شريعة الخطبة كانت مريم نذيرة للرب قبل ولادتها، كنذر أمها حنة قبل أن تلدها، أن تكون نذيرة للهيكل كل أيام حياتها، ولما خرجت مريم من الهيكل بعد ان بلغت سن 12 عام، شاءت العناية الإلهية ان يتولى امرها الشيخ يوسف النجار وكان شيخا كبيرا وقورا، وهذه حكمة لله لكي تكون مريم بالنسبة له كإبنة، فشاء الله أن يكون يوسف هو الإنسان المناسب الذي يرعى مريم. وكان لابد احتياطا أن الآباء الكهنة يعقدو عقد زواج رسمي، وهذا نوع من الزواج الذي نسميه الزواج البتولي. وهذا ما قال عنه الكتاب المقدس في (حزقيال 44: 2) هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح ولايدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقا، وكما قال آباء الكنيسة إن هذه نبوءة عن العذراء مريم أنها تظل بتولا كل أيام حياتها، وهي المعروفة بالعذراء بالألف واللام، فكل بنت غير متزوجة نسميها عذراء لكن مريم نقول العذراء بالألف واللام. وفى ذلك قال القديس ماريعقوب اسقف اورشليم فى ميمره مايأتى: لما بلغت مريم العذراء من العمر اثنتى عشرة سنة تشاور الكهنة وفى مقدمتهم زكريا فيما بينهم عما يكون من امرها فقرر قرارهم على خطوبتها ليوسف البار بأمر ملاك الرب الذى امر زكريا قائلا اجمع شيوخ وشبان يهوذا وخذ عصيهم واكتب على كل منها اسم صاحبها والتى تظهر منها علامة يكون صاحبها هو المختار لمريم، ففعل زكريا كما امره ملاك الرب وعند تسلم العصى لآربابها ظهر من عصا يوسف حمامة استقرت على رأسه، فسلم زكريا مريم اليه قائلا خذها واحفظها عندك لتكون لك امرأة فرضخ يوسف للآمر وسجد قدام الكهنة فأخذ زكريا الكاهن بيمين مريم الطاهرة ووضعها فى يمين يوسف وقال له يايوسف انظر انك من بيت الرب المقدس اخذت هذه الابنة والله تعالى هو الشاهد عليك بما تفعله معها فى امرها وصلى عليه الكاهن الصلاة حسب الناموس وباركها، فأخذها يوسف من تلك الساعة ومضى بها فى بيته. كانت الخطبة في الشريعة اليهودية عهداً أبدياً لا ينفصم، وما الزفاف إلا حفل تنتقل فيه الفتاة من بيت أبيها لبيت رجلها، ووفقاً لهذه الشريعة كانت الفتاة المخطوبة بمثابة زوجة لخطيبها، ولو مات خاطبها أثناء فترة الخطبة وقبل الزفاف تُعتبر الخطيبة أرملة خاضعة لشريعة الزواج من أخي الزوج (تثنية 25: 5-10)؛ ولم يكن ممكناً للفتاة أو عائلتها أن يفُضَّا علاقة الخطوبة هذه إلا بكتاب أو وثيقة طلاق، كما أن هذه العادات أو الشريعة ما كانت لتسمح بوجود علاقة جنسية بين الخطيب وخطيبته قبل إعلان حفل الزفاف وإلا اُعتبرا في حُكم الزناة. ووفقاً لهذه الشريعة، كانت العذراء مريم مخطوبة لرجل من بيت داود، اسمه يوسف (لوقا 1: 27)؛ كان يوسف رجلاً باراً، فحين عَرِفَ بأمر حبل خطيبته، لم يشأ أن يُشِّهرَ بها، أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو مُتفكر في هذه الأمور جاءته بشارة الملاك قائلة "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيه هو من الروح القدس" (متى 1: 20).
بشارة الملاك جبرائيل لمريم البشارة بميلاد يسوع (لوقا 1: 26-38)26وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ،27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». 29فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ،وَفَكَّرَتْ: مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! 30فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً،وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى،وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ،33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».34فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ،وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. 36وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا،وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً،37لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». 38فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ. لم تكن مريم ذات حسب أو نسب وإنما كانت الفتاه اليتيمة التى تعيش بين جنبات الهيكل ، ولما جاء ملء الزمان ليظهر الله فى الجسد ويتجسد ابن الإنسان لخلاص البشرية كانت العذراء مريم هى الإناء المختار والهيكل الطاهر والسماء الثانية الجسدانية التى يحل بها الإله وتابوت العهد المقدس اذى يحوي المن النازل من السماء وخبز الحياة؛ وفى تعبير لاهوتي عميق أشار الآباء إلى إختيار الله الآب العذراء لولادة الابن فى ثيؤطوكية الأربعاء حيث يختتم كل قطعة قائلاً: ((تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك. أرسل وحيده. أتى وتجسد منك)). الفتاه التى تميزت بالطهر والعفاف فى وسط جيل شرير والقداسة التى رضعت لبنها بين أحضان أبوين بارين قدماها نذيراً للرب وترعرعت بين جدران الهيكل، غذاؤها صلوات وتسابيح وشرابها كلمات الله. كانت مريم يوم ذاك، مخطوبة ليوسف. فجاءها ملاك وقال: "سلام لك، أيتها الممتلئة نعمة، الربّ معك!." فاضطربت مريم لرؤيتة، وفكرّت ما عسى أن يكون ذاك السلام. فقال لها الملاك: " لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت تحبلين، وتلدين ابنا، وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيما، وابن العليّ يدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية ". فأجابت مريم قائلة: " كيف يكون هذا، وأنا لست أعرف رجلاً؟ ". فقال الملاك: " الروح القدس يحل عليك، وقوة العليّ تظلّلك! فلذلك أيضاً القدّوس المولود منك يدعى ابن الله " (لوقا 1: 29 - 35) فقد كانت مريم مخطوبة ليوسف. ومعلوم أن معنى الخطبة، عند العبرانيين، كان قريباً جدّ اً من مفهوم الزواج. وكان للخطبة جميع امتيازات الزواج، ماعدا المساكنة. ومن ثمّ، كانت الخطيبة تخضع لناموس خطيبها سنة قبل الزواج، إذا كانت بكراً، وشهراً، إذا كانت أرملة. وكان، إذا ولد طفل في فترة الخطبة، يحسب ولداَ شرعياً. لقد كانت الأمانة " الزوجية " إذن فريضة صارمة من فرائض الخطبة، والخطيبة الحانثة بعهودها تعتبر زانية، وأهلاً، إذا وشى بها خطيبها، للعقاب المقرّر في سفر " التثنية " (22: 23): أي الموت كل هذه الأسئلة كانت ستتوارد لفكر أي فتاة أخرى في موقف العذراء مريم، وقد يمكن أن لا تقبل هذا الأمر، لكن ما حدث مع العذراء القديسة مريم هو أنه في كل خضوع وتسليم لمشيئه الله، وقناعة باختياره، قبلَت هذا الأمر، وحين سألت الملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟. " (لوقا 1: 34)؛ لم يكن ليس تساؤل الخائف أو غير المؤمن، بل كان تساؤل من يريد أن يعرف، فكيف لعذراء نذرت نفسها للهيكل أن توجد حُبلى، وتلد ابناً، دون أن يَمسسها رجل، أو أن تعرف رجلاً؟. وقد أجاب الملاك جبرائيل مُعطياً تفسيراً للعذراء، قائلاً "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلّلُكِ فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لوقا 1: 35). وكشف ملاك الرب ليوسف خطيبها أمر الحبل المقدس حين جاءه في حُلمٍ قائلاً "يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعُّون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (متى 1: 20 – 23). كان خضوع العذراء وتجاوبها مع دعوة الله لها، هو الطريق الذي هيأ به الله جسداً له ليدخل منه إلى العالم (عبرانيين 10: 5). وكما بدأ الملاك كلامه مع العذراء بالتحية، إبعاد الخوف عنها بقوله "لا تخافي. "، أنهى معها حديثه بخبرٍ مشجع، عن قريبتها أليصابات، حين أخبرها قائلاً "وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله" (لوقا 1: 36 – 38). كان قَبُول العذراء مريم لرسالة الملاك، ما يجعلها في تَميّز واضح عن سارة، المرأة المتزوجة، العاقر، حين سمعت رسالة الله بولادة ابن لها في شيخوختها، ضحكت، لأنها أعتبرت أن الوقت فات لحدوث مثل هذا الأمر (تكوين 18: 9-15)، وزكريا الكاهن حين ظَهر له ملاك الرب، خاف واضطرب، حتى بعدما بشَّره الملاك بأن الله قد سَمِع لطلبته وسوف يُعطى ابناً، لم يُصدِق، فكيف وهو شيخ، وامرأته متقدمة في الأيام أن يكون له ولدٍ؟. (لوقا 1: 12-18). أما العذراء مريم فحين سمعت البشرى السارة، لم تَخف، ولم تضطرب، ولم تشك، بل قالت في كل خضوع وإيمان " هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك" لقد قبلت رسالة الله لها حتى وهي في ظروف بشرية مستحيلة.السلام لك (أو إفرحي) يا ممتلئة نعمة الرب معك لنقارن بين هذين النصين: بشارة صفنيا النبي لابنة صهيون كتعبير رمزي لشعب العهد القديم وبشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء. صفنيا 3: 14- 17 14 هلّلي يا بنت صهيون إهتف يا إسرائيل إفرحي وتهلّلي بكلّ قلبكيا بنت أورشليم 15 فقد ألغى الربّ الحكم عليك وأبعد عدوّك في وسطك ملك إسرائيل الرب فلا ترينَ شرًّا من بعد 16 في ذلك اليوم يقال لأورشليم: لا تخافي ولصهيون: لا تسترخي يداك 17 في وسطك الربّ إلهك الجبّار الذي يخلّص (= يوشيع)ويسرّ بك فرحًا ويجدّدك بمحبّته كما في أيّام العيد لوقا 1: 28- 33 28 السلام لك (باليونانية "إفرحي") يا ممتلئة نعمة الرب معك 30 لا تخافي يا مريم فلقد نلت حظوة عند الله 31 وها أنت تحبلين في أحشائك وتلدين ابنًاوتسمّينه يسوع (أي "الله يخلّص") كثيرًا ما يصوّر الأنبياء شعب العهد القديم في شخص امرأة اختارها الله وأحبّها وأراد أن يجعل منها عروسًا له. هذا الرمز نجده أيضاً في تعبير "ابنة صهيون" التي تعني الشعب كلّه، كما في المقاطع التالية المرتبطة بالنص الإنجيلي: "قولوا لابنة صهيون: هوذا خلاصك آت" (أش 62: 11). "إهتفي وافرحي يا ابنة صهيون، فهاءَنذا آتي وأسكن في وسطك، يقول الرب" (زك 2: 14). "إبتهجي جدًّا يا ابنة صهيون، واهتفي يا ابنة أورشليم، هوذا ملكك يأتيك بارًّا مخلّصاً وضيعًا راكبًا على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك 9: 9). وتصوَّر ابنة صهيون تارة كعذراء وتارة كأُمّ تلد في الأوجاع: "داس السيّد المعصرة على العذراء ابنة يهوذا" (مرا 1: 15). "ماذا أساوي بك فأعزّيك، أيّتها العذراء بنت صهيون؟ لأنّ تحطّمك عظيم كالبحر. فمن ذا يشفيك؟" (مرا 2: 13). "لقد صنعت عذراء إسرائيل أمرًا يُقشعَرُّ منه جدًّا" (إر 18: 13). "قد سمعت صوتًا كصوت الماخض، وصوتًا مثل شدّة التي تلد بكرها، صوت بنت صهيون تنتحب وتبسط كفّيها" (إر 4: 31). "تمخَّضي وادفعي يا بنت صهيون كالتي تلد. فإنّك الآن تخرجين من المدينة، وتسكنين في الحقول وتسيرين إلى بابل. هناك تُنقَذين، وهناك يفتديك الربّ من أيدي أعدائك" (مي 4: 10). إبنة صهيون تصوّر كعذراء للدلالة على أنّ الله اختارها عروساً له: "فكما أنّ شابًا يتزوّج بكرًا كذلك بنوك يتزوّجونك. وكسرور العريس بالعروس يسرّ بك إلهك" (أش 62: 5. راجع 61: 10). وتصوّر ابنة صهيون أيضاً كأمّ تلد في الأوجاع، وهذه الأوجاع هي محن اجتياح أورشليم وسبي سكّانها إلىّ بابل حيث سيخلّصها الرب. إنّ آلام المخاض التي تعانيها ابنة صهيون تحمل معها رجاء ماسيويًّا. فالربّ سينقذها يومًا بمجيء المسيح الذي سيمنح شعبه الخلاص النهائي. تنظي صورة ابنة صهيون إذاً على بعدين: بعد صوفي إذا تعبّر عن اتّحاد بنت صهيون العذراء بالربّ عريسها، وبعد اسختولوجي لأنّها تشير إلى أنّ تلك العذراء ستلد بالأوجاع الرجاء الماسيويّ، ومنها سيخرج المسيح الذي سيخلّص شعبه. تحيّة الملاك جبرائيل للعذراء مريم: "إفرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك"، يجب وضعها في إطارها الصحيح حيث تجد ملء معناها. وهذا الإطار هو ترقّب ابنة صهيون مجيء المسيح المخلّص. وهذا هو مدعاة الفرح العظيم الذي يدعو إليه الأنبياء: "هلّلي... إفرحي وتهلّلي بكلّ قلبك" (باليونانية. وقول الملاك هذا ليس مجرّد تحيّة اعتياديّة، كل لأيّ شخص: "السلام عليك"، بل هو دعوة إلى الفرح الماسيويّ الناتج من مجيء المسيح المخلّص: "الربّ معك... ها أنت تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع... ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد". فالعذراء أمّ المسيح هي صورة شعب العهد القديم المشار إليه بتعبير "ابنة صهيون"، الذي كان ينتظر في أوجاع تاريخه ميلاد رجائه بفرح وتهليل، والخلاص الذي وعده به الربّ الإله. مدعاة الفرح في العهد القديم هي حضور الله في وسط شعبه "ليُلغيَ الحكمَ عليه ويبعد عدوَّه" ويكوّن في وسطه "الربّ الذي يخلّص". وقد تحقّق هذا في العهد الجديد بحضور الله في شخص ابنه يسوع المسيح في أحشاء مريم العذراء التي اختارها الله وجعلها "ممتلئة نعمة". فلا حكم من بعد. بل ملء النعمة أي ملء حضور الله. والله، بحضوره في وسط شعبه، سيجدّده بمحبّته. ولقد "نالت مريم حظوة عند الله" بأنّ هذا الخلاص سيتمّ بواسطتها؛ فهي التي ستحبل بقدرة الروح القدس وتلد المسيح المخلّص. التعبير الذي يستعمله لوقا للدلالة على الحبل يتضمّن حشوًا مستغربًا إذ يقول: "ستحبلين في أحشائك وتلدين...". فتعاقب الفعلين تحبلين وتلدين هو أمر معهود في العهد القديم، ولكن لماذا أضاف لوقا عبارة "في أحشائك" التي تبدو تكرارًا وحشوًا؟ هذا الحشو هو دلالة على أنّ نصّ لوقا مستقى من نبوءة صفنيا التي تحقّقت في الحبل بيسوع في أحشاء مريم العذراء. فصفنيا يؤكّد مرّتين حضور الله في وسط شعبه (3: 15، 17). فاللفظة العبرية التي يستعملها "بقربيخ" تعني في أحشائك. ويعني بها "في وسطك"، والوسط هنا ليس وسط الشعب، بل وسط الهيكل، كما يقول في موضع آخر: "الربّ بارّ في وسطها لا يرتكب ظلمًا، وصباحًا فصباحًا يُصدر حكمَه وعند طلوع النور لا يقصِّر" (صف 3: 5). في هذه الآيات إشارة إلى سكنى الله في وسط الهيكل حيث يتجلّى برُّ الله وتعلَن شريعته. وهذا المعنى نجده عند غير نبيّ: "فتعلمون أنّي أنا في وسط إسرائيل، وأنّي أنا الربّ إلهكم" (يوء 2: 27). "إهتفي وافرحي يا ابنة صهيون، فهاءنذا آتي وأسكن في وسطك، يقول الرب... ليسكتْ كل بشر أمام وجه الرب، فإنّه قد استيقظ من مسكن قدسه" (زك 2: 14، 17). سنة 587 ق م احتلّ البابليون أورشليم ودمّروا الهيكل وسبوا السكّان إلى بابل. ثمّ سنة 538 أذن قورش ليهود بالعودة من بابل إلى أورشليم. وسنة 520 بدأوا بإعادة بناء الهيكل. في هذا الإطار يتنبّأ زكريّا أنّ الله سيَخرج من جديد من مسكن قدسه السماوي ليسكن في وسط شعبه أي في الهيكل، في تابوت العهد الذي يحوي وصايا الله العشر. وسكنى الله في تابوت العهد هو منذ القديم ضمانة لشعب الله، كما في قول الله لموسى: "لا ترتعد أمامهم (أي أمام الشعوب الكثيرة)، لأنّ الربّ إلهك في وسطك إله عظيم رهيب" (تثنية 7: 21). هذه العبارة تشير عند الأنبياء إلى إعادة بناء الهيكل وفي الوقت عينه إلى مجيء الربّ لدى تحقيق الرجاء الماسيويّ، كما نرى ذلك في نصّ صفنيا والنصّ التالي لأشعيا: "إهتفي وابتهجي يا ساكنة صهيون، فإنّ قدّوس إسرائيل في وسطك عظيم" (أش 12: 6). فإذا كان لوقا قد استعمل العبارة "في أحشائك" التي تعني "في وسطك" وتشير في العهد القديم إلى سكنى الله في الهيكل