07 - 11 - 2012, 04:34 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الخامس عشر خيانة يهوذا لقد بدأ يدخل في ارتباطات مع موظفيهم، الذين كانوا يغرونه دوما، ويطمئنونه بأقوال قوية بأنه، في أية حال، لابد أنه هناك نهاية سريعة موضوعة لسيرة يسوع. لقد استمع بلهّفة أكثر فأكثر إلى اقتراحات قلبه الفاسدة الإجرامية، ولم يكن يفعل شيئاً خلال الأيام القليلة الأخيرة سوى الذهاب والإياب ليقنع رؤساء الكهنة أن يصلوا معه لاتفاق. لكنهم كانوا غير راغبين أن يتصرّفوا فى الحال، وعاملوه باحتقار. قائلين إن الوقت المناسب لا يمكن أن يكون قبل العيد، وأنه لابد أنه سيكون هناك شغب بين الشعب. وكان السنهدريم فقط من استمع إلى مقترحاته ببعض الانتباه. بعدما تلقى يهوذا السر المقدس على نحو دنس، تملكه الشيطان وذهب فى الحال ليكمل جريمته. لقد بَحَث بالدرجة الأولى عن أولئك الأشخاص الذين أغروه ودخلوا في اتفاقيات معه، والذين ما زالوا يستقبلونه بصّداقة زائفة. البعض كان قد أنضم للاحتفال، ومن بين هؤلاء كان حنان وقيافا، وهذا الأخير عامله بكبرياء وازدراء. كل أعداء المسيح هؤلاء كانوا مترددين وبعيدين عن الشّعور بأي ثقة فى النّجاح، لأنهم كانوا يرتابون في يهوذا. أنى أرى مملكة جهنم منقسّمة ضد نفسها؛ اشتهي إبليس جريمة اليهود، واشتاق بلهفة لموت يسوع، هادى النفوس، المعلّم القدوّس، الإنسان البار الذي كان يمقته جدا؛ لكنه في نفس الوقت يشعر بخوف داخلى غير عادى من موت هذه الذبيحة البريئة، الذي لا يخفي نفسه عن مضطهديه. لقد رأيته حينئذ، من ناحية، يثير كراهية وغضب أعداء يسوع، ومن ناحية أخرى، يلمِّح إلى البعض منهم بأن يهوذا شخص حقير وشرير، وأن الحُكم بعقوبة الموت ليس بالإمكان إعلانها قبل الاحتفال، أو أن العدد الكافي للشّهود ضد يسوع لن يتجمّع . لقد اقترح كل شخص شيئاً مختلفاً، والبعض سأل يهوذا: " هل سنكون قادرين على أخذه؟ هل ليس لديه رجال مسلّحون ؟ " وأجاب الخائن: " كلا، أنه وحيد مع أحد عشر تلميذاً؛ أنه مُحبَط للغاية، والأحد عشر لهم رجال جبناء " اخبرهم إما الآن وإما لن يتملكون يسوع أبداً، أخبرهم أيضاً إنه قد لا تكون عنده فيما بعد القوه أن يسلم يسوع في أياديهم، وأنه قد لا يرجع إليه ثانية، لأنه لبضعة أيام ماضية كان واضحاً جدا أن التلاميذ الآخرين ويسوع نفسه يرتابون فيه وإنهم بالتأكيد سيرفضونه إن رجع إليهم. اخبرهم أيضاً إنهم إن لم يعتقلوه حالا، فأنه سيهرب ويعود مع جيش من المُوالين له لينصب نفسه ملكاً. أتت تهديدات يهوذا هذه ببعض التّأثير وقُبلت مقترحاته، وتسلم ثمن خيانته ثلاثون قطعة من الفضة. يهوذا لكونه مُدركاً إنهم يعاملونه باحتقار وارتياب، لأن لغتهم وإشاراتهم خانت مشاعرهم، اقترح عليهم بازدراء أن يعيد المال كتقدمة للهيكل، من أجل أن يجعلهم يفترضون أن نواياه مُجردة ونزيهة. لكنهم رفضوا اقتراحه, لأن ثمن الدّم لا يمكن يكون تقدمة للهيكل. رأى يهوذا كيف إنهم احتقروه، وكانت ثورته شديدة. أنه لم يتوقّع أن يحصد الثّمار المرّة لخيانته حتى قبل أن تتم، لكنه كان قد ذهب بعيداً مع هؤلاء الرّجال حتى أنه قد صار تحت سيطرتهم، والتراجع لم يعد ممكنا. لقد راقبوه بحذر، ولم يتركوه يغيب عن أعينهم، حتى أراهم بالضبط ما هى الخطوات التى ستتخذ من أجل القبض على يسوع. رافقه ثلاث فريسيين عندما ذهب لغرفة يتجمع فيها جنود الهيكل, البعض منهم كانوا يهودا، والباقين من جنسيات متعدّدة. عندما صار كل شيء مستقراً، وتجمّع العدد الضّروري من الجنود، أسرع يهوذاً إلى عُلية صهيون أولاً، يرافقه خدم الفريسيون، ليتحقق من أن يسوع قد رحل، أو يقبضون عليه هناك بدون صعوبة . قبل وقت قصير من تسلم يهوذا لثمن خيانته، خرج فريسي وأرسل سبعة عبيد ليجلبوا الخشب الذي يجب أن يعدّ ليكون صّليب مُخلصنا في حالة مُحاكمته، لأن اليوم التالي لن يكون هناك وقت كاف بسبب بدء عيد الفصح. لقد أتوا بهذا الخشب من بقعة على بعد حوالي ثلاثة أرباع الميل، قرب سور عال، حيث كانت هناك كمية عظيمة من الأخشاب تخص الهيكل، وسحبوها إلى ميدان يقع خلف محكمة قيافا. القطعة الرّئيسية للصّليب جاءت من شجرة نمت سابقا في وادي يهوشافاط قرب مجرى قدرون، والتى استعملت كجسر بعد ما سقطت عبر النبع، عندما أخفى نحميا النار المقدّسة والأوعية المقدّسة في بركة بيت صيدا، ألقيت هذه الخشبة فى هذه البقعة، مع قطع أخرى من الخشب، ثم بعد ذلك أُخذت من هناك، وتركت على أحد الاجناب. الصّليب قد اعدّ بأسلوب غريب جدا، أمّا بشيء من السخرية من نبل يسوع، أو إما ما يعتبره البشر صدفة. لقد كان مُعداً من خمس قطع من الخشب، باستثناء اللوحة. لقد رأيت العديد من الأشياء الأخرى التى تختص بالصليب، ومعنى التفاصيل المختلفة قد جُعلت معروفة لي، لكنى نسيت كل ذلك. عاد يهوذا، وقال بأنّ يسوع لم يعد فى العلية، لكنه لابد أن يكون على جبل الزيتون، في البقعة التى اعتاد أن يصلّي فيها. طلب أنّ يُرسلوا معه عدداً قليلاً من الرّجال، خشية أن يُدرك التلاميذ الذين كانوا سهارى أي شئ ويحضوا على المقاومة. ثلاثمائة رجل كانوا على البوّابات وفي شوارع أوفيل وعلى طول وادي القلعة وحتى دار حنان وعلى قمة جبل صهيون، لكى يكونوا مستعدين أن يرسلوا تعزيزات فى حالة الضرورة، لأنه قال، أن كل شعب أوفيل الفقراء سينحازون ليسوع. دعاهم الخائن أيضاً أن يكونوا حذرين، خشية أن يهرب منهم حيث أنه، بوسائل غامضة، كان يخفى نفسه غالبا في الجبل، ويجعل نفسه فجأة غير مرئياً لمن حوله. أوصاهم أيضا أن يربطوه بسلسلة، ويستعملون بعض السّحر ليمنعوه من كسرها. استمع اليهود إلى كل هذه النصائح باحتقار وعدم اهتمام وأجابوه " ما أن نقبض عليه في أيادينا، سنحذر ألا ندعه يذهب. " بعد ذلك بدأ يهوذا يُعد ترتيباته بأولئك الذين سيرافقونه. رغب أن يدخل البستان أمامهم، ويعانقه ويحيّيه كما لو أنه يرجع إليه كصديق وتلميذ، وبعد ذلك يأتى الجنود ويقبضوا عليه. لقد كان حريصاً على أنّ يبدو الأمر كأنه محض صدفة، حتى يهرب عندما يظهرون، مثل التّلاميذ الآخرين ولا يعد يُسمع عنه فيما بعد. اعتقد أيضاً، إنه فى الشغب الذى سيتبع ذلك، إن التلاميذ سيحمون أنفسهم، ويجوز يسوع وسط أعدائه، كما كان يفعل كثيراً من قبل. لقد استقر على هذه الأفكار, خاصة عندما جرح أسلوب اليهود المتكبّر والمُهين كبريائه؛ لكنه لم يندم قط على أنه قد أسلم نفسه للشّيطان بالكلية. لقد كانت رغبته أيضا ألا يحمل الجنود الذين يتلونه سلاسل أو حبال، وتظاهر شركاؤه بقبول كل رغباته، بينما هم في الواقع يتعاملون معه كما مع خائن لن يؤتمن، بل أضمروا أن يُلقوه بعيداً بمجرد أن يفعل ما هو مطلوب منه. تسلم الجنود الأوامر أن يظلوا بقرب يهوذا وأن يراقبوه بحذر، وألا يدعوه يغيب عن أنظارهم حتى يقبضوا على يسوع، لأنه تسلم أجرته، وكانوا خائفين أن يهرب بالمال ولا يُقبض على يسوع بعد كل هذا. تكونت فرقة الرّجال التى اختيرت لترافق يهوذا من عشرين جندياً، مختارين من حرس الهيكل ومن جنود آخرين من الجيش كانوا تحت آمرة حنان وقيافا. كان زيهم مثل زي الجنود الرّومان، كانت لهم شارات مثلهم، ولكن لحاهم كانت طويلة، بينما الجنود الرّومان في أورشليم كان لهم شوارب فقط ويحلقون لحاهم. كان معهم جميعا سيوفاً والبعض مسلّح بالرّماح أيضاً، ولقد حملوا عصى مع فوانيس ومشاعل؛ لكنهم أضاءوا المشاعل فقط. في بادئ الأمر كان مُرتباً أن يرافق يهوذا جنود أكثر، لكنه جذب انتباههم إلى حقيقة أنّ العدد الكبير من الرّجال سيُرى بسهولة جداً لأن جبل الزيتون يكشف كل الوادي. لهذا ظل أغلب الجنود في أوفيل، وانتشر الحراس على كل الجوانب ليواجهوا أي محاولة لإطلاق سراح يسوع. بدأ يهوذا بعشرين جندياً، لكن كان يتبعه على مسافة منه أربعة من قادة الجنود، حاملين حبال وسلاسل، ويتلوهم سّتة رجال ممن كانوا على اتصال بيهوذا لبعض الوقت. أحدهم كان كاهناً ومستشاراً لحنان، الثاني كان مكرّساً لقيافا، الثالث والرابع كانا من الفريسيون، والاثنان الآخران أحدهم من الصديقيون والأخر من أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ. هؤلاء الرجال الستة كانوا من رجال حاشية حنان وقيافا ويعملون كجواسيس وكانوا أكثر الأعداء مرارةّ ليسوع ظل الجنود على مودة مع يهوذا حتى وصلوا إلى الطّريق الذى يفصل بين بستان الزّيتون وبستان جَثْسَيْمَانِي ، وهناك رفضوا أن يسمحوا له أن يتقدّم بمفرده، وغيّروا أسلوبهم معه بالكامل وعاملوه بفظاظة . |
||||
