منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01 - 10 - 2019, 05:57 PM   رقم المشاركة : ( 24261 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الله لا يفعل اي شيء بالصدفة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

قام يوحنا مارون وبعد تسلّمه أسقفية البترون، بتنظيم أعمال المقاومة وأسّس مجموعة قيادية مرتبطة به مستثمراً مواهبه القيادية والملهمة

كان البطريرك الماروني الأوّل يوحنا مارون (تعيّد له الكنيسة في الثاني من آذار) مقاوماً وقائداً روحياً وزمنياً من الطراز الرفيع… في كتاب “هوية من تاريخ”، يذكر، أن يوحنا مارون “كان يؤمن أن الله لا يفعل أي شيء بالصدفة، بل كل ما يفعله هو من ضمن مخططه الإلهي، وكان يؤمن أيضاً أن ذكر لبنان في الكتاب المقدّس لم يكن مجرّد صدفة، وبناء اللبنانيين لهيكل أورشليم من حجارة وأرز لبنان لم يكن صدفة، وأن زيارات المسيح والرسل إلى لبنان لم تكن صدفة، وأن تجلّي المسيح على جبال لبنان لم يكن صدفة، فمع الله لا مكان للصدف. وإذا ما أدركنا أيضا مدى الثقة العظيمة التي كان يضعها هذا الراهب في الله على خطى مؤسس رهبنة مار مارون، وإذا ما استذكرنا صفات العناد والإصرار والصلابة التي تميّز بها رهبان مار مارون على خطى معلّمهم، لتمكنّا من تصوّر الخلفية التي جعلت يوحنا مارون يتخذ قراره بالتوجّه إلى قلب النار، إلى جبل لبنان.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عند وصول يوحنا مارون إلى لبنان، وجد أبناءه كقطيع بلا راعٍ، يقاومون ويستبسلون في مقاومة الغزاة ولكن بطريقة فوضوية، حيث أنه لم يكن لديهم قيادة مركزية وكان يسقط لهم العديد من الشهداء، غير أن العرب لم يكونوا قد تمكّنوا بعد من اختراق المواقع الجبلية الحصينة للّبنانيين المسيحيين. فقام يوحنا مارون وبعد تسلّمه أسقفية البترون، بتنظيم أعمال المقاومة وأسّس مجموعة قيادية مرتبطة به مستثمراً مواهبه القيادية والملهمة، واستطاع في وقت قصير إكتساب محبّة واحترام وولاء جميع السكان المحليين. كما قام بتعيين قادة محليين للمناطق، وأعطى كلّ قائد منطقة لقب “مقدّم”، وهذا اللقب يعني أنّه المتقدّم في الخدمة، وعلى كلّ “مقدّم” أن يتحلّى بشروط وصفات حدّدها هو شخصيا (أي يوحنا مارون)، فالمقدّم يجب أن تكون له رتبة في جسم الكنيسة حتى يكون خاضعاً لها مباشرة، فأعطى كلّ مقدّم رتبة شدياق. كما وجب عليهأن يتمتع بكل صفات الفرسان، أي الشجاعة، الإقدام، النبل، الشهامة، الشرف، العفّة، الدفاع عن الضعيف والمظلوم، وأن يكون محترماً ومحبوباً من أبناء منطقته، ذا سيرة حسنة، قديساً، مترفعاً وملتزماً بكنيسته وبالإيمان الخلقدوني. بإختصار وجب على المقدّم أن يجمع صفات الشجاعة والقداسة، فبذلك يكون يوحنا مارون قد فرض نظام أقرب إلى نظام الرهبان على المقدّمين ورجالهم، فأصبح بموجب هذا التنظيم لكلّ منطقة وجوارها مقدّم ومجموعة قتالية مرتبطة به، فمثلاً كان هناك مقدّم لحفد ومقدّم العاقورة ومقدّم بشرّي ومقدّم تنّورين ومقدّم بسكنتا ومقدّم ترشيش وغيرها… وكان عدد المقدّمين في معظم الأوقات ثلاثين مقدّماً يرتبطون مباشرة بيوحنّا مارون، وقد جرت العادة أن ينتخب هؤلاء المقدمون من بينهم أميراً هو متقدّم بين متساوين، فيكون متقدّماً في الخدمة ويمنح لقب أمير جبل لبنان بعد أن يثبّته البطريرك، ومن هؤلاء الأمراء: “الأمير يوحنا الأوّل، الأمير سمعان والأمير ابراهيم وغيرهم، أمّا السلطة العليا الروحية والزمنية فكانت دائماً للبطريرك.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مع هذا التنظيم وبفضل تلك الاجراءات القيادية تفعّلت المقاومة في جبل لبنان، فالثقة الكبيرة التي كانت ليوحنّا مارون بالله وبأنّه لا بدّ وأن ينصره، قد انتقلت كالعدوى إلى كلّ المقاومين والسكّان المحليين وكان لها الأثر العظيم في نفوسهم، فارتفعت المعنويات واشتدّت الهمم، وتحوّل جبل لبنان إلى جدار فولاذي استعصى على الأمويين خرقه بعد أن كانوا يتقدّمون بسهولة على الجبهات الأخرى في المنطقة كافة. كان يوحنا مارون يطلب من المقاومين عند كل معركة أن ينشدوا المزمور رقم 27 للملك داود: “الربّ نوري وخلاصي فممن أخاف، الربّ حصن حياتي فممن أرتعب، إن نزل عليّ جيش لا يهاب قلبي، وإن قامت عليّ حرب ففي ذلك أنا مطمئنّ…” فأصبح هذا المزمور بمثابة النشيد الوطني لجبل لبنان في تلك الحقبة. أما علم جبل لبنان في تلك المرحلة فكان أحمراً بالكامل وفي وسطه الصليب الخلقيدوني الأبيض الذي يرمز إلى الطبيعتين البشرية والإلهية للمسيح، وتحت هذا الصليب سيف مجرّد من غمده ويرمز إلى التأهب والاستعداد الدائم”.

من كتاب “هوية من تاريخ”
*كان الموارنة يختارون مقدمّيهم حسب الشروط التي حدّدها البطريرك الأول يوحنا مارون، ولم يكن الإرث والإقطاع السياسي معروفا عندهم، واستمرّ نظام المقدّمين بالاختيار منذ يوحنا مارون (حوالي العام 676م) حتى العام 1382م مع العصر المملوكي حيث باتت المقدّمية تنتقل بالوراثة.

 
قديم 01 - 10 - 2019, 06:04 PM   رقم المشاركة : ( 24262 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

طعامي أن أعمل أعمال الّذي أرسلني

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله. الحياة من الكلمة. الخبز صورة عن الكلمة. لسنا، هنا، في معرض المجازيّات، بل في معرض الواقعيّة، ولكنْ، لا الواقعيّة العابرة، بل الّتي تدوم. هناك واقعيّة وواقعيّة. الواقعيّة المألوفة عندنا مشبعة بالموت، تسير بنا من موت إلى موت. ولكنْ، ثمّة واقعيّة أبديّة، مشبعة بالحياة، تسير بنا من حياة إلى حياة. على هذه الواقعيّة أتكلَّم. هذه هي واقعيّة كلمة الله. هذه أُعطينا أن نعرفها. أن نحيا فيها. ولكنْ، مغلَّفةً بواقعيّة الموت. إذًا، فينا، إذا ما اقتبلنا كلمة الله وسلكنا فيها، ما ينمو إلى حياة أبديّة، لكنّه مقيم في واقع منكسر. الأوّل يأتي به الزّمن إلى الاكتمال. الآن أَطلق عبدك أيّها السّيّد لأنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك. والأخير يأتي به الزّمن إلى الانحلال. تراب ورماد. الأوّل يحتضنه الأخير. هذا دوره. نحيا هنا لننمو إلى ما هناك، وإلّا لا معنى ولا قيمة لما هنا. ما يموت لا قيمة له في ذاته. باطلًا يكون. كلّ ما تحت الشّمس باطل.
ثمّة مبدأ يحكم الحياة والموت على الأرض. ثمّة واقعيّتان متلازمتان. أنّ ما هو مائت وظيفته أن يُعدّ لحياة جديدة. الحياة قائمة في ما هو مائت. هذه سنّة الطّبيعة، في ما آلت إليه، هنا والآن. بعض الأمثلة ينفع. بيض الدّجاج، قشرته تحتضن الحياة الجديدة. هذه، متى اكتملت، ينتهي دور القشرة. تنقرها الحياة الجديدة، فتنكسر وتتفتّت. تموت. كانت تحفظ الحياة إلى كمال السّاعة. المثل الأبلغ الإنسان. الإنسان سُنّته، على الأرض، أن يحيي، أن ينجب، قبل أن يموت. في وجدان العالمين، يحيا في مَن ينجبهم. هذا مطلع الفكر بشأن الحياة الأبديّة. عدم الإنجاب اعتُبر لعنة. تحيا في غيرك. مَن لا يشاء أن يحيا في سواه ملعون!.
الحياة، بطبيعتها، آخَريّة، أي أنّ الإنسان يحيا، ويبقى، في الوجدان، حيًّا، في حركته صوب الآخرين، في البذل، في التّضحية، في الموت لأجل الآخر. هذه كلّها تعابير المحبّة. الإنسان كيان محبّي. يموت عن نفسه ليحيا في الآخر!.
أما قيل، ما ينشأ جسد إلّا متى تلف جسد؟. أليس هذا عمل الأمومة؟. تبذل الأمّ نفسها تعبًا ليُحيا إنسان جديد في العالم؟. فيه، إذ ذاك، تحيا، وبه تفرح، وإلّا لا تتمّ دورة الحياة!. أنت لا تحيي فقط من جسدك، الأهمّ من ذلك أن تحيي من روحك!. ليس الموضوع موضوعَ جسد يحيي، بصورة تلقائيّة. هذا شأن المخلوقات غير العاقلة. صورة، على الأرض، لما هو أسمى.
الإنسان قلب وروح لأنّه يحبّ. والمحبّة، وإن اشتملت الجسديّات، فديدنها ما هو أبعد، بما لا يقاس، لأنّ الإنسان مخلوق على مثال الله. إذًا المزروع فيه يتوق إلى الإلهيّات. من هنا فعل كلمة الله. فبالكلمة يستحيل التّوق شوقًا فودادًا فهيامًا فعشقًا فاتّحادًا فتألّهًا. إذ ذاك، تكتمل صيرورة المثال إنسانًا جديدًا متألّهًا. وما كان، فيما سبق، مادّة للموت، جسدًا، يُستردّ، مستجِدًا، متروحنًا، ممجّدًا، ليصير مكتملًا، كما في فكر الله، مختومًا بختم حياة الله.
قولة الكلمة أنّ طعامي هو أن أعمل أعمال الّذي أرسلني، يجعلنا، أبدًا، في موقع مَن يُفرغ نفسه على نحو مَن أفرغ نفسه، إذا ما ارتضينا أن نصير هيكلًا للكلمة، أن نمدّ الكلمة في أجسادنا. في عمل الله، أنت تملك لا إذا ما أخذت بل إذا ما أعطيت!. وعطاؤك يكون حقّانيًّا إذا ما أَعطيت ولم ترُم شيئًا في المقابل. هذه هي المجّانيّة. مجّانًا أخذتم مجّانًا أعطوا. لا تطلب نفسَك ولا ما لنفسك بل الله وما لله. المحبّة الّتي وحدها تحيي لا يمكنك أن تقتنيها إلّا إذا متّ بالكلّيّة عن نفسك!. الامّحاء الطّوعيّ، غير المفروض، هو ما يوجدك من فوق لأنّ المحبّة من فوق. ما القيامة، في نهاية المطاف؟. ليست أن تنطفئ ثمّ تستضيء، بل هي كشفٌ للحياة المقيمة في الموت، لأنّ مَن مات أحبّ؛ وهي، بالقياس عينه، كشفٌ للنّور المقيم في الظّلمة. أجل، المحبّة الآتية بالكلمة، في عالم الخطيئة، تُبدِع واقعًا ليس من طبيعة واقع الموت الّذي له نحن مرتَهنون، بسبب الخطيئة، بل من طبيعة واقع الحياة الإلهيّة.
هذان الواقعان لا فقط يتعايشان، بل ثمّة معادلة بينهما تجعل، في إطار كلمة المحبّة، أنّ واقع الموت شاءه ربُّك أن يخدم واقع الحياة الجديدة!. حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قويّ (2 كورنثوس 12).
إذا ما سرق منك إنسان، فعملك، كإنسان، أن تردعه، أن تقبض عليه، أن تسلمه إلى الشّرطيّ، أن تستردّ المسروق لو أمكن، حتّى لا يسري التّسيّب، حتّى يشعر النّاس بالأمان. تحتاج إلى قانون، إلى قوّة أمن. العدالة، في هكذا سياق، أنّ مَن يُذنِب يُقاضَى. ثمّ تعمل على حفظ حقوق النّاس. ولكنْ، مهما فعلت تبقى ظالمًا، لأنّك لا تهتمّ بمعالجة الأسباب بل النّتائج.
تقنّنها لتردع لا لتصلح، إلّا ما ندر. لكن الإصلاح من الخارج قلّما يجدي. السّؤال: كيف تصلح النّفوس؟. ومن ثمّ، كيف تصلح العائلة؟. كيف تصلح العلاقات؟. هذا، بشريًّا، مستحيل!. لذلك، القانون وحقوق الإنسان، إذ لا يتصدّى لمصادر الهمّ البشريّ، ولا يستطيع، حسبُه أن يوجَد عاملًا على الحدّ من تداعيات الفساد، قدر الطّاقة، لا معالجته.
مواتية النّفوس، والحال هذه، تمسي تحصيل حاصل. التّركيز على القانون والنّظام، يصير، عمليًّا، تكريسًا لما له مظهر حياة ومضمونه الموت!. يسلك الإنسان، في هذا الإطار، كأنّه مغلوب على أمره!. عمل الإنسان، مهما كان، إذ ذاك، جمعُ ماء في بئر مشقّقة!. الحياة إذًا، مأساة!. كلّ شيء يعكس المأساة!.
عمل الله شيء آخر. لا هو يزيد على عمل الإنسان، كما لو كان عمل الإنسان ناقصًا، ولا يدعمه. ليس المرتجى تحويل الأرض فردوسًا، هذا غير ممكن وقلب الإنسان على ما هو عليه، بل إقامة الفردوس، قطيعًا صغيرًا، في أرض غريبة معادية. في العالم سيكون لكم اضطراب، ولكنْ، لا تخافوا، أنا قد غلبت العالم!. هذه هي الكنيسة في العالم، في الّذين يؤمنون إيمانًا فاعلًا بالمحبّة. لا هناك قانون ولا نظام فردوسيّان. هناك حالة فردوسيّة. يسوع أرض الأحياء. وكلّ حيّ بيسوع أرضٌ، وامتدادُ أرض، لمَن يرومون السّكنى في الله. آتي إليك لا لأنّك ملتمَسي، كائنًا مَن تكون، بل لأنّ مَن هو حالٌّ فيك ملتمَسي!. قد وجدناه!. يسوع بن يوسف الّذي من النّاصرة!. ابن الإنسان هذا الّذي من لحمنا وأرضنا!.
لذا كلّ عمل إنسان في أرضنا نقتبله فرصةً لإتمام عمل الله، وإلّا لا قيمة له، طالما الموت فيه!.
تكلّمتُ على السّارق في عمل النّاس. هذه صورة عنه في عمل الله متى التزمناه. والصّور لا عدّ لها ولا حصر، عند ربّك:
في الحوار الأوّل من حوارات القدّيس غريغوريوس الكبير، عن قدّيسي إيطاليا في زمانه، أنّ راهبًا كان يعتني ببستان أحد الدّيورة ويزرع خضارًا منوّعًا. هذا اكتشف أنّ سارقًا كان يدخل البستان، فيدوس ما يدوسه ويسرق ما ترغب به نفسه ثمّ يذهب. استطلع البستانيّ الأمر فاكتشف الموضع من السّياج، من حيث كان السّارق يدخل. وإذ تابع استطلاعه قليلًا وجد أفعى فأمرها أن تتبعه. فلمّا بلغ الموضع الّذي اعتاد السّارق التّسلّل منه، قال للأفعى: “باسم يسوع المسيح، أكلّفك بحراسة هذا المدخل وعدم السّماح للّصّ بالدّخول”، فتمدّدت الأفعى عند الموضع، وعاد الرّاهب إلى الدّير. ثمّ في ساعة الظّهر، إذ كان الرّهبان مرتاحين، أتى السّارق على عادته، فتسلّق السّور. وإذ كان على وشك أن يضع رجله أرضًا، داخل السّور، رأى الأفعى في الموضع، فارتعب ووقع. وإذ علقت رجله بالوتد، صار رأسه إلى تحت ورجلاه إلى فوق، ولمّا يقدر، بعد، أن ينجو. بقي على هذه الحال إلى أن عاد الرّاهب البستانيّ، فوجده معلّقًا هكذا. فقال، أوّلًا، للأفعى: “شكرًا لله. لقد فعلتِ ما طلبتُه منك. والآن بإمكانك أن تعودي من حيث أتيتِ”. فتحرّكت الحيّة بهدوء وانصرفت. إذ ذاك، قال للّصّ: “ماذا حصل لك، يا أخي؟. الله هو الّذي سلّمك بين يديّ”. ثمّ أنزله برفق وقال له: “اتبعني”!. فلما بلغا حيث كانت الخضار المقطوفة، أعطاه ملء حِمْله، وقال له: “اذهب الآن، ولا تعد تسرق. ومتى احتجت إلى المزيد، فتعال إليّ فأعطيك، ببركة الله، ما كنت تحاول أن تأخذه خلسة”!.
مثل هذه الواقعيّة الأخرى، مهما بدت لواقعيّة هذا الدّهر غريبة ومستبعدة وخرافيّة!.
مَن تراه يحلّ مشكلة الإنسان ومعاناته: القانون والنّظام، وحقوق الإنسان، أم كلمة الله ومحبّته؟. أي واقع نريد: الواقع الّذي يكرّس الموت في حياتنا، أم الواقع الّذي يجعل الموت عن أنفسنا مكرّسًا لحياة الله فينا؟.
الفردوس يبدأ هنا. ما لم نذق ملكوت السّموات الآن فلن نذوقه فيما بعد. القداسة هي الحياة وأرض الأحياء، هنا، وإلى حياة أبديّة!.
أيّ طعام نشاء، على هذا؟. أيّ خبز؟. أيّة كلمة؟.
“اعملوا لا للطّعام البائد، بل للطّعام الباقي للحياة الأبديّة الّذي يعطيكم ابن الإنسان، لأنّ هذا اللهُ الآب قد ختمه” (يوحنّا 6: 27).

الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان
 
قديم 02 - 10 - 2019, 12:58 PM   رقم المشاركة : ( 24263 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كانت قوته الإلهية تشع من جسده البشري
عظة عن الميلاد للقديس باسيليوس الكبير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حنة النبية بشرت به، وسمعان الشيخ احتضنه،
وفي الطفل الصغير كانا يعبدان الإله العظيم, لم يحتقراه بسبب منظره الخارجي،
بل كانا يمجدان عظمة لاهوته, فقد كانت قوته الإلهية تضيء عبر جسده البشري،
كمثل النور عبر ألواح الزجاج, وكانت تشع على الذين كانت عيون قلوبهم نقية.
فلنكن نحن أيضًا مع هؤلاء، ناظرين بوجه مكشوف مجد الرب
كما في مرآة لكي نتغير نحن أنفسنا من مجد إلى مجد،
بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح،
الذي له المجد والسلطان إلى دهر الدهور. آمين
 
قديم 02 - 10 - 2019, 12:59 PM   رقم المشاركة : ( 24264 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إذا كان عربون الروح هكذا، فماذا يكون كمال الملء به؟
في الروح القدس للقديس باسيليوس الكبير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بواسطة الروح القدس تمَّت عودتنا إلى الفردوس
وصعودنا إلى ملكوت السموات والعودة إلى التبني،
والدالة التي بها ندعو الله أباً لنا؛ وصرنا به شركاء نعمة المسيح،
ودُعينا بني النور، ونلنا شركة في المجد الأزلي؛
وبالإجمال صرنا في كل «ملء البركة» (رو29:15)
سواء كان في هذا الدهر أو في الدهر الآتي,
فجميع الخيرات المذَّخرة لنا في المواعيد الإلهية التي ننتظر بالإيمان الحصول عليها،
صرنا (في الروح القدس) نعاين نعمتها وكأنها محقَّقة منذ الآن!
فإذا كان «عربون الروح» (2كو22:2) هكذا,
فكم بالحري يكون كماله؟ وإذا كانت «باكورة الروح»
بهذا القدر، فكم يكون تمام الامتلاء به؟
 
قديم 02 - 10 - 2019, 01:04 PM   رقم المشاركة : ( 24265 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الفعلة في الكرم


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



استغِلوا الفرصة!



فعلة مُستأجرين
لا يتكلم هنا المثل؛ مثل الفعلة في الكرم (متظ¢ظ*:ظ،-ظ،ظ¦) عن كيفية دخول الملكوت، بل يتكلم عن بعض السمات الأساسية التي لابد وأن تتوافر في مواطني الملكوت:
فيسوع هنا في هذا المثل يشبّه نفسه بصاحب حقل يستأجر فعلة للعمل في كرمه، هؤلاء الفعلة الذي دعاهم ولبّوا دعوته وذهبوا للعمل في الحقل. فعندما دعا يسوع تلاميذه وفتح أعينهم على ملكوت الله، أرسلهم ليكونوا فعلة في كرمه “اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” ففتنوا المسكونة.
غير بطالين
إن الحالة الفعلية التي كانت لدى هؤلاء الفعلة قبل أن يستأجرهم أحدهم، هي إنهم كانوا بلا عمل؛ بطالين. ومن هذا نعلم أن السمة الثانية في ملكوت الله إنه لا يضم أناسًا بطالين. فهم عندما دعاهم صاحب الكرم، لم يتباطؤا في الدعوة ولم يتكاسلوا، بل سريعًا تجاوبوا مع دعوة الله لهم وابتدأوا في العمل في الكرم.
استغلال الفرص
لقد كانت دعوة صاحب الكرم للفعلة أن يعملوا لديه هذا اليوم. وقبيل انتهاء اليوم بساعة واحدة دعى فعلة آخرين. وهؤلاء لم يبالوا بأن اليوم قد شارف على الانتهاء. فلماذا نُتعب أنفسنا الآن، لنستيقظ صباحًا نشيطين ونبحث عن عملٍ من بداية اليوم. ولم ينظروا إلى الأجرة التي قطعًا ستكون أقل بكثيرٍ من أولئك الذين يعملون طيلة النهار، فلن يكون تعبهم ذي فائدة. فصاحب الحقل لم يتفق معهم على أجرة محددة فقد قال لهم “فتأخذوا ما يحق لكم”. تلك هي روح أبناء الملكوت فلا يهم عندهم متى دعوا للعمل، ولكن الأهم أن يستغلوا فرصة الدعوة ويعملوا.
روح النعمة
لقد تذمر الأولين ظنًا منهم إنهم سوف يأخذوا أكثر من ديناراٍ. ومن هذا يريد يسوع أن يعلمنا إن العمل في حقل الرب لا يقاس أبدًا بمقاييس العالم الذي يقيسها بناء علي ساعات العمل. فلا يحق لنا أن نقيس من عمل أكثر من الآخر، ومن يستحق أكثر من الاخر فهذا هو كرم الرب ليس كرمنا نحن لنحكم فيه. الرب الذي بنعمته فقط دعانا للعمل في كرمه نحن المزدرى وغير الموجود ، وبنفس المبدأ أيضًا سوف يكافئُنا على خدمتنا في كرمه.
لذا أصبح الآخرين (من دعوا في الساعة الآخيرة) أولين (نالوا إجرتهم أولاً). والأولين (من اشتغلوا من بدء اليوم) آخرين (نالوا أجرتهم أخيرًا). فالنعمة عزيزي لا تقيس كم من الوقت تعبت وبذلت مجهودا، بل ما هي الروح وما هو دافع قلبك لهذه الخدمة. لذا قال يسوع “كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون”
 
قديم 02 - 10 - 2019, 01:06 PM   رقم المشاركة : ( 24266 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الخراف والجداء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



هل تدرك صديقي أن كل عمل رحمة تقدمه للآخرين، أنت تقدمه ليسوع شخصيًا؟!



