06 - 10 - 2018, 12:17 PM | رقم المشاركة : ( 21621 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله قادر علي كل شئ بمستشفى سيدنى.. "كايت اوج" امرأه استرالية ولدت توأما وبعد عناء 3 ساعات من الولاده بعدها لم تستطع الام تصديق اذنيها حينما اخبرها الاطباء بأن احد ولديها قد مات ولم يستطع النجاه.. حيث عاشت اخته التوأم مات هو ولم تستطع كافة الاسعافات من نجدته.. لم يكن على الابوين سوا التحكم بأعصابهما والايمان بالقدر... لكن الام كيتى لم تستطع هضم الموقف وقامت باخراج ابنها من الملبس الذى كان ملفوفا به بعد ان مات. ووضعت ابنها عاريا على صدرها وأخذت الام المكلوبة هى وزوجها تحكى له عن اسمه الذى كانا سيلقبانه به.. وعن اخته التى نجت بعد الولاده .. وعن حياته التى كانت سيعيشها معهم وعن مغامراتهم التى كانو سيفعلونها ان كان قد نجى.. فجأه اخد الطفل نفسا طويلا وسكت.. قال الاطباء ان ذلك مجرد رد فعل لاختلاف الضغط الجوى عن ضغط رئتيه..لكن فعلها الطفل مرة اخرى,, ثم مرة اخرى.. زُهلت الأم وقامت بوضع ثديها فى فمه لتطعمه من لبنها.. وهنا حدثت المعجزه حيث تنفس الطفل وفتح عينيه وحرك رأسه .. وقف الاطباء فى ذهول مبهورين بما حدث للطفل.. ... ومع هذ الذهول انهمر الجميع بالبكاء من شدة الفرح.. الله قادر علي كل شئ |
||||
08 - 10 - 2018, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 21622 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس فرنسيس الأسيزي حياة القديس فرنسيس الأسيزي ************************** فرنسيس هو ابن أحد تجار الأقمشة الأغنياء في مدينة أسيزي الإيطالية، ولد عام 1180. في أول شبابه كان فرنسيس يعيش حياة الترف. وقد نال قسطه من التعليم، واشترك في الحرب بين مدينتهِ أسيزي ومدينة بيروجا، فأُخِذَ فيها أسيراً، عانى خلالها من مرضٍ شديد، ربما كان أول سبب لبدء تغيير حياته.… مرّة سمع كلام الانجيل في القداس: واحدة تنقصك بعد، بِع جميع ما تملك ووزعه على الفقراء، فيكون لك كنز في السموات، وتعال فاتبعني (لو: 18-22) فقرر التخلّي عن كل ثروته وتوزيعها على الفقراء، وقرّر الاهتمام بالمرضى والبرص. كان لا يخاف من الاقتراب وتقبيل البرص والمرضى الذين كانوا يشفون فوراً، عندما يلمسونه. لكن هذا الامر لم يرق لوالده الذي كان يرى أمواله تُنفَق للصدقة، فثار على ابنه طالباً من أسقف أسيزي أن يقف حَكَماً بينهما. وهناك وفي ساحة أسيزي، خلع فرنسيس ثيابه، وأعطاها لوالده معلناً تخلّيه عن حقوقه البنوية وتكريسه الكامل للآب السماوي. منذ ذلك الوقت اتَّخذَ لباس النسّاك وانتقل إلى جبل ممضياً وقته في خدمة الفقراء والبرص. في عام 1209، وخلال أحد القداديس، وبعد أن اصغى إلى انجيل متى 10 / 5 ـ 14 (البشارة والتخلّي) هتف بفرح: “هذا ما كنتُ أريد، هذا ما كنتُ أبتغي بكل قلبي”، فتخلّى فرنسيس عن ثياب النسّاك وقرر الرحيل دون أي ممتلكات كي يعلن بشارة الإنجيل للجميع. مرّةً كان يتأمّل المصلوب في خلوةٍ له في الكنيسة، سمع صوتاً يقول له: إذهب ورمّم كنيستي. قام وجمع التبرعات وأخذ من وقتها بناء الكنائس المهدّمة، ولكن بعد الصلاة والتأمل أدرك ان الرب قد قصد ب”كنيستي”: البشر وليس والحجر. ففهم أن الناس هم الذين بحاجة الى مساعدته. بعد أن عاد إلى أسيزي وبدأ التبشير بالإنجيل متجولاً، تجمَّع حوله عدد من الشبَّان الذين تأثَّروا بنمط حياتهِ وبقداستهِ، فتمثَّلوا به تاركين كل شيء من أجل اتّباع المسيح. في عام 1210، ذهبت الجماعة الجديدة إلى روما لمقابلة البابا إنوشينسيوس الثالث الذي وافق على طلبهم في عيش نمط الحياة هذا (مع العلم بأن الرهبان في ذلك الوقت كانوا جميعهم نسّاكً في الأديرة). وهكذا وُلِدَت الرهبنة الفرنسيسكانية الأولى. وفي عام 1212 وبعد أن سمعت كلارا الأسيزية عظة فرنسيس قرّرت هي أيضاً أن تترك كل شيء لتعيش فضيلة الفقر لأجل ملكوت الله، وهكذا نشأت الرهبنة الفرنسيسكانية الثانية، أو راهبات القديسة كلارا. حصلت على يده الكثير من الأعاجيب والشفاءات، منها انه كان يتكلّم مع الطيور والحيوانات ويخبرها عن الله، ويدعوها الى أن تمجّده وتشكره، ولم تكن تبتعد عنه الا بعد أن تنال بركته… في عام 1212 سافر فرنسيس إلى الأراضي المقدسة. بعد سنتين عاد فرنسيس إلى إيطاليا لكنه وجد الجماعة منقسمة وقد ظهرت فيها خلافاتٍ حادة حول طبيعة الروحانية التي كان من المفترض عيشها؛ ففضَّل أن يستقيل من مهمَّته كخادم عام للرهبنة. في أيلول (سبتمبر) عام 1224 اعتزل فرنسيس في جبل “فيرنا” ليُصلّي، وبعد صوماً دام أربعين يوماً، نال من الله نعمة سمات المسيح المصلوب أي الجروح المقدسة في يديه ورجليه وجنبهِ، وقد بقيت حتى وفاته بعد سنتين. بعدها نُقِلَ فرنسيس إلى أسيزي حيث مكثَ هناك، قاضياً آخر فترة من حياته بعناء المرض وقد فقد بصره. وقبل موته طلب من رهبانه أن يذهبوا به إلى كنيسة سيدة الملائكة هناك حيث اكتشف الدعوة الإنجيلية للمرة الأولى، وأن يضعوه عارياً على الأرض العارية ليشابه المسيح الفقير والمصلوب في موته بعد أن كان شبيهاً له في حياتهِ، وهناك في جوٍ من التقوى الممزوجة بالألم والعزاء انتقل الأب القديس إلى السماء في يوم 4 تشرين الاول من عام 1226. أعلن قداسته البابا غريغوريوس التاسع بعد عامين من وفاتِهِ. في عام 1214 كتبَ فرنسيس “نشيد الخلائق” الذي يُعتَبَر أحد الوثائق الأكثر أهمية في تاريخ الأدب الإيطالي، حيث يُرجِع المؤرخون إليه بوادر نشوء هذا الأدب. وهو عبارة عن نشيد نثريّ فيه يدعو القديس كل الخلائق لتسبيح الخالق. |
||||
08 - 10 - 2018, 07:07 PM | رقم المشاركة : ( 21623 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لأن يدك تتسع كل شيء نسألك يا رب في صباح هذا اليوم أن تنعم علينا بالخير والسعادة. ان تقبل صلواتنا وترافق خطواتنا وتبارك عائلاتنا وكل حياتنا . أن تلهمنا الى الخير والحق لنسير حسب تعاليمك ووصاياك. اغمر قلوبنا بالإيمان والسلام والاستقرار وانزع عنها كل حزن وأعطنا نعمة الصبر على الشدائد وأحتمال المصاعب لمجد أسمك. أجعلنا نحيا لك ونقدم لك جميع أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا . نترك كل شيء في يدك يا رب ، لأن يدك تتسع كل شيء لك المجد الان وعلى الدوام والى دهر الداهرين. امين |