07 - 11 - 2012, 04:34 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل السادس عشر القبض على يسوع كان يسوع يقف مع تلاميذه الثّلاثة على الطّريق الذى يفصل جَثْسَيْمَانِي عن بستان الزّيتون، عندما ظهر يهوذا والفرقة التي ترافقه. قام نزاع بين يهوذا والجنود، لأنه أراد أن يقترب أولا بمفرده ويتكلّم مع يسوع بهدوء كما لو أن لاشيء يحدث، وبعد ذلك عليهم أن يأتوا ويقبضوا على مُخلّصنا، وهكذا يبدوا وكأنّه ليس له صله بالقضية. لكن الرّجال أجابوه بوقاحة " ليس هكذا يا صديقنا, أنك لن تهرب من أيادينا حتى نقيد الجليلي على نَحْو مضمون " وبرؤية التلاميذ الثّمانية الذين أسرعوا لينضموا ثانية إلى يسوع عندما سمعوا النّزاع الذي كان مستمراً، نادوا على قادة الجنود الأربعة، الذين كانوا يتبعونهم على مسافة قليلة، ليساعدوهم على الرغم من معارضة يهوذا. عندما رأي يسوع والتلاميذ الثّلاثة فرقة الرّجال المسلّحين، رغب بطرس أن يصدّهم بقوة السلاح وقال : " يا رب، إن الثمانية الآخرين قريبين، دعنا نهاجم قادة الجنود " لكن يسوع أمره أن لا يحمل سلاحه، وبعد ذلك التفت وسار للخلف بضع خطوات. فى هذه اللّحظة جاء أربعة تلاميذ من البستان، وسألوا : "ماذا يحدث ". كان يهوذا على وشك أن يجيب، لكن الجنود قاطعوه، ولم يتركوه يتكلّم. هؤلاء التلاميذ الأربعة كانوا يعقوب الصغير وفيلبس وتوما ونثنائيل مع ابن سمعان الشيخ وهو الذى أتصل ببعض من التلاميذ الثّمانية في جَثْسَيْمَانِي ليذهبوا لرفاق يسوع ليعرفوهم بما يحدث. كان التّلاميذ الآخرين يتجوّلون ذهابا وإيابا، مُنتبهين ومستعدين للهرب في لحظة الخطر. سار يسوع نحو الجنود وقال بصوت واضح وقوي: " من تطلبون ؟ " أجاب زُعماؤهم : " يسوع الناصري ". فقال لهم يسوع: " أنا هو " ما أن نطق يسوع بهذه الكلمات حتى سقطوا جميعا على الأرض، كما لو إنهم أصيبوا بسكتة دماغية. يهوذا، الذي كان يقف بجانبهم، كان بغاية الانتباه، وبدا توّاقا للاقتراب، مد يسوع يده وقال : " يا صاحب، لماذا أتيت؟ " تمتم يهوذا بشيء ما بخصوص العمل الذي أتى من أجله. أجاب يسوع ببضع كلمات ما معناها :" لقد كان أفضل لهذا الإنسان ألا يكون قد ولد " على أية حال، أنا لا أستطيع أن أتذكّر الكلمات بالضبط. فى نفس الوقت، نهض الجنود، واقتربوا من يسوع ثانية، لكنهم انتظروا إشارة القبلة، التي وعد يهوذا أن يحيّي بها سيده حتى يتعرفوا عليه. أحاط بطرس والتلاميذ الآخرون بيهوذا ولعنوه، دعوه لصاً وخائناً؛ لقد حاول أن يهدأ غضبهم بكل أنواع الأكاذيب، لكن جهوده كانت عقيمة، لأن الجنود نهضوا وعرضوا عليه أن يحموه، الإجراء الذى اظهر الحقيقة فى الحال. سأل يسوع ثانية، " من تطلبون ؟ " أجابوا : " يسوع الناصري " أجاب يسوع : " لقد قلت لكم أنّي أنا هو، إن كنتم تطلبوني، دعوا هؤلاء يمضون فى طريقهم." بهذه الكلمات سقط الجنود لثاني مرة على الأرض، في تّشنّجات تشبه تشنجات المصّروعين، أحاط التلاميذ ثانية بيهوذا واظهروا استياءهم من خيانته المخزية. قال يسوع للجنود : " انهضوا " فنهضوا، لكن في بادئ الأمر كانوا صامتين تماما من شدة الرّعب. حينئذ قالوا ليهوذا أن يعطيهم الإشارة المتفق عليها فى الحال، لأن الأوامر المُعطاة لهم كانت أن لا يقبضوا إلا على من يُقبّله يهوذا. حينئذ أقترب يهوذا من يسوع وقبّله قائلاً " مَرْحَبا يا مُعلّم " أجابه يسوع : " ماذا يا يهوذا, أتسلم ابن الإنسان بقبلة؟ " أحاط الجنود بيسوع فورا، ووضع قادة الجنود أياديهم عليه. أراد يهوذا أن يهرب، لكن التلاميذ لم يسمحوا له؛ اندفعوا نحو الجنود وصرخوا: " يا سيد، هل نضرب بالسّيف؟ " بطرس الذي كان أكثر تهوّرا من الباقين، استولى على سّيف، وضرب ملخس، خادم كبير الكهنة، الذي أراد أن يُبعد التلاميذ، وقطع أذنه اليمنى؛ سقط ملخس على الأرض، وحدث اضطراب عظيم . القي قادة الجنود القبض على يسوع، وأرادوا أن يقيدوه؛ بينما وقف ملخس وباقي الجنود حوله. عندما ضرب بطرس أولهم، كان الباقين مشغولين في صد أولئك التلاميذ الذين اقتربوا، وفي مطاردة أولئك الذين هربوا. ظهر أربعة تلاميذ من على بعد، ونظروا بخوف إلي المشهد الذى أمامهم؛ لكن الجنود كانوا لا يزالون منتبهين أكثر من اللازم بسقوطهم الأخّير لذا لم يزعجوا أنفسهم كثيراً بهم، وأيضا لم يرغبوا فى أن يتركوا منقذنا بدون بعض الرّجال ليحرسوه. هرب يهوذا بعدما قدم قبلته الخائنة، لكنه بعض التّلاميذ لاقوه وأوسعوه لّوماً. فجاء ستة فريسيين لينقذوه، وهرب بينما كان قادة الجنود مشغولين بتقييد يسوع. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:35 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل الرب يسوع بعدما أراحني رسولِ أبي، رَأيتُ يهوذا يدنو منى يتبعه كل أولئك الذينِ سيعتقلونني, كَانَ لديهم حبالُ وعصى وحجارة... خَطوتُ للأمام وقلت لهم :" عن من تَبْحثُون ؟ " وبينما يهوذا يُربت على كتفي، قَبّلني ...!إن كثيراً جداً من النفوس قَدْ بِاعتني وسَتَبِيعني لقاء لذّةِ رديئة، من أجل لذة عابرة مؤقتة.... يا لها من نفوس مسكينة، تلك التى تُبحث عن يسوع، كما فعل هؤلاء الجنودِ. أيتها النفوس التي اَحْبّهاُ؛ يا من تأتون إلي وتلاقوني في أحضانكم، يا من تخبروني مرات كثيرة جداً أنكم تحَبونني .... هل سَتسلّمونني بعد أن تلاقوني ؟ فى الأماكنِ التى ترتادونها توجد هناك الأحجارُ التى تجرحني، هناك المُناقشات التى تهينني، وأنتمَ يا من تتناولوني, أنكم تَفْقدُون نقاء النعمة الجميلَ هناك. لماذا تخونني النفوس التي تَعْرفني بهذه الطريقة بينما فى أكثر من مناسبةِ تتفاخر بأنها نقيه وتتباهى بأعمال المحبة؟ أتتباهون بكل الأمور التي تستطيع أن تساعدكم حقاً وتستحق أعظم جزاء... التى ليست سوى ستار يغطّي جرائمكم فى تكديس خيرات أرضيه؟ تيقظُوا وَصلوا! قَاتلْوا بلا راحة ولا تجعلوا ميولكمَ الرديئة وعيوبكَم تُصير مألوفة لكمَ. انّظروا، إنه من الضروري أن تقتلعوا العشبِ سنوياً وأن أمكن خلال الفصول الأربعة. يَجِبُ عليكم أَنْ تصلحوا الأرض وأن تطهروها. عليكم أَنْ تَجْعلوها أفضل وأن تَحْذروا من الأعشاب الضارة التى تنّبتِ عليها. يَجِبُ أَنْ تَعتنوا بالنفس بكدِّ كثيرِ وأَنْ تَقوموا الميول المَلْتوية. لا تظنوا أنّ النفوس التي تَبِيعني وتقدم ذاتها إلى خطيئة مُميتة، أنها قد بَدأتَ بخطيئةِ مُميتة. عادة ما يبَدأَ السّقوط العظيم بشيء ماِ صغيرِ: شيء ماُ تمتعت به النفس، ضعف، قبول للمحظور، مسرة بما هو غير مُحرّمُ لكنه لَيسَ لائقاً .... بهذه الطريقة، تَبْدأُ النفس بإعماء نفسها، أنها تُنقص في النّعمةِ، الشغف يَقوّي، وأخيراً، تنهزم . أفهموا هذا: إن كان محزناًَ أَنْ أتلقى الإساءة والجحود من أي نفس، فإنه يكون مُحزناً أكثر عندما تَجيءُ الإساءة والجحود من أحبائي، من النفوس المُختارةَ. على أية حال، الآخرون يُستطيعون أَنْ يعوضوني ويَواسوني. أحبائى، يا من اخترتُهم لأَجْعلَهم موضع راحتي، يا جنتي المُبهجة، أنى أَتوقّعُ منكم حناناً أعظم، لطفاً أكثر، والكثير جداً من الَحْبَّ. أنى أَتوقّع منكم أنْ تَكُونَوا البلسمَ الذي يشفىَ جراحي، أتوقع منكم أَنْ تُنظّفواَ وجهي الذى أتسخ وجُعلَ قبيحَاً؛ أتوقع أن تساعدوني بإعطاء النور إِلى نفوس كثيرة عمياءِ تعتقلني فى ظلمةِ اللّيلِ وتقيدني كى تسلمني إلى الموت. لا تَتْركوني وحيداً...استيقظوا وتعالوا، لأن أعدائي قد وَصلُوا! عندما اقترب الجنود قُلتُ لهم :" ها أنا! " هذه الكَلِماتِ نفسهاِ أُكرّرهاُ إِلى النفس التى عَلى وَشَكِ أَنْ تَسْقطَ في الإغراءِ وأقول لها:" ها أنا,لا يزالَ هناك وقّتُ, وإن أردت، فأنا سَأَغْفرُ لكَ. وبدلاً من أن تقيديني بحبالِ الخطيئةِ، سأقيدك أنا بأربطة الحبِّ ". تعالوا، فأنا من يَحْبّكمَ؛ أنا من لديه الكثير من الشّفقةُ لضعفكِم؛ أنا من يُنتَظِركم بلهفة ليَستقبلكم في أحضانه. عندما ضرب بطرس ملخس، قال له يسوع: " ضع السيف مكانه؛ لأن كل من يأخذ بالسّيف سيهلك بالسيف. أتظن أنى لا أستطيع أن اسأل أبي، وهو يعطيني في الوقت الحاضر أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟ كيف إذن ستتحقق الكتب المقدّسة؟ " ثم قال : " دعنى أشفي هذا الرّجل " واقترب من ملخس ومسّ أذنه وصلّى وشفاه. استمر الجنود الذين كانوا يقفون قريباً، وقادة الجنود والفريسيين السّتة أيضا، بعيداً من أن يكونوا مُتأثرين بهذه المعجزة، استمروا يهينون الرب، وقالوا للحاضرين " إنها خدعة الشّيطان، قوى السّحر جعلت الأذن تبدو مقطوعة، والآن نفس القوة تجعلها تبدو أنها شُفيت. " حينئذ خاطبهم يسوع ثانية: " كأنكم خرجتم على سارق، بسّيوف وعصى لتعتقلوني. لقد جلست يومياً معكم أعلّم في الهيكل، وأنتم لم تضعوا الأيادي عليً، لكن هذه هى ساعتكم وقوة الظّلمة ". أمر الفريسيون أن يقيدوه بأكثر قوة، وأجابوه بنغمة محتقرة : " أنك لن تستطيع أن تسقطنا بسحرك" أجابهم يسوع لكنى لا أتذكّر كلماته، وهرب كل التلاميذ. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:36 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل أخر للرب يسوع إن حادثة أسري اختبار جيدِ، لها الكثير من الأهميةُ. لو لم يضرب بطرس ملخس، لما كان عِنْدَي الفرصةُ كى ألفت انتباهكم إلى الطّريقةِ التى أُريدكَم أَنْ تَستخدموها في النضال من أجلي. لقد استعملتُ مثالاً كى أُحذّرَ بطرس واعدتُ لملخس أذنَه لأنى لا اَحْبُّ العنف، بَكُونُي إله الحريةِ. لكن لاحظوا أنى حذرته من فعَل هذا، لقد أظهرت لبطرس رغبتى الراسخة فى أن تكون آلامي مُكتملة وقد جَعلته يَتأمّلُ حقيقة أنني إن أردتُ، فالأب سيَحْميني بملائكته. انظروا كم اجتمعت أشياء عدة في حادثة واحدة فقط؟ لكن الشيء الرّئيسيَ هو بالضبط الدّرسُ الذي يجبُ أَنْ أَعطيه لكم جميعاً فى قتالِ أعدائكمَ. كل من هو مثلي سيفعَْلُ هكذا: سيَسْمحُ لنفسه أنْ يُؤْخَذُ أينما يُريدواَ أَنْ يَأْخذوه، لأنه سَينال فى لحظات القوةُ التي لا يتوقعها العالمِ, قوة ليست مِن قِبل البشر, قوة لا يتوقعها بالخبرةِ الإنسانيةِ، ولا بذكاء حبِّ الذّات . كلا, إن كل من هو مثلي سيَبْقى في الحالةِ حيث هو وضعُ وسينال قوة مجهولة لكنها قوةَ نشيطةَ كى يتغلب على مضطهديه. تلميذي الحقيقي يَفعَلُ الأمور الأقل احتمالاً بلا أدنى اعتراض على خططي له, إن العالمُ يُسر نفسه بصفات مميِّزة ببَراعَةِ، ويُظهر تفوق خاصته. هذا هو الرّوحُ الذي قَاتلتُه وقَهرتُه. لهذا أقول لكم جميعاً أَنْ تتشجعوا، لأنى قد هزمته، أن العالمِ لا يُستطيع أن يَفعلُ شيئاً الآن كى يَقْطعَ اتحادكم معي بشرط ألا تتحّدوا أنتم معه. إن اتحدتم معه، عليكم أَنْ تَعانوا من النّتائج بالإضافة إلى أننى بنفسي سأُعارضُ انتصاركم بأسلحةِ العالمِ، عديد من المرات سيكون عليكم أن تكونوا كخصومِ للعالمِ ولي, للعالم بسبب حبّه الأناني، ولي بسبب الحبِّ النقى، لأجل محبّة جوهركم الحقيقي الصالح ِ. لذلك، لا ضرباتُ مثل ضربة بطرس إِلى آذانِ أعدائكمِ ستحميكم بدون قبول كل الكأسِ الذي أقدمه لكم. الكأس الذى ينبغى أن أَنْ تَروا فيه مشيئتى كما رَأيتُ أنا مشيئة أبى عندما سَألتُ بطرس الحبيب : " أَعِدِ السَّيْفَ إِلَى غِمْدِهِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ، أَلاَ أَشْرَبُهَا؟؟ " تأمّلوا دائما فى آلامي وأمعنوا النظر بعمق في روحي واَحْصلُوا على الانطباعات المفيدةُ والتي تحثكم على أَنْ تُقتادوا بى. بالطبع، أنا من سأفعلُ هذه الأشياءِ فيكم لكنكم يَجِبُ أَنْ تُقدّموا ذواتكم، وبعد ذلك، سَتُنجزُون ما أَقُولهُ. آه! لو يستطيع الإنسان أن يَفْهمَ فقط هذا الجانب من آلامي ! كم سيكون أسهل كثيراً أَنْ يُنتجَ وأن يَعِيشَ حياتي مرة أخرى! تقدموا يا أولادي، فإن كل شيء إنما هو سؤالُ عن الحبِّ، لَيسَ عن أي أمر آخر. عن الحبِّ وعن عملي الذي أُريدُ أَنْ أَتمّمهَ فيكم، وعن أن تَحْبوني أكثر دائما. توقفوا عن أن تفكّروا بطريقهِ بشريةِ؛ اَفْتحُوا أذهانكم إِلى عالميِ، افتحوها إِلى خاصتي الذين معكم. فإن هذا مهمُ! أنكم لي لثلاثة أسبابِ: أولا لأنى خَلقتكَم من لا شيء, ثانيا لأني افتديتكم, ثالثا لأنكم سَتكنون جزءاً من إكليل مجدي. لهذا يَجِبُ أَنْ تَتذكّرواَ أنّي أَهتمَّ بكَم لهذه الأسباب الثلاثة، وأنى لا يمكن أبداً أَنْ اَفْقدَ اهتمامي بمن قَدْ خَلقتُهم وفديتهم وسيكونون مجدي. أنكمَ تُقادون نحو هذا الطّريقِ ويَجِبُ أَنْ تُقطعوه كله. كما كَانَ ذلك لي، إنه لَنْ يَكُونَ مفيداً لكم فقط بل لكثير من أخوتكمَ الذين يَجِبُ أَنْ يَنالوا منّي النعمة والحياة من خلالكم. تّقدّموا، لأنى أُبهجُ نفسي بتقدمكم؛ تعلّمُوا، لأن الحبَّ يُريدُ أَنْ يَمتلككمَ بالكامل. أنى أُبارككم، بركة مليئة بالوعدِ. أَعطيها لكم جميعاً بالقدرة التى تمتّعُت بها أنا كإنسان، قدرة هى لكم، وفرح سَأمنحه مع جائزةِ، جائزة ستُؤكّدُ حبّي اللانهائي لكم. لقَدْ حانت ساعتي؛ السّاعة التى علىّ أَنْ أُكملَ فيها التّضحية، فسلمتُ نفسي إِلى الجنودِ بوداعة الحملِ. لم يسقط قادة الجنود الأربعة والفريسيين السّتة على الأرض بكلمات يسوع، لأنهم هم ويهوذا، الذي لم يسقط أيضا, كانوا تحت سطوة الشّيطان بالكامل، حيث إن كل أولئك الذين سقطوا ونهضوا ثانية قد تعمدوا بعد ذلك وصاروا مسيحيين؛ إنهم أحاطوا فقط بيسوع، ولم يضعوا الأيادي عليه. ملخس قد آمن فورا من قبل الشفاء الذى ناله، وخلال وقت الآلام كانت وظيفته أن يحمل الرسائل ذهابا وإيابا إلى مريم وإلى رفاق الرب الآخرين. قيد قادة الجنود يسوع بوحشية بالغة، كانوا وثنيين من أدنى نَسَب وأقوياء وقصار ونشيطين، ببشرة رّملية، تشبه بشرة العبيد المصريين، سيقانهم وأذرعهم ورقابهم كانت عارية. لقد ربطوا يديه بحبال جديدة صَلبة بإحكام، ربطوا الرّسغ الأيمن تحت المرفق الأيسر، والرسغ الأيسر تحت المرفق الأيمن. طوّقوا خصره بحزام مقوى بقطع من الحديد وقيدوا يديه به, بينما وضعوا على رقبته طوقاً مُغطى بقطع حديدية، وأضافوا إلى هذا الطوق حزامين من الجلد عبّرا صدره كالشال وربطوهما بالحزام. ثم ربطوا أربعة حبال إلى أجزاء مختلفة من الحزام، وبهذه الحبال جروا إلهنا المبارك بطريقة قاسية. الحبال كانت جديدة؛ أعتقد إنها اشتريت عندما قرر الفريسيون أن يعتقلوا يسوع. أشعل الفريسيون مشاعل إضافية، وتحرك الموكب. سار عشرة جنود في الأمام، يتبعهم قادة الجنود الذين أمسكوا الحبال وجروا يسوع، ثم يتبعهم الفريسيون وعشرة جنود آخرين فى المؤخّرة. هام التلاميذ بعيداً وبكوا وناحوا من الأسى. يوحنا فقط تبع يسوع ومشي على مسافة ليست بعيدة عن الجنود، حتى رآه الفريسيون، فأمروا الحرّاس أن يعتقلوه. فسعوا أن يمسكونه، لكنه هرب، تاركاً في أياديهم الإزار الذي يتغطى به الذي امسكوه منه عندما سعوا أن يقبضوا عليه. لقد تخلص من إزاره حتى يهرب من أيادي أعدائه ولم يحتفظ بشيء سوى ثوب قصير وبدون أكمام وشال طّويل يرتديه اليهود عادة، والذي لفه حول رقبته ورأسه وذراعيه. تصرّف قادة الجنود بغاية القسوة مع يسوع بينما كانوا يقتادونه؛ لكى يرضوا الفريسيون السّتة، الذين يعرفون إلى أى مدى كانوا يكرهون يسوع. لقد اقتادوه على الطّريق الأكثر وعورة، على أحجار مدببة، وخلال الأوحال؛ لقد جذبوا الحبال بإحكام بقدر ما يستطيعون؛ ضربوه بالحبال المعقودة، كجزار يضرب بهيمة على وشك أن تُذبح؛ وقد صاحب هذه المعاملة القاسية إهانات دّنيئة وبذيئة لا أستطيع أن أصوغها. كانت قدما يسوع عارية؛ كان يرتدى، بالإضافة إلى الثوب العادي، رداء صوفياً بلا حياكة، والعباءة التي من أعلى. لقد نسيت أن أذكر أنهّ عندما اُعتقل يسوع، كان ذلك بدون أي أوامر رسمية أو قانونية؛ لقد عومل كشخص بلا أى حماية من القانون. مضى الموكب بخطى حثيثة؛ عندما تركوا الطّريق الذي يفصل بين بستان الزّيتون وبستان جَثْسَيْمَانِي ، انعطفوا يميناً، ووصلوا إلى جسر على مجرى قدرون. عندما ذهب يسوع إلى بستان الزّيتون مع التلاميذ، لم يعبر هذا الجسر، بل ذهب من طريق خاصّ يمرّ عبر وادي يهوشافاط، ويقود إلى جسر آخر إلى الجنوب. الجسر الذى اقتاد الجنود يسوع عليه كان طويلاً، لكونه لا يعبر المجرى فقط، الذي كان كبيراً جدا في هذا الجزء، بل أيضاً الوادي، الذي يمتدّ مسافة كبيرة إلى اليمين وإلى اليسار. لقد رأيت يسوع يسقط مرّتين قبل أن يصل إلى الجسر، وهذا السّقوط كان نتيجة الأسلوب البربري الذي يجره به الجنود ؛ لكن عندما كانوا فى منتصف الجسر أعطوا مُتنفساً كاملاً لميولهم الوحشية، وضربوا يسوع بعنف حتى إنهم القوه من على الجسر في الماء، وأوصوه بازدراء أن يروي عطشه هناك. لو لم يحفظه الرب، لكان قُتل بهذا السّقوط؛ لقد سقط أولاً على ركبتيه، وبعد ذلك على وجهه، لكنه أنقذ نفسه بمد يديه قليلاً، التي مع أنها مقيدة بإحكام، إلا إن رباطها ارتخى، أنا لا اعرف إن كان ذلك بمعجزة أم أن الجنود قطعوا الحبال قبل أن يُلقوه في الماء؟. أن علامات قدميه ومرفقيه وأصابعه قد طُبعت على الصّخرة التى سقط عليها بشكل عجيب، وهذه العلامات قد أُظهرت بعد ذلك لتبجيل المسيحيين. إن هذه الأحجار أقل صلابة من قلوب البشر الغير مؤمنين سواء الذين أحاطوا بيسوع حينئذ، أو الذين يهينونه بطريقه أو بأخرى. أنا لم أر يسوع ينال أى شئ من الماء ليروي العطش الذي أنهكه منذ معاناته في جَثْسَيْمَانِي ، لكنه شرب عندما سقط في قدرون، وأنا؛ سمعته يكرّر كلمات من المزمور 110 : 7 النّبوي " مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ " ما زال الجنود يمسكون بنهايات الحبال المُقيد بها يسوع، لكن كان من الصعب أن يسحبوه خارج الماء من ذلك الجانب، بسبب حائط كان مبنياً على الشّاطئ؛ فعادوا وسحبوه من قدرون إلى الشّاطئ، وبعد ذلك جعلوه يعبر الجسر مرة ثانية، مًصاحبين كل