في تابوت العهد، فليس ذلك لمجرّد التكرار والحشو، بل لتأكيد العلاقة بين تحيّة الملاك والنبوءات الماسيويّة التي تنبّأت عن إعادة بناء الهيكل ومجيء الله ليسكن في وسط شعبه. فمريم العذراء ستحمل في أحشائها المسيح المنتظر الذي سيكون المخلّص. فكما كان الله في وسط شعبه "الجبّار الذي يخلّص"، ستكون مريم هيكل الله، تابوت العهد الجديد ومقام سكنى الله. مريم العذراء هي "ابنة صهيون"، "أورشليم الجديدة"، مسكن الله المقدّس. إنّها تمثّل "البقيّة" الأمينة من شعب إسرائيل، أولئك الصدّيقين الذين كانوا ينتظرون في الفقر الروحي والضعة والبرّ والقداسة فرح مجيء الربّ المخلّص في شخص المسيح. مريم العذراء هي تابوت العهد الجديد. بعد خراب أورشليم الأوّل سنة 596 ق م اختفى تابوت العهد. وعندما أُعيد بناء الهيكل سنة 520، تُرك "المكان المقدّس" فارغًا، وكان هذا الفراغ علامة رجاء وانتظار لمجيء الله من جديد في الأزمنة الأخيرة. وإذا بجبرائيل ملاك الأزمنة الأخيرة، يعلن تحقيق وعود الله: لقد كوّن الله مريم العذراء "ممتلئة نعمة" وجعلها تابوت العهد الجديد المقدّس، ليسكن فيها، بدل وصاياه العشر وأحكامه المتعدّدة، كلمتُه وابنُه الوحيد يسوع المسيح المخلّص. يسوع ابن مريم يدعى ابن الله الحبل بيسوع بقدرة الروح القدس يفسّر لماذا يدعى يسوع "ابن الله"، ويشير إلى تحقيق نبوءة ناتان النبيّ بمجيء ملك من نسل داود يدعى "ابن العلي". لنقارن بين النصّين التاليين: 2 صموئيل 7: 11- 16 11 لقد أخبركَ الربّ أنّه سيقيم لك بيتًا، 12 وإذا تمّت أيّامك واضطجعتَ مع آبائك، أقيمُ من يخلفك من نسلك الذي يخرج من صلبك، 13 وأثبّت عرش ملكه إلى الأبد. 14 أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا، 16 بل يكون بيتك وملككثابتين إلى الأبد أمام وجهك، وعرشك يكون راسخًا إلى الأبد. لوقا 1: 31- 33 31 ها أنتِ تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع. 32 إنّه يكون عظيمًا، وسيعطيه الربّ الإله عرشداود أبيه، وابن العليّ يُدعى، 33 ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولن يكون لملكه انقضاء. نبوءة ناتان هذه هي جواب الربّ على رغبة داود الملك في أن يبني هيكلاً للربّ: "قال الملك. لناتان النبيّ: "أنظر إنّي ساكن في بيت من أرز. وتابوت الربّ ساكن في داخل الخيمة" (2 صم 7: 2). فكان جواب الرب أنّ داود لن يصنع بيتًا (أي هيكلاً) للربّ، بل الربّ هو الذي سيصنع بيتًا (أي سلالة) لداود. فالوعد يتناول في جوهره استمرار نسل داود على عرش إسرائيل. ويرى لوقا أنّ هذا الوعد قد تحقّق في شخص يسوع المسيح ولكن على نحو روحي. فالمسيح سيملك، ولكنّ ملكوته سيكون ملكوتًا روحيًّا. لن يعيد مملكة داود، بل سينشئ ملكوت الله على الأرض، ولن يكون لهذا الملكوت انقضاء. أمّا قول ناتان: "أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا"، فيرى لوقا تحقيقه في قول الملاك: "وابن العليّ يُدعى". ثمّ يفسّر لماذا سيدعى يسوع "ابن الله" في الآيات 34- 36: "فقالت مريم للملاك: كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجل؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحلّ عليك، وقدرة العليّ تظلّلك. ومن أجل ذلك فالذي يُولَد منك يُدعى قدّوسًا "وابن الله". فيسوع يدعى ابن الله، إلى جانب كونه ابن داود، لأن ليس له أب من بين البشر، بل تكوّن في أحشاء مريم العذراء من الروح القدس، أي بقدرة الله الخالق القدّوس، "إذ ليس من أمر يستحيل على الله" (لو 1: 27). إنّ فعل "عرف" يشير في سياق الكلام هنا إلى العلاقات الزوجيّة (راجع تك 4: 1: "وعرف آدم حوّاء امرأته فحملت وولدت قايين"). فمريم لا تزال عذراء، وهي فقط مخطوبة ليوسف (لو 1: 27). لا شكّ أنّ الخطبة في التقليد اليهودي هي بمثابة زواج شرعي، لكنّ المساكنة لا تتمّ إلاّ بعد أن تُزَفّ العروس إلى بيت عريسها. وهذا ما يشير إليه متّى، كما سنرى ذلك (متّى 1: 18- 20). فمريم لا تزال إذن عذراء. والملاك ينبئها بأنّها ستكون أمًّا. ولقد أدركت أنّها ستكون أمًّا على الفور كما حصل لأمّ شمشون حين بشّرها الملاك بأنّها ستحبل وتلد ابنًا (قض 13: 3- 5). فسألته عن كيفيّة ذلك، إذ ليست لها أيّ علاقة زوجيّة مع يوسف، فكان سؤالها هذا مدخلاً إلى وحي الملاك. إنّ لقب "ابن الله" هو، في نظر لوقا كما في نظر العهد القديم، تسمية للمسيح (لو 4: 34، 41؛ أع 9: 20، 22). لكنّ لوقا يجعل منه أيضاً التعبير الأمثل للصلة السرّية التي تربط يسوع بالله. فإنّه لا يضع هذا اللقب في إنجيله على لسان البشر (كما يفعل متّى 14: 33 ومر 15: 39)، بل على لسان الآب (3: 22؛ 9: 35) وأحد الملائكة (هنا) والأرواح الشيطانيّة (4: 3) ويسوع نفسه (10: 22؛ 22: 70). وفي خاتمة بشارة الملاك جبرائيل، يضيف لقب "ابن الله" إلى لقب "ابن العليّ" الوارد ذكره في الآية 32، مبيّنًا ما في بنوّة يسوع الإلهية من عمق وجدّة. قدرة العلي تظلّل العذراء مريم العذراء هي مسكن الله، ففيها سكن كلمة