||||
08 - 10 - 2018, 07:09 PM | رقم المشاركة : ( 21624 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لك نسجُد إياك نمجِّد إياك نسبّح إياك نبارك، لك نسجُد، إياك نمجِّد ، إياك نشكُر من أجلِ مجدك العظيم، أيها الرب الخالق، أيها الملك السماوي الله الاب الضابط الكل. نتضرع إليك في هذا اليوم المقدّس والمبارك سائلين جودتك وعطفك الصفح والغفران عن خطايانا. انزع الكبرياء من قلوبنا وارفع حجاب التيه عن عيوننا. قلبا نقيّا اخلق فينا يا الله وروحا مستقيما جدد في باطننا فنسير نحوك بالتوبة ونشارك في وليمتك برهبة وخشوع فنستحق نعمة جسدك ودمك الأقدسين. ولك المجد إلى أبد الأبدين. آمين. |
||||
08 - 10 - 2018, 07:11 PM | رقم المشاركة : ( 21625 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
احمينا امامك ننحني ومنك نطلب ولك وحدك نصلي يا رب. بارك خطواتنا وانصت لتضرعاتنا وإستجب لنا . ادخل يا رب، في كل دائرة من دوائر حياتنا فتغمرها بفرح وامان وسلام ، واعطنا الثقة أنه كل موج عالٍ في حياتنا نستطيع أن نمشي عليه ما دمت أنت معنا. فأنت الهنا القدير، وملجأنا الحصين، ومعيننا في وقت الضيق . حل بسلامك في قلوبنا وازرع امانك بحياتنا. علمنا الاتكال عليك، زد ايماننا وثبت رجاءنا بك حتى لا تقدر قوة ان تفصلنا عنك. لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبتك احمينا وابسط جناحيك علينا لانك انت وحدك ربنا ومخلصنا. آمين. |
||||
08 - 10 - 2018, 07:15 PM | رقم المشاركة : ( 21626 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا رب يا رب، لا نعرف ما ينتظرنا في هذا الأسبوع ، ولكننا كل يوم ، قبل خروجنا من البيت، سنرسم على وجوهنا اشارة الصليب، سنتكّل عليك الهي، لنواجه المصاعب، وكلنا ايمان انك معنا ترافقنا ولن تتركنا وستحمينا. لا نخاف شيئًا، ولا نخاف أحداً . فانت هو الله ضابط الكل و محب لكل البشر . يا يسوع، هب لنا أن نستريح فيك، أنت فوق كل شيء فوق كل خليقة فوق جميع ملائكتك فوق جميع جيش السماء. فانك أنت وحدك العلي ، أنت وحدك القدير والصالح فوق كل شيء نحبك لانك أحببتنا قبلا والى المنتهى |
||||
09 - 10 - 2018, 02:53 PM | رقم المشاركة : ( 21627 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بداية الأوجاع ومعناة الجوع
واضح هنا حالة طياشة الشباب والتسرع في الأمور، ففي بداية الكلام نجد أن الابن الأصغر يظهر كغلام عديم الفهم، وهو صاحب فكرة تقسيم المال، وهذا يوضح مقدار الجهل والطياشة التي تدل على عدم النضج وفقدان الحكمة، لأن الرجل البليد لا يعرف والجاهل لا يفهم [الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم – أمثال 2: 15]، لذلك مكتوب: الابن الجاهل غم لأبيه ومرارة للتي ولدته؛ الابن الجاهل مصيبة على أبيه (أمثال 17: 25، 19: 13)؛ فالإنسان وحده – بسبب طياشة أفكاره واختياراته الغير متزنة – هوَّ من يطعن نفسه بأوجاع لا تنتهي، إذ يسير في طرق تظهر مستقيمة في عينيه [كل طرق الإنسان نقية في عيني نفسه والرب وازن الأرواح – أمثال 16: 2]، لأنه يراها طريقاً شرعياً من حقه أن يسير فيها بسبب حريته: توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت (أمثال 16: 25)، إذ مال قلبه – بتهور أفكاره – نحو رغبات أهواء نفسه، وشرد في مسالكها الرديئة، حتى طُرح فيها مطعوناً بجراحات عديدة غائرة مؤلمة للغاية، غير مدركاً أنه يسير في طريق الهاوية الهابطة إلى ظلمة الموت.
لا لكي يستثمره ويربح به، بل لكي ينفقه ويستمتع بشبابه ويفرح: النور حلو، وخير للعينين أن تنظرا الشمس. لأنه أن عاش الإنسان سنين كثيرة فليفرح فيها كلها، وليتذكر أيام الظلمة لأنها تكون كثيرة، كل ما يأتي باطل. أفرح أيها الشاب في حداثتك وليسرك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك، واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة. فانزع الغم من قلبك وابعد الشر عن لحمك لأن الحداثة والشباب باطلان. (جامعه 11: 7 – 10)
وتنتهي بنتائج مفجعة تدمر حياته وتضعفه وتهبط به لمستوى التراب وتضيع كرامته وتفقده عزته وتسلب منه كل ما هو ثمين وغالي، ولا يبقى في النهاية سوى الخسارة والندم الذي لا يُفيد، لذلك مكتوب: بم يزكي الشاب طريقه، بحفظه إياه حسب كلامك؛ لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبراً. (مزمور 119: 9؛ أمثال 1: 4)
من الطبيعي حينما يأخذ الابن كل ماله من أبيه ولا يُبقي شيئاً، فأنه ينعزل عن أبيه وفي التو يصير منفرداً بذاته حُرّ نفسه، يسير وفق هواه الخاص متمماً رغبات قلبه دون أي تردد أو مشورة من أحد، إذ قد كان قراره منذ البداية (في قلبه وفكره) أن يترك بيته ومكانته الرفيعة، وهنا نجد الفضول الذي دفعه لاكتشاف عالم آخر بعيداً عن حضن أبيه، وهذا هو أساس جوهر المشكلة، بل هو مشكلة السقوط بوجه عام وأساس كل بُعد عن الله، لأنه وضع غريب وغير طبيعي بل وشاذ للغاية، لأنه من الواضح أنهُ خُدع بسبب المسرة الزائفة الوقتية الذي اعتقد أنه سيجدها ويتمتع بها وتدوم معهُ وتزيد مع الأيام، لأنه أراد لنفسه أن يمرح ويفرح ليُسعد قلبه، وهذا ما كان يدور في مخيلته كما نفعل أحياناً كثيرة جداً، لأن الظنون تعترينا وتصورات قلوبنا تخدعنا، لأن اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ! (إرميا 17: 9)، وهذا الفضول وجدناه عند آدم وحواء، حينما خدعتهم الحية وجعلتهما يتخطوا الوصية الإلهية، لكي يكتشفوا عالم آخر غريب عن عالمهم الخاص، ويدخلوا في معرفة لم يأمر بها الله، فقُطعت شركتهم الإلهية تلقائياً حتى أن آدم أسرع وهرب وتوارى حينما سمع أن الله اقترب منه مثلما اعتاد كل يوم، وهنا يكشف سفر التكوين عن مشكلة الخطية الحقيقية التي تعزل الإنسان عن الله أبيه، حتى يهرب من محضره ويحاول أن يختفي من أمام وجهه، لأن مقابلته صارت ثقيلة للغاية، لأن الظلمة حينما تملك وتسيطر لا تحتمل النور بل تهرب منه، لأن النور يُدين الظلمة ويبددها.