أعمال الرحمة
ماكس نيف .. هو استاذ في علوم الإقتصاد بكليفورنيا، وقد قسم الاحتياجات الأساسية للإنسان إلى تسعة احتياجات (الوجود، الحماية، المَودَّة، الإدراك، المشاركة، أوقات الفراغ، الإبداع، الهوية، الحرية) ومن شأن تلك الاحتياجات أن تقدّر آنسانيتنا. وعندما سرد يسوع مثل الخراف والجداء وصف الخراف – ألا وهم مواطني الملكوت – إنهم يراعوا على الأقل أول ثلاث احتياجات من تقسيم ماكس نيف. فهم يطعموا و يسقوا ويلبسوا الآخرين إشباعًا للاحتياج الأول؛ الوجود. ويوفروا مسكنًا ورعاية صحية لهم ليشبعوا الاحتياج الثاني؛ الحماية. بالإضافة إلى زيارة المساجين كي يشبعوا الاحتياج الثالث وهو المودَّة.
أخوتي الأصاغر
هل تدرك صديقي أن كل عمل رحمة تقدمه للآخرين، أنت تقدمه ليسوع شخصيًا؟!. وبالمثل كل فرصة تتاح لك أن تخدم آخر وتمنعها وترفض أن تقدمها بل وتكيل له الشر، أنت تفعل هذا بيسوع شخصيًا؟!. قال يسوع في هذا المثل: “بما إنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم. …… بما إنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا”. فيسوع اعتبر الآخرين إخوته الأصاغر الذي يدافع عنهم بصفته أخيهم البكر. وكل عمل خير يقدم لهم اعتبره يقدم له هو شخصيًا، وبالعكس كل خيرٍ يُمنع عنهم هو يُمنع عنه هو.
كما للرب
لقد كان شاول ينفُثُ تهددًا لكل من يتبع يسوع، فتارة يزج بأناس منهم في السجن وتارة أخرى يقتل آخرين. وعندما ظهر له يسوع قال له “شاول شاول لماذا تضطهدني؟” فيسوع أعتبر تلك الإضطهادات التي كان يوجهُها بولس للمسيحين، إنها كانت توجه له شخصيًا. فلم يقل له يسوع: “أنا يسوع الذي أنت تضطهد أتباعه” بل قال “أنا يسوع الذي أنت تضطهده”. وعندما تعلم بولس الدرس راح يعمله ويعلمه. فكثيرًا ما تجده يُعلّم أن أية خدمة نقدمها للآخرين لابد وأن نقوم بها كما أننا نقدمها للرب نفسه “خادمين بنية صالحة كما للرب، وليس للناس (كأن تلك الخدمة تقدم للرب وليس للناس)”.
الذين عن يمينه
قال بولس للكولوسيين ولنا أيضًا “فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفا، وتواضعا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضا، ومسامحين بعضكم بعضا” ثم يعود ويقول السبب من وراء ما ينبغي أن نفعله هذا.. “لأنكم تخدمون الرب يسوع” فنحن نقدم الخدمة لله مباشرة، “عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث” وهذا ما آكد عليه يسوع في مثله، فهو قال عن هؤلاء من يرحموا إخوته “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم”.
 
قديم 02 - 10 - 2019, 01:10 PM   رقم المشاركة : ( 24267 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الوزنات


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فإن كانت الحياة كلها ملكه، أفلا يحق له أن يسأل كيف أنفقنا تلك الحياة؟ .



الوكالة
لأسباب مختلفة متعلقة ببعد المسافة أو ضيق الوقت، نلجأ لتفويض وكيل ما لينجز مهامنا. وهذا الوكيل يمتلك أشياء قد أُعطيت له من قبل المالك، الأخير الذي أعطاه حق التصرف في هذه الأملاك إلى أن يعود ويطلب ما قد أعطاه للوكيل. وهذا ما أراد يسوع أن يشرحه في مثل الوزنات ، فكل ما نمتلكه في حياتنا هو وزنة (وكالة) وضعها الله على عاتقنا. وسيأتي اليوم الذي سيطلب فيه المالك (الملك) أملاكه. فإن كانت الحياة كلها ملكه، أفلا يحق له أن يسأل كيف أنفقنا تلك الحياة؟ ويطلب ثمار إنجازاتنا؟!. لماذا على مواطني الملكوت أن يكونوا أمناء يتاجروا بوزناتهم؟
1.سلمهم أمواله
مهما كان الشيء الذي تمتلكه فهو ليس ملكك “لأنه …. أي شيء لك لم تأخذه؟”، بل ملكا لمن أعطاك إياه. فكل ما هو عند مواطني الملكوت، ماديا كان كأموال ومقتنيات، أم معنويا كمواهب مختلفة، لابد وأن يعود إلى الله، لابد وأن يمجد الله. فكل شيء خلق بيسوع، وكل شيء لابد وأن يكون له “الكل به وله قد خلق”
2. على قدر طاقته
لقد قال يسوع في المثل أن تلك الوزنات وزعت على الأشخاص “كل واحد على قدر طاقته.” فالله يعلم جيدا ما تستطيع أن تفعله، فأنت لم تمتلك وزنة لا تستطيع أن تتاجر بها وتربح. ومن ناحية أخرى هذا لا يعني أن ما يمتلك مواهب و وزنات أكثر منك إنه أفضل منك، فكلاهما ربحا نفس المقدار الذي حصلا عليه.
3. يؤخذ منه
فإذا كنّا غير أمناء فيما أؤتمنا عليه ولم نتاجر ونربح به بل طمرنا تلك الوزنات في الأرض كما العبد الشرير ولم نبارك بها الله، فسوف يأخذ الله وزناته منّا. فلأجل احتقاره للبكورية أُخذت من عيسو البركة التي طلبها بدموع وأعطيت ليعقوب. ولأجل تدنيسهم للكهنوت الممنوح لهم من الله، أُخذ من حفني وفينحاس الكهنوت وأعطي لصموئيل.
4.سيعطى ويزداد
أما إذا كنّا تجارًا بتلك الوزنات، وسعينا أن نمجد الله بما وهبّه لنا، فسوف ننال:
– المدح
فما أروع تلك الحظات التي تسمع فيها من الله، إنه راضٍ بما حققته في كرمه. فقد قال عن موسى “عبدي موسى … هو أمين في كل بيتي”
-الترقية
فكل شخص أمين في عمله يتم ترقيته إلى منصب أكبر بمهام أعظم. كصاحب العشر والخمس وزنات، نالوا مهمة أكبر “أقيمك على الكثير”.
-التكريم
وبمثل هؤلاء يفتخر الله بهم، ولمثل هؤلاء أعد الله الملكوت “ادخل إلى فرح سيدك.”
عبد الله صالح أمين
هذا هو الشخص الذي يدعى مواطن سماوي، فهو ‘عبدالله’ لا يفعل إلا ما قد طُلب منه. وهو ‘صالح’ فكل ما أخذه من الله يتاجر به لخير مملكة الله ولخير أبناء الملكوت. وهو ‘أمين’ يعلم جيدا إنه لا يملك شيئا من ذاته بل من الله وعليه أن يكون محافظا عليه ولا يفسده. لذا مدح الله هؤلاء قائلا: “نعما أيها العبد الصالح و الأمين”
 
قديم 02 - 10 - 2019, 01:33 PM   رقم المشاركة : ( 24268 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل العشر عذارى


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ ( متى 25: 10) .



موكب العُرس
كانت حفلات العُرس قديمًا في أيام اليهود تمتلك طابعًا خاصًا. فالعريس والعروس يتمشيان داخل قريتهم ويتسابق الجميع، ولاسيما العذارى، ليسيروا وسط هذا الموكب؛ أملًا أن يكنّ هنّ العروس القادم من ناحية، ومن ناحية آخرى ليفرحن مع العريس وعروسته. و يقال أن هذا الموكب الإحتفالي المُبهِج لا يعلم أحد بميعاده، فقط عندما يبوّق أو ينادي أحدهم بقدوم الموكب. لهذا لم يكن غريبًا على مسامع اليهود ذلك المثل الذي قاله يسوع عن العشرة عذارى، الذي فيه يريد أن يعلمنا درسًا عن الملكوت.
مصابيح مضاءة
على عكس الجهلات، الحكيمات كان معهن زيتًا على سبيل الاحتياط يحتفظن به في آنية. حتى إذا فرغت مصابيحهن من الزيت يملأن إياها بما يمتلكن. فكما أن المنارة التي داخل الهيكل كانت ولابد أن تظل مضاءة دائمًا، لذا كان يلزم أن يضاف إليها زيتًا يوميًا. هكذا نحن منتظروا الملكوت لابد وأن تكون مصابيحنا مضيئة دائما لا تنطفئ؛
ظ،. لأن هذا هو الدليل على كوننا أبناء الملكوت، فقد قال لنّا يوحنا” إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض (نحن مع يسوع)”.
ظ¢. لنكون نورًا لكل من يسلك في الظلام، مشيرًا لملكوت السماوات “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات”.
زيتًا في آنية
والزيت يرمز في الكتاب المقدس إلى الروح القدس، والاستعداد هنا كما نراه من الحكيمات، هو أن نملئ آنيتنا من الروح القدس. فنحن عزيزي إن اكتفينا بما نمتلكه من زيت لننير مصابيحنا (كما الجهلات) فسيأتي الوقت الذي فيه تنفذ زيوتنا، بينما إن كنّا نملئ آنيتنا بهذا الزيت الذي لا ينضب فإننا سنكون مُنيرين دائمًا. وهذا هو الاستعداد والسهر الذي قصده يسوع من هذا المثل، أن نكون دائمين الجلوس أمام الله الذي يسكب فينا الروح القدس فننير. فعندما أطال موسى على الجبل أمام الله كان جلد وجهه يلمع.
هوذا العريس
قطعًا سكيب الروح القدس علينا يكون ظاهرًا للجميع، بل ومُرشدا لهم إذا أرادوا أن يستنيروا. ولكن عند تلك اللحظة؛ لحظة مجيء يسوع لن ينقذ الروح القدس سوى الممتلئين به؛ بسبب هذا قالت الحكيمات للجهلات “لعله لا يكفي لنا ولكن (فقط يكفي لنا)، بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن”.
ثم لاحظ أن يسوع قال “نعسن جميعهن ونمن” فكلا الفريقين نمن. فإن كن قد آخذتهن الغفلة وأغُلقت عيونهن، لكن الحكيمات كن مستعدات. فحين يبوّق البوق الآخير معلنًا مجيء السيد الرب، لن يأخذ معه سوى المستعد:”فاسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان”
 
قديم 02 - 10 - 2019, 03:51 PM   رقم المشاركة : ( 24269 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

دانـيـال النبى
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وُلِدَ دانيال عام 619 ق.م في اليهودية وقد يكون وُلِدَ في أورشليم نفسها، من سبط يهوذا (دا 1: 6) من أبويْن يهودييْن تقييْن، ظهرت تقواهما في الاهتمام برعايته في طفولته، فنشأ يحب اللَّه ويتمسك بوصاياه، مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة به، والتي كانت تحاول إبعاده عن اللَّه، كما سنرى أثناء حياته في السبي.
معنى اسمه “اللَّه قاضي” وهذا ظهر في قضاء اللَّه على شعبه بالتأديب في السبي البابلي، ثم قضائه لهم بإرجاعهم من السبي بعد سبعين عاماً؛ لتوبتهم ورجوعهم إليه. وكان دانيال صوتاً قوياً للَّه يعلن الحق وقضاءه بكل شجاعة أمام الكل، حتى أمام أعظم وأقوى رجل في العالم وقتذاك، وهو نبوخذنصر ملك بابل.
كان دانيال من النسل الملكي، أو على الأقل من أشراف وعظماء اليهود (دا 1 : 3)، لأن نبوخذنصر عندما هجم على اليهودية وأخذ آنية بيت الرب في السنة الثالثة لملك يهوياقيم، أخذ أول فوج من المسبيين إلى بابل. وكانوا من أفضل الشباب والرجال الموجودين في اليهودية، فيذكر الكتاب المقدس أنهم كانوا حسان المنظر ومملوئين من الحكمة والذكاء، فيستطيعوا أن يقفوا أمام ملك بابل ويخدمونه، أي متميزين في فهمهم وقدرتهم على الكلام والتعبير وتحمُّل المسئولية والقدرة على إدارة الأمور، بالإضافة إلى حُسن المنظر (دا 1 : 4).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان الجو المحيط بدانيال في طفولته جواً روحانياً، إذ كان يُوشِيَّا الملك الصالح يحكم مملكة يهوذا، الذي وجد نسخة من الشريعة في الهيكل، بينما كان يقوم بترميمه. وقدّم توبة هو وشعبه وعمل عيد الفصح وقام بإصلاحات روحية كثيرة، فتمتّع دانيال بهذا الجو الروحي المُشجِّع، ولعله تأثر بالأنبياء السابقين له مثل إشعياء وإرميا وعاموس وهوشع وميخا.
عندما بلغ دانيال العاشرة من عمره قُتِلَ يُوشِيَّا الملك في معركة مجدو على يد نخو ملك مصر وملك ابنه يهوآحاز الشرير، الذي حكم لمدة ثلاثة أشهر وملك بعده يهوياقيم أخوه الذي سار في الشر. فتضايق دانيال لانتشار العبادات الوثنية أيام يهوياقيم، بعد أن كانت مملكة يهوذا قد تخلّصت منها على يد يُوشِيَّا. فجعلته هذه الظروف الصعبة يتمسك باللَّه وشريعته، ولعلّ أمه كانت عاملاً مساعداً قوياً في هذا الأمر، كما كانت أم موسى عاملاً هاماً في تربية موسى وتمسّكه بالإيمان.

