20 - 01 - 2014, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
عوائق للفضيلة ولكنها ليست موانع حياة البر والفضيلة لا تسير سهلة باستمرار، إنما تصادفها عوائق في الطريق. حتى في سير القديسين صادفتهم في حياتهم عوائق: لماذا سمح الله بهذه العوائق؟ ما مصادرها وأسبابها وفوائدها؟ أسباب العوائق ومصادرها 1) هناك عوائق الشيطان: الذي يجول مثل أسد زائر يلتمس فريسة. الذي يلقي الزوان في كل حقل. الذي ألقي نصيحة مهلكة في أذن أمنا حواء.. هذا إلي يجب أن نحترس منه، كما قال معلمنا بولس الرسول "لأننا لا نجهل أفكاره" (2كو11:2). إن القديس أثناسيوس في جهاده ضد الأريوسية قال "إن عدونا الأول ليس هو الأريوسية وإنما الشيطان". من ضمن اسبابها: الأكاليل الناتجة عنها: فإذا وجدت عوائق، وأنتصر الإنسان عليها، إنما يدل ذلك علي محبته لله، وإصراره علي السير في الطريق الروحي، مهما صادفته من عقبات. وهكذا ينال أكاليل علي محبته وجهاده وإنتصاره.. فلا يقل احد: تصادفني متاعب في البيت والعمل والبيئة، نقول له: هذه طبيعة الطريق الروحي. لابد أن يكون هكذا.. فلماذا؟ هناك ما يسمونه "حسد الشياطين" يحسدون الأبرار علي برهم. يحسدونهم علي أنهم نجحوا في منهج، فشلوا هم فيه. ويحسونهم علي النعمة المصاحبة لهم علي عمل الروح القدس فيهم.. بل يحسدونهم علي الحياة مع الله. لذلك يثيرون حولهم الزوابع، لكيما يفشلوا ويصيروا مثلهم ضمن مملكتهم. فإن وجدت عوائق، اطمئن، لأنك سائر في الطريق السليم: لو كنت سائر في طريق الشيطان، ما كان يحاربك! بل علي العكس يسهل طريقك ويشجعك. أما محاربته لك أو محاربة أعوانه، فدليل أكيد علي ان مسلكك يتعب الشيطان.. ولهذا قال السيد المسيح له المجد: "لو كانت من العالم، لكان العالم يحب خاصته، ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا أخترتكم من العالم، ذلك يبغضكم العالم". "إن كان العالم يبغضكم، فاعلموا أهم قد ابغضني قلبكم" (يو15: 19، 18)... إن بغضة العالم لك، ومضايقته لطريق، أمر طبيعي ومطمئن، ووسام علي صدرك. وقد وصف الرب الباب بأنه ضيق، والطريق بأنه كرب (مت14:7). إن العمل العظيم هو الذي يستحق المحاربة من عدو الخير، كذلك فإن البداية الطيبة تخيفه، لئلا تنمو وتثمر. لذلك نري كثيرًا أن البدايات تكون صعبة في كل عمل ناجح لأنك كلما تبدأ في عمل الخير، يبدأ الشيطان وأعوانه عملًا مضادًا لك... حتى في حياة الرسل وكبار الآباء القديسين، كانت هناك عوائق أمام خدمتهم وكرازتهم. قام ضدهم أباطرة وملوك وولاة وحكام وقضاء، ودفعوا إلي محاكمات وسجون ونفي، وتعرضوا للطم وإضطهادات ووقفت ضدهم الدينات والفلسفات القديمة. ويكفي قو السيد لهم "وتكونون مبغضين من الجميع لأجل إسمي" (مت22:10). وقوله أيضًا "تأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يو2:16). ولكننا في كل ذلك نقول: كانت هناك عوائق، ولكنها لم تكن موانع: قامت، عوائق كثيرة ضد الكرازة، ولكنها لم تستطع أن تمنع الكرازة. بل امتد الإيمان وانتشر، وتأسست الكنائس في كل مكان. ويكفي في ذلك قول الكتاب: والذين تشتتوا، جالا مبشرين بالكلمة" (أع4:8). وقيل ما يشبه ذلك في العهد القديم "ولكن بحسبما أذلوهم، هكذا نموا وانتشروا" (خر12:1). وقيل أيضًا عن الكنيسة "كل آلة صورت ضدك لا تنجح" (أش17:54). وقف العالم كله ضد أثناسيوس الرسولي، ونفي عدة مرات، وعزلوه ورجع إلي منصبه ومع كل ذلك أنتصر أثناسيوس علي كل مقاوميه. 2) من العوائق أيضًا: العالم ومحبته، والحواس وطياشتها. فالحواس هي ابواب للفكر، والفكر يوصل إلي القلب والمشاعر، والعالم يقدم حروبًا كثيرة وعوئق في طريق الروح.. وهكذا الجسد وكل عوائقه. 3) ومن العوائق أيضًا: الأخوة الكذبة والمرشدون المضلون والعشرة الردية. كما قال الري لإسرائيل"، مرشدوك مضلون" (أش 12:3). وكما وصف الرب الكتبة والفريسيين بإنهم قادة عيمان (مت23). وقال إن أعمي يقود أعمي، كلاهما يسقطان في حفرة... ويدخل في هذا الأمر المفاهيم الخاطئة، التي تنتشر في وسط أي جماعة قتضللها وتعيقها عن الوصول إلي الله. إن بطرس بمفهومه الخاطئ عن الآلام وقف معثرة امام الرب فانتهره وقال له "أذهب عني" (مت23:16).. ومن ضمن هذه المعوقات الكتب والمطبوعات الخاطئة.. 4) ومن المعوقات أيضًا الطباع الشخصية للإنسان: وربما تكون بعضها طباعًا موروثة، أو طباعًا مكتسبة من البيئة، أو من كثرة الممارسة.. ولكن علي الإنسان أن ينتصر عليها، سواء كان الشخص غضوبًا أو سماعًا أو متسرعًا.. إلخ. 5) هناك عوائق من شهوات النفس الداخلية: ومن أهدافها الخاطئة. كما قال الكتاب "لم تصبكم تجربة إلا بشرية "ونحن نصلي إلي الله أن ينقذنا من كل العوائق ايًا كانت مصادرها. ولكنني في كل هذه العوائق والمحاربات، أحب أن أطمئنك وأقول لك: لا تخف، بل أثبت واستمر. فهناك حقيقة. أنت لست وحدك في محاربتك. إنما معك المعونة الإلهية: الشيطان يعيقك، والنعمة تشجعك وتقويك.. الله يسمح بوجود العوائق، هذه نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو ان الله في نفس الوقت، يعطيك القوة التي تجاهد بها وتنتصر، بل هو نفسه يقودك في موكب نصرته (2كو14:2)،إنه يسمح بالتجارب، ولكنه "أمين، لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون. بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو13:10). ولكنك لعلك تسأل: ولماذا يسمح اله بالتجربة؟ ولماذا يسمح بالعوائق؟ وهذا ينقلنا إلي نقطة أخري وهي: الاختبار سمح الله بالعوائق لاختبار محبتنا. ولاختبار إرادتنا، واختبار مدي طاعتنا. كل إنسان يمكنه أن يقدم نية طيبة. ووعودًا طيبة، مثلما فعل بطرس حينما قال: "وإن شك فيك الجميع. فأنا لا اشك أبدًا"،"ولو إضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (مت26: 23، 35)... ولكن في ساعة التنفيذ، حينما تبدو المخاوف والمخاطر، هنا يقف الاختبار أمام كل الكلام النظري، وكل النيات الطيبة. وهناك أمثلة كثيرة، ترينا كيف تقع العوائق كاختبار: أ) إنسان متيسر وغني، يستطيع أن يعطي، دون أن يؤثر العطاء علي مركزه المالي. أما إن وجدت عوائق من الإحتياج أو العوز، فهنا تختبر فضيلة العطاء، وهكذا ظهرت فضيلة الأرملة التي أعطت من أعوازها، مدحها الرب (مز44:12). وهكذا أيضًا ظهرت فضيلة أرملة صرفة صيدا، التي أعطت إيليا النبي - في أيام المجاعة ما معها من دقيق وزيت، ستعمله، ليكون أكلتها الأخيرة هي وإبنها، ثم يموتان" (1مل12:17). إذن فالذي يدفع للرب - وليس عنده تكون محبته أعمق، وأجره اكبر.... ب) وينطبق العطاء من العوز، علي الوقت. وعلي العشور أيضًا، كما ينطبق كذلك علي القوة والصحة. فالذي يدفع العشور، وهو فقير، كل إيراده لا يكفيه، هذا الذي انتصر علي عائق الفقر، وأطاع الوصية علي الرغم من العوائق، بعكس الذي يتخذ العوز عذراء يغطي أو يبرر به عدم طاعته. كذلك الخادم إلى يستمر في خدمته، في عمق أيام الامتحانات، وليس لديه وقت علي الإطلاق، بل هو محتاج إلي كل دقيقة. وكذلك الذي يتعب في الخدمة، علي ضعف صحته.. كل هؤلاء في انتصارهم علي العوائق. دلوا علي أن محبتهم لله وللناس أكثر عمقًا. وبرهنوا علي تمسكهم بعمل الخير مهما كانت العوائق... ج) وكذلك من يحتمل غيره، علي الرغم من عمق الإساءة. وعلي الرغم من الإحراج أمام الناس. إنه يدل علي أن فضيلة الاحتمال التي عنده انتصرت علي العوائق.. وذلك قال السيد المسيح له المجد "لأنهإن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك. وإن سلمتم علي اخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أما أنا فأقول لكم احبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم... (مت5: 44-47). هنا المحبة والسلام علي الرغم من طول المدة في الاحتمال.. وكذلك من يتحمل خيانة صديق عيل الرغم من عمق الخيانة ونتائجها: د) كذلك من يقول كلمة حق، مع عوائق من النتائج المتعبة: سهل أن ياقل كلمة الحق، إن كانت سهلة، ولا أذية من قولها.. أما من يقول كلمة الحق، علي الرغم من الإضطهاد الذي يلحقه بسببها، فهذا يدل علي مدي إهتمامه بالشهادة للحق، كما يدل أيضًا علي شجاعة وجرأة. ومن أمثلة ذلك القديس يوحنا المعمدان، الذي قال للملك هيرودس: "لا يحل لك أن تأخذ امرأة أحيك" (مر18:6). وكانت النتيجة أن يوحنا ألقي به في السجن، وقطعت رأسه علي طبق. ه) مثال آخر، هو الشكر علي الرغم من العوائق: كل إنسان يمكنه أن يشكر الله في حالات الصحة والراحة والسعة والنجاح.. أما أن تشكر الله وأنت في المرض والألم، أو تشكره وأنت تحتمل ظلمًا وإضطهادًا، أو تشكره وأنت في الفقر والعوز، أو تشكره وقد صليت صلوات كثيرة ولم تشعر باستجابته.. ففي هذا كله يظهر عمق فضيلة الشكر عندك، ويظهر أنك تحب الله من أجل ذانه، وليس من أجل خيراته... العوائق تظهر مدي ثبات الإنسان في إيمانه، وفي علاقته بالله والناس. إن الشهداء أظهروا عمق إيمانهم، علي الرغم من التهديدات والعذبات والسجن والنفي، وعلي الرغم من الإغراءات التي عرضت عليهم.. وبرهنوا أنهم كانوا اقوي من كل ذلك. وانتصروا علي عوائق الألم والإغراء، وناولوا الأكاليل. وأيوب الصديق ظهرت فضيلته علي الرغم من فقده ماله وأولاده وصحته، كما فقد العطف من اصدقائه وزوجته، وفقد الإحترام من عبيده، بل فقد كل شيء. لكنه إستطاع أن يقول "الرب أعطي، الرب أخذ، ليكن إسم الرب مباركًا" (اي21:1). كذلك في التعامل مع الأصدقاء والمعارف، بيدو عمق العلاقة إن إستطاع الإنسان أن يحتفظ بمحبته، ولا يضحي بها بسبب خطأ يحدث، أو إهمال مقصود أو غير مقصود أو سبب تقصير أو زلفة لسان.. إلخ.. الفضيلة الثابته علي الرغم من العوائق، تشبه البيت المبني علي الصخر: ثبات هذا البيت تعرض لعوائق الرياح والأمطار والأنهار ولكنه أنتصر ولم يسقط (مت7). كذلك الإنسان الروحي الذي يبقي إيمانه ثابتًا، ولا يفقد هدوءه ولا سلامه ولا محبته، علي الرغم من كل العوائق.. لا يهتز، ولا يتغير، ولا يضطرب، ولا يشك ولا يضعف.. تدل الاختبارات علي أن معدنه طيب وقوي، وعلي أنه يحيا حياة الإنتصار باستمرار.... مثال ذلك: إبراهيم أبو الآباء، في كل اختبارات إيمانه: كانت دعوته الأولي: أن يترك أهله وعشيرته وبين ابيه (تك12). ويمضي وراء الله "وهو لا يعلم إلي اين يذهب" (عب8:11). ومع ذلك "لما دعي أطاع". ولم يناقش، ثم كان الاختبار الثاني والأصعب، أن يأخذ إبنه وحيده الذي تحبه نفسه، ويقدمه لله محرقة علي أحد الجبال" (تك2:22). ولم يقف هذا الأمر عائقًا أمام محبة إبراهيم لله ولا أمام إيمانه ولا طاعته... كذلك هناك فرق كبير بين الخدمة السهلة والخدمة الصعبة: كثيرون يفضلون الخدمة السهلة المريحة. وبلا شك أن أجرها عند الله لا يمكن أن يكون في مستوي الخدمة الصعبة، التي بلا إمكانيات، مثل كرازة مارمرقس في أرض مصر.. أو تكون خدمة فيها مشاكل ومتاعب من الأوضاع ا, من الناس أو من أخوة كذبة كما حدث لبولس الرسول (2كو4: 6،11). الذي قال أيضًا "حاربت وحوشًا في أفسس" (1كو8:3). فكلما انتصر الإنسان علي عوائق الخدمة لأجل بناء ملكوت الله، هكذا يكون أجره عظيمًا في السماء. فوائد العوائق 1) العوائق تذكرنا بضعف طبيعتنا، وتقودنا إلي الاتضاع. ربما لو كانت الحياة الروحية سهلة وبلا عوائق، وسلسلة من الانتصارات، لوقع الإنسان في المجد الباطل والشعور بالقوة. بينما العوائق كثيرًا ما توقفنا أمام حقيقة أنفسنا، فنشعر بأننا ضعفاء، وأن الأمر ليس سهلًا، ويحتاج إلي جهد قد يكون فوق مستوانا. وهكذا تتضع قلوبنا من الداخل، وبخاصة إن فشلنا في بادئ الأمر، كما حدث مع بطرس، ومع داود، ومع شمشون. 2) وهذه العوائق كما تسبب لنا الاتضاع، تدعونا إلي الصلاة: فلا نعتمد علي أنفسنا، إنما نعتمد علي الله، ونقول مع المرتل: لولا أن الرب كان معنا.. لابتلعونا ونحن أحياء" (مز124). ونقول للرب أيضًا "إصغ إلي صراخي، لأني قد تذللت جدًا. نجني من الذين يضطهدونني، لأنهم اشد مني فصرخت إليك يا رب. وقلت أنت هو رجائي وحطي في أرض الأحياء" (مز142). والعوائق تجعل صلواتنا أكثر عمقًا وأكثر حرارة. 3) والعوائق أيضًا تعطينا خبرة روحية، ونلمس يد الله وتدخلها لإنقاذنا. أليس هو القائل "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (لو5:15). نلمس قوله "أنا معكم كل الأيام وإلي إنقضاء الدهر (مت20:28). وهكذا نري عمليًا كيف أن الله يحل لنا المشاكل، ويزيل العوائق والعقبات. وندرك عمليًا قول الله عن زربابل "من أنت ايها الجبل العظيم؟ أمام زربابل تصير سهلًا" (زك7:4). ونختبر كيف يحول الله الشر إلي خير، وكيف يتدخل في الأحداث، ويديرها حسب مشيئته، ويجعلها كلها تؤول إلي مجد اسمه. وبخبراتنا في الانتصار علي العوائق بمعونة إلهية نختبر عمليًا تفسير الآية التي تقول: "قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر14: 13-14). وإذا بالقصص التي نقرؤها في الكتاب - تصبح واقعًا عمليًا أمامنا كقصة الثلاثة فتية في الأتون، أو قصة دانيال في الجب، ونضيف إلي حياتنا سجلًا واقعيًا من معاملات الله معنا أو مع أقاربنا وأصحابنا وزملائنا وبالتالي شجاعة وقوة، ولا نعود نخاف من الشدائد ولا العوائق ولا من الأمور الصعبة.. ونري كيف أن الله يسمح العوائق، ولكنه يوجد طريقًا داخلها للفكاك منها.... 4) وبهذا علي الرغم من العوائق، ندخل في حياة الشكر. الشكر لله الذي أنقذ ودبر وأزال العوائق. الله الذي يفتح ولا أحد يغلق. الله الذي هو أقوي من فرعون ومن نيرون ومن ديقلديانوس. وهكذا نرتل قائلين "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا عوننا من عند الذي خلق السماء والأرض" (مز124). ونري في كل العوائق أن الذين معنا أكثر من الذين علينا (2مل16:6). نري أن الملائكة المحاربين معنا، أكثر من الشياطين القائمين علينا. ونري أن عمل الله الهادئ أكثر من قوي الشر الصاخبة.. وعمل الروح القدس أعمق من كل الإغراءات المضادة. إن آدم لم يشعر بقيمة كل الخيرات المحيطة به وهو في جنة عدن. ولكن. الشعب التائه في سيناء، عرف قيمة الماء المتفجر من الصخرة، والمن النازل من السماء لن الاحتياج يعطي قيمة للشيء أكثر من توافره... 5) العوائق تنشط أرواحنا للقتال مع العدو. وهكذا يغني القلب الذي يواجه العوائق، ويقول "مبارك.. الذي الرب يعلم يدي القتال، وأصابعي الحرب" (مز1:144). لولا جليات ما اختبر داود قوة رب الجنود، وأولًا الحروب الروحية، ما كنا نحصل علي تعاليم الآباء الذي جربوا خداع العدو، ووصفوا لنا قتالاته وطريقة الانتصار عليها. لقد عاش بولس البسيط في ظل صلوات القديس أنطونيوس الكبير. ثم دعاه القديس أن يسكن بمفرده في الوحدة "لكي يجرب قتالات العدو "لكي تنشط روحه في الجهاد، وتختبر الانتصار. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