أفعالهم بالإهانات والتجديف والضرب. رداؤه الصّوفي الطّويل، الذي أبتل تماما، التصق بساقيه وعرقل كل حركته، وجعل من شبه المستحيل له أن يمشي، وعندما وصل إلى نهاية الجسر سقط تماما. سحبوه ثانية بطريقة قاسية، ضربوه بالحبال، وربطوا نهايات ردائه المبلّل بالحزام، في نفس الوقت شتموه بأسلوب بغاية الجبن. لم يكن منتصف الليل قد حان عندما رأيت الجنود الأربعة يسحبون يسوع بشكل وحشي على طريق ضيّق على الشّاطئ المقابل من قدرون، طريق ممتلئ بالأحجار, بقطع من الصّخور ونباتات شائكة وأشواك. كان الفريسيين الستة المتوحشين بقرب يسوع بقدر ما يمكن، ليضربوه بشكل ثابت بعصي مدبّبة وسّميكة، وكانت قدماه العاريتان تنزف وتتمزّق من الأحجار والأغصان الشائكة، حينئذ صاحوا باحتقار : " بالتأكيد إن سلفه يوحنا المعمدان لم يُعد الطريق جيداً هنا " أو " إن كلمات ملاخى النبي " ها أنا أرسل ملاكي أمام وجهك، ليمهّد الطريق أمامك" غير مُطبقه عملياً الآن بالضبط " كل دعابة وقحة نطق بها هؤلاء الرّجال حثت الجنود الأربعة على المُبالغة فى القسوة. أشار أعداء يسوع بأنّ هناك بضع أشخاص يظهرون على البعد؛ لقد كانوا التلاميذ الذين تجمّعوا عندما سمعوا أنّ سيدهم قد اعتقل، والذين كانوا حريصين أن يكتشفوا ماذا ستكون النّهاية؛ لكن رؤيتهم جعلت الفريسيون يضطربون، خشية أية محاولة لإنقاذ يسوع، ولهذا أرسلوا فى طلب تعزيزات للجنود. رأيت على مسافة قصيرة جدا من مدخل قبالة الجانب الجنوبي للهيكل، الذى يقود إلى قرية صغيرة تدعى أوفيل جنوب جبل صهيون, حيث محل إقامة حنان وقيافا، رأيت فرقة من حوالي خمسين جندياً، يحملون المشاعل، وبدت جاهزة لأي شئ؛ إن سلوك هؤلاء الرّجال كان شنيعاً، كانوا يصيحون صيحات عالية، ليعلنوا عن وصولهم، وليهنّئوا رفاقهم على نجاح مهمتهم. هذا سبّب اضطرابا بين الجنود الذين كانوا يقتادون يسوع، استغل ملخس وبضع من الآخرين ذلك ليغادروا المكان ويهربوا نحو جبل الزيتون. عندما تركت فرقة الجنود أوفيل، رأيت أولئك التلاميذ الذين تجمّعوا. العذراء المباركة وحوالي تسع من النّساء القديسات، لكونهن مملوءات بالقلق، تقدمن نحو وادي يهوشافاط، يرافقهن لعازر ويوحنا مرقص وابن فيرونيكا وابن سمعان. الأخير كان في جَثْسَيْمَانِي مع نثنائيل والتلاميذ الثّمانية، وقد هرب عندما ظهر الجنود. لقد أعطى العذراء المباركة تقرير عن كل ما حدث، عندما انضمت فرقة الجنود الجديدة لأولئك الذين كانوا يقتادون يسوع، سمعت مريم حينئذ صخبهم العنيف ورأت ضوء المشاعل التى يحملونها. هذا المنظر تغلّب عليها تماما؛ صارت فاقدة الوعي، وأخذها يوحنا إلى دار مريم أمّ مرقص . الجنود الخمسون الذين أرسلوا لينضموا للجنود الذين اخذوا يسوع، كانوا انفصلوا من مجموعة من ثلاثمائة رجل أُرسلوا ليحرسوا بوّابات وضواحي أوفيل؛ لأن الخائن يهوذا قد ذكّر الكاهن الأكبر أن سكان أوفيل, الذين من طبقة العمال، وعملهم الأساسي جلب الماء والحطب إلى الهيكل, كانوا موالين ليسوع، وربما يفعلون بعض المحاولات لإنقاذه. كان الخائن مدركاً أنّ يسوع كان قد ساعد وواسى وشفى أمراض كثيرين من هؤلاء العمّال الفقراء، وأن أوفيل كانت المكان الذى توقّف فيه خلال رحلته من بيت عنيا إلى حبرون عندما قُطعت رأس يوحنا المعمدان. عرف يهوذا أيضا أن يسوع قد شفى عديداً من البناءين الذين جرحوا بسقوط البرج فى سلوام والذين من أوفيل. لقد تعمد الجزء الأعظم من سكان أوفيل بعد صلب يسوع، وانضموا لجماعة المسيحيين الأوائل التي تشكّلت بعد العنصرة، وعندما انفصل المسيحيون عن اليهود شيدوا منازل جديدة، وضعوا أكواخهم وخيمهم في الوادي الذي يقع بين أوفيل وجبل الزيتون، وهناك عاش القديس اسطفانوس. أوفيل كانت على تل إلى جنوب الهيكل، محاطة بأسوار وسكانها فقراء جدا. أزعجت ضوضاء الجنود نوم سّكان أوفيل الطيبين؛ فجاءوا من ديارهم وركضوا إلى مدخل القرية ليسألوا عن سبب الضّجيج؛ لكن الجنود استقبلوهم بفظاظة وأمروهم أن يعودوا إلى مساكنهم، وأجابوا أسئلتهم العديدة، قالوا: " لقد اعتقلنا يسوع، نبيكم الكذاب, الذى خدعكم بالكامل؛ أن رؤساء الكهنة على وشك أن يحاكمونه وسيصلب", أرتفع البكاء والنواح من كل جانب؛ النّساء والأطفال الفقراء ركضوا ذهاباً وإياباً، يبكون ويعتصرون أياديهم؛ ويتذكرون كل المنافع التى نالوها من الرب، ألقوا أنفسهم على ركبهم لينشدوا حماية السّماء. لكن الجنود دفعوهم جانباً، ضربوهم وأجبروهم على الرجوع إلى بيوتهم صائحين : " أي برهان أخر مطلوب بعد؟ ألا يُظهر تصرف هؤلاء الأشخاص بوضوح أنّ الجليلى كان يحرّض على التّمرّد؟ " ومع ذلك فقد كانوا حذرين قليلاً في كلامهم وسلوكهم خوفاً من أن يتسببوا فى تمرد شعب أوفيل، ولهذا سعوا فقط أن يبعدوا سّكان القرية عن المناطق التى لابد أن يجتازها يسوع. عندما كان الجنود القساة يقتادوا يسوع قرب أبوّاب أوفيل سقط ثانية، وبدا عاجزاً أن يخطوا خطوة واحدة، بناء على ذلك قال أحد من الجنود لآخر, لكونه تأثر بالشّفقة " ها أنت ترى أن الرّجل المسكين مُستنزف تماما، أنه لا يستطيع أن يسند نفسه من ثقل قيوده؛ إن كنا نريد أن نصحبه للكاهن الأكبر حياً فلابد أن نحلّ الحبال التي توثق يديه، لكى يقدر أن ينقذ نفسه قليلاً عندما يسقط " توقفت الفرقة للحظة وحُلت القيود، وجلب جندي عطوف آخر بعض الماء إلى يسوع من نبع مجاور. شكره يسوع وتكلّم عن " ينبوع الماء الحيّ " الذي يشرب منه أولئك الذين يؤمنون به؛ لكن كلماته أغضبت الفريسيون، وغمروه بإهانات وبألفاظ مُهينة. لقد رأيت قلبي الجنديين قد أنارت فجأة بالنّعمة؛ لقد آمنا قبل موت يسوع، وانضما فورا لتلاميذه. بدأ الموكب ثانية، ووصل لبوّابة أوفيل. هنا تعالت ثانية نداءات الأسى والعطف من أولئك المًديونين له بكثير من الامتنان، وكان الجنود يجدون صعوبة هائلة في إبعاد الرّجال والنّساء الذين احتشدوا حوله من كل جانب. لقد شبكوا أياديهم، سقطوا على ركبهم، ناحوا وصاحوا : " أطلقوا هذا الرجل من أجلنا، أطلقوه! من سيُعيننا، من سيواسينا، من سيشفي أمراضنا؟ أطلقوه من أجلنا! " لقد كان مفجعاً حقا أن ينظروا يسوع ووجهه مشوّهاً وشاحباً ومجروحاً وشعره غير مُرتب, وكان رداؤه ملوّثاً، وحرّاسه المتوحشون والسّكارى يجرونه ويضربونه بالعصي كحيوان مسكين يُقاد لذبحة. هكذا اقتيد وسط سّكان أوفيل المفجوعين، المشلول الذى أبرأه، الأخرس الذي أعاد إليه الكلام، والأعمى الذي أبصر، اتّحدوا، في تقديم تضرّعات لأجل إطلاقه لكن دون جدوى. أُرسل حنان وقيافا وأعداء آخرين ليسوع عديد من الأشخاص من أدنى الطبقات والأكثر انحلالا، لينضموا للموكب وليساعدون الجنود في إساءة معاملة يسوع وفي إبعاد سكان أوفيل. أن قرية أوفيل توجد على تل، ولقد رأيت كثيراً من الخشب موضوع هناك مُعداً للبناء. الموكب كان يجب أن يمضي أسفل التل، وبعد هذا يعبر خلال باب جُعل في السور. شُيدت بجانب هذا الباب بناية كبيرة كانت مُشيدة أصلاً من قبل سليمان، وعلى الجانب الأخر توجد بركة بيت صيدا. بعد العبور من هذا الباب، اتجهوا غرباً فى شارع شديد الانحدار، في نّهايته اتجهوا نحو الجنوب حيث دار حنان. لم يتوقّف الحرّاس عن مُعاملتهم القاسية لمُخلصنا الإلهى، وبرروا مثل هذه التّصرفات بقول إن الحشود التي تجمّعت أمام الموكب أرغمتهم على الشّدة. لقد سقط يسوع سبعة مرات فى المسافة من جبل الزيتون وحتى دار حنان . كان سكان أوفيل لا يزالون في حالة ذعر وأسى عندما أبصروا العذراء المباركة، تعبر القرية ترافقها النّساء القديسات وبعض الأصدقاء الآخرين فى طريقهم من وادي قدرون إلى دار مريم أمّ مرقص، آثارهم ما زالت تتزايد، وقد جعلوا المكان يتردّد بالبكاء والنواح، بينما كانوا يحيطونها ويحملونها تقريبا على أياديهم. كانت مريم صامتة من الأسى، ولم تفتح شفتيها حتى وصلت دار مريم أمّ مرقص، حتى وصل يوحنا، الذي قص كل ما رآه منذ أن ترك يسوع فى عُلية صهيون؛ وبعد ذلك بقليل أخذوها إلى دار مرثا، التي كانت قرب دار لعازر. ذهب بطرس ويوحنا، اللذان تبعا يسوع عن بعد، ذهبا بسرعة إلى بعض خدام الكاهن الأكبر الذين يعرفون يوحنا، من أجل محاولة دخول المحكمة حيث سيُحاكم سيدهم. كان هؤلاء الخدم يقومون بدور الرّسل، وقد أمروا أن يذهبوا إلى بيوت الشيوخ, وأعضاء المجلس الآخرين، ليستدعوهم ليحضروا الاجتماع الذي قد دُعي إليه. كما كانوا حريصين أن يلازموا التلاميذ، لكن توقعوا صعوبة كبيرة فى الحصول على أذن لدخولهم المحكمة، فأعطوهم عباءات تشبه التى يرتدونها هم أنفسهم، وجعلوهم يساعدونهم في حمل الرّسائل إلى الأعضاء من أجل أن يدخلوا بعد ذلك محكمة قيافا، ويختلطوا بالحاضرين دون أن يُميزوا بين الجنود والشّهود الكذبة، لأن كل الأشخاص الآخرين كانوا سيطردون. أمثال نيقوديموس ويوسف الرامى، وأشخاص آخرين حسنى النيّة من أعضاء هذا المجلس، أما التلميذان فقد تعهدوا لهما أن يجعلوهما يعرفان ما سيحدث في المجلس . في أثناء ذلك تجوّل يهوذا فوق وأسفل المنحدرات الشّديدة الانحدار والموحشة التي بجنوب أورشليم، اليأس موسوم على هيئته، والشّيطان يتّبعه ذهابا وإيابا، يملأ خياله بكل الرؤى المظلمة، ولا يسمح له بلحظة راحة واحدة. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:36 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل السابع عشر أعداء يسوع يتحايلون لتنفيذ مؤامراتهم ضده بمجرد أن اُعتقل يسوع حتى تم إبلاغ حنان وقيافا، وبدءا فوراً فى إعداد مؤامرتهم فيما يتعلق بالأعداد لما سُيتّبع. رتبا كل شئ على عجل, أضيئت الغرف ووضُع الحرّس علي المداخل، والرسل بُعثوا إلى أجزاء المدينة المختلفة ليدعو أعضاء المجلس والكتّبة وكل من له دور في المُحاكمة. تجمّع كثيرون منهم في دار قيافا عندما تم الاتفاق مع يهوذا الغادر، ومكثوا فيه لينتظروا سياق الأحداث, كما تجمع الفريسيون والصديقيون وأعضاء حزب هيرودس في أورشليم من كل النواحي للاحتفال بالعيد، وكان لديهم تقارير مطّولة من المجلس عن القبض على يسوع، أرسل رؤساء الكهنة لمن عرفوا إنهم معارضون ليسوع، وطلبوا منهم أن يجمّعوا الشّهود وكل برهان ممكن، ويُحضروا كل شئ أمام المجلس. كان الصديقيون المتفاخرون الذين من الناصرة ومن كفر ناحوم ومن سلوام الذين وبخهم يسوع كثيراً أمام الشعب، مستعدين حتى الموت أن ينتقموا منه. لذا أسرعوا إلى كل الحانات ليبحثوا عن أولئك الأشخاص الذين عرفوا إنهم أعداء ليسوع، وعرضوا عليهم رشاوى من أجل أن يضمنوا وجودهم. لكن باستثناء بضع الافتراءات السخيفة، التي كانت لتفنّد حالما تُحقّق، لاشيء ملموس كان ممكن أن يقدّم ضد يسوع، باستثناء تلك التهم الحمقاء التي كان يسوع قد دحضها كثيراً في المجمع . أسرع أعداء يسوع بطريقة أو بأخرى، إلى محكمة قيافا، يرافقهم كتّبة وفريسيو أورشليم، وعديد من التّجار الذين طردهم يسوع من الهيكل عندما أقاموا السوق هناك؛ كما رافقهم أيضا علماء الناموس الذين أسكتهم يسوع أمام كل الشعب، وحتى بعض الذي لم يستطيعوا أن يغفروا له المهانة التى تعرضوا لها عندما علمهم في الهيكل عندما كان فى سن الثانية عشرة. كان هناك أيضا حشد كبير من الخطاة الغير نادمين الذين رفض أن يشفيهم، لعودتهم للخطايا التي كانت سبب أمراضهم، وفتية دنيويين رفض يسوع أن يكونوا تلاميذ له، وبعض الأشخاص الجشعين أغضبهم يسوع بسبب المال الذي الذى كانوا يأملون فى امتلاكه ووزعوه بنوع من الرياء على الفقراء. كان هناك أيضاً الذين شفى يسوع أقرباءهم، وقد خابت توقعاتهم فى أن يرثوا أملاكهم؛ وفاسقين تابت ضحاياهم على يد يسوع؛ وعديداً من الأشخاص الحقراء الذين جمعوا ثرواتهم بطرق غير شريفة كل مبعوثي إبليس هؤلاء كانوا يفيضون بالغضب ضد كل شيء مقدّس، وبكراهية متعذر وصفها ضد قدوس القديسين. لقد كانوا مُحرّضين للغاية من قبل أعداء يسوع، ولهذا تجمعوا في حشود حول قصر قيافا، ليقدّموا كل اتهاماتهم الباطلة وسعوا أن يغطوا هذا الحمل الذى بلا عيب بالعار، هذا الحمل الذي اخذ على نفسه كل آثام العالم، وقبل الصليب ليصالح الإنسان مع الرب. بينما كانت كل هذه الكائنات الشّريرة تتلقن ما يجب أن تفعله، كان الألم والقلق يملآن قلوب رفاق يسوع، لأنهم كانوا جاهلين بالسر الذي كان على وشك أن يتمّ، وكانوا هائمين متحسرين ويستمعون لمختلف الآراء. كل كلمة نطقوها سبّبت مشاعر مشابهة فى قلوب من خاطبوهم، وأن صمتوا كان صمتهم يُعتبر خطأ. عديد من حسنى النيّة لكنهم ضعفاء وذو شخصيات مترددة خضعوا للتجربة، لقد روّعوا وفقدوا إيمانهم؛ حقاً أن الذين ثابروا كان عدداً محدوداً جدا. أمور تشبه كثيرا مما يحدث الآن، عندما يكون هناك أشخاص يرغبون فى خدمة الرب إن لم يواجهوا بمعارضة من زملائهم ويخجلون من الصّليب إن حُمل باحتقار. قلوب البعض كانت متأثرة بالصّبر البادي على يسوع في وسط آلامه، وانصرفوا صامتين حزانى. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:37 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الثامن عشر نظرة على أورشليم الصّلوات المألوفة والإعداد للاحتفال بالعيد كان يشغل الجزء الأعظم من مدينة أورشليم الكثيفة السكان، بينما غط الغرباء الذين تجمعوا هناك فى النوم بعد إعياء اليوم، عندما أُعلن القبض على يسوع، اندهش كل شخص، سواء أصدقائه أو خصومه، واستجاب البعض فى الحال لدعوة رئيس الكهنة لحضور المحاكمة، وتركوا منازلهم للتّجمّع في ساحته. مكّن ضوء القمر البعض من أن يتلمّسوا طريقهم بأمان على طول الشّوارع المظلمة والكئيبة، لكن في أجزاء أخرى اضطروا لاستعمال المشاعل. قليل جدا من المنازل قد شيدت بنوافذ تطل على الشّارع، وبشكل عام فإن أبوابها كانت في الساحات الدّاخلية، مما أعطى الشّوارع مظهراً كئيباً أكثر من المعتاد في هذه السّاعة. خُطى الجميع كانت متجه نحو جبل صهيون، وأى مُستمع مستيقظ كان يمكنه أن يسمع أشخاصاً يقفون على أبواب أصدقائهم ويقرعون ليوقظوهم ويستعجلوهم، ثم يتوقّفون ثانية كى يسألون الآخرين، وأخيرا يسرعون نحو صهيون. تجار الأخبار والخدام كانوا يتعجّلون أن يتحقّقوا مما يحدث، من أجل أن يرجعوا ويقدموا تقريراً لمن مكثوا في البيوت؛ وكان تثبيت وتحصين الأبواب يُسمع بوضوح، كما أن عديداً من الأشخاص كانوا حذرين وخائفين من التمرد، بينما قيلت آلاف المقترحات المختلفة وأعطت آراء، كالتّالي : " أن لعازر وأختيه سيعرفون قريبا من هو هذا الرّجل الذي وضعوا فيه مثل هذه الثقة القوية, يونَا وخوزِي وسوسنه ومريم أمّ مرقص وَسَالُومَةُ سيندمون، لكن متأخراً جداً, حماقة تصرفهم؛ سيرغم سيرفيا زوجة سيراخ على الاعتذار لزوجها الآن، لأنه انتقدها كثيراً جدا بتحيزها للجليلي. إن المنحازين لهذا الرّجل المتعصّب، هذا المحرّض على التمرّد، الذى زعم أنه ممتلئ بالشّفقة لن يعرفوا الآن أين يخفون رؤوسهم. إنه لن يجد الآن أحد يلقى ملابسه وينثر أغصان الزيتون عند قدميه. أولئك المنافقون الذين زعموا إنهم أفضل كثيراً من الأشخاص الآخرين سينالون عقوبات مُستحقة، لأنهم متورّطون جميعاً مع الجليلي. إنه عمل جدّي أكثر بكثير مما قد ظُن في بادئ الأمر. أنى لأحبّ أن اعرف كيف سيخرج نيقوديموس ويوسف الرامى منه؛ إن رؤساء الكهنة قد ارتابوا فيهما لبعض الوقت؛ لقد جعلوا من لعازر قضية عامة لكنهم مخدعين بشدة. أن كل شئ سيُكشف الآن على أية حال " كلام مثل هذا قد نُطق من قبل أشخاص ساخطين، ليس فقط ضد تلاميذ يسوع، بل ضد النّساء القديّسات أيضاً اللاتي كن يجهّزن احتياجاته الدّنيوية، وكن يجهرون علانية وبجراءة بتبجيلهن لتعاليمه وبإيمانهن بمهمته الإلهية. لكن مع أن عديداً من الأشخاص تكلّموا عن يسوع وتلاميذه بهذا الأسلوب المحتقر، إلا أنه كان هناك الآخرون الذين تمسكوا بآراء تختلف تماماً، وبعض من هؤلاء قد خاف، وآخرون، لكونهم مغلوّبين بالحزن، التمسوا أصدقاء يجدون لديهم العزاء لقلوبهم، والذين يستطيعون أمامهم أن يعطوا متنفساً لمشاعرهم بلا مخافة؛ لكن عدد الذين كان لديهم الجسارة فى إعلان ولائهم ليسوع علانية كان قليلاً. وعلى الرغم من هذا، حدثت بعض الاضطرابات فى بعض أجزاء أورشليم, في الأجزاء التى وصلها رّسل من قبل رؤساء الكهنة والفريسيون، ليدعوا أعضاء المجلس للاجتماع وكي يدعون الشّهود. لقد ظهرت لي ورأيت مشاعر الكراهية والغضب تجتاح أجزاء مختلفة من المدينة، تحت شكل نيران، نيران تعبر الشّوارع، تتّحد بنيران أخرى وتمضى فى اتجاه جبل صهيون، كانت النيران تتزايد فى كل لحظة وجاءت أخيرا لتستقر عند محكمة قيافا، حيث استقرت مُشكّلة معاً عاصفة من النّار. لم يكن للجنود الرّومان أى دور فيما يحدث؛ إنهم لم يفهموا مشاعر الشعب الغاضبة، لكن حراسهم تضاعفوا، اُستدعيت كتائبهم، واحتفظوا بمظهرهم الصارم؛ حقا كان هذا مألوفاً في ذلك الوقت بسبب عيد الفصح، وبسبب الأعداد الغفيرة للغرباء الذين يتجمعون فى المدينة. حاول الفريسيون أن يتجنّبوا الاقتراب من الحرس، خوفاً من أن يسألوهم، ومن التخلص من التدنس من قبل أجابه أسئلتهم. أرسل رؤساء الكهنة رسالة إلى بيلاطس يعلنوا له فيها أسباب إرسالهم لجنود حول أوفيل وصهيون؛ لكنه ارتاب في نواياهم، أنه لم يستطيع أن ينام، بل تجول معظم اللّيل، يصغي إلى التّقارير المختلفة ويصدر أوامر متتالية بناء على ما يتلقاه من بيانات؛ نامت زوجته، لكن نومها تخللته أحلام مخيفة، وناحت وبكت بشكل متعاقب. لم يتسبب اعتقال يسوع فى أي نوع من مظاهر الأسى فى أى بقعة من أورشليم كما حدث من سّكان أوفيل الفقراء، الذين يعمل جزء عظيم منهم كعمالة مؤقتة