لمَّا بلغ دانيال الثالثة عشرة من عمره كان قد تملّك نبوخذنصر الملك العظيم على مملكة بابل، فهاجم بلاداً كثيرة، منها مملكة يهوذا وأخذ بعض آنية بيت الرب من هيكله في أورشليم وسبى الفوج الأول من اليهود وهم أفضل الشباب ومنهم دانيال مع بعض أشراف اليهود ونقلهم إلى بابل. وهناك تم فحصهم، فأُختير دانيال بواسطة “أشفنز” رئيس الخصيان؛ ليكون من صفوة الشباب الذين سيُعَدّوا إعداداً خاصاً في مدرسة الحكمة لمدة ثلاث سنوات؛ ليقوموا بعد هذا بخدمة الملك (دا 1: 3-5). كان نبوخذنصر واسع الحكمة، فاهتم بإعداد أفضل الشباب من كل بلاد العالم التي استولى عليها؛ ليرتفع بمستوى إدارة مملكته، ويحقق نجاحات عظيمة، فأسس مدرسة داخلية للحكمة، يقيم فيها الشباب المختار إقامة كاملة لمدة ثلاث سنوات، يتعلمون فيها الحكمة.
كانت فكرة هذه المدرسة هى إبعاد الشباب عن قوميتهم؛ بجذب قلوبهم لمحبة بابل العظيمة وتعليمهم اللغة الكلدانية، بل تغيير أسمائهم أيضاً إلى أسماء بابلية، فتسمّى دانيال بلطشاصر وأصل الكلمة في اللغة الكلدانية هو “بلو ـ ليتا ـ شاري ـ أوسر” وتعني “أيها البعل هب حمايتك القوية لرهينة الملك”. لأن المسبيين من النسل الملكي والأشراف كانوا يُعتبروا بمثابة رهائن عند ملك بابل، حتى يكون الملك يهوياقيم ملك يهوذا خاضعاً ومطيعاً لملك بابل.
سُبيَ أيضاً مع دانيال من أشراف اليهود، أو النسل الملكي الثلاثة فتية القديسون ودخلوا معه مدرسة الحكمة، فكانوا مساندين ومشجعين لدانيال أثناء غربته في بابل. وأُعطوا أسماء بابلية بدلاً من أسمائهم اليهودية، فكانت أسماءهم اليهودية: حننيا وعزريا وميشائيل (ميصائيل) (دا 1: 11)، فدعوهم: شدرخ وميشخ وعبدنَغو (دا 1 : 7).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قابلت دانيال والثلاثة فتية مشكلة عند دخولهم مدرسة الحكمة، إذ أن الملك أمر أن يُقدَّم للتلاميذ أفخر الأطعمة والمشروبات؛ ليزداد جمالهم الجسدي وصحتهم (دا 1: 5). ولكن كانت هذه الأطعمة مُحرَّمة على اليهود. فطلب دانيال من رئيس الخصيان المسئول عن رعايتهم أن يعطيهم أطعمة بسيطة وهى بقول ـ مثل القطاني ـ ولكن رئيس الخصيان تخوَّف من هذا، لئلا يُتهم أنه أخذ طعامهم الشهي من أطايب الملك لنفسه وأعطاهم بدلاً منه طعاماً رخيصاً وهو القطاني، بالإضافة إلى أن هذه الأطعمة الرخيصة ستؤدي إلى هزال أجسامهم، فيتهمه الملك بالإهمال. ولكن دانيال طلب منه أن يجربهم عشرة أيام فقط يأكلون فيها القطاني (دا 1: 12). وبعدها اكتشف أن صحتهم جيدة وأفضل ممن حولهم، فسمح لهم بأكل القطاني طوال الثلاث سنوات. ومن هذا تظهر شجاعة دانيال وتمسكه بالشريعة وطقوسها رغم صغر سنه، الذي لم يكن قد تعدّى السادسة عشر.
بعد انتهاء المدرسة كان لابد على كل تلميذ أن يُقابِل الملك مقابلة شخصية ليمتحنه بنفسه. وهنا تظهر نعمة اللَّه، إذ اكتشف الملك تفوق دانيال والثلاثة فتية عشرة أضعاف عن كل التلاميذ المرافقين لهم في الذكاء والحكمة، بل وعن كل حكماء بابل وأعجب بهم جداً وخاصة بدانيال (دا 1: 20).

وبعد ذلك، وبالتحديد في السنة الثانية لملك نبوخذنصر وكان عمر دانيال وقتذاك عشرين عاماً تقريباً، حلم نبوخذنصر حلماً أفزعه، فطلب من حكماء بابل كلهم أن يقولوا له الحلم، ثم يفسروه وإلاَّ سيبيدهم، فعجز الكل عن ذلك، فأمر الملك بقتلهم جميعاً. وهنا تقدم دانيال بإيمان وشجاعة فائقة إلى الملك وطلب مهلة؛ حتى يُعلِم الملك بالحلم وتفسيره، ثم ذهب وصلى ـ هو والثلاثة فتية ـ فكشف اللَّه له الحلم وتفسيره. ثم دخل إلى الملك وأعلمه أن ما يطلبه فوق قدرة البشر ولكن اللَّه العالم بكل شيء قد عرّفه الحلم، وذكر له الحلم وتفسيره وهو يختص بالممالك القادمة بعد مملكة بابل. فشعر الملك بقوة اللَّه في دانيال، بل قام وسجد أمام دانيال، لانبهاره بحكمته وأمر له بعطايا كثيرة وملّكه على ولاية بابل وجعله رئيساً لرؤساء المملكة ومُقيماً في القصر الملكي. وبواسطة دانيال جعل الثلاثة فتية مسئولين عن أعمال ولاية بابل عاصمة الإمبراطورية (دا 2). وهكذا نرى كيف مجَّد اللَّه دانيال الشاب المسبي كعبد، فجعل الملك يسجد له ويعظّمه فوق كل الرؤساء. وهذا بالطبع أعطى دانيال إحساساً بمساندة اللَّه له، فإزداد إيمانه وتمسكه بعبادة اللَّه.
سمح اللَّه بمشكلة تحدث في بابل في الأيام التي كان فيها دانيال شاباً صغيراً؛ ليظهر نقاوة وشجاعة وحكمة دانيال.
كان هناك رجل يهودي عظيم يُسمّى يوياقيم وكان من أغنى وأعظم الرجال اليهود المُقيمين في بابل، وكان في بيته حديقة كبيرة يجتمع فيها اليهود للقضاء وفض المنازعات بينهم. وكان يقوم بالقضاء اثنين من شيوخ إسرائيل العارفين بالشريعة وكانا يتغيران كل سنة.
كان ليوياقيم امرأة جميلة جداً تُسمى سوسنة بنت حلقيا، وكان والداها من أتقياء اليهود اهتما بتربيتها تربية روحية، فعرفت شريعة اللَّه وتمسكت بها وكذلك ربت أولادها على ذلك.
كان اليهود يجتمعون في كل صباح لفض منازعاتهم، وبعد انصرافهم عند الظهر كانت سوسنة تنزل وتتمشى في حديقتها، فلاحظها هذان الشيخان في إحدى المرات وأُعجب كل منهما بجمالها ولكن لم يكاشف أحدهما الآخر، بل كانا كل يوم يحاولان أن يتأخرا قليلاً ـ بعد انصراف الشعب ـ ليتمتعا برؤيتها، دون أن تشعر وهى تتمشى في أحد جوانب حديقتها.

وفي أحد الأيام قرر كل من الشيخين أن يبقى فترة في الحديقة؛ ليتمتع برؤيتها فترة أطول، فتظاهر كل منهما أمام الآخر بالانصراف، ولكن بعد قليل عاد كل منهما، فتقابلا وتعجب كل منهما لرجوع الآخر، فاضطر أن يكشف كل منهما للآخر تعلّقه بجمالها ونيته أن يتمتع برؤيتها فترة طويلة، وفعلاً انتظرا وهما مختبئان وتمتعا برؤيتها، ثم انصرفا بعد أن اتفقا على تحيُّن فرصة للإنفراد بها لمضاجعتها.
في أحد أيام القضاء بعد انصراف الشعب، اختفى الشيخان في أحد أركان الحديقة؛ ليتمما قصدهما الشرير بمضاجعة سوسنة. وفي هذا اليوم نزلت سوسنة كعادتها للتمشي في الحديقة وكان يوماً حاراً، فقالت سوسنة لجاريتها، أغلقا الأبواب وأحضرا لي دهن وغسول، أي المواد اللازمة للاستحمام. وبعد أن أغلقت الجاريتان أبواب الحديقة دخلتا إلى القصر لإحضار الدهن.

في هذه اللحظة خرج الشيخان من مخبئهما وهجما على سوسنة وطلبا أن يضطجعا معها؛ لأنهما قد تعلقا بحبها وإن لم توافقهما فسيشهدا عليها أنهما رأيا شاباً يفعل الخطية معها.
قالت سوسنة إن لم أوافقكما تأمران بموتي وإن وافقتكما أخطئ إلى اللَّه وأستحق الموت، فالأفضل لي ألاَّ أوافقكما وأُرضي اللَّه، حتى لو تعرّضت للموت، ثم صرخت بصوت عظيم؛ فأسرع أحد الشيخان وفتح باب الحديقة.
اجتمع أهل البيت والعبيد والجواري، فقال الشيخان لهم إننا قد رأينا شاباً يعانق سوسنة، فأسرعنا لإيقاف الشر ولم نستطع لقوته الإمساك به، فهرب منا. فتعجب الكل مما سمعوا؛ لأن سوسنة كانت تتصف بالطهارة والنقاوة.
انعقد مجلس القضاء في اليوم التالي واجتمع الشعب، وأمر الشيخان بإحضار سوسنة وأمرا بكشف البرقع الذي تغطي به وجهها؛ ليتمتعا برؤية جمالها. ثم شهدا زوراً عليها، أنهما وجداها بالأمس تُعانق أحد الشبان في الحديقة وحدهما ويفعلان الإثم وحُكما عليها بالموت.
أعلنت سوسنة أنها بريئة من هذا الاتهام وصرخت إلى اللَّه ولكن لم يسمع لها أحد؛ لتوقيرهم للشيخين اللذين شهدا عليها. واقتادوا سوسنة لتنفيذ حكم الموت عليها. وإذ بدأ الموكب يتحرك صرخ شاب ـ هو دانيال النبي ـ وقال أنا بريء من دم هذه المرأة ووبخ الشعب؛ لأنهم قبلوا الحكم عليها دون فحص. وقرر أن هذين الشيخين قد شهدا عليها زوراً. وطلب من الكل العودة إلى مجلس القضاء لفحص الأمر.
أعطى اللَّه نعمة لدانيال فخافه الكل حتى الشيخين وعادوا إلى مجلس القضاء، فجلس دانيال وطلب تفريق الشيخين عن بعضهما. وقال للأول أيها الشرير تحت أي شجرة رأيت سوسنة والشاب؟ فقال تحت شجرة الضروة.

ثم استبعده وأتى بالشيخ الآخر وقال له: يا من كنت تنظر إلى بنات إسرائيل وكن يخجلن من نظراتك وكلامك وخفن أن يتكلمن معك، قل لي تحت أي شجرة رأيت سوسنة والشاب؟ فقال: تحت شجرة السنديانة.
وإذ اختلف الشيخان في شهادتهما ظهر كذبهما وظهرت براءة سوسنة، فهتف الشعب وباركوا اللَّه الذي أظهر براءة هذه المرأة التقية، ثم اقتادا الشيخين للحكم عليهما بالموت، طبقاً للشرعية التي تقضي بنفس الحكم على من يشهد زوراً على غيره (دا 13).

