منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09 - 10 - 2012, 07:08 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

رحلة الالام : 4 - دمــوع في البستان .... بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ



دمــوع في البستان




بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ



حديث الطريق

فرغ المسيح من العشاء المُقدّس، وبعد أن سبّح مع تلاميذه، وخفقت قلوبهم كالعصافير، غادر عليّة صهيون (مت26:30)، وها هو يعبر معهم وادى قدرون (يو1:18) الذي عبره من قبل داود الملك وهو يسير حافي القدمين، مُغطّى بمسوح ووجه منكساً، هارباً من بطش ابنه أبشالوم بسبب خطيته، التي أهان وجرح بها نفسه وأغضب الله (2صم30:15).

ويسير مُخلّصنا فى سكون الليل وظلامه، وأخيلة الأشجار تتحرك أمامه، كأنّها أشباح انبثقت من شقوق الأرض لتُخيفه، وأشعه القمر الضعيفة ترتعش بين الغصون، كما لو كانت سهام شيطانية تتجه نحو صدره لتُميته! يُرافقه تلاميذه وهم فى تأثر عميق لِما جرى فى العُليّة، وإعلانه المؤلم عن مُسلّمه.

وفي أثناء السير قال لهم: " كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ : أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ " (مت31:26)، فمنذ فترة وجيزة كشف لهم عن خيانة تلميذه يهوذا الإسخريوطيّ، ولكن يجب ألاَّ يطمئن الباقون، فإن كان لا يوجد سوى خائن واحد إلاَّ أنَّ الجميع سيهجرونه، ستتبدد خراف الرعيّة لأنَّ راعى الخراف قد ضُرب .

ثم يعطيهم فكرة عن لقاء سعيد يلتقون فيه مّرة أُخرى عقب هذه العاصفة فيقول: " وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ " (مت32:26) فهناك لن تكون كأس ألم يتجرعها ولا أتباعه يشكّون فيه، سيتقابل معهم مُمجداً وعلى رأسه تيجان كثيرة.. بعد أن اكتنفه الحزن طويلاً، فقد كان لابد أن يقوم ليغسل ما لحق به من إهانات وتعييرات وعذابات من اليهود والرومان، أولئك الذين شاطت عقولهم وصلبوه حسداً، وظنوا أنَّ القش يمكن أن يقف أمام اللهيب، فقام الجبَّار وازدرى بهم! لأنَّ الغبار لا يقدر أن يقف أمام الريح!



ويصر بطرس الرسول على أنَّه سيحتفظ بأمانته مهما حدث إذ قال " وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً " (مت33:26)، لا أجحدك فأنا مستعد لأمضى معك، إن بذلت ذاتك للموت ها أنا معك، وإن اخترت الصعود للصليب أصعد معك، فالموت معك ربح لى لأنه سيقودنى إلى الحياة الدائمة.. لكن يسوع بكل صراحة يُعلن أنَّه سيُنكره سريعاً " إِنَّكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ " (مت26: 34)، ويعود بطرس يؤكد أمانته، مع التلاميذ ولكن دون جدوى، لأنَّ الجميع تركوه ساعة الصلب وحده وهربوا كل واحد إلى خاصته، وقد لبثت أُمه واقفة بجانب الجثّة الهامدة كأنّها تحرس طفلها!(منتديات الفرح المسيحى)

هربت الخراف وبقى الراعى وحده يحيط به الذئاب الخاطفة! لأنَّ الظلمة لا تعانق النور فهناك عداوة قديمة بينهما! كما أن الشيخوخة الذابلة لا تستأنس بالشباب الغض، شأنها شأن الصباح لا يلتقي بالمساء إلاَّ ليبدده!

ويدخل رب المجد بستان جثسيماني، على ممر بين أشجار الزيتون لا ليحيا فيه متنعماً كآدم فى جنَّة عدن، بل متألماً! ففى هذا المكان جمعه الربيع فى قبضة الحُب، حيث كان يقضي أيامه في الصلاة، وفى نفس المكان جمعه خريف الأشرار المُلبّد بالزوابع أمام عرش الموت!

معصرة الزيت


تقع جثسيمانى على سفح جبل الزيتون، ومعناها معصرة الزيت، لأنَّهم كانوا يُحضرون الزيتون من أشجاره، التي تنمو هناك فى الحدائق المجاورة لتُعصر ويُستخرج منها الزيت.. وفـى المعصرة انداس المسيح وحده (إش3:63)، وقد سُر الله أن يسحقه لكى يخرج منه زيت جديد لكل من يؤمن به، لنشترك فى أصـل الزيتونة الجديدة ودسمها (رو11:17).

هناك كانت تنمو أشجار الزيتون، والمسيح قد جاء إلى جثسيمانى، لكي يغرس الزيتون الصغير بقوته الإلهية فهو الزارع السماويّ وكل غرس يغرسه فى الحقل الإلهيّ يُعلن " أمَّا أَنَا فَمِثْلُ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ فِي بَيْتِ اللهِ " (مز8:52).

والزيتون إن كان يرمز إلى الألـم لمرارته، إلاَّ أنَّه يرمز أيضاً إلى السلام، فالحمامة التى أرسلها نوح من الفُلك، عندما غطّت مياه الطوفان الأرض، عادت إليه وهى تحمل غصن زيتون أخضر فى فمها، فعلم نوح أنَّ المياه قلّت عن الأرض (تك8: 11)، فكان ذلك إشارة لحلول سلام الله على الأرض، ومنذ ذلك الوقت قد صار غصن الزيتون شعار السلام بين البشر، وشجرة الزيتون علامة تشير إلى النجاح والبركة الإلهية (مز52: 8) (هو14: 6).

وهذا يعنى: إننا لن نحيا فى سلام إلاَّ من خلال آلام المسيح، فعن طريق الآلام تم الفداء، ومن ثمار الفداء عودة السلام إلى الأرض مرة ثانية بعد أن سادها الرعب سنينَ طويلة، أتتذكرون يوم ميلاده عندما شق الملائكة ببهائهم ظلام الليل، فحوَّلوا الأرض سماء وملأوا الكون بذبذباتهم الروحية، وعزفوا على قيثارات الحُب تسبيح المجد والسلام والفرح " لْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ " (لو14:2).