وضاع منه كل شيء جمعه من بيت أبيه، فصارت الخسارة فادحة، فقد سُلب منه كل ما يملكه لأنه عاش بإسراف (ويقولان لشيوخ مدينته ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير – تثنية 21: 20) ليتلذذ ويحيا كما شاء بحرية طلبها لنفسه، بعيداً منعزلاً عن أبيه الذي كان يراه – بحسب نظرته القاصرة كمراهق غير ناضج – مُقدياً لحريته، ثم بعد أن استنزف منه عالمه الجديد كل ما يملك، لم يجد – في النهاية – سوى مجاعة عظيمة، لم يرعاه أحد فيها ولا حتى وجد شخصاً واحداً يُشفق عليه أو يعتني به أو يُعينه في محنته التي ورط نفسه فيها، إذ قد فقد كل حكمة كانت لديه، أي أنه فقد عقله حتى أضاع كل معيشته، وهو مثل إنسان مجنون مسك سيفاً وطعن به نفسه وظل ينزف ولم يجد مُسعفاً حتى شارف على الموت.
والشعور القاتل بالعوز الشديد، حتى أنه صار ذليلاً خوفاً من الموت جوعاً، يحيا كأقل من عبد في حالة سوء مُزرية، لم يحسبها ولم يكن يتوقع حدوثها على الإطلاق، وهذا كما قلنا مثل آدم الذي تصور أنه سيحصل على المشابهة بالله بخدعة الحية، فوجد شيئاً آخر تماماً مخالفاً لكل ما كان يظنه، لأنهُ هبط من حالة المجد الأول لحالة الهوان بالانعزال عن الله وفقدان المجد البهي الذي كان يرتديه، فعاد جسده للتراب الذي أُخذ منه.
منعزلاً بنفسه ليحيا بعيداً عن ستر العلي مستهتراً بوضعه، فأنه يُمزق ولا تُشفق عليه عين، ويُترك في الهوان وعار المذلة والحزن المدمر حتى الموت؛ وأن لم يستيقظ وينتبه ويعود لله فوراً، فمن الممكن أن يدخل في حالة القساوة، ومن ثمَّ العناد والتحجر، حتى لا يوجد أمل فيه ولا نية رجوع.
_______________________ [1] بالطبع علينا أن نفرق ما بين إنسان ضعيف وغير ناضج ومتعسر كطفل، وبين آخر وصل لمرحلة الاستهتار والعناد وقساوة القلب. |
||||
09 - 10 - 2018, 02:58 PM | رقم المشاركة : ( 21628 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هنا نرى كارثة مزدوجة، الأولى هي حالة الفلس المُريع المؤدي للفقر إذ لم يعد لديه مال يُعينه أو يكفيه ليسنده في حالة الجوع الشديد الذي أدى للعوز والحاجة التي وضعته تحت المَذَلّة، والثانية الالتصاق بواحد (ومن الظاهر انه غني) من أهل تلك الكورة في حالة اتكال عليه[1]، والالتصاق يُعبِّر دائماً عن رغبة الصداقة بسبب الثقة في الشخص نفسه، كما أننا أحياناً كثيرة نلتصق بمن لا يستحق أن يكون صديق لأنه مكتوب: يتكلمون بالكذب كل واحد مع صاحبه بشفاه ملقة بقلب فقلب يتكلمون، لأنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتكلوا على خلاصه (مزمور 12: 2؛ 78: 22)[2]، ومن هنا تظهر الخطورة، لذلك تم تطويب الرجل الذي لا يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف في المزمور الأول؛ ولو دققنا في هذا المثل سنلاحظ أنه لم يُذكر بأنه ذهب ليعمل عند واحد من الناس ليستطيع أن يأكل، بل التصق التصاقاً بواحد من الناس لكي يتكل ويستند عليه، هذا الذي لم يُشفق أو يتحنن، بل بكل جفاء أرسله ليرعى الخنازير ووضعه في حالة من الخزي العظيم: بتضرعات يتكلم الفقير والغني يجاوب بخشونة (أمثال 18: 23)
كصديق أو حتى ليحيا كمجرد عامل عنده بالأُجرة، لأنه اشتهى طعام الخنازير الذي لم يستطع أن يحصل عليه، فالجوع جعله يهبط لهذا المستوى المُريع ولم يجد لهُ مُعين أو سند، فالكل تخلى عنه تماماً وتركه وحيداً ليواجه مصيره.