وبعد هذا أراد نبوخذنصر إظهار عظمته، فأقام تمثالاً ضخماً من الذهب ارتفاعه ثلاثين متراً وعرضه ثلاثة أمتار، وأمر كل رؤساء مملكته أن يأتوا ويسجدوا للتمثال في احتفال عظيم، عُزِفَتْ فيه الموسيقى بآلات كثيرة. ولم يحضر بالطبع الثلاثة فتية؛ لأنهم لا يسجدون إلاَّ للَّه ولم يحضر أيضاً دانيال. وهنا تقدم بعض الرجال الكلدانيين واشتكوا الثلاثة فتية للملك؛ لأنهم لم يسجدوا للتمثال وأنهم مستحقون أن يُلْقَوا في أتون النار، عقاباً لهم، كما أمر الملك. ويبدو أن مركز دانيال كان أكبر من أن يشتكوا عليه، فخافوا ولم يتكلموا عنه.
فغضب الملك واستدعى الثلاثة فتية، الذين أصروا على عدم السجود للتمثال؛ لأنهم يسجدون للَّه وحده. فاعتبر الملك هذا التصرف عصياناً له وأمر بأن يُحمَّى الأتون سبعة أضعاف ما كان مقرراً له ويُربط الثلاثة فتية بحبال، ويمسك بهم أناساً أقوياء ويلقون بهم في أتون النار، ففعلوا هكذا وحضر الملك بنفسه. وأمسك رجال الملك بالثلاثة فتية الموثقين واقتربوا من باب الأتون وألقوهم فيه. ومن شدة النار احترق رجال الملك الجبابرة. أما الثلاثة فتية فإن الحبال التي تربطهم انحلت ورآهم الملك يتمشون داخل الأتون ومعهم شخص رابع شبيه بابن الآلهة، إذ أن اللَّه أحاطهم في الحال بغلاف من هواء بندى، فلم تمسهم نار الأتون. وفرح الثلاثة فتية برؤية اللَّه داخل الأتون وأخذوا يسبحونه. فقالوا له مديح موجود في تسبحة الكنيسة، بدايته: “نتبعك بكل قلوبنا” (دا 3: 41-44)، ثم أنشدوا الهوس الثالث، أي التسبيح الثالث الموجود في كتاب التسبحة (دا 3: 52-90). وحاول رجال الملك تحمية الأتون، حتى ارتفعت النار إلى 24.5 متراً في الهواء وأكلت النار بعض الكلدانيين الذين اقتربوا من الأتون، فتعجب الملك جداً عندما رأى أربعة رجال يتمشون داخل النار، ثم نادى على الثلاثة فتية من النار، فخرجوا إليه. ولاحظ أن النار لم تمس حتى ثيابهم وليس فيها رائحة النار، فأعلن قوة إلههم التي تفوق كل قوة في العالم. وبهذا حوّل اللَّه هذه الضيقة العظيمة إلى وسيلة لتمجيد اسمه وإعلاء شأن أولاده الثلاثة فتية (دا 3).
مجّد اللَّه دانيال، إذ أعلن له الأسرار التي لا يعرفها غير اللَّه وأعطاه أيضاً ذكاءً يفوق كل من حوله، فاحترمه الكل حتى الملك، فانتقل من مرتبة العبد إلى رئاسة المملكة، كما نقل اللَّه قديماً يوسف العبد إلى رئاسة مملكة مصر بالحكمة وفهم الأسرار. وقد شهد حزقيال بحكمة دانيال الفائقة وفهمه الأسرار في (حز28: 3).
مرّت السنوات ونبوخذنصر يملك على مملكة بابل ويُسيطر على العالم، مُظهِراً حكمته وسلطانه في إدارة المملكة وفي بنائه عاصمته بابل بأسوار عالية مُحصّنة. ووضع فيها مخازن كبيرة للطعام وكان نهر الفرات يمر من تحتها، وبالتالي لا يمكن اقتحامها، أو محاصرتها بحسب المنطق البشري. ولكن نبوخذنصر تكبر بسبب إحساسه بعظمته في أعماله التي عملها ونسب كل المجد لنفسه وليس للَّه، فأراد اللَّه أن يُعرِّفه بضعفه، فحلم حلماً غريباً أزعجه، فأسرع لدانيال ملتجئاً إليه ليفسر له الحلم. وهنا تظهر شجاعة دانيال، الذي قال للملك أنه بسبب تكبرك غضب اللَّه عليك، والشجرة العظيمة التي رأيتها في الحلم والتي تحتمي بها جميع طيور السماء وبهائم الأرض وقد قطعت، هى أنت أيها الملك، الذي ستفقد عقلك ويطردونك من بين الناس سبع سنوات وتعيش مثل الحيوانات؛ حتى تتوب عن كبريائك وعندما تتضع يعيدك اللَّه إلى مملكتك وقد حدث كل هذا مع الملك (دا 4).

بعد هذا مات نبوخذنصر العظيم وملك بعده ابنه أويل مردوخ عام 562 ق.م وكان منشغلاً بالفن والعلوم المختلفة، فضعفت المملكة في أيامه ولم يعتمد على دانيال، الذي كان عمره وقتذاك تسعة وخمسين عاماً، فأهمل وجوده وعاش في أحد زوايا القصور الملكية، فكانت فرصة للصلاة وعبادة اللَّه الذي أحبه. وغالباً عاش دانيال بتولاً، إذ لم يُذكر له زوجة وأولاد، فعاش كأحد الرهبان يتمتع بحياة الوحدة والتأمل سنوات كثيرة وكان ذلك لمدة اثنين وعشرين عاماً، حتى أن حزقيال النبي ـ الذي كان معاصراً له وأكبر منه في السن ببضع سنوات ـ شهد أنه من أتقى رجال العهد القديم، الذين اتصفوا بمحبة الصلاة، إذ ذكره مع نوح وأيوب كرجال اللَّه المتميزين بالبر (حز14: 14، 20).
في هذه الفترة الهادئة غالباً كانت فرصة أن يعلن اللَّه لدانيال مجموعة من الرؤى ذكرها لنا في (ص7-12)، تُحدِّثنا عن مستقبل الممالك التي تحكم العالم وعلاقتها بشعب اللَّه ومملكة المسيا المنتظر القادمة وكيف يُتمم فداءه على الصليب ويأخذ أولاده في النهاية إلى الملكوت الأبدي.
رغم أن دانيال تبوأ مراكز عظيمة في المملكة البابلية، ثم بعد ذلك في مملكة مادي وفارس ـ كما سنذكر ـ لكنه تعرّض لمؤامرات كثيرة، وصلى وأنقذه اللَّه منها. فكان مُعرضاً للموت عدة مرات، كل هذا ساعد دانيال على التعلق باللَّه والتغرب عن العالم، فلم ينزعج عندما أهمله الملوك التاليون لنبوخذنصر، بل كانت فرصة له للصلاة مع الزهد، إذ كان ناسكاً يصوم أياماً كثيرة أثناء عبادته للَّه (دا 8: 27، 10: 3). ومع أنه كان في السبي بعيداً عن أورشليم والهيكل، لكن قلبه كان مُتعلقاً بعبادة اللَّه والمُحرَقة الصباحية والمسائية اليومية وكل ممارسات العبادة، التي كانت تتم في الهيكل الذي دمَّره نبوخذنصر.
ملك أويل مردوخ لمدة سنتين ونصف، ثم قتله أحد رؤساء المملكة. وتوالت الاغتيالات وتملك هؤلاء الرجال على عرش بابل، حتى سنة 539 ق.م وفيها ضعفت المملكة البابلية جداً.

وفي عام 539 ق.م تملك بيلشاصر ـ الذي كان يُعتَبر ابناً لبنونيدس الملك حفيد نبوخذنصر ـ على بابل. وكان شاباً مستهزءاً، انشغل بالخمر والنساء، فلم يملك إلاَّ شهوراً قليلة لم تصل إلى سنة. وفي نهاية ملكه ـ تمادياً في خلاعته واستباحته ـ طلب أواني بيت الرب؛ ليشرب فيها الخمر مع أحبائه ونسائه، وهنا ظهر غضب اللَّه عليه، إذ ظهرت يد تكتب على الحائط أمام عينيه كلمات غير مفهومة وهى “منا منا تقيل وفرسين” (دا 5: 5-9). فانزعج الملك جداً وطلب كل حكماء بابل ليفسروا له هذه الرؤيا المفزعة. وهنا تقدمت الملكة ـ وهى غالباً إحدى بنات نبوخذنصر ـ وطمأنت الملك بأن هناك رجلاً فهيماً يُدعَى بلطشاسر (دانيال) موجود في المملكة منذ أيام أبيه، أي جده نبوخذنصر، فاستدعاه بسرعة وأتى من مكان خلوته ـ وكان عمره وقتذاك واحد وثمانين عاماً ـ فوعده الملك بهدايا ولكنه لم يهتم بها وأعلمه بمعنى الرؤيا وهو أنه لتجاسره بشرب الخمر في آنية بيت الرب وكل شروره أرسل اللَّه له هذه الرسالة، وهى: أنه وُزِنَ بالموازين فوُجِدَ ناقصاً، وأن مملكته ستُقسَّم وتؤخذ منه، فمن خوف بيلشاصر الملك أعطى دانيال قلادة، تعلن أنه الرجل الثالث في المملكة. وقد تحقق كلام دانيال في هذه الليلة، إذ قُتِلَ بيلشاصر وغزت مملكة مادي وفارس بابل واستولت عليها، وانتهت بهذا الإمبراطورية البابلية وبدأت إمبراطورية مادي وفارس وكان ذلك عام 538 ق.م.
حكم كورش على مملكة مادي وفارس كأول ملك للمملكة وكان يساعده حميه الملك داريوس المادي وقد شعرا بمكانة دانيال وذكائه وتاريخه العظيم، فجعلاه من رؤساء المملكة، بل عندما أقاما 120 مرزباناً (رئيساً) جعلا عليهم ثلاثة رؤساء، منهم دانيال، وكان داريوس يود أن يجعله رئيساً وحده على جميع الرؤساء (دا 6: 1-3)؛ لاقتناعه بتميزه، خاصة وأن داريوس تميز بالفهم والإدارة السليمة لبابل، التي ظلت إحدى عواصم المملكة الجديدة؛ مملكة مادي وفارس؛ وداريوس هذا كان صديقاً لدانيال واعترف بقوة إلهه.
اغتاظ مرازبة الملك، أي رؤسائه من تميز دانيال ورئاسته لهم، فدبروا خدعة أقنعوا بها الملك، والمقصود الظاهري بها تعظيم الملك كإله، وهى ألاَّ يطلب أحد أية طلبة في المملكة إلاَّ من الملك. ومن لا يصنع هذا يُلقى في جب الأسود؛ لأنهم يعلمون أن دانيال متمسك بعبادة اللَّه والصلاة له (دا 6: 5).
ظهرت هنا شجاعة دانيال، الذي ذهب إلى بيته وفتح نوافذه ونظر نحو أورشليم وصلى ثلاث مرات ـ كما تعود كل يوم بحسب عادة اليهود ـ وهى صلاة الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة، التي تُقابِل الساعة التاسعة صباحاً والثانية عشرة ظهراً والثالثة بعد الظهر (دا 6: 10).

أسرع رؤساء المملكة إلى الملك واشتكوا له دانيال وعرَّفوه أنه لا يستطيع أن يرجع في أوامره؛ لأنه ملك، فحزن داريوس جداً وأجَّل عقاب دانيال حتى المساء، ثم أمر بإلقائه في الجب. وظل الملك حزيناً ولم يأتوا إليه بسراريه وسهر طوال الليل. وفي الصباح الباكر ذهب إلى الجب مع رجاله ونادى على دانيال، فرد عليه من الجب وأعلمه أن إلهه أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود، فلم يصبه أذى. فأمر بإصعاد دانيال، ثم إلقاء الرؤساء الذين اشتكوا عليه، هم وأسرهم، فالتهمتهم الأسود فور إلقائهم، وهذا أكد قوة اللَّه التي تحمي دانيال، فالأسود قوية وجائعة ولكنها لم تمس دانيال. وبهذا ازدادت عظمة دانيال في نظر الملك (دا 6: 14-24).
إذ كان دانيال صديقاً للملك كورش، فكان يصطحبه في كل مكان، وكان هناك إلهاً في بابل يُسمَّى بال، يُقدم له أطعمة وأشربة كثيرة كل يوم، وكان الملك يذهب إليه ويسجد أمامه، أما دانيال فلم يكن يسجد، فسأله الملك عن سبب عدم سجوده، فقال له: إن بال تمثال لا يأكل ولا يشرب، فقال له الملك: إنه حي ويأكل كل هذه الأطعمة، فنفى دانيال ذلك بشدة.
فاغتاظ الملك من كهنة بال وهددهم بالقتل إن ثبت أن بال لا يأكل هذه الأطعمة. ووافق الكهنة؛ لأن عددهم كان سبعين كاهناً هم ونساءهم وأولادهم، وكانوا قد صنعوا مدخلاً خفياً تحت المائدة التي يضعون عليها الأطعمة (دا 14: 1-12).

ذهب الملك إلى معبد بال وأخرج الكهنة ووضع بنفسه الأطعمة والأشربة، ثم صرف دانيال كل عبيد الملك ولم يبقَ إلاَّ عبيد قليلون لدانيال، ونثروا رماداً في كل أرضية المعبد، ثم خرجوا وأغلقوا الباب وختموا عليه بختم الملك (دا 14: 13).
في الغد ذهب الملك ودانيال إلى المعبد وتأكدوا من سلامة الأختام، ثم فتحوا الباب، فلم يجدوا طعاماً ولا شراباً، فهتف الملك وأراد أن يدخل وهنا أمسكه دانيال وقال له: انظر إلى الأرض، فقال له أرى آثار أقدام رجال ونساء وأطفال، ففهم الملك أن أناساً دخلوا المعبد وأكلوا الطعام فقبض على الكهنة وضيَّق عليهم حتى أروه المدخل الخفي تحت المائدة، الذي يدخلون منه، فأمر بقتلهم وحطم دانيال تمثال بال وكل المعبد (دا 14: 14-21).
كان في بابل تنين عظيم يخاف منه الكل ويعبدونه وكان هذا حياً يتحرك، فقال الملك لدانيال إنك لا تستطيع أن تقول أن هذا الإله صنماً لا يأكل ولا يشرب فهو حي، فلماذا لا تسجد له ؟!
فقال له دانيال إني لا أسجد إلاَّ للَّه، ثم استأذن الملك أن يسمح له فيقتل التنين. فتعجب الملك من شجاعة دانيال الذي بذكائه طبخ أقراصاً من الزفت والشعر والشحم وألقاها للتنين، وعندما أكلها انشق جوفه ومات. وقال دانيال للشعب هذه معبوداتكم بلا قيمة (دا 14: 22-26).