الله. لذلك يستخدم لوقا للتعبير عن تلك السكنى الألفاظ عينها التي استخدمها العهد القديم لحضور الله في تابوت العهد وخيمة الموعد التي كان يوضع فيها. لنقارن بين النصّين التاليين: خروج 40: 34- 35 34 ثمّ غطّى الغمام خيمة الموعد، وملأ مجد الربّ المسكن، 35 فلم يستطع موسى أن يدخل خيمة الموعد،لأنّ الغمام كان حالاًّ عليه، ومجد الربّ قد ملأ المسكن. لوقا 1: 35 الروح القدس يحلّ عليك، وقدرة العليّ تظلّلك، ومن أجل ذلك فالذي يولد منك يدعى قدّوسًا وابن الله. بين النصين صلة واضحة أرادها لوقا لإظهار تتابع العهدين والتأكيد أنّ مريم العذراء هي مسكن الله، وأنّ الله يتجلّى فيها كما كان يتجلّى في خيمة الموعد وتابوت العهد. يتضمّن هذا التجلّي عنصرين: الغمام المنير الذي يظلّل خيمة الموعد ويبقى على نحو ما فوقها وخارجها، ومجد الربّ الذي يملأ المسكن. فالغمام الذي هو في العهد القديم رمز لحضور الله يصير هنا شخصيًّا ويدعى "الروح القدس" أو "قدرة العليّ". فالروح القدس، قدرة العليّ، يحلّ على مريم العذراء ليظلّلها كما كان الغمام يظلّل خيمة الموعد. ونتيجة حضور الله على مريم العذراء هي تجسّد كلمة الله وابن الله في أحشائها: "ومن أجل ذلك فالمولودُ منها سيُدعى قدّوسًا وابنَ الله". فكما كان مجد الله يملأ المسكن الذي كان يظلّله الغمام، هكذا سيسكن القدّوس ابن الله في أحشاء مريم العذراء بعد أن تظلّلها قدرة العليّ. يسوع المسيح هو مجد الله على الأرض. هذا ما سيظهر أيضاً من خلال رواية تجلّي يسوع على جبل ثابور (لو 9: 28- 36). فبطرس ويوحنّا ويعقوب شاهدوا مجد المسيح الذي تجلّى على جبل ثابور كما تجلّى مجد الله على جبل سيناء: "وصعد موسى الجبل فغطّى الغمام الجبل. وحلّ مجد الربّ على جبل سيناء، وغطّاه الغمام ستّة أيّام. وفي اليوم السابع دعا الربّ موسى من وسط الغمام" (خر 24: 15- 16). إنّ مجد الله حاضر على الأرض في شخص يسوع ابن الله. لذلك في التجلّي "انطلق صوت من الغمامة يقول: هذا هو ابني الحبيب، فاسمعوا له" (لو 9: 35). في المعنى عينه يقول إنجيل يوحنّا: "والكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده، مجدًا من الآب لابنه الوحيد، الممتلئ نعمة وحقًّا" (يو 1: 14). الجسد الذي اتّخذه ابن الله هو خيمة الموعد الجديدة حيث يسكن المجد الذي هو ملء النعمة والحق في ما بيننا. الله حاضر بين البشر في جسد ابنة الذي فيه يشّع مجده. الغمام الذي يظلّل المسيح في التجلّي، وقدرة العليّ التي تظلّل مريم العذراء في البشارة، إشارة إلى سموّ الله الذي يتجلّى وفي الوقت عينه يبقى متساميًا عن مكان تجلّيه. فالغمام هو رمز الآب الذي يُسمعَ صوتُه آتيًا من السماء. الآب متسامٍ وفوق المسكن. والابن هو حضور الآب، هو تجلّي مجده داخل المسكن. كذلك مريم العذراء تظلّلها من الخارج قدرة العليّ، وتحمل في داخلها مجد الله، يسوع المسيح ابن الله المتجسّد. على ضوء هذه المقارنة، تبدو مريم العذراء، في لحظة حبلها بالمسيح، مسكن الله الجديد وقدس الأقداس وخيمة الموعد يظلّلها الغمام المنير، الروح القدس، قدرة العليّ، ويحلّ فيها مجد الله، الابن الحبيب والوحيد، الممتلئ نعمة وحقًّا، الكلمة الذي صار جسدًا وأقام سكناه في ما بيننا، الإله الحاضر في ما بين خلائقه. نشير أخيرًا إلى لقب "القدّوس" الذي نجده إلى جانب لقب ابن الله. وهو يشير إلى الانتماء إلى الله وحده. وهو من أقدم التعابير عن ألوهيّة المسيح (أع 3: 14: "لقد أنكرتم القدّوس الصدّيق". راجع أيضاً: أع 4: 27، 30، لو 4: 34). مريم العذراء هي مسكن الله بين البشر، عليها حلّت قدرة الله ومنها وُلد المسيح القدّوس ابن الله.
مريم تزور أليصابات العذراء مريم تزور أليصابات(لوقا 1: 39-45) 39فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا،40وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. 41فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا،وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! 43فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ 44فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. 45فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ». أعلن جبرائيل لمريم أن الله افتقد نسيبتها أليصابات، لكي تقوم بما كان يجب عليها أن تؤديه، سواء فهمت معنى الرسالة كاملة أم لا. وأصبح لديها الشعور أن لها صديقة واحدة يمكنها تسكب معها نفسها ولذلك "قامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات". وزيارتها لأليصابات كانت من الرب، وهذا رأيناه من التحية التي استقبلت بها – هذه التحية كانت دافعاً لتثبيت إيمانها بشكل ملحوظ. وحالما سمعت أليصابات سلام نسيبتها تذكرت حالتها الخاصة، وفي الحال امتلأت بالروح القدس وأوحى لها أن تعلن البركة لتلك التي ميزها الرب بنعمته "وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني. ارتكض الجنين بابتهاج في بطني: فطوبى للتي آمنت أن يتم لها