يكون للراعي الآتي: أ. ثوب بسيط يستخدمه أثناء الرعاية بخلاف ثوبه الذي يحضر به الحفلات أو عندما يشترك في المجاملات... هذا الثوب يُشير إلى إخلاء السيد المسيح ذاته إذ أخلَى ذاته عن مجده ليحمل طبيعتنا البشرية ويحتلّ مركز العبد حتى يضمنا نحن العبيد فيه ويّدخل بنا إلى شركة مجده. ب. عصا تُسْتَخدم في حماية القطيع من الحيات والحيوانات المفترسة. وهي تُشير إلى صليب رب المجد الذي به حَطَّم سلطان عدو الخير، وقتل الخطية، وأفسد سلطان الموت. ج. عكاز يستخدمه للاستناد عليه، وأيضًا ليمسك به خروفًا جامحًا يحاول الهروب بعيدًا عن القطيع... يُشير إلى تأديب المخلص مؤمنيه بعصا الأبوة الحانية الحازمة. د. آنية زيت، ليُطبّب بها جراحات خرافه، تُشير إلى المسحة المقدسة. ه. مزمار يعزف عليه ليعلن بهجته بعمله الرعوي، إشارة إلى الفرح في المسيح يسوع، حيث تُسبّحه النفس مع الجسد كما على قيثارة الحب. و. سكين يستخدمها عند الضرورة، تُشير إلى عمل الروح القدس الذي يفصل الخير عن الشر. "عصاك وعكازك هما يُعزيّانني": إذ يملك الرب على شعبه بالصليب كما بقضيب مُلْكِه - يثق المرتل كل الثقة في قيادة الراعي الإلهية، حتى إنْ قاده في سُبُل الجبال الخطرة! 6. "تُرتّب قدامي مائدة تجاه مضايقي" [5]. ربما عنى المرتل بأن الله الذي يهتم بنا إذ يرى العدو قائمًا ضدنا يُعِدُّ بنفسه لنا المائدة لكي نأكل في غير عجلة، دون ارتباك أو اضطراب، ويُجْلِسنا لنَنْعم بالقوت دون أن نخاف العدو الذي يَطرِق أبوابنا... إنه يهبنا سلامًا وشبعًا وسط المعركة الروحية بكوننا خاصته المحبوبة! في حبه لنا يُقدّم لنا المائدة بنفسه بعدما يغسل أرجلنا مع تلاميذه. الراعي الذي وهب شعبه خروجًا منتصرًا يقدم لهم مائدة أثناء تِرْحالهم ألا وهي المنّ. لقد حاول الأعداء إعاقة الرحلة نحو المسكن الإلهي، لكنهم خزوا حين رأوا نعمة الله المقدمة لشعبه. في مواضع أخرى في سفر المزامير كثيرًا ما يُقدّم الشكر ويتبعه أو يصحبه وجبة ذبيحية أي مائدة مقدسة (مز 22: 26؛ 63: 6) أو ذبائح (مز 66: 13 الخ؛ 116: 17 الخ). ربما كان مقاومو داود يجولون في الهيكل بينما كان هو يُقدم ذبيحة الشكر لله لذا صار يردد هذه العبارة: "هيأت قدامي مائدة تجاه مضايقي". يمنحنا ربنا يسوع المسيح مائدة جسده ودمه المبذولين التي تُخزِى الأعداء المقاومين. وكأن وجود عدو الخير لا يُزعجنا ولا يَحرمنا من التمتع بالوليمة المقدسة. *عندما يقول الإنسان لله: "رتَّبتَ قدامي مائدة"، فإلى أي شيء يُشير سوى هذه المائدة السرائرية الروحية التي رتبها الله لنا؟! رتبها قبالة الأرواح النجسة! حقًا لأن تلك (مائدة الشياطين) هي اختلاط بالشياطين، أما هذه فهي شركة مع الرب![481]. القديس كيرلس الأورشليمي القديس كيرلس الإسكندري 7. "مسحت بالدهن رأسي" [5]. المسيح بالدهن يُشير إلى وجود علاقة شخصية بين الراعي وقطيعه، كما يكشف عن حالة فرح وشبع. قديمًا متى كان الناس في حزن كانوا يغطون أنفسهم بالتراب والرماد، وإذا ما فرحوا كانوا يغتسلون ويدهنون أنفسهم بالزيت (أي 2: 12؛ 42: 16؛ صم 12: 20). وكان مسح الضيوف بالزيت علامة تكريم لهم وترحيب بهم؛ وكأن المرتل يقول لراعيه: "إنك تعاملني كضيف نال القبول عند مائدتك التي أَعْدَدْتَها لي". هذا وقد كانت عادة دهن الرأس شائعة (مز 92: 10؛ عا 6: 6؛ مت 6: 17؛ لو 7: 38، 46). تحقق مسح هرون كرئيس كهنة أثناء الرحلة في البرية حيث كان الله الراعي قائدًا لشعبه نحو أرض الموعد. بهذه المسحة اعلن الله عن عنايته الإلهية، إذ قبل الله الإنسان خلال الكهنوت كنصيبه الخاص، وقدم نفسه نصيبًا للإنسان. الآن، في سرّ المسحة (الميرون) يُمْسَح كل مؤمن ككاهن عام ليصير في ملكية الله، ويقبل الله ملكًا له ونصيبه الخاص. خلال هذه المسحة يَتقبَّل من يدّي الله روح الفرحة والبهجة بعمل الروح القدس فيه، بإعلان إنجيل المسيح كأخبار سارة عاملة في حياتهم كل يوم، وكتجديد مستمر وتقديس دائم للإنسان الداخلي وكل أعضاء الجسم لحساب ملكوت الله. *مَسَح بالزيت رأسك على الجبهة، لأن الختم الذي أخذته هو من الله، حفر الختم قداسة الله. القديس كيرلس الأورشليمي 8. "كأس سكرك، ما أمجدها؟!" [5]. تُستخدم الكؤوس في رعاية الغنم؛ والكأس عادة هو كتلة حجرية منحوتة ومجوفة طولها 30 بوصة وعرضها حوالي 18 بوصة وارتفاعها 18 بوصة. توجد الكؤوس في مواضع كثيرة عند الآباء والينابيع المنتشرة في برية يهوذا. يجرف الرعاة الماء ويسكبونه في الكأس، ولأن الكأس تتعرض للشمس يكرر الراعي سَكْب الماء فيها حتى تفيض، فتبرد الكأس، ثم يدعو خرافه لتشرب دون أن يتوقف عن صب الماء. بهذا يتأكد أن الماء يبقى باردًا، وأنَّ لدى الخراف ما يكفيها ويزيد من الماء. حتى إذا ما تراجعت الخراف لتستريح قليلًا يحتفظ الراعي بالكأس ذات الماء الجاري حتى تشرب خرافه ميأهًا عذبة... ربما هذا ما يعنيه النص العبري "كأسي رَيَّا". ولعل هذه الكأس ذات الماء الدائم التجديد يُشير إلى مراحم راعينا الصالح الجديدة كل صباح وخيراته اليومية (مرا 3: 23؛ مز 68: 19)[482]. الإنسان الذي يتقبَّل مع كل صباح مراحم الله وخيراته الجديدة يفيض شكرًا وتسبيحًا حتى وإنْ كانم لا يملك إلا لقمة يابسة، أما مَنْ لا يتلمّسُ هذه البركات فإنه وإنْ اقتنى العالم كله بين يديه تكون كأسه مشققة لا تضبط ماءً. جاءت الترجمة السبعينية هكذا: "كأس سكرك، ما أمجدها؟!" الخمر تفرح قلب الإنسان كرمز لحضور روح الله واهب النعم، الذي يحيّي نفس المؤمن ويحركها نحو السماء. لقد انسكب الروح على التلاميذ أو على الكنيسة في يوم الخمسين فملأها وفاض كأسها، وظن اليهود أنهم سَكْرَى (أع 2: 15). * تُسْكِرنا كأس الرب، إذ تُنْسينا فكرنا (في الزمنيات)، وتقود النفس إلى الحكمة الروحية... إنها تحرر النفس، وتَنزع الغم...! إنها تهب راحة للنفس، إذ تقدم لها فرح الصلاح الإلهي عوض كآبة القلب القائم بسبب ثقل أحمال الخطية[483]. القديس كبريانوس هل يحيا الحَمَل في بيت الراعي؟ نعم. حينما وبخ ناثان داود على خطيته قدم له مثلًا خاصًا بالفقير الذي لم يكن لديه سوى نعجة واحدة صغيرة اشتراها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعًا. كانت تأكل من لقمته، وتشرب من كأسه، وتنام في حضنه، وكانت له كإبنة (2 صم 12: 1-3). هكذا اِقْتنانا الراعي وقَبِلنا كابنته الوحيدة، وأعدَّ لنا في بيته موضعًا، حتى نتعبه أينما ذهب. يُعلِن المرتل أنه يسكن في بيت الراعي، الكنيسة، أيقونة ملكوته السماوي الأبدي وعربونه. يجد المؤمن بهجته أنْ يتعبَّد ويخدم ويسكن مع ربه المحبوب في الكنيسة وكأنما يسكن معه في سمواته أبديًا. غاية رعايته لنا أن نستقر معه في مَقْدسه الإلهي! راعيّ الصالح * أيها الراعي الصالح، يا من تملك على القلب بالحب لا بالسلطة، اِحْملني إلى مرعاك فلا اعتاز شيئًا! * صليبك فتح لي مَرْعَي الفردوس، وحَصَّن أبوابه ضد كل عدو! جنبك المفتوح أفاض له مياه الراحة، أغْتسِل بكُليّتِي فأحمل شركة الطبيعة الإلهية بمعموديتك، وأشرب فتلتهب أحشائي بنار حبك! * صرتَ لي الطريق، تحملني إلى حِضْن أبيك! قدمتَ لي صليبك عصا وعكازًا لحمايتي ومعونتي! تمسحني بدهنك فأتقدس لك بكُليّتِي * تحملني في ضعفي على مِنكبيك! تقودني وسط آلام الحياة بنفسك، وأخيرًا تستقر بي في بيتك السماوي لأُوجد معك أبديًا! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:25 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 24 (23 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير ملك المجد يدخل مقدسةفي هذا المزمور إذ يرى المؤمن الله وقد خلق المسكونة وكل ما فيها لأجله يتطلع إلى موكب ملك المجد الصاعد لأجله إلى مقدسه السماوي. تذوب نفس المؤمن حبًا ويلتهب قلبه بنار علوية مشتاقًا أن ينضم إلى هذا الموكب الفريد لكي يعبر خلال أبواب السماء المفتوحة مع مخلصه إلى حضن الآب. أنه مزمور الحب المجيد، بالحب خلق الله كل شيء لأجل الإنسان، وبه يهبه التقديس لينضم إلى موكب القدوس، وبه يصعد بالإنسان إلى السماء المفتوحة بغلبه الصليب! بمعنى آخر يرى المؤمن الحق متعته وتهليل نفسه في الله بكونه الخالق القدوس واهب الغلبة. مناسبة المزمور علاقته بالمزمورين السابقين التفسير المسيَّاني الهيكل العام للمزمور عنوان المزمور أقسامه مناسبة المزمور: 1. يعتقد البعض أن هذا المزمور الملوكي الليتروجي (التعبدي)، أُنشد عند إصعاد تابوت العهد من بيت عوبيد آدوم إلى جبل صهيون (2 صم 6: 12-17). يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن سبعة خوارس (فرق) من المرتلين والموسيقيين كانوا يتقدمون التابوت في هذه المناسبة، حيث كان المزمور يُرتل بصورة رائعة. كان التابوت وهو يمثل الحضرة الإلهية أو المخلص ملك المجد في موكب يعبر من مناطق نفوذ الملك ليرتفع إلى مدينة الله المقدسة على قمم الجبال العالية. 2. يرى آخرون أن داود نظم هذه التسبحة لتُرنم في مناسبة تكريس الهيكل الذي عرف بروح سليمان ابنه سيبنيه[484]. 3. يظن آخرون أن هذا المزمور لم يضعه داود، وهو أنشودة نصرة يترنم به الغالبون عند عودتهم منتصرين، حيث يُفترض صعودهم إلى الهيكل كما كان الرومان يفعلون في العاصمة[485]؛ وهناك يمجدون تابوت العهد واهب النصرة. علاقته بالمزمورين السابقين: يوجد نوع من التكامل بين المزامير (22، 23، 24). فالمزمور 22 يعلن عن المسيا باعتباره المخلص المتألم، والمزمور 23 الراعي الصالح الذي خلال عمله الخلاصي يدخل بالرعية إلى الفردوس "المراعي الخضرة" للتمتع بمياه الراحة وتسكن معه كل الأيام، أما المزمور 24 فيتحدث عن الملك الممجد الذي لا يقف عند سكنى شعبه معه في بيته أو سكناه في وسطهم وإنما يدخل بهم كموكبه المقدس الغالب خلال أبواب السماء المفتوحة، يصعد بهم إلى أمجاده الأبدية السماوية لينعموا بحضن الآب. بمعنى آخر مزمور 22 هو تسبحة الجلجثة، ومزمور 23 هو تسبحة الكنيسة المفدية، ومزمور 24 هو تسبحة السماء المفتوحة. وبحسب التقليد فإن المزمور 24 يُشد في عيدَيْ القيامة والصعود. وحاليًا في الكنيسة القبطية في ليتورجيا عيد القيامة يدخل الكاهن والشمامسة في حوار مأخوذ عن هذا المزمور يعلن عن مجد المسيح القائم، وانتصاره على الموت، وقدرته على رفعنا معه إلى مجده. يلاحظ القارئ أيضًا تشابهًا بين هذا المزمور والمزمور 15؛ وإن كانت العبادات مختلفة ربما استخدمت في خدمة الهيكل في ذات الفترة. التفسير المسيَّاني: يحوي هذا المزمور نبوة خاصة بصعود رئيس كهنتنا الأعظم إلى بلاط صهيون السماوية وإلى مجد ملكوته. وكأن اصعاد التابوت إلى بيت الله (خيمة الشهادة أو الهيكل) هو رمز لصعود السيد المسيح إلى السماء، وصعودنا نحن فيه كأعضاء مقدسة في جسده. يبدأ المزمور بإعلان ملكوت الرب على كل الخليقة [1-2]، ثم يكشف عن صعودنا إلى مقدس الرب [3-6]، وأخيرًا صعود السيد المسيح إلى السماء [7-10]. بمعنى آخر نزل الملك إلى عالمنا ليحكم خلال الصليب، وهو يقدس حياتنا واهبًا إيانا استحقاق الدخول إلى موضع قدسه، وبصعوده رفعنا إلى سمواته، سائلآً كل خورس السمائيين أن يفتحوا أبواب السماء للبشر. هنا يظهر المخلص كملك محارب، لأن دخولنا إلى السماء يحتاج نصرة على أعدائنا الروحيين. لهذا يدعى الرب هنا: "ملك المجد"، "رب الصباؤوات" أو "رب الجنود" [10]. الهيكل العام للمزمور: يرى البعض أنه يحتمل أن يكون ترتيب طقس الترنم بهذا المزمور في أثناء الدخول إلى هيكل هكذا: 1. في الموكب: يترنم الزائرون أو خورس الموكب المقطع الأول [عدد 1، 2]. هذا المقطع يمثل تسبحة للزائرين وهم خارج الهيكل في طريق دخولهم إليه، حيث يحتفلون بعظمة الله الخالق. 2. حوار بين قائد المجموعة وحارس الباب: * قائد المجموعة [3]: يسأل عن السَّمات اللازمة فيمن يصعد إلى بيت الرب. * حارس الباب [4-5]: يجيب على السؤال مقدمًا السمات الروحية التي تليق بمن يرغب في التمتع ببركة الشركة مع الله في بيته المقدس. * القائد [6]: يمجد من يتمتع ببركات الرب ونعمة الخلاص. 3. تسبيح الجوقات (الخوارس) قبل دخولهم في الهيكل: الإعلان عن الله بكونه ملكًا. ربما يعنون أنهم إنما جاءوا كموكب ملوكي، يمجدون الله الملك الحق، بحياتهم وسلوكهم الخفي والظاهر... ففي زيارتهم ودخولهم الهيكل يركزون أنفسهم على الله وحده. * خورس (جوقة) الموكب [7]: يطلبون فتح الأبواب الدهرية، لا من أجلهم وإنما من أجل ملك المجد، إذ هم موكبه. * خورس الهيكل (صوت من داخل الأبواب) [7]: من هو ملك المجد؟ * خورس الموكب [9]: الرب العزيز (القدير) الجبار، الرب القوي في الحروب... فقد دخل المعركة حتى إلى الجحيم وقام وأقام غنيمته، وها هو يصعد بها إلى سمواته! * خورس الهيكل [10]: يكرر السؤال: من هو هذا ملك المجد؟ * موكب اللاويين [10]: رب القوات هذا هو ملك المجد. هكذا يحمل الحوار الرائع كشفًا عن شوق المختفين في المسيح الغالب نحو الصعود معه خلال الأبواب الدهرية، ودهشة السماء عينها أمام عمل رب المجد الخلاصي الذي وهب البشرية أمورًا لا يُنطق بها! عنوان المزمور: بحسب الترجمة السبعينية: "لأول أيام الأسبوع"، أي ينشد في اليوم الأول بعد السبت، وهذا ما كان يحدث بالفعل[486]. * "مزمور لداود نفسه في أول أيام الأسبوع". مزمور لداود نفسه يتناول تمجيد ربنا وقيامته التي تمت باكرًا في أول أيام الأسبوع، ولذلك عرف بيوم الرب. القديس أغسطينوس أقسامه: 1. خالق الكل [1-2]. 2. كلي القداسة [3-6]. 3. كلي النصرة [7-10]. الأبواب المفتوحة 1. خالق الكل: "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها. على البحار أسسها، وعلى الأنهار ثبتها" [1-2]. تتحدث الآيتان 1، 2 عن قدرة الرب في خلق المسكونة بكونه الخالق والملك والديان. ويُعتبر الخلق في العهد القديم هو أساس سيادة الله على المسكونة كلها أي سيادة جامعية (مز 24؛ 74: 16؛ 89: 11 الخ؛ 95: 4 الخ؛ 1 صم 4: 8) [487]. يُطالب الله -الذي به كان كل شيء- بحقه في الخليقة كلها، لا ليسيطر عليها، وإنما ليضم الكل إليه ويجدد خلقتهم فيملك بالحب على كل المسكونة. لقد جاء يوم تتويجه بالصليب، ليأخذ الأمم ميراثًا له، وأقاصي الأرض ملكًا (مز 2). عند إصعاد داود تابوت العهد بموكب مجيد وتسابيح وأفراح ارتفع فكره بروح النبوة ليرى كنيسة العهد الجديد التي تضم مؤمنين من كل الأمم ومن كل الشعوب والألسنة، يرى العالم الجديد أو الأرض الجديدة التي تسكن الرب نفسه فيها، فترنَّم قائلآً: "للرب الأرض وملؤها..." [1]. يقدم لنا المرتل صورة دقيقة عن الكنيسة المقدسة: أ. الكنيسة هي سكني الله وسط شعبه: "للرب الأرض وملؤها". الكنيسة الكائنة هنا على الأرض إنما هي كنيسة الرب، كل برها وقداستها من عند الرب. يعترف المؤمنون أنه حتى الأرض ذاتها التي يمشون عليها هي أرض ربهم ومخلصهم وليست أرضهم. للرب حق السيادة والملوكية. حقًا، فقد دُعي إبليس إله هذا العالم، لكن كمغتصب، بمساندة الأشرار أبنائه. أما بالنسبة للمؤمنين فليست له حق حتى على الأرض التي يمشون عليها، لأن الله يقدس حياتهم كلها حتى ملابسهم بل وظلهم، فكانت الأمراض تُشفي بخرق ولفائف القديس بولس والشياطين يخرجون بعبور ظل القديس بطرس على الساقطين تحت سلطانهم. أولاد الله يدركون أنهم إن كانوا يأكلون أو يشربون أو أيا كانوا يفعلون، فإنهم يجب أن يضعوا كل شيء لمجد الله، لأنه يملك على الجميع (1 كو 10: 25-31). الأرض أيضًا هي رمز لجسدنا الذي خُلق منها، فهي ملك الله، الذي يقدس أرضنا (جسدنا) بكل حواسه وعواطفه وطاقاته كأمور صالحة من عندياته. * يقول الكتاب: "للرب الأرض وملؤها"، بذلك يعلمنا أن كل الأمور الصالحة هي من عند الله يقدمها للبشر بقوته الإلهية وقدراته ويقوم بتوزيعها لمساندة الإنسان[488]. القديس أكليمندس الاسكندري يقول المرتل: "سماء السموت للرب، وأما الأرض فأعطاها لبني البشر" (مز 115: 16). وهبنا الأرض لكي نملك كملوك ووكلاء الله، لكن إذ فقدنا سلطاننا وكرامتنا نزل هو لكي يملك على الأرض كلها، حتى يصلح من شأنها فيه، واهبًا إيانا نعمة الملوكية (رؤ 1: 6). بالخطية صرنا أرضًا، فجاء ربنا يملك علينا ويسكن فينا كعالم خاص به، فيحولنا من أرض إلى سماء! إذ يملك السيد المسيح على القلوب لا يقبل قط أن يشاركه ملك آخر في مملكته. إنه يسألنا أن نقدمة له ملء حياتنا بكونها ملكًا خاصًا به، إذ يشتاق من جانبه أن يهبنا حياته. ب. أعضاء الكنيسة من كل الأمم، من كل المسكونة [1]. لم يكن ممكنًا لليهود أن يقبلوا أبواب الكنيسة المفتوحة أمام الأمم، لذا غضبوا عندما قال الرب لهم: "إن أرامل كثيرة كنَّ في إسرائيل في أيام إيليا حين أُغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة أشهر...