منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04 - 06 - 2023, 11:30 AM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر دانيال النبي

تفسير سفر دانيال النبي


رؤية مجد الله



تقدم الأصحاحات (10-12) الرؤيا الرابعة والأخيرة لدانيال النبي.
ص 10: افتتاحية للرؤيا، تصف ظهور ملاك أو ربما كلمة الله نفسه لدانيال ودخوله في حوار معه.
ص 11: الرؤيا ذاتها، تقدم نبوات خاصة بالعلاقة بين بطالسة مصر والسلوقيِّين بسوريا، وتنتهي بموت أنطيوخس.
ص 12: خاتمة الرؤيا، تحدثنا عن الضيقة العظيمة ونهاية الأزمنة.
يقدم لنا دانيال النبي هذا الأصحاح كمقدمة للأصحاحين التاليين، فيه يعلن اهتمام السمائيِّين بالعالم البشري (أي 1: 7؛ 2: 1؛ زك 3: 1؛ رؤ 12: 7). كما يقدم لنا الصراع بين الملائكة وقُوى الشرّ من أجل تمتع البشرية بالخلاص أو هلاكهم. كما أن الملائكة لا تكف عن أن تعمل لحساب العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1: 14)، فإن الشياطين أيضًا لا تكف عن مقاومة الحق وهلاك الناس.
في الأصحاح السابق قدم لنا رؤياه الخاصة بالسبعين أسبوعًا التي حددت موعد مجيء السيِّد المسيح لتحرير المؤمنين به كما وجهت أنظارنا إلى مجيئه الثاني أو الأخير. الآن يؤكد لنا النبي في الرؤيا التالية الأحداث الرئيسية ما بين العودة من بابل إلى مجيء السيِّد المسيح في شيء من التفصيل، وفي دقة فائقة.





1. تاريخ الرؤيا:

"في السنة الثالثة لكورش ملك فارس كُشف أمرٌ لدانيال الذي سُمِّي باسم بلطشاصَّر.
والأمر حق، والجهاد عظيم (طويل)، وفهم الأمر،
وله معرفة الرؤيا" [1].
في السنة الثالثة من مُلك كورش ملك فارس. بمقارنة ذلك بما جاء في (دا 1: 21) "وكان إلى السنة الأولى لكورش الملك" يُفهم أن دانيال أحيل على المعاش وترك الخدمة في الثمانين من عمره، بعد تولي كورش المُلك بسنة واحدة.
أما سبب عدم رجوعه إلى أورشليم مع زربابل، بل بقي في بابل، فلم يخبرنا عنه الكتاب؛ ربما بأمرٍ إلهيٍ ليتمم رسالة خاصة بخدمة شعبه يمارسها وهو في أرض السبيّ.
وُهبت له هذه الرؤيا بعد عامين من تركه العمل، قبيل نياحته. وقد تأكد أن ما يراه سيحققه الله حتمًا (رؤ 22: 6)، إذ يقول: "الأمر حق"، لا يوجد مجال للشك، بالرغم من أن الأحداث غير مُتوقعة. على أي الأحوال قرر دانيال أن الزمن المحدد طويل. يرى البعض أن الزمن طويل لأن الرؤيا الرابعة (ص 10-12) تمتد إلى قيامة الأموات وانقضاء الدهر .
بالنسبة للرؤيا السابقة كان دانيال مرتبكًا وغير قادرٍ على فهمها، أما هذه النبوة فيؤكد أنه قد فهمها تمامًا.
لماذا أورد هنا اسمه الذي أُعطي له في بابل "بلطشاصَّر"؟
أ. ليؤكد أنه وإن كان قد أُحيل على المعاش، ولا وجود له في القصر، لكن لم يعرفه أحد باسمه الأصلي، إنما التصق به الاسم الذي فُرض عليه، ومع عدم محبته للاسم تركه لعله يجد به فرصة لخدمة شعبه.
ب. إن كان لا يزال يحمل هذا الاسم الكلداني كل هذه الفترة، لكن قلبه لا يزال ملتصقًا بإلهه الذي يكشف له أسراره، ويهبه فهمًا وحكمة.
2. تمتعه بالرؤيا:

أ. فترة صوم وندامة:

"في تلك الأيام أنا دانيال كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام،
لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر،
ولم أُدهن حتى تمت ثلاثة أسابيع أيام" [2].
صام دانيال ثلاثة أسابيع كاملة، لم يأكل طعامًا شهيًا ولم يتطيب بدهنٍ، لأن كورش انشغل بالحرب ضد السكيثيِّين Scythians، فترك منطقة آسيا الصغرى، وقام ابنه قمبيز Campyses بمقاومة إعادة بناء الهيكل والمدينة المقدسة أورشليم. حقًا لقد عاد البعض إلى أرض الموعد، لكنهم صاروا في عارٍ وخزي، غير قادرين على إعادة الحياة الروحية في بلدهم. ولعله أيضًا سمع عن عدم مبالاة الراجعين إلى أورشليم بشأن بناء الهيكل؛ بيت الرب.
يميِّز بين الأسبوع في الرؤيا السابقة كرمزٍ لسبع سنوات وبين الأسبوع هنا إذ يدعوه "أسبوع أيام"، أي بمعناه الحرفي لا الرمزي.
في الأصحاح الأول من السفر رأيناه ممتنعًا عن أطايب الملك، مكتفيًا بأكل البقول، هل عاد ليأكل اللحم ويشرب الخمر؟ لا يعني النص هكذا، لكنه مع امتناعه عن أطايب الملك سابقًا الآن يرفض كل طعامٍ شهيّ حتى في بيته الخاص، ليقدم صومًا صارمًا من أجل شعبه.
يهاجم البعض الصوم الكنسي كأنه بلا هدف، وأنه لا حاجة إليه إلاَّ عند الضرورة كما حدث هنا بالنسبة لدانيال النبي. يُرد على ذلك أن دانيال كان رجل صلاة مع صوم منذ قدم لنا سيرته في الأصحاح الأول. حقًا كان لصومه هدفه، وأيضًا لصلاته، لكننا لم نسمع عنه أنه توقف عن الصلاة حتى متى حلت الضيقة يُصلِّي. لقد قدم لنا صلاته واعترافه في وقت الضيق، هذا لم يمنعه عن الصلاة ثلاث مرات يوميًا. هكذا بالنسبة للصوم الكنسي، فإننا في حاجة إليه بجانب الأصوام الخاصة عند حلول ضيقة معينة. إنما ما يجب التأكيد عليه هو وجود هدفٍ روحي واضح لا للأصوام الكنسية فحسب، بل ولكل عبادتنا.
مع امتناع دانيال النبي عن اللحم والخمر امتنع أيضًا عن كل طعامٍ شهي، هكذا يليق بنا في أصوامنا مع امتناعنا عن المنتجات الحيوانية أن نمتنع عن كل طعامٍ شهي حتى وإن كان نباتيًا، فلا نأكل بشهوة، حتى وإن كان خبزًا جافًا.
ارتبط صوم دانيال بالصلاة والاعتراف بخطاياه، لأن الصوم هو تهيئة للنفس للحديث مع إلهها، وليس هدفًا في ذاته. وقد ربط السيِّد بينهما بقوله: "وأما هذا الجنس فلا يخرج إلاَّ بالصلاة والصوم" (مت 17: 21).

* على أي الأحوال إذ مارس دانيال، رجل الرغبات، السيطرة على شهواته، صارت له سيطرة على مملكة الكلدانيِّين، فطرح أصنامهم، وأهلك التنِّين، وروَّض الأسود، وبشر بالتجسد، وفسَّر الأسرار الخفية (دا 5: 9، 14).
القديس باسيليوس الكبير
* وماذا عن دانيال؟ كيف نال التأمُّل في العجائب؟ ألم يحدث هذا بعد صوم عشرين يومًا؟!
القديس باسيليوس الكبير




"وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول إذ كنت على جانب النهر العظيم هو دَجلة" [4].
يرى البعض أنه رأى نفسه في الرؤيا على شاطئ نهر الدجلة، ولم يكن بالفعل هكذا، ولا قاطنًا في هذه المنطقة، وإن كان البعض الآخر يرون أنه بعد ثلاثة أسابيع من الصوم كان دانيال بجوار النهر العظيم (دجلة) يتمشَّى على شاطئ النهر يتأمل في الله ومعاملاته، كما كان اسحق يتمشَّى في الحقل.
عند نهر خابور رأى حزقيال النبي رؤياه العظيمة (حز1)، وعند مجاري نهر الأردن انفتحت السموات لترى ربنا ومخلِصنا يعتمد... هكذا إذ نجلس بجوار مياه المعمودية، ونقبل عمل روح الله فينا، وندرك بنوتنا لله ننال رؤيا جديدة في أعماقنا، ونكتشف تجلِّي ابن الله الوحيد الجنس في أعماقنا. نراه كمن على عرشه يهبنا عربون مجده السماوي إلى أن نلتقي به وجهًا لوجه فننعم بشركة أمجاده وميراثه الأبدي.
عوض العيد كان دانيال حزينًا وصائمًا، لا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا، ولا يدهن بزيت كعادة الفارسيِّين. ظهرت له الرؤيا وهو في مناحة يبكي على خطايا شعبه.
منذ عامين كان قد سمح كورش للراغبين من اليهود أن يعودوا إلى أورشليم، لكن قلة قبلت ذلك. لأن كثيرين فضلوا البقاء في بابل يمارسون أعمالهم التجارية، ويهتمون بالمكاسب المادية عِوض إنفاق ما لديهم على عودتهم مع أسرهم للبدء في مشاريع جديدة بأرض الموعد. هذا ما أحزن دانيال النبي الذي بقي في السبي، ليس طمعًا في مركزٍ أو مكسبٍ، وإنما لخدمة الذين لم يرجعوا بعد. ولعل ما أحزنه أيضًا أنه سمع عن تراخي الذين عادوا إلى أورشليم في بناء هيكل الرب، مهتمين ببناء بيوتهم الخاصة حاسبين أنه لم يأتِ بعد الوقت للبناء. هذا ما أحزن قلب حجي النبي أيضًا، إذ جاءته كلمة الرب: "هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة، وهذا البيت خراب؟!" (حج 1: 4).
كانت هذه الرؤيا في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول، أي في عيد الفطير (خر 12: 18) الذي يأتي بعد الفصح مباشرة لمدة أسبوع.
"رفعت ونظرت فإذا برجلٍ لابسٍ كتانًا وحقواه متنطِّقان بذهب أُوفاز.
وجسمه كالزبرجد، ووجهه كمنظر البرق،
وعيناه كمصباحيّ نار،
وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول،
وصوت كلامه كصوت جمهور" [5-6].
يرى البعض أن كلمة أوفاز Uphaz صفة تعني "نقيًا"، بينما يرى البعض أنها تُشير إلى منطقة معينة كما جاء في إرميا "ذهب من أوفاز" (إر 10: 9)، ويترجمها البعض "أوفير" Ophir.
يرى البعض أن اللباس الكتاني هنا يُشير إلى كهنوت السيِّد المسيح، والمنطقة الذهبية إلى العمل الرعوي للسيِّد المسيح. فقد اعتادوا في الشرق أن يلبسوا مناطق على الحقوين، لأن ثيابهم طويلة تبلغ إلى القدمين فتعوق حركتهم. فالمنطقة ترفع الثوب وتساعد الإنسان على الخدمة وسرعة الحركة.
جسمه كالزبرجد، وكما يقول القديس جيروم: [إنها إحدى الحجارة الكريمة الإثنتي عشرة التي توضع على صدرة رئيس الكهنة(248) إن كانت الحجارة الكريمة تُشير إلى الأسباط الاثني عشر فيقف رئيس الكهنة أمام الله يشفع فيهم، ويحملهم بالحب على صدره لينعموا بالحضرة الإلهية. فإننا وقد صرنا سبطًا واحدًا، ننتسب إلى سبط يهوذا (روحيًا)، وصرنا أعضاء في جسد السيِّد المسيح. فإننا لا نجد أنفسنا على صدرية المخلِّص، بل بالحري أعضاء جسده، لنا حق الدخول إلى الأقداس السماوية مع الرأس السماوي.
كان صوته كصوتِ جمهورٍ عظيم سمعه دانيال النبي وفهمه بينما هرب من معه ولم يفهموا شيئًا من الصوت. هذا ما حدث مع شاول الطرسوسي في الطريق إلى دمشق حيث رأى وسمع، فتحدث مع يسوع المسيح الذي ظهر له في السماء، أما الذين حوله فرأوا وكأنهم لم يروا وسمعوا صوتًا ولم يفهموا شيئًا؛ لذا حُسبوا كأنهم لم يروا ولم يسمعوا (أع 9: 7؛ 22: 9).
شاهد دانيال النبي شخصًا أوصافه تطابق ما ورد عن السيِّد المسيح في رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي (رؤ 1: 13-15). يرى البعض أنه نظر ملاكًا قديرًا، بينما يرى آخرون أنه كلمة الله قبل التجسد(249). فإنه إذ كان نائحًا على خطايا شعبه ظهر له ذاك الذي يحمل خطايا العالم كله.

* يقول: "رفعت (عيني) ونظرت فإذا برجل لابسٍ كتانًا" [5]. في الرؤيا الأولى يقول: "أنظر، قد أُرسل الملاك جبرائيل"، أما هنا فالأمر مختلف، إذ يرى الرب ليس إنسانًا كاملًا وإنما في شكل إنسانٍ...
ارتداؤه لباسًا مختلف الألوان يُشير رمزيًا إلى تنوُّع النعم التي لدعوتنا. لقد صُنع اللباس الكهنوتي من ألوان مختلفة، لأن أممًا متنوِّعة تنتظر مجيء المسيح لكي نصير (جسدًا واحدًا) بألوان متباينة.
يقول "وحقواه متنطقتان بذهب أوفاز" [5]. كلمة "أوفاز" انتقلت عن العبرية إلى اليونانية لتعني ذهبًا نقيًا. لقد تمنطق حول حقويه بمنطقة طاهرة. كان على "الكلمة" أن يحملنا ويربطنا به كمنطقة حول جسده بحبّه الخاص، الجسد الكامل، أما نحن فأعضاء جسده المتحد معًا، ونقوم بالكلمة نفسه.
"وجسمه مثل Tharses (كالزبرجد)". كلمة Tharses تُفسر "إثيوبيِّين". أو "من الصعب التعرُّف عليه". هكذا أعلن النبي مقدمًا، مؤكدًا أن الجسد سيُعلن في العالم، لكن كثيرين يجدون صعوبة في التعرُّف عليه.
"ووجهه كمنظر البرق وعيناه كمصباحيّ نار". فإنه يليق بقوة الكلمة الناري والقضاء أن يُعلن مقدمًا عن ممارسته لنار (دينونته)، فيضيء بالعدل على الأشرار ويهلكهم.
يضيف أيضًا هذه الكلمات: "وذراعاه وقدماه مثل نحاس لامع" ليظهر الدعوة الأولى والثانية للبشر، أي للأمم. "فإن الآخرين يكونون كالأولين"؛ إذ أُقيم حكّامك كما في البداية. "وكان صوته كصوت جماهير كثيرة" (إش 1: 26، رؤ 19: 6). فإننا نحن جميعًا ننطق بأمور مُتنبأ عنها، ننطق بفمه عن الأمور التي عينها هو.
القديس هيبوليتس الروماني




"فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدي،
والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا،
لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم، فهربوا ليختبئوا.
فبقيت أنا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة،
ولم تبقَ فيَّ قوة، ونضارتي تحوَّلت فيَّ إلى فساد،
ولم أضبط قوة.
وسمعت صوت كلامه،
ولما سمعت صوت كلامه،
كنت مسبَّخًا على وجهي ووجهي إلى الأرض" [7-9].
أدرك دانيال -وهو أفضل من كان في زمانه- أن كماله قد تحوَّل كما إلى فسادٍ، فلم يفتخر ببرٍ ذاتي، هذا الذي يُحسب كخرقة الطامث (إش 64: 6). إذ غلبه مجد الرب سقط النبي على الأرض كمن قد فقد وعيه وخارت قواه تمامًا، لكنه أدرك صوت الرب.
وقع خوف على الذين كانوا مع دانيال النبي وهربوا ليختبئوا؛ ربما رأوا شيئًا غريبًا، لكنهم لم يُميِّزوا الرؤيا فارتعبوا. لقد سمح لهم الله بهذا لئلاَّ يظن أحد أن ما أعلنه دانيال كان وهمًا أو تخيُّلًا. لقد اُختير دون غيره ليصير معلِّمًا يكشف عن أسرار الله ويتقبل المعرفة الإلهية لحساب الجماعة كلها، لكنه كان محتاجًا إلى من يشهد له أنه مدعو لعملٍ إلهيٍ فائقٍ.
كرر أكثر من مرة أنه رأى ليؤكد أن ما ينطق به هو حقيقة شاهدها حقًا، ويدعو الرؤيا عظيمة لكي يلفت أنظارنا فنهتم بها.
ارتعد دانيال وفقد قوته الجسمية، حتى صار كميِّتٍ فاسدٍ بلا حياة... الله لا يُريد لنا نحن أولاده هذا الضعف الشديد، لكنه يسمح لنا بذلك إن كان فيه نفعنا. لأنه أحيانًا إذ نكون في كامل صحتنا لا نبالي بالصوت الإلهي، ولا نتمتع برؤيا سماوية داخلية، لذا يسمح لنا بالضعف الجسدي إلى حين ليسحب طاقاتنا الداخلية إلى رسالة سماوية معينة. إن كانت الرؤيا قد أرعبت دانيال، لكن الصوت السماوي أعطاه طمأنينة وسلامًا، ولمسات يده ملأته قوة.
3. خدمة ملائكية:

"وإذا بيدٍ لمستني،
وأقامتني مرتجفًا على ركبتيّ وعلى كفَّيّ يدي" [10].
واضح أن دانيال شاهد الرؤيا وهو منبطح على الأرض، وكان مستندًا على ركبتيه ويديه، وكان محتاجًا إلى عون سماوي ليُقيمه.
اليد التي كتبت على الحائط فأرعبت الملك بيلشاصَّر، هي التي لمست دانيال وأعطته قوة للقيام والتمتع بالفهم. يرى البعض أن اليد السماوية تُشير إلى التجسد الإلهي، حيث قدم لنا السيِّد المسيح العمل الإلهي، واهِبًا إيّانا الفهم والحكمة مع الفداء والمجد.
يقول القديس جيروم: [ظهر الملاك في شكل إنسانٍ ووضع يده على النبي إذ كان مستلقيًا على الأرض. لقد حمل شكله (البشري) حتى لا يرتعب! ].
ظهور الملائكة على شكل بشر يكشف عن تقدير السماء لنا كبشرٍ، فهم وإن لم يحملوا أجسادًا مثلنا لا يستنكفون من الظهور بشكلٍ بشريٍ. أنهم بهذا أيضًا يعلنون عن شوق السمائيِّين إلى الدخول في صداقة معنا.
"وقال ليّ: يا دانيال أيُّها الرجل المحبوب (جدًا)،
افهم الكلام الذي أُكلِّمك به،
وقم على مقامك،
لأنيَّ الآن أُرسلت إليك.
ولما تكلم معي بهذا الكلام قمت مرتعدًا" [11].
لمسته اليد وناداه صوت سماوي يحثه على القيام، ينزع عنه الخوف ويهبه فهمًا. ومع هذا إذ قام دانيال كان مرتعدًا. وكأن الله من أجل محبته لنا، يسمح أن يترك فينا شيئًا من الضعف لكي لا نستكبر. لقد كان دانيال دون سواه مؤهلًا لنعمة الرؤى في عهده، ونال عونًا إلهيًا إذ أرسل الله له رئيس الملائكة جبرائيل يلمسه بيده ويتحدث معه، ويقدم له الفهم. لكنه بقي في رعدة فيدرك مع إبراهيم أب الآباء أنه تراب ورماد.
لمست يد سمائية دانيال وأقامته، ربما كانت يد رئيس الملائكة جبرائيل الذي يُفسر الرؤى لدانيال (دا 9: 23)، هذا الذي يدعو دانيال بالمحبوب جدًا، لتشجيعه ومساندته.
يُعلق القديس جيرومعلى تعبير: "المحبوب"، قائلًا: [إنه تعبير لائق، فإن كل قديس يحمل جمالًا في نفسه، وهو محبوب من الرب.]
وقف النبي الشيخ لكنه كان مرتعبًا. طمأنه الملاك بأن صلاته قد سُمعت وأُرسلت الإجابة.
"فقال ليّ: لا تخف يا دانيال،
لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك سُمع كلامك،
وأنا أتيت لأجل كلامك" [12].
طلب رئيس الملائكة من دانيال ألا يخف، ولم يكن ذلك في قدرة دانيال بل كان محتاجًا إلى عونٍ إلهي يهب فكره سلامًا، ويهيِّئ أعماقه لإدراك الأسرار الإلهية. بقوله: "لا تخف" لا يقدم مجرد وصيَّة سمائية، بل عطية سمائية يهبها الله نفسه لمحبِّيه. أما لماذا قُدمت هذه العطايا لدانيال دون الذين حوله، هل عند الله محاباة؟ حاشا! لقد جعل دانيال قلبه للفهم، وذلك بالصلاة والصوم والتذلُّل مع التوبة. تمتع دانيال بعطايا إلهية مجانية، لكن ليس وهو متهاون في حياته، يحيا لا بروح الترف والتدليل، بل بروح الجدية، ملتجئًا إلى الله واهب الفهم والمعرفة. وكما يقول القديس يوحنا الحبيب إننا نعرف أننا إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا (1 يو 5: 14).
لقد تذلل دانيال بالتوبة قدام الله إلهه، أي خلال العلاقة الشخصية مع الله الذي يحسبه إلهه، أي ينسبه إليه، ولهذا تأهل أن يرسل الله ملاكه إليه، لأن ملاك الرب حال حول خائفيه (مز 145: 19).


"ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحدًا وعشرين يومًا،
وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي،
وأنا أبقيت هناك عند ملوك فارس" [13].
يبرر الملاك سبب تأخيره 21 يومًا أو ثلاثة أسابيع، وهي الأسابيع التي كان فيها دانيال النبي صائمًا ومتذللًا أمام الله، لكن لم يعرف دانيال ذلك حتى تمَت الثلاثة أسابيع، فقد كان الملاك يعمل لصالح النبي وهو لا يدري.
كثيرًا ما نظن أن الله لا يسمع لصلواتنا أو يتباطأ في الإجابة، مع أنه مهتم بنا، ويخفي عنا عمله من أجلنا حتى نكتشفه في الوقت المناسب، حين نصير قادرين على فهم خطَّة الله وعمله لأجلنا.


"وجئت لأُفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة،
لأن الرؤيا إلى أيام بعد" [14].
يؤكد الملاك لدانيال أنه جاء ليعلن له أن صلواته قد اُستجيبت، وأنه يعمل لصالح الشعب، مقاومًا شر ملك فارس. عاد ليعلن له أن عناية الله ممتدة عبر سنوات طويلة؛ عليه أن ينتظر ليرى بروح النبوة الأحداث القادمة لا إلى يوم رقاده فحسب، بل وإلى مجيء السيِّد المسيح مخلص العالم.
* ليتأكد ذاك الذي يرتاب في استجابة صلاته أنه لن يُستجاب له.
غير أنه يلزمنا ألا نسأل الله بقلقٍ، وذلك كما يُعلِّمنا دانيال الطوباوي، إذ سمع الله له من أول يوم بدأ فيه يقدم الصلاة، لكنه نال ثمرة صلاته بعد 21 يومًا. هكذا ليتنا لا نفتر في غيرة صلواتنا التي نبدأها، إن تصورنا أن الاستجابة قد أبطأت، لئلا تتأجل الاستجابة التي تهبها لنا العناية الإلهية... وهذا ما كان يمكن أن يحدث في حالة النبي المذكور لو لم يُوجد مثابرًا على الدوام بثبات في صلواته خلال الـ21 يومًا رغم أن الاستجابة صدرت من اليوم الأول.
الأب إسحق
أوضح رئيس الملائكة جبرائيل سرّ تأخره في الإجابة على صلاته، إذ له ثلاثة أسابيع يُقاوم "رئيس مملكة فارس" حتى جاء رئيس الملائكة ميخائيل، شفيع شعب الله ومعينًا له. ماذا يقصد برئيس مملكة فارس؟ هل يقصد الملك أم ملاك شرير مقاوم لعمل الله؟
إن ملاكًا شريرًا يوجهه الشيطان ليُجرب ملوك فارس ويؤثر عليهم ضد شعب الله، لذا وقف الملاك جبرائيل يسنده الملاك ميخائيل ليُحطم أعمال عدو الخير ضد المؤمنين، لا يقصد هنا ب "رئيس مملكة فارس"، إنسانًا بل الشيطان الذي يجرب ملك فارس ويحركه.


يقول القديس جيروم: [في رأيي أنه الملاك المُكلف بفارس، وذلك كما جاء في التثنية: "حين قسم العلي للأمم حين فرَّق بني آدم نصب تخومًا لشعوب حسب عدد ملائكة" (تث 32: 8). توجد الرئاسات التي يتحدث عنها بولس: "لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين... التي لم يعلمها أحد من رؤساء (عظماء) هذا الدهر. لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 6-8). هكذا قدم رئيس أو ملاك فارس مقاومة، عاملًا لحساب المقاطعة الموكولة إليه حتى لا تتحرر الأمة المسبية بكاملها. لعله بالرغم من أن الله قد سمع للنبي بحنو منذ اليوم الذي فيه وضع قلبه للفهم، مع ذلك لم يُرسل إليه الملاك ليعلن له قرار الله المملوء حنوًا لأن ملاك فارس قاومه لمدة 21 يومًا، معددًا خطايا الشعب اليهودي كأساس عادل لبقائهم في السبي وكحجة لكي لا يتحررون].
هل كان رئيس الملائكة جبرائيل عاجزًا عن مقاومة الشيطان الذي يبث روح العنف والكراهية في قمبيز Cambyses ضد المؤمنين؟ أو كان عاجزًا عن مقاومة الملك الشرير نفسه؟ لماذا أرسل له الملاك ميخائيل؟ لست أظن أن حديث الملاك هنا يقلِّل من شأن الملاك جبرائيل أو قدرته، إنما يكشف عن روح العمل الجماعي حتى بين السمائيِّين، وأيضًا يعلن عن اهتمام الله بشعبه، فيرسل لا رئيس ملائكة واحد بل أكثر من أجل شعبه. يقول يوناثان: "لأنه ليس للرب مانع عن أن يخلِّص بالكثير أو بالقليل" (1 صم 14: 6). ويقول آسا: "أيُّها الرب ليس فرقًا عندك أن تُساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة" (2 أي 14: 11).
يؤكد رئيس الملائكة جبرائيل أن دوره لم ينتهِ بعد، بل تركه الله عند ملك فارس الذي لا يزال يحمل كراهية ضد الشعب. فإن الله في عدله لم ينهِ حياة ملك فارس، ولا ألزمه بحب المؤمنين، بل ترك له حرية الإرادة يفعل كما يشاء، ولكن من أجل المؤمنين يرسل ملائكة لصد الهجمات التي تحل عليهم من الملك الشرير.
في التقليد اليهودي كما المسيحي يُنظر إلى رئيس الملائكة ميخائيل كحارسٍ لشعب الله (دا 12: 1).
4. خدمة إلهية:

"فلما تكلم معي بمثل هذا الكلام جعلت وجهي إلى الأرض وصَمَت.
وهوذا كشبه بني آدم لمس شفتيَّ،
ففتحت فمي وتكلمت وقلت للواقف أمامي:
يا سيِّدي، بالرؤيا انقلبت على أوجاعي، فما ضبطت قوة.
فكيف يستطيع عبد سيِّدي هذا أن يتكلم مع سيِّدي هذا،
وأنا فحالًا لم تثبت فيَّ قوة ولم تبقَ فيَّ نسمة؟!" [15-17].


يُعلق القديس جيرومعلى هذه العبارات قائلًا: [يليق بطبيعتنا الداخلية أن توجه أنظارها إلى خارج (فترى أننا في ضعف)، وذلك قبل أن تتأهل لمعاينة رؤية الله، لكن ما أن تتحقق فعلًا رؤية الله تتحول طبيعتنا الداخلية إلى الداخل ونصير بكليتنا في تعداد من كتب عنهم في مزمور آخر: "كل مجد ابنة الملك من الداخل، في ثياب ذهبية" (مز 44: 14)].
إذ غُلب دانيال بالضعف مرة أخرى سقط على الأرض. وبلطف اهتم الله به، لكن دانيال كان عاجزًا عن الحديث حتى فتح الرب شفتيه، إذ جعل ملاكه يمس شفتيه...
وإن كان دانيال قد عجز عن الدخول في حوارٍ، سنده الملاك، ليس فقط بالكلمات المشجعة، والكشف عن استجابة صلواته، وإنما بلمسه أيضًا. وكأن الله يؤكد لنا شوقه أن نلتقي مع السمائيِّين، وندخل معهم في شركة حب، لأننا نجتمع معًا لتسبيحه إلى الأبد.
ظهر له الملاك في شبه بني آدم حتى يمكن لدانيال أن يسمع له، ويتلامس معه. في حبٍ مملوءٍ اتضاعًا تظهر لنا الملائكة في شبه البشر، لا من جهة طبيعتهم، بل من جهة شكلهم. وعلى العكس في كبرياء يحاول الشيطان أن يخدعنا ليظهر في شكل ملاك نور (2 كو 11: 14).
يرى البعض أن الذي ظهر في شبه بني آدم هو كلمة الله الذي لمسنا بحبُّه الإلهي، وأعطانا قوة للدخول معه في حوارٍ مفتوحٍ.
مقدمة للنبوة الأخيرة:

"فعاد ولمسني كمنظر إنسانٍ وقوَّاني.
وقال: لا تخف أيُّها الرجل المحبوب (جدًا).
سلام لك.
تشدد، تقوَّ.
ولما كلمني تقويت وقلت: ليتكلم سيِّدي، لأنك قوَّيتني" [18-19].


يقول القديس جيروم: [لو لم يطمئنه الملاك بلمسه كابن الإنسان، فيحرر قلبه من الرعب، ما كان يمكنه أن يسمع أسرار الله. لهذا السبب يقول الآن: "ليتكلم سيِّدي، لأنك قويتني، لأنك جعلتني قادرًا أن أسمع وافهم ما تقوله"].
كان دانيال محتاجًا إلى عملٍ سماويٍ مستمرٍ، إذ عاد ولمسه الملاك، ثم قواه، مؤكدًا له أنه إنسان محبوب جدًا من قبل الله والسمائيِّين، معطيًا إياه السلام، ومشددًا إياه بالوصية الإلهية: "تشدد، تقوَّ".
نحن في حاجة إلى نموٍ روحيٍ دائمٍ، خلال لقائنا المستمر مع الله، وتمتعنا الدائم بالشركة مع السمائيِّين والقديسين. نتلامس معهم، ونتقوَّى بالعمل الجماعي الحيّ، وننصت إلى وعود الله ووصاياه التي ينطقون بها لكي نتشدد.
حياتنا في المسيح تمتع دائم وخبرة غير متوقفة؛ وليست وليدة لحظة معينة بلا نمو!
إذ تحدث معه الملاك وتقوى لم يكتفِ دانيال بذلك، بل طلب المزيد قائلًا: "ليتكلم سيِّدي لأنك قويتني".





"فقال: هل عرفت لماذا جئت إليك؟
فالآن أرجع وأحارب رئيس فارس" [20].
* ما يعنيه هو هذا: حقًا أتيت لأعلمك الأمور التي تتسلمها كإجابة للصلاة، لكنني ها أنا أعود مرة أخرى لأصارع رئيس فارس في عينيّ الله، لأنه لا يريد أن يحرر شعبك من السبيّ .
القديس جيروم




"فإذا خرجت هوذا رئيس اليونان يأتي.
ولكنيَّ أخبرك بالمرسوم في كتاب الحق.
ولا أحد يتمسك معي على هؤلاء إلاَّ ميخائيل رئيسكم" [21].
أرسل الرب الملاك (ربما جبرائيل) لدانيال حيث تحدث معه عن رئيسٍ ثانٍ، هنا يتحدث عن اليونانيِّين. كما أعلن أن الشيطان يبعث بملائكته الأشرار لإثارة الأمم للشرّ، وهو يقوم بخطة محكمة.
لقد أكد الملاك له وجود خطة إلهية سماوية يحتفظ بها الله، ويُعلنها لنا تدريجيًا. وأن الله قد عهد لميخائيل رئيس الملائكة حماية شعبه ضد قوى إبليس وملائكته الأشرار.
لقد أرسله الله إلى الملك الفارسي قمبيز، لكن رسالته لم تنتهِ بعد، فإن المقاومة مستمرة في أيام اليونان كما في أيام فارس لذا يتركه يعمل وسط الملوك المقاومين للحق من أجل حماية المؤمنين البسطاء. وكأن عناية الله لكنيسته بكل وسيلة لا تتوقف عبر الأجيال، وإرساليته لملائكته مستمرة لأن قوى الشر لا تتوقف.
من وحي دانيال 10

لتعلن ليّ مجدك وسط آلامي!


* هب ليّ يا رب مع دانيال روح الصلاة مع الصوم باتضاع.
هب ليّ ألا أطلب طعامًا شهيًا،
بل أجد في اللقاء معك سلامي وفرح قلبي!
لاعترف عن خطاياي وخطايا شعبي بدموعي،
فإن صوت دموعي يرتفع إلى عرش نعمتك!
* كثيرًا مع ظننت أنك نسيتني،
لا تبالي بصلواتي وصرخات نفسي،
اكشف عن عيني فأراك تعمل لأجلي،
تخفي عنيّ أعمالك إلى حين،
حتى لا تتوقف نفسي عن الحوار معك!
* سقطت وارتعبت،
لتلمسني بيدك أيُّها القدُّوس،
لتُسمعني صوتك الذي يملأنيَّ رجاءً.
لتقل ليّ: تشدَد وتقوّ!
كلماتك لها سلطان على أعماقي!
* أرى العالم مقاومًا للحق، ومضطهدًا لكنيستك.
وأرى جبرائيل رئيس ملائكتك يعمل معه ميخائيل العظيم!
تترك للأشرار كمال حريتهم للعمل،
وبحبك تبعث بجنودك السمائيِّين لحمايتنا!
عجيب أنت في عدلك كما في حبك.
لتعلن ليّ مجدك وسط آلامي!
  رد مع اقتباس
قديم 05 - 06 - 2023, 11:58 AM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر دانيال النبي

تفسير سفر دانيال النبي




الرؤيا الأخيرة عن فارس واليونان ونهاية الأزمنة



يحوى هذا الأصحاح تفاصيل نبوية عجيبة لأحداث العالم تخص شعب الله لمدة تزيد عن ثلاثة قرون جاءت مطابقة تمامًا للأحداث التاريخية.
وكما يقول C. Larkine: [هذا الأصحاح هو واحد من أعجب الأصحاحات التي قدمت نبوات تفصيلية دقيقة أكثر من أي أصحاح في الكتاب المقدس. إنها تُطابق تمامًا التاريخ العلماني لملوك مصر وسوريا لأكثر من 350 عامًا. الآيات 5 حتى 31 تُقدم لنا نبوءات عن الحروب التي نشبت بين ملوك الشمال (سوريا) وملوك الجنوب (مصر)].




1. نبوات عن فارس:

"وأنا في السنة الأولى لداريوس المادي وقفت لأشدده وأقويه" [1].
يظن البعض أن الحديث هنا عن مساندة رئيس الملائكة ميخائيل لرئيس الملائكة جبرائيل، ولكن هذا غير مقبول هنا. إنما الحديث لرئيس الملائكة جبرائيل الذي وقف بجانب داريوس الملك وقوَّاه لكي يسند كورش ملك فارس ضد بابل. بمعنى آخر إن كان بعض ملوك فارس يُقاومون الله في شعبه فإن ما نالوه من نصرات هو بسماح إلهي، وبقوة قُدّمت لهم خلال ملائكة الله. هنا لا يفتخر الملاك بقوته وإمكانياته الخاصة، إنما يتحدث كوكيل الله، وباسم الله العامل بملائكته.



"والآن أخبرك بالحق.
هوذا ثلاثة ملوك أيضًا يقومون في فارس،
والرابع يستغنى بغنى أوفر من جميعهم، وحسب قوته بغناه يهيج الجميع على مملكة اليونان" [2].

غاية ما ورد في هذا الأصحاح من نبوات تخص مملكتي فارس واليونان ثم الصراع بين مصر وسوريا، ليس أن تستعرض أحداثًا مستقبلية تثير في النبي حب الاستطلاع، وإنما تُعلن عن عناية الله بكنيسته، وتحث المؤمنين على الاتكال على الله والثقة في عنايته الإلهية حتى في اللحظات الحرجة. حقًا يبدو من الظاهر وجود صراعات عالمية بين الدول العظمى مثل بابل وفارس ومادي واليونان، وبين شقّين من الإمبراطورية اليونانية وهي دولة البطالسة ودولة السلوقيِّين، لكن وراء هذه الأحداث يد الله الخفية التي تحول كل مجريات الأمور لبنيان كنيسته، وأن الله يُعطي لعهده مع شعبه أولوية خاصة حتى وإن لم يلحظ أحد ذلك.
بالرغم من أن هذه النبوة بأكملها أُعطيت في السنة الثالثة لكورش (دا 10: 1)، أشار رئيس الملائكة جبرائيل في وقت مبكر عندما ثبت بطريقة سرِّية داريوس وقوَّاه في السنة الأولى له. هذا حدث غالبًا في الوقت الذي فيه أُلقيَ دانيال في الجب.
يرى البعض أن الثلاثة ملوك الذين كانوا يحكمون في فارس بعد كورش هم:
1. قمبيز Cambyses بن كورش (527-522 ق.م): في أثناء قيامه بمهمة طويلة في مصر اُغتيل أخوه الأصغر ماغوس Magus الملقب سميردس Smerdis.
2. المدعو سميردس (522-521 ق.م): اغتصب المُلك بعد اغتيال سميردس وكان يشبه شكل سميردس، تزوج Pantaptes ابنة قمبيز. وبقيَ في الحكم 7 شهور واغتاله سبعة مجوس.
3. داريوس هيستاسبس Darius Hystaspesأو داريوس الأول (521-486 ق.م.) صار ملكًا، وقد تزوج Pantaptes نفسها زوجة الملك السابق وأنجبت له أحشويرش الذي صار من أغنى الملوك وأشهرهم.
يرى آخرون أن الملاك يقصد بالملوك الثلاثة كورش وابنه قمبيز وداريوس مُستبعدين مغتصب الحكم المخادع "المدعو سميردس".
تحدَث رئيس الملائكة عن ملك رابع فاق الثلاثة ملوك السابقين في الغنى، وهو أحشويرش بن داريوس (480-465 ق.م) الذي تزوج أستير.
يتحدث القديس يوستينوس عن غناه أنه كانت له ثروات كثيرة حتى إن جفت الأنهار بواسطة قواته لا تنفذ ثروته. هذا عبر بجيش تعداده 2641000 نسمة وغلب اليونان. وقد وضع اليونانيُّون في قلبهم أن ينتقموا لأنفسهم الأمر وقد فعلوا ذلك. لقد بقى أربع سنوات يجمع جيشه، لكن ضخامة الجيش الزائدة أفقدته قدرته على تنظيمه، وانهزم في موقعة سلاميس Salamis. بكبريائه واندفاعه اِنهزم أحشويرش، وهرب في مركب صغير، ولم يجد سفينة واحدة تنقذه، مع أن مياه البحر كانت مغطاة بأسطوله الضخم الذي فقده بسوء نظامه. حسبه شعبه غبيًّا في تصرفاته العسكرية، كما احتقروه لأنه قتل أخاه، وسلك سلوكًا شائنًا مع أخته، وارتكب جرائم أخرى.
اعتبر الملاك ما تبقى من ملوك فارس أشبه بالساقطين. إذ انحدرت دولة فارس وتحطمت نفسية الشعب وصار الملوك فيما بعد كأن لا كيان لهم حتى تسلَّط الإسكندر المقدوني على العالم.
يقول القديس جيروم: [يجب ملاحظة أنه بعد أن حصر بعض ملوك فارس بعد كورش حذف السِفر بوضوح التسعة ملوك الآخرين وعبر مباشرة إلى الإسكندر، لأن روح النبوة لا يهتم بتقديم التفاصيل التاريخية، بل يُقدم في اختصار الأحداث الهامة جدًا وحدها ].
2. نبوات عن اليونان:

