25 - 06 - 2012, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
لا يخاصم ولا يصيح (متى19:12) عندما كان الرب يسوع هنا على الأرض كتب عنه «مُجَرَّب في كل شيء» (عبرانيين4: 15)، ومن ضمن ما تعرض له سيدنا العظيم مظاهر الرفض والبغضة من المحيطين به، لكن ما أعظمه مثلاً رائعًا في هذا الأمر؛ فقد طبَّق عمليًا ما قاله عن نفسه «تعلموا مني؛ لأني وديع ومتواضع القلب» (متى11: 29). دعونا نناقش هذا الموضوع ببعض التفصيل، حتى نتعلم منه دروسًا هامة في كيفية التصرف إزاء مظاهر الرفض والبغضة المحيطة بنا، أو التي قد تصدر منا. أولاً: أسباب مواقف الرفض والبغضة كثيرًا ما نتعرض للرفض والبغضة من الذين حولنا، كما حدث مع سيدنا الذي كُتب عنه «أكثر من شعر رأس الذين يبغضونني بلا سبب» (مزمور 69: 4). ودعونا نفحص الأسباب الفعلية لمظاهر الرفض: الخوف على المصالح الشخصية عندما أخرج الرب الشياطين من مجنون كورة الجدريين، فدخلت في الخنازير التي اندفعت من إلى البحر واختنقت؛ جاء أهل المدينة وأبتدأوا يطلبون من الرب أن يمضي من تخومهم (مرقس5:1-17). لقد سيطرت عليهم مصالحهم الشخصية، الممثَّلة في الخنازير، بدلاً من استفادتهم من وجود الرب في وسطهم، وكذلك تمتعهم بنتائج تحرير المجنون من الشياطين. ألا يحدث هذا كثيرًا الآن، سواء منا أو تجاهنا؛ عندما تصبح المصالح الزمنية المادية سببًا في رفضنا بعضًا لبعض، وهكذا نفقد التمتع بمعاملات الله معنا؟! التعصب الأعمى للأفكار والقناعات الشخصية عندما شفى الرب ذو اليد اليابسة في يوم السبت، اشتكى عليه اليهود وتشاوروا لكي يقتلوه (متى12: 10-14). وهنا نرى كيف أن التعصب الأعمى يغلق الفكر تمامًا عن الفهم الصحيح لفكر الله من جهة البشرية «السبت إنما جُعِل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت» (مرقس 2:27)؛ فبدلاً من وضع مصلحة الإنسان وإنطلاقه الصحيح في حياته في المقام الأول، نتمسك بتعاليم ووصايا قد تكون صحيحة في مضمونها لكننا نطبِّقها بطريقة خاطئة قد تعطل الإنسان وتحرمه من التمتع الصحيح بحياته. الخوف على المكانة الشخصية أو المركز عندما أقام الرب لعازر سبَّب هذا إيمان كثيرين من اليهود بالمسيح. ولكن بدلاً من أن يكون هذا سببًا في قبول الفريسيين والكهنة أن الرب يسوع هو المسيح المخلّص الآتي إلى العالم، إذا بهم يخطِّطون لقتله، وليس هو فقط بل أيضًا لعازر «إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا» (يوحن11:47-53؛ 12: 10). ألا يحدث هذا مع كثيرين، فالخوف على المركز وعلى تهديد مكانتنا يدفعنا لأخذ موقف الرفض، بدلاً من إعادة التفكير في الأمور وقبول الحق الذي يحرِّر. تأنيب الضمير مع عدم التجاوب مع الحق عندما دخل الرب يسوع المجمع في بداية خدمته، قام ليقرأ في سفر إشعياء (لوقا4:16-29) ثم بدأ يوضِّح لهم وضعهم وموقف الله من جهتهم. بدلاً من الاعتراف بحالتهم وأخذ موقف التوبة القلبية والرجوع للرب، امتلأوا غضبًا وأخرجوه خارج المدينة إلى حافة الجبل حتى يطرحوه إلى أسفل. يحدث هذا معنا عندما نشعر بتأنيب الضمير من خطإ تصرّفناه، وبدلاً من أن نتوب ونصحِّح مسارنا، نأخذ موقف المدافع والرافض والمقاوم للآخرين. ثانيًا: التصرف الصحيح تجاه مواقف البغضة والرفض نقرأ في غلاطية 5: 19، 20 «أعمال الجسد ظاهرة التي هي... عداوة خصام غيره سخط تحزب»؛ لذلك يحرِّضنا الكتاب على أخذ الموقف الصحيح تجاهها بالقول «اطرحوا عنكم أنتم أيضًا الكل: الغضب السخط... الكلام القبيح من أفواهكم» (كولوسي 3:8). لذلك دعونا نتعلم من سيدنا العظيم التصرف العملي الصحيح في مثل هذه المواقف. عدم التصدي بالمثل لمواقف البغضة والرفض عندما علم الرب يسوع بأن الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه نقرأ القول «إنصرف من هناك» (متى12: 14، 15)؛ لقد كان كما كتب بطرس « إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يهدد» (1بطرس 2: 23). إن الإنسان الطبيعي لا يمكن أن يتصرف هكذا، لكن المؤمن الحقيقي له امتياز سكنى الروح القدس في داخله، وعندما يعطيه القيادة في حياته؛ يختبر عمليًا القول «أسلكوا بالروح (وعندئذ) فلتكملوا شهوة الجسد» (غلاطية 5: 16). مقابلة البغضة والرفض بالإحسان واللطف عندما كان الرب يحاكَم أمام رؤساء الكهنة، اندفع واحد من الخدّام الواقفين ولطم الرب يسوع قائلاً له «أ هكذا تجاوب رئيس الكهنة؟». ماذا كان رد فعل الرب له المجد؟ كان يمكن أن يرد هذه الإساءة والرفض بإدانة وشدة، لكنه أجاب قائلاً «إن كنت قد تكلَّمت رديًا فأشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني» (يوحنا 18: 23). لقد انطبق عليه عمليًا القول «ظُلم أما هو فتذلَّل ولم يفتح فاه» (إشعياء 53: 7). بحق لم يخاصم ولم يصيح. أين نحن من هذا؟ هل نستمع إلى النصيحة الإلهية في رومية12:19-20 «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الاحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب... فإن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه»؟ التعامل مع الداخل والدوافع وليس التصرفات الخارجية عندما أخرج الرب الشياطين من مجنون كورة الجدريين، وطلب منه رعاة الخنازير أن يمضي من تخومهم، ماذا فعل الرب؟ ذهب ودخل السفينة، وقال للذي كان مجنونًا «إرجع إلى بيتك وحدث بكم صنع الله بك»، فماذا كانت النتيجة؟ «مضى وهو ينادي في المدينة بكم صنع به يسوع... ولما رجع يسوع قبله الجمع لأنهم كانوا جميعهم ينتظرونه» (لوقا8: 37-40). ومن هذا نتعلم أن الرعاة طلبوا أن يذهب الرب عنهم لا لأنهم يرفضونه كشخص، بل رفضوا ما فعله؛ لأنهم ظنوا للوهله الأولى أنه أفقدهم مصدر دخلهم الزمني. لكن عندما رأوا محدث للمجنون، ورد فعل الرب معهم، راجعوا أنفسهم ثانية وقبلوا شهادته. لذلك انتظروا الرب يسوع وقبلوه عندما أتى ثانية. هل نتعلم هذا الدرس الهام؛ فلا ننفعل مباشرة مع التصرفات الخارجية من رفض أو بغضة بل نعطي فرصة أكبر للتركيز على الدوافع الداخلية حتى نتعامل معها بالطريقة الصحيحة؟ وعندها يمكن أن تكون سبب بركة حقيقية للكثيرين. في النهاية ليتنا نتعلم هذه الدروس العظيمة من سيدنا معطين فرصة للروح القدس أن يعمل فينا فيظهر فينا ثمره الحقيقي الذي منه «وداعه تعفف (ضبط نفس)» وهكذا يصبح من السهل علينا أن نتمثل به عمليًا في القول «لا يخاصم ولا يصيح وليسمع أحد في الشوارع صوته». |