أكبر عائق للفضيلة هو الذات خطورة الذات ما أسهل أن الذات تضيع الإنسان، كما قال السيد المسيح: "من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت39:10). حقًا ما أخطر أن يركز الإنسان كل اهتمامه علي ذاته، كيف تكبر وتعظم. ويحب أن يكون بارًا في عيني نفسه (أع1:32). وعظيمًا في عيني نفسه وفي أعين الناس (أع12: 21،23). وأن يكون حكيمًا في عيني نفسه (أم7:3). الأمر الذي نهي الرب عنه. وحرب الذات من الخطايا الأمهات. تلد كثيرًا من الخطايا، كما سنري فيما بعد.. وهي أول خطية في العالم: هي الخطية التي سقط بها الشيطان، حينما قال في قلبه "أصعد إلي السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلي" (أش14: 13، 14). وبنفس الخطية ذاتها أغرس أبوينا الأولين علي السقوط، بقوله لهما "تصيران مثل الله.." (تك5:3). موضوع (الذات) يذكرنا بخطية يونان النبي. الذي خاف أن تسقط كلمته إلي الأرض. إذ ينذر أهل نينوى بانقلاب مدينتهم، فتكون النتيجة أن يتوبوا فيرحمهم الله، وتسقط كلمة يونان. ويغتم يونان غمًا شديدًا ويغتاظ (يو1:4). وثقة الإنسان أنه بار في عيني نفسه، كانت مشكلة أيوب (أي1:32). ونفس الوضع من جهة الثقة بالحكمة الشخصية، إذ يقول الكتاب: "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم7:3). إذ يثق الإنسان بفكره الخاص وبحسن تدبيره، دون سماع مشورة من أحد، ويري أنه علي حق في كل شيء. الأمر الذي نهي عنه الكتاب قائلًا "وعلي فكر لا تعتمد (أم3: 6). وقال أيضًا توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم12:14). (أم35:16). نتائج حرب الذات 1) أن تكون الذات في قمة الاهتمامات. بحيث كل ما يدور في فكر هذا الشخص: مستقبلي، مركزي، كرامتي، رأيي، شخصيتي. بل تحول الذات إلي هدف، وهي محصلة كل أعماله وأقواله وتصرفاته. وتكثر في فكره وفي أقواله عبارة (أنا). 2) وربما يصل إلي امتداح نفسه لنفسه. فيفقد الاتضاع، ويتعلق بمحبة المجد الباطل، وهكذا لا يستطيع أن يلوم نفسه في شيء. ويحاول باستمرار أن يبرر نفسه في كل شيء. وقد لا يستطيع أن يحتمل كلمة عتاب من ا؛د، وليس فقط كلمة تبكيت، ولا يكون فقط بارًا في عيني نفسه، إنما يحب بالأكثر أن يكون أيضًا بارًا في أعين الآخرين، ويسعي إلي مدحهم وتطويبهم، ويسر بذلك لأجل هذا، ولغيره أيضًا، قال السيد الرب: "من أراد أن تأتي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (مت24:16). وفي بعض الترجمات "يمجد نفسه "وفي ترجمات أخري "يكفر بنفسه "وقال الرب أيضًا "من أضاع نفسه من أجلي يجدها" (مت39:10). بل قال كذلك أن يبغض الإنسان حتى نفسه لكي يكون تلميذًا للرب" (لو26:14). 3) هذه الذات التي تجعل الإنسان يقف أحيانًا ضد الله. يعادله وقاومه، وينفصل عنه، ويكس وصاياه، وينضم إلي أعدائه. كل ذلك لكي يشبع الشخص رغباته، ويسير حسب هواه. وإن طلب من الله طلبًا، يصر أن يكون الله مجرد منفذ لرغباته، دون أن يضع في اعتباره حكمه الله ومشيئته. وإن تأخر الله عليه، أو ظن ان الله قد تأخر، يغضب ويتضتيق.. ويشك في محبة الله ورعايته، ويتذمر، ويهدد نترك الكنيسة أو اجتماعاتها. بل أن الوجوديين أنكروا وجود الله، شاعرين أنه ضد رغباتهم وضد تمتعهم (بالوجود)!! وهكذا نري إلي أحد حد يمكن أن تكون محبة الذات.....! وقد قادت الشيوعيين أيضًا إلي الإلحاد، وقادت كثيرًا من الفلاسفة إلي الوثوق بأفكارهم أكثر من الثقة بكلمة الله، وهكذا فعلت الذات مع بعض رجال الدين في الغرب الذين وضعوا عقولهم رقيبة علي الكتاب المقدس نفسه!! يقبلون منه ما يوافق هواهم وفكرهم، وينكرون الباقي!! 4) والذات أيضًا دخلت في محيط الأبوة الروحية والجسدية. وأصبح البعض لا يطيع الأب الروحي إلا فيما يوافق هواه، وإلا يغيره..! أو أنه لا يعرض عليه، إلا ما يعرف مسبقًا أنه سيوافق عليه!! ونفس الوضع في محيط الأسرة بالنسبة إلي طاعة الوالدين، ومن هم في مرتبتهما من الكبار في العائلة، وحتى في الكنيسة من المشيرين والمدبرين. 5) وكانت للذات أثرها في مجال الخدمة أيضًا. ومن جهة محبة الرئاسة والقيادة وفرض الرأي، الأمر الذي سبب انقسامات في مناطق متعددة. كل (خادم) يحب أن يفرض رأيه ومنهجه وأسلوبه، هو الذي يقود ولا يقاد. أو علي الأقل يكون له مجموعة تتبعه، وتقف ضد كل من يعارضه أيًا كان مركزه. إنه في الخدمة يبحث (ملكوته) هو، وليس عن ملكوت الله!! حتي لو أدي الانقسام إلي تدخل الطوائف الأخرى وضياع الخدمة! وحتى لو أصبح الانقسام عثرة للمخدومين وشتتهم! المهم عند هؤلاء هو الذات وإسباعها من حب السيطرة وتنفيذ الرأي الخاص والحصول علي الكرامة الشخصية، ولو استوفوا خيراتهم علي الأرض" (لو25:16). 6) بل قد تدخل الذات في محيط العقيدة! حيث يصر (لخادم) في محيط التعليم، أن يكون له فكره الخاص، ينشره ولو كان ضد كل التعليم المعروف في الكنيسة، وضد التقليد والإجماع العام!! المهم عنده هو فكره وثقته بعلمه. وإن جاءه توجيه، يقاوم، ويري نفسه اكبر من كل الموجهين! حقًا، كيف ظهرت البدع والهرطقات إلا من الذات والاعتداد بالفكر الخاص، حتى لو كان الهرطوقي قد أنذر مرة واثنتين وأكثر. ولكن التصاقه بذاته أقوى من كل إنذار... 7) وتوصية محبة الذات إلي العناد. حيث لا يريد الشخص فقط أن يكون الأول، إنما بالأكثر أن يكون الوحيد، وكأنه يقول "أنا وليس غيري"!! وقد يصل في محبته لذاته، أن يقف ضد الآخرين. وقد يهاجم بعنف. وقد يستخدم أسلوبًا عدوانيًا. ويهاجم كل من هو ضد رأيه. 8) وتوصله محبة الذات إلي العناد. وإلي تصلب الفكر، وعدم قبول أي رأي غير رأيه أو ضد الرأي. إما أنه لا يحب أن يسمع، أن يسمع يرفض. أو يصل في المجادلة إلي التشبث بفكره مهما سمع من إقناعات. 9) والذات هي التي تضيع الأسرة. وتصبح هي العامل الأول في الخلافات الزوجية، إذا تشبث فيها كل طرف بفكره. وإذا بحث أحد الطرفين عن راحته فقط، ولو تعب الطرف الآخر. أو إن أصر أن يخضع له الطرف الأخر في كل ما يقوله أو يريده، ولو عن غير اقتناع وضد رغبته، وبدون تفاهم! المهم عنده هو الخضوع، مهما كان ثمنه، ومهما كانت نتائجه. 10) بل الذات تتلف كل المجتمعات. فالمجتمع يقوم علي تبادل الرأي، وليس علي فرض الرأي. ويبني القار علي الحوار. فإن أراد أحد أن يخضع لرأيه، أو إن تجاهل فكر غيره، ينقسم المجتمع ولا يثبت. والذات تقود باستمرار إلي الأنانية. والأنانية لا تبني اية علاقة إجتماعية، بل تهدمها... مظاهر محبة الذات: الذي يهتم بذاته، إما أن يكون من ناحية الجسد، أو من ناحية النفس، أو من ناحية الروح. فمن ناحية الجسد، يسعي إلي شهوة الجسد وشهوة العين (1يو16:2). اي في محبة العالم والمادة البعيدة عن محبة الله. وفي محبة الجسد والمادة وقع سليمان الحكيم، فقد حكمته. قال "بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا، عملت لنفسي جنات وفراديس... جمعت لنفسي أيضًا فضة وذهبًا. أتخذت مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات" (جا2: 4-8). لاحظو عبارة (نفسي) أي ذاتي، التي تكررت كثيرًا في كلامه.. وماذا كانت النتيجة؟ يقول الكتاب في زمان شيخوخة سليمان، أن نساء أملن قلبه إلي آلهة أخر، ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب كقلب داود أبيه" (1مل4:11). ومثل سليمان، نتكلم عن شمشون وعن داود في خطية كل منهما. وفي حياة الرفاهية والمال والنساء والعظمة وشهوة الجسد، وعقوبة الله لكل من هؤلاء. كلهم أرادوا أن يبنوا أنفسهم بطريقة غير روحية. بتحقيق شهواتهم، بالمغنين والمغنيات، بالسيدة والسيدات، بدليلة وبثشبع.. وانطبق عليهم قول الرب "من وجد حياته يضيعها". والفضيلة تكون هنا في الإنتصار علي الذات. في ضبط النفس. في قول القديس بولس الرسول "أقمع جسدي واستعبده، لئلا بعدما كرزت لآخرين، أكون أنا نفسي مرفوضًا" (1كو27:9). ومن جهة النفس، الذي يريد أن يشبع رغبات نفسه، قد يقع في الغيرة والحسد، لأنه يريد لنفسه ما في يد غيره.. وقد يقع في مصارعات مع الآخرين.. قد يقع فيما وقع فيه أخوة يوسف لما حسدوا أخاهم (تك37)،أو في الشعور السيء الذي كان للأخ الكبير تجاه أخيه الأصغر الذي ذبح له ابوه العجل المسمن (لو15). أو ما حدث بين يعقوب وعيسو الذي قال "اقوم وأقتل يعقوب أخي" (تك41:37). أو حدث بين راحيل وليئة التي قال "مصارعات صارعت الله أختي" (تك8:30). هؤلاء كلهم دخلوا في صراعات، وانطبق عليهم ما قيل عن إبراهيم ولوط: "ولم تحتملهما الأرض ان يسكنا معًا" (تك6:13). لذلك فإن أبانا إبراهمي البعيد عن الذات، ترك للوط حرية الأرض. واختار لوط لضياعه فيما بعد، في سبي سادوم (تك14). وفي حريقها (تك19). إن صراعات الذات دخل في شكوي مرثا من مريم بقولها "اختي تركتني أخدم وحدي" (لو40:10). وكانت مريم قد أختارت النصيب الصالح، الشكوي التي قدمت ضدها كانت من جهة صلاحها!! ولكن الذات تقف حتى ضد الأخوات!! وضد الأخوة معًا، والأقارب، والخدام...!! لا أنا ما أجمل وما أعمق قول القديس بولس الرسول: "فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في" (غل20:2). هنا النكران الكامل للذات في كل شيء.. "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك "هكذا كان السيد المسيح يقول للآب، وهكذا نقول أيضًا في الصلاة الربانية كل يوم "لتكن مشيئتك". وهكذا فعل أبونا إبراهيم حينما قال له الرب "أذهب من ارضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك إلي الأرض التي اريك" (تك12).." فخرج وهو لا يعلم إلي أين يذهب" (عب8:11). وفي طاعته تخلي عن ذاته وعن كل شيء.. بل في طاعته لما أمره الله بتقديم إبنه الوحيد محرقة (تك2:22). تخلي عن عواطفه وآماله. وترك كل ما يتعلق بالذات، منشغلًا بالله وحده. وفي قلبه أيضًا عبارة (لا أنا) "لا مشيئتي، بل مشيئتك " ومثل القديس بولس وأبينا إبراهيم، القديس يوحنا المعمدان أيضًا. كان يختفي لكي يظهر المسيح. يقول "من له العروس، فهو العريس "أما أنا فمجرد صديق للعريس اسمع وأفرح "ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا انقص" (يو3: 29، 30). ومع ذلك، فهذا الذي قال "أنا أنقص "قال عنه الرب "لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان" (مت11:11). وعبارة "أنا أنقص "أكملها بولس بقوله "لا أنا".... |
||||
20 - 01 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
وإذ لم يكن له أصل جف وإذ لم يكن له أصل جَف (مت6:13). كثير من الناس يبدأون الحياة مع الله ولا يستمرون. إما أنهم يبدأون بحرارة، ثم يبردون، أو كما يقول الكتاب أحيانًا أن بعض الناس يرتدون. وأحيانًا البعض قد يتركون محبتهم الأولي، أو يفترون، أو يبردون.. والسيد المسيح لما قدم لنا مثل الزارع، أعطانا صورًا عن أناس وقعت البذار في أرضهم، ولكن بعضهم فشلوا. وأريد أن أحدثكم اليوم عن نوع واحد من هؤلاء، قال عنه الرب إنه "إذ لم يكن له اصل جف" (مت6:13).. هذا النوع بدأ بداية، ربما تبدو طيبة. قيل عنه إنه نبت حالًا (مت5:13). وإنه النوع "الذي يسمع الكلمة، وحالًا يقبلها بفرح" (مت20:13). ومع ذلك قيل مرة إنه جف، ومرة أخري إنه احترق. لماذا لأنه "لم يكن له أصل في ذاته، بل هو إلي حين"، وإنه "ليس له عمق أرض". المشكلة أنه "ليس له اصل "اي ليست له جذور قوية ممتدة، أو ليس له عمق أرض. هذا النوع هوائي، ليست له عمق صلة مع الله، لذلك استمر في علاقة مع الله إلي حين، ثم جف. مع أنه قبل الكلمة حالًا بفرح.. إنها مأساة لأناس يقبلون الكلمة بفرح يقوله القديس بولس الرسول: "لأن كثيرين.. ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيا، وهو أعداء صليب المسيح (في18:3). وكمل الرسول فيقول "الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات "هؤلاء كانوا من مساعديه، من أوقي العاملين. آمنوا، وخدموا مع الرسول.. قبلوا الكلمة، وساروا مع الله شرطًا ومع ذلك يذكرهم الرسول الآن وهو باك، وقد صاروا أعداء صليب المسيح.... لعله من أمثلة هؤلاء ديماس، أحد مساعدي الرسول الكبار. الذي كان يذكره أحيانًا إلي جوار اسماء لوقا ومرقس الإنجيليين، وارسترخس.. ثم قال عنه الرسول أخيرًا "ديماس تركني لأنه أحب العالم الحاضر" (2تي10:4). نبت قليلًا بعد أن قبل الكلمة بفرح، ولكن "إذ لم يكن له اصل جف" بل احترق (مت6:13). ومن الأمثلة أيضًا "الذين بدأوا بالروح وكملوا بالجسد". فرق بين الذين يجفون أو يحترقون، والذين يفترون. ملاك كنيسة لاودكية كان فاترًا، وكانت أمامه فرصة للتوبة (زؤ3: 16، 19). وملاك كنيسة أفسس ترك محبته الأولي، وكانت له أيضًا فرصة للتوبة (رؤ2: 4، 5). وهناك نوع أصعب من هذين. وهو ملاك كنيسة سادرس، الذي قال له السيد المسيح: لك اسم إنك حي، وأنت ميت" (رؤ1:3). ولكن الجميل أن هؤلاء الملائكة الثلاثة، علي الرغم من سوء حالتهم، السيد أرسل لهم رسائل يدعوهم إلي التوبة.. هنا قلب المسيح الطيب الذي يتحنن حتى علي الذي لم اسم إنه حي وهو ميت.. إنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا، بل هو يدعو الكل إلي الخلاص.. ولكن. من هذا الذي ليس له أصل، وليست له جذور عميقة؟ هناك أشجار لها جذر عميق في الأرض مثل النخلة. وأشجار لها جذور تمتد عرضيًا بقوة مثل أشجار الكافور، ولها عمق أيضًا. والجذور القوية تستطيع أن تحمل الشجرة وتحمي الشجرة مهما صدمتها الرياح والزاوبع والرمال.... ونحن قد تعلمنا هذا الدرس من الأشجار، وطبقنا في المباني. فجعلنا لها أساسات قوية وعميقة من الخراسانات العادية والمسلحة، قواعد تربطها سملات عرضية. وكلما ارتفع البيت، يستعد له المهندسون بأساسات أقوي وأكثر عمقًا تحميه.. ولكن مسكين ذلك البيت الذي ليس له أساس ولا عمق، بل هو مبني علي الرمل، إنه يسقط مثل أوراق الشجر.... ما هي الجذور العميقة؟ أول جذر عميق يربط الإنسان بالله، هو الحب. لأن هناك أناسًا يتحركون في حياة الفضيلة، ويتحركون داخل الكنيسة حتى في حياة الخدمة، ومع ذلك لا يربطهم بالله حب، الواحد منهم يصلي ويصوم وليست له محبة إليهة، كما وبخ السيد المسيح أولئك اليهود الذين انطبق عليهم قول الرب في سفر إشعياء النبي "هذا الشعب قد أقترب إلي بفمه، وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيدًا (أش13:29) (مت8:15). يكومني بشفتيه تعني النبات الظاهر علي وجه الأرض. وقلبه مبتعد تعني عدم وجود جذور تربطه بالأرض. كم أناس يصلون، وقلبهم بعيد عن الله. ويرفعون أيديهم إلي الله رافض لهذه الصلاة، كما قال الرب لهؤلاء "حين تبسطون استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا اسمع. ايديكم ملآنة دمًا" (أش15:1). هؤلاء يصلون، ولكن لا محبة في قلوبهم من نحو الله والناس..! ولذلك يجف..... قد يوجد إنسان يجف، وهو داخل الكنيسة...! من الجائز أن هذا الإنسان يخدم، وله نشاط جبار يخدم في فروع عديدة، وفي بلاد وفي مؤتمرات، وله اسم وله شهرة. ومع ذلك ليس له أصل من الحب يربطه بالله... ربما تسمع عن نشاطه فتعجب به. فإذا اصطدمت به وعاملك بعنف، تعجب منه.. إنسان يجف وهو داخل الكنيسة، مثل إبنة يايرس التي ماتت وهي في بيت أبيها.ومثل الإبن الضال لكبير الذي اساء إلي إبيه (لو15: 28- 30). وقال لأبيه "ها أنا أخدمك سنين عديدة.. وقط لم تعطني جديًا لأفرح مع أصدقائي "وكأنه يصف أبه بالبخل والظلم.. إنه ان يخدم الأب، ولكن قلبه مبتعد عنه بعيدًا... أناس أثناء معجزة ظهور العذراء في الزيتون انتعشوا روحيًا... وربما نذروا نذورًا، وفرحوا بالرب، وصلوا وتناولوا، وتحدثوا في إعزاز عن كرامة العذراء والقديسين،ولكنهم إلي حين! وابحثوا عنهم تجدوا الشعور الروحي قد أنتهي. لقد أنتهي. لقد قبلوا المعجزة بفرح.. وهللوا بفرح.. وهللوا لها.. ولكن لم يكن في قلوبهم حب عميق نحو الله.. وإذ لم يكن لهم أصل جفوا.. من أهمية محبة القلب لله، يقول الرب: "يا ابني أعطني قلبك" (أم26:23). ولماذا تطلب يا رب هذا القلب؟ لكي أمد جذوره في الأرض، وأجعل له فروعًا في كل مكان، وأثبته وأقويه، فل يقتصر فقط علي العمل الخارجي.. الكل مؤمنون. ولكن هل الكل جذور قوية، تمتص الحياة وترسلها إلي الفروع، وتضخها ضخًا إلي الجذع والفروع والأوراق. ذلك يقل عن القلب أنه مضخة. وعصارة الحياة تصل إلي كل الشجرة. أما الشجرة التي ليس لها جذور فإنها تجف. الشجرة القوية خضرتها داكنة وقوية. فإذا لم تصلها عصارة الحياة من الجذور تبدأ تجف. وكيف؟ خضرتها تبعت قليلًا، ثم تصفر، وتفقد حيويتها، وتجف، وتسقط أوراقها. ما هي إذن المحبة الإلهية التي عندك، التي هي مضخة، توصل الحب إلي صلواتك، وأصوامك وتأملاتك، وخدمتك ومعاملاتك للناس. عندما بدأت حياتك: هل بدأتها بالسماع عن الله، أم بالإيمان القوي بالله؟ ولذلك كما قلنا إن المحبة هي جذر من الجذور القوية في النبات الروحي، نقول أيضًا: الأيمان هو اصل من الأصول القوية التي تحفظ الحياة. فهل عندك هذا الإيمان. أم دخلت الكنيسة وأنت طفل علي الإيمان واليك. وظللت حتى الآن علي إيمان والديك، وليس لك الإيمان الشخصي الذي ينمو في محبة الله؟! هل عشت بالإيمان. فإن كان لك الإيمان القوي، لا يمكن أن تجف. بل الذي له مثل هذا الإيمان، يقول مع المرتل: إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا (مز23). لماذا؟ لأن الرب معي. أنا أؤمن بوجود في حياتي، فلا أخاف مطلقًا أنني أجف حتى إن ضعفت، حتى إن سقط. فالكتاب يقول "إن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم19:24). إن بطرس كان له إيمان كبير بالرب، ومع ذلك سقط، ولكنه قال للرب: هذا سقوط ضعف، وليس سقوط خيانة. حدث ان بطرس الرسول سقط وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل، ومع ذلك قال للرب بعد القيامة "أنت تعلم يا رب كل شيء. أنت تعلم أني أحبك" (يو17:21). بعد سقطة بطرس بكي بكاءًا مرًا، لأن الجذر القوي مدة بالدموع وبالتوبة. وهكذا فالشخص الذي له أصل في الأرض، إن سقط يقول: "لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقط أقوم" (مي8:7). له أصل في الأرض، يقيمه إن سطق.والرب يقول إن الذي ليس له اصل "إذا حدث ضيق أو أضطهاد من أجل الكلمة، فحالًا يعثر" (مت21:13). لذلك يقال عن الذي يرتد في وقت الضيقة، إنه "ليس له اصل"، فجف وسقط.. لذلك لابد أن يكون للمؤمن أصول قوية، منها الحب، ومنها الإيمان. من ضمن هذا الإيمان، الإقتناع القوي بالحياة الروحية. يكون مقتنعًا بالفضائل، بكل تفاصيلها. ونحن نري مثلًا أن الإقتناع يدفع إلي العمل دفعًا قويًا. فالذي يكون مؤمنًا بأهمية كرامته الشخصية مثلًا. إذا ما مست هذه الكرمة تراه يثور لها، وتقوم الدنيا ولا تقعد بسبب ذلك. كذلك الذي يؤمن بأهمية الاتضاع والتسامح والوداعة مهما حاربه التأثر لكرامته يبقي إيمانه بالفضيلة وبالروحيات وإيمانه بالطيبة والوداعة والتسامح. جائز أن البعض يؤمنون بالفضيلة مجرد إيمان عقلي. أي أنه بعقله إن المغفرة أفضل من الحقد، والتسامح أفضل من انتقامه لنفسه. والاحتمال أفضل من الغضب والثورة. ولكن عملياًُ هذا غير موجود في حياته. إنه مجرد إيمان عقلي، وليس إيمانًا قلبيًا ولا عمليًا. إنه إيمان عقلي بالفضيلة، ولكنه في دائرة العقل فقط، وليس له اصل ولا جذور داخل القلب، إذا اختبر عمليًا لا يكون له وجود.. قيل إن الشياطين يؤمنون ويقشعرون. أنه مجرد إيمان عقلي، ليس له جذور، غير مبني علي حب إلهي، ولا إقتناع داخلي بالتنفيذ... لذلك أردكم لا أن أن تهتموا فقط بالأعمال الظاهرة.. إنما إهتموا بالأكثر بالعوامل الداخلية وليس الظاهرية في الإيمان والحب. لذلك فالشخص المؤمن إيمانًا عمليًا بالفضيلة والخير نحو الله والناس، إذا حورب فإن أصله الداخلي لا يسمح له بالسقوط. لذلك فإنها عبارة عجيبة ان يقول شخص: "فلان كان يحبني زمان، أما الآن فليرحمنا الله". يقول "فلان تغير. لم يعد كما كان أولًا "! لماذا هل هذا الحب لم يكن له أصل، فلما هبت الريح علي هذا البيت سقط. ولماذا سقط؟ لأنه لم يكن له اصل وأساس قوي ولم يكن له عمق.. والمعروف انه كلما يزيد الارتفاع لي مبني، لابد أن أساسه يزداد عمقًا وقوة ليحتمل كما في "ناطحات السحاب". وأنت بناؤك الروحي، ليس هو مجرد ناطحات سحاب، بل أنه يرتفع حتى السماء الثالثة بل يصل إلي أورشليم مسكن الله مع الناس (رؤ3:21). فلابد أن تعمق أساساتك، تجعل جذورك تمتد. وكلما تنمو يجب أن تجعل جذورك تمتد إلي تحت. لذلك فإنه من الجذور التي تحمي الإنسان: تواضع القلب. مهما إرتفع، تواضع القلب يحميه، أرتفع في مركزه في شعبيته، في قيمته عند الناس، لابد أن يكون عنده إنسحاق قلب نازل إلي تحت، تحت التراب، حتى أنه مهما إرتفع من الخارج، فإن جذور التواضع تجذبه إلي أسفل، وتقول له: أعرف من أنت؟ أنت مجرد تراب ورماد إرتفعت... هذا حقًا له اصل. للأسف كثير من الناس يهتمون بالأعمال الخارجية الظاهرية، ولا يهتمون بالجذور التي تحت. يقول واحد منهم "لا أريد أن أغضب". ويظل يكبت الغضب في داخله، ولا يلفظ بأية لفظة خارجة. يضبط لسانه ويحاول أن يضبط أعصابه، ولكن القلب من الداخل كله ثورة وسخط. وسكوت هذا الإنسان من الظاهر ليس له أصل. لذلك قد يضبط نفسه إلي حين.. وبعدها ينفجر! أما الإنسان المتواضع، فإن جذوره الداخلية تقول له: ألا تتذكر خطاياك. أنت فعلًا أخطأت في أشياء كثيرة، ولعلك تستحق ما يفعله هذا الإنسان بك... وهذا ما قاله بعض الآباء عن تحويل الخد الآخر.. قال: بينما يكون المسيء إليك قد لطمك علي خدك من الخارج، تكون أنت تلطم نفسك من الداخل بتوبيخك لنفسك وبتذكرك خطاياك. فيكون هناك توافق بين داخلك وخارجك. أما مجرد الاحتمال لنفسك الظاهري الخارجي مع ثورة القلب الداخلية، فإن هذا يوقعك في الثنائية المتعبة. وتجد نفسك في صراع بين ما هو كائن فيك، وما ينبغي أن يكون.... إنسان آخر قد يتقن صمت اللسان من الخارج، ولكن قلبه من الداخل يروي فنونًا وفيه أفكار كثيرة. إنه ليس له أصل، مهما حاول أن يمسك لسانه فلا يتكلم؟ حقًا إنه أمتنع عن الخطأ بلسانه، ولكن الخطأ في قلبه لا يزال موجودًا. إنه إنسان ليس له أصل، والله قاري الأفكار وفاحص القلوب، يعرف ما كان يريد هذا الإنسان أن يقوله.. كإنسان يصوم من الخارج، وليس له زهد في الداخل. هو يصوم الأربعين المقدسة، وأسبوع الآلام، ثم يقول "انتقمت لنفسي في أيام الخمسين، ومهما اشتهته عيناي في تلك الأيام لم أمنعه عنهما.. إنه إنسان ليس له أصل في الصوم، كالذي يصوم وهو يحاول أن يتحايل علي الصوم بالتفنن في الأطعمة الصيامية وصنعها بطريقة مشتهاة.. إنه يصوم ولا ينتفع بالصوم، وذلك بسبب أسلوبه الخاطئ، ولأنه ليس له لأنه أصل في الزهد في المادة وفي شهوات الجسد، وليس له أصل في الاهتمام بالروح والسمو بها..... |
||||
20 - 01 - 2014, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
طرق تبدو مستقيمة هناك آية تكررت مرتين بنفس النص في سفر الأمثال وهي: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت" (أم12:14). وهي بنفسها في (أم25:16). ولابد أن لهذا التكرار أهمية خاصة، في التركيز علي نفس المعني. فما هو هذا المعني؟ لعل المقصود اولًا، أن الإنسان لا يجوز له أن يعتمد علي مجرد رؤيته الخاصة للأمور وفهمه الخاص. فمن الممكن أن يخطئ، ويظن أن الخير له في طريق تضره. ولذلك يقول الكتاب في نفس السفر: وعلي فهمك لا تعتمد" (أم5:3). ولذلك لا يجوز للإنسان أن ينفذ كل ما يطرأ علي ذهنه من أفكار، أو من رغبات، قد تبدو له سليمة، بينما تتعبه أخيرًا.. إذن فهمك وحده، لا تعتمد عليه، ولا تثق ثقة مطلقة بكل أفكارك وأتجاهاتك... هوذا الكتاب يلوم الإنسان "الحكيم في عيني نفسه...". ويقول "أرأيت إنسانًا حكيمًا في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم 12:26). إن الحكيم في عيني نفسه، يسير حسب فكره، وحده. وربما يري إحدي الطرق مستقيمة، بينما عاقبتها طرق الموت. أول خطية للإنسان، كانت تبدو له مستقيمة، بينما عاقبتها الموت. قالت الحية في إغرائها للأكل من الشجرة "تصير مثل الله، عارفين الخير والشر "ولكن هذا الإغراء لم يتحقق، ووقع الإنسان تحت حكم الموت، وطرده الله من الجنة.. والشيطان نفسه، كانت طريقة تبدوا مستقيمة! وذلك حيث قال "اصعد إلى السموات. ارفع كرسي فوق كواكب الله.. أصعد فوق مرتفعات السحاب. وأصير مثل العلي" (أش14: 13، 14). وكانت النتيجة أنه "انحدر إلي الهاوية، إلي اسافل الجب "وفقد مركزه كملاك، وانفصل عن الله إلي الأبد آدم دفعه الشيطان. أما الشياطين فدفعته شهوة قلبه الردية. حقًا كم من أناس تجذبهم طرق تبدو أمامهم مستقيمة، كالباب الواسع والطريق الرحب...! وقد حذر الرب من هذا الطريق في أخر العظة علي الجبل. وقال عن هذا الباب الواسع إنه "يؤدي إلي الهلاك. وكثيرون يدخلون منه" (مت13:7). وعكس ذلك الباب الضيق والطريق الكرب المؤدي إلي الحياة.. ولا شك أن كثيرين ربما يختارون الباب الواسع، ويظنون الطريق الرحبة هي الطريق المستقيمة!! إذا لا تعتمد علي كرك فقط، فربما يضيعك. الأبن الضال كان يري ان الخروج من بيت أبيه طريقًا مستقيمة!(لو15). ستؤدي به إلي الحرية والمتعة، وصحبة الأصدقاء، والإنفاق كما يشاء، وعدم الخضوع لقيود وأوامر ووصايا من الأب أو من نظام بين ابيه، ولكن هذه الطريق التي كانت تبدو أمامه مستقيمة، كانت نتيجتها هي ضياعه! نفس الوضع مع رحبعام، كان يري أن طريق السلطة والكرامة هي الطريق المستقيمة. كان يري أهن ليس مع الحكمة ان يتمرد أفراد الشعب علي سلطانه، قال لهم في إعتزازه بالقوة "ابي أدبك بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب. أبي ثقل نيركم، وأنا أزيد علي نيركم" (1مل14:12). فكانت النتيجة أن عشرة أسباط إنقسموا عليه، وكونوا لهم مملكة مستقلة عنه!! مشورة أخيتوفل، كانت تبدو مستقيمة فعلًا! كان أخيتوفل مشيرًا لداود النبي والملك، قبل إنشقاقه عليه. وكان حكيمًا في نظر الناس "كانت مشورة أخيتوفل التي يشير بها في تلك الأيام، كمن يسأل بكلام الله" (2صم 23:16). كانت في نظر الكل مستقيمة، بينما "عاقبتها طرق الموت" لذلك صرخ داود إلي الرب قائلًا "حَمِّق يا رب مشورة أخيتوفل" (2صم31:15). شاول الطرسوسي في إضطهاده للكنيسة، كان تبدو له طريقة مستقيمة. ولذلك قال مرة مفتخرًا "من جهة الناموس فريسي. من جهة الغيرة مضطهدة للكنيسة" (في6:3). كان يسمي إضطهاد الكنيسة غيرة مقدسة! وفي سبيل هذه الغيرة "كان ينفث تهديدًا وقتلًا علي تلاميذ الرب "وكان حتى ظهر له الرب، وأبعده عن هذه الطريق التي تبدو مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت... نفس الوضع بالنسبة إلي نيرون ودقلديانوس... وكل اباطرة الرومان الذين اضطهدوا المسيحية بكل عنف وقسوة، ومعهم ولاتهم الجبابرة أمثال اريانوس وإلي انصنا.. أولئك الذين افتنوا في وسائل تعذيب المسيحيين، وسجنهم وقتلهم. وكانوا يظنون أن تلك هى الطريقة المستقيمة،حفظا لديانتهم الوثنية من خطر عبادة الله الحى... قيافا رئيس الكهنة، ومعه مجمع السنهدريم، في إتهامهم للمسيح. وكانوا يرون ان تلك طريق تبدو مستقيمة، للتخلص من هذا المسيح الذي قالوا عنه إن الكل قد سار وراءه. وهكذا عقدوا مجمعًا وقالوا "ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. فإن تركناه هكذا، يؤمن الجميع به، فيأتي الرومان ويأخذون موضعنًا وأمتنًا!! وقال قيافا رئيس الكهنة في تلك السنة "خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة لها "!!