"ويقوم ملك جبار، ويتسلَّط تسلُّطًا عظيمًا، ويفعل حسب إرادته.
وكقيامه تنكسر مملكته، وتنقسم إلى رياح السماء الأربع،
ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلَّط به،
لأن مملكته تنقرض وتكون لآخرين غير أولئك" [3-4].
يُشير بكل وضوح إلى أنه في الوقت المناسب يقوم الإسكندر الأكبر (356-323 ق.م) وبقدرة عظيمة يهزم فارس وغيرها من الدول. سبق لنا الحديث عن العداوة التي حملها الإسكندر الأكبر لليهود، ولكن في طريقه إلى اليهودية رأى رؤيا تحققت عندما شاهد رئيس الكهنة بثيابه الكهنوتية يستقبله بحفاوة، ويُقدم له نبوات دانيال النبي، ليؤكد له أنه يهزم فارس، ويُقيم مملكة عظيمة. بهذا تحولت عداوته إلى صداقة، وأحسن معاملته لليهود.
مات فجأة في بابل بعد فتوحات ونصرات متوالية وسريعة، لكنه سكر بالنجاح الفائق والغنى، ومات وهو مخمور. لا يعلم أحد إن كان قد مات بمرض أصابه فجأة وهو مخمور لا يُعرف له علاج، أم مات مسمومًا، شرب السم لينتحر أم أخفاه له كاساندر Cassander. قول الملاك "وكقيامه تنكسر مملكته" يعني بعد أن صار الملك الوحيد لكل الشرق اِنهارت مملكته بموته المفاجئ. وقد سبق لنا الحديث عن الصراعات والاغتيالات التي حدثت بعد موته حتى انقسمت مملكته في النهاية بين أربعة من قواده بعد معركة Ipsus.
يقول: "لأن مملكته تنقرض، وتكون لآخرين غير أولئك" [4]. في دقة تحقَّقت هذه النبوة حرفيًّا إذ لم يرث أحد أبنائه العرش، ولا أحد أقربائه بل تسلَّم العرش قوّاد غرباء، مع أنه كان له ابنان هما هيراقليوس والإسكندر الثاني، لكن لم يتولَّ أحدهما الحكم بل قُتلا، أحدهما قبل موت أبيه والآخر بعده.
يقول القديس جيروم: [بجانب الأربع ممالك، أي مقدونية وآسيا الصغرى وسوريا ومصر، تمزقت مملكة المقدونيِّين بين حكام آخرين أقل أهمية وبين ملوك صغار لا كيان لهم. هنا يُشير إلى Perdiccas وLysimachus وCraterus وغيرهم الذين حكموا كبادوكية وأرمينيا وبيثينية وهيراقليا وبوفورس وأقاليم أخرى كثيرة انسحبت من القوة المقدونية وأقامت لنفسها ملوكًا مختلفين(261)].
هذا كله أعلنه الملاك لدانيال النبي قبل ولادة الإسكندر الأكبر بسنين كثيرة.
3. نبوات عن الصراع بين مصر وسوريا:

تتحدث هذه النبوات عن حروب السلوقيِّين مع البطالسة، إذ دخلت هاتان الأسرتان في حروب دائمة ضد بعضهما البعض. وبحكم موقع فلسطين الجغرافي، في المنتصف بين مصر وسوريا كانت هي أرض المعركة للطرفين في أغلب الحالات. ودُعي ملوك مصر بملوك الجنوب، وملوك سوريا ملوك الشمال.
يليق بنا أن ندرك أن هذا القسم يُغطي فترة زمنية طويلة، حوالي قرنين من الزمان، وعندما يتحدث عن ملك الشمال أو ملك الجنوب لا يقصد ملكًا معينًا واحدًا لكل من الدولتين.
أ. الحرب الأولى:

"ويتقوَّى ملك الجنوب.
ومن رؤسائه من يقوى عليه ويتسلط،
تسلط عظيم تسلطه" [5].
كان أول ملك للجنوب (مصر) قويًا هو وامرأته، وهو بطليموس لاغوس Lagus (الأول 323-285 ق.م). كان قويًا وذكيًا وغنيًا، أقوى من أنطيوخس بن سلقوس Seleucus، ملك الشمال (سوريا)، لكنه فيما بعد صار أنطيوخس أقوى وأغنى، إذ ضم إليه بابلونيا ومادي. لقد عرف الملاك ما يبلغه أنطيوخس من عظمة أكثر من بطليموس في المستقبل.
أما المقصود بأحد رؤسائه الذي صار أقوى منه وأكثر سلطة، فيقول عنه القديس جيروم:
[الشخص المذكور هنا هو بطليموس فيلادلفيوس، ملك مصر الثاني، وابن بطليموس السابق ذكره. قيل أنه في عهده قام السبعون بترجمة الكتاب المقدس إلى اليونانية.
لقد أرسل أيضًا كنوزًا كثيرة إلى أورشليم إلى اليعازر رئيس الكهنة وأرسل أوانٍ للهيكل.
كان أمين مكتبته ديمتريس Demetrius of Phalrum رجلًا ذا شهرة بين اليونانيِّين كخطيبٍ وفيلسوف.
جاء عن فيلادلفيوس أنه كان ذا قوة عظيمة فاقت والده بطليموس، إذ يروي عنه التاريخ أنه كان له 200 الفًا من الجنود المشاة، وعشرين الفًا من الفرسان، والفين مركبة، وأربعمائة فيلًا، أول من استوردها من إثيوبيا...
كان كنزه من الذهب والفضة عظيمًا جدًا، وكان دخله السنوي الذي يتسلمه من مصر يبلغ 14.800 قطعة فضة، ويبلغ القمح من نصف مليون إلى مليون إردبًا ].





"وبعد سنين يتعاهدان،
وبنت ملك الجنوب تأتي إلى ملك الشمال لإجراء الاتِّفاق،
ولكن لا تضبط الذراع قوة،
ولا يقوم هو، ولا ذراعه،
وتُسلَّم هي والذين أتوا بها والذي ولدها ومن قوَّاها في تلك الأوقات" [6].
يتنبأ عن أواخر الأيام حيث تمت معاهدة بين ملكيّ مصر وسوريا عام 250 ق.م، وكان طريق هذه المعاهدة هو زواج ملك سوريا ابنة ملك مصر. وبالفعل طلق أنطيوخس ثيوس Antiochus Theos (285-247 ق.م) ثالث ملك لسوريا زوجته لاوديس Laodice ليتزوج بيرينيس Berenice أو بيتونيس Betonice أو برنيس Bernice ابنة بطليموس الثاني (283-246 ق.م) والمدعو فيلادلفيوس. لقد وهب ابنته الآلاف من القطع الذهبية والفضية بلا حصر كمهرٍ (دوطة) لها حتى دعي Phernophoros أي "واهب الدوطة" Dowery-giver (dotalis). وكان هدف بطليموس أن يستخدم زواج ابنته بملك سوريا فرصة لكي يُسيطر على سوريا وكل مملكة أنطيوخس، لكن الخطة فشلت. إذ أن لاوديس، التي بعد أن طلَّقها أنطيوخس احتفظ بها كإحدى السراري وليس كملكة، أثارت أصدقاءها ضد الملك، وقتلت ضُرَّتها بيرينيس ومن حولها. أعاد أنطيوخس زوجته الأولى لاوديس التي قيل أنها قتلته مسمومًا بعد قليل، وأقامت ابنها الأكبر سلقوس كالينيكوس Seleucus Callinicus على العرش، والابن الأصغر أنطيوخس الصغير والمدعو Hierax واليًا على آسيا الصغرى. ويقال أن الابن الأكبر هو الذي استمال بيرنيس ووعدها أنه يهتم بها فاطمأنت إليه، وقام بقتلها هي وابنها بطريقة خسيسة وبشعة. هكذا إذ دخل الغش في حياة الملكين فشل الاثنان.
لقد تحققت النبوة حرفيًا، فقد فشلت خطة ملك مصر تمامًا: فمن جهة لم ينل الملك مأربه بتقديم ابنته زوجة لملك سوريا، وقُتلت الابنة ومن حولها، وأيضًا زوجها الذي كان سندًا لها، كما قُتل ابنها.
ب. الحرب الثانية:

"ويقوم من فرع أصولها قائم مكانه، ويأتي إلى الجيش،
ويدخل حصن ملك الشمال ويعمل بهم ويقوى.
ويسبي إلى مصر آلهتهم أيضًا،
مع مسبوكاتهم وآنيتهم الثمينة من فضة وذهب.
ويقتصر سنين عن ملك الشمال.
فيدخل ملك الجنوب إلى مملكته ويرجع إلى أرضه" [7-9].
يُشير إلى أن فرعًا من عائلة بيرنيس يأتي ويغلب ملك الشمال. بالفعل جمع بطليموس (الثالث) إيرجيتس Ptolemy Euergetes أخ بيرينيس، غالبًا أصغر منها، الملك الثالث لمصر الذي خلف والده فيلادلفيوس، جيشًا عظيمًا للانتقام لأخته. وبالفعل غلب كالينيكوس الذي كان حاكمًا سوريا بالشركة مع أمه لاوديس، وفتح مدنًا كثيرة محصَّنة. لم ينتصر فقط على سوريا، لكنه اقتحم أيضًا كيليكية وبعض المناطق وراء الفرات، وكاد أن يتسلط على كل آسيا. جاءت أخبار عن قيام حركة تمرَّد في مصر جعلت ايرجيتس يسرع بالعودة إلى مصر حاملًا معه المسبيِّين وأيضًا الفين ونصف من التماثيل الذهبية والفضية بعضها جاء بها قمبيز من مصر منذ زمنٍ بعيد، كما حمل 40 ألف وزنةٍ من الفضة. لم يفكر كالينيكوس في الدخول في معركة أخرى مع أيرجيتس، إذ عرف أنه لن يستطيع أن يغلبه أو يسترد ما حمله من غنائم. وقد بقي أيرجيتس ملكًا لمدة 46 عامًا [8]. إذ شعر كالينيكوس بالهزيمة أمام أيرجيتس استنجد بأخيه هيراكس والي آسيا الصغرى، الذي لم يبالِ بصرخات أخيه إذ حسب أنه أولى بالعرش. ودخل مع أخيه فيما بعد في معركة وسقط أخوه عن حصانه ميتًا، بينما بقيَ إيرجيتس ملكًا في مصر 4 سنوات بعد موت ملك سوريا. على أي الأحوال لم يرجع إيرجيتس إلى سوريا.
ج. الحرب الثالثة:

"وبنوه يتهيَّجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة،
ويأتي آتٍ ويغمر ويطمو ويرجع ويُحارب حتى إلى حصنه.
ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويُحاربه أي ملك الشمال،
ويقيم جمهورًا عظيمًا فيُسلَّم الجمهور في يديه" [10-11].
يتنبأ عن ابني كالينيكوس ملك سوريا وهما سلقوس (الثاني) سيرانوس Ceraunus وأنطيوخس الكبير، اللذين جمعا جيشًا للانتقام من المصريِّين بعد موت أيرجيتس. لكن سيرانوس قُتل في فيريجة في السنة الثالثة من حكمه، إذ خانه نيكانور وأباتيريوس Apaturius وهو يستعد للمعركة ضد مصر، تاركًا الحكم لأخيه وحده. صار أنطيوخس الكبير ملكًا مرموقًا، قاد جيشًا ضخمًا ضد مصر. كان في ذلك الوقت بطليموس فيلوباتور الملك الرابع على مصر، وقد حمل لقب فيلوباتور كوصمة عار، لأن الكلمة تعني "المحب لوالده"، بينما قتل والده ووالدته وأخاه، فكرهه الشعب. هذا ما دفع أنطيوخس الكبير للدخول معه في معركة شرسة في رفح سنة 217 ق.م، استخدم فيها الطرفان فيلة ضخمة، لاسترداد ما فقدته سوريا، معتبرين كراهية الشعب لملكهم فرصة للهزيمة. لكن ملك مصر جمع جيشًا عظيمًا يكاد يعادل جيش سوريا. استطاع أن يتحرك سيرانوس بجيشه ويسترد الأراضي السورية المغتصبة، بينما كان ملك مصر المتسم بالجُبن والتهاون يستعد بجيشه العظيم، وإذ التقى بجيش أنطيوخس انتصر عليه في مذبحة عظيمة [11].
لم يغلب فيلوباتور أنطيوخس الكبير بشجاعته وقوته، لكن الرب سمح بذلك ليكسر كبرياء الأخير.
وإذا كان متهاونًا في متابعة نصرته، خاصة وأنه لم يكن يثق فيمن حوله فمع نصرته صنع سلامًا مع أنطيوخس بطريقة غير كريمة [12].


"فإذا رُفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعتز" [12].
يقول المؤرخون أنه كان يمكن لفيلوباتور أن يستولى على سوريا بسهولة، لكنه كان مستسلمًا لشهواته الجسدية وانحلال خلقه مع ارتكابه الكثير من الجرائم. فعند عودته من الحرب قتل زوجته Eurydice وارتكب جرائم كثيرة، كما سلَّم زمام الملك لسيِّدة شرِّيرة لاعبة موسيقى تسمى Agathoclea كما سقط في حب أخيها أغاثوكاليس Agathocles الذي أقامه قائدًا عامًا على مصر.
بعد أن اشتهر بالنصرات فكان الشرق كله يخشاه انغمس في السُكر مع الكسل والتراخي، ولم يعد يشغله شيء سوى الولائم والسهرات والملذات، بهذا ارتفع قلبه إلى سحب نصراته ليسقط منطرحًا في خزي.


"فيرجع ملك الشمال ويُقيم جمهورًا أكثر من الأول،
ويأتي بعد حين بعد سنين بجيشٍ عظيمٍ وثروةٍ جزيلةٍ.
وفي تلك الأوقات يقوم كثيرون على ملك الجنوب،
وبنو العُتاة من شعبك يقومون لإثبات الرؤيا ويعتزون" [13-14].
هنا يعلن الملاك للنبي عن قيام حروب جديدة، فبعد موت بطليموس فيلوباتير، صارت مصر بلا ملك، إذ كان ابنه بطليموس إبيفانس (الخامس 203-181 ق.م) طفلًا صغيرًا يبلغ عمره أربع سنوات وزاد انحراف أغاثوكاليس جدًا وعجرفته فثارت المقاطعات الخاضعة لمصر وتمردت ضد الحكم، ودخلت في مشاكل داخلية كبرى. قام أنطيوخس بالهجوم على مصر، وإذ كانت مصر قد ضعفت جدًا بعثت سفارة إلى روما، وإذ كان الرومان يشتهون مدّ سلطانهم في العالم أرسلوا إلى أنطيوخس يطلبون منه أن يتوقف عن الحرب. بعد محاولات كثيرة فشل في حربه، وأخيرًا انتصر في معركة ضد القائد المصري Scopas على حدود اليهودية. أوضح الملاك أنه لم يقف أنطيوخس الكبير وحده ضد مصر، بل صار لمصر أعداء كثيرون.
صنع أنطيوخس معاهدة مع فيليب الثالث المقدوني، وطلب عون اليهود [13]. رفض الأتقياء من اليهود معاونته لكن بعض اليهود ساندوه.
ماذا نعني ببني العتاة الذين من شعب دانيال يقومون لإثبات الرؤيا؟


يرى القديس جيروم في هذا نبوة عن رئيس الكهنة أونياس الصغير الذي خان مذبح الرب ودنسه في أورشليم. هرب إلى مصر وآخذًا معه عددًا كبيرًا من اليهود، فاستقبلة بطليموس بكرامة عظيمة. قدم له الملك منطقة هليوبوليس تفسير سفر دانيال النبي تفسير سفر دانيال النبي تفسير سفر دانيال النبي (مصر الجديدة)، هناك بنى مذبحًا للرب، مدعيًا أنه يتمم نبوة إشعياء النبي الخاصة بإقامة مذبح للرب في أرض مصر (إش 19: 19)، وذلك كما أخبرنا سفر المكابيِّين وأيضًا يوسيفوس المؤرخ.
يقول القديس جيروم: [إن الهيكل بقي قائمًا حتى عصر فسبسيان لمدة 250 عامًا. وقد دُعيت المدينة نفسها "مدينة أونياس"، وقد خُربت أثناء الحرب بين اليهود والرومان. ولم يعد باقيًا أي أثر للهيكل ولا للمدينة في أيام القديس جيروم.



"فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة،
فلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة المقاومة.
والآتي عليه يفعل كإرادته وليس من يقف أمامه،
ويقوم في الأرض البهية وهي بالتمام بيده.
ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته،
ويجعل معه صلحًا، ويُعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تثبت ولا تكون له" [15-17].
يقول القديس جيروم إن أنطيوخس لكي يسترد اليهودية وبعض مدن سوريا دخل في معركة مع Scopas قائد بطليموس، وذلك بجوار الأردن بقرب مدينة تُسمى Peneas، فهرب سكوباس، لكنه حوصر في صيدون مع عشرة ألاف من جنوده. ولم يعد للمصريِّين قوة للمقاومة، وهكذا جلس في الأرض البهية، فلسطين، التي صارت تحت سلطانه جاء في الترجمة السبعينية "أرض المسرة the land of desire"، ويقصد بها الأرض موضع سرور الله. سبق فأعلن الله لدانيال ما سيحدث حتى متى سقطت فلسطين في أيدي أنطيوخس العنيف لا تتحطم نفسية الأتقياء، بل يدركوا أن الله سبق فأعلن عن ذلك. هكذا تصير هذه النبوة سبب تعزية لهم وسط الضيق والسقوط تحت الألم والاضطهاد. ولكي تصير مصر في قبضة يده أعطى أنطيوخس ابنته الجميلة كليوباترة لبطليموس الشاب، ظانًا أنه بهذا يُخضع مصر تحت سلطانه. لكنها لم تقف بجانبه [17]، بل وقفت بجانب زوجها، فحوّل وجهه من مصر إلى آسيا الصغرى بأسطوله البحري فاستولى على كثير من الجزائر.



"ويحول وجهه إلى الجزائر، ويأخذ كثيرًا منها،
ويزيل رئيس تعبيره فضلًا عن ردِّ تعبيره عليه" [18].
يُقصد بالجزائر آسيا الصغرى وسواحل البحر المتوسط واليونان وقبرص وجميع الجزائر بالبحر. فقد كانت عادة اليهود أن يدعو كل المناطق التي تقع بعد البحر بالجزائر، إذ لم تكن لهم خبرة في الشئون البحرية.
استطاع أنطيوخس بجيش صغير أن يتقدم إلى آسيا الصغرى، وكان معه هانيبال Hannibal الذي بلغت شهرته إلى الرومان وكانوا يرتعبون منه، لهذا لم يكن من الصعب عليه أن يطرد الرومان من كل منطقة يعبر إليها. صار هانيبال صديقًا حميمًا لأنطيوخس، يلازمه كل يوم ويتحدث معه، لكن أنطيوخس شك في إخلاصه. اتجه أنطيوخس نحو اليونان بلا تدبير حسن وفي غير تحفظ، وإذ بلغ خالسيس Chalcis انجذب نحو فتاة جميلة هناك فأقام حفل زواج معها كما لو كان في أرضه في سلامٍ تامٍ. وبحكم شهرته العظيمة افتتح مدنًا كثيرة كانت ترتعب أمامه، وحرَّر هذه المدن من الرومان. وكما يعلن الملاك لدانيال: "ويحوَّل وجهه إلى الجزائر، ويأخذ كثيرًا منها" [18].
برفضه مشورة هانيبال بدأ أنطيوخس ينهار ويحل به العار دون أن يدري، وكان يسخر بالرومان ويعيرهم. لقد احتل في البداية بعض مناطق باليونان التي كانت متحالفة مع القوة الرومانية الناشئة حديثًا، لكن القائد الروماني Acilius أو Lucius Scipio Nasica (ومعه أخوه Publius Scipio Aficanus) استطاع أن يجتذبه إلى ما وراء جبل طورس Taurus ويهزمه في مغنسيا فرد لأنطيوخس تعييراته التي كان ينطق بها ضد الرومان، لهذا يعلن الملاك "ويزيل رئيس تعييره فضلًا عن ردّ تعييره عليه" [18]. بهذا اِنهار أنطيوخس أمام اليونان المتحالف مع روما. وهنا يلوم كثيرون القائد Scipio لأنه ترك كل إمكانيات روما تحت تصرف فيليب المقدوني.




"ويحول وجهه إلى حصون أرضه ويعتز ويسقط ولا يوجد" [19].
ضعف أنطيوخوس أمام القائد الروماني Scipio فعاد إلى بلاده في خيبة أمل لكي يتحصن في بلاده بعد أن فقد الكثيرين [19]، وإذ حاول أن ينهب هيكل جوبيتر دودنيوس Jupiter Dodoneus في اليمايس Elymais بجوار شوشان، ربما لكي يدفع الجزية الرومانية، قُتل هو وجنوده بواسطة الشعب الثائر ضده. لهذا يقول الملاك "يسقط ولا يوجد".
مات أنطيوخس سنة 187 ق.م. وقد تولى بعده المُلك سلقوس فيلوباتو (187-176 ق.م) ويدعوه البعض سيرانيوس Ceraunus والابن الثاني هو ديمتريوس. والثالث أنطيوخس إبيفانس، الآن يتحدث عن خلفه سلقوس قائلًا:



"فيقوم مكانه من يُعبر جابي الجزية في فخر المملكة،
وفي أيام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب؟" [20].
خلفه ابنه سلقوس فيلوباتور، وكان هذا مبالغًا في طلب الضرائب [20] ليدفع الجزية لروما فأرسل رئيس وزرائه Heliodorus إلى أورشليم لينهب الهيكل هناك. بعد قليل اغتال Heliodorus سيِّده، وتولى أنطيوخس إبيفانس الحكم.