||||
25 - 06 - 2012, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
وللوقت(مر 12:1) هل تمنيت مرة أن تكون عدد ساعات يومك 40 ساعة بدلاً من 24؟! هل شعرت مرة أن أمورًا هامة وضرورية كان يجب أن تقوم بها ولكن لم تجد وقتًا لها؟ وهل تعترف بصدق أنك تركت الأمور العاجلة تطغى عليك، فأخَذَت وقت الأمور الهامة الضرورية؟ إن الوقت هو مادة حياتنا على الأرض، لذا كتب الحكيم قديمًا «قلب الحكيم يعرف الوقت» (جامعة8: 5). وعندما نتأمل في حياة سيدنا العظيم على الأرض، نراه حكمة الله الكاملة والنموذج الكامل للاستخدام الصحيح للوقت؛ ولذلك عندما أتت الساعة لتنتهي حياته على الأرض استطاع أن يقول بحق لأبيه: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4). دعونا الآن نتأمل في هذا الموضوع الهام والخطير. أولاً: الوقت وأهميته 1- يسير بلا توقف: بينما يمكننا التحكم في أمور كثيرة في حياتنا وإيقافها عندما نشاء، فإن الوقت هو الشيء الذي لم، ولن يستطيع أحد أن يوقفه. لذلك كتب الحكيم سليمان بحق «دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق» (جامعة1: 4، 5). 2- لا يمكن إرجاع ما مضى منه: كثير من الأمور، إن فقدناها، يمكن تعويضها بأشكال مختلفة؛ إلا الوقت، فالذي يمضي منه لا يمكن إرجاعه بأي حال من الأحوال. وبحق قال المرنم «الإنسان أشبه نفخة. أيامه مثل ظل عابر» (مزمور144: 4). وكتب بولس في 1كورنثوس7: 29 «الوقت منذ الآن مقصَّر». 3- لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماء وقت: هذا ما سجَّله الحكيم في جامعة3: 1. فالذي تستطيع أن تفعله في وقت معيّن ولم تفعله، ربما لا تستطيع أن تفعله في وقت آخر. فأمور كثيرة يمكن أن نفعلها في وقت الشباب، ولكن لا يمكن أن نفعلها أبدًا عندما تدور الأيام وتأتي أوقات الشيخوخة؛ لذا قال الحكيم أيضًا «اذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشر أو تجيء السنون إذ تقول: ليس لي فيها سرور» (جامعة12: 1). 4- المستقبل هو نتيجة الحاضر: إن قانون الزرع والحصاد (غلاطية6: 7) ينطبق تمامًا على الوقت، فما نعيشه الآن هو النتيجة الحتمية لما عملناه في الماضي، وما سيحدث مستقبلاً هو حصاد ما نزرعه اليوم. أ لم نرى هذا في قصة الغني ولعازر؟ فعندما صرخ الغني في الهاوية وهو في العذاب «يا أبي إبراهيم ارحمني»، كان الجواب «يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب» (لوقا16: 24، 25). 5- ينتهي في أي لحظة: إنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن نتوقع له نهاية محدَّدة أكيدة، وكما قال أيوب قديمًا عن الإنسان «أيامه محدودة وعدد أشهره عندك، وقد عينت أجله فلا يتجاوزه» (أيوب14: 5). فالله الخالق القدير وحده هو الذي يحدّد نهاية وقت الإنسان على الأرض. وهذا نراه واضحًا في مثل الغني الغبي الذي قال «أقول لنفسي: يا نفس لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة»، فقال له الله «يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟!» (لوقا12: 19-20). إن كانت هذه هي أهمية الوقت وخطورة التعامل معه، فدعونا نرى الخطوات الصحيحة للاستفادة منه. ثانيًا: الوقت والتصرف الصحيح معه 1- تحديد هدف واضح للحياة: لنسمع ما قاله سيدنا العظيم في حياته على الأرض «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34). وهذا ما نراه عمليًا في حياته كالخادم الكامل، ولا سيما في إنجيل مرقس حيث كانت الخدمة هي محور وقته، فتكررت كلمة “للوقت” أكثر من 40 مرة، وكُتب عنه مرة أنه هو وتلاميذه «لم تتيسر لهم فرصة للأكل» (مرقس6: 31). 2- ترتيب الأولويات: إن تحديد هدف واضح في الحياة يُسهّل علينا ترتيب أولويات الحياة، وهذا ما نراه واضحًا في حياة سيدنا الكريم على الأرض. فمثلاً نقرأ عنه مرة أنه «لما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه، فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم» فماذا كان جوابه؟ «قال لهم إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضًا» (لوقا4: 42-44). 3- التمييز بين الأمور الهامة والأمور العاجلة: إن سطو الأمور العاجلة على الحياة أصبح أكبر معطل للاستفادة الصحيحة من الوقت. وسريعًا ما نُصبح عبيدًا لطغيان الأمور العاجلة. إننا نحتاج أن نتعلم من سيدنا هذا الدرس الهام. فيومًا طلب منه اخوته في الجسد أن يذهب معهم اليهودية في عيد المظال، فكان رده «إن وقتي لم يحضر بعد... أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد لأن وقتي لم يُكمل بعد» (يوحنا7: 2-10). 4- انتظار قيادة وارشاد الرب كل الوقت: لقد صلى موسى قديمًا قائلاً «إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة» (مزمور90: 12). إننا نحتاج لقيادة إلهية في كل خطوة في حياتنا، وهذا ما نتعلمه بوضوح من سيدنا الكريم الذي نقرأ عنه مثلاً في مرقس1: 35 وسط خدمات مستمرة من الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس «وفي الصبح باكرًا جدًا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك». وتم هذا عمليًا في حادثة إقامة لعازر؛ فعندما أرسلت مريم ومرثا إليه قائلتين: «هوذا الذي تحبه (لعازر) مريض»، لم يندفع ويذهب ليشفيه بل مكث يومين في الموضع الذي كان فيه، ثم ذهب في اليوم الرابع بعد أن مات لعازر، لأنه كان يعرف «أن هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به» (يوحنا11). 5- افتداء الوقت والاستفادة الصحيحة منه: إن أكبر هجوم يشنه إبليس على المؤمنين هذه الأيام هو محاولة خطف الوقت وإضاعته في أمور ليست من أولويات الحياة الضرورية، لذلك تحذرنا كلمة الله «مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس5: 16). ليتنا نتعلم من سيدنا الذي قال «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل، حين لا يستطيع أحد أن يعمل» (يوحنا9: 4). في الختام ليتنا نُقدِّر قيمة الوقت، ونعيشه بطريقة صحيحة، متعلمين من سيدنا العظيم الذي بحق انطبق عليه القول القديم «صنع الكل حسنًا في وقته». |