، ولم يُرسل إيليا إلى واحدة منها، إلا إلى امرأة أرملة، إلى صرفة صيدا. وبرص كثيرون كانوا في إسرائيل في رمان إليشع النبي، ولم يطهر واحدُ منهم إلا نعمان السرياني" (لو 4: 25-26). كما غضبوا على القديس بولس عندما أعلن أمامهم أن الرب قد أرسله إلى الأمم، وأنه في المسيح يسوع ليس يهودي أو أممي (رو 3: 29). * كل البشر مِلك الله، لأنه "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" [1]. لهذا يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية: "لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومين سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رو 13: 1-7)[489]. القديس إيريناؤس * المسيح ليس محصورًا في موضع واحد بعينه[490] القديس جيروم * لا يُحاكم مؤمن حسب مكان إقامته إن كان هنا أو هناك بل حسب استحقاقات إيمانه[491]. القديس جيروم ج. الكنيسة مؤسسة على مياه المعمودية [2]: يقول المرتل: "لأنه على البحار أسسها، وعلى الأنهار ثبتها". في بداية الخليقة كان روح الله يرف على وجه المياه ليخلق ويُبدِع من أجل محبوبه الإنسان، ليتمتع بالإرض وكل إمكانياتها. وفي العهد الجديد يؤسس الرب كنيسته كخليقة جديدة تقوم على بحار المعمودية التي ضمت الأرض الجديدة من كل العالم. د. كنيسة مقدسة [3-6]. ه. كنيسة سماوية منتصرة [7-10]. 2. كلي القداسة: الرب خالق المسكونة كلها يقدم حياته المبذولة من أجل خلاص العالم كله، كقول الرسول يوحنا: "هو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 2)، فيضم إلى جسده أعضاء من كل الأمم والشعوب والألسنة خلال الإيمان به ونوال البنوة في مياه المعمودية. الآن إذ يعلن المرتل عن الله الكلي القداسة إنما يكشف عن التزام الكنيسة وكل عضو فيها أن يحيا في الحياة المقدسة اللائقة بعريس النفس القدوس. "من يصعد إلى جبل الرب؟" [3]. ترفع الكنيسة كما على الجبل (السيد المسيح)، السماوي، البار؛ بكونها الجسد المقدس للقدوس. * من يصعد إلى قمة جبل برّ الله؟ أو "من يقوم في موضع قدسه؟" عند بلوغ ذلك المكان المقدس المؤسس على البحار والمُثبت على الأنهار، من يقدر أن يُثبت هذا الأساس؟ القديس أغسطينوس الحياة الكنسية هي حالة "صعود" مستمرة، لا تعرف التوقف ولا الانحدار. مع كل يوم ينعم المؤمن بخبرة شركة مع السيد المسيح الجبل القدوس، حيث نرتفع بالروح القدوس فيه وننعم بمرتفعات المجد. لم نصل بعد إلى القمة حيث ننعم بالصورة الكاملة للسيد المسيح مُشَكَّلةً في أعماقنا ومعلنة في حياتنا العملية، لكننا نترجى في يقين أننا نبقي دائمًا صاعدين. التمتع بالحياة الكنسية الإنجيلية هي نعمة إلهية لا فضل لنا فيها، والثبوت فيها والنمو الدائم هما من عمل روح الله الساكن فيها، لذا يقول المرتل: "من يقوم في موضع قدسه؟" من ذا الذي يقدر أن يبقى هناك؟ يعجز الناموس أن يثبتنا في الشركة مع الله أو حتى الاقتراب منه، لكن نعمة الله الغنية تؤهلنا للوجود في الحضرة الإلهية. روح الله القدوس الذي يحملنا إلى مياه المعمودية لننال البنوة لله ويقدس أعضاءنا بالمسحة المقدسة، يهبنا دموع التوبة غسلآً دائمًا لخطايانا وتطهيرًا لأعماقنا؛ وهو بعينه يهبنا خلال سرّ الافخارستيا الثبوت في المسيح بتناولنا جسده ودمه المبذولين عنا. روح الله يهبنا الثمر الروحي الذي يفرح النفس بالله ويفتح القلب بالحب ليتسع لكل البشرية، ويقدس الإنسان بكليته. الكنيسة مقدسة [3]، ويلتزم أعضاؤها بالطهارة [4]، لا يفكرون في الباطل [4]، بل في السمويات، ويحبون بعضهم بعضًا. بدون قداسة لا يعاين أحد الرب؛ وحيث لا توجد نقاوة لا توجد كنيسة! الخروف ليست جداءً، حتى وإن اختلطت بالجداء. فعند الله الحظ الفاصل بين القديسين والأشرار، ومتسع اتساع الأرض عينها[492]. يلزم التعبير عن قداسة الكنيسة بالأعمال بجانب المشاعر الداخلية والإرادة. لذا يقول المرتل: "الطاهر اليدين (الأعمال)، التقي بقلبه" [4]. إنها تمس علاقتنا بالله وباخوتنا كما بأنفسنا: "الذي لم يأخذ نفسه باطلآً، ولم يحلف لقريبة بغش" [4]. "الطاهر اليدين": في لغة الكتاب المقدس يُحسب طاهر اليدين من لم يدنسهما بالدماء أو بالعنف أو الرشوة أو الربح القبيح أو صنع الشر بأية صورة نحو الله أو الإنسان. الأيادي هي وسيلة لتحقيق الأعمال، لكن الذي يحركها ويحكمها هو القلب، لذا وجب أن يكون نقيًا. طهارة اليدين لا تعني مجرد التطهيرات الظاهرة؛ لئلا نغسل خارج الكأس والصفحة بينما يبقى الدالخل دنسًا. لا تعني الاغتسال بالماء كما فعل بيلاطس البنطي أثناء محاكمة السيد المسيح. طهارة اليدين تؤكد مفهومنا للإيمان الحيّ، الإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 6). "الذي لم يأخذ نفسه باطلآً": يليق بمن يود الصعود إلى بيت الرب أو التمتع بالشركة مع الله القدوس ألا يأخذ نفسه باطلآً، أي لا ينشغل بملذات العالم الباطلة، إنما تنسحب نفسه إلى السماويات، إلى الأفراح الأبدية. "ولم يحلف لقريبة بغش" علامة الحياة المقدسة في المسيح الحق، أن تكون كلمة المؤمن صادقة وأقوى من أي قسم. ينطق بالحق لأنه متحد بالمسيح الحق، وقد صار ابنًا للحق. أما من يرتبط بإبليس الكذاب وأبي الكذابين فإنه غالبًا ما ينطق بالكذب حتى وإن حلف بقَسَم. الآن ما هو ثمر هذه الحياة الكنيسة المقدسة؟ "هذا ينال بركة من الرب، ورحمة من الله مخلصه. هذا جيل الذين يطلبون الرب ويبتغون وجه إله يعقوب" [5-6]. المؤمنون الذين يسلكون في حياة مقدسة يصعدون إلى جبل الرب ويثبتون في موضع قدسه، يبدأون بالروح ولا يكملون بالجسد بل يلتهبون بالروح وينمون. إنهم "ينالون بركة من الرب"، فهم لا يصعدون لكي يعطوا بل ينالوا؛ إن قدموا قرابين إنما هي من عند الرب، مما أعطاهم... لكنهم ينالون السيد المسيح نفسه برّهم وفرحهم وشبع نفوسهم ومجدهم الأبدي. ينالون رحمة من الله مخلصهم، فيختبرون الرحمة خلال عمل الله الخلاصي... يتمتعون بالله كمخلص لهم، ليس فقط يغفر لهم خطاياهم إنما يقبلونه هو شخصيًا مجدًا لهم.! يُحسب المؤمنون جيلآً طالبًا الرب ومبتغيًا وجه إله يعقوب... بصعودهم بيت الرب يزدادون عطشًا نحو الله، فيطلبونه لا لأجل عطاياه وإنما لمعاينته وجهًا لوجه. يقول القديس أغسطينوس: [إنهم يطلبون وجه هذا الإله الذي أعطى حق البكورية للابن الأصغر (يعقوب) (تك 25: 23)]. بمعنى أننا نطلب وجه الله الذي هو ربنا يسوع المسيح، إذ ونحن صغار جعلنا كنيسة أبكار، لنا حق الميراث الأبدي. يرى القديس أكليمندس الإسكندرى أن داود قد أوضح أن الله هو مخلصه، وقد دُعي وجه إله يعقوب لأنه هو رسم جوهر الآب (عب 1: 3) الذي أعلن الحق الخاص بالآب، موضحًا الحقيقة أن القدير هو الله الواحد الوحيد الآب الذي لا يعرفه إلا الابن ومن يُعلِن له الابن (مت 11: 27)[493]. 3. كلي النصرة: بعدما قدم المرتل الله بكونه الملك الخالق [1، 2] والملك القدوس [3-6] يقدمه الملك المجيد الغالب، الذي تنفتح أو ترتفع أمامه الأبواب الدهرية [7-10]. "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم. وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية ويدخل ملك المجد" [7]. يبدو أن داود النبي وقد رأى إصعاد التابوت إلى جبل صهيون تطلع بعين النبوة إلى الرب الذي صار إنسانًا يصعد إلى سمواته، صهيون الأبدية؛ فاستخدم لغة عسكرية ليرحب بالرب في نصرته. هذا التصوير مقتبس عن تقليد مبكر بأن الرب ملك محارب يقهر أعداء شعبه، هذا الذي اخرج شعبه سالمًا من عبودية فرعون وعبر بهم البرية (عد 10: 35-36) ودخل بهم إلى أرض الموعد. يقدم لنا سفر الرؤيا في أكثر من موضع تصويرًا رائعًا للمخلص واهب النصرة لشعبه: "فنظرت وإذا فرس أبيض، والجالس عليه معه قوس، وقد أُعطى إكليلآً، وخرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ 6: 2). "ثم رأيت السماء المفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أمينًا وصادقًا، وبالعدل يحكم ويحارب، وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفة إلا هو... والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل أبيض لابسين بزًا أبيض ونقيًا" (رؤ 19: 11-14). لقد تجسد كلمة الله لكي يدخل إلى عالمنا كمحارب، يحارب باسمنا ولحسابنا، وفي كل معارك صار يغلب. في معركة الصليب شهّر بالعدو وحطم سلطانه، وأُعلنت تمام نصرته بقيامته وصعوده إلى السماء، حيث انطلق ملك المجد يحملنا فيه إلى سمواته. يقول القديس أغسطينوس: [إن المرتل يشير في هذا المزمور إلى صعود المخلص بالجسد إلى السماء يُنادي الملائكة المرافقون للصاعد إلى السماء، على القوات الملائكية والسلاطين المسئولين عن الأبواب لكي يفتحوا تلك الأبواب السماوية فيدخل ملك المجد. أنهم يخاطبون الأبواب التي تفتح على الأبدية. وبصعود السيد المسيح انفتحت الأبواب السماوية أمام المؤمنين، لأن رأسهم السماوي قد صعد، وحيث يوجد الرأس يكون الجسد أيضًا. "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم. وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية. ويدخل ملك المجد" [9]. لا يمكن لأبواب الهيكل أن تُسمى "الأبواب الدهرية". لذا يلزمنا أن نبحث عن مفهوم أسمى من مجرد إصعاد تابوت العهد إلى صهيون. فإن لغة النبي تسمو إلى ما هو أعظم مما نراه هنا على الأرض. لقد عبر بفكره إلى الأمور التي قدم تابوت العهد وخيمة والهيكل ظلالآً لها، إذ كانت هذه رموزًا للسيد المسيح والسماء. إصعاد التابوت إلى جبل صهيون ليس إلا ظلآً باهتًا لصعود السيد المسيح ملك المجد إلى حيث يستقبل الذين تفتح لهم السموات أبوابها الدهرية[494]. * أغلق المسيح أبواب الموت، وفتح لنفسه السموات، محققًا وعده الإلهي: "افرحوا، أنا قد غلبت العالم" (مز 16: 33). وقد دُفع المجد بالكامل... حينما صارع الرب الموت وغلب ظافرًا به. ارتفعي أيتها الأبواب: أبواب العدالة الدهرية والمحبة والتعاطف، حيث تتحد النفس مع الله الواحد وحده الحقيقي، وترفض أن تمارس عبادة الزنا لتلك الآلهة العديدة الزائفة. "ويدخل ملك المجد". أجل، يدخل ملك المجد هذا الذي يجلس عن يمين الآب يشفع من أجلنا. القديس أغسطينوس * هنا لم تُغلق عنه (عن المسيح) الأبواب، إذ هو الرب وخالق الجميع، لكن كُتب ذلك لأجلنا، نحن الذين أُغلق عنهم باب الفردوس. ومن ثَمَّ فمن خلال العلاقة الجسدية، بسبب الجسد الذي أخذه، قيل عنه: "ارتفعي أيتها الأبواب" فإنه "يدخل" كما لو أن إنسانًا ما يدخل. لكن من جهة لاهوته قيل من الجانب الآخر: "الكلمة كان الله" فهو الرب وملك المجد[495]. * رُفعت أبواب السماء لتنظر ذاك "القادم من آدوم" (إش 63: 1)[496]. * لم يكن الكلمة ذاته محتاجًا إلى فتح الأبواب، فإنه رب الكل؛ وما كان يمكن لأي عمل أن يُعاق أمام صانعه، لكننا نحن احتجنا إلى ذلك. هو حمل الجسد الخاص بهم (بالبشر)، لأنه إذ قدم جسده للموت نيابة عن الجميع، هكذا به مهَّد لنا الطريق إلى السموات مرة أخرى[497]. البابا أثناسيوس الرسولي * يقول العريس: إن كنت ترغب أن تُفتح الباب وأن ترتفع أبواب نفسك ليدخل ملك المجد، يلزمك أن تقبل اشتياقاتي في نفسك. كما يقول الإنجيلي: "من يصنَع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (مت 12: 50). يليق بك أن تقترب إلى الحق، وتصير شريكه حتى لا تنفصل عنه. القديس غريغوريس أسقف نيصص * من بين ما قيل عنه أنه هجع واستغرق في النوم، كما قيل عن استيقاظه ثانية لأن الرب عضده (مز 3: 5) هو الذي يأمر الرؤساء في السماء ليفتحوا الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد، معلنا مُقدمًا عن قيامته من الأموات... واستقباله في السماء[498]. " من هو هذا ملك المجد؟ رب القوات (الصباؤوت) هذا هو ملك المجد" [10]. هذا الحوار الرائع الذي دار في المزمور يكشف أنه لا يستطيع أحد أن يعبر الأبواب الدهرية، ويدخل المقادس السماوية، إلا الرب القوي الجبار، رب الجنود أو القوات، ملك المجد. له وحده تفتح أبواب المدينة السماوية، الأبواب الدهرية، أبواب الهيكل التي لم تُصنع بأيٍد بشرية. أنه يهوه المخلص، القدير، رب الأرباب وملك الملوك (رؤ 1: 8؛ 19: 16)، القادر في الحروب، رئيس خلاصنا الذي لا يُقهر. (رب الصباؤوت) لقب مجيد خُص به الرب مرتين في في العهد الجديد (رؤ 9: 29 ؛ يع 5: 4). الأبواب المفتوحة * افتح أبواب قلبي لتدخل وتملك، يا من تفتح أبواب السماء أمامي! * أيها القدوس وحدك قدسني بروحك، فأتأهل للسكنى في جبل قدسك، وأثبت في موضع قدسك! * أيها الصاعد إلى سمواتك، أرفع قلبي إلى عرش نعمتك! اقبلني في موكب نصرتك فأعبر معك وبك الأبواب الدهرية! * يا رب الصباؤوت، ملك المجد، اسكب بهاءك على نفسي، فتصير ملكة وتصلح لمملكة (حز 16). |
||||