قمة الألم

ما أن وصل يسوع إلى باب
البستان حتى قال لتلاميذه: " جْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ " (مت36:26)، ويجلس التلاميذ عند مدخل البستان طاعة لأمر مُعلّمهم، بينما يصطحب المُعلّم بطرس ويوحنا ويعقوب ويتقدمهم إلى داخل البستان، ويلقى بنفسه بين يدي الآب فى تضرع ولجاجة.. ولا تزال كأس الأهوال لم تعبر عن المخلص الغارق فى الألم، بل تزداد مرارتها لحظة بعد الأُخرى، ويزداد الصراع وتعلو الزفرات.. وهل يستطيع الجالس على أجنحة الموت، أن يستحضر تغريد البلبل وهمس الزهور وحفيف الغصون؟! أيقدر الأسير المثقّل بالقيود والهموم أن يُلاحق هبوب نسمات الفجر؟!

وتصل الآلام النفسية إلى قمتها، وقد عبّر مُعلّمنا متى البشير عن هذه الآلام بعبارة " وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ.. نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ " (مت37:26،38) وكلمة يكتئب تعبّر عن الحزن، الذى يجعل الإنسان غير صالح للاختلاط بالناس أو غير راغب فيه.

ويعطينا مُعلّمنا مرقس بوصفه الدقيق لتفاصيل المشهد الرهيب، فكرة أوضح عن الحزن الذى قد جاء علـى المسيح فى قوله: " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ " (مر33:14)، وكلمة يدهش فى الأصل تتضمن رعباً مُفاجئاً، بسبب شئ مُخيف، فالبشير يريد أن يُعلن أن فزع يسوع، كان بسبب مناظر من الخارج اقتحمته وكانت تنذر بتمزيق أعصابه.

فما الذى جعل يسوع يحزن ويكتئب؟!

لابد أنَّه رأى كل خطايا البشرية أمام عينيه، رأى سقوط آدم وطرده من الجنَّة، وقايين الذي قام على أخيه هابيل وقتله حسداً وغدراً، وشر العالم الذى كثُر أيام نوح فاغرقهم بماء الطوفان، والفساد الذى عاش فيه أهل سدوم وعمورة فأحرقهم بالنار والكبريت.. وكان يعلم أنَّه بعد ساعات سيُعرى من الأشرار ويُجلد ويُتفل على وجهه ويُكلل بالشوك ويُسمّرعلى الصليب..

فهذه كلها أحداث تركت أثراً عميقاً فى نفس البار! حقيقة إنَّ الشهداء تألَّموا وماتوا لأجل المسيح، لكنَّهم لم يحزنوا كمخلصنا، لأنَّه على صليب القديسين ينطق الرب بالتطويب، الأمر الذي يجعلهم يفرحون أثناء حمل الصليب (مت10:5-12) أمَّا صليب المسيح فكان يقترن باللعنة " مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل13:3) الأمر الذى يجعله يحزن ويكتئب!
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:09 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

مدرسة الصلاة


بعد أن أعلم المسيح تلاميذه أن نفسه حزينة حتى الموت، ابتعد عنهم نحو رمية حجر ثم جثا على ركبتيه وخر على وجهه، وكانت تصعد أنات من نفسه المثقّلة بالحزن الشديد " يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتكَ" (لو41:22،42) وهكذا خر أيوب على الأرض وهو فى شدة الألم (أى20:1)، فالتمرغ فى التراب يُعبّر عن شدة الألم، كما يُعبّر أيضاً عن التواضع والانسحاق.

وفى هذا الجو المظلم نراه يدعو الله " أبتاه " ! فمهما تكاثفت السحب، وهاجت العاصفة، وأظلم الليل.. فإنَّه يستطيع أن يرى من خلالها الله أباً، وما أجمل ما يقول المؤمن " يا أبتاه " فى أوقات التجارب، لأنَّه لمن يذهب الطفل عندما يشعر بالضيقة إلاّ إلى أبيه!

وعلى الرغم من شدة آلامه إلاَّ أنّه عبّر عنها بالكأس! ومن هذا نتعلَّم أنَّ التخفيف من شدة الألم وقت الضيق وأنَّ شرب الكأس المرَّة التى يضعها الله فى أيدينا، مهما اشتدت مرارتها بشكر أفضل وسيلة للخروج من الضيقة.

كما أعطانا المسيح بصلاته أعظم درس ألا وهو: إنَّ الصلاة هى أعظم سلاح نستطيع أن نُحارب به، ففى جثسيمانى صار الألم كزلزال حبلت به الأرض فتمخضت متوجعة تريد أن تلد الخراب والشقاء! ولكنّها على غير عادتها لم تلد سوى الخلاص! فهل من سبيل للخلاص من المحن والشدائد غير الصلاة ؟ لقد صار المسيح للمؤمنين كالمرآة ينظرون فيها ويتعلمون!



عرق المحبة



كان يسوع يصلى بلجاجة، فتراءت له البشرية فى لحظة خاطفة فى جميع عصورها، تجرجر فى خزى إجرامها وقبح معاصيها! وطفقت جميع الخطايا تخرج من خفايا الزوايا وشقوق الضمائر، تفح كالأفاعى لتنفث سمها وتفرغ خبثها فى الحمل الوديع، قبل أن يقضى عليها ليمحوها! لقد هاله المنظر فصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض (لو22: 44)، فقدست هذه القطرات الطاهرة والمُطهّرة الأرض وباركت تربتها.


يقول مار إفرآم السريانيّ

" طوباك أيها المكان الذى تأهلت لأنْ يسقط فيك عرق الابن، إنَّ الابن بارك الأرض بعرقه ليُبطل عرق آدم الذى حل عليها، طوبى للأرض التى طيّبها بعرقه والتى كانت مريضة فشفاها لأنَّه نضح عرقاً عليها.

سقط آدم بزلته فكان إليه صوت الرب " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً " (تك3: 19)، ومع أنه عـرق مرات إلاَّ أنَّه لم يُشف، وفى هذا يقول مار يعقوب السروجى: " وعرق أثناء الصلاة فشفى آدم من العذاب، بعرق الرب صارت الصحة للمريض، نظر آدم عرق ربوات ولم يُشف لأجل الخطية الممزوجة به، فبغير خطية عرق مُخلّصنا دفعة واحدة وكانت نتيجتها تخليص آدم من الموت ".