||||
25 - 06 - 2012, 06:00 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
جاء مملوءاً نعمة وحقاً نقرأ في هوشع 7: 8 «أَفرايم صارَ خُبزَ مِلَّةٍ لَمْ يُقلَبْ»، أي إن أفرايم أصبح مثل الكعكة التي وُضعت على النار لتُخبَز ولكنها تُركت على جانب واحد، حتى احترق والجانب الآخر ما زال نيئًا؛ والنتيجة أن تصبح الكعكة غير صالحة للأكل بالمرة. ويستخدم الرب هذا التشبيه لتوضيح الحياة البشرية غير المتزنة، حيث نرى الإنسان ينحاز ويتطرف في اتجاة معين وينسى الجانب الآخر تمامًا؛ وتكون النتيجة حرمانه من الحياة الناضجة الصحيحة، وحرمان الآخرين من الاستفادة من إمكانياته ومواهبه التي أعطاها له الله. لكن عندما ننظر إلى سيدنا العظيم، كالإنسان الكامل على الأرض، نراه يطبِّق مبدأ الاتزان الكامل في حياته، مُحقِّقًا ما جاء عنه بالنبوة «قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يُخرِج الحق» (إشعياء 42: 3)، وفيه «الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما» (مزمور 85: 10). وعندما كان في الأرض، قيل عنه «مملوءًا نعمة وحقًا» (يوحنا 1: 14). لنتأمل قليلاً في بعض المواقف التي نرى فيها حياة الاتزان الصحيحة التي عاشها على أرضنا، فنتعلم منه هذا الدرس الهام. أولاً: في الحياة الشخصية الخلوة الشخصية والخدمة: كثيرًا ما ننشغل بالخدمة والمسؤوليات اليومية العاجلة والهامة، فلا نجد الوقت الكافي للجلوس والسكون في الخلوة مع إلهنا المحب؛ وتكون النتيجة اضطرابات وتوترات في الحياة. لكن ما أعظم سيدنا، الذي نقرأ عنه في إنجيل مرقس، كالخادم الكامل، أنه كان يقضي فترات كثيرة في الصلاة منفردًا، سواء في الصباح الباكر أو في المساء، ثم يتجة إلى تتميم العمل الذي أعطاه الآب أن يكمله (مرقس 1: 21-35). الخضوع للآب السماوي وللسلطات الأرضية: كثيرًا ما ننخدع من العدو ونُقنع أنفسنا بأنّ الخضوع لله يبرّر لنا تجاوزنا في الخضوع للسلطات الأرضية أيضًا. فعندما كان في سن الثانية عشر من عمره، وذهب مع أبويه الأرضيين إلى الهيكل، ودخل وجلس وسط المعلّمين يسمعهم ويسألهم، كان لسان حاله «ينبغي أن أكون في ما لأبي». ولكن عندما جاء أبواه، وطلبا أن ينزل معهما إلى الناصرة «نزل معهما... وكان خاضعًا لهما» (لوقا 2: 45-51). وفي مرة أخرى، سُئِل عن أعطاء الجزية لقيصر، فكان جوابه «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» (مرقس 12: 17). الاهتمام بالخدمة لم يُنسه الاهتمام بأمه: البعض يُقنع نفسه بأن الانشغال بخدمة الرب والآخرين تأخذ الأولوية، حتى على حساب احتياجات العائلة. ولكن ما أعظم سيدنا! حيث نراه وهو على الصليب، في أصعب مشهد على الأرض، وهو في قمة الآلام تنفيذًا لخطة الله العظيمة للخلاص، لم ينسَ احتياجات أمه المطوبة مريم ومشاعرها الحزينة، فنقرأ «فلمٍّا رأَى يسوع أُمَّهُ والتلميذ الذي كان يُحبُّهُ واقفًا، قال لأُمهِ: يا أمرأة، هوذا ابنكِ. ثم قال للتلميذ: هوذا أمُّكَ» (يوحنا 19: 26، 27). المشاركة في أفراح وأحزان الآخرين: يظن البعض أن مشاركة الآخرين أفراحهم أو أحزانهم ليس له أهمية خاصة في الحياة، ونسوا ما يُعلِمهُ الروح القدس «فرَحًا مع الفَرحينَ وبُكاءً مع الباكينَ» (رومية 12: 15). وهذا ما نراه في حياة سيدنا على الأرض فنقرأ أنه «كان عرسٌ في قانا الجليل... ودُعيَ أيضًا يسوعُ وتلاميذهُ إلى العرسِ»، ثم نقرأ عن حادثة إقامة لعازر من الأموات «فلما رآها (مريم) تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون... بكى يسوع» وهكذا كان وجوده في الحالتين الفرح والحزن ليس فقط مشاركة اجتماعية بل سبب بركة عظيمة لكل الحاضرين (يوحنا 2: 1-11؛ 11: 17-44). ثانيًا:في الخدمة والتعامل مع الآخرين الاهتمام بالجموع الغفيرة وكذلك الأشخاص منفردين: يميل البعض للاهتمام بالأعداد الكثيرة ويهملون الاحتياجات الفردية، لكن سيدنا؛ وسط مشاغله الكثيرة والجموع الغفيرة التي كانت تحيط به، لم ينسَ أو يقلِّل من أهمية العمل الفردي؛ فنقرأ مثلاً في يوحنا 4 قصة تقابلة مع المرأة السامرية على انفراد حيث روى عطشها الروحي فتحولت إلى امرأة كارزة للآخرين. وغيرها في الإنجيل ذاته. الاهتمام بالأمور الكبيرة وكذلك الصغيرة: عندما نقرأ معجزة إشباع الجموع الغفيرة في الأناجيل الأربعة، نرى كيف أن السيد العظيم لم يهتم فقط بإشباعهم من الخبز والسمك بل اهتم أيضًا بطريقة توزيع الطعام؛ حيث أمر التلاميذ أن يُتكئوا الجموع «رفاقًا رفاقًا» على العشب الأخضر، ثم بعد أن أكلوا وشبعوا «قال لتلاميذه: اجمعوا الكِسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء» (مرقس 6: 39-44). أين نحن من هذا؟ كثيرًا ما نركز على الأمور الكبيرة ولا نهتم بالتفاصيل الصغيرة؛ فنُصاب بالفشل في تحقيق الهدف المطلوب من الخدمة. الاهتمام بالاحتياجات الروحية وكذلك الجسدية للمخدومين: كثيرًا ما نركز على الاحتياجات الروحية للنفوس التي نخدمها وننسى أن الله خلق الإنسان كيانًا واحدًا متكاملاً، روحًا ونفسًا وجسدًا، فتكون خدمتنا ناقصة. أما سيدنا فنقرأ عنه أنه «أبصر جَمعًا كثيرًا، تحنن عليهم وشفى مرضاهم» ولما تقدم إليه التلاميذ قائلين «الموضع خلاء والوقت قد مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا»، كان جوابه لهم «لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا» وكانت النتيجة النهائية «أكل الجميع وشبعوا» لقد سدد الاحتياجات الروحية والنفسية والجسدية (متى 14: 14-21). ما أعظمه معلِّمًا! الغيرة المقدّسة والانتباه لعدم إيذاء الآخرين: كثيرًا ما نندفع بغيرة مقدسة صحيحة، لكن لا نراعي وضع الآخرين الذين نتعامل معهم؛ فنتصرف بدون حكمة ونتسبب في إيذاء الآخرين بدلاً من إصلاح وضعهم، وهكذا تفقِد رسالتنا تأثيرها الصحيح في النفوس. ولكن دعونا نتأمل ما فعله سيدنا عندما دخل الهيكل ووجد الذين كانوا يبيعون بقرًا وغنمًا وحمامًا والصيارف جلوسًا. ماذا فعل؟ صنع سوطًا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. ولكن يا للعجب، عندما جاء إلى باعة الحمام لم يقلب أقفاص الحمام، وإلا كانت قد طارت في السماء وخسر الباعة مصدر رزقهم. لكن ما أمجدة سيدنا إذ قال «ارفَعُوا هذهِ مِنْ ههُنا» (يوحنا 2: 13-17). كلام النعمة المصلح بملح: ما أخطر تأثير الكلمة على سامعيها وبحق قال الرب يسوع «بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان» (متى 12: 37). كثيرًا ما لا نتنبة لكلامنا الخارج من أفواهنا، ونندفع بدعوى إعلان الحق دون انتقاء الكلمات المناسبة للشخص الذي نتكلم معه، فنقدم “ملحًا بدون نعمة”. دعونا نرجع لمقابلة الرب مع المرأة السامرية، ونرى كيف كان حديثهُ معها المثال الأعظم لتوازن النعمة والحق معًا. فعندما قال لها «ادعِي زَوجَكِ» كانت إجابتها «ليس لي زوج». فماذا كان ردّه؟ كان يمكن أن يقول لها “نعم أنا أعلم انكِ تعيشين في الزنا وعليك أن تتوبي عن ذلك الآن”. لكن ما أعظمه مثالاً في كل شيء، قال لها «حسنًا قُلتِ... هذا قُلتِ بالصدقِ». وهكذا استطاع كلام النعمة المُصلَح بالملح أن يكسر الحاجز النفسي لديها لتفتح قلبها له حتى النهاية. هذا قليل من كثير نرى فيه حياة الاتزان الرائعة التي عاشها سيدنا العظيم على الأرض. ليتنا نتعلم هذا الدرس الرائع والهام فلا ننجرف للتطرف إلى اتجاه معين دون أن نضع في الاعتبار الجوانب المختلفة من الأمر، وبالتالي بدلاً من أن نكسب الآخرين نتسبب لهم في متاعب أكثر. لنذهب إليه ونتعلم منه، فهو الذي قال بحق «تعلَّموا منِّي، لأني وديع ومتواضع القلب» (متى 11: 29). |
||||
25 - 06 - 2012, 06:01 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
تقدم إليه المجرب خلق الله آدم الأول على صورته، وأحاطه بكل ما يُسعده ويريحه من كل وجه (تكوين1، 2). لكن عندما رأى إبليس، العدو الغادر، الإنسان يعيش متمتعًا سعيدًا، اغتاظ وخطَّط لحرمانه من كل ما يتمتع به. فجاء في صورة الحية الماكرة واستطاع أن يُسقط الإنسان، وتسبب فى حرمانه، وكل البشرية من بعده، من التمتع بالحياة السعيدة الهادئة (تكوين3). ولكن هل فشل الله في ما فعله؟ حاشا! فلما جاء ملء الزمان أتى ربنا يسوع المسيح، آدم الأخير، لكي يعيد الحياة الصحيحة للإنسان. فتفجَّر حقد الشيطان وكراهيته للبشرية بقوة، وابتدأ يخطِّط ويدبِّر لإفشال خطة الله لفداء الإنسان عن طريق الخلاص بيسوع المسيح، أو لإسقاطه خارج مشيئة أبيه السماوي، وهكذا يضمن سيطرته على البشرية مرة أخرى. لذلك عندما انطلق سيدنا العظيم إلى البرية ممتلئًا من الروح القدس، وأمضى أربعين يومًا صائمًا في خلوة مع أبيه السماوي، قبل أن ينطلق في خدمته، جاءه إبليس ليجرِّبه محاولاً إيقاعه (متى4: 1-11؛ مرقس1: 12، 13؛ لوقا4: 1-14). ولكن شكرًا لله؛ لقد استطاع السيد العظيم - الإنسان الكامل على الأرض - أن يحقق الانتصار الكامل على إبليس؛ فلاق به في نهاية حياته على الأرض أن يقول: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يوحنا14: 30). ودعونا الآن نتأمل في تجارب إبليس معه، حتى نتعلم منه الطرق الصحيحة للتغلب على محاولاته لإسقاطنا، وهكذا نستطيع أن نتمتع بالحياة الغالبة المنتصرة. أولاً: أساليب حرب العدو 1- التشكيك في صدق أقوال الله: لقد بدأ العدو تجاربه مع الإنسان الأول بالقول: «أ حقًا قال الله؟» (تكوين3: 2)، ثم بعد ذلك مع الرب يسوع بالقول: «إن كنت ابن الله» (متى4: 3). أ ليس هذا ما يفعله مع البشريه حتى الآن؟ هدم مصداقية كلمة الله عن طريق بث أفكار كاذبة ليعمي أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، ولإسقاط المؤمنين من التمتع بخطة الله الصالحة المرضية الكاملة في حياتهم. 2- تشويه صورة الله وخطته من جهة أولاده: لقد أقنع إبليس حواء أن الله حرمها وآدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لكي لا تنفتح أعينهما ويكونان كالله (تكوين3: 5)، وعندما جرب سيدنا الكريم كان كأنه يقول له: “أراك جائعًا ومُتعَبًا، كيف يتركك أباك السماوي في هذه الحالة ولا يقدِّم لك الطعام الذي تحتاجه؟”. ونحن عندما نجتاز في ظروف صعبة أو نعاني من احتياجات مُلِحة ولا نجد لها حلاًّ أو مخرجًا، يوهمنا إبليس أن الله يريد أن نحيا حياة المعاناة والتعب والحرمان، غير واضع في الاعتبار مصلحتنا أو سعادتنا. 3- الاحتياجات الجسدية: استطاع إبليس أن يوجِد في حواء حالة عدم الاكتفاء بكل ما تتمتع به، فبالرغم من وجود «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» (تكوين2: 9)، أقنعها أن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر المنهي عنها هو الذي سيشبعها، فصدقته ورأت «أن الشجرة جيدة للأكل... شهية للنظر» (تكوين3: 6). ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم، فجاءه في نهاية الأربعين يوماً التى كان صائماً فيها ولم يأكل شيئاً... وجاع أخيراً (لوقا4: 2). وهذا ما يفعله الآن مع البشرية جمعاء؛ فهو يعظِّم الاحتياجات الجسدية ويغرس روح عدم الاكتفاء، واستطاع أن يُنسي الإنسان أن «من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 3). 4- الاستخدام الناقص والخاطئ لكلمة الله: هذا من أخطر الفخاخ التي يستخدمها إبليس لإيقاع الناس. قالت الحية لحواء: «لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» (تكوين3: 3،4). لقد حاول تركيز الانتباه «إلى معرفة الخير والشر» وإبعاد وحذف النتيجة الحتمية «موتًا تموت». وهذا ما استخدمه أيضًا مع الرب يسوع، فعندما رآه يركز على كلمة: «مكتوب»، استخدم جزءًا من كلمة الله، ولكن بطريقة مشوَّشة: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكة بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» (متى4: 6). وعندما نعود إلى هذه العبارة في مزمور 91: 9 11، نجد أنه حذف منها عبارات هامة: «لأنك قلتَ: أنت يا رب ملجإي. جعلتَ العليَّ مسكنك... لكي يحفظوك في كل طرقك»، كما استخدمها أيضًا في غير موضعها الصحيح. وكم استطاع إبليس إسقاط كثيرين لعدم معرفتهم وفهمهم الدقيق والصحيح لكلمة الله! 5- الاحتياجات النفسية: بعدما خلق الله الإنسان الأول وباركه ليثمر ويملأ الأرض ويُخضعها (تكوين1: 28)، ولكن العدو الماكر استطاع أن يغرس فيه صِغَر النفس وأقنعه بأن الحل هو أن يصير «كالله» (تكوين3: 5)، ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم فبعدما أراه جميع ممالك العالم ومجدها، قال له «أُعطيك هذه جميعها إن خررتَ وسجدتَ لي» (متى4: 8، 9). وللآن يحاول أن يجعل الإنسان يدور حول نفسه، محاولاً أن يجد قيمة أكبر لنفسه وأن يُعَظِّم نفسه فوق الآخرين، ونسي الإنسان القول: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟» (لوقا9: 25). ثانيًا: كيفية الانتصار على تجارب إبليس سقط الإنسان الأول لأنه لم ينتبه لحِيَل إبليس، ولم يتخذ الخطوات الصحيحة لمواجهته. ولكن شكرًا لله فلقد جاء الإنسان الثاني، الرب يسوع، من السماء، ليضع لنا الأُسس الصحيحة العملية للنصرة الكاملة. دعونا نتعلم منه: 1- الشركة المستمرة مع الله: لقد عاش سيدنا على الأرض في شركة مستمرة مع الآب السماوي، فقبل أن يبدأ خدمته الجهارية قضى أربعين يومًا في خلوة خاصة، وفي خدمته كان يبدأ يومه باكرًا جدًّا في موضع خلاء مُصليًا. 2- المعرفة الصحيحة بكلمة الله والتمسك بها: سقط الإنسان الأول لعدم تمسكه بكلمة الله، ولكن ما أمجد سيدنا، فهو كإنسان كامل لم يعرف فقط كلمة الله ويتمسك بها دائمًا بل انطبق عليه المكتوب: «شريعتك في وسط أحشائي» (مزمور40: 8)! 3- امتحان كل شيء في ضوء كلمة الله: خُدِع الإنسان الأول وسقط لأنه لم يمتحن ما سمعه من إبليس في ضوء كلمة الله، ولم يستشر الله فيما يفعل، أما سيدنا العظيم فكان لسان حاله دائمًا: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34). ليتنا نتعلم هذه الدروس الهامة ونطبِّقها عمليًّا فنحمي أنفسنا من خداع إبليس ومكره، وهكذا نعيش حياة النصرة المستمرة، وتتحقق خطة الله العظيمة في حياتنا! |
||||
25 - 06 - 2012, 06:02 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
تقدم إليه المجرب خلق الله آدم الأول على صورته، وأحاطه بكل ما يُسعده ويريحه من كل وجه (تكوين1، 2). لكن عندما رأى إبليس، العدو الغادر، الإنسان يعيش متمتعًا سعيدًا، اغتاظ وخطَّط لحرمانه من كل ما يتمتع به. فجاء في صورة الحية الماكرة واستطاع أن يُسقط الإنسان، وتسبب فى حرمانه، وكل البشرية من بعده، من التمتع بالحياة السعيدة الهادئة (تكوين3). ولكن هل فشل الله في ما فعله؟ حاشا! فلما جاء ملء الزمان أتى ربنا يسوع المسيح، آدم الأخير، لكي يعيد الحياة الصحيحة للإنسان. فتفجَّر حقد الشيطان وكراهيته للبشرية بقوة، وابتدأ يخطِّط ويدبِّر لإفشال خطة الله لفداء الإنسان عن طريق الخلاص بيسوع المسيح، أو لإسقاطه خارج مشيئة أبيه السماوي، وهكذا يضمن سيطرته على البشرية مرة أخرى. لذلك عندما انطلق سيدنا العظيم إلى البرية ممتلئًا من الروح القدس، وأمضى أربعين يومًا صائمًا في خلوة مع أبيه السماوي، قبل أن ينطلق في خدمته، جاءه إبليس ليجرِّبه محاولاً إيقاعه (متى4: 1-11؛ مرقس1: 12، 13؛ لوقا4: 1-14). ولكن شكرًا لله؛ لقد استطاع السيد العظيم - الإنسان الكامل على الأرض - أن يحقق الانتصار الكامل على إبليس؛ فلاق به في نهاية حياته على الأرض أن يقول: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يوحنا14: 30). ودعونا الآن نتأمل في تجارب إبليس معه، حتى نتعلم منه الطرق الصحيحة للتغلب على محاولاته لإسقاطنا، وهكذا نستطيع أن نتمتع بالحياة الغالبة المنتصرة. أولاً: أساليب حرب العدو 1- التشكيك في صدق أقوال الله: لقد بدأ العدو تجاربه مع الإنسان الأول بالقول: «أ حقًا قال الله؟» (تكوين3: 2)، ثم بعد ذلك مع الرب يسوع بالقول: «إن كنت ابن الله» (متى4: 3). أ ليس هذا ما يفعله مع البشريه حتى الآن؟ هدم مصداقية كلمة الله عن طريق بث أفكار كاذبة ليعمي أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، ولإسقاط المؤمنين من التمتع بخطة الله الصالحة المرضية الكاملة في حياتهم. 2- تشويه صورة الله وخطته من جهة أولاده: لقد أقنع إبليس حواء أن الله حرمها وآدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لكي لا تنفتح أعينهما ويكونان كالله (تكوين3: 5)، وعندما جرب سيدنا الكريم كان كأنه يقول له: “أراك جائعًا ومُتعَبًا، كيف يتركك أباك السماوي في هذه الحالة ولا يقدِّم لك الطعام الذي تحتاجه؟”. ونحن عندما نجتاز في ظروف صعبة أو نعاني من احتياجات مُلِحة ولا نجد لها حلاًّ أو مخرجًا، يوهمنا إبليس أن الله يريد أن نحيا حياة المعاناة والتعب والحرمان، غير واضع في الاعتبار مصلحتنا أو سعادتنا. 