(يو12: 47- 50). وبنفس الغيرة التي تبدو مستقيمة، القي دانيال في جب السود، والثلاثة فيتة في أتون النار (دا6:3). وبنفس الشعور تقريبًا صاح أهل أفسس في ثورة عارمة دفاعًا عن آلهتهم قائلين "عظيمة هي أرطاميس الأفسسيين" (اع34:19). وامتلأت المدينة غضبًا. وأشكر أن يقتلوا القديس بولس الرسول في ذلك اليوم. إنها طريق تبدو لهم مستقيمة، تدفعهم إليها غيرة جاهلة! سليمان الحكيم في كثرة زيجاته ومتعه، كان يظنها طريقًا مستقيمة. وهكذا شرح كل متعة في سفر الجامعة (2: 4-10). وقال "عظمت عملي فعظمت وإزددت أكثر من جميع الذين كانوا قلبي في أورشليم. وبقيت أيضًا حكمتي معي. ومهما إشتهته عيناي لم أمسكه عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح".. واخيرًا أضاعته كل هذه المتع، واضاعته نساؤه، واملن قلبه وراء آلهة أخري. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه، كقلب داود أبيه" (1مل4:11). وأخيرًا عرف أن كل ذلك باطل وعاقبته طرق الموت....... العجيب ان كل إنسان تبدو طريقة جميلة في عينيه. فكره هو أحسن فكر، ورأيه هو أفضل رأي! وتصرفه هو أحكم تصرف! ويعارض كل رأي يخالفه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وكما قال الكتاب "كل طرق الإنسان نقية هي عيني نفسه. والله هو وازن الأرواح" (أم2:16). حتى الذي يعيش في الملاهي والخمر والمخدرات... يظن واهمًا أن سعادته في هذا اللهو، والسكر، وفي المخدرات التي تنقله إلي عالم آخر، وعاقبتها طرق الموت.. طريق تبدو أمامه مستقيمة تدفعه إليها الشهوة.. وربما بسببها يسرق ويحتال ويقتل، ليصل إلى هذه المتعة الجميلة في عينيه... حتي طوائف المبتدعين والهراطقة، يظنون طريقهم مستقيمة! وليسوا فقط يتمسكون بها بل ويدعون الناس إليها، ويحاورون من أجلها في إصرار أو في عناد شديد. ويحاربون الإيمان السليم في عنف وبكل الوسائل، ويستخدمون الكتاب المقدس في محاولة لإثبات هرطقاتهم.. طريق تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت.. يقول كل واحد: مذهبي احسن مذهب، وعقيدتي أصح عقيدة. والباقون مخطئون. التلميذ الذي يعيش في الأمتحان، ألا يجد طريقة مستقيمة؟! طريقة سهلة في الوصول إلي النجاح بأسهل السبل، بدون تعب ومشقة! بينما قد تؤدي به إلي الرفت، وعاقبتها طرق الموت..!! كذلك الإنسان الذي ينتقم ويتشفي، ولو بمؤامرات، تسأله، فيقول: لابد أن أنتصر مهما كان الأمر، وأكون أنا الأقوي. ويسمي تصرفه إنتصارًا.. إنها طريق تبدو مستقيمة. وقس علي ذلك أمثلة لا تحصي. أسباب 1) جائز الطريق تبدو مستقيمة، بسبب الجهل. او نتيجة التعليم الخاطئ، يقبله إنسان ساذج أو جاهل، فيظنه أنه الحق، ويتمسك به ويدافع عنه، وربما ثقة بمعلمه، أو لأنه لم يسمع كلامًا مقنعًا عكس هذا الكلام. فيبدو أمامه هذا الفكر مستقيمًا، ويعتنقه.. وعاقبته طرقة الموت. ولذلك قال الرب "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4). من أجل ذلك كانت التوعية السليمة لازمة في كل المجالات: في الدين، في الروحيات في العلم، في الإجتماع، في السرة، في كل مجال.. لتقديم الفكر السليم الروحي... بالتوعية أمكن لنا بنعمة الله إصلاح ما كان يحدث في (الموالد) وفي (المأتم) وأبطلت كثير من الأعمال الخاطئة، التي كان الناس قد تعودوها، وكانت تبدو لهم مستقيمة. 2) جائز تبدو الطريق مستقيمة، من أجل شهوة في القلب. وهذه الشهوة مسيطرة، ويمكنها أن تخضع العقل لها! حتى إنني قلت كثيرًا: ما اسهل أن يكون العقل خادمًا مطيعًا لرغبات النفس! وهكذا تعمل كل قواه العقلية في إثبات صحة ما يشتهيه وفائدته وشرعيته، ويبدو طريقة أمامه مستقيمة! كإنسان يجد سعادته في تطليق زوجته، يظل يبحث عن اسباب، ويقنع نفسه ويحاول ان يقنع غيره، بكافة الإثباتات، أن تطليق هذه الزوجة هي الطريق المستقيمة لأنها الحل الوحيد لساعدته وعاقبتها طريق الموت. ومثال ذلك أيضًا من يحب امرأة من غير دينه، ويتعلق قلبه بها، ويحب ان يتزوجها مهما ضحي، حتي بدينه! الشهوة دائمًا تعمي العقل عن الرؤية السليمة. 3) ممكن تصير كل طريق مستقيمة، إذا تحول العقل إلي الدهاء. إلي لمكر، إلي الحيلة، أو التحايل، الذي يستطيع أن يجد حلًا لكل مشكلة، وله مسالك كثيرة، ويجعل كل التصرفات تلبس ملابس بيضاء لاخطأ فيها.. والعجيب أن الناس قد يمتدحون هذا العقل في كل حيلة ويقولون "فلان ده جن "!! كما لو كان وصفه بالجن مديحًا!! وتبدو الطريق مستقمة... 4) قد يبدو الطريق مستقيمة، بتأثير الصحبة الشريرة. التي تقدم للعقل أساليب جديدة، وتبرر له كل مسلك خاطئ، بل قد تغير تفكيره تمامًا، وتعمل له ما يسميه البعض "غسل مخ" فيتغير، ويقبل ما كان يرفضه من قل، ويعتبره طريقًا مستقيًا... 5) من الجائز أن التعلق بالمادة والعالميات، يصور أمورًا كثيرة بأنها مستقيمة. هل تظنون ان التمسك بالروحيات، وعدم محبة العالم وما فيه، والزهد في الماديات. هل كل هذه تبدو عند الناس مستقيمة، كلا، طبعًا. بل يظنون العكس هو وضع السليم لأن المبادئ غير راسخة فيهم. يقول الرسول عن أمثال هؤلاء "الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلهتهم بطونهم، ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في19:3). مع أن هذه الأرضيات، عاقبتها طرق الموت... بل إنهم ينتقدون الشخص الروحي، ويقولون عنه إنه إنسان مسكين، محروم من الدنيا. كما لو كانت الدنيا هي الهدف وهي الطريق المستقيمة. ولاشك أن هؤلاء يحاربون التكريس والطريق الروحي، ويلومون من يسيرون في هذا الاتجاه، لنهم في نظرهم مساكين لم يتمتعوا بالدنيا!! ولكي ينجو الإنسان من طرق الموت، لابد أن يرجع إلي الله ويعرف بطلان هذا العالم. هذه الحقيقة هي التي عرفها سليمان الحكيم، بعد أن تاه طويلًا في متع العالم، واكتشف أخيرًا أن كلها باطل وقبض الريح. |
||||
20 - 01 - 2014, 04:56 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
هل الجسد عائق للفضيلة؟ ومتى يكون عائقًا لها؟ أحب أن أقول أولًا أن الجسد ليس خطيئة في ذاته: الجسد ليس خطيئةليس الجسد شرًا في ذاته، لأسباب عديدة: 1) لو كان الجسد شرًا، ما كان الله قد خلقه. ونلاحظ أنه خلق الله الإنسان -وله هذا الجسد- ونظر الله إلي كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك31:1). 2) لو كان الجسد شرًا في ذاته، ما كان السيد المسيح قد تجسد، ولبس جسدًا مثلنًا. وقيل عنه "والكلمة صار جسدًا" (يو14:1). 3) لو كان الجسد شرًا، ما كان الكتاب يقول "ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم.." (1كو19:6). وما كان يقول أيضًا "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء للمسيح" (1كو15:6). 4) لو كان الجسد شرًا، ما كان الكتاب يقيم هذا الجسد!! يقول "ويكفي أن الإنسان قد احتمله علي الأرض، ولا داعي أن يحتمله أيضًا في الأبدية!! 5) لو كان الجسد شرًا، ما كان الله يمجد هذا الجسد في القيامة، فيقوم جسدًا روحيًا وجسدًا سماويًا (1كو15: 44، 49). "يقام في قوة، وفي مجد، ويلبس عدم موت" (1كو15: 43، 53). بل يكون ممجدًا في شبه جسد الرب الممجد، ما يقول الرسول عن الرب "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده" (في21:3). 6) لو كان الجسد شرًا، ما كان الكتاب يقول "قدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة..." (رو1:12). بل ما كان يقول "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). وعلي الرغم من كل هذا يتحدث الكتاب ضد الجسد (رو8). و"أعمال الجسد" (غل19:5). والاهتمام بالجسد، والسلوك حسب الجسد (رو8: 1-9). 7) فعن أي جسد يتكلم؟ إنه لا يتكلم عن الجسد في ذاته، أو الجسد بصفة عامة، إنما عن الجسد الخاطئ. الجسد الخاطئ * إنه الجسد الذي يقاوم الروح... هذا الذي قال عنه الرسول "لجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل17:5). هذا الجسد الخاطئ، ذكر الرسول في نفس الرسالة أمثلة عديدة من أعماله الخاطئة (غل5: 19-21). * الجسد الخاطئ هو الجسد الشهواني. وشهواته مادية ونجسة. ولذلك يقول الرسول "اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد" (غل16:5). وشهوة الجسد قد تكون "الزني والنجاسة والدعارة" (غل19:5). وقد تكون شهوة البطنة هي في الطعام والشرب والسكر. أو قد تكون في شهوة أمور حسية نتحول إلي عادة مسيطرة أو إلي إدمان، مثل التدخين والمخدرات... * الجسد الخاطئ هو الذي يقود الروح والنفس إلي الخطأ. فحينما تخطئ حواسه، تشرك معها نفسه وروحه،فيتدنس الإنسان كله روحًا وجسدًا. كما قال الرب "من نظر إلي امرأة وليشتهيها، فقد زني بها في" (مت28:5). فهناك اشتراك بين الجسد في نظره، وبين النفس في شهواتها، والروح التي يمثلها القلب.... انظروا إلي سليمان كيف أخطأ حينما أستسلم إلي شهوات الجسد. وقال "بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا.، عملت لنفسي جنات وفراديس... جمعت لنفسي أيضًا فضة وذهبًا. أخذت لنفس مغنيين ومغنيات، وتنعمات بني الشر سيدة وسيدات.. ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما" (جا2: 4-10). وهكذا عاش حياة جسدانية. وسقط عن طريق النساء (1مل11). بل تقول عنه الكتاب إن "نساءه أمان قلبه وراء آلهة أخري. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب "ر1مل4:11). وهكذا استطاع جسده أن يهوي بروحه إلي عمق الخطية. ولم يمجد الله في روحه، ولا في جسده. بل سقط كله! حقًا ما أعمق العبارة التي قالها القديس بولس الرسول: "ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت؟!" (رو24:7). أعضاء خاطئة قد لا يخطئ الجسد كله، ولكن يخطئ عضو واحد منه، فيتدنس الجسد كله، ويدنس الروح معه أيضًا. * خذوا اللسان كمثال، وهو عضو صغير. ولكن كما يقول القديس يعقوب الرسول "هكذا اللسان أيضًا، هو عضو صغير ويفتخر متعظمًا. هوذا نار قليلة، أي وقود تحرق. فاللسان نار، عالم الإثم.. الذي يدنس الجسم كله. ويضرم دائرة الكون ويضرم من جهنم" (رسالة يعقوب 3: 5، 6). انظروا كم هو عدد الخطايا، التي يقع فيها الإنسان لسقطات اللسان، كما يقول الكتاب "كلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت37:12). بل باللسان يتنجس الإنسان، كما يقول الرب".. بل ما يخرج من الفم، هذا ينجس الإنسان" (مت11:15). وكما نذكر دنس اللسان، نذكر دنس العين أيضًا. فإن كانت محبة العالم هي عداوة لله كما قال القدس يعقوب الرسول (يع4:4)... فهوذا القديس يوحنا الرسول يقول "إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب , لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة" (1يو2: 15،16). شهوة العين التي وقعت فيها أمنا حواء، لما نظرت إلي الشجرة فإذا هي "بجهة للعيون، وشهية للنظر" (تك6:3). ما أكثر الخطايا التي تقع فيها العين. حينما ينظر الإنسان نظرة شهوة، أو نظرة غضب أو حقد، أو نظرة جسد أو انتقام، أو نظرة كبرياء أو استهزاء بالغير، أو ينظر نظرة ماكرة، أو نظرة قاسية.. وتتعدد الخطايا، وتظهر صورتها واضحة في العين. أو أكثر الأعضاء الأخرى التي تخطئ.. اليد التي تسرع إلي الضرب، أو إلي القتل، أو إلي السرقة، أو إلي خطايا أخرى عديدة...... والقدم التي تسرع إلي أماكن الخطية...... أو ملامح الوجه، التي تظهر عليها الكبرياء، أو الغضب، أو القسوة.. وكل هذه ناتجة عن نزوات الجسد أو انفعالاته أو شهواته.. لهذا كله ولغيره، تحدث الكتاب عن إخضاع الجسد. إخضاع الجسد · لعل من أهم الآيات وأخطرها في إخضاع الجسد، هو قول القديس بولس الرسول "بل أقمع جسدي واستعبده. حتى بعد ما كرزت لآخرين، لا أصير أنا لنفسي مرفوضًا" (1كو27:9). إنها عبارة مرعبة يقولها هذا القديس الذي صعد إلي السماء الثالثة (2كو2:12). والذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو10:15). لكي يرينا بهذا خطورة الجسد وأهمية إخضاعه وقمعه واستعباده..... · من الأقوال البارزة أيضًا في إخضاع الجسد، هي قول الرسول "ولكن الذين هم لمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل24:5). أي أن كل شهوة للجسد ضد السلوك بالروح، يدقون فيها مسمارًا ويصلبونها، فلا تتحرك فيهم فيما بعد. ومن الوسائل الهامة لإخضاع الجسد، فضيلة الصوم. سواء من جهة إخضاع الجسد بالامتناع عن الطعام، وبتحمل الجوع، أو بالامتناع عما تشتهيه من الأطعمة، كما قال دانيال النبي في صومه "لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي ولا خمر" (دا3:10). وإن لم تستطيع الامتناع الكامل، فلتقلل وكما تمنع جسدك عن الآكل، تمنعه عن الشهوات الأخرى. ومن وسائل إخضاع الجسد، ضبط الحواس، واللسان. ضبط النظر، والشم واللمس. وكما قال الرب في العظة علي الجبل "إن كانت عينك اليميني تعثرك فاقلعها والقها عنك. وإن كانت يديك اليميني تعثرك، فاقطعها والقها عنك" (مت5: 29، 30). علي الأقل تقطع شهواتها... من وسائل ضبط الجسد أيضًا السهر. ونقصد به السهر في الصلاة والعبادة. كما قال الرب "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة" (مت41:26). وكما قال أحد الآباء "اغصب نفسك في صلاة الليل، وزدها مزامير"... ومن وسائل ضبط الجسد: الزهد والنسك. علي الأقل البعد عن الترفيهات والكماليات، وعن المبالغة في الزينة العالمية، فقد ركز الرسول علي "زينة الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط4:3)،المهم هو أن تتزين بالروح بالفضائل. كما يقول عنها في النشيد "معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3). وليعرف الإنسان أن الجسد ليس للمتعة والترفيه. بل هو لتمجيد الله، كما قال الرسول "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). كيف نمجد الله بأجسادنا؟ 