ما قيل من قبل الرب". وقبل أن نتناول إجابة مريم لأليصابات، هناك ملاحظات قليلة في هذه الكلمة. أليصابات إذ "امتلأت من الروح لقدس" صارت في شركة تامة مع أفكار الله تجاه مريم. كان جبرائيل قد قال لها: "مباركة أنت في النساء"، والآن أليصابات تقول لها: "مباركة أنت في النساء" وتضيف أيضاً "ومباركة هي ثمرة بطنك". وإذا انفتحت عيناها بقوة الله، رأت كما رأى الله فنطقت بذات تقدير الله لتلك التي اختارها لهذه الميزة المتفردة. وإذ امتلأت بالروح في تواضع ووداعة اعترفت بمجد مريم بنعمة الله. وأكملت قائلة "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟". وهي نفسها إذ كانت غرض رحمة الله فإنها اتخذت المكان المتداني أمام تلك التي ستصبح أماً للرب. تسبحة مريم(لوقا 1: 46-56) 46فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،47وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي،48لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،49لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ،50وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. 51صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. 52أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. 53أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. 54عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً،55كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». 56فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. ومكثت مريم ثلاثة أشهر عند نسيبتها أليصابات حتى تمت ولادة يوحنا المعمدان. إشارة لمكوث تابوت العهد فى بيت عبيد الأدومى ثلاثة أشهر: (صموئيل الثانى 6: 11) وَبَقِيَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ. مريم العذراء تابوت العهد "في تلك الأيّام قامت مريم، وانطلقت مسرعة إلى الجبل، إلى مدينة في يهوذا، ودخلت بيت زخريا وسلّمت على أليصابات. فلمّا سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس، فصاحت بصوت جهير، وقالت: مباركة أنت في النساء، ومبارك ثمرة بطنك. من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ. فإنّه عندما بلغ سلامك إلى أذنيّ ارتكض الجنين من الابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت بأنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الرب". ذهبت مريم حاملة حضور الله، كتابوت العهد قديمًا، إلى "مدينة في يهوذا"، يحدّدها العلماء اليوم بأنّها بلدة "عين كارم"، وهي قائمة في الجبال قريبًا من أورشليم. قصدتها مريم لتزور نسيبتها أليصابات امرأة زكريا. ذهبت مسرعة لتفرح مع أليصابات بالعلامة التي أعطاها إيّاها الملاك: "ها إنّ أليصابات نسيبتك قد حبلت هي أيضاً بابن في شيخوختها. وهذا الشهر هو السادس لتلك التي تدعى عاقرًا، إذ ليس من أمر يستحيل على الله" (لو 1: 36- 37). ذهبت مسرعة لتبشّر أقاربها، فقراء الربّ، بالبشرى الصالحة، بشرى الخلاص الماسيوي. أمام هذا المشهد يتبادر إلى ذهننا نصّ أشعيا القائل: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشرّ الخبر بالسلام القائل لصهيون: قد ملك إلهكِ. أصوات رقبائكِ قد رفعوا أصواتهم وهم يهتفون جميعًا لأنّهم يرون عيانًا الربّ راجعًا إلى صهيون. اندفعي بالهتاف جميعًا يا أخربة أورشليم فإنّ الرب قد عزّى شعبه وافتدى أورشليم. كشف الربّ عن ذراع قدسه على عيون جميع الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص إلهنا" (أش 52: 7- 10). ذهبت مريم إلى قرب أورشليم لتبشّر شعب الله، في شخص أليصابات وزكريا، بأنّ وعود الربّ بمجيء المسيح الملك قد تمّت، هذا المسيح الذي "سيملك على بيت يعقوب إلى الأبد" (لو 1: 32- 33)، وتحمل إليه بشرى السلام والسعادة والخلاص. إنّ إسراع مريم وفرحها سيميّزان من بعدها رسالة الرسل والكنيسة. فالكنيسة، وقد سكن فيها الروح القدس، وحملت كلام المسيح وجسده، تسرع فرحة لتنقلهما إلى جميع الناس وتبشّرهم بالسلام والسعادة والخلاص بمجيء ملكوت الله. إنّ دخول مريم إلى بيت زكريا وسلامها على أليصابات يبدوان تجلّي الله نفسه. وعندما بلغ سلام مريم إلى أذني أليصابات ظهر لها كأنّه صوت آتٍ من عند الله، فارتكض الجنين يوحنّا المعمدان في أحشائها. وبذلك تمّ قول ملاخيا النبي: "وتشرق لكم، أيّها المستقون لاسمي، شمس البرّ، والخلاص في أشعّتها، فتخرجون وتثبون فرحًا كعجول المعلف" (ملا 3: 20). يوحنّا المعمدان، وهو يرتكض في بطن أمّه أمام الحاملة المسيح الربّ، يذكّرنا بداود النبيّ الذي راح يثب ويرقص فرحًا أمام تابوت العهد الحامل الله، لدى دخوله أورشليم. إنّ حضور الربّ في تابوت العهد وفي أحشاء مريم العذراء يتيح لنا أن نقارن بين المشهدين: صعود تابوت العهد إلى أورشليم (2 صموئيل 6) 2 قام داود ومضى بكلّ الشعب الذي معه من بعلة يهوذا 9 وخاف داود من الرب في ذلك اليوم وقال: "كيف ينزل تابوت الربّ عندي؟" 