3- الاحتياجات الجسدية: استطاع إبليس أن يوجِد في حواء حالة عدم الاكتفاء بكل ما تتمتع به، فبالرغم من وجود «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» (تكوين2: 9)، أقنعها أن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر المنهي عنها هو الذي سيشبعها، فصدقته ورأت «أن الشجرة جيدة للأكل... شهية للنظر» (تكوين3: 6). ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم، فجاءه في نهاية الأربعين يوماً التى كان صائماً فيها ولم يأكل شيئاً... وجاع أخيراً (لوقا4: 2). وهذا ما يفعله الآن مع البشرية جمعاء؛ فهو يعظِّم الاحتياجات الجسدية ويغرس روح عدم الاكتفاء، واستطاع أن يُنسي الإنسان أن «من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 3). 4- الاستخدام الناقص والخاطئ لكلمة الله: هذا من أخطر الفخاخ التي يستخدمها إبليس لإيقاع الناس. قالت الحية لحواء: «لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» (تكوين3: 3،4). لقد حاول تركيز الانتباه «إلى معرفة الخير والشر» وإبعاد وحذف النتيجة الحتمية «موتًا تموت». وهذا ما استخدمه أيضًا مع الرب يسوع، فعندما رآه يركز على كلمة: «مكتوب»، استخدم جزءًا من كلمة الله، ولكن بطريقة مشوَّشة: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكة بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» (متى4: 6). وعندما نعود إلى هذه العبارة في مزمور 91: 9 11، نجد أنه حذف منها عبارات هامة: «لأنك قلتَ: أنت يا رب ملجإي. جعلتَ العليَّ مسكنك... لكي يحفظوك في كل طرقك»، كما استخدمها أيضًا في غير موضعها الصحيح. وكم استطاع إبليس إسقاط كثيرين لعدم معرفتهم وفهمهم الدقيق والصحيح لكلمة الله! 5- الاحتياجات النفسية: بعدما خلق الله الإنسان الأول وباركه ليثمر ويملأ الأرض ويُخضعها (تكوين1: 28)، ولكن العدو الماكر استطاع أن يغرس فيه صِغَر النفس وأقنعه بأن الحل هو أن يصير «كالله» (تكوين3: 5)، ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم فبعدما أراه جميع ممالك العالم ومجدها، قال له «أُعطيك هذه جميعها إن خررتَ وسجدتَ لي» (متى4: 8، 9). وللآن يحاول أن يجعل الإنسان يدور حول نفسه، محاولاً أن يجد قيمة أكبر لنفسه وأن يُعَظِّم نفسه فوق الآخرين، ونسي الإنسان القول: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟» (لوقا9: 25). ثانيًا: كيفية الانتصار على تجارب إبليس سقط الإنسان الأول لأنه لم ينتبه لحِيَل إبليس، ولم يتخذ الخطوات الصحيحة لمواجهته. ولكن شكرًا لله فلقد جاء الإنسان الثاني، الرب يسوع، من السماء، ليضع لنا الأُسس الصحيحة العملية للنصرة الكاملة. دعونا نتعلم منه: 1- الشركة المستمرة مع الله: لقد عاش سيدنا على الأرض في شركة مستمرة مع الآب السماوي، فقبل أن يبدأ خدمته الجهارية قضى أربعين يومًا في خلوة خاصة، وفي خدمته كان يبدأ يومه باكرًا جدًّا في موضع خلاء مُصليًا. 2- المعرفة الصحيحة بكلمة الله والتمسك بها: سقط الإنسان الأول لعدم تمسكه بكلمة الله، ولكن ما أمجد سيدنا، فهو كإنسان كامل لم يعرف فقط كلمة الله ويتمسك بها دائمًا بل انطبق عليه المكتوب: «شريعتك في وسط أحشائي» (مزمور40: 8)! 3- امتحان كل شيء في ضوء كلمة الله: خُدِع الإنسان الأول وسقط لأنه لم يمتحن ما سمعه من إبليس في ضوء كلمة الله، ولم يستشر الله فيما يفعل، أما سيدنا العظيم فكان لسان حاله دائمًا: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34). ليتنا نتعلم هذه الدروس الهامة ونطبِّقها عمليًّا فنحمي أنفسنا من خداع إبليس ومكره، وهكذا نعيش حياة النصرة المستمرة، وتتحقق خطة الله العظيمة في حياتنا! |
||||
25 - 06 - 2012, 06:03 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
تعالوا أنتم منفردين عندما خلق الله الإنسان نقرأ القول: «وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا» (تكوين1: 26)، ثم يأتي القول في أمثال8: 31: «لذاتي مع بني آدم». وهكذا يُعلن الله منذ البداية قيمة الإنسان كفرد بالنسبه له. وعلى مر الزمان نرى اهتمام الله الواضح بالإنسان كفرد، وكيف يتعامل مع كل واحد بمفرده بطريقة خاصة متلائمة مع شخصيته وظروفه. وفي حياة الرب يسوع على الأرض كان يهتم بالنفوس ليس فقط كمجموعات، بل ركَّز كثيرًا على أهمية التعامل الفردي المتميز مع نفوس كثيرة؛ فنجده يسير المسافات الطويلة ليتقابل مع أشخاص منفردين ليعالج وضعهم ويردهم إلى الطريق الصحيح. ودعونا نستعرض مفهوم العمل الفردي وأهميته متعلمين من سيدنا العظيم. أولاً: أهمية العمل الفردي 1- تقدير الرب للفرد في مثل الخروف الضال نقرأ: «ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟» (لوقا15). وهذا ما نراه واضحًا في حياة سيدنا عند ما كان هنا على الأرض؛ فمثلاً نراه يترك اليهودية ويمضي إلى الجليل وفي الطريق يجتاز السامرة ويأتي إلى مدينة سوخار ثم يجلس على البئر ليتقابل مع المرأة السامرية ويتكلم معها على انفراد (يوحنا4). 2- اختلاف الشخصيات البشرية لقد خلق الله الإنسان بطبيعة وشخصية متميزة مختلفة كل واحد عن الآخر، وبحق كتب المرنم قديمًا: «نَسَجْتَني في بطن أمي. أحمدك من أجل أني قد امتزتُ عجبًا» (مزمور139: 13، 14). وهناك أشخاص لا يمكن التواصل معهم بطريقة مؤثرة إلا على المستوى الفردي، وهذا ما نرى السيد العظيم يفعله؛ فنراه مثلاً يتقابل مع المرأة السامرية على انفراد بعد ما مضى تلاميذه إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا (يوحنا4: 11). كما نراه يجلس مع نيقوديموس ليلاً منفردين ليقوده إلى طريق الحياة الأبدية (يوحنا3). 