"فيقوم مقامه مُحتقر، لم يجعلوا عليه فخر المملكة،
ويأتي بغتة ويُمسك المملكة بالتملقات" [21].
لقد أجمع كل المؤرِّخين أن أنطيوخس إبيفانس كان ماكرًا وعنيفُا إلى أبعد الحدود. إذ بلغ روما خبر موت أبيه أطلقوا سراحه إذ كانوا content (يستخفون) بأخيه ديمتريوس. كان يتملق الرومان، وعند وصوله إلى بلده استقبلوه بحفاوة عظيمة. لم يدم أخوه سلقوس كثيرًا، وكان قد ترك ابنه خلفًا له، لكن استطاع أنطيوخس بخداعه أن يستلم الحكم بلا حق، لذلك يقول عنه الملاك: "لم يجعلوا عليه فخر المملكة" ويكمل "ويُمسك المملكة بالتملُّقات". كيف تم ذلك؟ بخداعه تظاهر أنه رجل سلام مع ابن أخيه، الوارث الشرعي للمُلك، وأنه حارس له... بهذا استطاع أن يسحب المُلك منه.


"وأذرع الجارف تُجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد" [22].
لقد وجد أنطيوخس مقاومة من شعبه الذي اكتشف خداعه واستبعاده لابن أخيه، وأيضًا وجد متاعب من البلاد المحيطة مثل مصر، فقد كان ملكها بطليموس فيلوميتور ولدًا، وكان مشيروه على علاقة طيِّبة بابن سلقوس الذي استبعده عمه، فأرسلوا معونة سرية لمقاومة أنطيوخس. هكذا فعلت بلاد مجاورة كثيرة. لكن كل هذه الأذرع المقاومة انكسرت كقول الملاك هنا، إذ كانت كالسيل الجارف. لكنها سارت قدامه وانهارت. لم يكن ذلك بسبب قوة أنطيوخس وإنما بسماحٍ إلهي، لأن الله سمح بإقامته لتأديب اليهود في ذلك الحين.
من هو رئيس العهد الذي انكسر أمام أنطيوخس؟ يُقصد به بطليموس لأنه يمت بصلة قرابة مع الوارث الشرعي ابن سلقوس.
بطليموس فيلوميتور هذا كان أبنًا لبطليموس فيلوباتور وكليوباترة أخت سلقوس، ومع كونه ولدًا صغيرًا لا يستطيع أن يتحرك بنفسه لكنه كان رئيس عهد بكونه ملك مصر.


"ومن المعاهدة معه يعمل بالمكر، ويصعد ويعظم بقومٍ قليلٍ" [23].
في البداية كان أنطيوخس محتقرًا في سوريا، وكانت هناك محاولات تسندها مصر لكي يستلم الملك الشرعي "ابن سلقوس" الحكم. لكن أرسل أنطيوخس إلى ملك مصر (ابن أخته) يطلب صداقته، خاصة وأن كليوباترة أخت أنطيوخس كانت لا تزال على قيد الحياة. اطمأن بطليموس لخاله أنطيوخس وصارا في صداقة، لكن إذ ثبَّت أنطيوخس أقدامه قام فجأة بحملة قوامها عدد قليل واستولى على بعض مدن مصر من ابن أخته الذي لم يكن يتوقع قيام هذه الحملة.



"يدخل بغتة على أسمن البلاد، ويفعل ما لم يفعله آباؤه، ولا آباء آبائه.
يبذر بينهم نهبًا وغنيمة وغنى،
ويفكِّر أفكاره على الحصون وذلك إلى حين" [24].
استطاع بخداعه لا بقوة عسكرية ضخمة أن يغتصب من ابن أخته بعض مدنه وينهب ويحمل غنائم وغنى إلى بلده، إذ كان المصريُّون يعيشون في ترفٍ. عاد أنطيوخس يفكر كيف يهجم بعد ذلك على بلاد مصر الحصينة كمرحلة ثانية.
لقد فاق أنطيوخس آباءه وأجداده في الخداع، ولم يوجد من يُقارن به، خاصة وأن كسر العهود - خاصة في الشرق - يُعتبر أمرًا مُشينًا، مهما كانت الظروف.


"ويُنهض قوته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم،
وملك الجنوب يتهيج إلى الحرب بجيش عظيم وقوي جدًا،
ولكنه لا يثبت لأنهم يدبِّرون عليه تدابير" [25].
بعد استيلائه على المدن المفتوحة الآمنة ونهبها عاد أنطيوخس يُهيِّئ جيشًا ضخمًا لفتح مصر والهجوم على مدنها الحصينة. كان محتاجًا إلى وقتٍ طويلٍ لتكوين هذا الجيش بعد أن استولى على بلاد كثيرة مجاورة بخداعه. في نفس الوقت أدرك ابن أخيه ميول خاله فاستعد للمعركة العلنية وهيّأ نفسه بجيشٍ عظيمٍ.
[21-25] ركزت على أنطيوخس إبيفانس الذي أشير إليه قبلًا في الأصحاح 8، والذي دعي "ضد المسيح في فترة العهد القديم".
كان رجال قصره يدعوه Epiphanes إبيفانس أي السامي أو البهي، لأنه كان يهتم بالفنون والعمارة وإنشاء مبانٍ ضخمة جميلة وبهية، لكن البعض كانوا يغيِّرون حرفًا واحدًا Epimanes ويعني "المجنون" لأنه كان عنيفًا ومخادعًا ومعتوهًا في تصرفاته.


"والآكلون أطايبه يكسرونه، وجيشه يطمو، ويسقط كثيرون قتلى" [26].
لقد سمح الله لبطليموس أن يُغلب أمام أنطيوخس بخيانة رجاله، لأنه كان منهمكًا في الملذات، طامعًا، غير مبالٍ بشئون بلده.


"وهذان الملكان قلبهما لفعل الشرّ،
ويتكلَّمان بالكذب على مائدة واحدة، ولا ينجح،
لأن الانتهاء بعد إلى ميعاد" [27].
كان الملكان، الخال وابن أخته، شرِّيرين ومخادعين، لهذا إذ انكسر بطليموس رأى الاثنان حاجتهما إلى الصلح والدخول في صداقة حتى يُدبر كل منهما للآخر ما يُحطمه. لقد غلب أنطيوخس ابن أخته لكنه لم يجسر أن يكمل الرحلة، إذ خشي من الانهيار أمام بقية المدن الحصينة. جلس الاثنان على مائدة واحدة، أما قلباهما فكانا مملوئين كراهية وبغضة. هكذا تفعل السياسة بكثيرين، فيفقد الإنسان ثقته في أقرب من له.
يقول الملاك: "لأن الانتهاء بعد إلى ميعاد" [27]، بمعنى أن ما حدث كان في حدودٍ معينة، لكي تتم خطة الله، إذ لم يكن المنتهى قد جاء، لكن الله حدد لكل شيء موعدًا.



"فيرجع إلى أرضه بغنى جزيل، وقلبه على العهد المقدس، فيعمل ويرجع إلى أرضه" [28].
عاد أنطيوخس إلى أرضه، سوريا، ولم يملك مصر، لكنه حمل غنى كثيرًا منها، ثم عاد ليشن حربًا ضد أورشليم والهيكل المقدس، وضد كل اليهود. لقد اضطر أن يترك أورشليم كما ترك الكثير من الخزائن كما جاء في (2 مك 5: 2)، حيث صنع الله عجائب. ضمَّ ما اغتصبه من الهيكل إلى ما سلبه من مصر، وعاد إلى سوريا حاملًا في داخله الرغبة في مقاومة العهد المقدس، أي يقاوم الله نفسه.


"وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب، ولكن لا يكون الآخر كالأول.
فتأتي عليه سفن من كتّيم،
فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس،
ويعمل، ويرجع ويصغي إلى الذين تركوا العهد المقدس" [29-30].
إذ تمت المعاهدة بين أنطيوخس وابن أخته وجلسا معًا على مائدة واحدة، بدون سبب هيأ أنطيوخس جيشه وكسر العهد ودخل مصر واستولى على جزءٍ منها، كما حاصر الإسكندرية وأخذ الملك الولد مسبيًا، في ذلك الوقت جاءت إرسالية رومانية برئاسة Publuis أو Popilusمن كتيم، التي يُقصد بها مقدونيا واليونان وإيطاليا. استقبله أنطيوخس بلطف شديد كعادته، لكن بوبيلس لم ينخدع بل طلب منه كأمر مجلس السناتور أو الشيوخ الروماني أن يترك مصر فورًا. طلب منه مهلة ليتشاور مع أصدقائه ومشيريه، لكن بوبيلس في حزم رسم دائرة حول الملك بالعصا التي في يده، وطلب منه أن يدعو مشيريه ويتفاهم معهم فورًا قبل خروجه من الدائرة، وإلاَّ أعلن الحرب ضده حالًا. لم يستطع أنطيوخس أن يتردد بل سلّم نفسه في أيدي السيناتور ورجع عن مصر. هذا الواقع التاريخي أعلنه الملاك لدانيال النبي.
لم يُحقق أنطيوخس أطماعه في مصر، وعاد في خزي لمجرد كلمة صدرت من السناتور الروماني، فعاد ليوجه كل طاقاته ضد أورشليم والهيكل المقدس؛ في هذه المرة جاء إلى أورشليم بصورة أكثر عنفًا وشراسة من المرة السابقة. عاد يبحث عن خونة للهيكل "تركوا العهد المقدس" من اليهود يستخدمهم ضد الشعب اليهودي والمقدسات الإلهية. وقد تحقق ذلك كما جاء بالتفصيل في (2 مك 3-5).



"وتقوم منه أذرع، وتنجِّس المقدِس الحصين،
وتنزع المحرقة الدائمة، وتجعل الرجس المُخرِّب" [31].
الأذرع التي وقفت مساندة لأنطيوخس هي لأولئك الذين خانوا الله ونسوا الشريعة، فكانوا مساندين للملك الشرِّير ضد الحق الإلهي (2 مك 4).
سمع اليهود خطأ أن أنطيوخس قُتل ففرحوا جدًا ولما سمع بالأمر في طريق عودته عبر بأورشليم وتصرَّف بقسوة شديدة معهم.
التجأ اليهود إلى روما للمساندة فأرسلت روما جيشًا بينما اتجه أنطيوخس لمقاومة القوى اليهودية تحت قيادة المكابيِّين [29]. خضع أنطيوخس لروما ووعد بحفظ السلام، لكن ما أن عادت القوات الرومانية حتى خان الوعد [30]، وساعده في ذلك بعض الخونة من اليهود.
بخداعه المعروف لم يمنع عبادة الله الحيّ، لكنه بدأ أولًا بممارسة العبادات الوثنية في داخل الهيكل جنبًا إلى جنب مع عبادة الله. دنَّس الهيكل حيث وضع تمثال جوبتر أولمبياس Jupiter Olympius فيه، بعد ذلك وأوقف العبادة اليهودية، وأقام نفسه إلهًا، وذبح خنزيرًا على المذبح. ثار الأمناء الأتقياء ضده تحت قيادة أسرة المكابيِّين الأبطال، فقُتل منهم الآلاف. ما فعله يُحسب "رجسه خراب للهيكل" رمزًا لرجسة الخراب التي ستحدث في أواخر الدهور والتي أشار إليها السيِّد المسيح (مت 25: 24).


"والمتعدُّون على العهد يغويهم بالتملُّقات.
أمّا الشعب الذين يعرفون إلههم فيقْوون ويعملون" [32].
يوضح الملاك كيف انقسم الكهنة وأيضًا الشعب إلى فريقين، فريق خدعته تملقات أنطيوخس، وآخر تمسكوا بمعرفة الله فيهبهم الله قوة وفهمًا أكثر.
وكما يقول القديس جيروم: [إنه لا يشك أحد بأن هذا سيحدث أيضًا في أيام ضد المسيح، حيث يقاومه كثيرون ويهربون منه في اتجاهات كثيرة. ويفسِّر اليهود هذه الأمور عن خراب الهيكل على يديّ فسبسيان وتيطس، ويقولون إن كثيرين ممن أقامهم عرفوا ربهم وقتلوا من أجل حفظهم شريعته].
يقول القديس جيروم: [نقرأ في المكابيِّين أنه وُجد من تظاهروا بأنهم أوصياء على شريعة الله، وأخيرًا دخلوا في عهد مع الأمم... لكن في رأيي هذا سيحدث في أيام ضد المسيح حين تبرد محبة الكثيرين. عن هؤلاء يقول ربنا في الإنجيل "ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلَّه يجد الإيمان على الأرض؟! (لو 18: 8)].


"والفاهمون من الشعب يُعلِّمون كثيرين.
ويعتزُّون بالسيف وباللَّهيب وبالسبي وبالنهب أيامًا.
فإذا عثروا يُعانون عونًا قليلًا، ويتصل بهم كثيرون بالتملُّقات" [33-34].
رفض الحكماء بين الشعب (غالبًا من الكهنة) تملُّقات أنطيوخس وعلَّموا كثيرين أن يستهينوا بكل وسائل العذابات سواء كان القتل بالسيف أو الحرق بالنار أو سبيهم أو نهب ممتلكاتهم، حاسبين هذه كلها أمجادًا وكرامة.
هنا دعوة لاتباع المخْلصين والأمناء في علاقتهم بالله، وعدم الانسياق وراء المتملِّقين أيَّا كانت رتبتهم أو مركزهم. كما هي دعوة للكهنة والقادة أن يقبلوا السيف ويستهينوا بالنار ولا يفقدوا إخلاصهم لله وتمسكهم بالوصية الإلهية، فإنهم وإن بدوا كأنهم قد سقطوا، وليس من عونٍ إلا القليل، مثل المكابيِّين الذين لم يلتصق بهم إلاَّ القلة القليلة الأمينة، يلزمهم ألاَّ يهتموا بالأمجاد الزمنية والمديح.


"وبعض الفاهمين يعثرون امتحانًا لهم للتطهير وللتبييض إلى وقت النهاية.
لأنه بعد إلى الميعاد" [35].
هنا يؤكد أنه يسقط بعض الفاهمين، ولعلَّه يقصد هنا السقوط بالسيف أو بالحرق بالنار، لكن هذا لا يعني عدم مساندة الله لهم، إنما يسمح بذلك لخلاصهم، من أجل تزكيتهم في النهاية، حيث يتطهرون ويبيضون بعمل الله فيهم أثناء معاناتهم من الضيق. يُحسبون شهداء عبروا النيران فتنقوا كالذهب الخالص.
هكذا كان الله يُهيِّئ نفوس المكابيِّين ومن على شاكلتهم ليس منذ لحظة ولادتهم، بل وقبل خلقتهم... حتى متى تحرَّكوا للعمل وشاهدوا المقاومة يرجعوا إلى نبوات دانيال فيتشددوا ولا يخافوا.
يقول القديس هيبوليتس الروماني: [صار أنطيوخس ملكًا على سوريا، ملك في السنة 107 من مملكة اليونان. وفي نفس الوقت أثار حربًا ضد بطليموس ملك مصر وغلبه ونال سلطانًا. في عودته من مصر صعد إلى أورشليم في سنة 103، حاملًا معه كل كنوز بيت الرب، واتجه إلى أنطاكية. بعد عامين أرسل الملك جابيًا للضرائب إلى مدن اليهودية ليجبر اليهود على ترك شرائع آبائهم ويخضعهم لسنن الملك. جاء وحاول أن يُلزمهم بذلك، قائلًا: "تعالوا، وتمموا أوامر الملك فتحيون". أما هم فأجابوا: "لا نأتي ولا نتمِّم أوامر الملك، إننا نموت طاهرين؛ فقام بذبح ألفًا من النفوس" (1 مك 2: 33). بهذا تحقق ما قاله دانيال: "ويعثرون بالأتعاب والمجاعة والسيف والسبي" (دا 11: 33). ويضيف دانيال: "يعانون عونًا قليلًا" (دا 11: 34). إذ قام متياس في ذلك الحين ويهوذا المكابي لمعاونتهم وتخليصهم من أيدي اليونان].
فجأة تحولت الرؤيا إلى نهاية الأزمنة ومجيء ضد المسيح في تفصيل عن شخصه وأعماله الشرِّيرة.

4. نهاية الأزمنة - ضد المسيح:

[36-39] تقدم نفس الشخصية الواردة في (دا 7: 8؛ 9: 26) عن "القرن الصغير"، هنا يدعوه الملك الذي يعمل حسب إرادته [36].
ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظَّم على كل إله،
ويتكلَّم بأمورٍ عجيبةٍ على إله الآلهة،
وينجح إلى إتمام الغضب لأن المقْضي به يُجرَى.
ولا يُبالي بآلهة آبائه، ولا بشهوة النساء، وبكل إله لا يبالي،
لأنه يتعظَّم على الكل" [36-37].
اختلف اليهود في تفسيرهم للنص السابق، فالبعض ظن أن الملاك يتحدث عن أنطيوخس إبيفانس وآخرون ظنوا أن الحديث هنا عن الرومان مثل فسبسيان وابنه تيطس، أو الدولة الرومانية ككل. أما آباء الكنيسة فرأوا أن الحديث هنا عن ضد المسيح وليس عن أنطيوخس، لأن ما ورد بعد ذلك لا ينطبق عليه. وإن كان البعض رأى أن الحديث عن الدولة الرومانية المتشامخة، التي أقام بعض الأباطرة أنفسهم آلهة، وطلبوا من الشعب السجود لتماثيلهم وصورهم.
يضع هذا الشخص السالك بإرادته الذاتية فوق كل شيء مثل لوسيفور (إش 14: 13-14)، حتى فوق الله نفسه. يمثل تمجيد لذاته، الأمر الذي يقاومه الإيمان المسيحي.
ينسب لنفسه كرامات إلهية وينطق بعجائب (تجديفات) ضد الله، إله الآلهة. إذ قيل أنه لا يبالي بإله آبائه، هذا دعي البعض بالقول أن ضد المسيح سيكون يهوديًا جاحدًا للإيمان.
ما جاء هنا عن ضد المسيح بكونه حاكمًا يعيد إقامة الدولة الرومانية وأنه يقاوم اليهود جعل البعض يظنون أنه مسيحي جاحد الإيمان.
الكلمة العبرية "إله آبائه" هيElohim وهي التي تترجم آلهة بهذا يظن أنه يحتقر كل الديانات التي لآبائه. الإله الوحيد الذي يؤمن به هو القوة والعنف، إله القدرة العسكرية.

أما "شهوة النساء"
فكما يقول القديس جيروم: [إنه يوجد تفسيرين لهذا التعبير، أما أنه يُقصد به طلب شهوة النساء أو جحد هذه الشهوة كما سيفعل ضد المسيح الذي سيتظاهر بالعفة لكي يخدع الكثيرين.
يرى البعض أنها تُشير هنا إلى رغبة اليهوديات أن يحبلن بالمسيَّا. وربما تعني أنه لا يبالي بالنساء ورغباتهن. يُقال أن هتلر كان من هذا النوع. في القرن السادس عشر وُجد رأيان رفضهما كالفن، الأول هو أن المقصود هنا هو "البابا" إذ جاء في الفصل السابع من المجلد الأول للمجامع قوانين البابا
Siricius حيث قيل إن الذين في الجسد لا يسرُّون الله، حاسبين أن الزواج أقرب إلى الزنا. أما الرأي الثاني فهو الرغبة في النساء حيث يُسمح للشخص بالارتباط بأكثر من زوجة شرعيًا. ويرى البعض أن الحديث هنا عن الأباطرة الرومان الذين اشتهروا بكراهيتهم لزوجاتهم ولجنس النساء بوجه عام.
يقول القديس جيروم: [إن النص هنا ينطبق على ضد المسيح وليس على أنطيوخس لأن الأخير حاول أن يُلزم اليهود والسامريِّين أن يُعيِّدوا لآلهته، وأنه أقام تماثيل لآلهة اليونان، أما ضد المسيح فهو لا يبالي بآلهة آبائه، بل يُقيم نفسه إلهًا.