اغتاظ رؤساء الملك واتهموه أنه قد صار يهودياً تابعاً لدانيال وطلبوا منه أن يُسلّم لهم دانيال وإلاّ فإنهم سيقتلون الملك. وهذا يُبيِّن سلطان هؤلاء الرؤساء ولكنه بلا قيمة أمام قوة اللَّه.
ألقوا دانيال في جب الأسود مرة أخرى واستبقوه هناك ستة أيام؛ ليضمنوا أن تأكله الأسود الجائعة. وكان في الجب سبعة أسود مُنِعوا عنها الطعام مدة، فلم تمس دانيال كما حدث في الجب الأول. وتعاظم عمل اللَّه مع دانيال، إذ كان حبقوق النبي في اليهودية بجوار أورشليم، وكان قد طبخ طبيخاً وصنع خبزاً؛ ليُقدّمه للحصادين في الحقل. فظهر له ملاك الرب وقال له: احمل طعامك هذا إلى بابل إلى دانيال الذي ألقوه في جب الأسود، فقال حبقوق له إني لا أعلم الطريق إلى بابل. وهنا قال الملاك لحبقوق: امسك طعامك جيداً، ثم حمله وأوصله في الحال إلى الجب، فنادى حبقوق على دانيال، الذي فرح برؤية حبقوق، كما فرح حبقوق برؤية دانيال. وقال حبقوق: خذ الغذاء الذي أرسله لك اللَّه وألقى له بالطعام في الجب، فشكر دانيال اللَّه، الذي يهتم بطعامه، ثم أعاد الملاك حبقوق إلى اليهودية (دا 14: 30-36).
ظل دانيال في خلوة مع اللَّه ستة أيام يأكل من الطعام الذي أرسله له اللَّه بيد حبقوق والأسود حوله في هدوء كحيوانات أليفة، وفي اليوم السابع جاء الملك داريوس ونادى على دانيال، فوجده صحيحاً لم تمسه الأسود بأذى، فأعلن الملك أن إله دانيال ليس مثله في الآلهة، ثم أمر بإصعاد دانيال وإلقاء من اشتكوا عليه فافترستهم الأسود فور سقوطهم في الجب، وأمر الملك أن يتَّقي كل الشعب إله دانيال (دا 14: 37-42).

تظهر دقة دانيال في كتابة هذا السفر جزءاً باللغة الآرامية ـ التي كانت لغة بلاد مادي وفارس ـ وذلك في أحاديثه مع الملوك ورجالهم، وجزءاً باللغة العبرية في أحاديثه مع اليهود، والجزء الثالث كتبه باللغة اليونانية، التي كانت قد بدأت تنتشر في العالم، تمهيداً لظهور الإمبراطورية اليونانية التي ستأتي بعد مملكة مادي وفارس.
وهكذا تظهر في حياة دانيال فضائل كثيرة ميَّزته عن كل من حوله، فظهر إيمانه وتمسكه بعبادة اللَّه حتى نهاية حياته. وكان رجل صلاة متمسكاً بالصلوات في مواعيدها وفي اتجاهها السليم، أي نحو أورشليم، وكذلك كان شجاعاً طوال حياته، حتى بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، بالإضافة إلى حكمته وذكائه الفائق. فأعطاه اللَّه مكانة عظيمة ونعمة في أعين كل الملوك وأهمهم نبوخذنصر، وحتى الشاب بيلشاصر المستهتر الخليع خافه وكذلك ملوك مادي وفارس وقَّروه جداً.

مما سبق نفهم أن دانيال أصغر من حزقيال بحوالي ثلاث سنوات، وقد تنبأ حزقيال عن السبي والرجوع منه ولكنه استشهد أثناء السبي. أما دانيال فعاصر المملكة البابلية طوال أيامها، ثم بدأ بضعة سنوات مع المملكة الجديدة، مملكة مادي وفارس، فرأى بعينه الرجوع الأول من السبي ـ على يد زربابل ـ قبل وفاته بسنة واحدة، ولم يعد معهم؛ لأنه كان قد تقدم جداً في السن، إذ كان عمره ثلاثة وثمانين عاماً. وهكذا مرّ سبعون عاماً لدانيال في السبي البابلي، فقد تم سبيه وعمره ثلاثة عشر عاماً وعاد الفوج الأول من السبي وعمره ثلاثة وثمانين عاماً.
عاش دانيال حتى السنة الثالثة للملك كورش (دا 10: 1)، أو بعد ذلك بقليل وكان قد بلغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، ثم رقد ودُفِنَ على رجاء آبائه، منتظراً المسيا الآتي لخلاص العالم والذي تنبأ عنه، بعد أن قدّم مثالاً لحياة عظيمة لأولاد اللَّه، حتى بين الوثنيين، مهما كان سلطانهم.
وتعيد له الكنيسة في يوم 32 برمهات (1 أبريل) صلاته تكون معنا آمين.
 
قديم 02 - 10 - 2019, 03:51 PM   رقم المشاركة : ( 24270 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,295,679

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

دانـيـال النبى
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وُلِدَ دانيال عام 619 ق.م في اليهودية وقد يكون وُلِدَ في أورشليم نفسها، من سبط يهوذا (دا 1: 6) من أبويْن يهودييْن تقييْن، ظهرت تقواهما في الاهتمام برعايته في طفولته، فنشأ يحب اللَّه ويتمسك بوصاياه، مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة به، والتي كانت تحاول إبعاده عن اللَّه، كما سنرى أثناء حياته في السبي.
معنى اسمه “اللَّه قاضي” وهذا ظهر في قضاء اللَّه على شعبه بالتأديب في السبي البابلي، ثم قضائه لهم بإرجاعهم من السبي بعد سبعين عاماً؛ لتوبتهم ورجوعهم إليه. وكان دانيال صوتاً قوياً للَّه يعلن الحق وقضاءه بكل شجاعة أمام الكل، حتى أمام أعظم وأقوى رجل في العالم وقتذاك، وهو نبوخذنصر ملك بابل.
كان دانيال من النسل الملكي، أو على الأقل من أشراف وعظماء اليهود (دا 1 : 3)، لأن نبوخذنصر عندما هجم على اليهودية وأخذ آنية بيت الرب في السنة الثالثة لملك يهوياقيم، أخذ أول فوج من المسبيين إلى بابل. وكانوا من أفضل الشباب والرجال الموجودين في اليهودية، فيذكر الكتاب المقدس أنهم كانوا حسان المنظر ومملوئين من الحكمة والذكاء، فيستطيعوا أن يقفوا أمام ملك بابل ويخدمونه، أي متميزين في فهمهم وقدرتهم على الكلام والتعبير وتحمُّل المسئولية والقدرة على إدارة الأمور، بالإضافة إلى حُسن المنظر (دا 1 : 4).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان الجو المحيط بدانيال في طفولته جواً روحانياً، إذ كان يُوشِيَّا الملك الصالح يحكم مملكة يهوذا، الذي وجد نسخة من الشريعة في الهيكل، بينما كان يقوم بترميمه. وقدّم توبة هو وشعبه وعمل عيد الفصح وقام بإصلاحات روحية كثيرة، فتمتّع دانيال بهذا الجو الروحي المُشجِّع، ولعله تأثر بالأنبياء السابقين له مثل إشعياء وإرميا وعاموس وهوشع وميخا.
عندما بلغ دانيال العاشرة من عمره قُتِلَ يُوشِيَّا الملك في معركة مجدو على يد نخو ملك مصر وملك ابنه يهوآحاز الشرير، الذي حكم لمدة ثلاثة أشهر وملك بعده يهوياقيم أخوه الذي سار في الشر. فتضايق دانيال لانتشار العبادات الوثنية أيام يهوياقيم، بعد أن كانت مملكة يهوذا قد تخلّصت منها على يد يُوشِيَّا. فجعلته هذه الظروف الصعبة يتمسك باللَّه وشريعته، ولعلّ أمه كانت عاملاً مساعداً قوياً في هذا الأمر، كما كانت أم موسى عاملاً هاماً في تربية موسى وتمسّكه بالإيمان.

لمَّا بلغ دانيال الثالثة عشرة من عمره كان قد تملّك نبوخذنصر الملك العظيم على مملكة بابل، فهاجم بلاداً كثيرة، منها مملكة يهوذا وأخذ بعض آنية بيت الرب من هيكله في أورشليم وسبى الفوج الأول من اليهود وهم أفضل الشباب ومنهم دانيال مع بعض أشراف اليهود ونقلهم إلى بابل. وهناك تم فحصهم، فأُختير دانيال بواسطة “أشفنز” رئيس الخصيان؛ ليكون من صفوة الشباب الذين سيُعَدّوا إعداداً خاصاً في مدرسة الحكمة لمدة ثلاث سنوات؛ ليقوموا بعد هذا بخدمة الملك (دا 1: 3-5). كان نبوخذنصر واسع الحكمة، فاهتم بإعداد أفضل الشباب من كل بلاد العالم التي استولى عليها؛ ليرتفع بمستوى إدارة مملكته، ويحقق نجاحات عظيمة، فأسس مدرسة داخلية للحكمة، يقيم فيها الشباب المختار إقامة كاملة لمدة ثلاث سنوات، يتعلمون فيها الحكمة.
كانت فكرة هذه المدرسة هى إبعاد الشباب عن قوميتهم؛ بجذب قلوبهم لمحبة بابل العظيمة وتعليمهم اللغة الكلدانية، بل تغيير أسمائهم أيضاً إلى أسماء بابلية، فتسمّى دانيال بلطشاصر وأصل الكلمة في اللغة الكلدانية هو “بلو ـ ليتا ـ شاري ـ أوسر” وتعني “أيها البعل هب حمايتك القوية لرهينة الملك”. لأن المسبيين من النسل الملكي والأشراف كانوا يُعتبروا بمثابة رهائن عند ملك بابل، حتى يكون الملك يهوياقيم ملك يهوذا خاضعاً ومطيعاً لملك بابل.
سُبيَ أيضاً مع دانيال من أشراف اليهود، أو النسل الملكي الثلاثة فتية القديسون ودخلوا معه مدرسة الحكمة، فكانوا مساندين ومشجعين لدانيال أثناء غربته في بابل. وأُعطوا أسماء بابلية بدلاً من أسمائهم اليهودية، فكانت أسماءهم اليهودية: حننيا وعزريا وميشائيل (ميصائيل) (دا 1: 11)، فدعوهم: شدرخ وميشخ وعبدنَغو (دا 1 : 7).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قابلت دانيال والثلاثة فتية مشكلة عند دخولهم مدرسة الحكمة، إذ أن الملك أمر أن يُقدَّم للتلاميذ أفخر الأطعمة والمشروبات؛ ليزداد جمالهم الجسدي وصحتهم (دا 1: 5). ولكن كانت هذه الأطعمة مُحرَّمة على اليهود. فطلب دانيال من رئيس الخصيان المسئول عن رعايتهم أن يعطيهم أطعمة بسيطة وهى بقول ـ مثل القطاني ـ ولكن رئيس الخصيان تخوَّف من هذا، لئلا يُتهم أنه أخذ طعامهم الشهي من أطايب الملك لنفسه وأعطاهم بدلاً منه طعاماً رخيصاً وهو القطاني، بالإضافة إلى أن هذه الأطعمة الرخيصة ستؤدي إلى هزال أجسامهم، فيتهمه الملك بالإهمال. ولكن دانيال طلب منه أن يجربهم عشرة أيام فقط يأكلون فيها القطاني (دا 1: 12). وبعدها اكتشف أن صحتهم جيدة وأفضل ممن حولهم، فسمح لهم بأكل القطاني طوال الثلاث سنوات. ومن هذا تظهر شجاعة دانيال وتمسكه بالشريعة وطقوسها رغم صغر سنه، الذي لم يكن قد تعدّى السادسة عشر.
بعد انتهاء المدرسة كان لابد على كل تلميذ أن يُقابِل الملك مقابلة شخصية ليمتحنه بنفسه. وهنا تظهر نعمة اللَّه، إذ اكتشف الملك تفوق دانيال والثلاثة فتية عشرة أضعاف عن كل التلاميذ المرافقين لهم في الذكاء والحكمة، بل وعن كل حكماء بابل وأعجب بهم جداً وخاصة بدانيال (دا 1: 20).