والباقين منهم موظفين فى مكاتب حقيرة في خدمة الهيكل. لقد جاءتهم الأخبار بشكل غير متوقّع؛ لأول وهلة شّكوا في صدق التّقرير، وتردّدوا بين الأمل والخوف؛ لكن منظر سيدهم، مانحهم النعم، مُعزيهم، مجروراً فى الشّوارع، مكُدّم وممزّق، ويساء معاملته بكل الطرق القابلة للتخيل، ملأهم بالرّعب؛ وحزنهم ازداد بمنظر أمه المكلومة وهى تجوّل هائمة من شّارع إلى شّارع، يرافقها بعض النّساء القدّيسات، ويسعين إلى الحصول على بعض الأخبار بخصوص ابنها الإلهى. هؤلاء النّسوة القديسات قد اضطررن إلى أن يختبئن في الزّوايا وتحت المداخل خوفاً من أن يكنّ مرئيات من قبل أعداء يسوع؛ لكن حتى مع هذا الحذّر كن كثيرا ما يتعرضن للإهانات ويعتبرن كنساء من النوع السيئ, كانت مشاعرهن تهان على نحو متكرر من قبل سماع الكلمات المؤذية ومن تعبيرات الانتصار من اليهود القساة، ونادرا، نادرا جدا، ما كانت كلمات الشّفقة أو الرّحمة تصل لأسماعهم. لقد استنزفن بالكامل قبل وصولهن لمكانهن، لكنهن سعين إلى مواساة ومساندة كل منهن الأخرى، ولفّفن المناديل على رؤوسهن. عندما جلسن أخيرا، سمعن طرقاً مفاجئاً على الباب، أصغوا بسكون, تكرّر الطرق، لكن بهدوء، لهذا تأكدن أن الطارق ليس بعدو، ومع ذلك فتحن الباب بحذر، مخافة البراعة في الخِداع. لقد كان حقا صديق، فسألنه بلهّفة، لكنهن لم يتلقين أى تعزية من كلماته؛ لهذا، عجزن أن يسترحن، خرجن وسرن لبعض الوقت، وبعد ذلك رجعن ثانية إلى مكانهن وهن منسحقات القَلْب أكثر من ذى قبل. كان أغلب التلاميذ هائمين على وجوههم بين الوديان التي تحيط بأورشليم، وفي بعض الأوقات التجئوا إلى مغارات أسفل جبل الزيتون. بدءوا يتكلمون بنبرات مرتجفة واتصل بعضهم ببعض، وسكنوا فى هدوء وبدون جلبة. أولاً أخفوا أنفسهم في أحد المغائر وبعد ذلك فى مغارة أخرى، بعد ذلك سعوا إلى أن يرجعوا إلى المدينة، بينما تسلّق البعض منهم قمة جبل الزيتون ونظروا بحرص على المشاعل، ليتبينوا من ضّوئها ما يحدث فى صهيون؛ لقد استمعوا لكل صوت بعيد، خمنوا ألف تخمين مختلف، وبعد ذلك رجعوا إلى الوادي، علي آمل أن يحصلوا على بعض الأخبار. أنيرت الشّوارع التى بجوار محكمة قيافا بالقناديل والمشاعل بشكل ساطع، الحشود كلما تجمّعت، كلما ازدادت الضّوضاء والفوضى. اختلطت أصوات الوحوش التي كانت خارج أسوار أورشاليم بهذه الأصوات ومأمأة الخراف. كان هناك شيء ما مؤثر في مأمأة تلك الخراف التي كانت ستُقدم كذبيحة فى اليوم التالي في الهيكل، الحمل الوحيد الذى كان على وشك أن يُقدم كذبيحة بإرادته لم يفتح فاه، كخروف بين يدي الجزار، لم يقاوم، أو كحمل صامت أمام ذابحه؛ وذلك الحمل كان حمل الرب, الحمل الذى بلا عيب, حمل الفصح الحقيقي, يسوع المسيح ذاته . بدت السّماء مظلمة، كئيبة ومُنذرة, القمر كان محمراً ومُغطّي ببقع شاحبة؛ بدا كما لو أنه يرهب أن يصل إلى كماله، لأن خالقه كان عليه أن يموت. بعد ذلك ألقيت نظرة خارج المدينة، وقرب البوّابة الجنوبية، نظرت الخائن، يهوذا الأسخريوطى، هائماً على وجهه، وحيداً، وفريسة لعذاب الإحساس بذنبه؛ خائفاً حتى من ظله، وقد تبعته عديد من الشّياطين، الذين سعوا أن يحولوا مشاعر النّدم إلى مشاعر من اليأس الأسود. آلاف الأرواح الشّريّرة كانت تنشط نفسها في كل الأجزاء، لتُغرى الإنسان بخطيئة واحدة وبعد ذلك بالأخرى. بدا كما لو أن أبواب الهاوية قد فتحت، وإبليس يكافح بجنون ويمارس طاقاته الكاملة ليزيد من ثّقل الإثم الذي أخذه الحمل الذى بلا عيب على نفسه. تردّدت الملائكة بين البهجة والأسى؛ لقد رغبوا بتوهج أن يسقطوا ساجدين أمام عرش الرب، وأن يحصلوا على أذن أن يساعدوا يسوع؛ لكن في نفس الوقت كانوا ممتلئين بالدّهشة، واستطاعوا فقط أن يمجّدوا معجزة العدل الإلهى والرحمة التى وُجدت في السّماء منذ الأزل وإلى الأبد، والتى على وشك أن تتمّ؛ لأن الملائكة تؤمن مثلنا بالرب، الأب القدير، خالق السّماء والأرض، وبيسوع المسيح، أبنه الوحيد، إلهنا، الذي حُبل به من الروح القدس، وولد من مريم العذراء، والذي بدأ فى هذه اللّيلة يتألم فى عهد بيلاطس البنطى، وفى اليوم التالي سيصلب، ليموت ويدفن؛ ينزل إلى الهاوية، يقوم ثانية فى اليوم الثالث، يصعد إلى السّماء، يجلس على يمين الرب الأب القدير، ومن هناك يأتى ليدين الأحياء والأموات؛ ويؤمنون أيضاً بالروح القدس، بالكنيسة المقدّسة، بشركة القديسين، بمغفرة الآثام، بقيامة الأجساد والحياة الأبدية . |
||||
07 - 11 - 2012, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل التاسع عشر محاكمة يسوع أمام حنان وصل يسوع إلى قصر حنان نحو منتصف الليل وعلى الفور اقتاده حرّاسه نحو قاعة فسيحة، حيث جلس حنان مُحاطاً بثمانية وعشرين عضواً من أعضاء المجلس على منصَّة ترتفع قليلاُ عن مستوى الأرض موضوعة قبالة المدخل. جر الجنود يسوع بفظاظة أمام المنصة. كانت الغرفة ممتلئة تماماً، ميزت عدداً من الغوغاء بين جنود وخدم حنان وكذلك الشهود الكذبة الذين ذهبوا بعد ذلك إلى قاعة قيافا . ابتهج حنان برؤية يسوع لكونه حضر أمامه وكان ينتظر وصوله بفارغ الصبر. تعبيرات وجهه كانت بغيضة، حيث أظهرت كل قسمات وجهه ليس فقط البهجة الشيطانية التي امتلأ بها، بل أيضاً كل خداع ونفاق قلبه. لقد كان حنان رئيس نوع من المحاكم المؤسّسة لغرض استجواب الأشخاص المتّهمين بترويج تعاليم دينية باطلة؛ وإن أدينوا هناك فأنهم يؤخذون حينئذ أمام الكاهن الأكبر. وقف يسوع أمام حنان. بدا مُسْتَنْفَداً ومنهكاً؛ ملابسه مُغطاة بالطّين، يداه مقيّدتان، رأسه منحنية، ولم يتكلّم بكلمة. حنان كان نحيلاً, سخيفاً, يبدو عجوزاً بلحية غير منسقة. كبرياؤه وافتخاره كانا عظيمين؛ وعندما جلس ابتسم ابتسامة ساخرة مدّعياً أنّه لا يعرف شيئاً على الإطلاق، وبدا مندهشاً تماما باكتشاف أن السّجين الذي قد أُعلم به تواً والذي جُلب أمامه، ليس سوى يسوع الناصري. قال له : " هل هذا ممكن، هل أنت فعلا يسوع الناصري؟ أين إذن تلاميذك وأتباعك العديدين؟ أين هى مملكتك؟ أخشى أن تكون الأمور قد تحولت عما كنت تتوقّعه. أعتقد أن السلطات قد اكتشف أنهّ الوقّت المناسب لوضع نهاية لتصرفاتك العديمة الاحترام نحو الرب وكهنته وإلى انتهاكاتك للسبت. أي توابع لك الآن؟ أين ذهبوا جميعا ؟ أنك صامت! تكلّم أيها المغرّر! تكلّم أيها المحرّض على التمرّد! هل لم تأكل الفصح بأسلوب غير قانوني، في وقت غَيْر ملائم، وفي مكان غَيْر ملائم ؟ هل لم ترغب أن تقدّم تعاليم جديدة؟ من أعطاك حق الوعظ ؟ أين درست؟ تكلّم، ما هى معتقدات ديانتك؟ حينئذ رفع يسوع رأسه المرهق ونظر إلى حنان وقال : " لقد تكلّمت إلى العالم علانية؛ لقد علّمت دوما في المجمع وفي الهيكل، حيثما يتردد كل اليهود؛ وفي السّر لم أتكلّم بشيء. لماذا تسألني؟ أسأل أولئك الذين سمعوا بما تكلّمت به؛ إنهم يعرفون بأى أمور قد تكلمت بها إليهم" عندما أجابه يسوع هكذا أزبد وجه حنان بالغضب والسخط. أدرك خادم كان يقف بالقرب منه هذا ولطم يسوع فورا على وجهه صائحاً : " أهكذا تجيب رئيس الكهنة ؟ " يسوع شبه وقع من عنف اللطمة، حتى أنه عندما شتمه الحرّاس وضربوه، سقط تماما لأسفل، وتقطّر الدم من وجهه إلى الأرض. دوت القاعة بالضّحك وبالإهانات والكلمات المرّة. سحبه الجنود بفظاظة وأوقفوه وقال بهدوء: إن كنت قد تكلّمت رديا فاشهد على الردى؛ لكن إن كنت تكلمت حسناً، فلماذا تضربني؟ " غضبً حنان أكثر عندما رأى سّلوك يسوع الهادئ والتفت إلى الشّهود، رغب منهم أن يقدّموا اتهاماتهم. بدءوا يتكلّمون جميعا فى الحال : " أنه زعم أنه ملك؛ أنه يقول أن الرب أبوه؛ لقد قال أن الفريسيون لهم جيل زانى. لقد تسبّب فى تمرد بين الشعب؛ أنه يشفي المرضى بمعونة الشّيطان فى السبت. أن سكان أوفيل تجمّعوا حوله وخاطبوه بلقب المُخلص والنّبي. لقد دعا نفسه يُلقب بابن الرب؛ أنه يقول أنّه مُرسل من قبل الرب؛ أنه يتنبّأ بدمار أورشليم. أنه لا يصوم؛ إنه يأكل مع الخطاة ومع الوثنيين ومع جُباة الضرائب، ويرافق نساء ذي سمعة سيئة. منذ وقت قصير قال لرجل أعطاه بعض الماء ليشرب عند بوّابات أوفيل، أنه سيعطيه ماء الحياة الأبدية، من يشرب منه لن يعطش فيما بعد. إنه يغوي الناس بكلمات ذات معنى مزدوج الخ ....الخ . كانوا جميعاً يصيحون بهذه التهم؛ وقف بعض الشّهود أمام يسوع وأهانوه بينما تكلّموا بإشارات سّاخرة، ومضى الجنود يضربونه، قائلين في نفس الوقت : " تكلّم؛ لماذا لا تُجيب ؟ " أضاف حنان ومناصروه الهزء ليهينوه وكانوا يصيحون في كل مهلة باتهامات أخرى : " أهذا هو التعليم ؟ أليس هو؟ ألا تستطيع أن تجيب على هذا؟ ألست أنت الملك العظيم؛ الإنسان المُرسل من قبل الرب، برهن على مُهمتك " واصل حنان تساؤلاته بنغمة احتقار لاذِع " من أنت ؟ من قبل من أنت مُرسل؟ ألست أنت ابن نجار مغمور، أم أنت إيليا الذى صعد للسّماء في عربة نارية؟ أنه يقال أنه ما زال حياً، وقد قيل لى أنك تستطيع أن تجعل نفسك غير مرئي عندما تريد. ربما أنت ملاخى النبي، الذي تقتبس كلماته كثيراً. البعض قال بأنّ الملاك كان أبوه، وأنه أيضاً ما زال حياً. أن منتحل مثلك من الممكن أن ينال الفرصة أن ينتحل صفة هذا النّبي. أخبرني بلا مراوغة، إلى أي نوع من الملوك تنتمى؟ هل أنت أعظم من سليمان؟ على الأقل أنك تتظاهراً بأن تكون هكذا. كن سهلاً، فأنا لن أعد أرفض اللقب والصولجان اللذان تستحقّهما بعدل. حينئذ طلب حنان رقّ الكتابة، وكتب سلسلة من الكلمات بأحرف كبيرة، وكل كلمة تُعبر عن تهمة مختلفة من التهم التي اتهموه بها ثم طواها ووضعها في أنبوب فارغ صغير ربطها بعناية على قمة قصبة وقدّم هذه القصبة إلى يسوع قائلاً : " أمسك بقضيب المُلك؛ أنه يحتوي على الألقاب، كما أنه يحتوى أيضا على مدى الكرامة التى أنت آهل لها، وعلى الحق فى العرش. خذوه إلى الكاهن الأكبر، من أجل أن يعترف بالكرامة الملوكية، ويُعاملك طبقا لما تستحقه. اربطوا يدي هذا الملك، وخذوه أمام الكاهن الأكبر. " قيُدت حينئذ يدي يسوع عبر صدره بأسلوب يجعله قادراً على أن يحمل قضيب المُلك المزعوم والذي احتوى على اتهامات حنان، واقتيد إلى محكمة قيافا وسط استهجان وصّيحات الغوغاء والضربات التى انهالت عليه منهم من كل جانب. لم تكن دار حنان تبعد عن دار قيافا بأكثر من ثلاثمائة خطوة؛ كانت هناك أسوار عالية ومنازل بمظهر عام مشترك على كلا جانبي الطّريق الذي أنير بمشاعل وفوانيس موضوعة على أعمدة، وكانت هناك جموع من اليهود واقفة تتّحدّث بأسلوب هائج وغاضب. استطاع الجنود أن يشقوا طريقهم بصعوبة خلال الحشود، وأولئك الذين تصرّفوا بشكل مخزي مع يسوع في محكمة حنان استمرّوا فى إهاناتهم له وواصلوا تصرفاتهم الخسّيسة خلال كل المدة المنصرفة في المسير نحو دار قيافا. لقد رأيت نقوداً تُعطى لأولئك الذين تصرّفوا بطريقة سيئة مع يسوع من الرّجال المسلّحين الخاصين بالمحكمة، ورأيتهم ينحون عن الطّريق كلَّ الذين نظروهم ينظرون بعطف إلي يسوع. أما الآخرون فقد سمحوا لهم أن يدخلوا محكمة قيافا |
||||
07 - 11 - 2012, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل العشرون محكمة قيافا كان على المرء أن يعبر خلال قاعة كبيرة ليدخل محكمة قيافا، تُسمى القاعة الخارجية؛ من هناك يدخل إلي قاعة داخلية، تمتدّ بطول كل البناية. البناية نفسها كانت طّويلة، وكان هناك في الأمام دّهليز مفتوح محاط من ثلاث جوانب بأعمدة. كانت الأعمدة التى بالجانب الرابع أعلى من باقي الأعمدة، وخلفها كانت توجد غرفة كبيرة كالدّهليز نفسه، حيث وضعت مقاعد أعضاء المجلس على منصة مستديرة مرتفعة عن مستوى الأرض. كانت المنصة المخصّصة للكاهن الأكبر أعلى من الأولى. كان على الجاني أن يقف في مركز نّصف الدائرة المُشكّلة بالمقاعد. ويقف الشّهود والمدّعين أمّا على الجانب أو خلف السّجين. كانت هناك ثلاثة أبواب خلف مقاعد القضاة تقود إلي غرفة أخرى، ممتلئة أيضاً بالمقاعد. كانت هذه الغرفة تستعمل للمداولات السّرية. وضعت المداخل على يمين ويسار هذه الغرفة وتُفتح على القاعة الدّاخلية المستديرة. أولئك الذين يتركون الغرفة بالباب الذى على الجهة اليمنى كانوا يتجهون نحو بوّابة تقود إلى سجن أسفل أرض الغرفة. كان هناك العديد من السّجون أسفل الأرض، وفي أحد هذه السجون اُحتجز كل من بطرس ويوحنا ليلة كاملة عندما شفيا الرّجل الكسيح في الهيكل بعد العنصرة. امتلأت الدّار والقاعة بالمشاعل والقناديل مما جعلهم يبدوان كما فى نور النهار. كانت هناك نار كبيرة مشتعلة في منتصف الرواق، توجد على كل جانب منها أنابيب تستخدم كمداخن، وحول هذه النّار كان يقف الجنود والخدم والشهود الكذبة الذين أخذوا رشاوى للإدلاء بشهادتهم الكاذبة. كان هناك بضع النساء عملهم هو صبّ نوع من الشّراب الأحمر للجنود. جلس القضاة حول قيافا وامتلأ الرواق تقريبا من الشّهود الكذبة، بينما مُنع عديد من الأشخاص الآخرين الذين سعوا للدخول ليرضوا فضولهم. دخل بطرس ويوحنا القاعة الخارجية، في زي مسافرين قبل وقت قصير من مجيء يسوع، ونجح يوحنا في النفاذ إلي القاعة الدّاخلية عن طريق خادم يعرفه وأُغلق الباب بعده فوراً، لهذا مُنع بطرس، الذي كان فى الخلف قليلاً. لقد ترجى جارية من الخدم أن تفتح الباب له، لكنها رفضت كل التماساته والتماسات يوحنا، وظل بالخارج حتى لاقى نيقوديموس ويوسف الرامى اللذان جاءا في هذه اللّحظة وأخذاه معهما للداخل. أعاد التلميذان العباءتان اللتان كانا استعاراها وظلا في مكان يستطيعان منه رؤية المُحاكمة ويسمعان كل شيء. جلس قيافا في مركز المنصة المرتفعة، والتف حوله سبعون من أعضاء السنهدريم، بينما كان يقف الموظفون العموميون والكتبة والشيوخ على كلا الجانبين، والشّهود الكذبة خلفهم. اصطف الجنود من المنصة وحتى باب الدّهليز الذي كان على يسوع أن يدخل منه. كان مُحيا قيافا مهيباً للغاية لكن جاذبيته رافقتها علامات واضحة عن غيظ مكتوم ونّوايا شّرّيرة. كان مرتدي عباءة طويلة ذات لون أحمر مطرّزة بالزّهور ومزينة بحافة مذّهبة ومربوطة علي الأكتاف والصّدر ومزيّنة من الأمام بمشابك ذّهبية. كانت رأسه مغطاة ومزيّنة بأشرطة مُعلقة، الجوانب كانت مفتوحة، وكانت تشبه تاج الأسقف. كان قيافا ينتظر مع تابعيه من المجلس العظيم لبعض الوقت، وبعدم صبر نهض عدة مرات ودخل القاعة الخارجية وسأل بغضب عن مجيء يسوع الناصري وعندما رأى الموكب يقترب عاد إلى مقعده. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
الفصل الحادي والعشرون مُحاكمة يسوع أمام قيافا اُقتيد يسوع عبر القاعة، ولاقاه الغوغاء بالآهات والاستهجان. بينما كان يعبر أمام بطرس ويوحنا نظر إليهما لكن دون أن يلتفت تجاههما لكى لا يكشفهما. وصل بصعوبة غرفة المجلس، حينئذ صاح قيافا بنغمة عالية : " ها أنت قد جئت أخيرا يا عدو الرب, أيها المُجدف يا من تزعج سلام هذه اللّيلة المقدّسة! ". وقام بفتح الأنبوب الذي يحتوى اتهامات حنان والذي رُبط بقضيب الملك المزعوم في يدي يسوع وأتم تلاوته . استخدم قيافا أسلوباً مُهيناً وضرب الجنود يسوع ثانية وشتموه صائحين : " أجب فى الحال, تكلّم! هل أنت أخرس؟ ", اصبح قيافا أكثر غضباً من حنان وسأل ألف سؤال, الواحد بعد الآخر، لكن يسوع وقف أمامه صّامتاً، وعيناه تنظران لأسفل. حاول الجنود أن يجبروه على أن يتكلّم بضّربات متكرّرة، وبخبث ضغطوا إبهامه في شفاهه وأمروه بسخرية أن يعضّه. ثم نودي على الشّهود. كان الشهود الأوائل أشخاصاً من أردأ نوعية، اتهاماتهم كانت غَيْر متماسكة ومتناقضة كشهادة محكمة حنان، ولاشيء يمكن أن يُستخلص منها؛ لهذا التفت قيافا إلى الشّهود الرّئيسيين، الفريسيون والصديقيون، الذين جُمّعوا من كل أنحاء البلد. لقد سعوا أن يتكلّموا بشكل هادئ، لكن وجوههم وأسلوبهم أظهرا الحسد والكراهية التي تفيض بها قلوبهم نحو يسوع، ولقد كرّروا مرارا وتكرارا نفس الاتهامات التي أجاب عنها يسوع سابقا عدة مرات : " إنه يشفى المرضى ويطرد الشّياطين بمعونة الشّياطين, إنه يدنّس السبت, يحرّض الناس على الثورة, يدعو الفريسيين سلالة الأفاعي وزناة, توقّع دمار أورشليم, يتردّد على مجتمع جباة الضرائب والخطاة, يحشد الناس حوله كملك ونبي وابن الرب. " وأضافوا : " أنه يتكلّم دوماً عن مملكته، إنه منع الطلاق، دعا نفسه خبز الحياة، وقال إنّ كل مَنْ لا يأكل جسده ويشرب دمه فلن تكون له حياة أبدية وهكذا حرّفوا وأساءوا فهم كلماته والوصايا التى أعطاها لهم والأمثال التي وضح بها وصاياه، مُعطين لها مظهر الجرائم. لكن هؤلاء الشّهود لم تتفق شهادتهم، لأن أحدهم قال : " إنه يدعو نفسه ملك " وناقضه الثاني فى الحال قائلاً : " كلا، إنه سمح للناس أن تدعوه هكذا؛ لكن عندما حاولوا بشكل مباشر أن يبايعوه كملك، هرب منهم " قال آخر: " إنه يدعو نفسه ابن الرب " لكنه قُوطع من قبل الرابع الذي صاح : " كلا، أنه يُلقب نفسه فقط بابن الرب لأنه يعمل إرادة أبيه السّماوي " بعض الشّهود أعلنوا أنّه قد شفاهم، لكن أمراضهم قد عادت، وأن علاجه المزعوم قد أداه فقط بقوة السّحر. تكلّموا أيضاً عن علاج الرّجل الكسيح الذى عند بركة بيت حسدا، لكنهم حرّفوا الحقائق كي يعطوها مظهر الجرائم، وحتى في هذه الاتهامات لم يستطيعوا أن يتفقوا، وكانوا متناقضين. الفريسيون الذين ناقشوا موضوع الطّلاق ذات مرة معه، اتهموه بأنه يُعلم تعاليم باطلة، وشاب الناصرة، الذي رفض أن يسمح له أن يصبح أحد تلاميذه، كان خسيساً بما يكفي لكى يشهد ضده. لقد وجدوا أنه من المستحيل تماما إثبات تهمة واحدة، وبدا أن الشّهود يتقدّمون لأجل غرض واحد وهو أهانة يسوع، بدلا من أن أثبات صدق ادعاءاتهم. بينما كانوا يعارضون بعضهم البعض، وظَّف قيافا نفسه مع بعض أعضاء المجلس في سؤال يسوع، وكانوا يحولون إجاباته إلى موضوع من السخرية. " أي نوع من الملوك أنت؟ برهن على قوتك! استدع جحافل الملائكة التي تكلّمت عنها فى بستان الزّيتون! ماذا تفعل بالأموال التى تُعطى لك من قبل الأرامل البسطاء اللاتي أغويتهن بتعاليمك الباطلة؟ أجب فى الحال: تكلّم، هل أنت أخرس؟ لقد كان ممكن أن تكون أعقل لو كنت التزمت الصمت عندما كنت وسط الغوغاء الحمقى: لقد تكلّمت هناك كثيرا." كل هذه الأسئلة كانت يرافقها الضّرب من خدم أعضاء المحكمة، ولو لم يكن يسوع مدعوماً من أعلى، لكان من غير الممكن أن يبقى حياً فى ظل هذه المعاملة. سعى بعض من الشّهود أن يبرهنوا أنّه ابن غير شرعي؛ لكن الآخرين أعلنوا أنّ أمّه كانت عذراء تقية من عذارى الهيكل، وأنها بعد ذلك رأوها مخطوبة لرّجل يخاف الرب. وبخ الشّهود يسوع وتلاميذه لكونهم لا يقدمون ذبيحة في الهيكل. واستمر أعداء يسوع فى اتّهامه بأنه ساحر، وأكد قيافا بضع مرات أن تناقض روايات الشّهود سبّبه السّحر فقط. قال البعض إنه قد أكل خروف الفصح فى اليوم السّابق، وهذا يناقض الشريعة، وأنه صنع فى السّنة السابقة تعديلات مختلفة في أسلوب الاحتفال بهذه المراسم. لكن الشّهود ناقضوا بعضهم البعض لدرجة أن قيافا ومؤيديه وجدوا أنه لا توجد تهمة واحدة يمكن إثباتها حقا. نودي على نيقوديموس ويوسف الرامى، وطُلب منهما أن يبررا كيف أنهما سمحا له أن يأكل الفصح فى اليوم الخطأ في غرفة تخصهما، فبرهنا لهم من وثائق قديمة أنه منذ زمن بعيد قد سُمح للجليليين أن يأكلوا الفصح فى يوم مبكر عن بقية اليهود. وأضافوا أن كل الطقوس قد مورست طبقا للشريعة، وأنه كان هناك بعض الأشخاص الحاضرين العشاء الذين ينتمون للهيكل. أربك ذلك الشّهود تماما وأزاد نيقوديموس غيظ أعداء يسوع بذكر الفقرات التى تبرهن على صحة الجليلى من واقع السجلات، التى أوضحت السّبب الذى من أجله قد مُنح هذا الامتياز. السّبب كان أن الذبائح لم يكن من الممكن أن تنتهي بيوم السبت لو تجمع هذا العدد الهائل سوياً لذلك الغرض ليؤدوا جميعاً المراسم فى نفس اليوم؛ مع أن الجليليين لم يستفيدوا دوما بهذا الحق، ومع ذلك فأن وجوده قد برهن من قبل نيقوديموس؛ وارتفع غضب الفريسيون بإيماءاته بأن أعضاء المجلس قد تسببوا فى أن يهان المجلس بشّدة بتّناقضات روايات الشّهود، وأن الأسلوب الاستثنائي والمُسرع الذي تقاد به القضية قد أظهر أن الحقد والحسد هى الحوافز الوحيدة التي أقنعت المدّعين وجعلتهم يجلبون القضية في لحظة كان الجميع فيها منشغل في الإعداد لأكثر الأعياد مهابة فى السّنة. لقد نظروا إلي نيقوديموس بغضب ولم يتمكّنوا من أن يجيبوه، لكن استمروا يسألون الشّهود بأسلوب متهوِر وأحمق. تقدّم شاهدان أخيرا وقالا : " إن هذا الرّجل قال أنى سأهدم هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفى ثلاثة أيام سأبني آخر غير مصنوع بالأيادي." ومع ذلك فحتى هذان الشاّهدان ما اتفقا في شهادتهما، لأن أحدهم قال أنّ المتّهم رغب أن يبني هيكل جديد، وأنه قد آكل الفصح في مكان غير عادي، لأنه رغب فى دمار الهيكل القديم؛ لكن الآخر قال : " ليس هكذا : أن الموضع الذى آكل فيه الفصح قد بنى أيضاً بأيادي بشرية، لهذا لم يكن ممكنا أنه يشير إلي ذلك. " كان غضب قيافا متعذر وصفه؛ لأن المعاملة القاسية التي عاناها يسوع وصبره الإلهى وتناقض أقوال الشّهود، قد بدأت تؤثّر تأثيرا كبيرا على عديد من الأشخاص الحاضرين، سٌُمعت همهمات قليلة وتأثرت قلوب بعض الذين لم يستطيعوا أن يسكتوا أصوات ضمائرهم. ترك عشرة جنود المحكمة تحت ذريعة التّوعك لكن في الواقع كانت مشاعرهم قد غلبتهم. بينما يعبرون المكان حيث كان يقف كل من بطرس ويوحنا صاحوا : " إن صمت يسوع الناصري، وسط مثل هذه المعاملة القاسية، لهو فوق طاقة البشر: أنه ليُصهر حتى القلوب الحديدية, إنّ العجيب أن الأرض لم تنفتح وتبتلع مثل هؤلاء الفاسقين. لكن اخبرونا، أين يجب أن نذهب؟ " التلميذان أمّا ارتابا في الجنود، أو خافا أن يتعرف عليهم من يُحيطون بهما ويتهموهما كتلاميذ ليسوع، لأنهما أجابا بنغمة كئيبة : " إن كان حقاً قد دعاكم، اتبعوه، وكل شئ سيكون حسناً من تلقاء نفسه. " خرج الجنود فوراً من الغرفة وتركوا أورشليم فى الحال. وقابلوا أشخاص عند أطراف المدينة أرشدوهم إلى المغائر التي تمتدّ إلى جنوب أورشليم، على الجانب الآخر من جبل صهيون، حيث التجأ عديد من التلاميذ. في بادئ الأمر تنبّه التلاميذ برؤية غرباء يدخلون مخبأهم؛ لكن الجنود بددوا كل خوف فى الحال وأعطوهم تفاصيل لآلام يسوع. كان قيافا بالفعل مُضطرباً واغتاظ تماما من الشهادة المتناقضة للشّاهدين الأخيرين، وقام من مقعده واقترب من يسوع وقال له: " أما تجيب بشيء لما يدعيه هذان الشاهدان؟ " لم يرفع يسوع رأسه ولا نظر نحو الكاهن الأكبر، مما ازداد غضبه لدّرجة عظيمة؛ والجنود إزاء هذا أمسكوا يسوع من شعره، جاذبين رأسه للخلف، وضربوه أسفل ذّقنه؛ لكنه احتفظ بعينيه تنظران لأسفل. رفع قيافا يديه وصاح بنبرة غاضبة : " أستحلفك بالرب الحيّ أخبرنا إن كنت أنت المسيا المنتظر، ابن الرب الحيّ؟ " أجاب يسوع بعد تمهل بصوت إلهي : " أنك قد قلت. وأقول لكم أيضاً، منذ الآن سترون ابن الإنسان جالساً على يمين قوة الرب وآتياً على سحاب السّماء " عندما أعلن يسوع هذه الكلمات، ظهر لي نور ساطع يُحيط به وانفتحت السّماء فوق رأسه ورأيت الآب الأزلى؛ لكن لا كلمات إنسان تستطيع أن تصف المنظر الُمدرك بالحس الذي أجيز لى أن أحياه. لقد رأيت أيضاً الملائكة والصلوات صاعدة تواً إلي عرش الرب. فى نفس اللّحظة لاحظت هاوية جهنم واسعة مثل نيزك ناري عند أقدام قيافا؛ لقد كانت ممتلئة بالشّياطين المروّعين؛ ضباب مُهلهل فقط ظهر يفصله عن نيرانها المظلمة. استطعت أن أرى الغضب الشّيطاني الذي كان يفيض به قلبه، وبدا كل البيت لي كجهنم. في الوقت الذي أعلن فيه يسوع كلماته المهيبة : " أنا هو المسيح، ابن الرب الحيّ " بدت جهنم تهتز من أقصاها إلى أدناها، وبعد ذلك، بدت وكأنها تنفجر وتغمر كل شخص في بيت قيافا بمشاعر الكراهية المتضاعفة نحو الرب. عندئذ نهض قيافا، حيث حثّه إبليس ورفع نهاية عباءته وشقها بالسكين ومزعها من أولها حتى نهايتها صائحاً بصوت عالٍ " إنه قد جدف. ما حاجتنا إذن لشّهود؟ لقد سمعتم الآن تجديفه: ماذا تظنون ؟ " نهض كل الحاضرين وصاحوا: " إنه مذنب ويستحق الموت! " وسط المأساة المرّة التي فاض بها قلب يوحنا، كانت أفكاره مع العذراء؛ لقد خشي أن تّصلها أخبار إدانة ابنها فجأة أو أن يعطيها بعض الأعداء المعلومات بأسلوب قاس. لذا نظر إلى يسوع وقال بصوت منخفض : " إلهى أنت تعلم لماذا أتركك " وخرج بسرعة ينشد العذراء المباركة، كما لو أنه مرسل من قبل يسوع نفسه. كان بطرس مقهوراً تماماً بالقلق والحزن، لذا كان مُرهقاً مما جعله يشعر بالبرد؛ لهذا، ولأن الصّباح كان بارداً، صعد بجانب النيران ليستدفئ مع عديد من العامة. لقد فعل ما بمقدوره كى يخفي حزنه في حضورهم، كما لم يستطع أن يستقر فى رأيه إن كان سيذهب إلى البيت أم سيظل مع سيده الحبيب. |
||||
07 - 11 - 2012, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
تأمل الرب يسوع لقَدْ اقتادوني أمام حنان وقيافا، حيث اُستقبلت بسّخرية وبإهاناتِ. أحد جنود حنان صفعني على خدّي. وكانت هذه هى الضربة الأولى التى تلقيتها فى المحاكمة ورَأيتُ فيها الخطيئةَ المُميتة الأولىَ لكثير من النفوس التي بعد ما عِاشَت في النّعمةِ، تقترف تلك الخطيئةِ الأولى .... خطايا أخرى عديدة تتبع تلك الخطيئةِ الأولىِ، أنها تؤدى كنموذجِ لتقترفها نفوس أخرىَ أيضاً. تلاميذي تَركوني وبطرس ظل مُختبئاً خلف سياجَ، بين الخدمِ، مُراقباً بدافع الفضولِ. كَانَ معي رجالَ يُحاولونَ فقط أَنْ يُجمّعوا الجرائم ضدي, اتهامات تستطيع إلى حد بعيد أن تُثير غضب أمثال هؤلاء القضاةِ الأشرار. هناك تراءت لى وجوهَ كل الشّياطين، وجوه كل الملائكة الأشرار. لقد اتّهموني بإقلاق النظام، بأني محرض ونبي كذاب، اتهموني بالتجديف وبتَدْنيس السبت. والجنود اهتاجوا بتلك الافتراءات، صاحوا وتوعدوني. حينئذ صَرخَ صمتي، مُزلزلاً جسدي بالكاملَ. أين أنتَم يا حواريي وتلاميذي الذين كنتم شهوداًَ لحياتي، شهوداً لتعاليمي ومعجزاتي؟ من كل هؤلاء الذين كُنْتُ أَتوقّعُ بعض البرهانِ عن الحبِّ، لم يكن هناك ولا واحد ليدافع عنى. لقد كنت وحيداًُ ومُحاطاً مِن قِبل جنودِ يُريدُون التهامي كذّئابِ. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|