هَبط من مستوى طلب طعام الإنسان الطبيعي لتصير شهوة جوعه تجاه طعام الحيوان نفسه، وليس أي حيوان، لأنه ينبغي أن نفهم لماذا قال الرب الخنازير، لأن اليهودي حينما يسمع كلمة خنزير يشمئز، لأن الخنزير عنده من الحيوانات النجسة جداً[4]، ولا يقبل يهودي أن يقع على ملابسه ظل خنزير، والعمال الذين يعملون في هذه الحظائر يعتبروا مُحتقرون من الناس جداً لأنهم يعملون في الدنس والنجاسة (فاليهودي الأصيل لا يعمل في تلك الأماكن)، فكم يكون حال الذين يشتهون طعام الخنازير، وهذا يوضح حالة الهوان الشديد والهبوط المريع الذي وصل له حال هذا الابن ذو المكانة الرفيعة للغاية، الشريف الأصل، لأنه كان في بيت أبيه مُكرَّم، عنده من يخدمه ويعتني به عناية فائقة، لكنه الآن أصبح بلا كرامة. + قَدْ أَخْطَأَتْ أُورُشَلِيمُ خَطِيَّةً مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ صَارَتْ رَجِسَةً. كُلُّ مُكَرِّمِيهَا يَحْتَقِرُونَهَا لأَنَّهُمْ رَأُوا عَوْرَتَهَا وَهِيَ أَيْضاً تَتَنَهَّدُ وَتَرْجِعُ إِلَى الْوَرَاءِ. (مراثي 1: 8)
الحاضر الشرير ويترك بيت أبيه السماوي ويذهب يركض وراءه، فأنه يجذبه بشدة حتى يتمكن منه تماماً، ويملك على قلبه، ومن ثمَّ يسحقه سحقاً حتى يجعله يشتهي ما هو دنيء ولا يجده، فيقع تحت سلطانه كسيد يستعبده بالموت، لذلك أتى شخص ربنا يسوع: (لـ) يُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ (عبرانيين 2: 15)، فالخوف من الموت يجعل الإنسان يُذل تحت نير العبودية المُرة، لأنه واقع تحت حركات شهوات الجسد التي تُحارب النفس[5]؛ فالرب قصد يتكلم عن الجوع، لأنه سبب جوهري لضياع النفس، لأن الجوع هو الذي يجعل الإنسان يُذل، لذلك مكتوب: النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مُرّ حلو (أمثال 27: 7)، لأن من الجوع يُزل الإنسان، حتى أنه ممكن أن يأكل أي شيء ولو كان من المزبلة، ومن هنا يأتي الصوم لتربية وتهذيب الجسد لكي نخضعه للروح: أُقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً؛ أعرف أن اتضع، وأعرف أيضاً أن أستفضل في كل شيء، وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص[6]. (1كورنثوس 9: 27؛ فيلبي 4: 12)
فأنه يُذل ذُلاً، لأن كل ما يلتصق به الإنسان يصير معه واحداً، يتبعه ويسير وراءه منقاداً تحت تصرفه، لأنه سلَّم نفسه إليه بالتمام، فأصبحت إرادته مُقيده، مثل من ربط حبلاً برقبة البقرة أو الثور ليسحبه لأي مكان يُريد كما شاء، وهو يستنزف قوته في استغلاله في الأعمال الشاقة والحقيرة التي لا يقوى عليها أو يقبل بها أي إنسان، وفي النهاية يذبحه ويأكله أو يبيعه ويتربح منه، لأن متى سُلبت الإرادة بسبب الحاجة والعوز، فأنها لا تُسترد طالما الحاجة هي المسيطر الأول على النفس ومُحركها، لأن بسب احتياجنا تُسلب منا إرادتنا ولا تُسترد، إلا في حالة انتهاء الحاجة وانتفاء الشهوة، والشهوة لا تنتفي إلا بموت الجسد، لذلك مكتوب: الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ (غلاطية 5: 24)، ومن هنا لا يوجد سبب لسلب الإرادة وفقدان الحكمة، لأن الإنسان ميت عن الخطايا والذنوب، فلا يوجد حاجة عنده (من جهة الأهواء في داخل قلبه) لتداعبه الخطية وتجذبه منها، لأن الإنسان ينخدع إذا انجذب من شهوته، لأنها الحَبل الذي يُقيده ويسحبه نحو استهلاك طاقاته واستنزاف قدراته الروحية، حتى يفقد التعقل والاتزان فينسى نفسه تماماً، ويسير في الظلمة أعمى مُنساقاً إلى هاوية الموت بكل جهل وطياشة لأن الشهوة تجعل الحكيم جاهل. + هذا طريقهم اعتمادهم (أو هذا هو مصير الجُهال الواثقين في أنفسهم) وخلفاؤهم يرتضون بأقوالهم (يستحسنون أقوالهم ويتبعون طرقهم)، مثل الغنم للهاوية يساقون، الموت يرعاهم (أو راعيهم) ويسودهم المستقيمون غداة (يسود المستقيمون عليهم)، صورتهم تبلى، الهاوية (تصير) مسكن لهم. (مزمور 49: 13، 14)
بل هي أيضاً قصة الإنسان المسيحي المختبر حياة التبني، حينما يعوَّج قلبه ويسير وفق حاجاته مرتداً عن حياة التقوى ليعود لحماقته الأولى مُشتهياً حياة العالم ومسراته ليحيا مثل باقي الناس، وبكون طبيعته ليست من هذا العالم لذلك يُسلب منه كل شيء سريعاً، التقوى والأخلاق الرفيعة تنهار، ويتعرى من النعمة وكساء مجده في المسيح الرب، لأن العالم مثل الإسفنجة التي تمتص الماء بسرعة مذهلة، هكذا كل من يندمج ويضع قلبه في الشهوات والمسرات والأشياء التي في العالم ويحبها ويحاول أن يكتنزها ويُعطيها شرعية أنها من الله، فأنها سرعان ما تأكله أكلاً وتبتلعه بلعاً، فتمتص منه كل فضيلة، وتسلبه التقوى وكل العطايا الإلهية وطاقاته الروحية، وحتى المحبة الإلهية تُسلب منه والإيمان نفسه يبدأ في الانهيار، ثم يبدأ في الانعزال التام عن الكنيسة وينفصل عن الرأس، ومن ثمَّ يظهر الارتداد عن الله الحي في عدم إيمان.
يبدأ الإنسان في حالة من الفتور وهو في داخل الكنيسة أو سط إخوته المؤمنين بالمسيح الرب، فهو ليس بارداً ولا حاراً، لكنه يصير في حالة من الميوعة الغير مقبولة لا لنفسه ولا عند الله ولا حتى عند الناس، لأنه سيكون مثل هذا الابن الذي يعيش في بيت أبيه قبل أن يخرج منه، فهو يُطالب بميراثه، ثم يشعر أن ليس له حاجة لأبيه، ولا معنى أن يمكث في نفس ذات البيت إلى الأبد، فلا بُدَّ من أن يخرج، وذلك بكونه صار غنياً وقد استغنى لأنه حصل على العطايا، فانعزل وطلب شهوته، وكل مشورة صالحة رفضها رفضاً لأنه لا يستطيع أن يسمع لآخر سوى نفسه وطالباتها المُلحة، لأن من طلبات النفس وشهوتها يُمسك لجام الإنسان فينساق وراء مشورة نفسه، لذلك مكتوب:
[1] من يتكل على غناه يسقط اما الصديقون فيزهون كالورق (أمثال 11: 28) [2] طوبى للرجل الذي جعل الرب متكله ولم يلتفت إلى الغطاريس والمنحرفين إلى الكذب (مزمور 40: 4) [3] صَارَ مُضَايِقُوهَا رَأْساً. نَجَحَ أَعْدَاؤُهَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَذَلَّهَا لأَجْلِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهَا. ذَهَبَ أَوْلاَدُهَا إِلَى السَّبْيِ قُدَّامَ الْعَدُوِّ (مراثي 1: 5) [4] والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس لكم فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا (تثنية 14: 8) [5] أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تُحارب النفس (1بطرس 2: 11) [6] أَعْرِفُ كَيْفَ أَعِيشُ فِي الْعَوَزِ، وَكَيْفَ أَعِيشُ فِي الْوَفْرَةِ فَإِنِّي، فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، مُتَدَرِّبٌ عَلَى الشَّبَعِ وَعَلَى الْجُوعِ، وَعَلَى الْعَيْشِ فِي الْوَفْرَةِ أَوْ فِي الْعَوَزِ (فيلبي 4: 12) |