وبعد ذلك، وبالتحديد في السنة الثانية لملك نبوخذنصر وكان عمر دانيال وقتذاك عشرين عاماً تقريباً، حلم نبوخذنصر حلماً أفزعه، فطلب من حكماء بابل كلهم أن يقولوا له الحلم، ثم يفسروه وإلاَّ سيبيدهم، فعجز الكل عن ذلك، فأمر الملك بقتلهم جميعاً. وهنا تقدم دانيال بإيمان وشجاعة فائقة إلى الملك وطلب مهلة؛ حتى يُعلِم الملك بالحلم وتفسيره، ثم ذهب وصلى ـ هو والثلاثة فتية ـ فكشف اللَّه له الحلم وتفسيره. ثم دخل إلى الملك وأعلمه أن ما يطلبه فوق قدرة البشر ولكن اللَّه العالم بكل شيء قد عرّفه الحلم، وذكر له الحلم وتفسيره وهو يختص بالممالك القادمة بعد مملكة بابل. فشعر الملك بقوة اللَّه في دانيال، بل قام وسجد أمام دانيال، لانبهاره بحكمته وأمر له بعطايا كثيرة وملّكه على ولاية بابل وجعله رئيساً لرؤساء المملكة ومُقيماً في القصر الملكي. وبواسطة دانيال جعل الثلاثة فتية مسئولين عن أعمال ولاية بابل عاصمة الإمبراطورية (دا 2). وهكذا نرى كيف مجَّد اللَّه دانيال الشاب المسبي كعبد، فجعل الملك يسجد له ويعظّمه فوق كل الرؤساء. وهذا بالطبع أعطى دانيال إحساساً بمساندة اللَّه له، فإزداد إيمانه وتمسكه بعبادة اللَّه.
سمح اللَّه بمشكلة تحدث في بابل في الأيام التي كان فيها دانيال شاباً صغيراً؛ ليظهر نقاوة وشجاعة وحكمة دانيال.
كان هناك رجل يهودي عظيم يُسمّى يوياقيم وكان من أغنى وأعظم الرجال اليهود المُقيمين في بابل، وكان في بيته حديقة كبيرة يجتمع فيها اليهود للقضاء وفض المنازعات بينهم. وكان يقوم بالقضاء اثنين من شيوخ إسرائيل العارفين بالشريعة وكانا يتغيران كل سنة.
كان ليوياقيم امرأة جميلة جداً تُسمى سوسنة بنت حلقيا، وكان والداها من أتقياء اليهود اهتما بتربيتها تربية روحية، فعرفت شريعة اللَّه وتمسكت بها وكذلك ربت أولادها على ذلك.
كان اليهود يجتمعون في كل صباح لفض منازعاتهم، وبعد انصرافهم عند الظهر كانت سوسنة تنزل وتتمشى في حديقتها، فلاحظها هذان الشيخان في إحدى المرات وأُعجب كل منهما بجمالها ولكن لم يكاشف أحدهما الآخر، بل كانا كل يوم يحاولان أن يتأخرا قليلاً ـ بعد انصراف الشعب ـ ليتمتعا برؤيتها، دون أن تشعر وهى تتمشى في أحد جوانب حديقتها.

وفي أحد الأيام قرر كل من الشيخين أن يبقى فترة في الحديقة؛ ليتمتع برؤيتها فترة أطول، فتظاهر كل منهما أمام الآخر بالانصراف، ولكن بعد قليل عاد كل منهما، فتقابلا وتعجب كل منهما لرجوع الآخر، فاضطر أن يكشف كل منهما للآخر تعلّقه بجمالها ونيته أن يتمتع برؤيتها فترة طويلة، وفعلاً انتظرا وهما مختبئان وتمتعا برؤيتها، ثم انصرفا بعد أن اتفقا على تحيُّن فرصة للإنفراد بها لمضاجعتها.
في أحد أيام القضاء بعد انصراف الشعب، اختفى الشيخان في أحد أركان الحديقة؛ ليتمما قصدهما الشرير بمضاجعة سوسنة. وفي هذا اليوم نزلت سوسنة كعادتها للتمشي في الحديقة وكان يوماً حاراً، فقالت سوسنة لجاريتها، أغلقا الأبواب وأحضرا لي دهن وغسول، أي المواد اللازمة للاستحمام. وبعد أن أغلقت الجاريتان أبواب الحديقة دخلتا إلى القصر لإحضار الدهن.

في هذه اللحظة خرج الشيخان من مخبئهما وهجما على سوسنة وطلبا أن يضطجعا معها؛ لأنهما قد تعلقا بحبها وإن لم توافقهما فسيشهدا عليها أنهما رأيا شاباً يفعل الخطية معها.
قالت سوسنة إن لم أوافقكما تأمران بموتي وإن وافقتكما أخطئ إلى اللَّه وأستحق الموت، فالأفضل لي ألاَّ أوافقكما وأُرضي اللَّه، حتى لو تعرّضت للموت، ثم صرخت بصوت عظيم؛ فأسرع أحد الشيخان وفتح باب الحديقة.
اجتمع أهل البيت والعبيد والجواري، فقال الشيخان لهم إننا قد رأينا شاباً يعانق سوسنة، فأسرعنا لإيقاف الشر ولم نستطع لقوته الإمساك به، فهرب منا. فتعجب الكل مما سمعوا؛ لأن سوسنة كانت تتصف بالطهارة والنقاوة.
انعقد مجلس القضاء في اليوم التالي واجتمع الشعب، وأمر الشيخان بإحضار سوسنة وأمرا بكشف البرقع الذي تغطي به وجهها؛ ليتمتعا برؤية جمالها. ثم شهدا زوراً عليها، أنهما وجداها بالأمس تُعانق أحد الشبان في الحديقة وحدهما ويفعلان الإثم وحُكما عليها بالموت.
أعلنت سوسنة أنها بريئة من هذا الاتهام وصرخت إلى اللَّه ولكن لم يسمع لها أحد؛ لتوقيرهم للشيخين اللذين شهدا عليها. واقتادوا سوسنة لتنفيذ حكم الموت عليها. وإذ بدأ الموكب يتحرك صرخ شاب ـ هو دانيال النبي ـ وقال أنا بريء من دم هذه المرأة ووبخ الشعب؛ لأنهم قبلوا الحكم عليها دون فحص. وقرر أن هذين الشيخين قد شهدا عليها زوراً. وطلب من الكل العودة إلى مجلس القضاء لفحص الأمر.
أعطى اللَّه نعمة لدانيال فخافه الكل حتى الشيخين وعادوا إلى مجلس القضاء، فجلس دانيال وطلب تفريق الشيخين عن بعضهما. وقال للأول أيها الشرير تحت أي شجرة رأيت سوسنة والشاب؟ فقال تحت شجرة الضروة.

ثم استبعده وأتى بالشيخ الآخر وقال له: يا من كنت تنظر إلى بنات إسرائيل وكن يخجلن من نظراتك وكلامك وخفن أن يتكلمن معك، قل لي تحت أي شجرة رأيت سوسنة والشاب؟ فقال: تحت شجرة السنديانة.
وإذ اختلف الشيخان في شهادتهما ظهر كذبهما وظهرت براءة سوسنة، فهتف الشعب وباركوا اللَّه الذي أظهر براءة هذه المرأة التقية، ثم اقتادا الشيخين للحكم عليهما بالموت، طبقاً للشرعية التي تقضي بنفس الحكم على من يشهد زوراً على غيره (دا 13).

وبعد هذا أراد نبوخذنصر إظهار عظمته، فأقام تمثالاً ضخماً من الذهب ارتفاعه ثلاثين متراً وعرضه ثلاثة أمتار، وأمر كل رؤساء مملكته أن يأتوا ويسجدوا للتمثال في احتفال عظيم، عُزِفَتْ فيه الموسيقى بآلات كثيرة. ولم يحضر بالطبع الثلاثة فتية؛ لأنهم لا يسجدون إلاَّ للَّه ولم يحضر أيضاً دانيال. وهنا تقدم بعض الرجال الكلدانيين واشتكوا الثلاثة فتية للملك؛ لأنهم لم يسجدوا للتمثال وأنهم مستحقون أن يُلْقَوا في أتون النار، عقاباً لهم، كما أمر الملك. ويبدو أن مركز دانيال كان أكبر من أن يشتكوا عليه، فخافوا ولم يتكلموا عنه.
فغضب الملك واستدعى الثلاثة فتية، الذين أصروا على عدم السجود للتمثال؛ لأنهم يسجدون للَّه وحده. فاعتبر الملك هذا التصرف عصياناً له وأمر بأن يُحمَّى الأتون سبعة أضعاف ما كان مقرراً له ويُربط الثلاثة فتية بحبال، ويمسك بهم أناساً أقوياء ويلقون بهم في أتون النار، ففعلوا هكذا وحضر الملك بنفسه. وأمسك رجال الملك بالثلاثة فتية الموثقين واقتربوا من باب الأتون وألقوهم فيه. ومن شدة النار احترق رجال الملك الجبابرة. أما الثلاثة فتية فإن الحبال التي تربطهم انحلت ورآهم الملك يتمشون داخل الأتون ومعهم شخص رابع شبيه بابن الآلهة، إذ أن اللَّه أحاطهم في الحال بغلاف من هواء بندى، فلم تمسهم نار الأتون. وفرح الثلاثة فتية برؤية اللَّه داخل الأتون وأخذوا يسبحونه. فقالوا له مديح موجود في تسبحة الكنيسة، بدايته: “نتبعك بكل قلوبنا” (دا 3: 41-44)، ثم أنشدوا الهوس الثالث، أي التسبيح الثالث الموجود في كتاب التسبحة (دا 3: 52-90). وحاول رجال الملك تحمية الأتون، حتى ارتفعت النار إلى 24.5 متراً في الهواء وأكلت النار بعض الكلدانيين الذين اقتربوا من الأتون، فتعجب الملك جداً عندما رأى أربعة رجال يتمشون داخل النار، ثم نادى على الثلاثة فتية من النار، فخرجوا إليه. ولاحظ أن النار لم تمس حتى ثيابهم وليس فيها رائحة النار، فأعلن قوة إلههم التي تفوق كل قوة في العالم. وبهذا حوّل اللَّه هذه الضيقة العظيمة إلى وسيلة لتمجيد اسمه وإعلاء شأن أولاده الثلاثة فتية (دا 3).
مجّد اللَّه دانيال، إذ أعلن له الأسرار التي لا يعرفها غير اللَّه وأعطاه أيضاً ذكاءً يفوق كل من حوله، فاحترمه الكل حتى الملك، فانتقل من مرتبة العبد إلى رئاسة المملكة، كما نقل اللَّه قديماً يوسف العبد إلى رئاسة مملكة مصر بالحكمة وفهم الأسرار. وقد شهد حزقيال بحكمة دانيال الفائقة وفهمه الأسرار في (حز28: 3).
مرّت السنوات ونبوخذنصر يملك على مملكة بابل ويُسيطر على العالم، مُظهِراً حكمته وسلطانه في إدارة المملكة وفي بنائه عاصمته بابل بأسوار عالية مُحصّنة. ووضع فيها مخازن كبيرة للطعام وكان نهر الفرات يمر من تحتها، وبالتالي لا يمكن اقتحامها، أو محاصرتها بحسب المنطق البشري. ولكن نبوخذنصر تكبر بسبب إحساسه بعظمته في أعماله التي عملها ونسب كل المجد لنفسه وليس للَّه، فأراد اللَّه أن يُعرِّفه بضعفه، فحلم حلماً غريباً أزعجه، فأسرع لدانيال ملتجئاً إليه ليفسر له الحلم. وهنا تظهر شجاعة دانيال، الذي قال للملك أنه بسبب تكبرك غضب اللَّه عليك، والشجرة العظيمة التي رأيتها في الحلم والتي تحتمي بها جميع طيور السماء وبهائم الأرض وقد قطعت، هى أنت أيها الملك، الذي ستفقد عقلك ويطردونك من بين الناس سبع سنوات وتعيش مثل الحيوانات؛ حتى تتوب عن كبريائك وعندما تتضع يعيدك اللَّه إلى مملكتك وقد حدث كل هذا مع الملك (دا 4).

بعد هذا مات نبوخذنصر العظيم وملك بعده ابنه أويل مردوخ عام 562 ق.م وكان منشغلاً بالفن والعلوم المختلفة، فضعفت المملكة في أيامه ولم يعتمد على دانيال، الذي كان عمره وقتذاك تسعة وخمسين عاماً، فأهمل وجوده وعاش في أحد زوايا القصور الملكية، فكانت فرصة للصلاة وعبادة اللَّه الذي أحبه. وغالباً عاش دانيال بتولاً، إذ لم يُذكر له زوجة وأولاد، فعاش كأحد الرهبان يتمتع بحياة الوحدة والتأمل سنوات كثيرة وكان ذلك لمدة اثنين وعشرين عاماً، حتى أن حزقيال النبي ـ الذي كان معاصراً له وأكبر منه في السن ببضع سنوات ـ شهد أنه من أتقى رجال العهد القديم، الذين اتصفوا بمحبة الصلاة، إذ ذكره مع نوح وأيوب كرجال اللَّه المتميزين بالبر (حز14: 14، 20).
في هذه الفترة الهادئة غالباً كانت فرصة أن يعلن اللَّه لدانيال مجموعة من الرؤى ذكرها لنا في (ص7-12)، تُحدِّثنا عن مستقبل الممالك التي تحكم العالم وعلاقتها بشعب اللَّه ومملكة المسيا المنتظر القادمة وكيف يُتمم فداءه على الصليب ويأخذ أولاده في النهاية إلى الملكوت الأبدي.
رغم أن دانيال تبوأ مراكز عظيمة في المملكة البابلية، ثم بعد ذلك في مملكة مادي وفارس ـ كما سنذكر ـ لكنه تعرّض لمؤامرات كثيرة، وصلى وأنقذه اللَّه منها. فكان مُعرضاً للموت عدة مرات، كل هذا ساعد دانيال على التعلق باللَّه والتغرب عن العالم، فلم ينزعج عندما أهمله الملوك التاليون لنبوخذنصر، بل كانت فرصة له للصلاة مع الزهد، إذ كان ناسكاً يصوم أياماً كثيرة أثناء عبادته للَّه (دا 8: 27، 10: 3). ومع أنه كان في السبي بعيداً عن أورشليم والهيكل، لكن قلبه كان مُتعلقاً بعبادة اللَّه والمُحرَقة الصباحية والمسائية اليومية وكل ممارسات العبادة، التي كانت تتم في الهيكل الذي دمَّره نبوخذنصر.
ملك أويل مردوخ لمدة سنتين ونصف، ثم قتله أحد رؤساء المملكة. وتوالت الاغتيالات وتملك هؤلاء الرجال على عرش بابل، حتى سنة 539 ق.م وفيها ضعفت المملكة البابلية جداً.