أما الذي جعل عرق يسوع يتصبب هكذا كقطرات الدم، وجسده كله يبكي عوض الد موع دماً.. هو المحبّة، فإن أشارت المحبّة إليكم فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة! وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها! وإذا خاطبتكم المحبّة فصدقوها وإن عطّل صوتها أحلامكم! لأنَّ المحبّة إن كانت تكللكم فهى أيضاً تصلبكمّ وكما تعمل على نموكم، هكذا تستأصل الفاسد منكم! المحبّة تغربلكم لتحرركم من قشوركم، وتطحنكم لكى تجعلكم أنقياء كالثلج، وتعجنكم بدموعها حتى تلينوا، ثم تعدكم لنارها المقدسة لتصيروا خبزاً مقدساً يقّرب على مائدة الرب، كل هذا تصنعه المحبة بكم لتدركوا أسرار قلوبكم، فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة .


ولأنَّ دموع العين لم تكن كافية، بكى كل عضو من أعضاء المسيح حزناً على فساد أعضائنا التى دنّستها الخطية، فها هى عيناه تبكيان عوض أعيننا التى تلوثت برؤية المناظر القبيحة، وأذناه ويداه ورجلاه وفمه... والعجيب أنها لا تبكى ماءً بل دماً، لأنَّه كما قال القديس بولس الرسـول : " بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ ! " (عب22:9).

بكى يسوع حزناً على فساد البشرية، وقد كان لابد له أن يبكي، لأنَّ عينيه لم تتقنعا ببرقع السنين، أمَّا نحن فكثيراً ما نرفض البكاء، ليس على الآخرين فقط، بل حتى على أنفسنا لأننا ننظر ولا نبصر، ونصغي ولا نسمع، ونأكل ولا نتذوق، ولا نكرم ملوكاً بدون ممالك، ولا نراقب عودة الزارع من حقله إلاَّ إذا كان يهمنا، ولا ننصت لصوت مزمار الراعي وهو يقود قطيعه إلى العلف، إلاَّ إذا كان القطيع ملكاً لنا..

وفى كل هذا يقوم الفرق الشاسع بيننا وبين يسوع، فحواس المسيح تتجدد فيه دائماً، والعالم فى نظره جديداً على الدوام، والإنسان هو شاغله وموضوع حبه، ولم ينظر إلى تمتمة الطفل بأقل من نظره إلى صراخ الشيخ، فى حين أنها فى نظرنا تمتمة طفل لا أكثر ولا أقل.
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:09 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

نوم التلاميذ



صلى مُخلّصنا ثلاث دفعات، وبينما كان يصارع مع الموت فى جهاد لا يوصف، كان التلاميذ نياماً وقد غلب عليهم النعاس، ويوقظهم المُعلّم أكثر من مرّة لكي يسهروا معه ولو قليلاً ولكن دون جدوى! فأصبحوا أمامه كتاباً قرأ سطوره، وفسر آياته، وأخيراً عندما صل إلى نهايته إذا بعبارة " الضعف البشريّ " !!

لقد ناداهم فلم يقوموا من رقادهم، بل ظلوا يسيرون فى مواكب الأحلام! طلب منهم أن يصعدوا إلى قمة الجبل ليروا ممالك العالم فرفضوا، مفضلين أعماق الوادى حيث عاش أباؤهم، وفى ظلاله ماتوا ودفنوا فى كهوفه! ولكن لا عجب فقد مضت الأيام المفعمة بأنفاس الربيع وابتساماته المُحيية، وجاء الشتاء باكياً، منتحباً، لكى يبقى يسوع وحده، فالحمل الوديع قد جُرح ولابد أن يبتعد عن سربه ويتوارى حتى الموت!

لما بكى داود على جبل الزيتون أثناء هروبه من وجه أبشالوم ابنه، بكى معه جميع أتباعه (2صم30:15) أمَّا يسوع ابن داود عندما بكى على نفس الجبل، كان تلاميذه الذين يجب عليهم أن يسهروا ويبكوا معه، كانوا نياماً نياماً، فى حين أنَّ أعداءه الذين يترقبون خُطاه كانوا فى يقظة كاملة (مر14: 43)! ألم يعرفوا أن فى إناءه يمتزج الحلو والمر؟! ألم يدركوا أن قربهم منه يجعلهم يعيشون بين النور والنار؟!

كان يجب أن يجمعوا كل قواهم الروحية، حتى لا يخوروا أمام التجربة، ويتعرّضوا للشك والإنكار ثم الارتداد، خاصة وأن رئيس هذا العالم قد استعد بسلاحه وبكل قواته، لكنهم تثقلوا من الحزن الذى صفعهم، ولم يعد فيهم قوة ليتقدموا إلى الطلبة والتضرع.

أما الدافع الذى جعل الرب يسوع يوقظ تلاميذه هكذا، ليس فقط شعوره بالحاجة إلى من يواسيه بسبب نفسه المتألمة، بل كان أيضاً عطفه الشديد عليهم، إذ كانوا مثله تُحيط بهم قوات الظلمة، وقد حانت الساعة التى أشار عنها " هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَة " (لو53:22).

ولسنا نعلم إذا كانوا قد سهروا فما الذى كان ممكناً أن يقولوه فى صلاتهم؟! إن قالوا لا يجب أن يموت البار من أجل الأثمة فلن يسمع لهم الله! وإن قالوا فليمت الابن لتحيا البشـرية بموته فهذه جسارة عظيمة!! لأنَّه من يستطيع أن يقول للآب يُصلب ابنك أو لا يُصلب!



لذلك بطلت الصلاة من أفواهم ،
وقد كان هذا الصمت أفضل لهم!


  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:10 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

رحلة الالام : 5 - برئ يحاكم أمام خطاة .... بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ




برئ يحاكم امام خطاه


بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ


يسوع موثقاً


كأفاعى البحر التى تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة، وتمتص دماءها بأفواه عديدة.. قبضوا على يسوع وأوثقوه (يو18: 12) وهو الذى جاء ينادى للمأسورين بالإطلاق (لو4 : 18) ويحل المربوطين بقيود الخطية ورباطات الشياطين!