1) باشتراك الجسد مع الروح في عملها. الروح مثلًا تصلي، والجسد يشترك معها في الوقفة الخاشعة، وفي رفع اليدين وحفظ الحواس، وفي الركوع والسجود. نقول ذلك لأن البعض يخطئون ويظنون أن الله "إله قلوب "فقط فلا يهتمون باشتراك الجسد!! وقد يصلون وهو جلوس، وربما وهم مستلقون علي الفراش!! أو بعض الأجانب لا يخلعون أحذيتهم في دخولهم إلي الهيكل ناسين قول الكتاب "اخلع حذاءك من قدميك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه موضع مقدس" (خر5:3). (يش15:5). 2) نمجد الله بتعب الجسد في الخدمة. كما قال الرسول عن خدمته "في أعاب أسهار في أصوام" (2كو5:6). وأيضًا في الأتعاب أكثر. بأسفار مرارًا كثيرة. بأخطار في البرية، بأخطار في البحر. في تعب وكد، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة، في برد وعري." (2كو11: 23-27). آباؤنا كانوا في خدمتهم وفي بذلهم كالشمعة التي تذوب لكي تضئ للآخرين. لذلك نوقد الشموع أمام أيقونات القديسين، لأن حياتهم كانت نورًا، ولأنهم بذلوا أنفسهم في خدمتهم وعبادتهم. 3) آباؤنا الشهداء لاشك مجدوا الله بأجسادهم. ولذلك فالكنيسة ترفع الشهداء فوق درجات القديسين الآخرين، لأنهم تألموا كثيرًا من أجله. وكما يقول الكتاب "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد معه أيضًا" (رو17:8). 4) أما نحن فعلي الأقل فلنمجده بتعب الجسد. كان القديس الأنبا بولا يتعب كثيرًا بالجسد وفي جهاده الروحي، حتى ظهر له الرب وقال له "كفاك تعبًا يا حبيبي بولا "فرد القديس "وماذا يكون تعبي إلي جوار ما بذلته لأجلنا يا رب". 5) إننا نمجد الله أيضًا عن طريق طهارة الجسد. حتى يستريح روح الله في داخلنا، إذ يجد أجسادنا هياكل مقدسة له.. وحتى بطهارة الجسد نقدم للناس الصورة الإلهية، وأيضًا نستطيع التقدم إلي الأسرار المقدسة، ونتطهر بها أيضًا.. ومن مظاهر هذه الطهارة العفة، والحشمة. أجساد القديسين هؤلاء القديسون الذين مجدوا الله في أجسادهم، مجد الله أجسادهم كذلك. مثال ذلك جسد العذراء الذي اصعده إلي السماء. وكذلك البركة التي كانت تمنح لهذه الأجساد، حتى أن عظام أليشع كان لها البركة التي ميت فقام (2مل21:13). وقد مجد الله أجساد القديسين حتى في حياتهم. مثل وجه موسى النبي الذي أضاء بنور مقابلته للرب الجبل، حتى أن الشعب لم يستطع النظر إيه، فوضع علي وجهه برقعًا، ليمكنهم النظر إليه (خر34: 30-35). ومثل وجه استفانوس الشماس الذي أثناء محاكمته "شخص إليه جميع الجالسين في المجمع ورأوا وجه كأنه وجه ملاك" (أع15:6). ومن أمثلة ذلك المناديل، والعصائب التي كانوا يأخذونها من علي أجساد الرسل فتشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (أع12:19). |
||||
20 - 01 - 2014, 04:57 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
من عوائق الفضيلة: التساهل مع الخطية كثيرون يبدأون مع الله بداية طيبة، مشتعلة بالحب، ولكنهم لا يستمرون، وتبرد فيهم هذه المحبة الأولي، فما السبب؟ من ضمن الأسباب البارزة: التساهل مع الخطية ومع النفس... كيف سقط الإنسان الأول؟ سقط بالتساهل مع الخطية. تساهل لنفسه أن يجلس إلي الحية ويسمع منها كلامًا ضد الوصية، فقاده إلي الإغراء، ثم إلي الضعف فالسقوط. لم تكن حواء حازمة مع الفكر الخاطئ الذي قدمته الحية. إنما قبلته، وناقشته، ثم استسلمت له وانتصر عليها الفكر ثم تطورت إلي خطايا أخري كثيرة. وفقدت بساطتها، ونقاوتها....... كثيرون سقطوا نتيجة للتساهل وعدم التدقيق، كما في سفر القضاء. يحكي لنا هذا السفر، كيف أن بني إسرائيل وقعوا في عبادة الأصنام، وعبدوا آلهة الأمم. وعبدوا ملوك الأمم، واسلمهم الرب إلي أيدي أعدائهم فأذلوهم. فكيف حدث هذا؟ نبحث عن سبب هذا السقوط وهذا الذل، فنجد أنهم لما دخلوا الأرض، استبقوا بعض الكنعانيين فيها، مجرد إهمال، أو تساهل، أو رغبة في فائدة معينة. ثم اختلطوا بهم وزادت الصلة، وتزاوجوا منهم. وتطور الأمر إلي أمر عبدوا آلهتهم.. وكل هذه المشكلة سببها التساهل في الاختلاط بالأمم! لا تظنوا أن الشيطان عندما يوقع الناس، يبدأ بضربة قاضية! كلا، بل قد يبدأ بشيء بسيط، ثم يتدرج به... قال عنه أحد الآباء إنه "فقال حبال" وحباله طويلة إلي أبعد الحدود. قد يرسم خطة لعشرة سنوات، يسقط فيها إنسانًا بعد هذه المدة، بسياسة المدى، سياسة التدرج والنفس الطويل، بطريقة قد تبدو غير محسوسة...! فلنأخذ مثالًا آخر للسقوط التدرجي، هو شمشون الجبار. إنه رجل الله، الذي حب عليه روح الرب. كن يسكن في أورشليم، وتساهل في أن يذهب منها أحيانًا إلي غزة. وفي غزة وجد لذة لنفسه، فكثر تردده عليها، وأقام، وأتخذ له إمرأة. ثم تدرجت علاقاته الخاطئة، إلي أن تعرف أخيرًا علي دليلة، وتدرج معها حتى باح لها أخيرًا بسره، وبنذره وسقط السقوط الأكبر الخطير. ومتى صحا لنفسه، أخيرًا. بعد أن فقد بصره، وأذله أعداؤه، وطلب إلي الرب أن تموت نفسه معهم....! يعقوب أبو الآباء تساهل في غلطة تحولت عنده علي طبع. تساهل مع نفسه، في استخدام الحكمة البشرية، بدلًا من مشيئة الله، فاعتمد علي ذكائه ودهائه وجلب لنفسه الويل. استخدم ذكاءه وحيلته لما وجد أخاه جائعًا ويطلب منه طعامًا، فأتخذها فرصة لن يشتري بكوريته. ثم استخدم أيضًا الحيلة والعمل البشري لما خدع أباه واخذ البركة. واستخدم نفس الأسلوب في الإستيلاء علي غنم خاله لابان. واستخدم الفكر البشري في النجاة من أخيه عيسو، وصار هذا الأمر طبعًا تطبع به... وقد أدبه الرب بأن أذاقه من نفس الكأس، فسمح أن يخدعه خاله في تزويجه من ليئة، وأن يخدعه أبناؤه في قولهم له إن يوسف قد افترسه وحش رديء.. إن يعقوب لم يترك تصريف أموره لله منذ البدء، وتساهل في استخدام الحيل البشرية، حتى تمكن منه هذا الطبع. وكثيرون وقعوا في نفس الخطية، تركوا الوصية جانبًا، ولجأوا إلي الحكمة البشرية والذكاء الخاص، لعلهم يصلون بهذا! كثير من السرقات الروحية، تأتي بالتدريج البطئ، الذي لا يحس. إن الهبوط المفاجئ الشديد، يتنبه له الإنسان، ولكنه قد ل يشعر بالنزول التدريجي البطئ، فتسرقه خطة الشيطان، لهذا ما اجمل قول الكتاب في سفر نشيد الأناشيد: "خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغيرة، والمفسدة للكروم"... أن الثعلب الكبير الماكر قد يلفت نظرك، وقد يقتحم اسوارك بصعوبة، أما الثعالب الصغيرة، فإنها قد تجد لها مدخلًا إليك، من أي ثقب بسيط داخل نفسك لست ملتفتًا إليه: كثيرون سقطوا، لأنهم وقعا فيها نسميه بالصحو المتأخر. اي أنهم لم يستيقظو لأنفسهم ويعرفوا حالتهم إلا متأخرين، بعد ان تمكنت الخطية منهم. وسنضرب لذلك أمثلة: لنأخذ مثال لوط، وكيف صحا متأخرًا جدًا، فسقط كثيرًا. بدأت خطة الشيطان بفصله عن أبينا إبراهيم، عن القدرة الصالحة، عن رجل الله، وعن المذبح والإرشاد الإلهي، وتساهل لوط في هذه النقطة، ووافق أن يسكن بعيدًا ثم وافق أن يختار لنفسه، وفي الإختيار سقط في محبة الأرض المعشبة، وهكذا أختار سادوم علي الرغم من فسادها.. وفي سكني سادوم، تدرج أيضًا فلم يدخل في أعماقها مرة واحدة. ولكنه ما لبث أن اختلط بأهلها، ثم تزاوج معهم. ووقع معهم في السبي، لم يستيقظ ضميره. وظل في المدينة كان الرجل البار يعذب نفسه يومًا يومًا في الاختلاط بهؤلاء الأشرار (2بط8:2). وأخيرًا متي صحا؟ عندما جاءه الملاكان ينذر أنه بهلاك المدينة وخرج منها. وقد فقد كل ما كان له حتى زوجته. كان لوط درسًا. فلنأخذ مثالًا لتدقيق القديسين، من قول الكتاب: "كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم، تعطون عنها حسابا في يوم الدين". لم يفهم القديسون عبارة (الكلمة البطالة) علي أنها الكلمة الشريرة مثل الكذب والشتيمة والتجديف والإدانة، وإنما فهموا الكلمة البطالة، علي أنها كل كلمة ليست للمنفعة، ليس للبنيان لا تبني نفس السامع، ولا تبني الملكوت. وهكذا صمتوا، لا يتكلمون إلا بحساب، حينما يرون ان كلامهم سيكون للبنيان. الروحي. لاشك أن الذي يدقق في كلامه، بحيث لا يلفظ إلا بكلام نافع روحيًا، ليس من السهل أن يلفظ بكلمة شريرة.. أن التدقيق هام جدًا، تري له مثالًا في وصية الرب: "إن اعثرتك عينك فاقلعها عنك. وإن أعثرتك يدك اليمني فاقطعها." إلي هذا الحد، طلب الرب منا أن ندقق. من أمثلة التساهل مع الخطية، التساهل مع الأفكار..... فبينما يقول بولس الرسول "مستأسرين كل فكر إلي طاعة المسيح"، نجد إنسانًا يتساهل مع الفكر، فيتحول إلي شعور. ويتساهل مع الشعور، فيتحول إلي شهوة، ويتساهل مع الشهوة فتحاول أن تجد منفذًا إلي الخارج تعبر به عن ذاتها بأشياء علمية،وإن تساهل مع هذه الأشياء العملية، تتردج به خطوة خطوة، حتى تقتلع كل روحياته من جذورها. قد تتساهل مع الفكر، تقبله، تناقشه، ثم يتمكن منك، فتحاول أن تتخلص منه ولا تستطيع، لأنه ثبت أقدامه داخلك بتساهلك. ولا شك أنك كنت تقوي عليه في بادئ الأمر. هناك أشخاص في منتهي الحزم، لا يتساهلون مع أنفسهم. لهم رقابة شديدة علي أنفسهم، رقابة علي كل فكر، علي كل شعور، علي كل حس علي كل تصرف، عي كل لفظ. وأحيانًا يبدأ الإنسان بهذا الحزم، في أول علاقته مع الله ولكنه بعد حين يتساهل. يسمح لأشياء تدخل إلي نفسه، وهذه الأشياء تكبر، ويبحث عن روحياته فلا يجدها. الإنسان الروحي لا يتساهل، حتى مع الأشياء التي تبدو بسيطة. إن الذي يحترس من الأشياء الصغيرة، لا يقع في الكبائر. قالت القديسة سارة في النسك "إن فمًا تمنع عنه الماء، لا يطلب خمرًا. وبطنًا تمنع عنها الخبز، لا تطلب لحمًا". يحتاج الإنسان أن يكون مدققًا جدًا في كل تصرف، لا يوسع ضميره، ويقول: هذا الأمر بسيط، ولا تأثير له.. الشيطان يخاف أولاد الله الحقيقيين، لأنهم صورة الله ومثاله، ولأنهم هيكل للروح القدس، ولأن الله يعمل فيهم ونعمته معهم. لهذا كان الشيطان يهرب خائفًا أمام القديسين لما نفي القديس الأنبا مقاريوس إلي جزيرة فيلا، فحالما رآه شيطان كان علي إبنه كاهن الأصنام، صرخ الشيطان قائلًا "ويلاه منك يا مقارة، تركنا لك البرية، فجئت إلي هذه الجزيرة لتطردنا منها أيضًا". وقصص خوف الشيطان من القديسين كثيرة جدًا. ولكنه يجس نبض المؤمن العادي ويختبره: من أي نوع هو: فإن وجده مترائيًا أمامه، ويقيل أفكاره، ويفتح له أبوابه، ويخون الرب بسببه، حينئذ تسقط هيبة هذا الإنسان، ويلعب به الشيطان! وإذ يسلم الإنسان نفسه للشيطان، إنما يبعد عنه الملائكة التي تحرسه، ويرفض العمل الإلهي فيه. كلما يتساهل الإنسان مع الخطية، علي هذا القدر تضعف إرادته، وتفتر محبته، ويقل احتراسه، ويفقد صلابته... إنك تكون في ملء قوتك في بداية الحرب الروحية، وكلما تتساهل تضعف، وتجد أن مقاومتك قد قلت، وتجد أن تأثير الخطية قد زاد عليك. وعندما تحاول الهروب، تجد عقبات في داخلك وتقع في صراع، ويبدأ الجو يرتبك معك. سبب ضعفك عندما تتساهل مع الخطية، هو وقوعك في الخيانة، وبخيانتك لله ومحبته، وبخيانتك لعهودك الروحية، تتنازل عن النعمة المعطاة لك، وترفض السلاح الروحي، بل تطفئ الروح، وتحزن روح الله القدوس الذي فيك. وتنهار فتسقط. وعندما تتساهل مع الخطية، تضعف مثاليتك وتهبط مستوياتك الروحية وتنسي الحزم الذي قال به يوسف "كيف أخطئ وأفعل هذا الشر العظيم امام الله". وبتساهلك مع الخطية، تفقد هيبتك الروحية امام الشياطين. لذلك أبعد عن الخطوة الأولي. كن حازمًا، واسلك بتدقيق. |
||||
20 - 01 - 2014, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
الخطيئة الكبرى في حياتك كثيرًا ما يخطئ الإنسان، وينسي ما قد ارتكبه. ولكن تقف خطية معينة أمامه، لا يستطيع أن ينساها... مثال ذلك داود النبي: إنه يقول للرب في صلاته "إن كنت للآثام راصدًا يا رب، يا رب من يثبت؟!" (مز3:130). "لت تدخل في المحاكمة مع عبدك، فإنه لن يتزكي قدامك أي حي (مز3:143). خطايا شبابي وجهالاتي لا تذكر" (مز6:25). كل هذه يطلب من الله ألا يذكرها، لأنها كثيرة، وجهالات، ولن يتزكي منها أحد. وهي مثل الشهوات التي يقول عنها "الشهوات (الهفوات) من يشعر بها. من الخطايا المستترة يا رب أبرئني (مز12:19). ومع كل ذلك هناك خطية يقول عنها "خطيتي أمامي في كل حين" (مز3:15). لقد تركت عمقًا معينًا في مشاعره، وعمقًا آخر في ذاكرته، بحيث لم يستطع أن ينساها هي التي هزته هزًا فقال "تعبت في تنهدي، أعوم كل ليلة سريري، وبدموعي أبل فراشي" (مز6). كذلك شمشون: لاشك أنه ارتكب خطايا كثيرة، شرحها في سفر الخطاة. ولكن خطية كبري هزت كيانه كله. وهي أنه باح بسره لدليلة، مما أدي إلي كسر نذره، وانتصار أعدائه عليه، وفقًا عينيه، وأخذه أسيرًا يجر الطاحون (قض16). هذه الخطية لم ينسها مطلقًا......... ومثل داود وشمشون، هناك سليمان. لقد غرق في الملاذ العالمية إلي أعماقه، ولم يتعب ضميره شيء من ذلك كله (جا2: 9، 10). ثم أرتكب خطيته الكبري التي ذهب فيها وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين، وبني مرتفعة لكموش رجس الموآبيين.. ولمولك رجس بني عمون (1مل11: 5- 7). هذه ليس فقط سليمان لم ينسها. بل الله نفسه، لم يتركها له. وهكذا فرض الله عليه عقوبات "وغضب الرب علي سليمان."(1مل11: 9-13). ونفذ الله وعده فيه، حينما قال عنه "إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس، وبضربات بين آدم" (2صم14:7). وهكذا أقام الرب عليه خصومًا لتأديبه "هَدَدَ الأَدُومِيَّ ورَزُونَ بْنَ أَلِيدَاعَوَيَرُبْعَامُ بْنُ نَابَاطَ.. (سفر الملوك الأول 12: 14، 23، 26). مثال ذك فتاة تخطئ في علاقاتها بشباب... ويمر ذلك عليها سهلًا، تفيق من علاقة لتدخل في أخري، بضمير نائم، ثم تصحو منزعجة علي خطية كبري تفقد فيها بكارتها، وقد تحبل. وتجد نفسها مساقة إلي عملية إجهاض لتقتل جنينًا. والعملية تحتاج إلي مال كيف يحصل عليه؟ ويحتاج الأمر كله إلي مجموعة من الأكاذيب لتغطيته، فيحفر في عقلها وفي أحاسيسها وقائع لا يمكن أن تنسي!! إنها كاخطأ الذي يقع فيه الإنسان، فيضيع مستقبله كله. كطالب يضبط في غش، ويرفت سنتين من الكلية، وتضيع سمعته، وتلاحقه أنظار الناس وألسنتهم. أو شاب آخر يقع في إدمان المخدرات. وتكون هي الخطية الكبرى في حياته، تحكم نفسيته وأعصابه وسمعته، سواء شفي من الإدمان لو لم يشف. وأصعب من هذين، إنسان يصاب بمرض الإيدز الذي يحطم صحته وسمعت، ويجره نحو الموت جرًا. ويصرخ في داخله: كيف سقطت؟! وكيف ضعت؟! إنها غلطة العمر.... وغلطة البشرية كلها، هي خطية آدم وحواء. بكل ما جبلته من نتائج خطيرة استمرت دهورًا. خطية فسدت بها الطبيعة البشرية كلها. وكان يلزم لعلاجها التجسد والفداء. وبلغ من خطورتها ان ترك الله آثار باقية حتى الآن. بقوله لآدم "بعرق جبينك تأكل خبزًا، حتى تعود إلي الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلي التراب تعود". وبقوله لحواء "تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك، وبالوجع تلدين أولادًا" (تك3: 16- 19). واستمرت آثار هذه الخطية، مهما حاوّل الإنسان أن يتمرد علي ذلك.. هناك خطايا تسببت في هلاك مقترفيها. وماتوا في خطاياهم هالكين: مثل خطية يهوذا. ولاشك أن يهوذا كانت له خطايا كثيرة، ومنها أنه "كان سارقًا. وكان الصندوق عنده، وكان يحمل ما يُلقَى فيه" (يو6:12). ولكن خيانته لسيده، كانت الخطية الكبري التي لم يستطع أن يحتملها، فمضي وخنق نفسه" (مت5:27). كذلك خطية أولاد عالي الكاهن التي قال عنها الرب "لا يكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلي الأبد" (1صم14:3). وبنفس الغضب حكم الرب علي عالي نفسه "من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا به اللعنة علي أنفسهم، ولم يردعهم (1صم13:13). أيضًا خطية حنانيا وسفيرا، التي استحقا بها الموت مباشرة دون إعطائهما فرصة للتوبة (اع5). وهناك خطايا امتدت آثارها أجيالًا طويلة. مثل لعنة كنعان، للاستهانة بكرامة الأب. ومع أنها خرجت من فم أبينا نوح (تك25:9). إلا أنها استمرت إلي أيام السيد المسيح نفسه الذي استخدمها في حديثه مع المرأة "نبلبل ألسنتهم" (تك7:11). ولا تزال بلبلة الألسنة قائمة إلي يومنًا هذا..... هناك خطايا عديدة لم تسجل في الكتاب المقدس، الذي قال بصيغة إجمالية "الكل قد زاغوا معًا وفسدوا. وليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز3:14). ومع ذلك سجل الكتاب خطايا معينة. وسجل معها أيضًا عقوبات لها. سجل خطايا الزنا الجماعي، الذي أدي إلي الطوفان (تك6)،وسجل الشذوذ الجنسي الذي أدي إلي حرق سادوم (تك19). وسجل محاولة اغتصاب سر الكهنوت التي وقع فيها قورح وداثان وأبيرام، ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم (عد16). وسجل خيانة أبشالوم لأبيه داود (1صم18:16). وسجل إنكار بطرس (مت26). ومسامحة الرب له (يو21). وسجل طمع آخاب في حقل نابوت اليزرعيلي (1مل21). وسجل عبادة الأصنام علي يد يربعام بن ناباط، وعلي يد آخاب وغيرهما (1مل12). وسجل خطايا أخري لا تنسي حتى للأنبياء... إن شاول الطرسوسي لم ينس مطلقًا اضطهاده للكنيسة. علي الرغم من ا،ه فعل ذلك بجهل قبل إيمانه بالمسيح، وعلي الرغم من توبته واختياره رسولًا وصنع عجائب وآيات علي يديه، وتعبه الكثير في نشر رسالة الإنجيل... إلا أننا نراه يقول عن نفسه "أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكنني رحمت لنني فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (1تي13:1). ويقول عن ظهور السيد المسيح بعد قيامته "وآخر الكل، كأنه للسقط ظهر لي أنا، لأني أصغر الرسل. أنا الذي لست أهلًا لأن أدعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو15: 8، 9). إنه لم يستطع مطلقًا أن ينسي اضطهاده للكنيسة. خطورة الخطايا ليست في كثرتها، بل في بشاعتها. خطية سيمون الساحر، لم تكن في عددها، إلا انه لم يكررها. لكن خطورتها كانت في بشاعتها، إذا أنه أراد أن يشتري موهبة الله بدراهم (أع8: 18-20). كذلك كانت خطية هيرودس الذي قبل من الناس قولهم له "هذا صوت إله، لا صوت إنسان "فضربه في الحال ملاك الرب، لأنه لم يعط المجد له، فصار يأكله الدود ومات (أع12: 22، 23). وخطية بطرس في إنكار، لم تتكرر. إنما بشاعتها في نوعيتها. حقًا إن الخطايا لا تعد، إنما توزن. فإذا أضيف إلي بشاعتها تكرارها، يكون الأمر أصعب وأخطر. وبخاصة تلك الخطايا التي ترسخ في العقل الباطن، وتتعمق جذورها فيه. وتصبح مصدرًا لأحلام، وأفكار، وظنون، وشهوات، ويحاول الإنسان أن يتخلص منها فلا يستطيع..! وقد أصبحت كأنها طبع فيه، أو كأنها طبيعة له، وجزء من تكوين شخصيته.. وعادة تعودها فلصقت به.. وكأنه قد ذاق شيئًا فاستطعمه، وما عاد يستغني عنه!! وهو مستعد أن يتوب عن جميع خطاياه، ويتركها، ما عدا هذه!! هذه التي صارت تجري في دمه، وفي عمق مشاعره وعمق شهواته... هناك من يذكر خطية، ولا يستطيع أن ينساها، لأنها تتعب ضميره في توبته. لذلك هو يصرخ في داخله، في الم عميق: كيف وصل بي الحال أن انحدر إلي هذا المستوي؟! وهناك من يذكر خطيته الكبرى، وهو أسير لها، عاجز عن مقاومتها وهذا أصعب.. إنه يحتاج إلي دفعه كبيرة من الخارج، تنقذه من الهوة التي تهبط إليها، وتنزع عنه الربط التي تقيد بها.. ويحتاج إلي عمل من النعمة ومن روح الله القدوس لكي يكره هذه الخطية، ولا يعود فينجذب إليها. هناك خطايا أخري تتعب الإنسان. وتهز ضميره هزأ متي استيقظ، مثل خطية الارتداد، وخطية التجديف، وخطايا الشك. نعم الشك الذي يقال عنه إنه من السهل أن يدخل إلي عقل الإنسان، ومن الصعب جدًا أن يخرج. الشك الذي يفقد به الشخص ما كان له من بساطة الإيمان، ويتوه ذهنه في عقلانيات لا تنتهي. هذا إن كان شكًا في الله. أما إن كان شكوكًا في إنسان، فإنه يفقد الثقة ويعجز عن استرجاعها... وخطايا أخري لا ينساها الإنسان بسبب نتائجها. مثل زرج أهان زوجته إهانة كبيرة جدًا لم تستطع إحتمالها، فتركت بيت الزوجية إلي بيت ابيها. وعجزت كل محاولات المصالحة من أجل عمق ما احست به المرأة، مما جعلها تقفد محبتها لذلك الزوج، وما اخذت من فكرة عن طباعه ومعاملاته.. وهو نفسه يذكر ذلك الخطأ في ندم، معتبرًا أنه الخطية في حياته الزوجية.. ويزداد الأمر خطورة وعمقًا، إن كان قد وصل إلي قضايا ومحاكم.... وقد تصبح الخطية هي الكبري في الحياة، إن كان لا يمكن علاجها... كراهب مثلًا قد تزوج، وفقد نذره ورهبنته وبتوليته وسمعته. وفقد كهنوته أيضًا إن كا كاهنًا..! ولم يعد باستطاعته ان يسترجع كل هذا. ثم فقد هذه الزوجة أو أختلف معها، ووجد نفسه في فراغ كامل. وفي فراغ روحي وجسدي وإجتماعي، وعقيدي أيضًا. من الجائز أن تكون خطية الإنسان الكبري بسبب فيه: كخطية محبة الأخبار مثلًا، التي تفقده كل أصدقائه وغير الأصدقاء أيضًا. فهو جوعان أخبارًا، يحب أن يعرف الأخبار ويبحث عنها، ويسأل عنها الناس ويفتش ويسمع ويتسمع، ويستنتج، ويسأل سؤال محرجًا، لكي يعرف منه خبرًا. ويتقاض مع غيره من محبي الأخبار، لكي يعطيهم خبرًا مقابل معرفة خبر. ثم يجد نفسه يحمل كنزًا كبيرًا من الأخبار يثقل عليه حمله. فيتحول من جامع أخبار إلي ناقل أخبار. وتصبح سمعة الناس مضغة في فمه، يلقيها في آذان الناس كعليم ببواطن الأمور، ومتداخل في اسرار الناس. وقد يسمعها الناس منه، وقد يتهرب البعض خشية ان يسمع ما يؤذيه روحيًا. وقد يتحاشاه البعض خشية أن يصبحوا هو أيضًا هدفًا له ولمحبته للأخبار. ويجد أن الأخبار قد ابعدت الناس عنه. وأيضًا قد أتعبت أفكاره، فما عاد يثق بأحد... وقد يتحول من ناقا للأخبار إلي مؤلف للأخبار!! أصعب خطية هي التي تلتصق بالإنسان، أكثر مما يلصق جلده بلحمه. كإنها جزء من كيانه، ومن صفات شخصيته. وقد تتحول في حياته إلي مرض نفسي يتوالد في داخله، وتنشأ عنه أمراض أخري خلقية وأجتماعية، صعبة الشفاء. |
||||
20 - 01 - 2014, 05:06 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
المحبة الخاطئة للنفس كل إنسان يحب نفسه، ولا يوجد أحد لا يحب نفسه. ومحبة النفس ليست خطية، إن كانت محبة روحانية. والسيد الرب لما قال إن الوصية الأولي والعظمي هي "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك "قال بعد ذلك "والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك" (مت22: 37- 39). أي أن أعظم مستوي تحب به القريب، هو أن تحبه كما تحب نفسك...... غير أن هناك محبة خاطئة للنفس، وقال عنها الرب: "من وجد حياته يضيعها.. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت39:10). فكيف تفرق بين الوصيتين؟ وما معني "من وجد حياته يضيعها"؟ الحل هو أن هناك شيء يسمي حروب الذات، أو عبارة الذات، التي يتمركز فيها الإنسان حول نفسه. ويقول أريد أن أبني نفسي، أن احقق ذاتي، أن أرفع ذاتي...... وهناك طرق خاطئة يلجأ إليها الإنسان في بناء ذاته فتضيعه. فما هي هذه الطرق، التي بها يحب الإنسان نفسه محبة خاطئة. المحبة الجسدانية هذه التي قال عنها الرسول "شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة" (1يو16:2). وقال إنها جزء من محبو العالم الذي يبيد وشهوته معه.. إنها المحبة الخاصة باللذة والمتعة والرفاهية. لذة الحواس، التي تقود إلي الخطية. والتي جربها سليمان الحكيم، وقال فيها "ومهما إشتهته عيناي لم أمسكه عنهما" (جا10:2). وقال في تفصيل ذلك "عظمت عملي. بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا. عملت لنفسي جنات وفراديس... جمعت لنفسي أيضًا فضى وذهبًا، وخصوصيات الملوك والبلدان. أتخذت لنفسي مغنيين ومغنيات، وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات. فعظمت وأزددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم" (جا2: 4-9). فهل هذه المتعة نفعت سليمان أم أضاعته؟ إنه لم ينتفع بها، بل وجد أن كل كا عمله "الك باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس" (جا11:2). بل هذه الرفاهية وهذه المتعة الجسدانية اضاعت سليمان، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة آخري. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهة كقلب داود أبيه" (1مل4:11). وتعرض لعقوبة شديدة من الرب عليه.. وتمزقت دولته. ومثال سليمان أيضًا الغني الغبي: أراد أن يبني بمحبة مادية، عن طريق الاتساع في الغني والمتعة الأرضية، فقال "أهدم مخازني، وابني أعظم منها، واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. واقول لنفسي: يا نفسي لك خيرات كثيرة لسنين عديدة. استريحي وكلي واشربي وافرحي". فهل تمكن بهذا من تحقيق ذاته وبناء نفسه؟! كلا، بل قال له الله "يا إني في هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها، لمن تكون؟!"(لو12: 16-20). إنها ليست محبة حقيقية للنفس، التي تأتي عن طريق اللذة والمتعة. ولهذا قال الرب إن من يحب نفسه يهلكها، اي الذي يحبها محنة خاطئة تقودها إلي المتعة الجسدية أو إلي شهوات العالم، فإنه يهلكها فيا يظن أنه قد وجد حياته. هناك نوع آخر خاطئ، في إشباع النفس، وهو: محبة خيالية شخص لا يستطيع أن يمنع نفسه ماديًا، فيسبح في تصورات إسعادها بالفكر، يلذذ نفسه بالفكر والخيال. ويسعد نفسه يسمونه: أحلام اليقظة. فكل ما يريد أن يمتع به نفسه من أمور العالم، يغمض عينيه ويتخيله. ويؤلف حكايات وقصصًا، عن متعة لا وجود لها من عالم الحقيقة. ويقول لنفسه سأصير وأصير، وأعمل وأتمتع. وقد يستمر في هذا الفكر بالساعات، روبما بالأيام، ويستيقظ لنفسه فإذا في فراغ. وقد أضاع وقته..! إن المحرومين علميًا، يعوضون أنفسهم بالفكر. دون أن يتخذوا اي أجراء عملي بناء يبنون به أنفسهم. وكما يقول المثل العامي "المرأة الجوعانة تحلم بسوق العيش". مثال ذلك تلميذ، لم يستذكر دروسه، ولم يستعد علميًا للامتحان. وإنما يجلس إلي جوار كتبه،ويسرح في الخيال: يتخيل أنه نجح بتفوق كبير، وانفتحت أمامه جميع الكليات، وصار وارتفع وأرتقي وتخرج. ثم يصحوا إلي نفسه، فيجد أنه أضع وقته وأضاع نفسه. ويقف أمامه قول الرب "من وجد نفسه يضيعها". إن المتعة بالخيال، قد تكون أقوي من المتعة الحسية. لن الخيال مجاله واسع، لا يقف عند حد. ويتصور تصورات لا يمكن ان تتحق في الواقع. ويكون سعيدًا بذلك سعادة وهمية. وكثير من المجانين يقعون في مثل هذا الخيال الذي يشبعون به أنفسهم، ويجدون به أنفسهم في مناصب ودرجات وألقاب. والفرق بينهم وبين العاقلين، أنهم يصدقون أنفسهم فيما يتخيلونه. ويصيبهم نوع من المض يسمي البارانويا، وحكاياته كثيرة... إنه خيال يظن به هذا النوع من الناس أنهم يجدون أنفسهم، بالإشباع الفكري والمتعة الخيالية، والأحلام والأوهام.. هناك نوع ثالث يظن أنه يبني ذاته بالعظمة. العظمة هناك نوع يجد نفسه، حينما يصير عظيمًا، بالمقاييس النادية: وأول من وقع في هذه المحبة الخاطئة للنفس: الشيطان. وهكذا قال في قلبه "اصعد إلي السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله. واصعد فوق مرتفعات السحاب، وأصير مثل العلي" (أش14: 13، 14). ولنطبق عليه قول الرب "من وجد نفسه يضيعها "وإذ به قد انحد إلي الهاوية، إلي اسفل الجب. ومصيره أسوا بكثير من سقطته (رؤ10:20). لقد ظن أنه يجد نفسه بشهوة العظمة، وبهذه الشهوة فقد كل شيء...... وبهذه الشهوة أيضًا أضاع الشيطان أبوينا الأولين، حينما قال لهما وهما في الجنة "تنفتح أعينكما، وتصيران مثلي العلي، عارفين الخير والشر" (تك5:3). ووقع في هذه المحبة الخاطئة أيضًا، الذين أرادوا بناء برج بابل. أولئك الذين قالوا "هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْمًا لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ" (سفر التكوين 11: 4). فكانت النتيجة أنهم اضاعوا أنفسهم، وبلبل الله ألسنتهم، وبددهم علي وجه كل الأرض. فلا بنوا مدينة ولا برج. في شهوة العظمة العالمية، محبة خاطئة للنفس. أما العظمة الحقيقة فيصل إليها الإنسان بالاتضاع، حسب قول الرب "من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نسفه يرتفع (مت12:23). أما الذي يحاول أن يجد نفسه بالرفعة العالمية، ما أسهل أن يدخل في حروب ومنافسات، قد تضيعه علي الأرض، وإن حصل علي ما يريد علي الأرض، فهذه العظمة الأرضية في الأبدية. ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال: أبشالوم بن داود. ذلك الذي أحب نفسه محبة خاطئة عن طريق العظمة،فانشق علي أبيه داود، وأساء إليه إساءات بشعة؟ وحاربه بجيش لكي يجلس علي كرسيه في حياته، ويحقق لنفسه العظمة بأن يصير ملكًا.. فماذا كانت النتيجة؟ لقد فقد كل شيء. ومات في الحرب وهو خاطئ متمرد، ففقد الأرض والسماء معًا. هناك أشخاص لا يجدون أنفسهم بعظمة عالمية، فيحاولون أن يجدوا العظمة بالكلام. بالمجد الباطل، بالفرح بمديح الناس لهم. وإن لم يجدوا ذلك يمدحون أنفسهم، ويتحدثون عن فضائلهم وأعمالهم المجيدة لكي ينالوا مجدًا من الناس. وعكس هؤلاء كان القديس يوحنا المعمدان، الذي كان يخفي نفسه ليظهر المسيح ويقلل منن شأن نفسه ممجدًا سيده المسيح، قائلًا "ينبغي أن ذاك يزيد وأنا أنقص" (يو30:3). وبهذا الاتضاع ارتفع يوحنا المعمدان. وقال عند السيد الرب إنه أعظم من ولدته النساء (مت11:11). حقًا ما أجمل ما نقوله عن الرب في القداس الإلهي: "الساكن في الأعالي، والناظر إلي المتواضعات". إن حروب العظمة قد ضيعت كثيرين، والأرملة كثيرة. هناك نوع أخر من المحبة الخاطئة للنفس، يظن بها البعض أنهم يبنون أنفسهم فيضعونها، ذلك هو أسلوب المعارضة والصراع. المعارضة والصراعتجد أشخاصًا وكأنهم شعلة من النار، في التفكير والحركة والعراك. لا يقدرون علي العمل البناء، فيظنون أنهم يجدون أنفسهم بهده البنائين. إنهم يعملون علي هدم وتحطيم غيرهم. لا يسرهم شيء مما يعمله العاملون، فينتقدون كل شيء، ويبحثون عن أخطاء لتكون مجالًا لعملهم من النقد والنقض والتشهير. كأنهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم. وفي نفس الوقت الذي يحطمون فيه بناء غيرهم لا يبنون شيئًا. حياتهم كلها صراع , ويظنون الصراع بطولة. يرون أنهم ابطال ويفرحون بذلك. ويفتخرون بأنهم هاجموا فلانًا وفلانًا من الأسماء المعرفة. ويقول الواحد منهم إن عنده الشجاعة التي بها "يقول للأعور أنه اعور في عينه". وقد تكون شهوة قلوبهم أن يفقأوا عيون المبصرين، ثم يعبروهم بما فعلوه بهم!! لهم الطبع الناري. وشهوتهم أن يرتفعوا علي جماجم الآخرين! فهم قادرون - في نظرهم علي تحطيم العاملين. ويفرحون بهذا. ولكن الله لا يقبلهم لن قلوبهم خالية من المحبة. وفي صراعهم يفقدون انفسهم. وفيما يتخيلون أنهم قد وجدوا أنفسهم، يرون أنهم قد ضيعوها. كالطفل في الفصل، الذي يشعر أنه قد وجد ذاته في معاكسة المدرسين! ويظن ذلك جراة وشجاعة وقوة وبطولة يبني بها نفسه التي يحبها. ولكنها محبة خاطئة للنفس. والعجيب ان هذا النوع يفتخر بنفسه ويقول في تحطيمه للغير: أنا إنسان مقاتل I am afighter علمًا بأن الهدم أسهل من البناء. وكما يقول المثل "البئر الذي حفره العاقل في سنة، ويمكن أن يردمه الجاهل في يوم". هناك أشخاص يظنون أنهم يحققون ذواتهم بالحرية. الحرية كالشاب في بلاد الغرب "إذا كبر، فلا سيطرة لأحد عليه، لا أبوه ولا أمه في البيت، ولا مدرسوه في معاهد التعليم. بل يظن انه يفعل ما يشاء بلا قيد. حتى المبادئ والقيم والتقاليد، يجب أن يتخلص منها. ويعتبر أنه بهذا يصير حرًا ويجد نفسه. والوجوديون يريدون -في تمتعهم بالحرية- أن ينحلوا حتى من (قيود) الله ووصاياه. ولسان حال كل منهم يقول "من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا "!! كل هؤلاء يقصدون بالحرية، الحرية الخارجية. وليست حرية القلب من الرغبات الخاطئة. ولا يقصد التحرر من الخطايا والأخطاء والتحرر من المعادات الفاسدة. كل ذلك الذي قال عنه السيد المسيح "إن حرركم الإبن، فالحقيقة تكنون أحراارًا (يو36:8). الإبن الضال ظن أنه ومجد نفس بالحرية بتركه لبيت أبيه، ولكنه بذلك أضاع نفسه (لو15). وكذلك الذين يظنون أنهم يجدون أنفسهم بالحرية في الإدمان والفساد والتسيب واللامبالاة! أو بالرحية في الخروج من الحصون التي تحميه إلى القضاء الواسع الذي يهلكه! العجيب أنه في الحياة الروحية، يظن أنه يجد الحرية في الخلص من قيود الإرشاد الروحي! فلا يستشير الأب الروحي، إلا الأمور التي تعرف انه سيوافق عليها. وأما ما يشعر أنه سينهاه عنه، فذلك يخفيه! وهكذا يسير حسب هواه، فيضل الطريق. أو يقول "ابحث عن اب إعتراف آخر".. حقًا الاستخدام الخاطئ للحرية يضر. وقد أوصل البعض إلي الإلحاد. والأخطر من هؤلاء: الذين يعطون أنفسهم الحرية في تفسير الكتاب، وينشرون آراءهم كعقيدة!! فيفسرون الكتاب حسب هواهم. يخضعونه لأفكار، بدلًا من أن يخضعوا أنفسهم لنصوصه. من اجل هذه وجدت طوائف وكنائس متعددة تتعارض في عقائدها، ووجدت يشاء (كما فعل شهود يهوه وأمثالهم) والعجيب أن كل هؤلاء يظنون أنفسهم أكثر معرفة من غيرهم. وهنا تدخل النفس في حرب المعرفة. المعرفة يظن البعض أنه وجد نفسه عن طريق المعرفة. أو عن طريق حرية المعرفة، أو المعرفة التي يقول عنها الكتاب أنها تنفخ (1كو1:8). ويحب الواحد منهم ان يكون مرجعًا في المعرفة، يقود غيره في المعرفة. ويحاول أن يأتي بفكر جديد ينسب إليه، ويتميز به، وينفرد به، حتى يقولون "فلان قال"...... ومن هنا ظهرت البدع، لأنها بها إبتداع أناس أفكارًا جديدة ضد التسليم العام... يظن بها الشخص أنه يجد نفسه، كصاحب رأي وفكر وعقيدة، ولا يتضع بالخضوع لتعليم الكنيسة، بل يريد ان يخضع الكنيسة لتعليمه.. وهكذا يضع نفسه. إنسان آخر يظن أنه يبني نفسه بالإعجاب بالنفس. الإعجاب بالنفس فيكون بارًا في عيني نفسه و"حكيمًا في عيني نفسه". ويدخل في عبادة النفس. ولا مانع أن يكون الكل مخطئين، وهو وحده الذي علي صواب! وهذا النوع يبرد ذاته في كل عمل وفي كل خطأ. وإن قال له أحد أنه مخطئ لا يقبل ذلك. ويرفض كل توجيه. وإن عوقب علي خطأ، يملأ الدنيا صراخًا إنه مظلوم. ولا ينظر إلي الذنب الذي أرتكبه، وإنما يدعي قسوة من عاقبه! وترتبك مقاييسه الروحية والأدبية والعقلية، ويضيع نفسه. ويمدح نفسه، ويحب ان يمدحه الآخرون. وإن مدحوا غيره يستاء! كما استاء قايين، لما قبل الله قربان هابيل اخيه... والكثير من هؤلاء الذين يقعون في الإعجاب بالنفس، يكون الله منحهم مواهب ولكنهم استخدموا المواهب في الإضرار بأنفسهم. مجال آخر يظن الإنسان أنه يبني نفسه وهو الأنشطة: الأنشطة قد تجد إنسانًا كثير الحركة يعمل في أنشطة متعددة، وربما بلا عمق، ويظن أنه يبني بها نفسه! يري أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، فينبغي أن يكون هو أيضًا إنسانًا تكنولوجي، يسير مثل الآلة، حركة دائمة بلا توقف، بعضوية في كثير من الهيئات، وفي نشاط دائم لا يعطي له فرصة للصلاة ولا القراءة ولا التأمل، ولا الإهتمام بنفسه روحانيته، بلا عمق، مجرد نشاط في كل مكان، له مظهر العامل المجد، ناسيًا قول الكتاب: "كل مجد ابنه الملك من داخل" (مز44). وكلن الأجدر أن يعطي وقتًا وأهمية لروحياته، لأنه يضر نفسه بهذه المشغوليات المستمرة، التي قد تتحول عنده إلي هدف، ينسي فيه الهدف الأصلي وهو خلاص نفسه. نوع آخر يحب نفسه محبة خاطئة، ويجد نفسه عن طريق: المركز والشهرة فيركز كل اهتمامه في هذه الأمور التي يدخلها الرسول تحت عنوان تعظم المعيشة وهكذا يفرح بالألقاب والمناصب والغني. وكلما اضاف إلي نفسه لقبًا جديدًا، ظن به أنه أوصلها إلي قمة المجد. بينما الفرح الحقيقي هو بناء النفس من داخل مهما كانت "مشتملة وبأطراف موشاة بالذهب ومزينة بأنواع كثيرة". ليس المجد في أن تكون عظيمًا أمام الماس، إنما في أن تكون "عظيمًا أمام الرب "كما قيل عن يوحنا المعمدان (لو15:1). وهنا نتحدث عن الوضع السليم لبناء النفس. المحبة الحقيقية للنفس عن كنت تحب نفسك حقًا، حاول ان تبنيها من الداخل، من حيث علاقتها بالله، والمحبة التي تربطها بالكل. بأن تتكر ذاتك ليظهر الله في كل اعمالك. وينكر ذاتك لكي يظهر غيرك. وتصلب ذاتك لكي يحيا الله فيك. ويقول "مع المسيح صلبت، لكي أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل20:2). وهكذا تصلب الجسد مع الأهواء والشهوات (غل24:5). تقهر ذاتك،وتغلب ذاتك. وبهذا الأنتصار علي النفس، تحيا نفسك مع الله. الذي يقويك في مركب نصرته (2كو14:2). وهنا تكون المحبة الحقيقية للنفس أما المظاهر العالمية من عظمة وشهرة ولذة ومتعة وحرية خاطئة، فلن توصلك إلي البناء الحقيقي للنفس. المهم أن تجد نفسك في الله، وليس في العالم. تجدها لا في هذا العالم الحاضر، إنما في الأبدية. تبني نفسك بثمار الروح (غل5: 22، 23). التي تظهر في حياتك. وذلك بأن تكون غصنًا ثابتًا في الكرمة الحقيقية عطي ثمرًا، والرب ينقيه ليعطي ثمرًا أكثر (يو15: 1، 2). أي ينقيه من الشهوات والرغبات المهلكة للنفس، التي يجب أن تبغضها لتحيا مع الله، واضعًا أمامك قول الرب: "ومن يبغض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلي حياة أبدية" (يو25:12). وهنا كلمة "يبغض نفسه "تعني يقف ضد رغباتها، ولا يطاوعها في كل ما تطلب، ولا يجعلها تسير حسب هواها، بل يقمعها ويستعبدها (1كو27:9). حتى بهذا تتطهر من كل دنس. وتكون هذه هي المحبة الحقيقية للنفس. |
||||
20 - 01 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
النظرة البيضاء والنظرة السوداء الحياة هي نفس الحياة بالنسبة إلي الكل : بحلوها ومرّها.. وقد تتشابه الظروف الخارجية بالنسبة إلي كثيرين. ولكن انفعال البعض بها يختلف عن انفعال البعض الآخر.ونظرة كل من الفريقين تختلف عن الآخر. البعض له نظرة بيضاء. والبعض له نظرة سوداء. وسنضرب أمثلة لذلك في أمور متعددة: *** النظرة إلي المشكلة: لا يوجد أحد لا تصادفه مشاكل في حياته. كل انسان له مشاكله. ولكن البعض ينظر إلي المشكلة بنظرة سوداء معقدة كئيبة. كما لو كانت المشكلة بلا حل. ولا مخرج ولا منفذ.. كما لو كانت ألما صرفا وضياعا.. وكأنها مأساة.. وهناك أناس تسبب لهم بعض المشاكل بأمراض صعبة: مثل ضغط الدم. أو مرض السكر. أو قد يصاب البعض بانهيار نفسي. أو بتعب في أعصابه. أو بقرحة في المعدة. وإن كنت المشكلة خطيرة - أو هي هكذا في نظره - قد يقع علي الأرض مشلولا . أو يصاب بذبحة أو بجلطة.. كل ذلك حسب درجة انفعاله بالمشكلة. وحسب مقدار ضغطها عليه.. وشعوره أنه قد أنتهي. ولا خلاص. *** أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل مشكلة لها حل ويري أن الأمر ليس خطيرا ولا مستحيلا.. وأن الله لابد أن يتدخل في المشكلة ويحلها.. والله عنده حلول كثيرة. وهكذا تمتزج المشكلة عنده بالإيمان والرجاء.. فبالإيمان يثق تماما بوجود الله أثناء المشكلة. وبيد الله العاملة سواء رأها أو لم يرها.. فلا يأبه بالمشكلة. ولا يدعها تعصره أو تحصره. ولا يسمح للمشكلة أن تضغط علي أعصابه وعلي نفسيته.. بالنظرة البيضاء يقابل المشكلة: ليس فقط بأعصاب هادئة. إنما بشعور أكثر عمقا. يري فيه أن المشكلة سوف تعطيه خبرة بالحياة. وخبرة برعاية الله. وتدريبا علي هدوء الأعصاب والفكر. كما ستكون المشكلة فرصة له. يلمس فيها يد الله العاملة في حياته. وعناية الله به. وطريقة الله في حل المشاكل.. إن المشكلة واحدة. ولكن تختلف النظرة إليها والانفعال بها. ويختلف وقعها ومقابلتها. اعني يختلف الـ Response. *** صاحب النظرة البيضاء. كان أكبر من المشكلة أما صاحب النظرة السوداء. فكانت المشكلة أكبر منه صاحب النظرة السوداء. لا يبصر الا ما في المشكلة من ألم ومن ضيق وتعب. ولذا يقابلها بخوف وانزعاج. وقد تضغط علي تفكيره فيتوقف. ويترك الأمر إلي أعصابه المنهارة. وقد يصل به الأمر إلي اليأس. وقد يصل به اليأس إلي الانتحار.. أما صاحب النظرة البيضاء. فيضع رعاية الله بينه وبين المشكلة. فتختفي المشكلة. وتبقي رعاية الله هي الظاهرة.. *** صاحب النظرة السوداء. يري أن كل نهار يعقبه ليل مظلم أما صاحب النظرة البيضاء. فيري أن كل ليل مظلم يأتي بعده نهار مضئ النظرة السوداء تتعب من كل خطأ موجود والنظرة البيضاء تقول إن كل خطأ يمكن تصحيحه. *** النظرة إلي المادة وهي تتناول نظرة الإنسان إلي المادة عموما. وإلي المال. وإلي الجسد. انسان ينظر إلي المادة. كأداة يُخدم بها الله وآخر ينظر إلي المادة. كوسيلة لإشباع الشهوات! المادة هي نفس المادة. ولكن نوعية النظرة إليها. تحدد نوعية العلاقة بها والتصرف معها. هل المادة تملكك. أم أنت تملكها؟! والمال هو نفس المال. ولكنه في يد البعض يستخدمه للخير. وهو في يد الغير يهلكه! لأن نظرة الواحد إليه غير نظرة الآخر . نفس الوضع بالنسبة إلي الجسد. يستخدمه البعض في الركوع والسجود وخدمة الله. وخدمة المجتمع. بينما ينظر إليه البعض كأداة لإشباع شهواته. وكأنه شر في ذاته. وعنه تصدر خطايا عديدة. *** كذلك تختلف النظرة إلي الشئ من حيث الاعتقاد فيه: هل هو محلل أم محرم أم نجس.. * إن نظرة المسلم إلي الخنزير. من حيث أنه نجس ولا يجوز أكله. غير نظرة إنسان آخر لا تحرم عقيدته أكل لحم الخنزير.. * نفس الوضع تقريبا بالنسبة إلي التدخين وشرب الخمر. إنسان يكره رائحة السيجارة ولا يطيقها. ويكاد يختنق من رائحتها ولو بعيدا. هذا غير شخص آخر مدمن للتدخين. وما يقال عن التدخين يقال عن الخمر بشتي أنواعها.. * أيضا نظرة الرجل إلي النساء. سواء إلي المحرمات منهن. أو إلي المرأة العادية. نظرة رجل إلي امرأة انها محرمة عليه من جهة نوع القرابة أو النسب. غير نظرته إلي امرأة ليست من المحرمات. إن يوسف الصديق لم يستطع أن يقترب من امرأة سيده - علي الرغم من طلبها ذلك منه - ذلك لأن عقيدته لا تسمح له بالاقتراب من امرأة رجل آخر. يمكن أن نطبق مثل هذه النظرة علي كل المحرمات من الخطايا. *** بين الشكر والتذمر إنسان ينظر إلي الذي معه. فيرضي ويشكر وآخر ينظر إلي الذي ينقصه. فيشكو ويتذمر وقد يكون الاثنان في نفس الظروف ونفس الأوضاع. فما هي نظرتك أنت؟ هل تنظر إلي الذي معك؟ أم إلي الذي ينقصك؟ والذي ينظر إلي ما ينقصه. لا يهدأ من الطلب. كذلك الذي ينظر إلي ما في أيدي غيره. ويقارن.. كثير من الذين يتذمرون ويتعبون: لو أنهم نظروا الي الذي معهم. لوجدوا أنهم في خير. وقد أعطاهم الرب الكثير والكثير. ولكنهم لم ينظروا إلي ما عندهم.. *** نفس الوضع نقوله بالنسبة إلي المناصب والألقاب قد يكون انسان في وظيفة مرموقة يحسده عليها الكثيرون. وقد يكون معه من المال ما يجعله من كبار الأثرياء. ومع ذلك كله فإنه يشقي! لماذا؟ لأنه ينظر إلي عضوية مجلس تشريعي أو عضوية مجلس المدينة. أو عضوية هيئة كبيرة أو ناد مشهور..! أو أنه يشتهي وساما أو لقبا. أو ينظر إلي أصحاب الدرجات العلمية والشهادات الجامعية. مما ليس له. فيشكو حظه وتتعب نفسيته! *** ما أكثر النعم والخيرات التي تحيط ببعض الناس. ولكنهم لا ينظرون إليها. بل ينظرون إلي شئ غيرها ينقصهم! وإن حصلوا علي ذلك الشئ. لا يكتفون. بل ينظرون إلي مستوي آخر أعلي وأبعد ينقصهم..! وقد يتذمرون وهم في وضع يشتهيه غيرهم ولا يجده! هنا الاختلاف بين نظرة القناعة البيضاء ونظرة الطمع السوداء. إذن بنوع نظرة الانسان يسعد نفسه. وبنوع نظرته يشقيها وهكذا. فإنه ليست الظروف الخارجية هي التي تتعبه. وإنما يتعبه أسلوبه في التفكير. ونوع نظرته إلي الحياة. *** النظرة إلي أعمال الآخرين: انسان ينظر إلي الخير الذي في الناس. فيمتدحهم وانسان آخر لا ينظر إلا إلي النقائص والعيوب. فيذم ويعيّر هذا النوع الثاني له نظرة نقّادة. لا تري إلا الشئ الأسود! وتتخصص في رؤية العيوب. حتي بالنسبة إلي شخص يمدحه الكل وهو موضع رضي الكل. ومع ذلك ما أسهل أن يوجد فيه شئ يُنتقد. هذا النوع يتعود أن ينتقد ويعارض. ويتكلم بالسوء علي كل أحد. ولا يعجبه أي تصرف. علي الأقل بالنسبة إلي شخص معين أو مجموعة معينة أما أصحاب النظرة البيضاء. فهم عكس ذلك. *** لو كانت لك النظرة البيضاء ستري في كثيرين شيئا يُحبّ ويُمتدح درّب نفسك علي هذه النظرة: أن تنظر إلي محاسن الناس وليس إلي عيوبهم. هناك نظرة واقعية: أن تري ما فيهم من محاسن ومن عيوب. ولكن أي النوعين له التأثير الأكبر عليك؟ الذي لا ينظر إلا إلي العيوب. قد تجده ساخطا علي الكل.. لا يعجبه شئ.. كل ما يراه هو موضع انتقاد.. وبعض الذين ينادون بالإصلاح. لا ينظرون إلا إلي السواد فقط.. ويحتار البعض معهم كيف يرضونهم! هم باستمرار عدوانيون Aggressive لابد أن يجدوا شيئا يهاجمونه. فإن لم يجدوا فيخترعونه..! *** وبعض أصحاب النظرة السوداء: بدلا من الهجوم. يتحولون إلي الانعزال! بسبب نظرتهم السوداء. ينفرون من المجتمع. وينطوون علي أنفسهم. إذ لا يجدون شيئا يعجبهم أو يرضيهم.. بل هم ساخطون علي كل شئ. وأحيانا يصاب هؤلاء بأمراض نفسية أهمها مرض الكآبة Despression فتجد الواحد منهم حزينا كئيبا. ينتظر أن يري الشر أمامه.. وأحيانا يخاف المجتمع. ويظن أن الغالبية تدبر له ما يضايقه. وهكذا يقع في عقدة الاضطهاد Perseuction Complex ويخيل إليه أن كثيرين يريدون الإضرار به! أو قد يصاب بالعصبية. فتجده دائما "غضوبا" حاد الطبع عالي الصوت. يحتد وربما بلا سبب يدعو إلي ذلك. وفي غضبه يثور ويتكلم بما لا يليق. إنه لا يري سوي سواد يثيره! *** وربما يُحارَب بالشكوك في كل شئ: في كل ما يحيط به. يفترض أسبابا سوداء تدعوه إلي الشك! وإن بدأ الشك يحاربه. يلتقطه الشيطان لكي يضيف إليه مخترعات وأسبابا تزيد من شكه. حتي يصبح في جحيم من الشك. وكل هذا بسبب نظرته السوداء التي تفترض الشك. بعكس غيره من أصحاب النظرة البيضاء الذين يؤولون نفس الأمور تأويلا طيبا لا يحزن النفس. إن كثيرا من الشكوك ليس الدافع إليها أسبابا خارجية. بل هناك مصدر آخر وهو حالة القلب والفكر من الداخل. *** قد تكون النظرة السوداء إذن مرضا نفسيا نتجت عنه هذه النظرة وربما تؤدي هذه النظرة السوداء إلي مرض نفسي. فتكون سببا أو نتيجة. أي أنه إذا بدأ بالنظرة السوداء. قد يصل إلي المرض النفسي. أو إذا بدأ بالمرض النفسي. تكون من نتائجه النظرة السوداء. وبالنظرة السوداء يفقد الإنسان سلامة القلب. بعكس صاحب النظرة البيضاء الذي يحيا باستمرار في بشاشة وفرح. والعجيب أن النظرة السوداء قد تأتي في العلاقة مع الله! *** في العلاقة مع الله: الشيطان قد يحارب صاحب النظرة السوداء حتي في علاقته مع الله. فيصور له أن الله لا يهتم به. وأن الله قد أهمله. وأنه لا يستجيب صلواته. أو أنه يضطهده ويعاقبه! وهكذا بالنظرة السوداء يوصله الي التجديف! وبإيعاز من الشيطان. فإن صاحب النظرة السوداء لا يشعر فقط بأن الناس ضده. وإنما الله أيضا ضده. والسماء مغلقة في وجهه! إذ يهمس الشيطان في أذنه - أثناء ضيقاته - "لماذا يعاملك الله هكذا؟! لماذا يتركك في تعبك. ولا يهتم بك!" |
||||
20 - 01 - 2014, 05:14 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الفضيلة والبر - البابا شنوده الثالث
يكون عائقًا للفضيلة إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره يكون عائقًا للفضيلة إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره (عب4:2). البعض لا يريد في ميلاد السيد المسيح، نتذكره أنه جاء لخلاصنا. وقال إنه: "جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو10:9). ولهذا فإن سمعان الشيخ، لما رأي في ميلاد الرب تباشير الخلاص، قال "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام، لأن عيني قد ابصرتا خلاصك" (لو30:2). مع أن الخلاص لم يكن قد تم، لكنه رأى في الميلاد تباشير أو بداية هذا الخلاص. وبهذا الخلاص بشر الملاك الرعاة قائلًا "إنه قد ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب" (لو11:2). ولهذا في ميلاد المسيح، دعي إسمه يسوع أي مخلص، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21:1). ومع أن السيد المسيح جاء لخلاص العالم كله، فإن العالم كله لم يخلص، لأن البعض رفضوا هذا الخلاص!! "إلي خاصته جاء وخاصته لم تقلبه"، "أضاء النور في الظلمة والظلمة لم تدركه" (يو1: 11، 5). إذن أمامنا موضوعان هامان: الخلاص الذي جاء المسيح ليقدمه، وقبول أو رفض هذا الخلاص. "الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو11:1). وفي نفس الوقت رفض هذا الخلاص من الكتبة والفريسيين والصدوقيين والناموسيين، والكهنة ورؤساء الشعب وغيرهم. لما سمع هيرودس الملك بميلاد المسيح "اضطرب وجميع أورشليم معه" (مت3:2). ودبر مؤامرة لقتله، ولو أدي الأمر أن يقتل كل أطفال بين لحم. أنه لم يفرح بهذا الخلاص الأتي، ولم يؤمن به!! وهكذا يحذرنا الرسول قائلًا: "كيف ننجو، إن أهملنا خلاصنا هذا مقدراه؟!(عب4:2). هذا الخلاص الذي تنبأ عنه أنبياء كثيرون، ووردت عنه العديد من الرموز، وانتظرته أجيال طويلة.. حينئذ يقف أمامنا سؤال هام: ما موقفنا من هذا الخلاص؟ لا تقل: هل الله يريدني أن أخلص أم لا؟ فالله يريد أن الجميع يخلصون، وإلي معرفة الحق يرجعون" (1تي4:2). والمهم هو أنك تريد أن تخلص.. كما كان الرب يسأل المريض أحيانًا "اتريد أن تبرأ" (يو6:5). لأن هناك مرضي يحبون المرض ولا يريدون الشفاء، كما قيل: "أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3). الذين يحبون الظلمة، ولا يحبون أن يخلصوا، إن أراد الرب أن يخلصهم من خطاياهم، يرفضون ويتمسكون بها بالأكثر!! وهذا يذكرنا ببكاء المسيح علي أورشليم، وحينما قال لها "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم اردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا.."(مت27:23). انظروا ماذا يقول؟ كم مرة أردت.. ولم تريدوا!! وذلك كانت النتيجة "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا". إنه العتاب الذي عاتب به الرب شعبه منذ القديم، واشهد عليه السماء والأرض، وأنشذ له نشيد الكرمة، وقال "أحكموا بيني وبين كرمي. ماذا يصنع لكرمي، وأنا لم اصنعه؟! (أش5: 3، 4). إنها قاعدة يجب أن نعرفها في الخلاص الذي يقدمه الرب. الرب يقدم الخلاص. ولكن لا يرغم أحدًا علي قبوله. الله يريد القلب، يريد الحب، ولا يجذب أحدًا إليه بالعنف إطلاقًا. إنه يترك الأمر لاختيار البشر، ويقول "قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فأختر الحياة لكي تحيا" (تث30: 19، 15). الله يرشد وينصح، وتبقي الإرادة كلها في يدك، تعمل أولًا تعمل، تقبل أولا تقبل. هو واقف علي الباب يقرع (رؤ20:3). وأنت حر، تفتح أو لا تفتح... وهكذا حدث مع عذراء النشيد، قرع علي بابها طويلًا، وأنتظر حتى امتلأ رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل، وخاطبها بأرق العبارات، ولكنها اعتذرت عن فتح بابها، وتأخرت، فكانت النتيجة أنه: تجول وعبر" (نش5: 2- 6). وهكذا نتيجة حريتها فقدت الحياة مع الله فترة، ثم عادت بعدها ورجعت إليه. إن دم السيد المسيح كفارة غير محدودة، كاف لمغفرة جميع الخطايا، لجميع الناس، في جميع العصور. ومع ذلك لم يخلص الكل , والسبب راجع إليهم هم. النعمة مستعدة أن تعمل مع كل واحد، ولكن ليس الجميع يستسلمون لعمل النعمة.. الروح القدس مستعد أن يهب القوة للكل ويعمل فيهم، ولكن ليس الكل يشتركون مع الروح القس في العمل. الخلاص مقدم للجميع. ولكن كثيرون لاهون عن خلاصهم.. فلماذا كل هذا؟ أسباب من الإنسان أول سبب يضيع خلاص الإنسان هو محبته للخطية. محبة الجسد والمادة والأشياء التي في العالم. الناس يهتمون بأجسادهم أكثر مما يهتمون بأرواحهم،عقلهم ينشغل بالعالم وليس بالسماويات. فتتعلق قلوبهم بالدنيا وما فيها، ويركزون فيها رغباتهم. وهكذا لا يصبح القلب لله. وتتدرج علاقتهم بالخطية: وقد تصبح الخطية عادة، وتسيطر. وقد تصبح شهوة ويستعبد الإنسان لها. وبتدرج الإنسان من محبة الخطية إلي العبودية لها. يدخل في حالة من السبي، حتى أنه يفقد إرادته تمامًا. وقد شرح القديس بولس الرسول هذه الحالة فقال"... الشر الذي أريده، إياه أفعل.. فلست بعد افعله أنا، بل الخطية الساكنة في.. أري ناموسًا في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلي ناموس الخطية..."(رو7: 19- 32). إذا ليس المهم فقط، الخلاص من العقوبة. إنما الأصل والأهم هو الخلاص من الخطية. ضع أمامك إذن كيف تخلص من الخطية، وتصل إلي التوبة، وإلي النقاوة، وإلي محبة الله. وهذا ما ينبغي أن تفكر فيه من بداية سنة جديدة، فتكون لك حياة مع الله.. كثيرون يفقدون الخلاص لأن نظرتهم تغيرت. نظرته للروحيات تغيرت، نظرته إلي الله نفسه تغيرت. لم يعد له الاهتمام الأول، ولا الحماس السابق. بل لم تعد له لذة في العشرة مع الله. وقد يصلي، ويقرأ الكتاب، ويحضر القداسات والاجتماعات. ولكن بغير روح. وربما نظرته إلي الخطية أيضًا قد تغيرت: وأصبح الضمير واسعًا، ويبتلع أشياء كثيرة. وهكذا صار في أعمال عديدة يفقد حرصه وإحتراسه، ويفقد تدقيقه، وبالوقت يصل إلي الإستهانة واللامبالاة. اي يرتكب الخطية بلا مبالاة، ونفس الإستهانة في صلواته وعبادته... وبمرور الوقت تختفي مخافة الله من قلبه. وإذا بعبارات الله حنون محب غفور طيب، تجعله لا يبالي، كأنما يستغل محبة الله استغلالًا سيئًا في كسر وصايا الله بدون خوف. وهنا يقف أمامه قول الرسول عن العلاقة بالرب "أم تستهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة" (رو4:2). وهذه الاستهانة تجعله بفقد الجدية في حياته الروحية. لا ينظر إلي وصايا الله في جدية، ولا يعترف ويتناول في جدية. ويمكن أن يتناول ويخطئ مباشرة، بلا خجل، بغير مخافة لله، ولا هيبة ولا خشية!! وبلا إهتمام.. لا يضع في ذهنه أن الله يراه، وأن أرواح الملائكة وأرواح معارفه الذين انتقلوا تراه!! يصاب ببرودة في حواسه الروحية، فتتبلد! وهذا النوع ربما يسمع العظات فلا يتأثر، ويقرأ عن لروحيات فلا يتأثر. بل تتحول الروحيات عنده إلي معلومات تزيد معرفه، وليست إلي مناخس تنخس قلبه وضميره... ويفقده الواعز الداخلي، تفقد الدوافع الخارجية تأثيرها. لأنها لا تجد في داخله ما يقبلها وينفعل بها، أو لأنه تعودها. كما يتعود مريض دواء معينًا، فيفقد الدواء تأثيره عليه. وهكذا تدخل حياته في فتور روحي، أو في بروده روحية، وقد يبعد حياة الروح تمامًا. ولا يفكر مطلقًا في خلاص نفسه. وإن ناداه الرب، لا يجد في قلبه صدي، إذ قد وصل إلي قساوة القلب التي حذر منها الرسول قائلًا: "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 15). وحتى هذا الإنسان، تحاول النعمة أن تجذبه. وقد يسمع صوت الله فيتأثر به، ويود ان يرجع إلي الحياة مع الله. ولكنه يدخل في صراع داخلي. ويصبح مثل إنسان مشلول يريد أن يقف، فلا تقوي قدماه علي ذلك. وهكذا يبرر رفضه للخلاص بعنصر التأجيل. تمامًا مثل فيلكس الوالي، الذي ارتعب لما سمع بولس الرسول يتحدث عن البر والدينونة والتعفف. ولكنه قاوم التأثير الروحي بقوله للرسول "اذهب الآن، ومتى حصلت علي وقت أستدعيك" (أع25:24). بالإضافة إلي كل هذا، توجد الحروب الخارجية. التي تنتهز الضعف الداخلي، فتهجم وتضغط. وتفتح أمامه أبوابًا واسعة للخطية طالما اشتهاها من قبل وما كان يجدها.. وإن حاول أن يضع أمامه قول الرسول "لا تشاكلوا أهل هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2). يصور له العدو صعوبة التغير، وردود الفعل في الوسط الذي يعيش فيه. وماذا يقول الناس عنه، وقد تعودوا عليه في صورة معينة!! |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|