وفي عام 539 ق.م تملك بيلشاصر ـ الذي كان يُعتَبر ابناً لبنونيدس الملك حفيد نبوخذنصر ـ على بابل. وكان شاباً مستهزءاً، انشغل بالخمر والنساء، فلم يملك إلاَّ شهوراً قليلة لم تصل إلى سنة. وفي نهاية ملكه ـ تمادياً في خلاعته واستباحته ـ طلب أواني بيت الرب؛ ليشرب فيها الخمر مع أحبائه ونسائه، وهنا ظهر غضب اللَّه عليه، إذ ظهرت يد تكتب على الحائط أمام عينيه كلمات غير مفهومة وهى “منا منا تقيل وفرسين” (دا 5: 5-9). فانزعج الملك جداً وطلب كل حكماء بابل ليفسروا له هذه الرؤيا المفزعة. وهنا تقدمت الملكة ـ وهى غالباً إحدى بنات نبوخذنصر ـ وطمأنت الملك بأن هناك رجلاً فهيماً يُدعَى بلطشاسر (دانيال) موجود في المملكة منذ أيام أبيه، أي جده نبوخذنصر، فاستدعاه بسرعة وأتى من مكان خلوته ـ وكان عمره وقتذاك واحد وثمانين عاماً ـ فوعده الملك بهدايا ولكنه لم يهتم بها وأعلمه بمعنى الرؤيا وهو أنه لتجاسره بشرب الخمر في آنية بيت الرب وكل شروره أرسل اللَّه له هذه الرسالة، وهى: أنه وُزِنَ بالموازين فوُجِدَ ناقصاً، وأن مملكته ستُقسَّم وتؤخذ منه، فمن خوف بيلشاصر الملك أعطى دانيال قلادة، تعلن أنه الرجل الثالث في المملكة. وقد تحقق كلام دانيال في هذه الليلة، إذ قُتِلَ بيلشاصر وغزت مملكة مادي وفارس بابل واستولت عليها، وانتهت بهذا الإمبراطورية البابلية وبدأت إمبراطورية مادي وفارس وكان ذلك عام 538 ق.م.
حكم كورش على مملكة مادي وفارس كأول ملك للمملكة وكان يساعده حميه الملك داريوس المادي وقد شعرا بمكانة دانيال وذكائه وتاريخه العظيم، فجعلاه من رؤساء المملكة، بل عندما أقاما 120 مرزباناً (رئيساً) جعلا عليهم ثلاثة رؤساء، منهم دانيال، وكان داريوس يود أن يجعله رئيساً وحده على جميع الرؤساء (دا 6: 1-3)؛ لاقتناعه بتميزه، خاصة وأن داريوس تميز بالفهم والإدارة السليمة لبابل، التي ظلت إحدى عواصم المملكة الجديدة؛ مملكة مادي وفارس؛ وداريوس هذا كان صديقاً لدانيال واعترف بقوة إلهه.
اغتاظ مرازبة الملك، أي رؤسائه من تميز دانيال ورئاسته لهم، فدبروا خدعة أقنعوا بها الملك، والمقصود الظاهري بها تعظيم الملك كإله، وهى ألاَّ يطلب أحد أية طلبة في المملكة إلاَّ من الملك. ومن لا يصنع هذا يُلقى في جب الأسود؛ لأنهم يعلمون أن دانيال متمسك بعبادة اللَّه والصلاة له (دا 6: 5).
ظهرت هنا شجاعة دانيال، الذي ذهب إلى بيته وفتح نوافذه ونظر نحو أورشليم وصلى ثلاث مرات ـ كما تعود كل يوم بحسب عادة اليهود ـ وهى صلاة الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة، التي تُقابِل الساعة التاسعة صباحاً والثانية عشرة ظهراً والثالثة بعد الظهر (دا 6: 10).

أسرع رؤساء المملكة إلى الملك واشتكوا له دانيال وعرَّفوه أنه لا يستطيع أن يرجع في أوامره؛ لأنه ملك، فحزن داريوس جداً وأجَّل عقاب دانيال حتى المساء، ثم أمر بإلقائه في الجب. وظل الملك حزيناً ولم يأتوا إليه بسراريه وسهر طوال الليل. وفي الصباح الباكر ذهب إلى الجب مع رجاله ونادى على دانيال، فرد عليه من الجب وأعلمه أن إلهه أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود، فلم يصبه أذى. فأمر بإصعاد دانيال، ثم إلقاء الرؤساء الذين اشتكوا عليه، هم وأسرهم، فالتهمتهم الأسود فور إلقائهم، وهذا أكد قوة اللَّه التي تحمي دانيال، فالأسود قوية وجائعة ولكنها لم تمس دانيال. وبهذا ازدادت عظمة دانيال في نظر الملك (دا 6: 14-24).
إذ كان دانيال صديقاً للملك كورش، فكان يصطحبه في كل مكان، وكان هناك إلهاً في بابل يُسمَّى بال، يُقدم له أطعمة وأشربة كثيرة كل يوم، وكان الملك يذهب إليه ويسجد أمامه، أما دانيال فلم يكن يسجد، فسأله الملك عن سبب عدم سجوده، فقال له: إن بال تمثال لا يأكل ولا يشرب، فقال له الملك: إنه حي ويأكل كل هذه الأطعمة، فنفى دانيال ذلك بشدة.
فاغتاظ الملك من كهنة بال وهددهم بالقتل إن ثبت أن بال لا يأكل هذه الأطعمة. ووافق الكهنة؛ لأن عددهم كان سبعين كاهناً هم ونساءهم وأولادهم، وكانوا قد صنعوا مدخلاً خفياً تحت المائدة التي يضعون عليها الأطعمة (دا 14: 1-12).

ذهب الملك إلى معبد بال وأخرج الكهنة ووضع بنفسه الأطعمة والأشربة، ثم صرف دانيال كل عبيد الملك ولم يبقَ إلاَّ عبيد قليلون لدانيال، ونثروا رماداً في كل أرضية المعبد، ثم خرجوا وأغلقوا الباب وختموا عليه بختم الملك (دا 14: 13).
في الغد ذهب الملك ودانيال إلى المعبد وتأكدوا من سلامة الأختام، ثم فتحوا الباب، فلم يجدوا طعاماً ولا شراباً، فهتف الملك وأراد أن يدخل وهنا أمسكه دانيال وقال له: انظر إلى الأرض، فقال له أرى آثار أقدام رجال ونساء وأطفال، ففهم الملك أن أناساً دخلوا المعبد وأكلوا الطعام فقبض على الكهنة وضيَّق عليهم حتى أروه المدخل الخفي تحت المائدة، الذي يدخلون منه، فأمر بقتلهم وحطم دانيال تمثال بال وكل المعبد (دا 14: 14-21).
كان في بابل تنين عظيم يخاف منه الكل ويعبدونه وكان هذا حياً يتحرك، فقال الملك لدانيال إنك لا تستطيع أن تقول أن هذا الإله صنماً لا يأكل ولا يشرب فهو حي، فلماذا لا تسجد له ؟!
فقال له دانيال إني لا أسجد إلاَّ للَّه، ثم استأذن الملك أن يسمح له فيقتل التنين. فتعجب الملك من شجاعة دانيال الذي بذكائه طبخ أقراصاً من الزفت والشعر والشحم وألقاها للتنين، وعندما أكلها انشق جوفه ومات. وقال دانيال للشعب هذه معبوداتكم بلا قيمة (دا 14: 22-26).

اغتاظ رؤساء الملك واتهموه أنه قد صار يهودياً تابعاً لدانيال وطلبوا منه أن يُسلّم لهم دانيال وإلاّ فإنهم سيقتلون الملك. وهذا يُبيِّن سلطان هؤلاء الرؤساء ولكنه بلا قيمة أمام قوة اللَّه.
ألقوا دانيال في جب الأسود مرة أخرى واستبقوه هناك ستة أيام؛ ليضمنوا أن تأكله الأسود الجائعة. وكان في الجب سبعة أسود مُنِعوا عنها الطعام مدة، فلم تمس دانيال كما حدث في الجب الأول. وتعاظم عمل اللَّه مع دانيال، إذ كان حبقوق النبي في اليهودية بجوار أورشليم، وكان قد طبخ طبيخاً وصنع خبزاً؛ ليُقدّمه للحصادين في الحقل. فظهر له ملاك الرب وقال له: احمل طعامك هذا إلى بابل إلى دانيال الذي ألقوه في جب الأسود، فقال حبقوق له إني لا أعلم الطريق إلى بابل. وهنا قال الملاك لحبقوق: امسك طعامك جيداً، ثم حمله وأوصله في الحال إلى الجب، فنادى حبقوق على دانيال، الذي فرح برؤية حبقوق، كما فرح حبقوق برؤية دانيال. وقال حبقوق: خذ الغذاء الذي أرسله لك اللَّه وألقى له بالطعام في الجب، فشكر دانيال اللَّه، الذي يهتم بطعامه، ثم أعاد الملاك حبقوق إلى اليهودية (دا 14: 30-36).
ظل دانيال في خلوة مع اللَّه ستة أيام يأكل من الطعام الذي أرسله له اللَّه بيد حبقوق والأسود حوله في هدوء كحيوانات أليفة، وفي اليوم السابع جاء الملك داريوس ونادى على دانيال، فوجده صحيحاً لم تمسه الأسود بأذى، فأعلن الملك أن إله دانيال ليس مثله في الآلهة، ثم أمر بإصعاد دانيال وإلقاء من اشتكوا عليه فافترستهم الأسود فور سقوطهم في الجب، وأمر الملك أن يتَّقي كل الشعب إله دانيال (دا 14: 37-42).

تظهر دقة دانيال في كتابة هذا السفر جزءاً باللغة الآرامية ـ التي كانت لغة بلاد مادي وفارس ـ وذلك في أحاديثه مع الملوك ورجالهم، وجزءاً باللغة العبرية في أحاديثه مع اليهود، والجزء الثالث كتبه باللغة اليونانية، التي كانت قد بدأت تنتشر في العالم، تمهيداً لظهور الإمبراطورية اليونانية التي ستأتي بعد مملكة مادي وفارس.
وهكذا تظهر في حياة دانيال فضائل كثيرة ميَّزته عن كل من حوله، فظهر إيمانه وتمسكه بعبادة اللَّه حتى نهاية حياته. وكان رجل صلاة متمسكاً بالصلوات في مواعيدها وفي اتجاهها السليم، أي نحو أورشليم، وكذلك كان شجاعاً طوال حياته، حتى بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، بالإضافة إلى حكمته وذكائه الفائق. فأعطاه اللَّه مكانة عظيمة ونعمة في أعين كل الملوك وأهمهم نبوخذنصر، وحتى الشاب بيلشاصر المستهتر الخليع خافه وكذلك ملوك مادي وفارس وقَّروه جداً.

مما سبق نفهم أن دانيال أصغر من حزقيال بحوالي ثلاث سنوات، وقد تنبأ حزقيال عن السبي والرجوع منه ولكنه استشهد أثناء السبي. أما دانيال فعاصر المملكة البابلية طوال أيامها، ثم بدأ بضعة سنوات مع المملكة الجديدة، مملكة مادي وفارس، فرأى بعينه الرجوع الأول من السبي ـ على يد زربابل ـ قبل وفاته بسنة واحدة، ولم يعد معهم؛ لأنه كان قد تقدم جداً في السن، إذ كان عمره ثلاثة وثمانين عاماً. وهكذا مرّ سبعون عاماً لدانيال في السبي البابلي، فقد تم سبيه وعمره ثلاثة عشر عاماً وعاد الفوج الأول من السبي وعمره ثلاثة وثمانين عاماً.
عاش دانيال حتى السنة الثالثة للملك كورش (دا 10: 1)، أو بعد ذلك بقليل وكان قد بلغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، ثم رقد ودُفِنَ على رجاء آبائه، منتظراً المسيا الآتي لخلاص العالم والذي تنبأ عنه، بعد أن قدّم مثالاً لحياة عظيمة لأولاد اللَّه، حتى بين الوثنيين، مهما كان سلطانهم.
وتعيد له الكنيسة في يوم 32 برمهات (1 أبريل) صلاته تكون معنا آمين.
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025