ذاك الذى أعطى للإنسان سلطاناً أن يربط ما على الأرض ويحله، وكسّر مصاريع النحاس وقطع حديد الهاوية وفك أسرى الجحيم ربطوه بحبال! الذى فك لعازر من أربطة الموت ( يو11: 44) وحرر بطرس من قيود السجن الحديدية (أع 12 :7) ها هو الآن مربوط، مقيد من أناس
خطاة قيدتهم أغلال الكراهية والحقد!

لو أراد لفك هذه الربُط أسرع مما فعل شمشون قديماً

(قض15: 14)، لأنه يملك القوة وكانت الملائكة على أتم الاستعداد أن تقوم بهذا العمل، لكنهم امتنعوا لأن الرب يريد أن يوثق ويتألم، ولسنا نعرف لماذا أوثقوه وهو الذى قدم نفسه طواعية! ولكن لابد أن يتم قول الكتاب " أوثقوا الذبيحة بربُط إلى قرون المذبح " (مز118: 27).

وبعد أن أوثقوه قادوه إلى مجالس القضاء ليُحاكم وهو " المعّين من الله دياناً للأحياء والأموات " (أع 10 : 42) أما هو فكمسكين كان يمضى معهم من هنا إلى هناك دون أن يتذمر أو يفتح فاه، فانطبق عليه قول الكتاب " كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " (إش53 : 7).

عن هذه المحاكمات تنبأ إشعياء قائلاً : " الرب يدخل فى المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم " (إش3: 14)، وبحسب ما كتبه البشيرون وقف يسوع أمام القضاة والحكام، ليُحاكم ست مرات، ثلاثاً أمام قضاة اليهود وهم (حنّان وقيافا ومجمع اليهود المعروف بالسنهدريم) واثنين أمام بيلاطس البنطى، وواحدة أمام هيرودس الملك ..

قال مار يعقوب السروجى:

" أدخلوا الابن إلى بيت الحكم كمشجوب.. صعد التراب الجبلة المنفوخة وجلس على الكرسى.. ودخل الخالق ووقف ليُسأل.. أمسك الطين قضيب الحكم على جابله.. وجلس القش ليسأل اللهيب.. انحنى ابن الله قدام الحاكم وشتمه وسلبه كهنة أبيه.. الناس المعيبون بالجراحات الكثيرة.. أدخلوا الطبيب الذى افتقدهم للحكم"!

المسيح أمام حنّان وقيافا

جرت أول محاكمات يسوع (يو18: 12،13) أمام قاضٍ من أشر الناس وأخبثهم، يحمل على جبهته سمة اللعنة، يتقلد سيف الرهبة، ويتشح بثوب الرياء، ينظر بعينيه إلى أعماق الموت، ويصغى بأُذنيه إلى أنّة الفناء، إنه حنّان حما قيافا، الذى لم يغير مركزه الدينى من أخلاقه، فصار كالأفعى التى لايمكن أن تصير حمامة حتى لو حُبست فى القفص، شأنها شأن الشوك لا يصير عنباً ولو غُرس فى كرم!

وقد كانت هذه المحاكمة فحصاً استعدادياً، بعدها أرسل حنّان يسوع مقيداً إلى قيافا رئيس الكهنة (يو18: 13) لأنه لم يكن رئيس الكهنة الفعلى، لأن الرومان كانوا قد عزلوه، إلا أنه كان لا يزال يحمل لقب رئيس الكهنة (لو2:3) (أع4 : 6).

" وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ " (يو18 : 14) .
ويقف يسوع فى دار رئيس الكهنة أمام مجمع غير منظم، ولم يكتمل أعضاؤه، لعلهم يجدون تهمة زور يشهدون بها عليه، ويسأل رئيس الكهنة لكي يصطاده بكلمة، ويسوع يُجيب عن أسئلته بخصوص تعليمه، فهو لا يهمه هنا أن يدافع عن نفسه، حتى وإن كتب حياته لا بالحبر بل بدم قلبه! ولكنه يرى من واجبه أن يبرر تعاليمه التى تعاليم الله

وبينما المسيح يتكلم إذا بواحد من عبيد رئيس الكهنة، يقوم ويلطم يسوع على وجهه قائلاً: " أَهَكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ ؟ "، فلم يُخفَ على العبد أن سيده أُفحم من جواب المتهم البسيط، وكانت هذه اللطمة هى الوسيلة الوحيدة لتخليصه من الورطة المخزية (يو19:18ـ24) وها نحن نتساءل:

ماذا فعل يسوع ليُلطم من عبد حقير؟! ومن هو حنّان الذى يحاكم الإله القدير؟! إنه يصح أن يكون لصاً، دجالاً، لا قيمة له إلا فى عيون المدنّسين والفاسدين، ولكنه لا يصلح بأية حال أن يكون واحداً من رجال الدين..
لقد نظر إلى يسوع نظرة النسر الجائع، إلى عصفور مكسور الجناحين، سخر منه ومن شرائعه، وهزأ من طهارته وعفته، وضحك من وقاره ومن هيبته، وتمادى فى شروره ليقتله.. فها هو الذى يتلعثم لسانه ينطق بالحكم على سيده، وبلغة السفهاء والأدنياء يطلب أن يقتله!

أليس حنّان هو حارس الهيكل؟ أليس من واجبه أن يطبّق الشريعة؟ وماذا تقول الشريعة؟ " العَدْل العَدْل تَتَّبِعُ لِكَيْ تَحْيَا " (تث16: 20) فأين العدل هنا؟! لماذا نظر إلى يسوع على أنه يهذى ويجدف؟! لماذا عامله كما لو كان ابناً عاصياً للولاية، يجـب أن يوضع فى مقدمة الجيش، لتذهب به سهام العدو وتحررهم من كبريائه؟! لماذا صمّ أُذنيه عندما سمع صوت يسوع يدعوهم: كذّابين ومرائين وذئاب وحيات أولاد أفاعى..؟!

وقد كانت سقطة عظيمة، تلك التى سقطها بطرس أمام جارية، فى دار رئيس الكهنة أثناء محاكمة يسوع (لو22: 54ـ62) ولولا أنه تاب وبكى بكاءً مراً لصارت نهايته كيهوذا فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، لكنه بصوت البكاء أسكت رعد الجحود، أفاض الدموع من عينيه ليسبح فيها ويتطهر، غسل نفسه بالمياه النقية التى للتوبة إلى أن ابيضت أكثر من الثلج.