"ويكرم إله الحصون في مكانه،
وإلهًا لم تعرفه آباؤه
يُكرمه بالذهب والفضة وبالحجارة الكريمة والنفائس.
ويفعل في الحصون الحصينة بألَّه غريب.
من يعرفه يزيده مجدًا،
يُسلطهم على كثيرين،
ويقسم الأرض أُجرة" [38-39].
يتحدث هنا عن "ضد المسيح"، الإله الذي لم يعرفه آباؤه وهو يعني "نفسه"، إذ ينسب لنفسه الكرامات الإلهية، ويطلب كل غنى وسلطان لذاته، فهو الإله الغريب. وسيقدم هدايا للذين يخضعون له، وينخدعون به.
يرى البعض أن هذا ينطبق أيضًا على الدولة الرومانية التي رفضت عبادة الله الحيّ، وكان إلهها هو القوة والحصون المنيعة، وحب السلطة مع طلب الجزية والمكاسب المادية من الدول التي تستعمرها. لقد أقام الأباطرة لأنفسهم أو لآلهتهم تماثيل من الذهب والفضة والحجارة الكريمة والنفائس. كانوا يحسبون أنفسهم أعظم وأقوى من الآلهة، ليس من يقدر أن يبلغ إليهم. وكانوا أيضًا يتطلَّعون إلى "روما" بكونها الإله الذي يجب تكريمه فوق كل الآلهة.
لم يكن يجسر اليونانيُّون على مهاجمة الآلهة أيّا كانت، أما الرومان فكثيرًا ما كانوا يتظاهرون بتكريم حتى الآلهة الغريبة للشعوب الأخرى، لكنهم أيضًا كانوا يسخرون بالآلهة وينادون بإنكارها حاسبين أن دولتهم وكيانهم فوق كل اعتبار.


"ففي وقت النهاية يُحاربه ملك الجنوب،
فيثور عليه ملك الشمال بمركباتٍ وبفرسانٍ وبسفن كثيرةٍ،
ويدخل الأراضي ويجرُف ويطمو.
ويدخل إلى الأرض البهية،
فيعثر كثيرون، وهؤلاء يفلتون من يده أدوم وموآب ورؤساء بني عمون.
ويمد يده على الأراضي، وأرض مصر لا تنجو.
ويتسلَّط على كنوز الذهب والفضة وعلى كل نفائس مصر.
واللوبيُّون والكوشيُّون عند خطواته.
وتفزعه أخبار من الشرق ومن الشمال،
فيخرج بغضبٍ عظيمٍ ليخْرب وليحرم كثيرين.
وينصب فسطاطه بين البحور وجبل بهاء القدس ويبلغ نهايته ولا معين له" [40-45].
[40-45] تقدم لنا بعض أحداث الأيام الأخيرة التي للملك المعتد بذاته وغيره.
يلاحظ أنها تقدم لنا ثلاثة شخصيات:
1. الملك المعتد بذاته "ضد المسيح".
2. ملك الجنوب (مصر).
3. ملك الشمال (سوريا).
يقول القديس جيروم: [إننا نقرأ أن أنطيوخس حقق هذا جزئيًا، لكن إذ نلاحظ ما جاء بعد ذلك تفصيليًا "وسيعبر على اللوبيِّين (الليبيِّين) والكوشيِّين (الأثيوبيِّين)" فإن مدرستنا تصر أن يناسب ذلك بالأكثر ضد المسيح. فإن أنطيوخس لم يفتتح ليبيا قط، هذه التي يفهمها أغلب الكتَّاب على أنها شمال أفريقيا، ولا أثيوبيا ].
سيُقيم ضد المسيح مركزه في أورشليم، ويمتد سلطانه إلى البحار [45]، خاصة البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت. سيُقيم مركزه على الجبل البهي المجيد، أي جبل صهيون. ومع كل ما يبلغه من قوة وسلطان فإنه لن يقدر أحد أن يسنده؛ سينهار ضد المسيح أمام إيليا وأخنوخ اللذان يسندان الكنيسة في عصره ويهيِّئان المؤمنين لمجيء السيِّد المسيح الأخير.
يقول القديس جيروم: [مدرستنا الفكرية تصر على أن ضد المسيح سوف يهلك في نفس البقعة التي فيها صعد الرب إلى السماء (جبل الزيتون)].
من وحي دانيال 11

ليعبر التاريخ، ولتأتِ آخر الأزمنة!

* في قبضتك التاريخ كلُّه،
وليس شيء مخفيًا عنك.
يقوم جبابرة وينهار آخرون.
تُقام عهود، يحفظها البعض، ويكسرها آخرون.
مملكة تصارع مملكة،
والتاريخ يطوي هذه وتلك.
* ليعبر التاريخ وينطوي بكل أحداثه،
ولتأتي آخر الأزمنة.
سيبث ضد المسيح كل سمومه؛
لكن مسيحنا الغالب قادم حتمًا!
لتأتٍ أيُّها الغالب، وليتمجَّد مؤمنيك!




  رد مع اقتباس
قديم 06 - 06 - 2023, 03:06 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر دانيال النبي

تفسير سفر دانيال النبي







الضيقة العظيمة والقيامة



يرى القديس هيبوليتس الروماني أن دانيال تحدث عن الضيقة العظيمة أو رجسة الخراب التي تحققت جزئيًّا وعلى مستوى محلي في أيام أنطيوخس إبيفانُس، وتتحقق على مستوى العالم كله في أواخر الدهور أيام ضد المسيح . لكن الكثير من الآباء، خاصة القديس جيروم، يرون أن الحديث هنا واضح عن ضد المسيح وانقضاء الدهر.
1. الضيقة العظيمة:

"وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك،
ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أُمَّة إلى ذلك الوقت،
وفي ذلك الوقت يُنجي شعبك كل من يوجد مكتوبًا في السفر" [1].
إذ يُفتتح الأصحاح بالتعبير: "وفي ذلك الوقت" [1] ، واضح أنه يكمل ما جاء في الأصحاح السابق. ففي قمة سلطان ضد المسيح يقوم رئيس الملائكة ميخائيل ويعمل لحساب الكنيسة (كما جاء في رؤ 12) ، وذلك في فترة الضيقة العظيمة التي يعلن عنها السيَّد المسيح (مت 24: 15-22).
وسط الضيق يُنجي الله شعب دانيال، أي كنيسة المؤمنين المكتوبة أسمائهم في سفر الحياة. أنها تتعرض دومًا للضيق، لكنها ليست منسية أمام الله، بل كلما اشتدت الضيقة أظهر الله بالأكثر اهتمامه بها. أنها في يد مخلصها السيَّد المسيح الذي يعمل لبنيانها، ويستخدم ملائكته ورؤساء ملائكته لحمايتها.
2. القيامة:

"وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون،
هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي.
والفاهمون يضيئون كضياء الجلد،
والذين ردُّوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور" [2-3].
يعتبر البعض سفر دانيال هو أول سفر في العهد القديم يتحدث بوضوح وبقوة عن القيامة ويحدِّد زمانها. عندما يأتي يوم الرب العظيم ويضيء الحكماء الذين أطاعوا الله ككواكب أبدية. وإن كان قد حُسب هذا الأمر فوق قدرة دانيال نفسه، إذ يقول: "وأنا سمعت وما فهمت" [8].
يحاول البعض أن يميز بين قيامتين هنا، إحداهما للمُلك الألفي والأخرى للحياة الأبدية، لكن واضح أن الحديث هنا عن قيامةٍ واحدةٍ ودينونةٍ أبدية، ومجدٍ أو عذابٍ أبديٍ.
* أما هؤلاء السادة والمعلمون الذين لهم معرفة الناموس، فسيضيئون كالسماء، والذين يحثون الشعوب المتخلفة عن الإيمان على الاهتمام بعبادة الله فيتلألأون ككواكب في الأبدية.
القديس جيروم
* لنهرب بكل قوتنا من معوقات هذا العالم ونطلب بعض الساعات حيث نستطيع أن نكرِّس أنفسنا للصلاة أو قراءة الكتاب المقدس لأجل خلاص نفوسنا. هذا يحقق فينا المكتوب: "والفاهمون يضيئون كضياء الجلد".
الأب قيصريوس
* بعد أن يتحطم ضد المسيح ويهلك بنفخة فم المخلص، سيخلص الشعب المكتوب في سفر الله، وذلك حسب استحقاق كل واحدٍ؛ فيقوم البعض لحياة أبدية، والبعض الآخر لعارٍ أبدي.
يُشبه المعلمون بالسموات عينها، ويُقارن الذين يعلمون الآخرين ببهاء الكواكب. فإنه لا يكفي أن يعرف الإنسان الحكمة بل يليق به أن يُعلمها للآخرين.
لسان التعليم الذي يبقى صامتًا ولا يبني أحدًا لا ينال مكافأة.
القديس جيروم
* يعين الرب المتواضعين، ويتحول المتواضعون إلى كواكبٍ. إذ "يشرق الأبرار مثل الكواكب" كما يقول دانيال.
القديس جيروم
3. خاتمة:

"أما أنت يا دانيال فأخفِ الكلام، واختم السفر إلى وقت النهاية.
كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد" [4].
أُمر دانيال أن يُختم على السفر حتى "إلى وقت النهاية"، لكن المعرفة تزداد، وإن كان يبقى الإنسان كما في لغز حتى يتحقق ما ورد في السفر تمامًا. ربما قصد بالختم هنا بقاء النبوات غير واضحة حتى يتحقق الخلاص في ملء الأزمنة، وتنكشف أسرار المجيء الثاني كما في سفر الرؤيا (رؤ 22: 10) . لهذا يرى كثير من الدارسين أن سفر الرؤيا هو مفتاح سفر دانيال.
يرى القدِّيس إيريناؤس أن الوحيّ الإلهي طلب من دانيال أن يختم على النبوة، لأنه لا يستطيع أحد أن يدركها حتى يأتي السيَّد المسيح الذي هو غاية النبوات، فيدرك المؤمنون سرّها،
إذ يقول: [الكنز المخفي في الكتب المقدسة هو المسيح، حيث أُشير إليه خلال الرموز والأمثال. وحيث أن طبيعته البشرية لم يكن ممكنًا فهمها قبل تحقيق هذه الأمور المُتنبأ عنها، أي قبل مجيء المسيح، لذلك قيل لدانيال النبي: "اخفِ الكلام، واختم السفر إلى وقت النهاية، حتى يتعلَّم كثيرون وتكمل المعرفة. في ذلك الزمان عندما يتحقق التدبير فسيعرفون كل هذه الأمور" (راجع دا 12: 4، 7). فإن كل نبوة - قبل تحققها - تكون بالنسبة للبشر لغزًا وغموضًا. لكن عندما يحل الوقت وتتحقق النبوات تصير واضحة ويصبح تفسيرها أكيدًا].


يقول القديس هيبوليتس الروماني: [الأمور التي نُطق بها قديمًا بواسطة الناموس والأنبياء كلها قد خُتمت، ولم تكن معروفة للناس، هذا يعلنه إشعياء بقوله: "السفر المختوم الذي يدفعونه لعارف الكتابة قائلين: اقرأ هذا، فيقول: لا أستطيع لأنه مختوم" (إش 29: 11). إنه لائق وضروري أن تكون الأشياء التي نطق بها الأنبياء قديمًا مختومة بالنسبة للفرِّيسيين غير المؤمنين، الذين ظنُوا أنهم يفهمون حرف الناموس، بينما تكون مكشوفة بالنسبة للمؤمنين. لقد كانت الأمور القديمة مختومة، أما الآن فبنعمة الله الرب جميعها مكشوفة للقدِّيسين. فقد كان هو نفسه (الله) هو الختم والكنيسة هي المفتاح: "الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح"، كما يقول يوحنا (رؤ 3: 7)... لهذا السبب يقول الملاك لدانيال: "اختم الكلمات، فإن الرؤيا إلى وقت النهاية". أما بالنسبة للمسيح فلا يُقال "اختم" بل فك الأشياء التي كانت مربوطة قديمًا، لكي بنعمته تُعرف إرادة الآب، ونؤمن بذاك الذي أرسله لخلاص البشر، ربنا يسوع].
يقول القديس جيروم[ذاك الذي أعلن الحق من جوانب متعددة لدانيال يعلن أن الأمور التي قالها سرية. وقد طلب منه أن يطوي الدرج الحاوي لكلماته، ويضع ختمًا على السفر. فتكون النتيجة أن كثيرين يقرأونه ويسألون عن تحقيقه عبر التاريخ، ويختلفون في آرائهم (تفاسيرها) بسبب غموضها العظيم.
بقوله "كثيرون يتصفَّحونه" [4] أو "يعبرون فيه"، يُشير إلى أن كثيرين يقرأونه...
وأيضًا في رؤيا يوحنا يُرى سفر مختوم من الداخل والخارج. وإذ لم يقدر أحد أن يتأهل لفك ختومه يقول يوحنا: "فصرت أنا أبكي...وجاءني صوت: لا تبكِ كثيرًا، هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه" (راجع رؤ 5: 4).
أما ذاك السفر فيمكن أن يُفتح بواسطة من يتعلم أسرار الكتاب ويفهم حقائقه المخفية وكلماته التي تبدو مظلمة بسبب عظمة الأسرار التي تحويها. أنه هو الذي يستطيع أن يشرح الأمثال ويحوِّل الحرف الذي يقتل إلى الروح الذي يحيي .
القديس جيروم


"فنظرت أنا دانيال وإذا باثنين آخرين قد وقفا،
واحد من هنا على شاطئ النهر، وآخر من هناك على شاطئ النهر.
وقال للرجل اللآبس الكتَّان الذي من فوق مياه النهر:
إلى متى انتهاء العجائب؟
فسمعت الرجل اللآبس الكتَّان الذي من فوق مياه النهر،
إذ رفع يُمناه ويسراه نحو السموات،
وحلف بالحيّ إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف.
فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه.
وأنا سمعت وما فهمت. فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه.
فقال: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية.
كثيرون يتطهَّرون ويبيضُّون ويُمحَّصون.
أما الأشرار فيفعلون شرًا ولا يفهم أحد الأشرار، لكن الفاهمون يفهمون" [5-10].
لكي يختم دانيال السفر رأى ملاكين آخرين واللآبس الكتَّان، أي كلمة الله قبل التجسُّد (دا 6: 10). سأله أحد الملاكين عن مدة هذه الضيقة، وجاءت الإجابة إلى زمان وزمانين ونصف زمان ، أي إلى ثلاث سنوات ونصف. وهو نصف الأسبوع الذي تحدث عنه دانيال قبلًا، فترة الاضطهاد المُرّة جدًا ، تنتهي بكسر عهد الملك المفترس.
يقول القديس جيروم: [إن الزمان والزمانين والنصف زمان لا يمكن أن يُقصد بها الثلاث سنوات ونصف التي فيها دنس أنطيوخس الهيكل كما ادعى بورفيري، لأن هذا يقتضي أن الغالب يتمتع بملكوت أبدي، وأن كل الملوك يخضعون له ويطيعونه، وهذا لم يحدث. إنما واضح أن الحديث هنا عن ضد المسيح الذي يملك لمدة 1290 يومًا أو ثلاث سنوات ونصف.
إن كان قد طُلب من دانيال أن يختم السفر، لأنه يحوي أسرارًا لا يعرفها الجميع، وإن كان دانيال نفسه يقول: "وأنا سمعت وما فهمت" [8]، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن من كان طاهرًا ومُقدسًا سيفهم ما قيل ويصير حكيمًا، أما الأشرار فلا يفهمون. المعرفة والحكمة هنا أمر نسبي فبلاشك أدرك دانيال الكثير من أسرار انقضاء الدهر، لكن كما في مرآة، أو خلال الظل، لكن تزداد المعرفة بالنسبة للمؤمنين وتنكشف أمور كثيرة.
* لقد علق بأنه إذ يأتي المنتهى سينقص الأشرار الفهم، بينما المثقفون بتعاليم الله فسيستطيعون أن يفهموا. لأن الحكمة سوف لا تدخل النفس المنحرفة، ولا يمكنها أن تُفصح عن نفسها لجسدٍ خاضع للخطايا.
القديس جيروم




"ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المُخرب ألف ومائتان وتسعون يومًا.
طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مائة والخمسة والثلاثين يومًا" [11-12].
يُحدد المدة بالأيام لا السنوات 1290 يومًا وتعني ثلاث سنوات ونصف، تُعاني فيها الكنيسة من الضيق الشديد، مضافًا إليها 45 يومًا (1335 يومًا)، ولعل هذه الفترة هي ما بين قتل ضد المسيح ومجيء السيَّد المسيح. أنها فترة راحة ليرجع ويتوب من انحرف وراء ضد المسيح، وفي نفس الوقت فترة تذكية للمؤمنين حيث يترقبوا بفرح مجيء المسيح بعد الخلاص من ضد المسيح. لذلك يطوِّب دانيال النبي من ينتظر ويبلغ 1335 يومًا.
يقول القديس جيروم: [واضح أن الثلاث سنوات ونصف قبلت بخصوص زمن ضد المسيح، فإنه سيضطهد القدِّيسين لمدة ثلاث سنوات ونصف أو 1290 يومًا، وعندئذ سيواجه سقوطه على الجبل الشهير المقدس. وهكذا منذ الوقت الذي فيه يمنع الـ Endelekismos والتي تُترجم "الذبيحة الدائمة"، أي من الوقت الذي فيه يملك ضد المسيح على العالم ويمنع عبادة الله إلى يوم موته فإن الثلاث سنوات ونصف أو الـ1290 يومًا تتم].
* يعني بهذا أنه مطوَّب من ينتظر خمسة وأربعين يومًا بعد الرقم المعين (1290)، لأنه في هذه الفترة سيأتي ربنا في مجده. ولكن السبب في الخمسة وأربعين يومًا بعد قتل ضد المسيح أمر مستقر في معرفة الله، اللهم إلاَّ إذا قلنا أن حكم القدِّيسين يتأجل لكي يُمتحن إيمانهم . (بمجيء المسيح الأخير).
القديس جيروم


"أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام" [13].
أخيرًا يطلب من دانيال أن يستريح حتى يقوم حين يأتي رب المجد القائل "ها أنا آتي سريعًا" (رؤ 22).
* من هذه الملاحظة يظهر بوضوح أن كل نص النبوة خاص بقيامة كل الأموات، الوقت الذي فيه سيقوم أيضًا النبي.
القديس جيروم
في القرن السادس عشر يقول جون كالفن إن بعض المفسرين يضيفون الرقمين معًا (1290 + 1335) فيكون الناتج حوالي 2600 عامًا، ولما كانت النبوة حوالي 600 ق.م، إذن سيكون مجيء السيَّد المسيح مع نهاية العالم بعد 2000 عامًا من مجيئه الأول. وقد رفض كالفن هذا التفسير(283).
ويعلق البعض على قول السيَّد المسيح في مَثل "السامري الصالح": "وفي الغد لما مضى أخرج دينارين، وأعطاهما لصاحب الفندق، وقال له: اعْتنِ به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك" (لو 10: 35)، مستخدمين التفسير الرمزي، بأن السيَّد المسيح قد أودع النفوس الجريحة في هذا العالم بين يدي الكنيسة المجاهدة لمدة 2000 عامًا. فإن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، فالديناران يُمثِّلان ألفين عامًا بعد خدمة المسيح، أي يرجع السيَّد المسيح كما إلى الفندق مع بداية القرن الواحد وعشرين.
قدم نيافة الأنبا ديسقورس بحثًا في سفر دانيال يكشف فيه عن قرب انقضاء العالم، كما ظهرت آراء في الغرب تؤيد سرعة انقضاء العالم. هذا وقد رأى بعض العلماء أن اتِّساع ثقب الأوزون، من الجانب العلمي، سبَّب تحركًا لكتلة ثلجية ضخمة في منطقة القطب الجنوبي لمسافة حوالي 3 كيلومترات وأن تحرُّكها بهذا المعدل سيؤدي إلى اختلال مغناطيسية وتوازن الكرة الأرضية مما يسبب حدوث زلازل قوية وبراكين تنتهي بتحطيم الكرة الأرضية بعد عام 2000 بسنوات قليلة.
كان لظهور هذه الآراء انعكاساتها القوية في الشرق والغرب بين مؤيد ومعارضٍ. لكن مما لاشك فيه أنه عند ظهور "ضد المسيح" سيكتشف المؤمنون أن ما ورد بسفر دانيال كان واضحًا تمامًا للأتقياء، وذلك كما أدركت كنيسة العهد الجديد منذ بداية انطلاقها مع أتقياء اليهود أن الأزمنة الخاصة بمجيء المسيح كانت صريحة وواضحة.
ما أود أن أوضحه هنا، أنه منذ صعود السيَّد المسيح والكنيسة بفرح تترقب مجيئه سريعًا، في يقين أنه قادم، وأنه قادم سريعًا، لكن في غير استهتار بالالتزامات الزمنية ولا تراخٍ. وقد كشف لها السيَّد المسيح عن علامات مجيئه الأكيدة لكي تستعد بالصبر وتواجه الضيقات، خاصة الضيقة العظيمة ورجسه الخراب، كما تستعد بالفرح والرجاء أن لها نصيبًا معه في الأحضان الأبوية. أما الآن فيظن كثيرون أن ترقب مجيء السيَّد المسيح يُعتبر نظرة سوداوية تشاؤمية تبعث على التراخي والتهاون في الالتزام بالمسئوليات، هذا يكشف عن ضعف إيمان وعدم التهاب القلوب بالفكر الأخروي السماوي.
إنه قادم حتمًا! وستعبر الأزمنة سريعًا، ونفرح ونتهلَّل بقيامتنا مع الأموات، ولقائنا معه على السحاب.
من وحي دانيال 12

نعم! لتنقضِ الأزمنة!