22 - 01 - 2014, 02:28 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 25 (24 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الرب معلمناهو أحد المزامير المرتبة ترتيبًا أبجديًا، حيث تبدأ كل آية بحرف مختلف من الأبجدية العبرية المشتملة على 22 حرفًا[499]، غير أن الترتيب الهجائي لهذا المزمور ليس كاملًا، فيظهر عدم الانتظام في الآيات (2، 5، 18، 22). يمكن تصنيفه مع مزامير الحكمة وأيضًا مع المراثي الشخصية، خصوصًا حين يكون الإنسان حزينًا بسبب شعوره الشخصي بالعزلة والاضطهاد. من الواضح أن داود النبي كتبه في أواخر أيامه، لأنه يتحدث عن خطايا صباه [7]، ويشير إلى شدائد كثيرة لحقت به وإلى أعداء كثيرين يقفون ضده. يعتقد البعض أنه نظمه أثناء تمرد أبشالوم ضده؛ ويظن بعض الدارسين الرافضين نسبته لداود، والمتجاهلين ما ورد في عنوانه، أنه يخص حالة الأسر البابلي حيث شكوى الأسرى من قهر أعدائهم[500]. يُعتبر هذا المزمور مثالًا طيبًا لكيفية الصلاة لله في تضرعات يومية، منه نتعلم[501]: - ماهية الصلاة [1، 15]، رفع القلب والعينين إلى الله. - ما الذي ينبغي أن نصلي لأجله: طلب غفران الخطية [6، 7، 18]، توجيهنا نحو طريق الألتزام [4، 5]، طلب عطف الله [16]، الخلاص من أتعابنا [17، 18]، وحفظنا من أعدائنا [20، 21]، وخلاص كنيسة الله [22]. - كيفية تضرعنا لله في الصلاة: ثقتنا في الله [2، 3، 5، 20، 28]، مرارتنا وظلم أعدائنا لنا [17، 19]، إخلاصنا [21]. - ما هي المواعيد الثمينة المقدمة لنا لتشجيعنا على الصلاة، لإرشادنا وتوجيهنا [8، 9، 12]، ومنافع العهد مع الله [10] وبهجة الشركة معه [13، 14]. المسيح المعلم: لهذا المزمور طابعه الخاص، إذ يتحدث عن السيد المسيح بكونه المعلم، وقد ركز على سمة المعلم كما كشف لنا عن دور التعليم في حياة المؤمنين. فالمعلم -في عينيّ داود المتالم- لا يقدم معلمومات عقلانية أو معرفة ذهنية مجردة، إنما هو أولًا وقبل كل شيء مخلص وأب وراعي وصديق وطبيب. كان داود النبي يعاني من الشعور من العزلة، إذ صرخ: "انظر إليّ وارحمني، لأني ابن وحيد وفقير أنا"... شعور بالعزلة مع العوز أو إحساس بالنقص! عانى أيضًا من الخطايا خاصة تلك التي لحقت به أيام صباه: "خطايا شبابي وجهلاتي لا تذكرها". أدرك أيضًا أنه محاط بأعداء يستهزئون به: "لا تُضحك بي أعدائي"، "انظر أعدائي، فإنهم قد كثروا وبغضًا ظلمًا أبغضوني". في مرارته شعر بمرارة الشعب ككل: "يا الله انقذ إسرائيل من جميع شدائده". بمعنى آخر كان داود محتاجًا إلى المعلم الحقيقي ابن داود الذي وحده يحل كل مشاكله ومشاكل الشعب: - فهو معلم شخصي لكل مؤمن خاصة المتألم، وهو معلم الجماعة ككل ينقذها من شدائدها. - معلم مُشبع، فيه كل الكفاية ينزع عن النفس شعورها بالعزلة، بحلوله داخلها، ويعالج شعورها بالفقر إذ افتقر ليغنيها بذاته كنز الحكمة والمعرفة. - معلم قادر أن يغفر الخطايا ويستر بدمه الآثام. - معلم قوي، يحصن النفس ضد الأعداء الروحيين غير المنظورين. الكلمات الاسترشادية (مفتاح المزمور): 1. مع أن هذه القصيدة هي شكوى لكن الفكرة الأساسية فيها هي "طرق الرب" التي يتضرع المرتل طالبًا أن يتعرف عليها ويسلك فيها[502]. 2. الكلمات الاسترشادية الأخرى هي "إياك انتظرت النهار كله"، لأن الذين يعترفون بأن الرب هو معلمهم ينتظرونه ليرشدهم إلى سبله الملوكية. يقول القديس أغسطينوس: [يتحدث المسيح هنا باسم كنيسته، لأن مضمون المزمور ينطبق بالحرى على الشعب المسيحي الذي رجع فعلًا، إلى الله]. أقسامه: 1. الصلاة والاتكال على الله [1-3]. 2. الرب مخلّصي ومعلمي [4-21]. أ. يهبني المعرفة ب. يدربني في الحق ج. يقدم لي كنز الوعود والعهود د. غافر خطاياي ه. يهبني استقرارًا في الخير و. ينقذني من الشباك الخفية ز. يخلصني من العزلة ح. يخلصني من الأعداء ط. يهبني الكمال 3. قرار يُردده الخورس أيها المعلم عرفني طريقك يُعرّف داود الصلاة بأنها رفع نفسه إلى الرب، فقد اعتاد أن يرفع نفسه وقلبه إلى الله مع رفع يديه وعينيه، تشترك النفس مع الجسد، والقلب مع الفكر... يتقدم الإنسان بكليته كحمامة تطير لتستقر في حضن الله. أما من يرفع يديه وعينيه دون قلبه فيسمع توبيخ الرب إليه مع شعب بني إسرائيل: "هوذا الشعب قد أقترب إليّ بفمه، وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فقد أبعده عني" (إش 29: 13). الصلاة هي رحلة صعود كما على سلم يعقوب، تاركين وراءنا كل الهموم والمتاعب لتحلق النفس على قمة السلم وتتمتع بالحضن الإلهي. الصلاة ليست واجبًا نلتزم به ولا رسميات، لكنها تحرير القلب من التراب، ليرتفع من مجد إلى مجد... يبقى الإنسان بجسده على الأرض أما قلبه فينطلق بجناحي الروح القدس كحمامة تطير في السماويات. بالصلاة يختبر المؤمن في كل يوم أنه غريب على الأرض، يعيش تحت الآلام، محاط بالأعداء، لكنه متهلل بالروح، سعيد بعربون السماء، ينعم بخبرات جديدة في شركته مع الله. * الصلاة هي رفع العقل إلى الله. الأب يوحنا الدمشقي القديس يوحنا ذهبي الفم الأب يوحنا كرونستادت * يُطلب منكم أولًا: "ارفعوا قلوبكم"، فإن هذا يليق بأعضاء السيد المسيح. إذ تصيرون أعضاء المسيح، أين هو رأسكم...؟ إنه في السماء! لذلك عندما يُقال لكم: "ارفعوا قلوبكم"، تجيبون: "هي (رُفعت) عند الرب". رفع القلب عند الرب هي هبة إلهية، فلكي لا تنسوا هذا لقوتكم أو استحقاقكم أو أعمالكم، لهذا بعدما تجيبون: "هي رُفعت عند الرب" يقول الأسقف أو الكاهن الخديم: "فلنشكر الرب"، إذ ارتفعت قلوبنا عنده. فلنشكره، لأنه لو لم يهبنا نعمته لبقيت قلوبنا متشبثة بالأرض. ها أنتم تشهدون بذلك، إذ تقولون: "مستحق وعادل"، أي نشكر ذاك الذي رفع قلوبنا إلى حيث يوجد رأسنا[503]. القديس أغسطينوس 2. استخدم لفظ "اتكال" في بداية المزمور، لكن نفس الاتجاه أو الروح عبر كل المزمور عند حديثه عن الله [5، 8-10، 14 الخ]. وبتأكيده انتظاره الرب [3، 5، 21]. فالانتظار معناه قبول توقيت الرب وبالتالي حكمته. هذا ما يميز موقف داود عن موقف شاول من نحو الله (1 صم 26: 10 الخ؛ 13: 8-14)، وموقف إشعياء عن موقف الشعب (إش 30: 15- 18). كلما كثرت متاعبنا تزذاذ ثقتنا في الله، إذ يجب أن تدفعنا المخاطر بعيدًا عن ذواتنا، فسعى طالبين عون الله. يشهد ضمير داود له بأنه لا يتكل على ذاته ولا على أي مخلوق بل على إلهه، فلا يتزعزع ولا يخزى بهذا الاتكال. "جميع الذين ينتظرونك لا يخزون. ليخز الذين يصنعون الإثم باطلًا" [2-3]. ليست الضيقات هي التي تجلب الخزي والعار بل صنع الإثم. كان داود في مرارة بسبب اضطهاد الأعداء له لكنه كان في مجد، لأنه يتكىء على صدر الله مخلصه، فيحول الضيق إلى خبرة شركة مع الله. أما الأعداء فكانوا يخططون لقتل داود بلا سبب، أي يصنعون الإثم باطلًا، ومع ما لهم من إمكانيات وسلطان بشري كانوا في خزي. إن كانت الخطية تجلب العار، فبالتوبة يرد لنا الله مجدنا الداخلي، فلا نخزى. ليس في الكتاب المقدس من وعد سلبي أكثر قيمة وأهمية من أن شعب الله لا يسقط في خزي أو عار. "لا تُضحك بي أعدائي" [2]. كان الأعداء يُعيّرون داود، حاسبين أنه في ضعف، لن يفلت من أيديهم. * لا تدعهم يشمتون بي هؤلاء الذين نصبوا فخاخًا بمقترحاتهم السامة المميتة، والذين في سخرية يصرخون: "نعّمًا، نعّمًا" فيسحبونني في سخرية. لكن "جميع الذين ينتظرونك لا يخزون" القديس أوغسطينوس 2. الرب مخلصي ومعلمي: أ. يهبني المعرفة. "اظهر لي يا رب طرقك، وعلمني سبلك، اهدني إلى عدلك وعلمني. لأنك أنت هو الله مخلصي، وأياك انتظرت النهار كله" [4-5]. يُصلي المرتل إلى الله في جدية لكي يظهر له الطريق ويعلمه ويدربه بروح الحب الأبوي كمخلص، أما من جانبه فهو ينتظر كل النهار ليتعرف على سبل الله ويسلك فيها بروح الطاعة. يدعوه المرتل معمله أو مدربه الرحوم الأبدي الذي يدخل به إلى سبله المقدسة. يتباهى الخطاة بطرقهم، أما المتواضعون فيقولون مع السيد المسيح: "ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" (مت 26: 39). من الحكمة أن نلتجئ إلى الله ليكشف لنا إرادته، ونحسبها رحمة عظيمة أن ربنا كإله خلاصنا يهبنا أن نتفهم مشيئته وندركها، هذه التي يعلنها لنا في الكتاب المقدس وخلال عنايته الإلهية. ما أحسن أن نسلم كل طرقنا لله، أن نتوسل إليه لكي يعرفنا طريقه، ويأخذ بيدنا الضعيفة ويقودنا بنفسه، نتوسل إليه أن يعمل كل شيء من أجلنا، فنعيش نحن لأجله. ما أضعفنا! بدونه لا نستطيع أن نعرف الطريق ولا أن نجدها أو نسلك فيها. * الحق أن القديسين لا يقولون بإنهم بلغوا الطريق الذي يسلكونه بتقدم وكمال في الفضيلة بجهادهم الذاتي، وإنما بفضل الله، قائلين: "دربني في حقك" [5][504]. القديس بفنوتيوس * يجب على الغنوسي أن يكون غزير المعرفة[505]. * قد يقول قائل بأن اليونانيين اكتشفوا الفلسفة خلال الفهم البشري، لكنني أجد الكتاب المقدس يقول بإن الفهم هو من عند الله، لذلك يصرخ المرتل، قائلًا: "أنا عبدك فهمني" (مز 119: 125) [506]. القديس أكليمندس الإسكندري كان كثير من معلمي مدرسة الإسكندرية يقضون أغلب ساعات النهار في التدريس، بينما يقضون اغلب لياليهم يقرأون الكتاب وهم راكعين للصلاة. أحيانًا إذ يجدوا عبارة غامضة أثناء التدريس يطلبون من تلاميذهم الاشتراك معهم في الصلاة لكي يهبهم الله فهمًا واستنارة ومعرفة. وفي العبادة، خاصة في الاشتراك في ليتروجيا الأفخارستيا، تشكر الكنيسة الرب من أجل ما يهبها من معرفة: * نشكر يا أبانا، من أجل الحياة، والمعرفة التي أعلنتها لنا بيسوع ابنك، لك المجد إلى الأبد[507]. الديداكية ولنفوسنا نموًا في الفهم والمعرفة... خلال تناولنا الجسد والدم[508]. القديس الأسقف سرابيون ب. يدربني في الحق: "علمني سبلك. اهدني إلى عدلك وعلمني" [4-5]. يكشف الرب الحق ويقدس أفكارنا، فنبقى في حق الله، وننال التدريب والارشاد من السماء، هكذا تتحول المعرفة الإلهية إلى تدريب حيّ في حياتنا وحياة معاشة، ولا تكون مجالًا للحوار والمناقشة الفلسفية البحتة. يدربنا الرب نفسه في الحق، فنجد تعاليمه عملية [5]. وكأن طريقه أو سبيله هو أسلوب الحياة التي ترضيه. نحن ننال هذه الحياة بدخولنا مع الله في عهد نعمته، متقبلين إرشاده الإلهي ومتمتعين بنعمته. * يتذوق الغنوسي إرادة الله، فلا ينصت للمكتوب بأذنيه إنما بنفسه. * الغنوسي كمحب للحق الواحد الحقيقي يكون إنسانًا كاملًا، صديقًا لله، ويُحسب ابنًا. القديس أكليمندس الإسكندري * كل الحكمة والفهم هما منه، ومعرفة كل الخير تأتينا من فوق من العرش العلوي الفائق، كما من ينبوع. وما من إنسان يقدر أن يفعل شيئًا يستحق المديح ما لم ينل قوة منه؛ وهو يعلمنا ذلك بنفسه، قائلًا: "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا"[509]. * ينبوع كل بركة هو المسيح، "الذي من الله قد صار لنا حكمة"، لأننا فيه نصير حكماء مملوئين بالمواهب الروحية. الآن كل من هو ذي عقل راجح يؤكد أن معرفة تلك الأمور التي بها نتقدم في كل طريق للحياة المقدسة الفائقة ونتقدم في الفضيلة، هو عطية من الله، وقد أعطانا الله أن يؤهلنا حسنا للغلبة. نجد إنسانًا يطلب ذلك من الله، قائلًا: "اظهر لي يا رب طرقك، علمني سبلك". الآن، فإن السبل التي تقود أولئك إلى التقدم في الحياة التي بلا فساد هؤلاء الذين يتقدمون فيها بشوق بالغ هي سبل متعددة، إحداهما على وجه الخصوص: الصلاة، وهي نافعة لمن يمارسها. وكان المخلص نفسه حريصًا أن يعلمنا ذلك بتقديم نفسه مثالًا موضوعًا أمامنا، حتى نجاهد مقتدين به. لأنه كما هو مكتوب أنه قال مثلًا كي يصلي الناس على الدوام ولا يملوا[510]. القديس كيرلس الإسكندري "يهدي الودعاء بالحكم، يعلم الودعاء طرقه" [9]. كل خدام الله الحقيقيين هم مساكين بالروح، متضعون، ودعاء، منسحقوا الفكر والقلب بسبب خطاياهم السابقة وجهالاتهم، أيضًا بسبب ضعفاتهم الحاضرة، طالبين من الله عمل نعمته الإلهية التي تحفظهم مستقبلًا من الخطية. بهذا الروح الوديع يتمتع الودعاء بعمل الله وعطاياه. * تُستعلن الأسرار للودعاء والمتضعين. هذا يعني أن الودعاء يتأهلون لنوال روح الإعلان في نفوسهم يفسر لهم الأسرار. لهذا يقول القديسون بإن الوداعة تكمل النفس بالاستعلانات الإلهية[511]. مار إسحق السرياني الأب دوروثيئوس من غزة ج. يقدم لي كنز الوعود والعهود: "اذكر يا رب رأفاتك ومراحمك، لأنها ثابتة منذ الأبد... جميع طرق الرب رحمة وحق، للذين يبتغون عهده وشهادته" [6، 10]. المزمور كله مزيج من صرخات القلب الخارجة من أعماق المرتل والوعود الإلهية، فإنني لا أستطيع أن اصرخ إلى إلهي ما لم اكتشف كتابه ككنز يضم وعود الله الصادقة والأمينة. وكما أصرخ قلبيًا اتمتع باستنارة فاكتشف بالأكثر الوعود الإلهية كوعود شخصية تخص حياتي... إنها سلسلة من صرخات القلب والتعرف على وعود الله وعهده مع كنيسته التي أنا عضو حيّ فيها. في هذا المزمور يتحدث المرتل عن المعلم العجيب الذي يقدم له رأفاته ومراحمه ليست كأمور خارجية إنما هي من صميم سماته الإلهية، إذ هي أزلية. الله هو المعلم الأب، طبيعته حب، لا يحتاج إلى من يذكره بمراحمه، لكن داود النبي يقول: "أذكر يا رب رأفاتك"... إنه يُسر بأن يطالبه الابن بحقه في المراحم والرأفات، بكونه منبع الحب الأزلي. إذ نصرخ: "اذكر يا رب" إنما ينير هو أعماقنا لنذكر نحن رأفاته ومراحمه، يعلنها لنا، فنطلبها بروح النبوة الواثقة والمترجية دون يأس. ينبوع الحب الأزلي، مصدر الرأفات والمراحم، يقدم لنا عهدًا، بدأ مع آدم، ووضع عند تجديد العالم بعد الطوفان مع نوح، وتأكيد مع إبراهيم أب الآباء... وأخيرًا تحقق في أكمل صورة على الصليب، حيث كتب الرب ميثاقه في جسده بالدم الثمين، عهد الرحمة والحق... على الصليب تعانق الحب الإلهي مع العدل، وانكشفت رحمة الله التي لا تنفصل قط عن عدالته. لذا يقول المرتل: "جميع طرق الرب رحمة وحق للذين يبتغون عهده وشهادته" [10]. طرق الرب رحمة وحق لمؤمنيه الحقيقيين الذين يطلبون عهده ليحفظوه، ويكونوا أمناء في ارتباطهم به، ليصيروا بالحق ملكًا له. هؤء يبتغون الحياة المقدسة والطاعة للوصية الإلهية، مجاهدين وساعين لإدراك ذلك بقوة القدوس. أما إذا أخطأوا عن ضعف فهذا لا يحرمهم من تمتعهم بمواعيد العهد. يرى القديس أغسطينوس أن الذين يبتغون العهد الإلهي ينعمون بالرحمة التي أعلنها ربنا ذبيحة نفسه في مجيئة الأول وأيضًا ينعمون بالحق الذي سيعلنه في مجيئه الثاني، في يوم المجازاة... وإن كان الحق يرافق الرحمة والرحمة تلازم الحق. * لأن أولئك الذين في وداعة ولطف يبحثون عن العهد الذي به افتدانا ربنا إلى جدة الحياة بدمه، ويدرسون شهاداته في الأنبياء والإنجيليين، هؤلاء يدركون رحمته في المجيء الأول وحقه في مجيئه الثاني. القديس أغسطينوس د. غافر الخطاياي: هذا المعلم الفريد الذي أعلن حبه الأزلي خلال عهده ومواعيده التي تجلب خلال ذبيحة الصليب، وحده قادر أن يغفر خطاياي، لذا يقول المرتل: "خطايا شبابي وجهالاتي لا تذكر، كمثل رحمتك أذكرني أنت من أجل صلاحك يا رب، لأنه صالحًا ومستقيمًا هو الرب. لذلك يصنع ناموسًا للذين يخطئون في الطريق" [7-8]. ما كان يمكن لداود النبي أن يعترف بخطاياه وجهالاته، خاصة التي ارتكبها في أيام شبابه لو لم يكشف له الرب عن رأفاته ومراحمه الأزلية. حب الله وأبوته الحانية هما سندنا في الاعتراف بخطايانا. يطلب داود النبي من المعلم ألا يذكر خطاياه وإنما يذكره هو كخليقة الله المحبوبة لديه، والتي لها تقديرها الخاص لا لفضل فيها وإنما من أجل مراحم الله وصلاحه ولأجل اسمه القدوس. طلب اللص اليمين من المعلم الحق أن يذكره متى جاء في ملكوته، فلم يذكر جرائمه ولا خطاياه، بل حمل نفسه إلى الفردوس، مبّررة في استحقاقات الدم الثمين. هكذا إذ نطلب من الرب أن يذكرنا يجيب قائلًا: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها" (إش 43: 25). لا يسأل داود النبي من أجل غفران خطاياه التي ارتكبها سابقًا في شبابه فحسب وإنما لأنه يعرف ضعفه يطلب من أجل خطاياه الحالية لأنها كثيرة. وهو في هذا يحتمي في اسم الله القدوس كي لا يرجع خائبًا، إذ يقول: "من أجل اسمك يا رب تغفر لي خطيئتي لأنها كثيرة" [10]. من يبتغي عهد الله منتظرًا المكافآة الأبداية، يعترف بكثرة خطاياه طالبًا المغفرة، لا من أجل استحقاق شخصي، وإنما لأجل اسم الرب ورحمته. خطاياه الكثيرة تحتاج إلى فيض من النعمة الإلهية. طريق التوبة ضيق لكنه آمن، به نرجع إلى الله أبينا، وننعم برأفاته. * (طرقك) ليس بواسعة ولا تقود الكثيرين إلى الهلاك؛ علمني الطرق الضيق التي لك والتي يعرفها قليلون (مت 7: 13). * دربني في حقك" فاتجنبالخطأ. "علمني"، فإنني بذاتي لا أتعلم إلا البطلان. "لأنك أنت هو الله مخلصي، وإياك انتظرت النهار كله". منذ أن طردتني من الفردوس (تك 3: 23)، سافرت إلى كورة بعيدة (لو 15: 13)، ولم استطع العودة إليك ما لم تتقابل أنت مع الشارد. وخلال رحلة حياتي في الأرض تعتمد عودتي إليك على مراحمك: "أذكر يا رب رأفاتك" [6]. أذكر يا رب أعمالك التي تفيض إنعامًا، لأن الناس يتهمونك بأنك على ما تبدو أنك نسيتنا...! فوق هذا كله لا تنسي أن مراحمك هي منذ الأزل. حقًا إنها لا تنفصل عنك. منذ خضع الخاطئ الساقط للباطل لم تتركه بدون رجاء (رو 8: 20). لقد أغدقت على خليقتك بالكثير من تعزياتك العظيمة. القديس أغسطينوس ه. يهبني استقرار في الخير: بروح الوداعة ننعم بالتوبة ونغتصب مراحم الله ونختبر أبوته الغافرة الحانية، وبمخافة الرب تصير إرادتنا الإلهية. والطريق الذي نختاره برضانا هو طريقه... لذا لا تجد النفس نفسها في صراع بين إرادة شريرة في داخلها ووصية صالحة إلهية، إنما توافقًا وانسجامًا بين أعماقها وطرق الرب فتثبت في الخير الإلهي، وتستقر وتبيت فيه. هذا ما عبّر عنه المرتل بقوله: "من هو الإنسان الخائف من الرب؟ يضع له ناموسًا في الطريق التي ارتضاها. نفسه في الخيرات تثبت (تبيت)، ونسله يرث الأرض" [12-13]. ربما كان المعنى هكذا: "أرني إنسانًا يخاف الرب بروح التقوى أيّا كان، فإن الله يختار له طريقًا يرشده فيه يجد فيه المؤمن رضاه. الله يقدم طريق وصيته لخائفيه الذين يجدون هم أيضًا مسرتهم فيه. بالمخافة الإلهية اختار شاول المجدف والمُضطهد أن يُصلي ويتعبد ويكرز ويُضطهد كرسول... وذلك بفضل النعمة الإلهية. من يخاف الله يستقر في الطريق الملوكي فلا يخاف أحدًا ولا يخشى شيئًا، بل تثبت نفسه وتستقر كما بين ذراعي الرب، ليس هو وحده وإنما يحمل معه من يجتذبهم إلى الحياة الإنجيلية المقدسة، يُحسبون كنسل له يتمتعون بالكنيسة كأرض مقدسة في هذا العالم. لذا يقول المرتل: "ونسله يرث الأرض" [13]. لا يقف الأمر عند استقرار نفسه ونفوس مخدوميه في الأحضان الإلهية وإنما يتمتع خائف الرب بمجد الرب وقوته، كقول المرتل "الرب عزَّ لخائفيه" [14]. يصير الله نفسه عزّه وقوته. * قد يبدو الخوف لائقًا فقط بالضعيف، لكن الرب يعضد خائفيه بقوة. اسم الرب الممجد في العالم يسند المتطلعين إليه والراجعين إليه في كل الأمور؛ فهو يجعل عهده مستعلنًا لهم، لأن الأمم وأقاصي المسكونة هي ميراث المسيح. القديس أغسطينوس في اختصار يقدم المعلم الإلهي لخائفية البركات التالية: - طريقًا ملوكيًا ووصية مقدسة ترضي نفس خائف الرب. - استقرارًا في الله الخير الاعظم. - ميراثًا مقدسًا لمخدوميه. - كشفًا عن الأسرار الإلهية كصديق شخصي لله. و. ينقذني من الشباك الخفية: "عيناي تنظران إلى الرب في كل حين، لأنه يجتذب من الفخ رجليّ" [15]. الذين يثبّتون عيونهم على الرب دائمًا لن تبقى أرجلهم في الفخاخ طويلًا. بنعمة الله تهرب نفوسنا من الشبكة التي تربكها في اهتمامات العالم وملذاته الشريرة، فتستريح مع فادينا الممجد. * لا أخاف شيئًا من مهالك الأرض طالما لا أحدق طويلًا في تلك الأرضيات، لأن ذاك الذي أُثبت عليه عيناي يخرج من الفخ رجلىّ. القديس أغسطينوس الله حاضر في كل مكان، لكن عيوننا لا تقدر أن تنظراه على الدوام ما لم تستنر به... لذا يقول المرتل: "بنورك يا رب نعاين النور". ز. يخلصني من العزلة: "أنظر إليّ وارحمني، لأني ابن وحيد وفقير أنا" [16]. يشعر داود النبي أنه وحيد وبائس في ضيقته، لأن خدامه وجيشه لا يقدرون على إنقاذه. في ضيقته يشعر أن والديه قد تركاه، وليس من يقوى أن يخلصه سوى ربه. لعل أول المشاكل التي يُعاني منها الإنسان هو شعوره بالعزلة والوحدة، حتى وإن أحاط به الناس من كل جانب، بل أحيانًا وهو في أحضان أبويه. إنه محتاج أن يلتفت الرب نفسه إليه، يدخل إلى قلبه، ويملأ فراغه، فلا يشعر بالعزلة ولا بالفقر. سبق المرتل فقال: "عيناي تنظران إلى الرب في كل حين"، والآن يقول: "انظر إليّ"، فإنه يتطلع في أعماقه نحو الرب على الدوام إنما يرى الله متطلعًا إليه. تطلع سمعان بطرس إلى السيد المسيح أثناء محاكمته فرآه يتطلع إليه... حينئذ صار يبكي بكاءًا مرًا. نظراته تلين القلب، وتعطي النفس انسحاقًا وتوبة، وتفجر ينابيع دموعنا المقدسة. ح. يخلصني من الأعداء: نظرات الرب تهبنا توبة ورحمة لنتخلص من العدو الداخلي، الخطية. لذا يكمل المرتل طلبته: "أحزان قلبي قد كثرت. اخرجني من شدائدي... واغفر ليّ جميع خطاياي" [17-18]. يشعر المرتل بثقل الخطية المقاومة له لذا يصرخ طالبًا الخلاص منها، كما يطلب الخلاص من الأعداء الخارجيين أيضًا: "أنظر إلى أعدائي، فإنهم قد كثروا وبغضًا ظلمًا ابغضوني" [19]. فإن هذا هو عمل المعلم - الراعي الصالح - إنه يهتم بالخراف التي في وسط ذئاب. أنه لا يهلك الذئاب بل يقتل طبيعتها الشريرة فتصير حملانًا، أو كما يقول النبي: "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي... والبقرة والدبة ترعيان" (إش 11: 6-7). ط. يهبني الكمال: عمل المعلم القدوس الكامل أن يهبنا الحياة المقدسة الكاملة: "احفظ نفسي ونجني... الذين لا شر فيهم والمستقيمون لصقوا بي" [20-21]. يتقدس المؤمن ويرتبط بالنفوس المقدسة كرعية واحدة مقدسة للراعي القدوس. 3. قرار يُردده الخورس: كان داود النبي جادًا جدًا في طلبه أن يخلصه الرب من ضيقاته... لكنه وسط آلامه لم ينس آلام الجماعة ككل. صلى لأجل نفسه وها هو يطلب من أجل الجماعة لكي ينقذها، إسرائيل الجديد، الذي ليس هو بدولة إسرائيل بل كنيسة العهد الجديد. * "يا الله انقذ إسرائيل من جميع شدائده" خلص شعبك، لا من الضيقات التي تحاصرهم من الخارج بل أيضًا ومن تلك التي يعانون منها في الداخل، لأنك أنت يا الله قد أعددت شعبك لينعموا برؤيتك. القديس أغسطينوس أيها المعلم عرفني طريقك * عرفني يا رب طريقك لأثبت فيك! دربني في حقك فاتمتع بملكوتك! احملني إلى صليبك فأتمتع بعهدك الأبدي! اغفر خطاياي، وهب لنفسي استقرارًا! احماني إليك أيها الخيّر الأعظم. * ثبت نظراتي فيك، ولتتطلع أنت إليّ! ارفعني عن التراب، ولا تترك رجليّ في الفخاخ! * خلصني من عزلتي وانزع عني بؤسي، فأنت شبعي وكنزي! * خلصني من خطيتي، وانزع عداوة الأعداء فيصيروا لي أحباء! * هب لي كمالًا واستقامة مع شعبك! اعطِ خلاصًا لكل كنيستك، وراحة لشعبك! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:37 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 27 (26 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الثقة في الربوحدة المزمور: يرى بعض الدارسين مثل الأسقف وايزر Weiser أن هذا المزمور يتألف من جزئين [1-6؛ 7-14]، يختلفان عن بعضهما في الأسلوب والمحتوى. الجزء الأول هو أنشودة قوية تعبر عن الثقة في الله التي لا تتزعزع، أما الجزء الثاني فهو صلاة مرثاة لشخص هو في أشد الحاجة إلي العون الإلهي في وسط محنته. يرى آخرون وجود تناغُم بين الجزئين، فالمرتل الذي يهدده جيش من الأعداء والخصوم حتى وإن تكاتف الكل ضده؛ إنه يعتقد بأن كل عون بشري يختفي لذا يرجع إلى الثقة في الله وحده الذي هو نوره وعونه وحصنه، خاصة في قدس هيكله حيث يطلب عون الله المقدس. في ضيقته يسأل المرتل أن يعيش كل أيام حياته في بيت الله، يختبر عذوبة الله ويعاين جمال هيكله فهو يطلب ما هو أعظم من الحماية من الأعداء، إنه يطلب من الله الوقوف في مدينته والتمتع بوجهه وإدراك فرح بيته. مناسبته: يرتبط هذا المزمور باضطهاد شاول لداود؛ أو بالفترة التي هرب فيها داود من وجه ابنه أبشالوم؛ أو تلك التي كان يصارع فيها مع الفلسطينيين، حينما تورط كثيرًا بين أعدائه وكان على وشك أن يُقتل على يد عملاق لو لم يتقدم أبيشاي في اللحظة الحاسمة لينقذه. كان داود الملك في ذلك الحين شيخًا واهنًا، وإن كان قد احتفظ بشجاعته كما كان عليها من قبل، لكنه فقد رشاقته وقوة الشباب الجسدية؛ إذ كان الشعب مهتمًا ألا يفقد ملكه وقائده جاءوا إليه ليحلفوا له، قائلين: "لا تخرج معنا إلي الحرب ولا تطفئ سراج إسرائيل" (2 صم 21: 17)[534]. العنوان: "لداود، قبل أن يُمسح" مُسح داود ثلاث مرات (1 صم 16: 13؛ 2 صم 2: 4، 5: 3) المرة الأولى وهو صبي، مُسح خفية في بيت أبيه دون أن يعلم الملك شاول ودون معرفة الشعب، في المرة الثانية مسحه رجال يهوذا علانية، وفي الثالثة أُقيم ملكًا على كل الأسباط. في هذا كان داود رمزًا لابن داود، المسيا المخلص. 1. منذ الأزل مُسح الكلمة مخلصًا وفاديًا للبشر، قبل خلقتنا وسقوطنا. 2. جاء الملك ليملك على شعبه الذين هم خاصته. 3. أعلن ملكوته في كنيسته الممتدة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. * هكذا كان عنوان المزمور: "مزمور لداود قبل مسحه"... كانت المسحة آنذاك خاصة فقط بالملك والكاهن. إذ كان هذان الشخصان وحدهما ينالان المسحة المقدسة، وفيهما كان الرمز الذي تحقق في الآتي ملكًا وكاهنًا في نفس الوقت، المسيح الواحد الحامل الوظيفتين. وقد دُعى "المسيح"، لأن الله (اللآب) قد مسحه. لم يُمسح رأسنا فقط، بل ومُسحنا نحن جسده. الآن هو الملك لأنه يقودنا ويرشدنا، وهو الكاهن لأنه يشفع فينا (رو 7: 22). وهو أيضًا الكاهن الوحيد والذبيحة في نفس الوقت، لأن الذبيحة التي قدمها لله الآب لم تكن سوى نفسه... كلنا نشترك في المسحة وفيه... لهذا فإن المزمور هو صلاة إنسان يتوق إلى هذه الحياة، ويطلب بلجاجة من أجل نعمة الله التي تكمل فينا في النهاية. القديس أغسطينوس أقسامه: 1. ثقة في الرب [1-3]. 2. حصانة في كنيسة المسيح [4-6]. ماذا أعلن النبي وسط آلامه؟ أ. عدم انحرافه عن هدفه ب تأمله وبهجته في الرب الحّال في هيكله المقدس ج. حمايته في خيمة الرب د. ارتفاعه على الصخرة ه غلبته على أعدائه و. تقديم ذبائح الهتاف والتسبيح 3. صلاة برجاء [7-13]. 4. نصح وإرشاد [14]. أبي وأمي قد تركاني 1. ثقة في الرب: شكل هذه القطعة الشعرية [1-6] ومحتواها يشبه ما ورد في المزمور 23. يحمل المرتل نظرة مُخيفة لحشد من الجيوش يتكاتف ضده، لكن هذه النظرة تبتعها رؤية الرب، الذي فيه يجد المرتل النور والخلاص والقوة. الرب نفسه الذي هو الخير المطلق نصيب المرتل، وهو الكل في الكل بالنسبة له، وهو نوره وبهحته، سلامه وخلاصه، قوته وملجأه. يعبر المرتل عن ثقة بلا خوف في الله تُمكنه ليس فقط من مواحهة كل المخاطر التي تحدق به وإنما أيضًا بها يجد عذوبة وبهجة خلال التجارب. "الرب نوري ومخلصي ممن أخاف؟! الرب عاضد حياتي ممن أجزع؟!" [1]. لا يستطيع أحد أن ينطق بهذه الكلمات إلا من كفّ عن اتكاله على أصدقائه من بني البشر، علاوة على توقفه عن اعتماده على ذاته، يُقابل هذا اتكاله الكامل وثقته المتناهية في الله دون شروط، في تسليم كامل تحت كل الظروف. هذا الاستقلال عن كل ما هو بشري يجعل الإنسان متحررًا من أي خوف. غير أن هذه الثقة لا توهب إلا لمن يرى في الله كل شيء، يجد فيه غايته القصوى في ظروف حياته العملية الواقعية[535]. يثق المؤمن أن كل سمات الله تُناسب حمايته وتمتعه هو بالمجد الأبدي، لهذا يتحدث عن الله هكذا: "نوري، مخلصي، عاضد حياتي". يبدأ المزمور بالإعلان عن الله بكونه نورنا وخلاصنا وحصن حياتنا بصفة شخصية... فيه يخلص المؤمن شخصيًا من أعدائه الروحيين فتستنير بصيرته الداخلية لمعاينة الأمجاد السماوية. النور رمز طبيعي لكل ما هو إيجابي، من الحق والصلاح إلى الفرح والبهجة (مز 43: 3؛ إش 5: 20؛ مز 97: 11؛ 36: 9). إذ نتمتع بالله نورًا لنا لا حاجة أن نخشى أحدًا أو شيئًا ما، فالنور يبدد الظلمة: "إن كان الله معنا، فمن علينا؟!" (رو 8: 31). يقدم لنا المرتل أقول إنسان مختبر، يترنم خلال حياته وخبرته الشخصية مع الله. فقد أحاطت به الجيوش، وبالإيمان غلب وانتصر. حين حاصرته الجيوش من كل جانب فصار كمن هو في وسط ضباب كثيف اكتشف أن "الله نور وليس فيه ظلمة البتة" (1 يو 1: 5)، بنوره عاين النور. إنه يسمع صوت الرب القائل: "أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12). لن يستطيع الضباب أن يخدعنا، إذ يشرق علينا شمس البر، واهبًا إيانا الشفاء بأجنحته، مخلّصًا إيانا من الشر، لنردد قائلين: "هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي، وقد صار لي خلاصًا" (إش 12: 12). كلما تكاتفت قوى الظلمة ضدنا ازداد حنيننا إلى شمس البر، واكتشفنا عمله الخلاصي في حياتنا عمليًا. يهبني النور الحقيقي نور المعرفة، فاكتشفه مخلصي من خطاياي، واختبره قوتي ضد الشر. هذا هو عمل الله مخلصي في حياتي: يهبني نور معرفة وخلاصًا وقوة! * أنه ينيرني، فتبددي أيتها الظلمة! إنه يخلصني، فوداعًا يا كل الضعف! * الله يهبني كلًا من معرفة ذاته (النور) والخلاص، فمن ينتزعني عنه...؟! الرب يطرد كل هجمات عدوي، الخفية والظاهرة، فلا أخاف أحدًا! * نعم يا إلهي... في غياب نورك ظهور للموت، أو بالحري مجيء للعدم. * يالشقائي... لقد سادت عليّ الظلمة، ومع أنك أنت النور، إلا أنني حجبت وجهي عنك! * آه! قل هذه العبارة: "ليكن نور"، عندئذ أستطيع أن أعاين النور، وأهرب من الظلمة؛ أعاين الطريق وأترك طريق الضلال؛ أرى الحق وابتعد عن الباطل؛ انظر الحياة وأهرب من الموت؛ إشرق فيَّ يا إلهي، فأنت نوري واستنارتي... * أيها النور الأسمى، تعجل بالاشراق فيَّ أعمى يُريد أن يصير ملكًا لك! القديس أغسطينوس * هو قوتنا، به ننال النصرة، لأنه يعطينا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوات العدو[536]. القديس كيرلس الكبير الأب قيصروس أسقف آرل يا الله إلهي... أنت نسمات حياتي، أنت صلاحي، قوتي، عزائي في يوم الضيق. تطلع إلى كثرة أعدائي وخلصني من أيديهم، فإلى أين يهربون من وجهك أولئك الذين يمقتوك؟! أما أنا فبك وفيك أحيا. * أيها الكلمة... ليتني التصق بك، ففيك يكون حفظي... أنت خلقتني، فلتتكرم وتعيد خلقتي. أنا أخطأت، فلتفتقدني، أنا سقطت، فلتقيمني، أنا صرت جاهلًا، فلتحكمني، أنا فقدت البصر، فلتعد ليّ النور! القديس أغسطينوس * لا يدعو داود الله في كل مرة بنفس الاسم أو بذات اللقب؛ لكنه أثناء حربه وعند نصرته يقول: "أحبك يا رب يا قوتي، الرب ترسي"؛ وحينما يخلصه الله من محنة وظلمة تحيط به يقول" "الرب نوري ومخلصي". يدعوه حسب الحال الذي عليه في ذلك الوقت، تارة يدعوه خلال محبته الحانية وأخرى خلال عدله، وتارة خلال قضائه البار[538]. القديس يوحنا الذهبي الفم الذين يضايقونني وأعدائي هم ضعفوا وسقطوا. وإن يحاربني عسكر فلن يخاف قلبي. وإن قام عليّ قتال فبهذا أنا أرجو" [2-3]. اقترب إليه الأشرار ليأكلوا لحمه ويفنوه، وكان أعداؤه قادرين، لكن إلهه القدير هو أقدر منهم. لقد اعتاد الأشرار أن يذبحوا شعب الله ويأكلونهم كخبز (مز 14: 4). هم فاعلوا شر (26: 5)، يؤذون (إر 25: 6) ويضرون (1 صم 26: 21) ويضغطون (مز 44: 2)، يسببون ضيقًا (أم 4: 6) ويغيظون الآخرين (عدد 20: 15)[539]... فما هو موقف القدير؟ أنه لم يمنعهم من ممارسة شرهم قسرًا، إنما بحبه الخلاصي قدم جسده الواهب الحياة مأكلًا، حتى نتقبل نحن أعضاء جسده أن نقدم أجسادنا طعامًا لاخواتنا في البشرية بروح الحب الباذل، يأكلوننا فيتحولون من ذئاب مفترسة إلى حملان وديعة. لهذا يقول ربنا يسوع لتلاميذه: "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" (مت 10: 16). إذًا ليأكل الأشرار لحمي، فإن المسيح الساكن فيَّ قادر أن يُحوّل حياتهم الشريرة إلى حياة مقدس... يعرف كيف يصيرني إناءّ يحمل آلامًا من أجل المسيح. لقد كان شاول الطرسوسي مضطهدًا للكنيسة يأكل لحوم أبنائها، لكنه أخيرًا تحول إلى بولس الرسول الذي قيل عنه: "لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي" (أع 9: 16). أكل الوثنيون لحم القديس مرقس بالإسكندرية حتى سال دمه في شوارعها، فتحولت الإسكندرية إلى مدينة مقدسة تضم كنيسة المسيح الحية. * "عندما يقترب مني الأشرار ليأكلوا لحمي" [2]. حينما يقترب الأشرار ليتعرفوا عليّ ويهينونني ويتبجحون عليّ لأنني أسعى نحو ما هو أفضل ليس فقط يزعجون نفسي بأسنانهم اللعينة بل وأيضا يضايقونني بالرغبات الضآلة... يعثرون ويسقطون... * ما معنى "لحمي"؟ إنها غرائز طبيعتي الدنيا. ليثر (الأشرار) ويسعوا ضدي فإنهم إنما يُفنون فيَّ ما هو مائت (شهواتي الجسدية)، لكن يبقى فيَّ ما لا يستطيع مضطهديّ بلوغه، الهيكل الذي يسكن فيه إلهي. القديس أغسطينوس بطهارة ونقاوة. "وإن يحاربني عسكر (جيش) فلن يخاف قلبي" [3]. ما من قوة بشرية اجتمعت وتآمرت ضد إله القوات (دا 11: 38)، وما من حشود جيوش إلا وصارت في نظر الله كعشب الجندب؛ فإن عناية الله غالبًا ما تحارب ضد الجانب الأقوى (الظالم) (جا 9: 11)[540]. * الإمبراطور إذ تحرسه قواته لا يخاف شيئًا، هكذا يحمي الأموات المائت فلا ينزعج؛ فهل إذا ما حرس غير المائت يخاف الأخير وينزعج؟! القديس أغسطينوس المؤمن وقد استنار بالروح القدس لا يخشى حتى الشيطان وكل جنده أو جيوشه. إنه يؤمن بالله الذي يبيد قوات الظلمة بصليبه، فلا يكون لعدو الخير ولا للخطية سلطان في قلبه، إذ ينعم بملكوت الله في داخله. 2. حصانةً في كنيسة المسيح: إذ تكدست الجيوش حول داود وجد في الله وحده الملجأ الأمين... وعوض التفكير في مقاومة الأعداء انسحب قلبه إلى بيت الرب، إلى كنيسة المسيح التي يقيمها روح الله داخله، وإلى العبادة الجماعية المقدسة، حيث يتمتع بعذوبة سكنى الرب في القلب كما في وسط الجماعة. هذا ما عبّر عنه المرتل بقوله: "واحدة سألت من الرب، وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب سائر أيام حياتي. لكي أنظر نعيم الرب، واتعاهد هيكله المقدس. لأنه أخفاني في خيمته في يوم مضراتي؛ سترني في ستر مظلته. وعلى صخرة رفعني والآن هوذا قد شرف رأسي على أعدائي. طفت وذبحت في مظلته ذبيحة التسبيح، اسبح وأرتل للرب" [4-6]. إن كان هدف عدو الخير أن يثير حولنا القلاقل لكي يشغلنا بها عن إلهنا القدوس، فلا ننعم بالشركة معه، فإن المؤمن الحقيقي - بروح الحكمة - ينسحب قلبه إلى كنيسة الله أو إلى بيت الله معلنًا شوقه أن يوجد مع الله كل أيام حياته. ماذا أعلن النبي وسط آلامه؟ أ. عدم انحرافه عن هدفه: بناء بيت للرب ليسكن هو أيضًا مع الرب. ب. تأمله وبهجته في الرب، الحال في هيكله المقدس. ج. حمايته في خيمة الرب، واختفاءه في ستر مظلته. د. ارتفاعه على الصخرة. ه. غلبته على أعدائه. و. تقديم ذبائح الهتاف والتسبيح. أ. عدم انحرافه عن هدفه: كانت أشواق داود النبي والملك تتركز في بناء بيت الرب، بقصد السكنى الدائمة بالقلب في المقادس الإلهية، وكما يقول هنا إن رغبته الوحيدة واشتياقه الوحيد الذي يملأ قلبه، وفيه تتجمع كل الاشتياقات الأخرى وتتحقق: أن يعيش في شركة دائمة مع الرب ما أمكن، عندئذ يملك كل شيء[541]. اشتاق إلى السكنى في بيت الرب ليعبده ويتمتع بحمايته. هذا ويلاحظ أن الكهنة أنفسهم لم يقيموا بالفعل في الهيكل؛ لهذا لم يقصد المرتل السكنى بالمفهوم الحرفي، إنما عنى به السكنى الروحية. يُريد أن يسكن قلبه هناك ككاهن روحي لله. بالرغم من أن المرتل يبدأ مزموره بالإعلان عن علاقته الشخصية مع الله بكونه نوره ومخلصه وحصن حياته، نراه هنا يعرفه من خلال الجماعة (بيت الرب)، فهو محب جدًا لبيت الرب وللعبادة العامة الليتروجية[542]. وكأنه لا انفصال بين حياة الإنسان الخاصة مع الله وعلاقته به خلال الجماعة المقدسة. يشتهي المرتل أن يسكن في بيت الرب سائر أيام (وليس ليالي) حياته. لقد وجد المرتل في الرب نوره الذي به تنقشع ظلمة ليله، وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن حياة المرتل خاليه من الليالي، ولا مكان للظلمة فيها]. * ها أنتم ترون ما أحبه أنا... إنه لمشهد عجيب أن أُعاين جمال الرب نفسه! عندما ينتهي ليل (المرتل) يشتاق أن يستريح إلى الأبد في نور الله. فلا يكون ليلنا بعد، إذ يشرق الصبح بفجره علينا. القديس أغسطينوس - بيت الله: يشير إلى سكنى الله وسط شعبه، وسكنى المؤمن مع الله. - هيكله المقدس: يشير إلى القداسة كجمال القدوس، بها ننعم برؤية الله، والنظر إلى نعيمه. - خيمته: يشاركنا تغربنا في العالم، له خيمته، حيث يقيم معنا، ويرحل معنا، حتى يحملنا إلى سمواته... كان مجد الرب يحل في الخيمة المقدسة! - مظلته: يستر علينا من حرّ التجارب. - صخرة: يرفعنا فيه فلا تتسلل الحية إلينا، حيث لا تستطيع الزحف الصخرة الملساء. ب تأمله وبهجته في الرب الحّال في هيكله المقدس: "لكي أنظر نعيم الرب، واتعاهد هيكله المقدس" [4]. الله القدوس يسكن في هيكله المقدس، يفيض على كنيسته بالحياة المقدسة، لينعم المؤمن بالقداسة التي بدونها لا يقدر أحد أن يُعاين الله. النفس التي تتقدس للرب تحسب هيكلًا له، عذراء عفيفة للمسيح. وكما يقول القديس جيروم: [طوبى للنفس؛ طوبى للعذراء التي لا يوجد في قلبها موضع للحب سوى حب المسيح، لأنه في ذاته هو الحكمة والطهارة والصبر والعدل وكل فضيلة أخرى]. ج. حمايته في خيمة الرب: "لأنه أخفاني في خيمته في يوم مضراتي؛ سترني في ستر مظلته". يرى القديس أغسطينوس خيمة الرب أو مظلته تشير إلى تجسده، حيث أخلى ذاته وأخفى لاهوته حتى يُتمم عمل الخلاص بالصليب فنختفي فيه من كل سهام العدو ونستتر به من عار الخطية. * لأنه أخفاني في تدبير كلمته المتجسد خلال التجربة التي تعرضت لها حياتي المائتة. سترتني في ستر مظلته، حماني منذ أن ملك في قلبي الإيمان الذي يُبررني (رو 10: 10). على صخرة رفعني، لكي يقودني إلى الخلاص بالمعرفة المكشوفة التي لإيماني؛ فقد جعل إيماني كحصن منيع متأسس على قوته. القديس أغسطينوس * المظلة هنا تشير إلى الجسد المقدس المكرم، هيكل الله، المولود من العذراء، الذي يسكن فيه المؤمن كرفيق لجسد الرب... فقد أخذ لنفسه طبيعة كل جسد، وإذ صار بهذه الطريقة الكرمة الحقيقية جمع في نفسه عنصر كل فرع[543]. القديس هيلاري أسقف بواتييه الخيمة تتحدث عن الذبيحة حيث يحمي الدم المقدس المؤمنين من الخطية، والمظلة تتحدث عن ضرورة الجهاد الروحي بقيادة المخلص نفسه. كأن الخيمة والمظلة يمثلان وحدة الإيمان والجهاد أو الأعمال في حياتنا الجديدة في المسيح يسوع موضوع إيماننا وقائد جهادنا الروحي. د. ارتفاعه على الصخرة: ما هي الصخرة التي يرفعني عليها الرب إلا الإيمان الحيّ به، الذي هو أساس الكنيسة، وعليه وتُبني النفوس المقدسة كهيكل مقدس للرب لا تقدر العواصف أن تهز أساساته! لا تستطيع الحيه أن تزحف على الصخرة الملساء، وهكذا إذ يرفعنا مسيحنا فيه يستحيل على العدو القديم أن يتسلل إلينا. كثيرًا ما تحدث النبي عن السيد المسيح كصخرة (مز 18)، الصخرة التي تفيض ماء الحكمة التي تَروي النفس وتسندها في غربتها وفي جهادها المستمر الروحي. ه غلبته على أعدائه: "والآن هوذا قد شرف رأسي على أعدائي" [6]. إذ يجد المؤمن حماه في مظلة الرب الملوكية يرتفع رأسه على أعدائه، في ثقة من النصرة الأكيدة التي ينالها تحت قيادة الرب. في بيت الله لا نحتمي فقط من الأعداء الأشرار، بل وننال كرامة، إذ ترتفع رؤوسنا ونقدم ذبائح التهليل والتسبيح. فيه تتيقن قلوبنا من النصرة الكاملة، لذا نرفع رؤوسنا بفرح واعتزاز مع أننا نرى نفوسنا وقد أحاط بها الأعداء من كل جانب يهددوننا. كان يُنظر إلى الهيكل كموضع أمان (2 مل 11: 3؛ نح 6: 10)، سر أمانه ليس حصونه وحوائطه وإنما الله الساكن فيه، والشركة معه التي تُختبر داخله. و. تقديم ذبائح الهتاف والتسبيح: في بيت الرب تتهلل نفوسنا بالله الذي نتعرف عليه وننظر بهاء قداسته، نحتمي به وننعم بنصرته، نقترب إليه ونختبر معيته في حياتنا... تتحول أعماقنا إلى قيثارة روحية يعزف عليها روح الله تسابيح الحمد والشكر، رافعين رؤوسنا على العدو الشرير والمقاوم! * نقدم ذبيحة التهليل، ذبيحة السرور، ذبيحة الفرح، ذبيحة الشكر، التي لا يُعبر عنها. لكن أين نُقدمها؟ في خيمته، في الكنيسة المقدسة... هنا توجد إشارة إلى مجد الكنيسة. بالنسبة للحاضر يلزمنا أن نئن، يجب علينا أن نُصلي. الأنين هو نصيب البائسين، الصلاة هي نصيب المحتاجين. سوف تمضي الصلاة ليحل محلها التسبيح، ينتهي البكاء ويحل محله الفرح. القديس أغسطينوس 3. صلاة برجاء: "استمع يا رب صوتي الذي به دعوتك. ارحمني واستجب لي. فإن لك قال قلبي: طلبت وجهك، ولوجهك يا رب التمس. لا تصرف وجهك عني، ولا تمل بالرجز على عبدك" [7-9]. أحاط بالمرتل أعداءه فصار يُصلي طالبًا العون من الله نوره، لكنه إذ يُعاين النور الإلهي ينسى أعداءه، سائلًا الله أن يشرق عليه، فينعم بوجه الله. في النص العبري: "قلت: اطلبوا وجهي"، ربما تذكّر داود النبي الدعوة المملؤة نعمة أو الوعد الإلهي أننا إن طلبنا وجهه لا يحجبه عنا. بينما كان المرتل معذبًا بالتفكير في الضيق الذي جلبه على نفسه خلال الخطية، تشرق في مخيلته ذكريات كنور وسط الظلام، ويستدعى في ذاكرته تلك العهود التقليدية التي يلتزم بها وكلمة الله التي تعبّر عن الوصية والوعد في آن واحد: "اطلبوا وجهي"[544]. عوض الارتباك بالأعداء وتهديداتهم ينشغل المرتل بوصية الله ووعده، يوصينا أن نطلب وجهه، وتحسب هذه الوصية وعدًا، إذ يحقق لنا طلبتنا فننعم بالتطلع إليه. حجب وجه الله أو اخفاؤه يعني رفضه كقاضي أن يستمع إلى قضيتنا وأن يحكم بخلاصنا. ربما يُريد المرتل القول: إنني أعرف أن خطاياي كثيرة التي تحجب وجهه عني، فأنت ترفضني بسبب عدلك وبرك، لكنك إله رحوم قادر أن تخلص. * حجب وجهه بسبب خطايانا لا يعني انصرافه عنا في غضب؛ فقد يحوّل وجهه عن خطاياك لكنه لا يحوله عنك شخصيًا. القديس أغسطينوس * "لا ترفضني يا الله مخلصي" [9]. لا تستخف بجسارة مائت يطلب الأبدي، لأنك أنت يا الله تشفي الجرح الذي تركته خطيتي. القديس أغسطينوس "فإن أبي وأمي قد تركاني، وأما الرب فقبلني" [10] من الصعب أن نتصور ترك الأب والأم لطفلهما، لكنه حتى أن ضاقت بهم الظروف وتخليا عنه، يوجد الآب السماوي الذي يضمه إليه ويرفعه فوق الأعداء، ويدخل به إلى الأحضان الأبدية. لقد تركت هاجر ابنها تحت أحد الأشجار ليموت من العطش ومضت وجلست مقابله من بعيد، أما الرب فسمع لأنين الغلام وفتح عن عيني الأم لتبصر ماء بئر يروي الغلام. هكذا أيضًا ترك الأبوان موسى في النهر والرب ضمه إذ أرسل إليه ابنه فرعون تتبناه. لم نسمع عن داود النبي أن والديه غضبا عليه، لكنه ربما قصد عجزهما عن تقديم معونة له في وقت الشدة. يرى البعض أن الأب والأم هنا يمثلان الأصدقاء الأعزاء والقريبين منه الذين سحبوا ثقتهم فيه وتقديرهم له[545]. * "فإن أبي وأمي قد تركاني" [10]. لأن مملكة هذا العالم، ومدينة هذا العالم، اللتان قدمتا لي ميلادي الزمني المائت قد خذلاني، لأني طلبتك واستخففت بما يقدمانه لي. إنهما يعجزان عن تقديم ما اطلبه، وأما الرب فقبلني. الرب القادر أن يهبني ذاته يهتم بي ويرعاني... * لقد جعل المتكلم هنا من نفسه طفلًا صغيرًا أمام الله، فقد اختاره ليكون له أبًا وأمًا. إنه أبوه لأنه خلقه، وهو أمه لأنه يهتم به ويُربيه ويقوته ويرضعه ويقول بتمريضه. لنا أب آخر وأم أخرى... فحينما كنا عديمي الإيمان، كان الشيطان أبانا (يو 8: 44)، وكانت لنا أم أخرى (هي بابل)... لكننا تعرفنا على أب هو الله... وأم هي أورشليم السماوية، الكنيسة المقدسة التي جزء منها لا يزال متغربًا على الأرض... بعيدًا عن الأب والأم، أي بعيدًا عن الشيطان وبابل، يستقبلنا الله كأولاده ليعزينا بأمور لا تفنى، ويباركنا بالباقيات... المسيح رأسنا هو في السماء؛ ولا يزال أعداؤنا قادرين على الهياج ضدنا، إذ لم نرتفع بعد عن متناول أيديهم، لكن رأسنا هناك في السماء فعلًا، وهو يقول: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟")أع 9: 4)، موضحًا أنه هو فينا نحن الذين أسفل (على الأرض)، لكننا في نفس الوقت نحن فيه في العلا، إذ "يرفع رأسي على أعدائي" [6]. القديس أغسطينوس * اهدني الاستقامة في الطريق الضيق، فإنه لا يكفي أن أبدأ، إذ لا يكف الأعداء عن مضايقتي حتى أبلغ غايتي. "لأنه قد قام عليّ شهود ظلمة، كذب الظلم لذاته" [12]. لا يقدم الظلم التهنئة لنفسه إلا بتحقيق البطلان الذي له، لكنه أخفق في إزعاجي، لذلك صار لي الوعد بمكافأة أعظم في السماء: "وأنا أؤمن إني أُعاين خيرات الرب في أرض الأحياء" [13]. القديس أغسطينوس ما هي أرض الأحياء؟ * لست أظن أن النبي يدعو هذه الأرض أرض الأحياء، إذ يرى أنها لا تُعطي إلا الأمور الزائلة، وينحل فيها كل ما يصدر عنها. لكنه عنى بأرض الأحياء تلك التي لا يقترب منها موت ولا يطأها سبيل الخطاه ولا موطئ للشر فيها[546]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص الأب قيصروس أسقف آرل القديس أغسطينوس * لأن الخيرات هناك، حيث الحياة الأبدية، الحياة التي بلا خطية. يقول في موضع آخر: "نمتلئ من خيرات بيتك"[549]. القديس إمبروسيس 4. نصح وإرشاد: "اصطبر للرب، تقوَّ، وليتشدَّد قلبك، وانتظر الرب" [14]. إذ يعلمنا المرتل حياة الصلاة مع التوبة لننعم بالغلبة على الأعداء والتمتع بجمال هيكل الرب ورؤية وجه الرب نفسه، يعود فيؤكد الحاجة إلى الثقة في الله، فنصطبر للرب ونترقب عمله فينا، ننتظره بإيمان بقوة اليقين، متأكدين من أبوّته الحانية الواهبة كل بركة سماوية. * تحمّل برجولة النيران التي تُطهر شهواتك، وفي شجاعة تلك التي تُطهر قلبك. لا تظن أن ما لم تنله بعد لا تحصل عليه. ولا تخور يائسًا مادمت تتأمل الكلمات: "انتظر الرب". القديس أغسطينوس أبي وأمي قد تركاني * إذ يحشد العدو جيوشه ضدي أشعر بالظلمة، يفارقني الأحباء والأصدقاء، أبي وأمي يتركاني، أما أنت فمخلصي، سندي، ونصرتي. * بك استنير فلا أخاف قوات الظلمة! في بيتك أسكن فتستريح نفسي! هيكل قدسك يرفعني إلى سمواتك! وفي خيمتك أسبح متهللًا مع ملائكتك وقديسيك. * طلبت وجهك فلا تحجبه عني! احجبه عن خطاياي أما نفسي فتنتظرك! * يتحصّن الأشرار بالظلم الذي لن يدوم! واتمتع بك أنت مكافأتي ومجدي! |
||||