||||
09 - 10 - 2018, 03:05 PM | رقم المشاركة : ( 21629 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اليقظـــــــــــــــة + وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ، فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً! ومن هنا تبدأ اليقظة،لأنه حينما احتاج لم يُعطى وعاش في الهوان يشتهي طعام الخنازير، وهذه هي خدعة الخطية وخدعة العالم، لأن الجذب يأتي من الحاجة – كما تم شرحه سابقاً – لأن الإنسان ينجذب وينخدع من شهوته[1]، والشهوة متى كمُلت تلد الموت الناتج من طرد النور وامتصاص الحياة من النفس وسلب قوت حياتها الخاص، لتفتقر جداً وتهبط لبرودة الجحيم فتفقد حرارة المحبة الأولى وغيرتها الصالحة، ومن ثمَّ تحيا في المذلة إذ تفقد كرامتها وعزتها. فكل ما في العالم شهوة جسد وشهوة عيون وتعظم معيشة،وهم – بطبعهم – يجذبون الإنسان ويسودون عليه حتى يتملكون منه بالتمام إلى أن يفقد عقله وتعقله واتزانه النفسي [ابكِ على الميت لأنه فقد النور، وابكِ على الأحمق لأنه فقد العقل (سيراخ 22: 10)]، فيتعرى من التقوى ويصير مثل المجنون طاعناً نفسه بأوجاع كثيرة، وذلك بطياشة ركضه وراء كل ما هو غريب عن طبعه السماوي، ثم – في النهاية – يُترك في حالة من خجل العُري لأنه لا يحصل على شيء، بل يصير في فقر عظيم، فيجد أن كل ما ناله قبض الريح ولا منفعة تحت الشمس لأن الكل باطل. + وَرَفَضُوا فَرَائِضَهُ وَعَهْدَهُ الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ آبَائِهِمْ، وَشَهَادَاتِهِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَسَارُوا وَرَاءَ الْبَاطِلِ، وَصَارُوا بَاطِلاً وَرَاءَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ، الَّذِينَ أَمَرَهُمُ الرَّبُّ أَنْ لاَ يَعْمَلُوا مِثْلَهُمْ؛ «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ» قَالَ الْجَامِعَةُ. «بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ الْكُلُّ بَاطِلٌ»؛ رَأَيْتُ كُلَّ الأَعْمَالِ الَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ؛ ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ؛ مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ. هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. (2ملوك 17: 15؛ جامعة 1: 2، 14؛ جامعة 2: 11؛ جامعة 5: 10) ونحن الآن علينا أن نعي القانون الذي يحكم العالم الساقط،لأننا نجد دائماً حينما نضع أقدامنا على قمة هذا العالم، لا نشتهي ولا نُريد منه شيئاً، العالم بشهواته ونزواته يُلاحقنا ويلهث وراءنا محاولاً – باستماته – أن يُغرينا بشتى الطرق لكي يجذبنا إليه ومن ثمَّ يُسقطنا من النعمة التي فيها نحن مُقيمون (رومية 5: 2)، وحينما نلتفت لندائه ونركض وراءه ونسعى إليه بكل شغف وحماسة، يهرب منا ويفلت من بين أيدينا كالماء، لكي نظل مشغولين منغمسين في سعي دائم نحوه لا ينقطع، مثل من يربط جزرة شهية ويعلقها بعصى أمام عين الحصان ليظل يركض وراءها بلا طائل، إذ يظن بسعيه إليها وركضه المُستميت نحوها أنه سينالها سريعاً كمكافأة لمجهوده المُضْنىً، فيستمر في الركض ويُزيد دون أن ينتبه أنهُ مُقيد بعربة يجرها ويخدم سيدها، لأن انشغاله واهتمامه بالحصول على ما يشتهيه جعله لا ينتبه لعبوديته، لذلك ستظل شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، السلاح الفتاك لهلاك النفس، لأنه يُشغلها حتى تصير في حالة من الإلهاء عن حياتها الحقيقية لتظل تحت نير العالم الموضوع في الشرير، وفي النهاية لن تحصل إلا على الهلاك جوعاً. وفي أحداث هذا المثل نجد أن التدني والحاجة والعوز،هما من جعلوا الابن يسترد وعيه ليعود ليفكر في طياشة أفعاله ويستفيق من غفوته، فقد تذكر حاله السابق قبل انعزاله عن أبيه وخروجه من بيته، فهو في كورة بعيدة مُشرداً جائعاً ولا يهتم به أحد ليعطيه ولو طعام الحيوان نفسه، لأن كان له ذكريات غنى لا تُنسى، فالإنسان الذي ذاق الغنى وتربى في بيت أبيه الصالح، هو وحده مَن يشعر بشدة فقره وعوزه والحال المُذري الذي وصل إليه، وهذا يختلف تمام الاختلاف عن من تربى وعاش في الهوان من نعومة أزفاره، فبكونه عاش عبداً فقيراً تحت المذلة منذ البداية، فهو لا يشعر بمثل شعور هذا الابن إطلاقاً، الذي في وقت المحنة والجوع تذكر بيت أبيه الذي فيه حتى الخُدام والأُجراء لا يجوعون، بل يتبقى عنهم الخبز، وهو الآن يهلك من الجوع الشديد ولا يجد من يُعطيه ولو كسرة واحدة من طعام الخنازير، لأن طبيعة النفس الجائعة أنها دائماً تجد كل مُر حلو أمام عينيها، لأنها تُريد أن تشبع بأية طريقة مُمكنه، لذلك كان يشتهي أن يأكل طعام الخنازير التي كانت تعتبر حيوانات حقيرة للغاية لأنها في نظر الجميع نجسة. فمن المستحيل يوجد إنسان يبحث عن الشبع وهو لا يشعر بالجوع،كما أنه من المستحيل أن يذهب للطبيب وهو لا يشعر بالمرض، فالنفس الواعية التي تفتقر للغنى السماوي هي وحدها التي تطلبه وتسعى إليه، لذلك حينما جاع الابن فكر في بيت أبيه وعادت إليه ذكرياته التي أثارت وحركت أشواقه كلها، بل وقد ألهبت قلبه وأشعلته، فقرر ترك هذه الحالة ليرجع مرة أخرى لأبيه. ومن الضرورة أن نعي أن القرار هنا ليس بالكلام ولا بمجرد أفكار وتوارد خواطر وهياج عاطفي وأحلام وتمنيات،بل كان بالعمل والحركة الفعلية وقطع الرحلة مهما ما كلف الأمر، لأن الموضوع خطير لأنه يخص حياته على المستوى الشخصي، وذلك بكونه يهلك جوعاً ولا يوجد ما يُشبع نفسه أو يوجد أحد يُعطيه شيئاً في المكان الذي يعيش فيه، وقد شارف على الموت، فالإنسان حينما يواجه الخطر ويوضع على محك الموت فأنه يحاول أن يجد المخرج بشكل غريزي تلقائي، لذلك حينما تواجه الابن مع محنة الهلاك جوعاً، ظهر نور في ذاكرته جعله يتخذ قرار العودة بشكل جاد بلا أدنى تأخير. ويلزمنا هنا أن نعي تعبير "فرجع إلى نفسه"لأن الإشارة هنا تدل على أنه عاد أو رجع بعد ذلك مباشرة، وهذا يعني أنه وجد نفسه الضائعة لأنه استفاق من غفوته، فالمعنى هنا القصد منه الوصول، أو انفتاح البصيرة، أو نور تخلل الظلمة، والنور هنا بمثابة العودة للرشد، بمعنى أنه عاد إلى رشده، أي