* من أجلنا خلقت الزمان لنمجدك فيه،
ومن أجلنا ينقضي الزمان لنتمجَّد معك أبديًا.
نعم! لتنقضِ الأزمنة!
لتأت أيُّها الحبيب إلينا،
أو لتحملنا بروحك القدُّوس إليك،
إننا نتعجَّل اللقاء معك!
* لتفتح عيون قلوبنا،
فنراك قادمًا الآن إلى أعماقنا،
ونرى أنفسنا عابرة إليك تنعم بحضرتك!
  رد مع اقتباس
قديم 06 - 06 - 2023, 03:41 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر دانيال النبي

تفسير سفر دانيال النبي





ملحق لتفسير سفر دانيال

ضد المسيح

في كتابات الآباء



الاهتمام بظهور ضد المسيح وانقضاء الدهر:

إذ تحدث سفرًا دانيال ورؤيا يوحنا اللاهوتي عن ضد المسيح، آثرت أن أقدم ملحقًا لتفسير سفر دانيال عن "ضد المسيح في كتابات آباء الكنيسة"، خاصة وأن موضوع "ضد المسيح وانقضاء الدهر" يشغل العالم في وقتنا الحاضر أكثر من كل عصرٍ سابقٍ. فقد ذكر منذ سنوات قليلة أحد مشاهير الوُعاظ بالولايات المتحدة الأمريكية أن الأسئلة التي قُدمت له في سنة واحدة عن انتهاء العالم أكثر بكثير من عدد الأسئلة في نفس الموضوع لمدة عشرين سنة سابقة إن جُمعت معًا. هذا يكشف عن المشاعر الشعبية حتى في الدول المتقدمة من جهة اقتراب انقضاء الدهر.
تزايدت التساؤلات في الأعوام الأخيرة للأسباب التالية:
· ظهور دولة إسرائيل، وكأن الصيف قد اقترب لأن شجرة التين قد صار غُصنها رخصًا، وأخرجت أوراقها (مت 24: 32، مر 13: 28).
· يتساءل البعض عما إذا كانت إسرائيل ستقبل الإيمان بالسيَّد المسيح في آخر الأزمنة كقول الرسول بولس (رو 11). لقد نمت حركة التبشير بالإيمان المسيحي بين اليهود، وظهر المركز المسيحي اليهودي The Jewish Christian Center بأمريكا... واهتم الكثير بالكرازة بين اليهود حتى داخل إسرائيل.
· مناداة أحد الحاخامات المشهورين الذي قبل الإيمان بالسيَّد المسيح بأن ما يترقبه اليهود ليس المسيَّا بل ضد المسيح، وأنهم يهيِّئون لظهوره دون أن يدروا.
· ظهور بعض التسابيح اليهودية التي تتغنى بأن المسيَّا قد وُلد فعلًا، ويترقب بعض اليهود مجيئه سريعًا.
· الصراع الخطير بين اليهود والدول المحيطة بخصوص إقامة الهيكل من جديد الذي اندثر تمامًا منذ سنة 70 م. حتى اليوم، أكثر من تسعة عشرة قرنًا...
· بعيدًا عن الجو السياسي، يتساءل كثير من المسيحيين:
* هل يسمح الله ببناء الهيكل وقد أكد السيَّد المسيح أنه يخرب إلى الأبد (مت 23: 38؛ لو 13: 35)، وقد فشلت المحاولات السابقة في إقامته؟
* هل يسمح الله ببناء الهيكل حيث يُقيم ضد المسيح مركزه الروحي فيه ويبث سمومه ضد الكنيسة في العالم، فيتحقق القول الرسولي عن ظهور إنسان الخطية في هيكل الرب؟
* هل تُقدم ذبائح حيوانية بعد أن بطلت كل هذه القرون بذبيحة السيَّد المسيح الفريدة؟ وما موقف السماء منها إن قُدمت؟
إن التصريحات الإسرائيلية بالعمل على بناء الهيكل، بجانب ما تسببه من مشاكل سياسية، الأمر الذي يشغل رجال السياسة، تُثير في نفوس بعض المسيحيين في العالم كله تساؤلات بخصوص انقضاء الدهر.
· بجانب العوامل السابقة تُثير تصريحات بعض العلماء عن اتساع ثقب الأوزون وما قد يسببه من دمار الأرض تمامًا بالزلازل والبراكين ما يُثير الكثيرين في هذا الأمر.
موعد المجيء الثاني للسيد المسيح:

فيما يخص موعد المجيء الثاني للسيد المسيح، تُثار في السنوات الأخيرة تساؤلات كثيرة، خاصة وأن كثيرين حاولوا عبر مختلف العصور حساب الأزمنة والأوقات، وقد استعان أغلبهم بسفري دانيال والرؤيا بقصد تحديد موعد مجيئه وانقضاء الدهر.
الرأي الأول: لا يعرف أحد هذا الموعد:

أ. قيل لدانيال: "اخفِ الكلام، واختم السفر إلى وقت النهاية" (دا 12: 4). هذا يحمل في نفس الوقت احتمال معرفة دانيال للنهاية، لكنه يلتزم بإخفائها.
تحدث السيَّد المسيح صراحة أن ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعلم بها أحد من البشر، ولا ملائكة السموات، وأنه ليس للبشر أن يعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه وحده (مت 24: 36، 42؛ مر 12: 32-33).
يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه: [وقد حرم عليهم معرفتها، وليس ذلك فقط، وإنما الشوق إلى الاهتداء إلى معرفتها ممنوع، لأنه ليس لهم أن يعرفوا تلك الأزمنة ].
ب. الشعور بقرب مجيء السيَّد المسيح أمر لازم عبر كل الأجيال، لكي يكون الكل مستعدًا، وكما قيل:
"فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا، قد تناهى الليل وتقارب النهار" (رو 13: 12).
"غير تاركين اجتماعنا كما لقومٍ عادة، بل واعظين بعضنا بعضًا، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب" (عب 10: 25).
"لأنه بعد قليل جدًا سيأتي الآتي ولا يُبطئ" (عب 1: 37).
"وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت، فتعقلوا واصحوا للصلوات" (1 بط 4: 7).
"هوذا الديان واقف قدام الباب" (يع 5: 9).
"ها أنا آتي سريعًا" (رؤ 3: 11؛ 22: 7، 12، 20).
الرأي الثاني: أن العلامات أكيدة والمجيء اقترب:

لقد سبق فحدد كثيرون موعد انقضاء الدهر، خاصة الذين اعتقدوا في المُلك الألفي الحرفي، إذ ظنوا أنه كما خلق الله العالم في ستة أيام هكذا سينتهي العالم بعد ستة آلاف سنة، لأن اليوم عند الرب كألف سنة (2 بط 3: 8)، ثم تبدأ راحة الرب في اليوم السابع (المُلك الألفي) وفي اليوم الثامن يكون مجيئه للدينونة. فمع بدء الألف السابعة للعالم يأتي المسيح ثانية ليملك على الأرض لمدة ألف سنة، مثل القديس إيريناؤس وكوموديانوفيكتوريانوس ولاكتانتيوس .
إن تركنا العلامات التي يمكن أن تنطبق على كل الأجيال، فإن عصرنا هذا يتسم بعلامات خاصة تؤكد سرعة المجيء، وقد سبق لنا الحديث عنها مثل عودة اليهود وإقامة إسرائيل، والصراع بخصوص إقامة هيكل لليهود، وشعور بعض اليهود أن المسيَّا قد وُلد فعلًا.
هذا وما أن يُعلن اليهود عن قبولهم لشخصٍ ما أنه المسيَّا المنتظر يكون قد تأكد المؤمنون أنه ضد المسيح، وأنه لن يبقى سوى 1290 يومًا، وهي فترة حكمه المُرَّة وقتله ثم فترة انتظار (45 يومًا) لتوبة الراجعين وتزكية المؤمنين.
الآن نقدم عرضًا لما ورد عبر التاريخ بخصوص ضد المسيح.
ضد المسيح في الكنيسة الأولى:

منذ انطلاق الكنيسة للعمل الكرازي والتعبدي بعد العنصرة كانت توجه أنظار أولادها إلى حقيقتين أخرويتين:
1. مجيء السيَّد المسيح الأخير، حيث يحمل كنيسته معه إلى حضن أبيه، لتشاركه مجده. الآن تتمتع الكنيسة بحلول السيَّد المسيح في وسطها وسكناه في قلوب المؤمنين، لينعموا بعربون مجده الداخلي، وتلتهب قلوبهم بالشوق كي تراه وجهًا لوجه قادمًا على السحاب.
2. مجيء ضد المسيح، المقاوم للحق، والذي يدخل في معركة حاسمة أخيرة لحساب إبليس في أواخر الأزمنة. يبث ضد المسيح كل أنواع الخداع والفساد، إن أمكن أن يضل حتى المختارين. ويعد لهذا المضل أضداد للمسيح في كل عصر.
* ضد المسيح في العصر الرسولي:

يتحدث القديس يوحنا الحبيب عن أضداد المسيح في عصره، قائلًا: "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روحٍ بل امتحنوا الأرواح، هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم... هذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم" (1 يو 4: 1-3). هكذا يُحذرنا القديس يوحنا من أضداد المسيح الذين هم أنبياء (معلمين) كذبة لا ينطقون بالحق. وفي نفس الوقت يوجه القديس بولس أنظارنا إلى ضد المسيح الذي يرتبط مجيئه بحالة ارتداد خطيرة في نهاية الأزمنة، إذ يقول: "لأنه لا يأتي (يوم المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولًا، ويُستعلن إنسان الخطية، ابن الهلاك، المقاوم، والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى أنه يجلس في هيكل الله كإلهٍ، مظهرًا نفسه أنه إله" (2 تس 2: 3-4).
* في عصر الآباء الرسوليين:

يحدثنا واضع الديداكية (القرن الثاني - بعض نصوصها ترجع إلى القرن الأول) عن ضد المسيح بكونه مضلل العالم، الذي يدَّعي أنه ابن الله، يحكم على الأرض ويصنع آيات وعجائب ويضطهد المؤمنين. لكن تتحقق النصرة الكاملة للسيد المسيح بظهور علامة (الصليب) في السموات المفتوحة، ويُسمع صوت البوق، ويقوم الأموات. عندئذ يأتي السيَّد المسيح ومعه جميع قديسيه على سحب السماء.
هذا ويربط واضع الديداكية بين مجيء السيَّد المسيح وانتشار البغضة والكراهية مع الظلم.
يدافع القديس بوليكربس أسقف سميرنا عن التجسد الإلهي، وموت السيَّد المسيح على الصليب، حاسبًا أن من ينكرهما هو ضد المسيح ومن الشيطان والابن البكر لإبليس .

* القديس يوستين الشهيد (حوالي 100-165):
يتحدث عن إنسان الخطية بكونه إنسان الارتداد الذي ينطق بما هو ضد العليّ، ويتجاسر بارتكاب أعمالٍ شريرةٍ ضد المسيحيين .

* القديس إيريناؤس:
يقول: [مع كونه لصًا ومرتدًا يهتم أن يُعبد كإله، ومع كونه عبدًا مُجردًا يرغب في إقامة نفسه ملكًا؛ وإذ يحمل قوة إبليس يأتي لا كملكٍ بارٍ خاضع لله، وإنما كإنسانٍ مُقاوم، فيه يتركز كل ارتداد شيطاني، مُخادعًا الناس بكونه الله... ].
يرى القديس إيريناؤس وكيرلس الكبيرأن ضد المسيح يقوم بتجديد الهيكل اليهودي في أورشليم كمركز لعمله. بينما يرى القديسون يوحنا الذهبي الفم وأغسطينوس وجيروم والأب ثيؤدرت أنه يتربع في هيكل الكنيسة المسيحية. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "إنه يجلس في هيكل الرب ليس فقط في أورشليم، وإنما في كل كنيسة".
على أي الأحوال إن كان السيَّد المسيح قد جاء إلى العالم ليكرس كل قلب كهيكلٍ مقدسٍ للثالوث القدوس، وخلال هذا التقديس يعود للهيكل الإلهي قدسيته، فإنً ضد المسيح يأتي ليهدم القلوب ويفسد الهيكل القائم مغتصبًا إيّاه لحسابه، كما يفسد كنائس الرب ويضطهدها.

* العلامة ترتليان (160-240 م. تقريبًا):
ساد في القرون الأولى اعتقاد بأن هذا الإنسان يظهر بعد زوال الدولة الرومانية، وكانوا يتطلعون إلى الإمبراطورية كقوة مقاومة لظهوره. يقول العلامة ترتليان: [أي عائق له إلاَّ الدولة الرومانية، فإنه سيظهر الارتداد كمقاومٍ وضد المسيح].
كما يقول: [نلتزم نحن المسيحيون بالصلاة من أجل الأباطرة واستقرار الإمبراطورية استقرارًا كاملًا، فإننا نعرف أن القوة المرعبة التي تهدد العالم يعوقها وجود الإمبراطورية الرومانية. هذه القوة التي لا نُريدها، فنصلي أن يؤجل الله ظهورها... بهذا تظهر إرادتنا الصالحة لدوام الدولة الرومانية ].
يرى أن ضد المسيح قد اقترب مجيئه جدًا، فيقول: [إنه الآن على الأبواب، يتوق إلى دم المسيحيين لا إلى الأموال ].

* العلامة أوريجانوس:
يتحدث العلامة أوريجانوس عن الآيات الشيطانية التي تتبع ضد المسيح وجودها، لكنها آيات خادعة وعاجزة، إذ لا تقدر أن تغير طبيعتنا الفاسدة إلى طبيعة مقدسة، ولا أن تهب نموًا في الحياة الفضلي، بل أن الممارسين لها أنفسهم لا يسلكون في نقاوة.
يرى العلامة أوريجانوس أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعها إنما يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق. فظهور المسيح يسوع شمس البر في أواخر الدهور ويقضى تمامًا على ظلمة عدو الخير ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
إذ اتبع العلامة أوريجانوس منهج التفسير الرمزي جاء تفسيره للأصحاح 24 من إنجيل متى (Comm. in Matthaeum on 24:3-4) رمزيًا، فيرى ضد المسيح هو التفسير الزائف للتعليم المسيحي والفضيلة المسيحية. أما أحداث الأزمنة الأخيرة فهي:
* المجاعة التي تسبق مجيء السيَّد المسيح هي مجاعة المسيحي للمعنى الذي هو تحت سطح الكتاب، أي المعنى الروحي أو الرمزي المختفي وراء الحرف.
* الأوبئة هي الخطابة المؤذية للنفس التي يستخدمها الهراطقة والغنوسيون.
* الاضطهادات هي التعاليم الباطلة التي يشوه بها المخادعون الحق المسيحي.
* رجسة الخراب في الموضع المقدس هو التفسير الخاطئ للكتاب المقدس.
* السحاب الذي يظهر عليه السيَّد المسيح هو كتابات الأنبياء والرسل التي تعلن عنه في النفس.
* السماء التي نتمتع بها هي الأسفار المقدسة التي تقدم لنا الحق.
* النصرة النهائية هي إعلان الإنجيل في العالم.
استخدام العلامة أوريجانوس للتفسير الرمزي هنا لا يعني إنكار مجيء ضد المسيح كشخصٍ حقيقيٍ وذلك في أواخر الأزمنة.

* القديس هيبوليتس أسقف روما (القرن الثالث):
في مقاله "عن المسيح وضد المسيحDe Christo et Antichristo" الذي اعتمد فيه على اقتباسات من العهدين: القديم والجديد، قال إن التاريخ سينتهي بظهور طاغيةٍ عنيفٍ، يقلد المسيح لكي يغلب كل الأمم لحسابه . سيقوم ببناء الهيكل في أورشليم، ويكون أساسه السياسي هو مملكة روما (بابل الجديدة).
سيدعو ضد المسيح كل الشعب لتبعيته، ويغويهم بوعود باطلة، ويكسب الكثيرين إلى حين. ولكن إذ يبلغ الأمر إلى القمة يأتي الرب ويسبقه النبيان يوحنا المعمدان وإيليا؛ يأتيان بمجدٍ، ويجمعان مؤمنيه معًا في موضع الفردوس . سيحدث حريق ويسقط رافضو الإيمان تحت الحكم العادل. عندئذٍ يقوم الأبرار إلى الملكوت والخطاة إلى نارٍ أبدية .
يفترض القديس هيبوليتس أن ضد المسيح سيكون يهوديًا، ويحدد أنه من سبط دان، ويشترك القديس إيريناؤس معه في ذات الرأي.
وفي تفسيره سفر دانيالCommentary on Daniel الذي يُعتبر أقدم تفسير آبائي للسفر بين أيدينا، يربط القديس هيبوليتس بين مملكة ضد المسيح ونهاية العالم التي تتم بعد 6000 عامًا من الخليقة حيث يستريح الرب في اليوم السابع.

* كوموديان Commodian:
توجد قصيدتان شعريتان باللاتينية ترجعان إلى النصف الثاني من القرن الثالث أو إلى القرن الرابع، وهما منسوبتان لكوموديان، أول مسيحي لاتيني شاعر، هما Carmen de Duobus populis, Instructions يتحدثان عن الأيام الأخيرة هكذا:
سيقوم نيرون من الجحيم كضد المسيح يُحارب الكنيسة، وسيقف أمامه إيليا النبي الذي يرجع إلى العالم . وأن المسيح الغاش هو إعادة حياة نيرون الذي سيصنع معجزات في اليهودية. وتشير القصيدة Carmen عن مجيء ضد آخر للمسيح في الشرق، بينما تُشير القصيدة الأخرى إلى ظهور ضد واحد للمسيح، وهو نيرون الذي يأتي إلى أورشليم بعد نصرته على الغرب وخداعه لليهود الذين يقبلونه بكونه المسيَّا.

* القديس أثناسيوس الرسولي (حوالي 295-373):
إذ ذاقت الكنيسة الأمرّين من أريوس، تطّلع البابا أثناسيوس إليه كضد المسيح، لكن لا بروح الخوف والقلق، بل بروح النصرة والغلبة على الشر. ففي رسالته الفصحية العاشرة يقول: [كيف يُذكى طول الأناة ما لم تأتِ أولًا اتهامات ضد المسيح الباطلة والمخادعة؟!] دعي أريوس "السابق" لضد المسيح، الذي يُهيء لمجيء ضد المسيح. وقد دافع عن حرم وعزل الكنيسة لأريوس أنه بإنكاره لاهوت السيَّد المسيح اقترب جدًا من ضد المسيح.