هو الذى اعترف بلاهوت المسيح " أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ" (مت16:16) وهو الذى جحده، وهو أيضاً الذى صار رئيساً للتائبين.

لقد صار مِرآة ينظر فيها الجاحدين الذين أنكروا المسيح فيتوبوا، فالذى نزل بالجحود إلى عمق الخطية، استطاع بالتوبة أن يصعد إلى درجة الكاملين، فعلّمنا أن خنق أشواك الخطية بالدموع، أفضل وسيلة لكى لا تأتى إلى الفكر وتقتله.

لقد انسابت دموع بطرس، كما لو كانت خيوطاً فضية، طرحتها السماء من الأعالى فأخذتها الطبيعة ونمقت بها أوديتها، أو لآلئ نفيسة من تاج ملوكى، أخذتها رياح الصباح ورصّعت بها حقولها!

قال أحد الآباء:

" نظر بطرس نفسه صدأت بالإثم،
فألقى المياه النظيفة وغسلها بحكمة،
غسل النفس بالمياه النقية التى للتوبة،
إلى أن بيضت لتكون لباساً للملكوت،
أفاض الدموع من عينيه ليسبح فيها ويتطهر".
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:10 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

أمام السنهدريم

وينعقد مجمع السنهدريم بكامل أعضائه ليصدر حكماً نهائياً فى قضية يسوع، وهو يُعتبر هيئة القضاء العليا عند اليهود فى القديم، وكان يتكون من (72) عضواً من رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة، على نفس نظام شيوخ إسرائيل الـ (70) الذين جعلهم موسى معه، لإقرار العدالة أثناء ارتحال شعبه فى البرية، فكان لهم أن يقضوا ويصدروا أحكامهم فى المسائل التى بين اليهود خاصة الأمور الدينية.

وقد أشار معلمنا القديس لوقا إلى هذه الجلسة بقوله: " وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ الشَّعْبِ: رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ " (لو22 :66-71).

وينتظم أعضاء المجمع فى أماكنهم، ويقف المتَّهم البريء كمجرم أمامهم، ويسأل القاضى الشرير: " هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟ "، أمَّا المسيح فأجاب: " أَنْتَ قُلْتَ " (مت63:26،64)، ويقول مرقس البشير: " فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً: أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ؟ فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ " (مر61:14،62).

ولمَّا قال يسوع: " َسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ " ، يقول مُعلّمنا متى البشير: " فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَـالَ: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ " (مت64:26،65)، وقد كان ذلك الفعل علامة خلعه الكهنوت وانتزاعه منه، لكي يبدأ كهنوت السيد المسيح فى الإنتشار، ولهذا قال مار يعقوب السروجيّ:

" انشقت الحبرية مع الثوب وتعرى الكاهن من الحبرية.. بيدي موسى أعطى الحبرية لهرون الكاهن وعراها بيد قيافا.. من هرون بدأت وإلى قيافا انتهت.. تعرى قيافا ونُزع من الحبرية ومن تقديم الذبائح.. "

وينهض المجلس فى هياج وسخط شديد وهم يصيحون قائلين: " مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لأَنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ " (لو71:22)، ويأخذوا المتَّهم لكي يقدموه للوالى، ليحصلوا منه غصباً على تصديق، لكى يُنفّذوا حكمهم عليه بالموت!
فما أشقى هؤلاء الرؤساء وما أتعسهم!! فأنَّهم إذ يتيهون فى ظلمتهم يعثرون ويسقطون، ولكن هذه هى سمة الأشرار:

يعقدون مجالسهم ويحكمون على الرجل الذي لم يولد بعد!! ويأمرون بموته قبل أن يرتكب الجريمة!! دون أن يدروا أنَّ نهار الأبرار يطول.

إن يسوع الذى اتهموه بأنَّه يُخالف الشريعة، وينقض الناموس، ويكسر السبت، هو نور العالم الذى قد جاء لكي يوقد ناراً يوم السبت لا لكي ينقضه بل لُينيره!! ويحرق بمشاعله كل القش اليابس!! أليست تعاليمهم قد جفت، ووصاياهم أصابها العطب؟!


المسيح أمام بيلاطس


ويسير الموكب الصاخب إلى أن يصل إلى دار الولاية، وهناك يمسكون بأسيرهم ويدفعونه بوقاحة إلى الداخل " وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ " (يو28:18).

ويجلس بيلاطس على كرسيه العاجيّ المطعم بالذهب ويقف الجنود وكل من نبذهم الجنس البشرى محدّقين بالشاب المكتوف، الواقف بينهم برأس مرفوع وقوف الجبل الشامخ بين المنخفضات وفتح بيلاطس فمه، وظهرت حنجرته المسمومة مثلما تظهر حنجرة الوحش الكاسر عندما يفتح فكيه متثائباً! فحوّل الحاضرون أعينهم واشرأبت أعناقهم، كأنَّهم يريدون أن يسبقوا الشريعة بأعينهم، ليروا فريسة الموت خارجة من أعماق ذلك الفم أو قل ذلك القبر.

ويستفسر بيلاطس عن الأسباب التي جعلت اليهود أن يدفعوا أسيرهم داخل دار الولاية فيقول: " أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ؟ "، فأجاب اليهود على سؤال الوالى فى عجرفة: " لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ ! "، ولمَّا طلب منهم أن يأخذوه ويحكموا عليه حسب ناموسهم رفضوا قائلين: " لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداًً " (يو18: 29ـ31).

ويعرض الرؤساء شكاياتهم ضد يسوع بشدة، محاولين أن يؤثّروا على الوالي الرومانيّ، ليدفعوه إلى تأييد الحكم الذى أصدروه على يسوع بالموت، أمَّا التهمة التي وجّهت إليه فهى تهمه الخيانة للدولة الرومانية والحاكم: " إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ، مَلِكٌ " (لو2:23).

وعلى الرغم من أن بيلاطس البنطيّ لم يقتنع بهذه الحيلة الماكرة، لأنَّه كان أشد خبثاً ومكراً منهم، إلاَّ أنَّه لم يجد سبيلاً أمام ثورة اليهود، سوى أن يُرسل يسوع إلى هيرودس والي الجليل بحجة أن يسوع جليلى (لو7:23)، فلو كان بيلاطس يعرف بلده الحقيقيّ لأرسله إلى سما السموات حيث عرش الله القدوس.