رجع إليه عقله، أو استنار عقله، لأنه استيقظ من غفوته واسترد وعيه، رجَع إلى طبيعته وعاد إلى صوابه، لأنه مكتوب: فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة (لوقا 21: 34)، لأن من المعروف أن الإنسان حينما ينشغل بمشاكل الحياة وهمومها، فأنه ينغمس ويغرق فيها، فينسى حياته تماماً ويفقد أبديته، مثل من يشرب الخمر الكثير فيسكر ويغفو غفواً فينام نوماً ثقيلاً، ولا يستيقظ منه بسهولة إطلاقاً. + إذ الجسد الفاسد يثقل النفس والمسكن الأرضي يخفض العقل الكثير الهموم؛ وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر؛ والذي سقط بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولذاتها ولا ينضجون ثمراً. (الحكمة 9: 15؛ مرقس 4: 19؛ لوقا 8: 14) فالابن هنا استيقظ، استفاق واسترد وعيه وعاد إليه عقله،فبدأ يتعقل وتعود إليه الحكمة وصار يقيس الأمور بمقياس ميزان العقل المستنير، فتذكر ما هو حق وعدل ونطق بصدق (عن حاجة شديدة) قائلاً: "أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي"، لأن بدون هذه اليقظة والشعور باحتياج الأب الحقيقي تستحيل العودة والتحرك الصادق نحو الحياة المفقودة والغنى الدائم. + هذا وإنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا، قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور، لنسلك بلياقة كما في النهار، لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعُهر، لا بالخصام والحسد؛ لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الأموات فيُضيء لك المسيح؛ البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات. (رومية 13: 11؛ أفسس 5: 14؛ رومية 13: 14) ومن الملاحظ هنا إدراك الابن ووعيه الكامل بالخطأ الذي ارتكبه فعلياً،لذلك استرسل في الكلام واعترف بخطيئته أولاً بينه وبين نفسه بكل صدق، عن وعي وقناعة داخلية تامة (كأمر واقع كخطأ ارتكبه فعلياً)، ثم قرر أن يكتمل اعترافه أمام أبيه غير مدعياً شيء، بل بدون مبالغة أو تقليل مما صنعه، بل بكل صراحة وصدق قال: أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ "يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقّاً بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ" لذلك علينا أن نعي قوة سرّ الاعتراف الحسن وفاعليته،لأننا أن لم نعي أولاً خطايانا ونواجه أنفسنا بشجاعة ونعرف ما ارتكبناه من حماقة بكل دقة بيننا وبين أنفسنا، فكيف نأتي لله الحي ونحيا معه، وكيف ندخل في سرّ الغفران الحاضر – في كل وقت بسبب فعل عمل مسيح القيامة والحياة – أن لم يكتمل الاعتراف أمام الله أبينا الصالح، لأن بدون اعتراف أمامه كيف نحصل على الشفاء والتطهير: إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ (1يوحنا 1: 9)، لأن الإنسان الذي لا يعي مرضه لن يذهب للطبيب، وحتى لو ذهب للطبيب الماهر، فكيف يعالجه وهو لا يدرك ويعترف بأنه مريض، حتى يأتي ويتحدث مع الطبيب ويصف علته أمامه، ويتقبل منه الدواء ويتناوله عن قناعه تامة، لأنه يعلم أن هذا هو علاجه الوحيد، لأن الرب حينما كان يسير وسط الجموع وكثيرين ينادونه كان يسأل كل واحد – على حده – ماذا تُريد؟، أتُريد أن تبرأ؟ فالمرضى لأنهم يعلمون أنهم مرضى كانوا يأتون إليه من كل مكان لينالوا منه الشفاء،وحينما يسمعون سؤاله يقولون (أُريد يا سيد) فيتم الإبراء في الحال، أما من ساروا معه بلا هدف أو عوز حقيقي، لم يستفيدوا من وجوده وسطهم شيئاً، لأنهم أرادوا أن يتمتعوا بحديثه ويفرحون بالمعرفة الخارجة من فمه المشبعة لعقولهم ولفضولهم، وظلوا كما هم على حالهم، بل وحينما تكلم عن تبعيته وحمل الصليب كثيرون تركوه ومضوا لحال سبيلهم، لأن عند التبعية ومواجهة المشاكل وبذل الحياة يظهر حقيقة ما في قلب الإنسان. فيا إخوتي تيقنوا اننا لن نفلح ولن ننفع بدون وقوفنا أمام ابن الله الحي معترفين بكسر الوصية،مُدركين المرض الذي أصابنا في مقتل، وجعل المجرى الإلهي مسدوداً، حتى أنه لم يصل لنفوسنا أي طعام سماوي ولا ماء حي، حتى شارفت على الجفاف والهُزال حتى الموت، طالبين شفاء منه شخصياً بصفته طبيب نفوسنا الحقيقي، لأننا بدون تدخله الشخصي فلن نُشفى من مرض الخطية الخبيث مهما ما صنعنا أو فعلنا، وعلينا أن نحذر من أن نعترف الاعتراف الكاذب، لأن المريض حينما يذهب للطبيب ويكذب في أعراض مرضه فكيف لهُ أن يُقدم له العلاج الفعال ليتم شفاءه سريعاً، أو الإنسان الذي يدَّعي المرض ويذهب للطبيب ما النفع الذي سيعود عليه من تلك الزيارة سوى الإهمال وربما الطرد خارج عيادته! لذلك علينا أن نقف أمام طبيب نفوسنا الصالح ونحن في منتهى الصدق،ولا نضع عذراً أو مبرراً لمرضنا القاتل لنفوسنا، لأن المريض ان انشغل ليبرر مرضه لن يُشفى ولن يجد علاج فعال، وأيضاً لا ينبغي – أبداً – أن ندَّعي أننا أخطأنا كنوع من التواضع لأنه نفاق، بل فقط حينما نجد أننا أخطأنا فعلاً نعترف أمامه بصدق دون عذر أو تبرير، ولا ندَّعي شيئاً ليس فينا، لأن هذا الاعتراف بمثابة كذبة كبيرة – على أنفسنا بالطبع – تجعلنا نخسر دخولنا إلى حضرته، لأن الإنسان المُدعي المرض لا ينتبه إليه الطبيب أو يرعاه، بل لا يهتم به إطلاقاً. وأيضاً لا ينبغي أن نقف أمام الرب كفلاسفة أو عقل متعطش للمعلومات،لأن من يدخل لعيادة الطبيب ليتباحث معه ويسمع منه المعلومات عن الأمراض المتنوعة وكيفية علاجها الفعال، فأنه يخرج محملاً بالمعلومات والأفكار لكي يقدمها لغيره، أما هو فلا يستفاد شيئاً لأن هدفه الأساسي هو المعرفة، وأن يجلس مكان الأطباء لكي يُعالج الآخرين، أما نفسه فأن المرض يظل يعمل فيها للموت دون أن يدري، لأنه أنشغل بالمعرفة التي طعنت كثيرين بالأوجاع وأبطلت فيهم السعي الجاد للشفاء. فيا إخوتي نحن نتقدَّم للمسيح الرب لنعرفه إله حي وحضور مُحيي في واقعنا العملي المعاش وعلى المستوى الشخصي،فهو لم يدعونا للجدل والنقاش وحفظ المعلومات والدفاع ضد المخالفين، بل دعانا للحياة والشركة كأبناء، لنتذوق خبرة الأبوة فيه، وهذا هو حدث المثل الذي هو عودة الابن لأبيه، وليس عوده المفكر للفيلسوف، أو المتعلم للكتاب، لأن المسيح الرب لم يكن ولن يكون كتاب تاريخ، ولن يكون فكر ولا فلسفة ولا منطق، إنما إله حي ورب مُحيي، طبيب للنفس وقوة حياة للميت بالخطايا والذنوب لذلك مكتوب: الحق، الحق، أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون (يوحنا 5: 25) ________________ [1] وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ (يعقوب 1: 14) |