3- اختلاف الظروف التى يعيش فيها الشخص كثير من الناس يعيشون في ظروف شخصية أو اجتماعية خاصة تضع أمامهم عوائق كثيرة لسماع الأخبار السارة في الاجتماعات العامة؛ لذا يتطلب الأمر الوصول إليهم حيث هم وعلى انفراد. وهذا ما نراه في مقابلات السيد العظيم مع نيقوديموس الفريسي، والمرأة السامرية، ومريض بيت حسدا (يوحنا5). ثانيًا: أهداف العمل الفردي لكي ينجح العمل الفردي يجب أن يضع الخادم أمامه أهدافًا محدودة واضحة تتناسب مع حالة ووضع كل شخص، وهذا ما نتعلمه من سيدنا الخادم العظيم: 1- تغير الحياة والحصول على الولادة الجديدة وهذا ما نراه في مقابلة الرب مع نيقوديموس الذي كان تركيز الرب معه في القول: «ينبغي أن تولدوا من فوق» (يوحنا3: 7). ثم المرأة السامرية حيث قال لها: «من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد» (يوحنا4: 14). 2- تصحيح مسار المؤمن كما حدث مع تلميذي عمواس، فبعد ما اقترب منهما الرب وسار معهما الطريق كله إلى عمواس، صحَّح أفكارهما فرجعا مباشرة إلى أورشليم (لوقا24: 13 35). كما نرى ذلك أيضًا في مقابلة الرب لبطرس عند بحر طبرية وهو يحاول أن يصطاد السمك مرة أخرى «وقال له: اتبعني» (يوحنا21: 1 19). 3- التشجيع وتصحيح الأفكار وهذا ما نراه بعد تقابل الرب مع مريم المجدلية عند القبر الفارغ بعد قيامته، فتحولت من باكية مضطربة إلى أول مبشرة كارزة بقيامته من الأموات (يوحنا20: 1 18). وأيضًا ما حدث عند ما ظهر الرب للتلاميذ بعد قيامته لكي يتقابل مع توما المتشكك حيث هتف بعدها قائلاً: «ربي وإلهي» (يوحنا20: 24 29). 4- نحو القامة الروحية وهذا واضح في تعامل الرب مع مريم أخت مرثا، ففي المرة الأولى «جلست مريم عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه» (لوقا10: 39)، وفي المرة الثانية «أخذت مريم مَنًا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها» (يوحنا12: 3). 5- إعداد المؤمن للخدمة وهذا واضح مما حدث مع أندراوس، فبعد ما مكث مع الرب على انفراد، مع تلميذ آخر، يومًا كاملاً، رجع إلى بيته وأخبر أخاه سمعان عن المسيح ثم جاء به إليه (يوحنا1: 35 42)، وأيضًا تكرّر هذا مع فيلبس الذي بعد ما تبع يسوع على انفراد ذهب وجاء بنثنائيل إلى يسوع (يوحنا1: 43 47). ثالثًا: الأسلوب الصحيح للعمل الفردي كثيرون يفشلون في العمل الفردي وبدلاً من أن يساعدوا الآخرين يكونون سببًا في تفشيلهم، لكن دعونا نتعلم من السيد الأساليب الصحيحة التي اتَّبعها في تعامله مع النفوس فاستطاع أن يربحها ويغير حياتها: 1- معرفة المدخل الصحيح للتواصل لكي ننجح في العمل الفردي علينا أن نفتش على المدخل الصحيح للتعامل مع الأشخاص ونتعلم من سيدنا الذي بدأ الحديث مع نثنائيل بالقول: «هوذا إسرائيلي حقًّا لا غش فيه» (يوحنا1: 47)، أما مع نيقوديموس بالقول: «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (يوحنا3: 3)، وأما المرأة السامرية فقال لها: «أعطيني لأشرب» (يوحنا4: 7). 2- معرفة حالة الشخص واحتياجه الرئيسي لكل شخص احتياج أساسي يشغله وعدم تسديده بالطريقة الصحيحة يتسبب في تعطيل مسيرة حياته وقد يُسقِطه في أخطاء كثيرة. لذلك علينا التركيز في معرفة حالة الشخص وما يشغله. فنيقوديموس كان فريسيًّا ملتزمًا بالشريعة اليهودية لكنه كان يفتقد التمتع بالعلاقة الصحيحة مع الله لذلك ركز الرب معه على ضرورة الولادة من فوق. أما السامرية فكانت تفتقد للشبع العاطفي في حياتها والتي حاولت أن تقتله بطرقها الخاطئة ولم تقدر، فكلمها السيد عن الماء الحي الذي مَن يشرب منه لن يعطش إلى الأبد بل يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية. 3- استخدام الأسلوب الصحيح الذي يتناسب مع الشخص هذا نجده واضحًا من أسلوب حديث الرب مع نيقوديموس الفريسي الذي يعرف كلمة الله في العهد القديم، فكلمه عن مفهوم الولادة من فوق، والحيَّة النحاسية. أما المرأة السامرية التي تبحث عن الشبع في مياه العالم التي لا يمكن أن تُشبِع فتكلم معها عن الماء الحي الذى يُعطي الارتواء الحقيقي. 4- التركيز على الاحتياج الرئيسي وليس الأمور الفرعية كثيرًا ما يفشل العمل الفردي لأننا ننسى الهدف الرئيسي ونؤخَذ بعيدًا بأسئلة أو نقاشات قد تكون هامة لكنها قد تُبعدنا عن الخط الرئيسي في الحديث. ليتنا نتعلم من سيدنا الذي عندما تكلم مع المرأة السامرية ركَّز على احتياجها الرئيسي ولم يقف عند تعليقاتها الفرعية البعيدة عن الجوهر الرئيسي لاحتياجها، وحتى عندما سألته عن السجود كان رده: «صدقينى أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب». 5– احترام أحاسيس الشخص ومشاعره عندما أتى الكتبة والفريسيون بالمرأة التى أُمسكت فى زنا ليرجموها، انحنى يسوع إلى الأرض وبعد ما خرجوا واحدًا فواحدًا انتصب يسوع وقال لها: «أين هم أولئك المشتكون عليكِ؟ أما دانك أحد؟... ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا». فلم يجرح مشاعرها أو يذكِّرها بماضيها الشرير بل أطلقها بسلام (يوحنا8: 1 11). وأيضًا عندما ظهر عند بحر طبرية بعد قيامته من الأموات أخذ بطرس جانبًا وتكلم معه لا عن الخطإ الذى ارتكبه في رجوعه لصيد السمك وجذب التلاميذ الآخرين معه بل تكلم معه عن محبته له ثم رعاية غنمه وخرافه (يوحنا21: 1 17). ليتنا نتعلم هذه الدروس العظيمة في العمل الفردي ولا يأخذنا العمل الجماعي عن تقديرنا لأهمية النفوس كأشخاص متميزين لهم تقديرهم وأهميتهم عند الله، فنتعامل معهم بالطريقة الصحيحة متذكرين القول: «قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يُطفئ حتى يُخرِج الحق إلى النصرة» (متى12: 20)! |
||||
25 - 06 - 2012, 06:03 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