* القديس كيرلس الأورشليمي (تنيح عام 364م):
يُقدم لنا القديس كيرلس الأورشليمي حديثًا عن ضد المسيح في مقاله الخامس عشر الخاص بمجيء السيَّد المسيح في مجده، جاء فيه:
1. إن البغضة بين الإخوة هي الطريق الذي يُهيء لضد المسيح، وهو في هذا يتفق مع ما ذكره السيَّد المسيح أنه في الأيام الأخيرة تبرد محبة الكثيرين، كما يتفق مع ما ورد في الديداكية.
2. تم الارتداد بظهور الهرطقات.
3. أرسل الهراطقة روّاده للضلال الجُزئي حتى يأتي لينقَض على الفريسة.
4. يُقيم نفسه إمبراطورًا على روما، فيخدع اليهود البسطاء المُنتظرين المُلك المادي، ويخدع الأمم بالعجائب المُخادعة.
5. مُدة حكمه ثلاث سنوات ونصف تنتهي بظهور السيَّد المسيح في مجده من السماء.
يقول: ["فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي في المكان المقدس. ليفهم القارئ" (مت 24: 15). وأيضًا "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا" (مت 24: 23).
إن كراهية الإخوة تفسح الطريق لمجيء ضد المسيح. لأن الشيطان يصنع الانقسام بين الناس حتى يقبلوا المزمع أن يأتي. لكن الله منع أي خادم من خدام المسيح أن يذهب إلى هنا أو هناك نحو العدو ].
[وإذ يكتب الرسول بولس في هذا الأمر يُعطي علامة واضحة إذ يقول: "لأنه لا يأتي (هذا اليوم) إن لم يأت الارتداد أولًا..." (2 تس 2: 3-10).
هكذا كتب بولس، وقد تم الارتداد إذ ارتد الناس عن الإيمان المستقيم، فالبعض يتجاسر ويقول إن المسيح أُوجد من العدم. كان الهراطقة من قبل ظاهرين، أما الآن فالكنيسة مملوءة هراطقة مستترون، إذ ضل الناس عن الحق وصموا آذانهم (2 تي 4: 3). هل يوجد مقال مملوء اعتدادا؟‍! الكل ينصت إليه بفرح! هل توجد كلمة للإصلاح؟ الكل يتحول عنها!
تحول الغالبية عن الكلمات الصحيحة واختاروا بالأحرى الكلمة الشريرة بدلًا من الصالحة. هذا هو الارتداد، والعدو يتطلع إليه فقد أرسل جزئيًا رواده حتى يأتي فينقض على الفريسة.
اهتم بنفسك يا إنسان ولتكن نفسك في أمان.
الكنيسة تحملك المسئولية أمام الله الحيّ، فهي تخبرك عما يخص بضد المسيح قبل أن يأتي. وإننا لا نعلم إن كان يأتي في أيامكم أو بعدكم، لكن يليق بكم إذ تعرفون هذه الأمور أن تحترسوا...].
[لكن كما أنه كان يليق به (بالمسيح) من قبل أن يأخذ الناسوتية وكان منتظرًا أن يولد الله من عذراء، فقد خلق الشيطان خداعًا بإيجاد روايات عن آلهة كذبة تلد وتولد من نساء، لكي بوجود الأكاذيب لا يُصدق الحق. وهكذا أيضًا إذ يأتي المسيح مرة أخرى، فإن المقاوم يستغل فرصة انتظار البسطاء خاصة الذين من أهل الختان، فيأتي رجل ساحر نابغ في فنون السحر والعرافة مخادع ماكر يأخذ لنفسه سلطان إمبراطور روما ويُنصب نفسه مسيحًا كذابًا، وتحت اسم المسيح يخدع اليهود المنتظرين مجيء المسيح ويغوي الأمم بأضاليله السحرية].
[هذا المسيح الكذاب السابق ذكره يأتي بعد انتهاء أزمنة إمبراطورية روما عندما تقترب نهاية العالم. سيقوم عشرة ملوك لروما ضد بعضهم، ربما يحكمون في مناطق مختلفة، لكنهم يقومون في زمن واحد، بعد هذا يأتي الحادي عشر أي الضد للمسيح الذي بخداعاته السحرية يغتصب القوة الرومانية، ومن هؤلاء العشرة ملوك الذين كانوا يحكمون سابقًا"
"يذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24) والسبعة يخضعهم لسطوته. في البداية يلبس مظهر اللطف والتعقل والحنو، وبالعلامات الكاذبة والعجائب السحرية المخادعة يخدع اليهود كما لو كان المسيح المنتظر. بعد هذا يُظهر كل أنواع الجرائم الوحشية والشرور، فيفوق كل الأشرار والملحدين الذين سبقوه، مستخدمًا روح قتال عنيفٍ جدًا ضد كل البشرية خاصة المسيحيين، فيكون بلا رحمة مملوء غشًا.
وبعد ثلاث سنوات وستة أشهر فقط تتحطم هذه الجرائم بالظهور المجيد لابن الله الوحيد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الحقيقي من السماء، حيث يسحق ضد المسيح فمه ويلقيه في نار جهنم].
[لسنا نُعلم بهذا من اختراعنا، بل تخبرنا به الكتب المقدسة الإلهية التي في الكنيسة وخاصة ما جاء في نبوة دانيال التي قرأت منذ قليل، كما فسرها رئيس الملائكة جبرائيل قائلًا "الحيوان الرابع مملكة رابعة على الأرض تفوق سائر الممالك" (دا 7: 23). ومعروف في تقليد مفسري الكنيسة أنها مملكة الرومان. فكما كانت المملكة الأولى التي ذاع صيتها هي مملكة الآشوريين، والثانية هي مملكة مادي والفرس معًا. وبعد هذا المملكة الثالثة هي المقدونيون، والرابعة هي مملكة الرومان. ثم يستمر جبرائيل في التفسير قائلًا "قرونه العشرة هم عشرة ملوك سيقومون ويقوم بعدهم آخر الذي يفوق في الشر كل سابقيه: (ليس فقط يفوق العشرة بل كل سابقيه)". "ويذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24). واضح أنهم من العشرة ملوك السابقين... إنه "يتكلم بكلام ضد العليّ" (دا 7: 25). أنه يكون مجدفًا وشريرًا، لا يأخذ المملكة عن آبائه بل يغتصبها بالسحر ].
[(من هو هذا؟ وما هو نوع عمله؟)
فسِّر لنا يا بولس. يقول "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2 تس 2: 9). مظهرًا أن الشيطان يستخدمه كأداة عاملًا في شخصه، ومن خلاله. فإذ يعلم أن دينونته لن تتأخر بعد كثيرًا، يصنع حربًا ليس خلال وكلائه كعادته بل يصنعها علنًا من ذلك الحين فصاعدًا. مستخدمًا "آيات وعجائب كاذبة". لأن أب الكذب يعمل أعمال الكذب حتى يظن الناس أنها ترى الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون والعمي يبصرون مع أنهم لم يشفوا حقيقة].
[يقول أيضًا "المُقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا... حتى أنه يجلس في هيكل الله".
يجلس في هيكل الله".
أيّ هيكل هذا؟ لئلا يُظن أننا نفضل أنفسنا فإنه متى جاء لليهود على أنه المسيح راغبًا في أن يكون موضع عبادتهم، يعطي اهتمامًا للهيكل لكي يخدعهم تمامًا مُدعيًا أنه من نسل داود وأنه سيبني الهيكل الذي شيده سليمان هذا الذي متى جاء ضد المسيح لن يجد فيه حجر على حجر كما حكم بذلك مخلصنا...
إنه سيأتي "بآيات وعجائب كاذبة" رافعًا نفسه على كل الأصنام، فيتظاهر أولًا بمحبة الإحسان، لكن يعود فيظهر طبعه الذي لا يعرف الرحمة وخاصة ضد قديسي الله. إذ قيل "وكنت أنظر وإذا هذا القرن يُحارب القديسين" (دا 7: 21). وفي موضع آخر قيل "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا 12: 1). مرعب هو هذا الوحش، تنين عظيم لا يهزمه إنسان، مستعد للافتراس، هذا لنا أن نتكلم عنه الكثير مما ورد في الكتب الإلهية، لكننا نكتفي الآن بهذا حتى لا نتعدى حدود المقال].

* لاكتانتيوس (القرن الرابع):
يتحدث عن ضد المسيح قائلًا إنه سيأتي عدو قدير من أقصى الشمال ، في وقتٍ فيه يتدمر جو الجنس البشري الطبيعي. أخيرًا يظهر ملك سرياني ابن الشيطان مخرب للجنس البشري ومدمرٍ له. هذا الملك هو ضد المسيح الحقيقي ، الذي يطالب بالتعبد له؛ يصنع المعجزات، ويقتل النبي الذي سيرسله الله لكي يجمع شمل شعبه. بعد ثلاث سنوات ونصف من اضطهاده للمؤمنين يرسل الله الملك العظيم يسوع المسيح من السماء ليُخلص المؤمنين، ويهلك ضد المسيح مع كل قواته. وسيقوم كل المؤمنين ليدينوا من لم يعرفوا الله، هؤلاء الذين حُكم عليهم بالفعل وسقطوا تحت الدينونة، لكنهم كانوا ينتظرون الموت الثاني والقيامة النهائية. بهذا يُلقى الأشرار في النار الأبدية، وهي نار إلهية تحيا بذاتها لا تحتاج إلى ما يشعلها، وتُبقي على من تستهلكه.
يفهم أيضًا من كلماته أن كل البشرية تدخل هذه النار، لكن الأبرار لا يحترقون "لأن فيهم ما هو من الله يقاوم قوة اللهيب ويستخف به".
يؤكد لاكتانتيوس أن دينونة المؤمنين لن تتم بعد الموت مباشرة بل في مجيء السيَّد المسيح. ويعتقد لاكتنتيوس أن الأبرار سيحكمون مع المسيح على بقية الأمم لمدة ألف سنة من السلام والرخاء العجيب.

* تيخون الأفريقي (القرن الرابع):
اعتقد تيخون الذي اتبع الدونستين أن ضد المسيح قد ظهر في أيامه في أفريقيا (مات عام 380 م)، وأنه سيعلن في كل العالم.
رأى أن ضد المسيح إلى أيامه كان يضطهد كنيسة المسيح الحقيقية بطريقة غير مباشرة وملتوية، يحمل مظهر القداسة مقدمًا سرّ الشر المخفي . لكنه قد حان الوقت لظهوره علانية كشخصية حقيقية ويعلن عن أتباعه، فانه لا يعود ينطق بتجاديف على الله بطريقة خفية تحت ستار الدين وإنما يتحدث أمام الكل.
في نفس الوقت تنمو الكنيسة -جسد المسيح- على الدوام في مجدٍ غير منظورٍ، بجهادها المخفي . وإذ تنتهي فترة النمو الغامضة هذه ويكمل عدد القديسين، يحل الشيطان من الهاوية الروحية حيث هو محبوس الآن، ويخطئ شعبه علانية ويعطلوا كرازة الكنيسة. ولا يكون أمام القديسين إلاَّ بذل دمائهم. حتى تستمر شهادتهم للإنجيل في كل الأرض بالرغم من الضيقة الشديدة والمقاومة .
الأيام الأخيرة بالنسبة له ليس فقط وقتًا للإعلان فحسب بل ولتطهير الكنيسة. بعد ذلك يُرسل الملائكة لجمع حصاد العنب من كرم الرب، وتُبنَى المعصرة خارج المدينة (رؤ 14: 1). فيُعزل الخطاة عن جماعة المسيح. يقول: "من لا يتعذب الآن بالتوبة سيتعذب حتمًا فيما بعد في جهنم".

* القديس يوحنا ذهبي الفم:
يتطلع إلى نيرون بكونه ضد المسيح الذي ظن في نفسه إلهًا. كما يقول: [دعاه: الارتداد، لأنه سيُهلك كثيرين ويجعلهم يرتدون، إن أمكن حتى المختارين أن يضلوا (مت 24: 24). دعاه: إنسان الخطية، لأنه يصنع شرورًا بلا حصر، ويثير الآخرين لفعل ذلك، ودعاه: ابن الهلاك لأنه هو نفسه أيضًا يهلك ].
شدة الهجوم الذي يشنه إنسان الخطية تجعل البعض ينظرون إليه أنه الشيطان بعينه، لذلك يتدارك القديس يوحنا ذهبي الفم ذلك بقوله: ["هل هو الشيطان؟ لا، إنما هو إنسان يبث فيه الشيطان كل أعماله" ].
ربما تُثير فينا كلمات الرسول بولس "والآن تعلمون ما يَحجزُ حتى يُستعلن في وقته، لأن سرّ الاثم الآن يعمل فقط إلى أن يُرفع من الوسط الذي يَحجزُ الآن (2 تس 2: 6-7) التساؤلات التالية:
ما هو هذا الحاجز الذي يعوق استعلان إنسان الخطية؟
ولماذا كتب الرسول بأسلوب غامض؟
وكيف يرفع من الوسط؟
يُجيب القديس يوحنا ذهبي الفم بأن في عصره ساد رأيان:
الرأي الأول: أن الحاجز هو الروح القدس الذي يعوق قيام إنسان الخطية حتى يحل الوقت المحدد. هذا الرأي يرفضه القديس يوحنا ذهبي الفم.
والرأي الثاني: أن الحاجز هو "الدولة الرومانية" التي تقف عائقًا عن ظهوره. وقد قبل القديس هذا الرأي مُتطلعًا إلى نبوة دانيال التي يفسرها هكذا: إن الدولة البابلية قامت على أنقاض مادي، وقام الفرس على انقاض بابل، والمقدونيّون (الدولة اليونانية) على انقاض سابقتها، والرومانية على أنقاض اليونانية، ويكون ذلك قبل مجيء المسيح يسوع ربنا ليملك على كنيسته في السموات إلى الأبد. ففي رأيه أن الرسول أخفي ما هو الحاجز لكي لا يُثير الإمبراطور الروماني ضد الكنيسة بكونها تتنبأ عن نهاية الدولة الرومانية وحلول ضد المسيح مكانها.

* القديس أمبروسيوس:
يبيد السيَّد المسيح "ضد المسيح" بروحه القدوس: [لا ينال (المسيح) نعمة تُوهب له، إنما يمثل الوحدة التي بلا انقسام، حيث لا يمكن أن يوجد المسيح بدون الروح، ولا الروح بدون المسيح، إذ وحدة اللاهوت لا تنقسم].

* القديس أغسطينوس:
يرى القديس أغسطينوس أن السيَّد المسيح قد جاء إلى اليهود يطلب مجد الآب فرفضوه، وسيأتي ضد المسيح يطلب مجد نفسه فيحسبوه المسيا المنتظر: [إذ يعلن الرب عن ذاك الذي يطلب مجد نفسه لا مجد الآب (يو 7: 18) يقول لليهود: "أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني؛ إن أتى آخر باسم نفسه فذاك تقبلونه" (يو 5: 45). لقد أعلن لهم أنهم سيقبلون ضد المسيح الذي يطلب مجد نفسه منتفخًا، وهو ليس بصادقٍ ولا ثابتٍ وإنما بالتأكيد هالك. أما ربنا يسوع المسيح فأظهر لنا نفسه مثالًا عظيمًا للاتضاع، فمع كونه بلا شك مساوٍ للآب... لكنه يطلب مجد الآب لا مجد نفسه"]. أما سرّ قبول اليهود لضد المسيح فهو تفكيرهم المادي وتفسيرهم الحرفي للنبوات.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [يبدو ليّ أن الشعب الإسرائيلي الجسداني سيظن أن النبوة تتحقق (في ضد المسيح)، القائلة: "خلصنا أيها الرب إلهنا واجمعنا من الأمم" (مز 106: 47). تتحقق تحت قيادته وأمام أعين أعدائهم المنظورين هؤلاء الذين سيأسرهم بطريقة منظورة ويقدم المجد المنظور".
كثيرون ظنوا أن العالم سينتهي بعد 6000 عامًا تقابل 6 أيام الخليقة ليستريح الرب في يوم السبت. أما القديس أغسطينوس فاعتقد أن الدينونة تأتي في اليوم الثامن "سبت الراحة".

* القديس جيروم:
يرى أن كثيرين يقومون كرمزٍ لضد المسيح فيقول: [كما كان سليمان وقديسون آخرون رموزًا للمخلص، هكذا نؤمن بظهور رمزٍ لضد المسيح مثل أنطيوخس أكثر الملوك شرًا، مضطهد الكنيسة ومدنس الهيكل].
في تفسيره سفر دانيال وتفنيده هجوم بورفيري Porphyry قال إن ضد المسيح هو إنسان يهودي من أصل وضيع سيُحطم مملكة الرومان ويسود العالم.

* سويرس Sulpicius Severus (حوالي 363-420):
أخبرنا أن معلمه القديس مارتن أسقف تورز St. Martin of Tours مقتنع بأن نيرون وضد المسيح سيُخضعان العالم قريبًا جدًا، وكان ذلك حوالي عام 396 م، وذلك كإعداد لنهاية العالم والدخول في المعركة الفاصلة. كما اعتقد أن ضد المسيح كان قد وُلد فعلًا وأنه صبي يستعد لنوال القوة في السن المناسب .

* نارساي Narsai السرياني (399-503 م):
يرى أن ضد المسيح هو إنسان يلبسه الشيطان تمامًا، فيصنع عجائب باهرة، ويؤسس سلامًا غاشًا، ويطلب أن يُعبد .
يعود إيليا إلى العالم لكي يقاوم ضد المسيح باسم البشرية المؤمنة، وسيغلبه في معركة واحدة حاسمة، بالروح القدس، متسلحًا بالكلمة. وفي نهاية المعركة يظهر السيَّد المسيح نفسه ويتوج نصرة إيليا بسحق ضد المسيح في الجسد والنفس.
ينزل الرب إلى الأرض في بشريته المتجلية بالمجد في موكب مجيد لأرواح مسبحة يقودها ملاك متوشح بصليب على رأسه ويُقيم الأموات من الأرض بعلامة بسيطة، ويحول طبيعة الأحياء حيث يلبسهم الخلود . وبعلامة أخرى يفصل الأبرار عن الأشرار بدينونة عظيمة، حيث يقود كل خليقته إلى أتون الحكم فيصهرهم ليختار الذهب الحقيقي ويزدري بالغاش.

* اكيومينس Oecumenius (بداية القرن السادس):
كتب تفسيرًا لسفر الرؤيا اعتمد فيه على أقوال الآباء السابقين، فيه رفضوا فكرة الملك الألفي (المادي)، حاسبًا أن التلاميذ قد تربعوا على العرش بطريقة متواضعة في أيام السيَّد المسيح. وتمتع البعض بالقيامة (الأولى) حقيقة بقبولهم حياة الإيمان الجديدة ، وأن القيامة الأولى (رؤ 20: 5) هي اجتذاب تلاميذ جدد إلى الحياة بالروح القدس .
تحدث أيضًا عن جوج وماجوج (رؤ 20: 8) بكونها قبائل بربرية غير معروفة تُصاحب الشيطان في اضطهاده المؤمنين. وأن ضد المسيح سيأتي إنسانًا يلبسه شيطان، يصير ملكًا على اليهود، ويقتل إيليا وأخنوخ النبيين اللذين يظهرا في أواخر الدهور .

* رومانس Romanos The Melodist (القرن السادس):
يقدم لنا انعكاسًا للفكر الأخروي اليوناني والسرياني في عصره. خصص تسبحة (رقم 50) عن مجيء السيَّد المسيح الثاني، وصف فيها طغيان ضد المسيح في شيء من التفصيل .
يرى ضد المسيح أنه الشيطان متجسدًا ، يقاوم مؤمني المسيح بقوة. وأنه يصنع معجزات ويقيم موتي، ويبذل كل جهده لكي يقود الأبرار إلى حجال عرسه.
سيُلقي العدو في النار الأبدية، وهو وملائكته وكل الأشرار .

* أندراوس مطران قيصرية Andrew of Caesaraea:
يرى الأب اندراوس من القرن السابع أن ضد المسيح يأتي من سبط دان ، من باشان في منطقة الفرات .
في رأيه أنه يظهر كمن هو إلهي ، يقيم نفسه إمبراطورًا رومانيًا، ويعيد تأسيس الإمبراطورية الرومانية، لكنه لا يجعل عاصمتها روما بل يقيمها مملكة أرضية عامة، هي "جسد الذين يقاومون كلمة الله في كل الأزمنة والأماكن" .
يرى المطران أندراوس أن الله وحده هو الذي يعرف عدد السنوات اللازمة لكي تكمل الكنيسة .