22 - 01 - 2014, 02:49 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 28 - تفسير سفر المزامير مسيحنا في الجبمزمور مسيَّاني: حينما عانى النبي داود من الألم، وشعر أنه منحدر إلى الحفرة (الجب)، رأى بروح النبوة السيد المسيح، مخلصنا، داخلًا إلى الجحيم ليحطم أبوابه، ويفتدي منه مؤمني العهد القديم الذين رقدوا على الرجاء. لقد رأى مخلص العالم، الذي قبل بإرادته أن يبذل ذاته من أجل البشر. بمعني آخر كان داود النبي يردد هذا المزمور باسم "ابن داود" وهو يقدم في شيء من التفصيل خبرة داود الحرفي (التاريخي)، وفي نفس الوقت كان يقدمه رمزًا للسيد المسيح العظيم، القادم، ومن ثم نعتبر هذا المزمور مسيانيًا رمزيًا. إنه في الواقع يمثل طلبة يقدمها رئيس كهنتنا الأعظم لحسابنا. يقول القديس أغسطينوس عن هذا المزمور: [إنه صوت الوسيط، الذي كان ذراعه قويًا في صراعه مع آلامه. الشرور التي يبدو أنه يصبها على أعدائه ليس بلعناتٍ، وإنما بالحرى هي إعلان عن عقابهم. هكذا أيضًا في الإنجيل، عندما يتحدث ربنا عن المدن التي شهدت المعجزات التي صنعها ولم تؤمن به (مت 11: 20)، لم ينزل بها اللعنات (أناثيما)، وإنما في بساطة أشار إلى ما سيحل بها من عقوبات]. يصنف جانكل Gunkelهذا المزمور كمرثاة شخصية، أما موفينكل Mowinckel فيعده مرثاة جماعية قومية، ويعتبره تورناي Tournayمزمور شكر[550]، ويحسبه آخرون مزمورًا ملوكيًا[551]. تحوي هذه المرثاة صرخة صادرة من عمق الضغطة، تعكس خطرًا هائلًا يلحق بداود يقترب به من الموت؛ وهي تمثل صلاة من أجل دينونة الأعداء، وتسبيحًا من أجل الخلاص المرتقب، وشفاعة من أجل جميع شعب الله. يمثل هذا المزمور إيفاءً بنذر داود الذي حوّلت كثرة أحزانه إلى "مرتل إسرائل الحلو"، في وسط الألم ينذر أن يقدم تسبحة مفرحة للرب كذبيحة تسبيح ويفي بالنذر قلبما تتحقق استجابة صلواته. ضيقات داود حولته إلى مرتل عذب، يعرف -بروح الثقة- أن يلجأ إلى الله بصرخات قلبية فعّالة ومقبولة، يكره الشر ويخشاه، يتسع قلبه لإدراك خلاص الله له ولكل شعبه، فينسى همومه الخاصة طالبًا من أجل بركة شعب الله ونموّه. بمعني آخر لم تحوّل الضيقات داود إلى الكآبة أو التذمر بل إلى اتساع القلب بالحب وارتفاع الفكر إلى السماء ليحيا متهللًا بلا انقطاع! الإطار العام: 1. ابتهال [1-2]. 2. تضرع وثقة [3-5]. 3. شكر وتسبيح [6-7]. 4. تشفع وحب [8-9]. خلصني من جب الهاوية 1. ابتهال: تُليت هذه الصلاة في الهيكل أمام التابوت، بواسطة إنسان ربما كان مريضًا أو كان يعاني من متاعب الأشرار. وُجهت الصلاة نحو أعماق الهيكل -قدس الأقداس- حيث يتربع الرب على التابوت (1 مل 8: 6-7). بحسب النص العبري والترجمة السبعينية يُنسب هذا المزمور لداود النبي. يرى البعض أن حزقيا الملك قدم هذه الصلاة حينما أوشك على الموت. لقد شعر داود النبي الذي أحدق به خطر داهم بأنه قد صار الضعف ذاته، لكنه قادر أن ينجو حتى من الجب (الهاوية)، من الانحدار نحو ظل العالم السفلي، وذلك بخلاص الله. "إليك يا رب صرخت. إلهي لا تصمت عني، لئلا تسكت عني فأشابه الهابطين في الجب" [1]. ما معني صمت الله؟ 1. هذا يعني أن الله لا يعود يصمت، وإنما يتكلم لأجل فرح عبده ولإرباك الأعداء الأشرار. إنها صلاة للاستماع، أي كي يستمع الله لنا ويستجيب! 2. كما تعني أيضًا أنه بصمت الله نفتقد كلمته، حياتنا، الذي خلق المسكونة كلها لأجلنا، وخلصنا بصليبه. فإن من لا يتمتع بالشركة مع السيد المسيح، كلمة الله، لا يقدر أن يسمع الآب ولا أن يتعرف على إرادته الإلهية؛ فيكون الله بالنسبة له صامتًا. مثل هذا مصيره جب الموت! ما أرهب صمت الله! 3. الله لا ينفصل قط عن كلمته، أما بالنسبة لغير المؤمن فيسوع ليس بكلمة الله... وكأنه بعدم إيمانه يحرم نفسه من الصوت الإلهي ويُحسب الله بالنسبة له صامتًا! 4. الله - في حبه - دائم الحديث مع الإنسان محبوبه؛ فالإنسان الروحي يسمع الصوت ويستجيب، أما الجسداني فيظنه صامتًا. لقد تحدث الله، فسمعه الطفل صموئيل، أما عالي معلمه، الكاهن المختبر فلم يستطيع أن يسمعه. المؤمن صاحب الأذنين المختونتين يسمع كلمة الله موجهة إليه شخصيًا طول النهار، أما الآخرون فيحسبون الله صامتًا لا يستجيب لصلاتهم ولا لتضرعاتهم. لقد سأل المرتل من أجل استجابة إلهية شخصية، إذ يقول: "لئلا تسكت عني، فأشابه الهابطين في الجب". إنه يعلم بأن الله لن يكون صامتًا، فكان خوفه يكمن من نفسه، لئلا يكون أصم فيبدو له كأن الله صامت. لقد اعتاد أن يصرخ من قلبه بكلمات لا يُنطق بها، مترقبًا صوت الله في قلبه كرسالة شخصية تمس حياته. 5. ويذكرنا صمت الله حيال مريض ما بما ورد في إنجيل (لوقا 7: 7): "قُلْ كلمة فيبرأ غلامي"، وفي (لو 5: 12): "يا سيد، إن أردت تقدر أن تُطهَّرني". لقد جاء كلمة الله ليحقق خلاصنا من الجحيم بأعماله الخلاصية التي تعلن عن الحب الإلهي حتى خلال الصمت. فنذكر العبد المتألم في إشعياء، كلمة الله الذي "لا يصيح ولا يرفع صوته" (إش 42: 2)؛ كما نذكر صمت ربنا يسوع المسيح أثناء آلامه أمام مجمع السنهدريم، وأمام بيلاطس، إذ كان ساكتًا لم يُجب بشيء! (مر 14: 61؛ 15: 5). 6. يرى القديس أغسطينوس في كلمات المرتل أنها كلمات السيد المسيح حينما سُمّر على الصليب، إذ ظن غير المؤمنين أن الله قد تركه وأنه ينحدر في الجب أبديًا. 7. إذ كان المرتل يصلي لأجل تقدمه الروحي وبنيان مملكة الله داخل نفسه، آمن بأنه ما لم ينل استجابة لصلاته يُحسب ميتًا، منحدرًا في أعماق الجحيم (الحفرة). لقد وثق في قوة الله القاهرة للموت. إنه لم يخفْ الموت في حدّ ذاته، لكنه خشى الموت قبل الأوان، أي أن يموت قبل تحقيق رسالته التي لأجلنا خُلق ودُعى من قبل الله. في اختصار عندما يبدو كأن الله قد سدَّ أذنيه عن أن يسمع لنا، أو صمت ولم يستجب لصلواتنا، يلزمنا ألا نكف عن المثابرة في الصلاة حتى ننعم بحقنا في الاستجابة، أي حق إصعادنا كما من الجحيم للتمتع بقوة الحياة المقامة. صمت الله هو موت لنا، وحديثه معنا هو متعة بالحياة الجديدة المقامة في كلمة الله القائم من الأموات! "استمع يا رب صوتي تضرعي إذ أبتهل إليك، وإذ أرفع يديّ إلى هيكل قدسك" [2]. المرتل الذي يبتهل إلى الله طالبًا منه أن يتحدث معه شخصيًا ولا يسكت عنه، يجد خلاصه في الله السكن وسط شعبه، لهذا يرفع يديه نحو هيكل الله المقدس. حقًا لم يكن الهيكل قد بُني بعد! لكنه كان يعني بهيكل قدسه التابوت وكرسي الرحمة كعرش الله حيث كان يسكن بين الكاروبين، ومن هناك اعتاد الله أن يخاطب شعبه. جاء في (خر 25: 22): "وأنا أجتمع بك هناك، وأتكلم معك من على الغطاء، من بين الكاروبين اللذين على تابوت الشهادة". يشير كرسي الرحمة إلى السيد المسيح، كلمة الله، الذي يعلن عن الآب، والكفارة (يو 1: 1؛ 14: 9؛ رو 3: 25؛ 1 يو 2: 2). الآن كما في الصلاة هكذا بالإيمان نتطلع إلى السيد المسيح ، هكذا كان أتقياء العهد القديم يتطلعون بعيونهم الطبيعية نحو كرسي الرحمة[552]. رفع الأيدي إيماءةً قديمة عامة في الصلاة والتضرع والتوسل (مز 44: 20؛ 63: 4؛ 88: 9 ،141: 2؛ 143: 6)، تشير إلى الرغبة في التمتع بالبركات السماوية، والكشف عن الشعور بالعوز إلى السمويات حيث لا تستطيع الزمنيات أن تملأها. كما يرمز بسط الأيدي ورفعهما إلى الإيمان بالسيد المسيح المصلوب ومشاركته صليبه واهب الغلبة، فما كان ممكنًا للشعب قديمًا أن يغلب عماليق دون رفع يّديْ موسى النبي. وقد اعتاد الفنان القبطي أن يصور القديسين باسطين أيديهم ليعلن أن سرّ نصرتهم وقداستهم هو التصاقهم بالمصلوب كرجال صلاة حقيقيين. ما ورد في الآية [2] إنما هي كلمات السيد المسيح المدفون، إذ ظنه اليهود أنه قد انحدر إلى الهاوية أبديًا مع فاعلي الشر؛ لكنه بالحقيقة نزل إلى الجحيم ليُصعِد الذين ماتوا على الرجاء مترقبين عمله الخلاصي. يقيم العلامة أوريجانوس مقارنة بين إرميا النبي الذي أُلقى في جب ملكي في دار السجن، حيث غاص في الوحل (إر 38: 6)، والقديس بطرس الذي صعد إلى السطح، وهناك نظر رؤيا إلهية. يقول العلامة أوريجانوس: [إن واجبنا كمؤمنين روحيين أن نصعد مع كلمة الله بالروح القدس لننال معرفة حقة ورؤى إلهية، ولا ندع كلمة الله أن تُلقى في الجب خلال أفكارنا الجسدانية وشهواتنا الشريرة. لقد أخذ عبد ملك ثلاثين رجلًا معه ورفعوا إرميا من الجب، بالقاء ثياب بالية إليه ليضعها تحت إبطيْه تحت الحبال (إر 38: 12). من هو عبد الملك هذا إلا ربنا يسوع المسيح الذي صار عبدًا ليرفع أفكارنا وطبيعتنا من عمق الهاوية خلال الكنيسة (30 رجلًا) باتضاعه (الثياب البالية)؟! يليق بنا أن نقبل فقر ربنا يسوع المسيح لكي نُرفع إلى فوق ونرتدي الثياب السماوية الملوكية أبديًا. هكذا نجلس عن يمين الملك السماوي الذي نزل إلى الحفرة كي لا ننزل نحن إليها]. 2. تضرع وثقة: تعرَّف المرتل على الإيمان والرجاء كمصدر نصرة وغلبة لا على الأعداء من أجل مطامع شخصية، وإنما على الأعداء الخفيين لئلا ينحصر عن طريق الحق فيشارك الأشرار شرهم، مستخدمًا ذات فنونهم من خداع وغش، فيكون نصيبه مع نصيبهم. إنه يطلب من الله بإيمان ألا يتركه لذاته حتى لا يهلك معهم، قائلًا: "لا تجذب نفسي مع الخطاة ولا تهلكني مع فاعلي الإثم، المتكلمين بالسلام مع أصحابهم، والشرور في قلوبهم" [3]. يطلب المرتل من الله ألا يحصيه مع الأشرار الذئاب والحيات المخادعين، المنافقين، المحتالين والمرائين. فإن الله بكونه الراعي الصالح الحقيقي يعرف أن المرتل هو حمل وليس ذئبًا في ثوب حمل. المرتل الحقيقي لهذا المزمور هو ربنا يسوع المسيح الذي أُحصى مع الأثمة (إش 53: 12)، وقد حمل خطايا العالم كله (1 يو 2: 2). ودخل بسببنا إلى الجحيم، لكن نصيبه ليس مع الأشرار، لأنه لم يصنع شرًا ولا وُجد في فمه إثم. نزل مع الأشرار لكي يفصل المؤمنين الحقيقيين عن الأشرار غير المؤمنين، فيحمل مؤمنيه كغنائم على كتفيه، ويصعد بهم من الجحيم إلى حضن الآب يشاركونه أمجاده الأبدية. إن كان مسيحنا حلَّ بين الخطاه، ولم يشاركهم شرهم، بل قدَّم حياته مبذولةً لكي يحملهم من الشر إلى الحياة المقدسة، هكذا يليق بنا نحن أعضاء جسده ألا نحتقر الخطاه بل الخطية، نعتزل الشر ذاته، فنعيش في العالم ولكن كمن في السماء يحملنا روح الله القدوس إلى هيكله مقدسًا حياتنا، حتى لا يكون مصيرنا مع الأشرار. في العالم لا يُفصل الأبرار عن الأشرار، لكنه يليق بكنيسة الله المقدسة ألا يكون بها أشرار، يلزمها أن تعزل الخميرة الفاسدة (1 كو 5: 7) لكي تبقى هي خميرة مقدسة قادرة أن تقدس الكثيرين في الرب. رآها المرتل: "جميلة الارتفاع" (مز 28: 2)، سِرّ جمالها أنها ترتفع كما إلى السماء، لها طريقها الملوكي الذي لا يَعبُر فيه شرير! هكذا يليق بالكنيسة أن تعتزل الشر (إش 52: 11)، تنسى شعبها وبيت أبيها القديم إبليس، لأن ربها يشتهي حسنها (مز 45). * ينصح بولس قائلًا: "اعزلوا الخبيث من بينكم"، "حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل" (1 كو 5: 2، 13). إنه أمر مرعب، ومرعب حقًا، هو مجمع الأشرار، فإن وباءهم ينتقل بسرعة ويؤثر على من يتعاملون معه كمن هم مرضى... "فإن المعاشرت الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1 كو 15: 33)... ليته لا يكون لأحد صديق شرير. القديس يوحنا الذهبي الفم[553] يركز المرتل على المنافقين المخادعين الذين يتكلمون بالسلام بينما يربض الشر في قلوبهم، هؤلاء الذين لهم الكلمات الناعمة المعسولة التي تحمل شكل الحب لكي يصطاد العدو بها نفوس البسطاء. هؤلاء أكثر خطرًا من الوحوش المفترسة! لعل المرتل قد تطلع بعين النبّوة نحو يهوذا الأسخريوطي الذي سلم سيده بقبله مع كلمة سلام. * من هو الخروف الذي قلب نفسه ذئبًا، وبدأ يعض الراعي الصالح؟! * لماذا بالغش نسيت تلك الموهبة التي أعطاك إياها ربنا كما أعطى بطرس ويوحنا؟! * ارتعبوا أيها الحكماء من القبلات الغاشة، فإنه بواحدة منها عُّلق ابن الله على خشبة. القديس يعقوب السروجي المراءاة سجية محبوكة بكل أنواع الحيل يظهر فيها الجسد بمظهر منافٍ لما في النفس. البراءة سجية نفس سليمة، مطمئنة، بعيدة عن أي تحايل... عديم الخبث هو من كانت نفسه نقية كما فطرت، ويعمل بوحي تلك النقاوة... الخبث نبي كاذب. القديس يوحنا السُلّمي[554] "إعطهم كحسب أعمالهم ومثل خبث صنائعهم. واعطهم نظير أعمال أيديهم. جازهم كأفعالهم" [4]. ليست هذه لغة ألم وانتقام، ولا هي باللغة التي تتعارض مع الصلاة من أجل أعدائنا، وإنما هي نبوة خاصة عن هلاك المهلكين. يعرف المرتل أن البشر يحصدون حتمًا ما يزرعونه وليس شيئًا آخر. ويرى الأسقف وايزر Weiserأن أعضاء الجماعة التي دخلت مع الله في عهدٍ، أرادوا التعبير عن انفصالهم فعلًا وعملًا عن العناصر الجائرة التي في وسطهم (تث 27: 11 الخ). علّة خبثهم وخداعهم العمى الذي أصاب بصيرتهم الداخلية، فلم يتسلموا بصمات حب الله في أعمال خليقته وخلاصه والأحداث الجارية، فحرموا أنفسهم من الله مصدر بنيانهم، ليفقدوا حتى ما نالوه بالطبيعة، وعوض السمُو ينحطون، وعوض البناء يُهدمون. تُنزع نعمة الله عنهم فينحلون تمامًا. "لأنهم لم يفهموا أعمال الرب، ولا صنائع يديه. تهدمهم ولا تبنيهم" [5]. يحصد غير المؤمنين ثمر خبثهم وشرهم وعماهم الروحي؛ خداعهم يخدعهم فيهلكون. 3. تمجيد وتسبيح: "مبارك الرب الإله، لأنه سمع صوت تضرعي" [6]. إذ قدم داود النبي صلاة قلبية روحية أدراك أن الخلاص أو ما هو أعظم (الخلاص الأبدي) ليس ببعيد عنه. لقد اقتنع أن الرب سمع له ولم يسكت عنه، لذلك صاغ تسبيحة شكر لله. فبإيمان صلى [1-2]، وبذات الإيمان يقدم شكرًا، لأن من يُصلي بإيمان يفرح في الرجاء. يليق بنا أن نثق في كلمات الله نفسه: "ويكون أني قبلما يدعون أنا أُجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا اسمع" (إش 65: 24). خلال هذه الثقة نمزج صلواتنا وتضرعاتنا بالتشكرات والتسابيح لله الذي بالتأكيد يسمع لنا. يسأل القديس مار اسحق السرياني أن نُصلي حسب إرادة الله لكي يُجيب صلواتنا، إذ يقول: [لا نطلب من الله أمرًا ما هو بالفعل سبق وفكر أن يهبه دون سؤال، ليس فقط لنا نحن أهل بيته وأصدقاءه المحبوبين لديه، بل ويعطيه للغرباء عن معرفته. يقول: "لا تكرروا الكلام باطلًا كالوثنيين" (راجع مت 6: 7)... "لكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33)... وإن كان يجب أن تطلب أمرً ما وهو - يبطئ في الاستجابة لا تحزن، فإنك لست أَحكم من الله. فإن هذا يحدث بالنسبة لك لأنك غير مستحق أن تنال طلبتك، أو لأن طرق قلبك لا تتفق مع طلباتك (وإنما تضادها)، أو لأنك لم تبلغ بعد القامة التي تؤهلك لنوال العطية التي تسألها. إذ يلزمنا ألا نندفع نحو بلوغ قامات عظيمة قبل الأوان، حتى لا يُساء إلى عطية الله بسبب نوالنا إياها بسرعة. فإن ما نناله بسرعة نفقده بسهولة، أما ما ناله بتعب فنحتفظ به بعناية[555]]. إذ نال داود طلبته، لأنها طلبة روحية، تخص خلاص نفسه وبنيان الجماعة وهلاك الشر، طلبة تليق بقامته الروحية، لهذا تمتع ببركة الرب في قلبه، وانفتح لسانه يبارك الرب. من يقدر أن ينطق بالكلمات "مبارك الرب الإله"، إلا ذاك الذي يمتلئ قلبه ببركة الرب؟ من ينال البركة يشعر بالله المبارك واهب البركات؛ ومن يتمجد في داخله يقدر أن يمجد الله، ويختبر قوة الروح، يسبح الرب واهب القوة! "الرب هو عوني وناصري عليه اتكل قلبي فأعانني وله أزهر جسدي" [6]. اتكل قلبه، أي الإنسان الداخلي ككل، لهذا صار كيانه كله متهللًا[556]. القلوب التي تثق تتهلل في الرب. أثناء الضيقة يظن الإنسان أن حياته أكثر الليالي طولًا وظلامًا، لكن بالإيمان يشرق السيد المسيح على ليله ويحّوله إلى نهار مفرح، محولًا الظلمة إلى النور. لهذا تمتزج مراثي داود بذبائح الشكر. * من يسير في طريق الرب يشكره على كل ما يحل به، ويلقي باللوم على نفسه[557]. مار إسحق السرياني 4. تشفع وحب: المرتل في ضيقه لا يؤمن فقط أن خلاص الله قد أحال حزنه فرحًا، وتضرعه شكرًا، بل أيضًا حّوله إلى شفاعة. ها هو ينسى ضيقه ليطلب من أجل بنيان شعب الله. أنه لم يستطع أن يفرح بخلاصه دون الاعتراف بانشغاله بالجماعة. "بإرادتي أعترف له. الرب عزٌّ لشعبه، وهو موآزر خلاص مسيحه. خلص شعبك، وبارك ميراثك. ارعهم وارفعهم (احملهم) إلى الأبد" [8-9] يعمم المرتل خبرته، مطبقًا إياها على شعب الله الذي يحميه يهوه[558]. إنه يعتقد أيضًا بأن ما هو لنفع الملك بالتأكيد يمس الشعب كله. بالتأكيد ما هو لنفع عضو أو لخسارته له فاعليته على الجسد كله. يقول داود "شعبك"، ناسبًا إياهم لله وليس لنفسه. إنهم نصيب الرب، والرب قوّتهم وخلاصهم. يسأل داود الله عن شعبه للتمتع بالعطايا التالية: أ. الخلاص: أن ينقذهم من أعدائهم. فنحن لا نستطيع أن نتمتع بالشركة معه ما لم يهبنا النصرة على "الأناego "، والخطايا والشيطان. ب. البركة الصادرة عن الله فيتباركون. لا يكفي خلاصنا من الأعداء الروحيين، وإنما نحن في حاجة إلى تذوق عذوبة الله نفسه، إذ هو برّنا، وقداستنا، ومجدنا، وفرحنا. ج. الاهتمام بنا ورعايتنا، إذ يقوتنا في مرعاه السماوي، أي في كنيسته. يقدم لنا الخبز السماوي، الجسد الافخارستي، ودم المسيح الافخارستي، مع مواهب الروح القدس. د. الارتفاع فوق الأعداء، وفوق المخاوف والمخاطر إلى التمتع بالميراث الأسمى والمجد الأبدي. إنه يرفعنا إلى الأبد. إنه لا ينتزع الآلام من حياة المؤمنين، لكنه يرفعهم فوق كل ضيقة وحزن لينعموا به حتى في تجاربهم. تطلع الشعب إلى داود بكونه راعيهم، وتوقعوا منه أن يحملهم، وهكذا فعل، وذلك فقط لأنه هو نفسه كان محمولًا، ونحن إن كنا محمولين بالآب في حضنه في المسيح يسوع بقوة الروح القدس، نستطيع أن نحمل بدورنا الغير إلى نفس الموضع لا بقدرتنا الذاتية وإنما بالنعمة الإلهية. فلا يستقر الثقل كله على اكتافنا بل على أكتاف ذاك الراعي الصالح الواحد وحده. إنه ليس عمل القادة الروحيين وحدهم أن يصلوا عن الشعب، وإنما هو عمل كل عضو أن يُصلي لأجل أورشليم [9]؛ وعمل الآباء أن يصلوا عن الأبناء، كما الأبناء عن الآباء، والكهنة عن الشعب كما الشعب عن الكهنة. فخلال الصلاة مع الحب والعمل الصالح يستطيع طفل أن يحمل العالم كله في المسيح. هذه الشفاعة نطق بها أيضًا المسيح القائم من الأموات خلال دمه الكفاري، وذلك لبنيان شعبه، واهبًا لهم الحياة المقامة. هكذا بدأ المزمور بالتضرع أن يسمع الله للمرتل، لأجل بنيان نفسه وهدم الشر، وتحول التضرع خلال الإيمان إلى تسبحة شكر لله سامع صلوات مؤمنيه، وانطلق المرتل يشفع عن كل المؤمنين خلال خبرته العذبة مع الله باتساع قلب. خلصني من جب الهاوية * يا من نزلت إلى الجحيم لأجلي، ارفعني من جحيم الأنا، واعتقني من حفرة الخطية! * لتنصت أيها الكلمة الأزلي إلى صراخي، ولتحملني بالحب على كتفيك، أنت راعيّ الصالح! * علمني أن أحمل بالحب كل نفس، كما تحملني أنت بحبك! دربني بروحك القدوس كي أصلي لأجل كل نفس، لكي يعيش الكل في أحضان الآب أبديًا. |
||||
22 - 01 - 2014, 02:53 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 29 (28 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير عاصفة رعدية أو صوت الرب يسيطر على هذا المزمور الشعور بسيادة الرب وسلطانه؛ فيُفتتح بمشهد سماوي، حيث تقدم الكائنات العلوية المجد منسجمًا مع صوت الرعد العنيف الصادر عن الكائنات الطبيعية. المناسبة: جاء في الترجمة السبعينية أن هذا المزمور يُنشد بمناسبة عيد المظال القدسي؛ ذلك العيد الذي كانوا يبتهجون فيه بنهاية الحصاد (خاصة العنب والزيتون)، كما يُصلى به لكي يرسل الرب مطرًا ليكسر أثر فصل الجفاف (زك 14: 16-18). ويربط التلمود[559] مزمور 29 بعيد الخمسين أو عيد الأسابيع. يرى البعض أن داود النبي قد وضع هذا المزمور بعد انتهائه من تحضير الخيمة وخروجه منها[560]. ويرى القديس أثناسيوس الرسولي أن ما جاء في عنوان المزمور: "في طريق المظلة" إنما يشير رمزيًا إلى اليهود الذين كانوا يخدمون في المظلة وخلال الظل -ظل الناموس والنبوات- حتى خرجوا منها، فيدخل الأمم إلى الإيمان عوضًا عنهم[561]. ويرى ثيؤدورس أن المظلة هنا هي الجسد الذي تسكنه النفس، والخروج منه إنما الرحيل من هذا العالم الزائل، وكأن المزمور يعلمنا التأهب للسفر والرحيل إلى الوطن السماوي[562]. ويرى القديس أغسطينوس أن هذا المزمور يعبر عن تطهير الكنيسة، وحفظها في هذا العالم مقدسة حتى تخرج منه. هكذا نرى الآباء يتطلعون إلى المزمور بكونه مزمور عمل الله المجيد الذي يَهُبُّ بروحه القدوس كعاصفة رعدية، تزلزل أعماق النفس وتُعدّها للخروج من هذا العالم بحياة مقدسة تمجد الله... إنه مزمور مجد الله العامل في شعبه ليدخل بهم إلى الشركة أمجاده. ربما كان داود النبي يرقب عاصفة مرعبة حلَّت فجأة، من جبال لبنان في الشمال إلى برية قادش جنوبًا، وما نَجم عنها من فزع وقنوط، بما أثارته من رعد وبرق خاطف باهر، وضراوة وعنف وحرائق لبعض العناصر. على أن الأمر لا يقف عند العلامات الخارجية والظواهر الطبيعية، بل تُفهم على أنها شهادة ذاتية عن الله إله تاريخ الخلاص. يدوي المزمور 29 مع أصوات العواصف الشتوية الرهيبة، من خلال البيئة التي عاشها الشعب. إنهم يدركون أن الله كالعاصفة التي لا تحل في الطبيعة فحسب وإنما تجتاز النفس. إنه يحل في نفوسنا حتى أثناء العواصف الداخلية. كان داود النبي إنسانًا رقيق الحس، مرهف المشاعر جدًا، يعرف كيف يعزف على أوتار قلبه أنشودة حب الله، تحت أي ظرف، وف كل مناسبة. إذا ما تطلع إلى السماء الصافية يقول: "السموات تحدث بمجد الله"، وإن شاهد عاصفة رعدية وثورة في الطبيعة يتلمس مع كل رعد أو برق صوت الرب الفعّال في حياة البشرية. إن دخل في ضيق تلامس مع الله مخلصه، وإن جاءه الفرج تمتع بعربون الفرح السماوي. إن طرده الأعداء تلمس مدينة الله ذات الأبواب المفتوحة بالحب، وإن عاد إلى شعبه أنشد بجمال بيت الرب. صوت الرب الفعّال: في هذا المزمور نجد "صوت الرب" يتكرر سبع مرات، أشبه بسبع موجات متعاقبة من الرعود؛ مصورًا قوة الكلمة وفاعليتها في حياة بني البشر. صوت الرب هو الكلمة المتجسد الذي نزل إلى العالم ليُقيم من تلاميذه أبناء الرعد أداة فعالة للتمتع بالحياة الإنجيلية الجديدة، حيث تتزلزل طبيعتهم القديمة وتنهار وتقوم الطبيعة الجديدة الحاملة صورة المسيح الكلمة، تنعم بالبركة والعّز والمجد. "الله في العاصفة"، لا في الطبيعة فقط وإنما في عاصفة النفس الداخلية أيضًا؛ إنه في أعماقنا يعلن عن ذاته خلال العواصف التي تجتاح طبيعتنا الداخلية. كلمة الله جاء ليدخل النفس ويثير فيها ثورة داخلية ضد الشر ليُحطم فينا الإنسان العتيق ويهبنا الإنسان الجديد. إنها أيضًا عاصفة تجتاح الجماعة ككل، خلالها يعلن عهده مع شعبه الذي لا يقوم على وضع رقعة جديدة على ثوب عتيق، وإنما على التغيير الكامل والمتجدد، لذلك يظهر اسم الله "يهوه"، اللقب الخاص به في علاقته بشعبه 18 مرة في هذا المزمور القصير. هذا اللقب يعلن حضوره وسط شعبه، فهو حقًا يتمجد لا خلال قدرته في الطبيعة فحسب وإنما بالحري بحضوره وسط أولاده. علاقته بالمزمور 28: يأتي هذا المزمور في وضعه المناسب بعد مزمور 28 حيث يصرخ المرتل: إلهي لا تسكت عني، لئلا تسكت عني فأشابه الهابطين في الجب" (28: 1). يستجيب الرب لهذه الصرخة فيقدم صوته الفعّال كعاصفة تجتاح أعماقه وتغيّر طبيعته. ويتشابه المزموران في خاتمتهما حيث يُعطي الرب شعبه قوة (عزة) ويباركهم بالسلام. الإطار العام: 1. دعوة إلى العبادة [1-2]. من هم أبناء الله؟ 2. العاصفة وصلاح الله [3-9]. أ. صوت الرب على المياه ب. صوت الرب بقوة ج صوت الرب يُحطم الأرز د. صوت الرب يقطع لهيب النار ه. صوت الرب يُزلزل القفر و. صوت الرب يرتب الأيائل ويكشف الغياض 3. سيادة الله على العالم [10]. 4. نَعم الله على كنيسته [11]. ما أعجبك أيها الكلمة! 1. دعوة إلى العبادة: "قدموا للرب أبناء الكباش. قدموا للرب مجدًا وكرامة. قدموا للرب مجدًا لاسمه. اسجدوا للرب في دار قدسه" [1-2] فسّر داود النبي كل قصفة رعد كدعوة موجهة إليه كما إلى الآخرين أن يقدموا مجدًا وكرامة لله. من هم أبناء الله؟ أ. يرى البعض أنه يشير إلى الطغمات السمائية المقدسة التي تُحسب كأبناء لله، وفي نفس الوقت يشير إلى العاملين في الهيكل بأورشليم بكونه ظلًا للملكوت السماوي. ب. يرى آباء الكنيسة أن أبناء الله هم المسيحيون الذين جاؤا من كل الأمم والقبائل ليقدموا حياتهم ذبيحة حب لله، هؤلاء الذين أوصاهم الرب أن يدعو الآب أبًا لهم، قائلين: "أبانا الذي في السموات" (مت 6: 9). يدعو المرتل أبناء الله (ايليم = القدير) أن يقدموا أبناء الكباش الصغيرة كرامة مجدًا للرب ولاسمه، هؤلاء هم المؤمنون الذين نالوا التبني للقدير بالمعمودية، وقبلوا الروح القدس، روح القوة والسلطان. ماذا يمكن للطغمات السمائية أو للمؤمنين أن يقدموا لله إلا حياتهم علامة حب له، استجابةً لحبهِ لهم، كأبناء محبين له. يقدم أولاد الله مجدًا وكرامة لله، ما هو هذا المجد إلا التمتع بجمال الله الفريد الذي هو قداسته، وإعلان نصرتنا على الخطية بقوة نعمته. فإن كان الله كلّي القداسة، فإننا لا نقدر أن نمجده إلا بالحياة المقدسة وشركة الطبيعة الإلهية وخبرة عمل نعمته الفائقة. * قدموا أنفسكم للرب، أنتم الذين ولدكم في الإنجيل الرسل قادة القطعان (1 كو 4: 15)... اسجدوا للرب في قلوب مقدسة، محبة للكل، لأنكم أنفسكم موضع مسكنه الملوكي المقدس. القديس أغسطينوس * "قدموا للرب أبناء الله، قدموا للرب تقدمة كباش"، أي (تقدمة) الرسل و(تقدمة) المؤمنين. لنقتدِ بمخلصنا الذي دُعي هو نفسه بالراعي والحمل والكبش، الذي ذُبح لأجلنا في مصر (خر 12: 6)، والذي أُمسك بقرنيه في العليقة (تك 22: 13) فدية عن اسحق. لنقل: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضر يربضني، وإلى مياه الراحة يوردني" (مز 23: 1-2)[563]. القديس جيروم هكذا نمجد الله بأن نتقدم لله كذبائح حية، نتمثل بمخلصنا الذي في حبه وهو الراعي صار الحمل الذبيح عنا. نسلم حياتنا ذبيحة فيرعانا ويروينا ولا يعوزنا شيء! اعتاد داود الملك أن يقدم نفسه لإلهه، ناسبًا قوته ونصرته وكرامته لله. اعتاد أن يحضر تاجه وقضيب ملكه وسيفه ومزماره بين يدي الله، ليستخدم كل إمكانياته ومواهبه لمجد الله وتسبيحه. ماذا يعني بقوله: "قدموا للرب أبناء الكباش"؟ هذه العبارة أيضًا لا يمكن تفسيرها حرفيًا إنما تحمل نبوة عن الإيمان المسيحي، فإننا إذ وُلدنا من آباء كانوا يعبدون الأصنام، أصنام الكباش والحيوانات الأخرى، صرنا بالإيمان - نحن أبناء الكباش - أبناء لله، إذ تركنا عبادة الكباش وآمنا بالله الحقيقي الحيّ. نحن أبناء الأمم صرنا أبناء لله، كقول المرتل: "عوض آبائك صار بنوك" (مز 45: 16). يرى البعض أن "أبناء الكباش (الذكور)" لا يمكن تفسيرها حرفيًا، فإنه يمكن لكبش ذكر واحد أن يسبب إنجابًا لنعاج كثيرة، فلا يمكن للكبش الصغير المولود أن يُنسب إلى كبش معين، وإنما يمكن نسبته للنعجة التي وُلد منها، لأن القطيع كله غالبًا ما يكون به كبشين أو ثلاثة فقط، بين نعاج كثيرة... ويختلط الكل معًا دون تمييز بين نعاج أو أخرى تحمل من كبش معين. يرى القديس باسيليوس[564]أن الكبش هو الذي يتقدم القطيع ويرشده للمراعي والمياه والحظائر، فهؤلاء يرمزون إلى الرؤساء، المتقدمين على رعية السيد المسيح، لأنه بتعاليمهم يرشدون الخراف الناطقة إلى المراعي والمساقي الروحية؛ وأنهم مستعدون لنطاح الأعداء بقرني العهدين القديم والجديد، ليجتذبوهم بكلمة الله إلى الحياة الصالحة التقوية. بهذا يصيّرونهم أبناء لهم، يقربونهم لله، ليقولوا: "ها نحن والأولاد الذين أعطانيهم الله". في النسخة السبعينية تتكرر كلمة "قدموا" أربع مرات، ليكمل المرتل: "اسجدوا للرب في دار قدسه" [2]. وكأن المرتل يدعو المؤمنين أينما وُجدوا في أربعة أركان العالم: "الشمال والجنوب والشرق والغرب" أن يقدموا حياتهم تقدمة حب لله، دون تجاهلهم لقدسية اجتماعهم معًا في حضرة الرب في دار قدسه أو في بيته المقدس. أينما وُجدنا، وتحت كل الظروف، نرتبط بصليب ربنا يسوع، لنقدم حياتنا مبذولة لأجل الله والناس. لنسجد له في دار قدسه... يرى القديس باسيليوس الكبير أن دار قدسه هي الكنيسة الواحدة المقدسة وليست مجمع اليهود الذين بسبب خطيتهم صارت دارهم خرابًا، واحتلت الكنيسة مركزها، حيث فيها نلتقي بالله لنسجد له بالروح والحق، وخارجها لا يليق بنا أن نسجد. هذا ويرى القديس باسيليليوس أيضًا أن كثيرين يُصلّون في الكنيسة وعقولهم مشغولة بالأباطيل، فلا يكونوا في دار قدسه. كما يقول: [المتقدم في الإلهيات يقدم مجدًا وكرامة الله]. يرى القديس أغسطينوس أن دار قدسه هي السماء، ندخلها لنسجد لله حين يرتفع قلبنا إلى السماء ونحن بعد على الأرض. هذا لن يتحقق إلا بعمل الروح القدس فينا، القادر وحده أن يحمل إنساننا الداخلي إلى السماء، فيقول: "أجلسنا معه (مع المسيح) في السماويات"؛ لهذا نُصلي في الساعة الثالثة، حيث نذكر حلول الروح القدس على الكنيسة، قائلين: "إذا ما وقفنا في هيكلك نحسب كالقيام في السماء". 2. العاصفة وصلاح الله: إن كانت العاصفة تشير إلى نبوات العهد القديم، فإن صوت الرب يُسمع خلال نبواتهم. وقد تكررت عبارة "صوت الرب" هنا سبع مرات. أ. "صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد الرب على المياه الكثيرة" [3]. يعلق القديس هيبولتيس الروماني على هذه الكلمات بقوله: [أي صوت هذا؟ إنه: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت[565]].