||||
09 - 10 - 2018, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 21630 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العــــــــــــــــــودة
الابن هنا لم يجلس يفكر في الأمر ويُقلبه على كل وجه ويفتش عن كلمات وأعذار أو انحصر في مشكلته وظل يبكى ويتباكى عليها وينوح ويؤنب نفسه ويجلدها بكلمات لاذعة، بل أهمل وترك كل حياته القديمة وراء ظهره بحلوها ومرها ولم يفكر بها إطلاقاً، وتحوَّل عنها وتحرك بجدية وقام ليبدأ فعلياً في رحلة العودة إلى أبيه، لذلك فأن كل تباطؤ في التوبة والتفكير الكثير في الحال السيء الذي وصلنا إليه في أرض التغرب عن الله الحي سيثبط من عزيمة النفس ويعوقها ويعطل التحرك والقيام والحضور أمام الله الحي أبينا وسيد كل أحد، لأن أحياناً كثيرة ننشغل بالتفكير كيف فعلت هذا ولماذا، ونُدين أنفسنا ونحزن ونقول أننا غير مستحقين ولا يُمكن أن نفلح في الحياة الروحية، وكيف أن الله يقبلنا بعد أن فعلنا كل قُبح في عينيه وارتكبنا شروراً هذه مقدارها، وكل هذا نتيجة خداع الخطية والانحصار في حال السقوط، لأن مشكلة الخطية في حالة اليأس التي تضرب به النفس حتى يصير الإنسان مُعاقاً عن الحركة، وهذا يُسمى شلل روحي يجعل الإنسان يُقيد مكانه بلا حراك ويظل مشغولاً بأفكار مُدمرة لنفسيته وخانقة لروحة، حتى يُصاب باليأس الشديد مع الفشل والجمود في مكانه، ليدخل في حالة من الصراع مع أفكار نفسه المريضة، قد تصل به لحد الكآبة الشديدة، لأنه ما زال يحيا في نفس الدائرة المُميتة، مثل من يسبح في البحر وسط دوامة عظيمة ويظل يقاومها بلا طائل، حتى يتعب بشدة وتخونه عضلات جسده التي قد تصل لحد التمزق، ثم تأخذه الدوامة وتسحبه لأسفل حتى تخنقه وتقتله.
وهذه حالة إيجابية صحيحة وصحية ونافعة للنفس جداً، فهو لم يقف عند حد اعترافه بالخطأ بينه وبين نفسه، بل أراد ان يضع الاعتراف بين يدي أبيه الصالح، لأن هدفه أن يعود لبيته الحقيقي تحت أي وضع أو صورة، وهذا هو الاعتراف الحسن والسليم، وهو حينما نقف بين يدي الله ونعترف أمامه – وليس أمام أنفسنا ونفكر في أفعالنا المُشينة – بغرض أن نعود للحضن الأبوي ونحيا حياة الشركة الحقيقية مع الله والقديسين في النور، لأن هذا هو هدف التوبة الحقيقي وفعلها الإيجابي.
قد يغفل عنه الكثيرين وخاصة الشراح والمفسرين، وهو عدم خروج الأب – منذ البداية – للبحث عن ابنه، لأن هناك فرق عظيم بين حالة إنسان تائه ضال وهو من الأساس متغرِّب عن الله ولا يعرف الطريق إليه لأنه يجهله تماماً، وبين من خرج عن إرادة وإصرار ويعرف الطريق حق المعرفة، لأن من الواضح هنا أن الابن منذ البداية هو الذي خرج بإرادته بكامل إدراكه ووعيه عن قصد وإصرار، وعندما فكر في العودة كان يعرف الطريق المؤدي لبيت أبيه يعرفه بكل دقة ولم يستفسر أو يبحث عنه.
أما من ابتعد بإرادته وتركه بكامل وعيه، فهو ينتظره بشغف ويتابع أخباره من بعيد، ولكنه لن يذهب ليأتي به ويحضره لبيته مُرغماً، لأنه كما ابتعد بإرادته لا بُدَّ من أن يعود برغبته، بكامل حرية إرادته، لأن مهما ما توسل إليه (بصفته أباً لهُ) لكي يعود لمكانته الأولى، وهو ليس في عوز وحاجة لأبيه يشعرها في نفسه، فأنه لن يعود أبداً، لكن حينما يشعر فقط أنه في حاجة شديدة إليه، ويعرف كم كان خطأه الذي ارتكبه بإرادته وحده، تاركاً بيته ومكانه الطبيعي ليتغرب في أرض بعيدة، فأنه سيعود من نفسه بعدما يندم بسبب هذا البُعد والتغرُّب، مقرراً أن لا يترك بيته ومكانه مرة أخرى، وسيجد أبيه في انتظاره بكل شوق ولهفة أبوية فائقة.
ويقف على بابه قارعاً، صارخاً بتوسل اعترافه أمامه مباشرة، لكي يُعيده ويدخله البيت كأجير، وهذا هو حال من يخجل من نفسه ومن خطيئته، وقلبه مكسور من أفعال قبيحة ارتكبها بحماقة، مع أنه لم يكن يظن أبداً أن أبيه ينتظره بشغف أبوته، وبالتالي لا يتوقع ترحيبه الشديد ليصل لحد الاحتفال بعودته، وهذا واضح من كلماته التي عزم أن ينطق بها أمام أبيه، لكن ما حدث واقعياً كان مُذهلاً:
فالابن الخاطئ الذي شرد وترك بيت أبيه بإرادته عن قصد وبكامل وعيه، وبحريته التي لم يتدخل فيها أبيه ولم يمنعه قسراً أو يعوق مسيرته، وهو ما زال بعيداً لم يقترب بعد، رآه أبوه، لأنه يعرف ملامحه منتظراً عودته بشغف أبوي شديد (أرجعوا إليَّ فأرجع إليكم)، فأنَّتْ عليه أحشاء ابوته الحانية فركض بفرح محبة الأبوة الصادقة ليحتضنه بقوة ويضمه لصدره ويقبله، ولو ان الابن نفسه كان يتوقع عقوبة وربما رفض، لكن يا لعظمة ما وجده: "قُبلة"، وهذا هو العجب؛ لأننا كلنا حينما نحاول أن نقترب من الله الحي بخوف وخجل شديد، فأن الظنون تأكلنا ونعتقد أنه سيعاقبنا على خطايانا ويجلدنا وينهال علينا بكمات قاسية وتأديبات مُرعبة تتساوى مع خطايانا لكي ندفع ثمن ما ارتكبناه من معصية، فنخاف خوفاً عظيماً من أن نقترب منه، لكن حينما نجازف ونقول الوقوع في يد الرب خير من هذا العذاب في الشرّ وحياة الفساد والهبوط للتراب وضياع كرامة النفس، ونقترب منه بثقة الإيمان الحي ونرتمي بين يديه، نُفاجئ بحالة السلام التي تحل في قلبنا وشعور خفي مفرح يتخلل ظلمة تفكيرنا الخاطئ المحصور في العقوبة، لأن هذه هي معاملات ابوة الله الحانية: "فتحنن – ووقع على عنقه وقبله"
أو أي أب هذا الذي يجد ابنه مُصاباً بجروح خطيرة، وينزف ونفسه مكسورة، ثم يبكته أو يعاقبه، لأن الطبيب يُعالج المريض، والأب بإشفاق المحبة الخالصة يمد يده ليضمد جراح ابنه الأغلى عنده من نفسه، لأننا رأينا محبة الله الفائقة معلنه لنا في ملء الزمان لأنه مكتوب: لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؛ وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. (يوحنا 3: 16؛ رومية 5: 8)
الرب لم ينتظر توبتنا أولاً ليُخلي نفسه ويأخذ صورة العبد ويتقدم للصلب ليموت من أجل خطايانا ويقوم لأجل تبريرنا، بل ونحن ما نزال خُطاة تحت نير الشهوات وأوجاعها الجارحة للنفس والمُدمرة لكل ملكاتها الروحية، أي ونحن ماكثين في ظلمة الإثم الثقيل تحت سلطان الموت محفوظين للهلاك، مات المسيح لأجلنا وقام وصعد بجسم بشريتنا ليفتح لنا الطريق لحضن الآب، لأن المسيح الرب لم يأتي ليُدين أحد بل ليُخلِّص العالم (يوحنا 12: 47)، لذلك قيل في المثل "وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً".