* الأب يوحنا الدمشقي (حوالي 650-750 م.):
قدّم لنا مفاهيم كتابية لضد المسيح. أصر أن ضد المسيح سيكون إنسانًا عاديًا قابلًا للموت، مولودًا من زنا، تلبسه قوة شيطانية، وسيقبله اليهود بحماسٍ. سيضطهد الكنيسة ويخدع كثيرين بعلامات وعجائب كاذبة .
يُرسل الله أخنوخ وإيليا ويُقتلا.
عندما يأتي السيَّد المسيح على السحاب كما صعد في مجد ويهلك الإنسان غير الشرعي (ضد المسيح) .
لقد رفض الأب يوحنا الدمشقي فكرة تجسد الشيطان تمامًا.
نقتبس هنا ما ترجمه له الأرشمندريت شكور في هذا الشأن .
مفاهيم كتابية عن المسيح الدجال:

[ينبغي أن تعلم أن المسيح الدجال لا محالة آتٍ وأنه لمسيح دجال كل من لا يعترف أن ابن الله قد أتى بالجسد وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانًا كاملًا بعد أن كان إلهًا. ومع ذلك فبالمعنى الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهي الدهر. ومن ثم ينبغي أن يُكرز أولًا بالإنجيل في جميع الأمم (مت14:24)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: "أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيكم آخر باسم نفسه فذاك تقبلون" (يو 5: 43). وقال الرسول أيضًا: "لذلك يُرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويُدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم" (2 تس 2: 10-12)].
اليهود سوف يقبلونه على أنه مسيحهم:

[فاليهود إذًا لم يقبلوا الرب يسوع المسيح، على أنه ابن الله والله، ويقبلون الغاش المدعي بأنه الله. وقد سمي نفسه الله لأن الملاك الملقن لدانيال يقول هكذا: "لا يعبأ بآلهة آبائه" (دا 11: 27).
ويقول الرسول: "لا يخدعنكم أحد بوجهٍ من الوجوه، لأنه لا بُد أن يسبق الارتداد أولًا، ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك المعاند المترفِّع فوق كل من يُدعى إلهًا أو معبودًا حتى إنه يجلس في هيكل الله ويُري من نفسه أنه هو الله" (2 تي 2: 3-4). هو يقول "في هيكل الله" - لا هيكلنا - بل الهيكل القديم اليهودي، لأنه لا يأتي إلينا بل إلى اليهود. ليس لأجل المسيح، بل ضد الذين هم للمسيح. لذلك يُدعَى المسيح الدجال].
سيكون المسيح الدجال رجلًا حقيقيًا:

[وعليه ينبغي أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم، "وحينئذ يظهر الذي لا شريعة له ويكون مجيئة بعمل الشيطان بكل قوة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكل خديعة وظلم في الهالكين، فيُهلكه الرب يسوع بنَفَسْ فمه ويبطله بمجيئه" (2 تي 2: 8-10). وعليه فإنه ليس هو بالشيطان الذي يصير إنسانًا على مثال تأنس الرب، حاشا! بل هو إنسان يولد من زنى، ويتسلم كل عمل الشيطان. وقد سبق الله وعلم شناعة اختياره فترك للشيطان أن يسكن فيه].
بداية المسيح الدجال وامتداد نفوذه:

[إذًا قلنا إنه سُيولد من زنى ويتربى في الخفية ويثور فجأة ويستولي ويملك. وفي أوائل تملكه أو الأحرى تجبره يتظاهر بالعدل. وعندما تكون قد اتسعت سلطته يضطهد كنيسة الله ويُظهر كل شره. "وبكون مجيئه بالعلامات والعجائب الكاذبة" (2 تس 2: 9) المضلة وغير الصادقة. ويخدع من كان أساس ذهنهم فاسدًا وضعيفًا ويُبعدهم عن الله الحي و"يُضل المختارين لو أمكن" (مت 24: 24)].
محاربة أخنوخ وإيليا ضد المسيح الدجال:

[وسيُرسل الله أخنوخ وإيليا التشبي فيُعيدان قلوب الآباء إلى الأبناء، أي شيوخ المجمع إلى ربنا يسوع المسيح وإلى كرازة الرسل. ولكنه سيقتلهما. ثم يأتي الرب من السماء كما كان شاهده الرسل القديسون صاعدًا إلى السماء، إلهًا كاملًا وإنسانًا كاملًا، بمجد وقوة، فيهلك بنفس فمه الإنسان الزائغ عن الشريعة وابن الهلاك. فلا يتوقعن أحد إذًا مجيء الرب من الأرض بل من السماء، على ما أكده لنا هو نفسه].

* البابا غريغوريوس (الكبير):
جاء في سيرته التي سجلها الشماس يوحنا في القرن التاسع أن البابا غريغوريوس كان يحسب أن يوم الدينونة قريب الحدوث وأن نهاية العالم على الأبواب بما يرافقها من كوارث عديدة . لقد اتبع التقليد اللاتيني القديم فرأى في الأمراض الاجتماعية لعصره علامة أن العالم قد شاخ. لقد قال: "صارت ضربات الأرض الآن مثل صفحات كتبنا ".
كتب إلى الإمبراطور موريس Maurice:
[سوف لا يحدث تأخير،
السماء والأرض تحترقان،
والعناصر تنحل،
وسيظهر الديّان المهوب مع الملائكة ورؤساء الملائكة والعروش والسلاطين والرؤساء والقوات].
كان يرى البابا غريغوريوسفي عجرفة أخيه أسقف القسطنطينية كبرياء ضد المسيح عاملًا فيه.
مع اعتقاده بسرعة نهاية العالم، لكنه اعتقد أنها لا تتم في عصره.
* آراء متطرفة:

في القرون الوسطى اهتم كثير من اللاهوتيين الغربيين بموضوع "ضد المسيح" فتطلع بعض مقاومي السلطان الكنسي في أوروبا إلى الكرسي البابوي كضد المسيح. يقول الأب برنارد: "صار خدام المسيح خدامًا لضد المسيح، وجلس وحش الرؤيا على كرسي القديس بطرس".
غير أن كثير من أخوتنا اللاهوتيين البروتستانت رفضوا هذا الرأي، مؤكدين أن ضد المسيح ليس نظامًا معينًا، بل هو إنسان معين يظهر في أواخر الدهور قبل مجيء السيَّد المسيح الأخير.
وكما اتهم بعض المتطرفين من البروتستانت البابوية أنها "ضد المسيح"، فإنه من الجانب الآخر قام بعض المتطرفين الكاثوليك يتهمون الحركة البروتستانتية كضد المسيح، ورفض بعض اللاهوتيين الكاثوليك ذلك.
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 06 - 2023, 01:18 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر دانيال النبي

تفسير سفر دانيال النبي


سلوكيات وعادات



1. خزائن المعبد:

"وأدخل الآنية إلى خزائن بيت إلهه" (دا 1: 2).
اعتاد الوثنيون أن يضعوا الأواني الثمينة، خاصة التي تستخدم في العبادة والاحتفالات الدينية، في مخازن ملحقة بالمعبد الوثني. وكان الأباطرة والملوك متى غلبوا بلدٍ ما يسلبون أوانيها الثمينة ويأتون بها إلى مخازن إلههم. كما فعل نبوخذنصَّر الذي جاء بالأواني المقدسة من هيكل أورشليم وأودعها في مخازن معبد الإله بعل أو بيل. أما غاية هذه المخازن، كما سبق فرأينا، هي:
أ. تأكيد أن كل ثمين في المملكة هو ملك للإله الذي يعبدونه.
ب. احضار الأواني من البلاد المستعمرة كغنائم تعني أن الإله قد وهبهم النصرة على أعدائهم.
ج. وجود المخازن بجوار المعبد، يحمل إشارة إلى أن الإله هو الحامي لمخازن الدولة والملك.
وُجدت في هيكل سليمان حجرات منفصلة بعضها لاستقبال العشور والبكور والأخرى لتخزين الأدوات النفيسة. عُرف اليهود بسخائهم الشديد في العطاء لبيت الرب، كما حدث في أيام موسى النبي عند بناء الخيمة، وفي أيام داود حيث كان يُعد لبناء الهيكل، كما في أيام يوآش (2 أي 24)، ويوشيا (2 مل 22). كانت الأواني الثمينة تُقدم كنذورٍ أو هباتٍ، وبسبب كثرتها كانت خزانة الهيكل في أورشليم مطمعًا للغرباء، مثل السريان والرومان.
2. أطايب الملك وخمر مشروبه (دا 1: 5):

عُرف ملوك بابل وعظماؤها بالحياة المترفة المبالغ فيها. اعتادوا أن يقيموا الموائد بما لذَّ وطاب من أصناف الطعام، كما عُرفوا بحياة اللهو. كانوا يشربون الخمور حتى الثمالة، وقد تمثل بهم ملوك فارس.
3. عقاب المجرمين (دا 2: 5؛ 3؛ 6):

ورد في سفر دانيال ثلاثة أنواع من العقوبات:
النوع الأول: تقطيع المجرم إربًا إربًا (دا 2: 5). كانت هذه العقوبة مألوفة عند كثير من الشعوب القديمة، استخدمها العبرانيون أحيانًا كما حكم صموئيل النبي على الملك أجاج (1 صم 15: 33). يظن البعض أن هذه العقوبة تُشير إلى شطر الإنسان إلى نصفين أو نشره إربًا. وكانت العادة فيبابل أن يُدمر منزل المجرم، وتُحسب الأرض المُشيد عليها منزله ملعونة إلى الأبد. وقد اتبع الفارسيون هذه العادة أيضًا، واُتبعت أيضًا في أثينا. لذا وُجدت في المدن القديمة مساحات شاسعة من الأراضي فضاء لا يمكن بنائها بسبب صدور أحكام على أصحابها بتقطيعهم إربًا وهدم منازلهم.
النوع الثاني: إلقاء العصاة ضد الآلهة في النار (راجع تفسير الأصحاح الثالث).
النوع الثالث: إلقاء العصاة ضد الملوك في جب أسود (راجع تفسير الأصحاح السادس).
4. الآلات الموسيقية (دا 2: 5، 7، 10، 15):

احتلت الموسيقي مركز الصدارة في العصور القديمة، فكانت تُستخدم أثناء العبادة، وفي المعارك لإثارة الجنود، وفي مواكب الملوك خاصة عند نصرتهم، وفي الأعياد والاحتفالات كما في الجنازات.
عرف العالم القديم ثلاثة أنواع من الآلات الموسيقية: ذوات الأوتار، آلات النفخ، وآلات النقر. بعض هذه الأدوات معروفة تمامًا، بينما وصف الأدوات الأخرى يشوبها الغموض.
أ. القرن: قديمًا كانت آلات النفخ الموسيقية تُصنع من قرون الحيوانات. تطورت فصارت من المعادن مع احتفاظها بشكلها الأصلي وتسميتها الأولى، كما دُعيت "الهزوزران". الفرق بين القرن horn والبوق carnet هو أن شكل الأخير أقل انحناءً من الأول. وفي سفر دانيال دُعي القرن Keren "Carnet"، وكأنهما نوع واحد.
ب. الناي: Mashrokitha: من أقدم وأبسط الآلات الموسيقية. كان في الأصل مجرد قصبة بها بعض الثقوب على امتدادها. وإذ انتشر استخدامه صار يُصنع بأكثر اهتمام، وأحيانًا يصنع من النحاس أو الخشب أو الأبنوس أو العظم. أحيانًا يُستخدم مزماران معًا، يُعزف عليهما باليد اليمنى واليد اليسرى، ملتصقان معًا في الطرف الذي من جهة الفم.
كان الناي يُستخدم في المواكب الخاصة بالأعياد الكبرى لبث روح البهجة، كما يُستخدم أثناء السفر حتى لا يشعر المسافرون بالملل، وأيضًا في الجنازات بنغماته الهادئة الحزينة.
ج. القيثارة أو الكِنور أو العود Kathros: يظن Rawlinson أنه يمثل القيثارة البابلية، وهي تشبه القيثارة الآشورية، لكن أوتارها أقل. كما يتشابهان في أن تُحمل كل منهما تحت أحد الذراعين ويُعزف عليها باليدين، كل يد تأخذ اتجاهًا معينًا من الأوتار.
يظن البعض أن القيثارة harp تشبه الـ"cittern" وهي آلة من أصل يوناني، استخدمها الكلدانيون وهي نوع من الجيتار لازال يستخدم في الشرق.
د. الربابSabbeca, Sackbut: وهي الـSambuca عند الرومان. يرى Rawlinson أنها ربما ربابة ضخمة مرتكزة على الأرض مثل الربابة عند المصريين. يرى Wright(393) أن ال Sambuca مثلثة الشكل لها أربعة أوتار أو أكثر ويُضرب عليها بالأصابع، وتعطي صوتًا حادًا.
ه. السنطير Pesanterin, Psaltery: وهو نوع من الرباب، ويُظن أنها هي النَّبِل Nebel، ويبدو أنه ليس لها شكل معروف. وهي آلة وترية ربما كان لها شكل المثلث المقلوب (دلتا مقلوبة)، ويظن آخرون أنها تشبه الزق، هذا ما يُشير إليه كلمة نَّبِل. ويرى آخرون أنها تشبه الجيتار بوجه عام.
يقول يوسيفوس أن السنطير له اثني عشر وترًا تصدر اثنتي عشرة نغمة، يقول المرتل: "ذو العشرة أوتار"، يُعزف عليه بالأصابع. كانت الأوتار، أيا كان عددها، مشدودة على قطعة خشبية (2 صم 6: 5؛ 1 مل 10: 6).
من غير المعروف متى ظهرت النَّبِل، ومتى اُستخدمت عند العبرانيين. جاء ذكرها في البداية عند تولي شاول المُلك. وعندما لاقته مجموعة من الأنبياء بعد أن مسحه صموئيل النبي بوقت قليل، استخدمت النَّبِل بين الآلات الموسيقية (1 صم 10: 5)، كما اُستخدمت في القيادة الإلهية (2 صم 6: 5، 1 أي 1: 8، 13، 15، 16، 25، 25، عا 6: 5) وأثناء الاحتفالات (إش 5: 12، 14: 11). يبدو أن النبل اُستخدمت لمصاحبة الصوت للغناء.
يرى Rawlinsonأن السنطير يشبه الـSantour الحديث، وهو نوع من المزمار. أوتارها أقل من عشرة، مشدودة على صندوق مجوف أو لوحٍ موسيقي. غالبًا ما يُضرب عليها بقضيبٍ صغير أو مدق، يحمله الموسيقار بيده اليمني بينما يضغط بيده اليسرى على الأوتار لكي يخرج النغم المطلوب.
و. المزمار Sumpongah, Dulcimer: اختلفوا في أمره فدُعي العود أو البوق المعقوف أو الطبلة المرتفعة، أو أرغن، أو مزمار قربة bag piper. حاليًا يسمى مزمار القربة بالإيطالية Sampogne، وفي آسيا الصغرىSampony. بينما في بعض المراجع يُسمى مزمار القربة في الآلات القديمة Ugab.
ال Ugab آلة قديمة جدًا وقد نُسب إلى يوبال اختراعها (تك 4: 12). وقد جاء في (أي 21: 12، 30: 31) أنه استخدم في احتفالات المناسبات.
يقول البعض أنه يبدو أن الـ Ugab يشبه مزمار القربة Bag pipe. إنها تمثلها على اعتبار أنها تتكون من مزمارين مثبتين في حقيبة جلدية، الواحد من فوق والآخر من أسفل. خلال المزمار العلوي الذي له الفم (وهو الجزء من الآلة الذي يُوضع بين شفتي الموسيقار)، يمتلئ الكيس بالهواء، بينما المزمار السفلي الذي له بعض الثقوب يُعزف عليه بالأصابع مثل الفلوت Flute. وفي نفس الوقت نجد الكيس يرتفع وينخفض مثل المنفاخ بالضغط.
جاء في كثير من المراجع أن الـ Ugab يماثل الـ Syrinx (المصفار) وهي آلة بدائية من آلات النفخ، تتألف من سلسلة أنابيب متدرجة الطول، وهي أصل آلة الأرغن الحديثة. ويقول Kitto أن المترجمين عند استخدامهم لكلمة "الأرغن" كانوا يعنون به المصفار Syrinx.
استخدمه الرعاة الأركاديون Arkadian وآخرون من بقع أخرى من اليونان. ويظنون أن Pan الإله الحارس هو الذي ابتكرها، ويسترسلون في خيالاتهم فيقولون أنه كان يعزف عليها على جبل Maenalus. وكان يصنع من عيدان القصب والشوكران hemlock (وهو نبات يستخرج من ثمره شراب سام). بوجه عام كان يُؤتي بسبعة عيدان مجوفة من هذه النباتات ويوضع شمع للصق العيدان مع بعضها البعض بعد أن تقطع بحسب الطول المطلوب، وتنظم حتى تصنع ثمانية وأحيانًا تسعة، معطية نغمات مطابقة لعددها. ونادرًا ما كانت تنظم الأنابيب بانحنائة حتى تلائم شكل الشفاه، بدلًا من أن تكون مستوية. مازالت هذه الآلة تستخدم في بعض مناطق الشرق. القصب مختلف الأطوال لكن له قطر موحد، ويختلف في عدده ما بين 5 و23. وأحيانًا نرى هذه الآلة في يد الموسيقيين المتجولين في شوارع مدن أوروبا وأمريكا.
تشهد الآثار بإسهاب أن البابليين كانوا مُغرمين بالموسيقى، يستخدمون كثير من الآلات ولهم فرق موسيقية منظمة على مستوى كبير. ويحكي Annarus أنه كان يستضيف ضيوفه على مأدبة يصحبها غناء وآلات موسيقية تؤديها فرقة تتكون من 150 سيدة.
ساعات اليوم:

"ساعة" بالأرامية "Sha-ah" ربما تعني "نظرة". اُستخدم هذا الاصطلاح لأول مرة في الكتاب المقدس في دانيال (دا 3: 6؛ 5: 5). وهو تعبير غامض ينبئ عن فترة قصيرة غير محددة تمامًا، ليس بمعنى "ساعة" كما نفهمه اليوم.
يبدو أن البابليين هم أول من قسموا النهار إلى 12 قسمًا متساويًا، ويشهد هيرودت Herodotus أن اليونان أخذوا هذا عن البابليين، وأيضًا تَبَنَّى اليهود عنهم هذه الفكر.
كان اليوم عند اليهود يُحسب من المساء إلى المساء التالي، وكان الجزء من اليوم يُحسب يومًا كاملًا. فقد مكث السيَّد المسيح في القبر قبل السبت مباشرة وقام في فجر الأحد، فحُسب أنه بقي في القبر ثلاثة أيام (الجمعة والسبت والأحد) ويُقسم الليل عند اليهود إلى 4 هزيعات، وقد أخذوا هذا النظام عن الرومان بعد أن صاروا تحت سلطتهم. كل هزيع يعادل ثلاثة ساعات، اُشير إليها في (مز 13: 35) بالمساء ونصف الليل وصياح الديك والصباح. أما النهار فقُسم إلى 12 ساعة متساوية تختلف حسب طول النهار خلال السنة من شروق الشمس إلى غروبها، فساعات الصيف أطول من ساعات الشتاء. ففي منطقة فلسطين الصيف يبلغ أطول نهار 14 ساعة و12 دقيقة بينما أقصر نهار هو 9 ساعات و48 دقيقة، لذلك تتراوح الساعة ما بين 71 دقيقة و49 دقيقة.
تبدأ الساعة الأولي مع شروق الشمس وتقع الساعة السادسة عند ظهيرة، والثانية عشر عند الغروب حيث يبدأ الليل، أما الساعة التاسعة فتُقابل الساعة 3 بعد الظهر.
الساعات في الكتاب المقدس



تفسير سفر دانيال النبي جبابرة القوة:

جاء في الآثار التي اُكتشفت فيKhorshabad مثل هؤلاء "جبابرة القوة" أو "العمالقة". يبدو أن هؤلاء الرجال كانوا يُختارون من بين أفراد الجيش حسب حجمهم وقوتهم، يقفون في حراسة القصور الملكية متأهبين لتنفيذ أمر الملك. وذلك كما في أوروبا وفي الشرق إلى يومنا هذا.
قام بعض هؤلاء الجبابرة بإلقاء الثلاثة فتية في أتون النار (دا 3: 30).
الملابس:

"ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم" (دا 3: 21).
أ. السروال Sarbalin، له سماته المختلفة عن العبري.
ب. القميص Patish وهو ثوب Tunic داخلي.
ج. رداء Carbala وهو ثوب داخلي.
د. لباس Lebush عباءة تغطي كل الملابس.
الصلاة في العلية:

"وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم" (دا 6: 10).
العلية aliyah هي حجرة عليا في البيت الشرقي، كانت تُبنَى أحيانًا على السطح، وأحيانًا فوق هذه الحجرة. غالبًا البيوت الفقيرة لم يكن بها عليه. كانت غالبًا ما تكون مؤثثة بما يليق باستضافة الضيوف، كما استضافت الشونمية إيليا النبي في عليتها (2 مل 4: 10). اعتكف داود في العلية ليبكي ابنه أبشالوم (2 صم 18: 24).
في (مر 14: 14-15) أُعد الفصح في عُلّيه كبيرة ضمت السيَّد المسيح وتلاميذه...
أحيانًا تُقام العلية في مكان مرتفع في الفناء، مستقل عن البيت، وتقام أمامه نافورة لترطيب الجو، وتضفي جمالًا على المباني، يتمتع بها الضيوف.
شريعة مادي وفارس (دا 6: 15):

لم يكن من حق الملك أن يُغير قرارًا صدر وخُتم ونُشر، وذلك حسب شريعة مادي وفارس، وذلك بناء على اتفاق بين مادي وفارس عند اتحادهما معًا.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
دانيال النبي| امتناع دانيال النبي عن اللحم والخمر
دانيال النبي | استخدم دانيال النبي أكثر من تعبير في اعترافه بالخطايا
دانيال النبي | تفسير الرؤيا
دانيال النبي | تفسير دانيال
النبي دانيال | تفسير الحلم


الساعة الآن 10:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024