المسيح أمام هيرودس

ويذهب يسوع إلى هيرودس، الذى قَبِِله من بيلاطس بفرح عظيم، لأنَّه كان مشتاقاً أن يراه لسبب معجزاته الكثيرة التى سمع عنها، ولهذا اشتهى أن يرى منه آيَّة (لو8:23)، أمَّا رب المجد فلم يشأ أن يُظهر مجده أمام هيرودس، فصمت ولم يصنع أمامه آيَّه واحدة، لكى لا يُطلقه فيتعطّل بذلك الفداء (لو9:23).

لقد ظل يسوع صامتاً كالصخرة، أو كالأرض التى لا تريد أن تتكلم، لكى لا تقذف بركانها فى وجه الأشرار! ولو فهم الناس ما تقوله السكينة لكانوا أقرب إلي الملائكة من وحوش الغابة!

فما أعجبك معلماً وسيداً، عندما تتكلم يكون كلامك جنّة غنّاء، وفى صوتك يجتمع ضحك الرعود ودموع الأمطار ورقص الرياح والأشجار، وعندما تصمت يكون صمتك كالصحراء! لكننا يجب أن نعرف أن يسوع كالزهرة تضم أوراقها أمام الظلمة، ولا تعطى أنفاسها لخيالات الليل!

كانت نتيجة صمت يسوع أمام هيرودس، أنَّه احتقره مع عسكره واستهزأوا به، وألبسوه لُباساً لامعاً، ورده إلى بيلاطس مرة ثانية، فصارت المحبة بين الحكام لأنَّهم كانوا متخاصمين (لو11:11،12)، وقد كان هذا التصرف غريباً، على رجل اشتهر بالقسوة والعنف وسفك الدماء، خاصة وأن آثار دماء يوحنا المعمدان كانت لا تزال عالقة بيده، لكن الله سمح بهذا لكي يؤكد أنَّه رسول المحبة، فأينما يمضى يسوع يصنع السلام بين المتخاصمين.


فهل رأيتم مذنباً يزرع السلام
بين الحكام غير ربنا يسوع ‍‍‍‍!

أمام بيلاطس مرة ثانية

مرّة ثانية يقف يسوع أمام بيلاطس لأنَّ هيرودس لم يحسم الأمر، فكان لابد أن يتّخذ هذه المرّة حُكماً حاسماً فى قضية يسوع.

ويجلس بيلاطس للمحاكمة، والجالس عن يمين الآب يقف ليُحاكم أمام الشعب، الذى أعتقه من عبودية فرعون وأخرجه من أرض مصر، لقد تناسوا معجزاته معهم، وها هم يصرخون ضده " أُصلبه، أُصلبه!! "، هل لأنَّه أقام موتاهم؟! أم لأنَّه فتح أعين العميان وجعل العرج يمشون، والخرس يتكلّمون، والصم يسمعون..؟!

هذا المسلك البشع الذي يُعلن عن عدم عرفانهم بالجميل! سبق أن تنبأ عليه إشعياء النبيّ قائلاً: " عَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ الْفَمَ وَتَدْلَعُونَ اللِّسَانَ؟ " (إش4:57).

لاشك أن بيلاطس كان مقتنعاً ببرائته، لكنه أراد أن يُحافظ على مركزه ويظل حاكماً، وهذا يتطلّب منه أن يُرضى اليهود على حساب المسيح، فليس أثقل على إنسان من حمل التاج!! وكم تصارع البشر من أجـل اعتـلاء العـروش!! فعاشوا حيـاتهم قانعين بتلك اللذة الوحشية- لذة القتل وسفك الدماء- حتى يرى الناس جباههم اللامعة، يتلألأ فوقها تاج المُلك المُرصّع بالذهب والجواهر والأحجار الكريمة!

حاول مرَّة أُخرى أن يتهرب من المسئولية، ويزيح عن كاهله عبء الحكم على يسوع، فطلب من اليهود أن يأخذوه ويحكموا عليه حسب ناموسهم (يو31:18)، فقد رأى الوداعة تتكئ كطفل فى عينيه، والنبل يشيع على وجهه، والعفاف يسيل على شفتيه.. فتحرَّكت فيه عاطفة الشرف الإنسانيّ والعدل الرومانيّ فأجابهم: " وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ " (مت23:27)، " لَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ " (لو23: 14)، ففى الوقت الذى كان يسألهم بيلاطس عن شروره، كانوا يذكرون له الحسنات دون أن يدروا! كل من يأتى ليشتكى عليه يذكر عجائبه، ومع هذا صرخوا أُصلبه، فلماذا الصلب إذن؟!

كان يمكن لبيلاطس أن يحكم ببرائته ويطلقه فيخلصه من أيدى اليهود الحاسدين، وبهذا يكون قد نفّذ أوامر شريعتهم التى تقول " بِالْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ " (لا15:19)، لكنه ارتخى أمام أصواتهم المضطربة، التى أثارتها شياطين جَهَنّميّة! فخضع الملك ضاغراً، وتناسى العدل وضحى بالحق والضمير والشهامة قربان رخيصاً على مذبح قيصر! أسلمه لمَّا رأى أن هناك مساساً بنفوذه " إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرََ" (يو12:19) وقد نسى أن العواصف تفنى الزهور ولكنها لا تميت بذورها!

أخيراً بعد أن ظل يُماطل جلده وأسلمه ليُصلب، ولكي يفلت من الملامة أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع وقال: " إنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ" (مت24:27).

وقد كان الأولى أن يغسل جبنه!

  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:11 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

رحلة الالام : 6 - صلبـان قبـل الصـليب .... بقلم الراهب كاراس المُحرَّقيّ



صلبـان قبل الصـليب



الجـلد



كانت العادة عند الرومان أن يُجلد المذنب قبل أن يُصلب، وهذا ما حدث مع رب المجد يسوع، الذى بعدما فشل بيلاطس فى إطلاقه أطلق لهم باراباس " وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ " (مت26:27).

وكان الجلد يتم بتعرية المذنب من ثيابه، وربطه فى عمود، ثم ضربه بالسوط، الذى كان عبارة عن سيور من الجلد، وفيه عُقد مُثبّت فيها قطع من الرصاص أو الحديد أو العظام، وكان الجندي الرومانيّ يُعتبر فاشلاً، إذا كانت جلداته لا تترك جراحاً فى ظهر المجلود .