فهنا إعلان إلهي فائق عن محبة الله (الأبوية) المتسعة التي تفوق كل مداركنا ومعرفتنا، لأن غفرانه ليس غائب ولا ينتظر أن نعمل شيئاً أولاً لنستحق عليه غفرانه ومسامحته – لأن الابن لم يفعل شيئاً سوى أنه عاد إليه – بل هو نفسه يتعامل معنا كأبٍ حقيقي يتعامل مع الساقطين والمرضى بالخطايا والذنوب، يُقدِّم ذاته ويبذلها لأجلنا فعلياً لكي يضمد جروحنا، ويُقدِّم لنا ترياق الخلود – زارعاً حياته الخاصة فينا – ليطرد منا الموت والفساد ويعطينا باسمه حياة أبدية ثابتة لا تزول، وهو يتحنن علينا نحن الأطفال الصغار مهما ما تعثرت خطواتنا، ويتعامل معنا مهما ما كنا طائشين، لأن طالما اشتقنا إليه واقتربنا منه، وطلبناه بإصرار وبساطة قلب عن حاجة شديدة إليه، فهو يمد يد المعونة إلينا، وأن أمسكناها فمن هو هذا الذي يستطيع أن يعوق قبوله لنا، أو يخطفنا منه، أو يحرمنا شركته!
نحن مُجرد خطاة معجونين بشهوات وغرور فساد هذا العالم، والموت يسيطر علينا بالتمام ويحاصرنا من كل جانب بالظلمة، ولا يوجد مفر لنا منه، إذ قد ضاع منا المهرب، ولا نجد أمل فينا ولا رجاء أو حياة، وحسناً أن نعرف اننا هكذا نكون، لأن هذا هو حالنا فعلياً، فُجار مملوئين فسقاً، لكن لنا فرح آخر لا يعرفه كل من ينحصر في طبيعة إنسانيته الساقطة، لأن لنا أب فاتح ذراعيه يترقب عودتنا إليه بشغف ولهفة الأبوة، لأنه بمجرد رؤية نيتنا فأنه يحتضنا، لأنه يقبلنا كما نحن بدون تزويق ولا نفاق، بل كما نحن على علاتنا مهما ما كنا متورطين في الآثام والشرور القبيحة، فحينما يرانا نأتي إليه من بعيد يركض نحونا مسرعاً جداً لأننا نطلبه بكل قلبنا، فهو يُعطينا قبلة أبوية صادقة تُريح النفس المتعبة وتهدأ روعها وتُشعرها بالطمأنينة والأمان التي كانت محرومة منه، بل ولا تعرفه في تغربها عنه.
ومن المفترض أن يُحكم عليك بالموت الأبدي عن عدل، وترى دينونتك حاضرة أمام عينيك كل حين وكل وقت، فقط ارفع عين قلبك لله الحي وستجد قبلتك الخاصة تنتظرك من فم أبيك السماوي على الجبين، لأن كل واحد فينا له قبلته الخاصة من أبيه، لأن كلنا أعزاءه الأخصاء لأنه هو مصدر حياتنا، لأنه هو من جبلنا على غير فساد، والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمه بالظهور المُحيي الذي لابنه الوحيد، فلماذا إذاً نخاف أن نأتي لأبي الأنوار باسم خلاصنا: اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، (لذلك) لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، فالآن في المسيح يسوع، أنتم الذين كُنتم قبلاً بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح؛ الذي برُوح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب، (لذلك فهو) يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي؛ (فأن) سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية. (متى 1: 21؛ عبرانيين 10: 9؛ أفسس 2: 13؛ عبرانيين 9: 14؛ 1يوحنا 1: 7)
ولا أب يُعطي لابنه حجراً حينما يطلب منه خبزاً، فكم يكون الله راعي الخليقة كلها، ماذا يفعل معنا نحن الأطفال الصغار المشاغبين الذين يعبثون بالإثم وهم لا يدرون ماذا يفعلون، ولا يدركون النتيجة المُفجعة لأعمالهم الطائشة، لأنهم مُغيبين عن الوعي كالسكارى في الحانة، لأن العالم كالحانة المملوءة من كل ما هو مُسكر يُصيب النفس بالغيبوبة، لأن العدو فيه يسقي الكل من خمره المغشوشة المؤذية للنفس، لأن بسبب ثقل الخمر ممكن أن يتعرى الإنسان ويُفضح ويظهر مترنحاً ويتصرف كالمجنون، طاعناً نفسه بأوجاع كثيرة لا يشعرها من ثقل تخدير حواسه، مثل الموجوع بسبب جرح غائر حينما يأخذ المسكن القوي فأنه لا يشعر بمدى آلامه المبرحة، وهذه مشكلة الخطية حينما تُخدر ضمائرنا وتجعلنا كالمعاتيه نتصرف بجنون غير مدركين أننا على مشارف الهاوية، لكن لولا رب الجنود ابقى لنا بقية لشابهنا سدوم وصرنا مثل عمورة.
مع أن ابوة الله أوسع بكثير واشمل مما نفهمه عن الأبوة، لأن أبوته تفوق أبوة البشر في معناها واتساعها، ولا مقارنة، وهذا كان إعلان ربنا يسوع في الإنجيل، إذ أظهرها في هذا المثل بالسرّ وأعلنها بوضوح في كلامه عن عطية الآب المُميزة، فثبت أبوته الفائقة من نحونا، والتي تحتاج أن نتحرك نحوها لتذوقها، لتتحول لخبرة في حياتنا الخاصة، لذلك ينبغي أن نقرأ معاً ما قاله الابن الوحيد الذي خبرنا عن الآب، لكي نأتي إليه ونرتمي في أحضانه كما حدث مع هذا الابن السعيد العائد إلى أبيه يطلب مأوى: وأنا أقول لكم اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم. لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له. فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خُبزاً، أَفَيُعْطِيهِ حجراً! أو سمكة، أَفَيُعْطِيهِ حية بدل السمكة! أو إذا سأله بيضة، أَفَيُعْطِيهِ عقرباً. فأن كنتم وأنتم أشرار، تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يُعطي الروح القدس للذين يسألونه. (لوقا 11: 9 – 13) |
||||