11 وبقي تابوت الربّ في بيت عوبيد أدوم الجتّي ثلاثة أشهر 12 فمضى داود وأصعد تابوت الله بفرح من بيت عوبيد أدوم إلى مدينة داود... 14 وكان داود يرقص ويدور على نفسه بكلّ قوته أمام الربّ... 15 وأصعد داود وكل بيت إسرائيل تابوت الربّ بالهتاف وصوت البوق صعود مريم الى بيت زكريا (لوقا 1) 39 قامت مريم وانطلقت مسرعة الى الجبل الى مدينة في يهوذا 43 "من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ؟" 56 ومكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر، ثمّ عادت الى بيتها 44 "إرتكض الجنين من الابتهاج في بطني" 42 فصاحت (أليصابات) بصوت جهير. إنّ ابن الله المتجسّد في أحشاء مريم هو لأليصابات والجنين الذي في أحشائها مدعاة فرح وابتهاج ماسيويّ، كما أنّ حضور الله في تابوت العهد جعل داود الملك يثب ويرقص. وسلام مريم، بسبب المسيح الذي تحمله، هو كلام الله. وهذا الكلام هو الذي يملأ أليصابات من الروح القدس ويوقظ الفرح الماسيوي في جنينها الذي يمثّل شعب الله الذي ينتظر خلاص الرب. مريم تظهر هنا حقًّا أّع الربّ. الأمّ وابنها متّحدان في الرسالة. كلام الأمّ ينقل كلام ابنها ويمنح الروح القدس لأليصابات. هذه الوحدة بين الأمّ وابنها تؤكّد حقيقة التجسّد. كلمة الله أخذ جسدًا من مريم العذراء، إنّه حقًّا ابن مريم، ومريم هي حقًّا أمّ كلمة الله. أليصابات، وقد امتلأت من الروح القدس، أنشدت لحضور المسيح في أحشاء مريم، على غرار أولئك الذين كانوا يسبّحون الله أمام تابوت حضوره في المَقْدِس. الروح القدس يقود قلب الإنسان إلى التسبيح. فلا يسعه إلاّ أن يعبّر عن شكره بصوت عظيم. هذا الهتاف الإسختولوجي الذي تطلقه أليصابات أمام ظهور الخلاص النهائي في مريم هو هتاف فرح بمجيء المسيح وبكثرة الأبناء الذين سيولدون إلى الإيمان به: "إهتفي أيّتها العاقر التي لم تلد، اندفعي بالهتاف واصرخي أيّتها التي لم تتمخّض فإنّ بني المهجورة أكثر من بني المتزوّجة، قال الرب" (أش 54: 1). "يمكننا الخلوص إلى أنّ صورة تابوت العهد، ذاك الموضع الذي فيه يتحقّق بنوع خاص حضور الله في إسرائيل، تظهر في الواقع من خلال رواية لوقا. إنّ مريم التي حبلت بالمسيح هي تابوت العهد الجديد، ذاك الموضع الذي فيه يتمّ حقيقة حضور الله في وسط شعبه. وهكذا يغطّي لوقا سلطته كل ما ورد في الليترجيّا وعند الآباء من تطبيق للصور الكتابيّة على مريم العذراء وعلاقتها بتابوت العهد وخيمة الموعد والهيكل، ولا سيّما في عيد تقدمة سيّدتنا مريم العذراء إلى الهيكل". مريم العذراء" المباركة في النّساء" أليصابات العاقر ومريم العذراء تتّحدان في الابتهاج عينه، ابتهاج ابنة صهيون، شعب إسرائيل الذي كان ينتظر، من خلال آلام تاريخه، الخلاص الأخير الذي سوف يمنحه إيّاه المسيح. أليصابات العاقر، وهي تشعر بطفلها يرتكض في أحشائها، وتدرك أنّ مريم العذراء تحمل في أحشائها المسيح الموعود به، تفقه أنّ نبوءات ابنة صهيون تحقّقت، وأنّ ابن العاقر وابن العذراء سيكونان في أصل الشعب الجديد الذي لا يُحصَى، شعب إسرائيل الجديد المولود من الله. وتنطلق من فمها البركة التي أوحى بها إليها الروح القدس الذي امتلأت منه: "مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك". هذا القول يجب فهمه بالمعنى الكتابي للفظة "البركة". إنّ اليصابات، بقولها إنّ مريم ويسوع هما مباركان، تعني أنّهما موضوع بركة الربّ، وتشكر لله ما صنعه لهما وما صنعه لنا بواسطتهما. فالبركة هي نشيد شكر لله. مريم ويسوع هما مباركان، أي إنّهما يشتركان في بركة الربّ ويسهمان في قصده الإلهي. يوم الشعانين ستهلّل الجموع ليسوع معلنة إيّاه المسيح والملك، ومستخدمةً اللفظة عينها: "مبارك الآتي باسم الرب" (متى 21: 9) "مباركة المملكة الآتية، مملكة داود أبينا" (مر 11: 9- 10) "مبارك الملك الآتي باسم الرب" (لو 19: 38). "مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل" (يو 12: 13). ويسوع نفسه في موضع آخر يطبّق هذا الهتاف مجيئه الثاني المجيد في نهاية الأزمنة: "فإنّي أقول لكم: إنّكم لن ترونني من الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب" (متّى 23: 39). هذا يدلّ على أنّ بركة أليصابات تتسم بسمة ماسيوية وإسختولوجية. إنّها تحيّي مريم العذراء "المباركة" وتحيّي فيها "المبارك" اللذين يأتيان باسم الرب، إنّها تحيّي في مريم العذراء أمّ المسيح الملك، الملكوت الآتي. إنّ لقب "المبارك" كان عند اليهود مرادفًا لله الذي كانوا يخشون التلفّظ بانه. "فالمبارك" يعني يهوه الله. هكذا يبدأ نشيد زكريا، مشيرًا إلى اسم الله وإلى موضوع تسبحته: "مبارك الربّ إله إسرائيل" (لو 1: 68). وفي أثناء محاكمة يسوع، يسأله رئيس الكهنة: "أأنت المسيح ابن المبارك؟" (مر 14: 61). وفي العهد القديم يبارك ملكيصادق إبراهيم بقوله: "مبارك أبرام من الله العليّ، خالق السماوات والأرض، ومبارك الله العليّ الذي أسلم أعداءَك إلى يدك" (تك 14: 19- 20). وتُوجَّه أيضاً البركة عينها إلى