أما عدد الجلدات فكان (39) جلدة، فى حين أن القانونى (40) جلدة، هكذا جُلد القديس بولس الرسول من اليهود كما قال: " مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً " (2كو24:11)، والسبب فى ذلك هو خوفهم أن يسهو فى جلدة فتزيد الضربات عن (40)، وبهذا يكونون قد خالفوا أمر الشريعة، التى كانت تأمرهم ألا يزيدوا الضربات عن هذا العدد: " فَإِنْ كَانَ المُذْنِبُ مُسْتَوْجِبَ الضَّرْبِ يَطْرَحُهُ القَاضِي وَيَجْلِدُونَهُ أَمَامَهُ عَلى قَدَرِ ذَنْبِهِ بِالعَدَدِ أَرْبَعِينَ يَجْلِدُهُ، لا يَزِدْ لِئَلا إِذَا زَادَ فِي جَلدِهِ عَلى هَـذِهِ ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً يُحْتَقَرَ أَخُـوكَ فِي عَيْنَيْكَ " (تث25: 2،3) .

عن جلد المسيح تنبأ إشعياء النبيّ قائلاً " بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ " (إش6:50) وهكذا تنبأ المسيح عن جلد التلاميذ والمؤمنين " سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ " (مت17:10).
وما جلد المؤمنين إلاَّ دخول فى شركة آلام السيد المسيح: " لأَعْرِفَهُ وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ " (في10:3)، ولهذا مهما تفرّق المؤمنون، إلاَّ أنَّ عنصر الإنسانية سيظل يربط البشرية المتفرقة وأيضاً الألم، الذى صار محطة التقاء المؤمنين، كل المؤمنين، فالجميع عند الألم يلتقون! ليبقَ الألم سراً رهيباً صعب الفهم عسر التفسير!

وهى دليل على محبة الله " لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ " (عب12: 6)، ولهذا لمَّا جلد اليهود الرسل يقول الكتاب المقدّس: " وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ " (أع40:5،41).

لقد صارت جراحات المسيح، دواء شافياً لأمراضنا، مرهماً مداوياً لجراحتنا، كما قال مُعلَّمنا بطرس الرسول: " الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ " (1بط24:2).

هذا عن المؤمنين، أمَّا الخطاة فليسوا فى حاجة إلى من يجلدهم، إذ هم يجلدون أنفسهم بسياط الخطية، فهناك من يجلد نفسه بسوط الزنى والنجاسة، كالسامرية والمرأة الخاطئة وأهل سدوم وعمورة، وآخر يجلد نفسه بسوط محبة المال، كالشاب الغنى والغنى الغبى ويهوذا، وثالث يجلد نفسه بسوط العظمة والكبرياء، مثل هيرودس الملك الذى من أجل قسمه أمام الجمع أرسل وقطع رأس يوحنا، وهناك من يجلد نفسه بسوط المسكرات وتعاطي المخدرات أو السرقة أو القتل..

وكما تسببت خطايا البشر فى ربط المسيح وجلده، هكذا أيضاً الخاطيء ليس أحد أقرب منه إلى الأسر والعبودية والمذلة، مهما حاول أن يتظاهر بالحريّة والبعد عن كل مذلة وعبودية .

التعـرية

فى منظر مؤلم وبكل قسوة ووحشيّة عُري الصالبون يسوع من ثيابه، ذاك الذى صنع ثوباً من جلد لكي يستر به عُري آدم، الذي لا يزال يكسو السماء بحلة بهية من الأنوار، والأرض برداء من الأزهار.

أمَّا هو فترك لباسه بفرح عظيم ليلبس أولئك الذين خرجوا من الفردوس عرايا، لقد رأى أن يلبسهم ثيابهم ويبقى هو عارياً، لأنَّه عرف أنَّها تصلُح لآدم المفضوح المُعرَّى من ثيابه، ومن عرتهم الخطية من لباس النعمة الإلهيّة، ولكن، أليست السماء هى التى قد نسجت ثوباً من آشعة القمر وألقته على جسد خالقها فى حياته، فلماذا الآن قد حاكت من ظلمة الليل رداءً كثيفاً مُبطّناً بأنفاس الموت لتستر به أضلع المسيح؟!


وهكذا يتعرى آدم الجديد من ثياب الأرض،
قبل أن يرجع إلى ملكوت أبيه، ليتشح فقط
بوشاح طهره، ويتسربل بسربال محبته !!


لقد عروه من ثيابه احتقاراً (مت28:27) ، دون أن يفهموا أنَّه تعرَّى لينزع عن أجسادنا ثياب الخطية، لكى نلبس عوضاً عنها ثياب البر والخلاص.. لم يدركوا أن رب المجد لمّا رأى الإنسان قد تعرى من ثياب التواضع نزل من السماء متجسداً، وتعرى من ثياب مجده ليكسوه بتواضعه، ولمّا رآه عرياناً من ثمار المحبة غطَّاه برداء الحُب الإلهيّ!!

ولكى يزيدوه احتقاراً ألبسوه ثوباً قرمزياً لأنَّه فى نظرهم ادّعى المُلك، فكان لابد أن يلبس ثياب الملوك، فألبسوه ثوباً لون الدم ليتزين به العريس المقتول، لكن المحزن أنَّهم عادوا فنزعوا عنه الرداء القرمزيّ وألبسوه ثيابه مرة أُخرى، فكان هذا إعلاناً على أنَّهم رفضوا أن يرتدوا ثوب الخلاص، مفضّلين ثوب الخطية التى أحبّوها وفضلوا ألاّ ينفصلوا عنها.

قال أحد الآباء:


" طرحت عني اللباس المرقّع الذى كنت ألبسه وغسلت جسدي من الدخان الذى كنت حامله، وألبستنى عوضاً عنه ثياب مجدك وطهارتك وبرك ".
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 10 - 2012, 07:11 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Marina Greiss Female
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Marina Greiss

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 14
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : USA
المشاركـــــــات : 20,933

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Marina Greiss غير متواجد حالياً

افتراضي رد: رحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ

إكليل الشوك


الشوك يرمز للخطية التى لولاها ما كانت الأرض قد لُعنت، ولا أنبتت شوكاً وحسكاً (تك17:3،18)، فكما أن الشوك سهل الاحتراق، وعندما يشتعل يحرق كل من يقترب منه، هكذا أيضاً الخطية، كل من يقترب منها يحترق بنارها، كما أنَّها تقود إلى النار الأبدية، أليست الخطية هى التي تسببت فى إحراق سدوم وعمورة بالنار والكبريت؟! (تك24:19).