فعلى مياه المعمودية نسمع صوت الله القدير الذي يعلن بنوّتنا له. لهذا يُستخدم هذا المزمور في طقس قداس المعمودية عندما يحرك الكاهن الماء بالصليب بعد سكب الميرون في جرن المعمودية. ويرى القديس أغسطينوس أن هذه المياه هي الأمم التي قبلت "صوت الرب"، إذ يقول: [حينما جعل ربنا يسوع المسيح صوته مسموعًا خلال الأمم المملوءة رهبة، حولهم إلى شريعته وجعل مسكنه فيهم]. يتحدث إشعياء النبي عن هذه المياه الكثيرة، قائلًا: "آه ضجيج شعوب كثيرة تضج كضجيج البحر وهدير قبائل تهدر كهدير مياه كثيرة، ولكنه ينتهرها فتهرب بعيدًا، وتُطرد كعاصفة الجبال أمام الريح وكالجل أمام الزوبعة. في وقت المساء إذا رُعب، قبل الصبح ليسوا هم. هذا نصيب ناهبينا وحظ سالبينا" (إش 17: 12-14). انتهر الرب هذه المياه الكثيرة بأن أرعد بصوته على الأمم فهربت بعيدًا كشعوب وثنية وصارت كلا شيء، لكنها عادت كنيسة قوية مجيدة، لا تحمل دوامات البحار ولا تياراته الجارفة ولا ملوحته، بل جاءت كنيسة تحمل طاعة المسيح ووداعته ولطفه. المياه الكثيرة تشير أيضًا إلى الآلام والضيقات التي تحل بالمؤمن حتى تكاد أن تبتلعه، إذ يقول المرتل: "انقذني ونجني من المياه الكثيرة ومن أيدي بني الغرباء" (مز 144: 7). يرعد صوت الرب عليها فيحول آلامنا إلى أمجاد... تصير آلامنا شركة معه في آلامه وصلبه وطريقًا للتمتع بقوة قيامته ومجده (رو 8: 17). المياه الكثيرة أيضًا تشير إلى طاقاتنا وإمكانياتنا من عواطف وأحاسيس ومشاعر ودوافع وقدرات ومواهب... هذه التي أفسدناها فصارت كمياه بحار مالحة تكتنف نفوسنا وتغرقها، وإن تقدمت بكلمة الله تصير ماء نهر عذب يُفِّرح مدينة الله التي هي قلوبنا. يقول يونان النبي: "لأنك طرحتني في قلب البحار، فأحاط بي نهر" (يونان 2: 3). حين تُرك يونان لإمكانياته البشرية التي هي عطية إلهية أفسدها الإنسان - صار مطروحًا في قلب البحار، كاد أن يهلك غرقًا في أعماق المياه المالحة... لكن كلمة الرب حوّلت هذه الطاقات لبنيانه فصارت البحار نهرًا عذبًا لا يكتنفه بل يحوط به ليسقي أرضه بعذوبة سماوية، تحول جفاف نفسه إلى جنه مثمرة. عوض أن يئن من المياه، قائلًا: "خلصني يا الله فإن المياه قد دخلت حتى إلى نفسي؛ تورطت في حمأة الموت ولم يعد لي استطاعة بعد. ذهبت إلى أعماق البحر وغرقني العاصف" (مز 69: 1)، يسبح الله متهللًا من أجل الأنهار التي تجري من بطنه كقول السيد المسيح: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 28). يقول المرتل: "مجاري الأنهار تفرح مدينة الله" (مز 46: 4) . يرى كثير من الآباء أن صوت الرب الذي أرعده على المياه الكثيرة إنما يُشير إلى حدث عماد السيد المسيح، الذي فيه شهد الآب عن الابن المتجسد أنه محبوبٌ لديه، موضع سروره، لكي نسمع جميعًا باتحادنا فيه صوت الآب الذي يفتح أحضانه ليستقبلنا كأبناء له. حينما يسكب الكاهن الميرون على مياه المعمودية يحرك بالصليب المياه وينطق بهذه الكلمات كما سبق فأشرنا، ليعلن أن صوت الآب قائم على الدوام يستقبل المعمدين الذين صاروا أعضاء جسد المحبوب، يتمتعون بشركة أمجاده. * أرعد إله المجد حينما شهد الآب للابن، قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت 3: 17)[566]. القديس جيروم صوت الرب بجلال عظيم" [4]. إذ جاء الكلمة الإلهي أعلن بالضعف ما هو أعظم من القوة، فقد ارتفع بالجسد على الصليب، حاملًا عارنا، لنحمل نحن قوته وجلاله عاملين في حياتنا. أعلن أيضًا كلمة الله أو صوت الرب سكناه في كنيسته، فكان يُجرى على أيدي الرسل عجائب كثيرة؛ وبقوة تكلم بهم ليجتذب الأمم من الفساد إلى الحياة الجديدة المجيدة، الحياة الإنجيلية المفرحة، حياة مقدسة في الرب. يتهلل المرتل بعمل صوت الرب القوي والمجيد بعدما تحدث عن عمله في المياه الكثيرة. وكأن المؤمن يختبر صوت الرب بقوة وجلال عظيم في حياته اليومية بعدما يدخل إلى مياه المعمودية ليتقبل البنوة لله وعطية روحه القدوس الذي يجدد حياتنا ليجعلنا على صورة الله. * هذا تجديدنا، يجعلنا على صورة الله من جديد، وذلك بغسل التجديد والروح القدس الذي يُجددنا فنصير أبناء الله، نصير خليقة جديدة مرة أخرى بشركة الروح، ويخلصهما مما كان عتيقًا[567]. القديس باسيليوس الكبير * تغسلنا المعمودية من كل عيب وتجعلنا هيكل الله المقدس، وتردنا إلى شركة الطبيعة الإلهية بواسطة الروح القدس[568]. القديس أكليمندس السكندري صوت الرب على المياه يُرهب الشياطين ويعطي قوة وسلطانًا للمؤمنين؛ يُحطم طاقات الظلمة ويهبنا الاستنارة فنعيش بروح القوة والمجد الداخلي لا روح الفشل واليأس. ج "صوت الرب يُحطم الأرزالرب يكسر أرز لبنان ويسحقهم مثل عجِل لبنان والحبيب مثل ابن ذوي القرن الواحد" [5-6]. صوت الرب في الرعد، غالبًا ما يكسر شجر الأرز، حتى أرز لبنان أقوى أنواعه وأكثره صلابة. رياح العاصفة تقتلعه أحيانًا بجذوره وتحطم قممه العالية المتشامخة، فتنبطح أرضًا. تمثل هذه الأشجار النفوس المتشامخة المعتدة بذاتها، فقد جاء صوت الرب أو كلمة الله المتجسد ليدخل بهذه النفوس إلى حياة الاتضاع خلال حزن التوبة. وقد أختار الله ضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء (1 كو 1: 27)... لكي يتمتعوا هم أيضًا بذاك القدير الذي صار لأجلهم في صورة ضعف. * "صوت الرب يحطم الأرز". بالتوبة يكسر الرب أولئك الذين يمجدون ذواتهم بشرف أصلهم الزمني، والذين يقفون في خجل حينما يختار أدنياء هذا العالم ليُطهر فيهم قوته الإلهية. القديس أغسطينوس يرى البعض أن الأرز هنا يشير إلى عبادة الأوثان حيث معابدها الشاهقة وتماثيلها الضخمة لكن بلا ثمر روحي ولا نفع كالأرز المتشامخ بلا ثمر. جاء كلمة الله المتجسد ليقتلع العبادة الوثنية ويحول الأمم إلى ملكوته، ملكوت الوداعة المفرح والمثمر. ليس ما يُحطم كبرياء قلبي ولا ينتزع محبة العالم (الوثنية) وكل خطية إلا صوت الرب، أي التمتع بالسيد المسيح، الكلمة الإلهي المُختفي وراء كلمات الكتاب المقدس. لأطلبه في إنجيله وأنعم به، فيُقيم مملكته فيّ، ولا يقترب إليها عدو، ولا تشترك معها خطية ما. صوت الرب يسحق أشجار لبنان "مثل عجل لبنان"؛ أي كما سحق موسى النبي العجل الذهبي الذي صنعه بنو إسرائيل وتعبدوا له (خر 32: 20). عوض هذا الإله الوثني (العجل الذهبي) ينعم المؤمن ب "الحبيب مثل ابن ذوي القرن الواحد" [6]. أي بالسيد المسيح الابن الحبيب الوحيد الجنس، القوى والقدير. (القرن يشير إلى القدرة على الخلاص). إذ ندخل مياه المعمودية نلتقي مع صوت الرب الذي يُحطم فينا تشاخ إنساننا العتيق، أو يحطم عمل إبليس المتعجرف، أرز لبنان المزروع داخلنا، ويهلك العجل الذهبي، أي كل تعلق زمني وعبادة للزمنيات، ويقوم كلمة الله الوحيد الجنس فينا، في إنساننا الداخلي الجديد. * "صوت الرب يكسر الأرز"، لأن المسيح اعتمد، أما الشياطين الذين كانوا قبلًا متغطرسين ومتكبرين فقد تحطموا وانكسروا في هاوية الهلاك. يكسرهم الرب مثل أرز لبنان، ويُحطمهم مثل عجل! قاذفًا في الهواء بأشلاء الأشجار، ومبعثرًا بالقِطع (التي للعجل) بعيدًا. * ماذا يقول المزمور عن المخلص؟ "الحبيب مثل ابن ذوي القرن الواحد". إن ربنا حبيبنا ومخلصنا هو ابن وحيد القرن، ابن الصليب الذي يرنم له حبقوق، قائلًا: "الاشعة تشرق إيمانًا من جواره، وهناك استنار قدرته" (راجع حب 3: 4). فبعدما صُلب ذاك الحبيب تحققت النبوة الواردة في المزمور: "صوت الرب يقدح لهيب النار" [7]. لأنه عندما طهّرنا المسيح انطفأت نار الجحيم[569]. القديس جيروم * بالمعمودية المقدسة ينعتق الإنسان من سلطان إبليس ويصير مولودًا من غير نطفة مثل ناسوت المسيح، لأن الروح القدس يقدسه من ميلاد النطفة، فلا يبقى للشيطان سلطان عليه مادام روح المسيح فيه[570]. الأنبا ساويرس أسقف الاشمونين * الذي يعتمد للمسيح لا يولد من الله فقط بل يلبس المسيح أيضًا (غلا 3: 27). لا نأخذ هذا بالمعنى الأدبي، كأنه عمل من أعمال المحبة، بل هو حقيقة. فالتجسد جعل اتحادنا بالمسيح وشركتنا في الألوهة أمرًا واقعًا[571]. القديس يوحنا ذهبي الفم يربطالقديس أمبرسيوس بين السيد المسيح الابن الحبيب، وحيد القرن وبين القديسين كوحيدي القرن، قائلًا: [يُدعى القديسون وحيدي القرن... فإن هذا النوع من الحيوانات يحسبون قد بلغوا حالة أعظم من النضوج بظهور القرن فيهم. وهكذا أيضًا عندما يبدأ القرن أن يظهر في رأس النفس يبدو كأنها تبلغ إلى حالة أعظم من النضوج في الفضائل، وهكذا ينمون حتى يبلغوا إلى الملء. بهذا القرن سحق الرب يسوع الأمم، لكي تدوس على الخرافات وتنال الخلاص، كقوله: "أضرب وأشفي"... ولهذا كانت الحيوانات الطاهرة حسب الشريعة هي ذات قرون، لأن الناموس روحي؛ فمن يطرد إغراءات هذا العالم بكلمة الله وحفظ الفضيلة يكون كمن هو مُصان بقرون على رؤوسهم، كما بأسلحة[572]]. مسيحنا وحيد القرن، حطم بالصليب شر الأمم ليقتنيهم أعضاء جسده، ونحن وحيدوا القرن، نحطم الشر بالروح القدس بقوة صليب ربنا يسوع المسيح لنحيا كاملين فيه. د. "صوت الرب يقطع لهيب النار" [7]. العواصف الشديدة أحيانًا تشعل نيرانًا خاصة في الغابات وأحيانًا تطفىء بمياهها النيران. صوت الرب يشعل بروحة القدوس نار الحب الإلهي، إذ يقول: "جئت لألقي نارًا على الأرض؛ فماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49)، هذه النيران تبتلع نيران الشهوة التي فينا وتقطعها. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بالنار تنطفئ النار؛ بنار الروح تنطفئ نار الشهوات!]. يرى القديس باسيليوس الكبيرأن صوت الرب في يوم الدينونة يقطع لهيب النار بالنسبة للأبرار فيبقى ضوؤها، أما بالنسبة للأشرار فيبقى حريقها بلا ضوء. أما كلمة "يقطع" فتعني هنا يفصل أو يميز أو يفرز، لأن صوت الرب يفصل الأبرار عن الأشرار في يوم الدينوية، فيتمتع الأبرار مباركوا الآب بالميراث المجيد ويُلقى الأشرار في النار المعدة لإبليس وملائكته. *أعتقد أن النار المعدة لعقاب الشيطان وملائكته تنقسم بواسطة صوت الرب. وهكذا توجد قدرتان في النار، قدرة للاحتراق وأخرى للإنارة. قوة عقاب النار الصارمة تنتظر من يستحقون الحرق، أما إشعاعاتها واهبة الاستنارة فتُحفظ ليتمتع بها الفرحون[573]. القديس باسيليوس الكبير صوت الرب يُزلزل برية قادش" [8]. قبلًا [5-7] كان المرتل يتحدث عن العاصفة التي تصطدم بجبال لبنان الممتدة مئات الأميال شمالًا وجنوبًا في منطقتين منفصلتين، حيث كانت أشجار الأرز الثمينة التي استخدمها آنذاك سليمان في مشاريعه للبناء (1 مل 5: 6-10؛ 6: 15؛ 7: 1-3، 11-12)، وكانت ترمز للتشامخ (إش 10: 33-34، زك 11: 2). الآن [8-9] تزحف العاصفة في طريقها إلى القفر، برية الصحراء العربية شرق الجبل المواجه للبنان حيث تتزلزل البرية كلها. وقد جاءت كلمة "يُزلزل" في العبرية بتصوير المرأة وهي في حالة مخاض الولادة. جاء الكلمة الإلهي - صوت الرب - إلى العالم الذي كان كالبرية القفر التي بلا ثمر ليزلزله، فيهتز من أعماقه ويكون كالمرأة التي تئن وتتمخض لكنها تعود فتفرح بإنجابها طفلًا حيًا يُبهج حياتها. رأى إشعياء النبي العالم برية تمتعت بالعصر المسيَّاني كعصر مياه حيَّة فصارت جنة مثمرة، إذ يقول: "فتصير البرية بستانًا... فيسكن في البرية الحق والعدل في البستان يقيم... ويسكن شعبي في مسكن السلام وفي مساكن مطمئنة وفي محلات أمينة" (إش 32: 15- 17). "صوت الرب يُزلزل برية قادش" [8]. برية قادش تلك التي عبرها الشعب قبل دخولهم أرض الموعد، وهي تشير إلى الإنسان قبل تمتعه بالوعد الإلهي، ودخوله إلى كنيسة العهد الجديد، أرض الراحة. مثل هذا الإنسان يحتاج إلى أن يحل فيه كلمة الله بالإيمان ليحوّله من برية قادش إلى كنعان الجديدة. * صوت الرب يزلزل إيمان الأمم الذين كانوا قبلًا بلا رجاء، بلا إله في العالم (أف 2: 12)، حيث لم يكن لهم نبي ولا كارز بكلمة الله، وكأنهم كانوا موضعًا لا يسكنه أحد (قفر). ويزلزل الرب برية قادش، عندئذ يجعل الله كلمة كتابه المقدس معروفة تمامًا، هذه التي تركها اليهود الذين لم يفهموها. القديس أغسطينوس * "صوت الرب يُزلزل البرية". البرية هي الكنيسة التي كانت قبلًا بلا أولاد، وبالكرازة بالمسيح تزلزلت هذه البرية واهتزت، وحان وقت طِلْقِها، فولدت، وفي يوم واحد أنجبت أمة بأكملها (إش 66: 7)! تلك التي كانت تُدعى قبلًا: "برية قادش" أي برية القداسة، وذلك بقدر ما كانت حُبلى بالفضائل، فصارت تلد الأيائل، وترسل قديسيها في أفواج وحشود ليقتلوا الحية على الأرض، مستخفين بسُمّها. إثناء ركوضهم في العالم، كارزين بإنجيل المسيح في هيكله يقول جميعهم: "المجد لله!"[574]. القديس جيروم جاء في النص العبري: "يُولّد الأيائل"، وكأن العاصفة في عنفها ترعب الأيائل، فترقد وتضع صغارها قبل موعد الولادة. أما في النسخة السبعينية، فجاءت "يرتب الأيائل"، فقد جاء كلمة الله لكي يُرتب نفسياتنا المضطربة ويرد لنا سلامنا الداخلي. الأيائل بطبعها قطيع مشتت لا يستقر على حال، معروف برعونته وعدم رويته... "صوت الرب يكشف الغياض" [9]، إذ بمجيء المتجسد انكشفت لنا أسرار الكتب الإلهية وخفاياها، هذه التي كانت مخبأة في الظلال. عند حلول العاصفة تختفي ظلال الغابات الكثيفة أمام وميض البرق وتنكشف الكهوف والمغائر المظلمة، فلا يقدر إنسان أن يختفي. هكذا إذ جاء صوت الرب إلى الجنة لم يكن ممكنا لآدم وحواء أن يختفيا بين الأشجار ولا لأوراق شجرة التين أن تسترهما؛ بل انفضحا وتعريا حتى أمام نفسيهما. كلمة الله؛ السيد المسيح، يشرق علينا بروحة القدوس فيفضح حياتنا أمام أنفسنا، ويبكتنا على خطايانا، لنتقدم إليه كمرضى يطلبون شفاء النفس والجسد. * تحتاج النفس إلى السراج الإلهي، وهو الروح القدس، الذي يُنير البيت المظلم، وإلى شمس البرّ الساطعة التي تُضيء وتشرق في القلب، وتحتاج إلى الأسلحة التي تغلب بها في المعركة. القديس مقاريوس الكبير يُقال أيضًا إن الرعد يكشف عن حيوانات الغابة التي تصير في هرع فتهجر عرينها ومخابئها ومن ثم يُمكن اكتشافها وصيدها... وكأن صوت الرب الذي يكشف لنا أسرار الكتاب المقدس، والذي يعلن لنا عن أعماقنا الخفية، يظهر لنا العدو الشرير "الحيوانات المفترسة" ويعطينا قوة لمقاتلته. 3. الرب الملك الأبدي: "وفي هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد الرب يسكن في الطوفان الرب يجلس ملكًا إلى الأبد" [10]. الآن قد حلَّ كلمة الله المتجسد في برية هذا العالم ليقيم من أبناء الكباش أبناء لله [1]، محوّلًا المياه الصالحة الكثيرة إلى نهر عذب، أي جماعة الأمم الوثنية إلى كنيسة الله المقدسة [3]، محطمًا تشامخ الإنسان (أرز لبنان)، قاطعًا لهيب نار الشهوات الزمنية، مزلزلًا البرية القاحلة ليُعطينا روح الاتضاع بنار روحه القدوس فنتحول من قفر البرية إلى فردوس مثمر [8]؛ يرتب أيائلنا الهائجة وكاشفًا أعماقنا المضطربة ليهبنا سلامه ويعطينا فهم أسراره الإلهية [9]... يحوّل حياتنا إلى هيكله المقدس الذي ينطق بأمجاده الفائقة: "وفي هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد". ما هو هذا الهيكل إلا كنيسة المسيح المقدسة التي تجمعت من كل الأمم المملؤة عارًا لتصير في المجد؟! هناك يملك الرب على نفوس مؤمنيه، "يسكن في الطوفان"، أي يسكن في مياه المعمودية، ليحل في قلوب من ينالوا العماد بكونهم هيكل الله المقدس. * "في هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد" [10]. في كنيسته، كل الذين نالوا التجديد على رجاء الحياة الأبدية، يُباركون الله، كل حسب عطيته وموهبته التي نالها من الروح القدس. * يسكن الرب أولًا طوفان هذا العالم بحضوره في القديسين الذين يحفظهم في الكنيسة كما في فلك (تك 7). "الرب يجلس ملكًا إلى الأبد" [10]. هناك يجلس متوجًا كملك على مختاريه إلى الأبد. القديس أغسطينوس 4. نِعم الله على كنيسته: "الرب يُعطي شعبه قوة، الرب يبارك شعبه بالسلام" [11]. إن كان صوت الرب قد جاء ليعلن فاعليته في حياة البشرية، يحوّل قفر العالم إلى فردوس كنيسته، فقد جاء لأجلنا نحن شعبه ننال قوته وبركته وسلامه! * "الرب يُعطي شعبه قوة"، لأنه يليق بالرب أن يمنح شعبه الشجاعة في صراعهم ضد عواصف هذه الحياة وبراكينها. إنه لم يعدهم بالهدوء في هذا العالم السفلي! "الرب يبارك شعبه بالسلام" [11]. الرب نفسه الذي يبارك شعبه هو الذي يمنحهم السلام فيه، قائلًا: "سلامي أنا أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم" (يو 14: 27). القديس أغسطينوس ختام هذا المزمور يؤكد لنا أن العاصفة لابد أن تعبر ليتمجد الله الملك الذي يؤكد حبه لكنيسته وقت الضيقة، واهبًا إياها قوة وبركة وسلامًا، إن سلّمت حياتها بين يديه واستعانت بصوت الرب ومواعيده كسند وخلاص لها. ما أعجبك أيها الكلمة! * أيها الكلمة الإلهي... يا من اقمتنا نحن أبناء الكباش أبناءً لله، اقبل تمجيدًا وتسبيحنا، وحياتنا، ذبيحة شكر لله، * ما أعجبك أيها الكلمة الإلهي! أنت تحول مياه خطاياي المهلكة وتيارات شهواتي إلى مياه عذبة! ترعد على مياه المعمودية بروحك فتهبني سكناك فيّ! تهبني قوتك وتسكب جلالك داخلي! تُحطم تشامخي (أرز لبنان) وتهبني وداعتك! تقطع لهيب نار خطاياي بنار روحك المحييّ! تُزلزل قفر اعماقي لتقيم فردوسك في داخلي! تهب سلامًا وبنيانًا لأعماقي فتترتب الأيائل (أفكار وطاقات نفسي المضطربة). تشرق عليّ فاكتشف ضعفي واتمتع بنعمتك بتوبتي. * لتجلس في قلبي كملك ولتهبني قوة وبركة وسلامًا تعال أيها الملك إليّ واحملني إليك! |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|