يهوديت لكونها بقدرة الله قطعت رأس عدوّ شعب الله. وتجدر المقارنة بين هذه المقاطع الثلاثة: تك 14: 19- 20 مبارك إبراهيم من قبل الله العليّ خالق السماء والأرض ومبارك الله العليّ الذي أسلم أعداءك الى يديك يهوديت 13: 18 مباركة أنت، يا بنيّة من قبل الله العليّ فوق جميع النساء اللواتي على الأرض ومبارك الربّ الإله خالق السماوات والأرض الذي هداك لضرب رأس قائد أعدائنا لو 1: 42 مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك أليصابات تعبّر عن إيمانها بالمسيح الملك وبمجيء الملكوت في شخصه، وفي الوقت عينه تشكر لله مَن يأتي إليها باسم الربّ هو وأمّه، حاملاً الخلاص للعالم. يهوديت أُعلنت "مباركة فوق جميع النساء اللواتي على الأرض" لأنّها خلّصت الشعب من عدوّه أليفانا رئيس قوّاد جيش أشور. ومريم تُعلَن هنا "مباركة في النساء" لأنّها تحمل في أحشائها المسيح مخلّص جميع الشعوب. مريم العذراء "أمّ ربّي" بعد أن تُبارَك يهوديت، "يُبارَك الربّ الإله الذي هداها لضرب رأس قائد أعدائنا". هنا، بعد أن تُبارَك مريم العذراء، يُبارَك ثمرة بطنها، الربّ يسوع المسيح. ففي مريم العذراء لم يعد الربّ المخلّص قدرة تأتي إلى الإنسان من الخارج بل صار شخصاً متجسّدًا في أحشاء مريم العذراء. أليصابات تقول عنه إنّه "ربّي". ومريم هي "أمّ ربّي". وفي ذلك تذكير بقول داود في المزمور 110: "قال الربّ لربّي: إجلس عن يميني، حتى أجعل أعداءك موطئًا لقدميك". والسيّد المسيح نفسه يسأل اليهود عن معنى هذا القول: "كيف يقال إنّ المسيح هو ابن داود، وداود نفسه يقول في سفر المزامير: قال الربّ لربّي: إجلس عن يميني، حتّى أجعل أعداءك موطئًا لقدميك؟ فداود يدعوه ربًّا، فكيف يكون هو ابنه؟" (لو 20: 41- 43). لا جواب على هذا السؤال إلاّ بالاعتراف بأنّ المسيح هو كإنسان ابن داود وكابن الله ربّ له. هتاف أليصابات إعلان إيمان بألوهية المسيح. ومن ألوهية المسيح تتّخذ مريم العذراء أشرف لقب لها، كما سنرى في مجمع أفسس، لقب "والدة الإله"، لأنّها ولدت المسيح الذي هو الربّ ابن الله. مريم العذراء التي بها صنع الله القدير العظائم (لو 1: 46- 55) جوابًا على أقوال أليصابات، أنشدت مريم نشيدًا تعظّم فيه الله الذي صنع بها عظائم لشعبه: "تعظّم نفسي الرب..." (لو 1: 46- 55). هذا النشيد منسوج في معظمه من آيات من العهد القديم تذكّر بالعظائم التي صنعها الله تجاه شعبه منذ وعده لإبراهيم. وقد بلغت وعود الله الماسيوية كمالها في شخص مريم العذراء وفي المسيح الذي وُلد منها. الفكرة الأساسية التي يدور حولها هذا النشيد هي أنّ عظمة الله تظهر في ضعة الإنسان. فالخلاص لا يأتي من الإنسان بل من الله، كما أنّ المسيح لم يأت "من مشيئة رجل" بل "من الله" (يو 1: 13). هذا النشيد نسّقه لوقا على مثال نشيد حنّة أمّ صموئيل النبي. فلقد تحقّق في مريم العذراء ما صنعه الربّ قديمًا في حنّة العاقر. حنّة، وقد أذلّها عقرها، صلّت إلى الربّ وقالت: "يا ربّ القوات، إن أنت نظرت إلى ضعة أمتك، وذكرتني ولم تنس أمتك، وأعطيت أمتك مولودًا ذكرًا، أعطه للربّ لكل أيّام حياته.." (1 صم 2: 1- 11). ولمّا استُجيبت صلاتها، أنشدت نشيدًا يمكننا أن نقارن بينه وبين نشيد مريم العذراء: نشيد حنّة (1 صم 2: 1- 11) 1 إبتهج قلبي بالربّ وارتفع رأسي بالربّ... لأنّي قد فرحت بخلاصك 2 لا قدّوس مثل الرب 4 كُسرت قسيّ المقتدرين وتسربل المتواضعون بالقوّة. 5 الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفّوا عن العمل. 7 الربّ يفقر ويغني ويضع ويرفع 8 ينهض المسكين من التراب يقيم الفقير من المزبلة ليجلسه مع العظماء ويورثه عرش المجد. نشيد مريم (لو 1: 46- 55) 46 تعظّم نفسي الرب 47 ويبتهج روحي بالله مخلّصي. 48 لأنّه نظر إلى ضعة أمته، فها، منذ الآن، تغبّطني جميع الأجيال. 49 لأنّ القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس 50 ورحمته إلى جيل وجيل للذين يتّقونه. 51 بسط قدرة ساعده فشتّت ذوي القلوب المتغطرسة بأفكارها. 52 حطّ المقتدرين عن عروشهم ورفع المتواضعين. 53 أشبع الجياع خيرًا والأغنياء أرسلهم فارغين. 54 عضد إسرائيل فتاه ذاكرًا رحمته 55 على ما وعد به آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد. نشيد حنّة نشيد ماسيوي يعبّر عن رجاء الفقراء المستضعَفين المتواضعين، وينتهي بذكر المسيح الملك: "الربّ يدين أقاصي الأرض، يهب عزّة لملكه ويرفع رأس مسيحه" (آية 10). والمسيح هو نسل إبراهيم الذي تجسّدت فيه رحمة الرب من جيل إلى جيل. "جميع الأجيال تغبّط مريم العذراء لأنّ القدير صنع بها عظائم". لا تنسب مريم العذراء لذاتها أيّ مجد. يكفيها فخرًا أنّ الله اختارها ليصنع بها عظائم الخلاص ويأتي منها المسيح. ولكنّ شخصها ليس غريبًا عن تلك العظائم الخلاصية. فهي أمّ المخلّص، وقد أسهمت في الخلاص بقبولها أن تصير أمّ المسيح: "ليكن لي بحسب قولك". لذلك تغبّطها جميع الأجيال، وتكرّمها الكنيسة في صلواتها وفي كرازتها.