وقد تحدّث سفر الرؤيا عن البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، ووصف عقاب الخاطيء بأنَّه " سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ الله " (رؤ10:14)، ويشرح كمثال لهذا العقاب عقوبة بابل الزانية فيقول: " وَسَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، الَّذِينَ زَنُوا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا " (رؤ9:18) .

وكما أنَّ الشوك يؤلـم كل من يمسكه ويسبب له جروحاً بالغة، هكذا الخطية لا نجنى منها سوى الآلام والأحزان، وكما قال القديس أُغسطينوس: ما من سعادة يجنيها الإنسان من الخطية لأن آلامها تفوق أفراحها ".

وإن كانت الخطية تبدو لذيذة فى بدايتها لكن إلى حين، إذ سرعان ما تنقلب حلاوتها إلى مرارة، ويستطيع أن يتحقق من هذا كل خاطيء إذا سأل نفسه بعد كل خطية يسقط فيها: ماذا ربحت وماذا خسرت من خطيتي هذه؟ قد تربح لذة وقتية، أو تجني مالاً، أو تنال مركزاً.. لكنَّك ستخسر الله اللذة الحقيقية، الذي لذته تفوق كل لذة مهما كانت أرضية.

ولو تأملنا منظر الإكليل لرأينا أنَّه يأخذ شكلاً دائرياً، وهذا يُشير إلى أنَّ السيد المسيح قد رفع الخطية من دائرة العالم كله.
أمَّا كون الشوك أُخذ من الأرض التى لُعنت فهذا يعنى: إنَّ المسيح إنَّما جاء ليستأصل اللعنة القديمة وينزع جذور الخطية من الأرض ولهذا قال أحد الآباء:

" أتى ليقلع الأشواك من الأرض.. حمل لعنة الأرض بالإكليل الذى وضعوه على رأسه، الخطايا والذنوب والأوجاع والآلام والضربات.. ضُفرت بالإكليل ووضعت على رأسه لكي يحملها.. خلع بإكليله الزرع الملعون الذى للحية.. قطعوا بأيديهم الأشواك التى اضطرت أن تنقلع وصارت إكليلاً لابن الله وذلك لكي يزيلها ".

جاء المسيح وحمل شوك الخطية على رأسه لينقذنا من لعنتها، من الظاهر كان يحمل شوكاً على رأسه، أمَّا الداخل فكان يحمل خطايا ولعنات البشرية كلها، التى تجمّعت فى هذا الإكليل، وتراكمت على رأسه المقدس فى شكل أشواك.



وهكذا وضع الناس خطاياهم بأيديهم
على رأس يسوع الذبيحـة الحقيقية،
الذى جاء لُيذبح ويرفع خطايا العالم



أرادوا أن يستهزئوا بملك الملوك فماذا فعلوا؟ ألبسوه تاجاً، لا من جواهر نفيسة أو معادن كريمة، بل من شوك، فصار كالرحلة الالام .... كاراس المُحرَّقيّ الجميلة المحاطة بأشواك الخطاة! وها نحن إلى الآن لا نمل من التطلع إلى جمال منظرها، أو تنسم عبير رائحتها.

وهكذا حوّل المسيح إكليل اللعنة والعار إلى إكليل المجد والبهاء، وضع إكليل شوك على رأسه، ليرد آدم إلى رتبته الأولى ممجداً ومتوجاً بإكليل النصرة والغلبة، وأيضاً ليُسقط تاج الشيطان الذى ملك على الخليقة!!

القصبة


القصبة تشير إلى المُلك والسلطان، فقديماً كان الملك يمسك فى يده قضيباً من ذهب يستخدمه فى إعلان رأيه، فقد جاء فى سفر أستير عن الملك أحشويروش:

" كُلَّ رَجُلٍ دَخَلَ أَوِ امْرَأَةٍ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وَلَمْ يُدْعَ فَشَرِيعَتُهُ وَاحِدَةٌ أَنْ يُقْتَلَ إِلاَّ الَّذِي يَمُدُّ لَهُ الْمَلِكُ قَضِيبَ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَحْيَا " (أس4: 11)، " فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ وَاقِفَةً فِي الدَّارِ نَالَتْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ فَمَدَّ الْمَلِكُ لأَسْتِيرَ قَضِيبَ الذَّهَبِ الَّذِي بِيَدِهِ فَدَنَتْ أَسْتِيرُ وَلَمَسَتْ رَأْسَ الْقَضِيبِ " (أس5: 2).

فإن كانت القصبة ترمز إلى المُلك، فيكون وضعها فى يد المخلص (مت30:7)، إشارة إلى انتقال المُلك من أيدى اليهود إلى المسيح، وانتهاء مملكة اليهود لكي تبدأ مملكة المسيح فى الانتشار.

وقيل إن القصبة هى أفضل وسيلة لسحق رؤوس الحيات، وهذا يعني: إنَّ رب المجد قد جاء ليقتل الحية القديمة، التي هى إبليس ويشفينا من سُمها المميت، ولكى يعطينا سلطاناً أن نسحقها بأقدامنا، وتأكيـداً لهذا قال لتلاميذه بعد القيامة:
" وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاًمُمِيتاً لاَيَضُرُّهُمْ وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ " (مر16: 17،18) .

لقد أراد الأشرار أن يستهزئوا به، ظانين أن قصبته ومملكته ضعيفة ولا قيمة لها وسوف تزول سريعاً، لكنّهم أخطأوا لأنَّ كرسيّه إلى دهر الدهور وقضيب استقامة هو قضيب ملكه (مز45 :6).
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
خلى بالك من ابديتك وكلام يبكت من انبا كاراس † عظات الانبا كاراس
رحلة الالام
وابتدأت رحلة الالام
رحلة الصوم الكبير ( اسبوع استعداد ، 40 يوم صامها بابا يسوع ، اسبوع الالام )
كتاب رحلة الآلام للراهب كاراس المحرقي


الساعة الآن 11:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024