تعالوا أنتم منفردين عندما خلق الله الإنسان نقرأ القول: «وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا» (تكوين1: 26)، ثم يأتي القول في أمثال8: 31: «لذاتي مع بني آدم». وهكذا يُعلن الله منذ البداية قيمة الإنسان كفرد بالنسبه له. وعلى مر الزمان نرى اهتمام الله الواضح بالإنسان كفرد، وكيف يتعامل مع كل واحد بمفرده بطريقة خاصة متلائمة مع شخصيته وظروفه. وفي حياة الرب يسوع على الأرض كان يهتم بالنفوس ليس فقط كمجموعات، بل ركَّز كثيرًا على أهمية التعامل الفردي المتميز مع نفوس كثيرة؛ فنجده يسير المسافات الطويلة ليتقابل مع أشخاص منفردين ليعالج وضعهم ويردهم إلى الطريق الصحيح. ودعونا نستعرض مفهوم العمل الفردي وأهميته متعلمين من سيدنا العظيم. أولاً: أهمية العمل الفردي 1- تقدير الرب للفرد في مثل الخروف الضال نقرأ: «ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟» (لوقا15). وهذا ما نراه واضحًا في حياة سيدنا عند ما كان هنا على الأرض؛ فمثلاً نراه يترك اليهودية ويمضي إلى الجليل وفي الطريق يجتاز السامرة ويأتي إلى مدينة سوخار ثم يجلس على البئر ليتقابل مع المرأة السامرية ويتكلم معها على انفراد (يوحنا4). 2- اختلاف الشخصيات البشرية لقد خلق الله الإنسان بطبيعة وشخصية متميزة مختلفة كل واحد عن الآخر، وبحق كتب المرنم قديمًا: «نَسَجْتَني في بطن أمي. أحمدك من أجل أني قد امتزتُ عجبًا» (مزمور139: 13، 14). وهناك أشخاص لا يمكن التواصل معهم بطريقة مؤثرة إلا على المستوى الفردي، وهذا ما نرى السيد العظيم يفعله؛ فنراه مثلاً يتقابل مع المرأة السامرية على انفراد بعد ما مضى تلاميذه إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا (يوحنا4: 11). كما نراه يجلس مع نيقوديموس ليلاً منفردين ليقوده إلى طريق الحياة الأبدية (يوحنا3). 3- اختلاف الظروف التى يعيش فيها الشخص كثير من الناس يعيشون في ظروف شخصية أو اجتماعية خاصة تضع أمامهم عوائق كثيرة لسماع الأخبار السارة في الاجتماعات العامة؛ لذا يتطلب الأمر الوصول إليهم حيث هم وعلى انفراد. وهذا ما نراه في مقابلات السيد العظيم مع نيقوديموس الفريسي، والمرأة السامرية، ومريض بيت حسدا (يوحنا5). ثانيًا: أهداف العمل الفردي لكي ينجح العمل الفردي يجب أن يضع الخادم أمامه أهدافًا محدودة واضحة تتناسب مع حالة ووضع كل شخص، وهذا ما نتعلمه من سيدنا الخادم العظيم: 1- تغير الحياة والحصول على الولادة الجديدة وهذا ما نراه في مقابلة الرب مع نيقوديموس الذي كان تركيز الرب معه في القول: «ينبغي أن تولدوا من فوق» (يوحنا3: 7). ثم المرأة السامرية حيث قال لها: «من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد» (يوحنا4: 14). 2- تصحيح مسار المؤمن كما حدث مع تلميذي عمواس، فبعد ما اقترب منهما الرب وسار معهما الطريق كله إلى عمواس، صحَّح أفكارهما فرجعا مباشرة إلى أورشليم (لوقا24: 13 35). كما نرى ذلك أيضًا في مقابلة الرب لبطرس عند بحر طبرية وهو يحاول أن يصطاد السمك مرة أخرى «وقال له: اتبعني» (يوحنا21: 1 19). 3- التشجيع وتصحيح الأفكار وهذا ما نراه بعد تقابل الرب مع مريم المجدلية عند القبر الفارغ بعد قيامته، فتحولت من باكية مضطربة إلى أول مبشرة كارزة بقيامته من الأموات (يوحنا20: 1 18). وأيضًا ما حدث عند ما ظهر الرب للتلاميذ بعد قيامته لكي يتقابل مع توما المتشكك حيث هتف بعدها قائلاً: «ربي وإلهي» (يوحنا20: 24 29). 4- نحو القامة الروحية وهذا واضح في تعامل الرب مع مريم أخت مرثا، ففي المرة الأولى «جلست مريم عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه» (لوقا10: 39)، وفي المرة الثانية «أخذت مريم مَنًا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها» (يوحنا12: 3). 5- إعداد المؤمن للخدمة وهذا واضح مما حدث مع أندراوس، فبعد ما مكث مع الرب على انفراد، مع تلميذ آخر، يومًا كاملاً، رجع إلى بيته وأخبر أخاه سمعان عن المسيح ثم جاء به إليه (يوحنا1: 35 42)، وأيضًا تكرّر هذا مع فيلبس الذي بعد ما تبع يسوع على انفراد ذهب وجاء بنثنائيل إلى يسوع (يوحنا1: 43 47). ثالثًا: الأسلوب الصحيح للعمل الفردي كثيرون يفشلون في العمل الفردي وبدلاً من أن يساعدوا الآخرين يكونون سببًا في تفشيلهم، لكن دعونا نتعلم من السيد الأساليب الصحيحة التي اتَّبعها في تعامله مع النفوس فاستطاع أن يربحها ويغير حياتها: 1- معرفة المدخل الصحيح للتواصل لكي ننجح في العمل الفردي علينا أن نفتش على المدخل الصحيح للتعامل مع الأشخاص ونتعلم من سيدنا الذي بدأ الحديث مع نثنائيل بالقول: «هوذا إسرائيلي حقًّا لا غش فيه» (يوحنا1: 47)، أما مع نيقوديموس بالقول: «إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله» (يوحنا3: 3)، وأما المرأة السامرية فقال لها: «أعطيني لأشرب» (يوحنا4: 7). 2- معرفة حالة الشخص واحتياجه الرئيسي لكل شخص احتياج أساسي يشغله وعدم تسديده بالطريقة الصحيحة يتسبب في تعطيل مسيرة حياته وقد يُسقِطه في أخطاء كثيرة. لذلك علينا التركيز في معرفة حالة الشخص وما يشغله. فنيقوديموس كان فريسيًّا ملتزمًا بالشريعة اليهودية لكنه كان يفتقد التمتع بالعلاقة الصحيحة مع الله لذلك ركز الرب معه على ضرورة الولادة من فوق. أما السامرية فكانت تفتقد للشبع العاطفي في حياتها والتي حاولت أن تقتله بطرقها الخاطئة ولم تقدر، فكلمها السيد عن الماء الحي الذي مَن يشرب منه لن يعطش إلى الأبد بل يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية. 3- استخدام الأسلوب الصحيح الذي يتناسب مع الشخص هذا نجده واضحًا من أسلوب حديث الرب مع نيقوديموس الفريسي الذي يعرف كلمة الله في العهد القديم، فكلمه عن مفهوم الولادة من فوق، والحيَّة النحاسية. أما المرأة السامرية التي تبحث عن الشبع في مياه العالم التي لا يمكن أن تُشبِع فتكلم معها عن الماء الحي الذى يُعطي الارتواء الحقيقي. 4- التركيز على الاحتياج الرئيسي وليس الأمور الفرعية كثيرًا ما يفشل العمل الفردي لأننا ننسى الهدف الرئيسي ونؤخَذ بعيدًا بأسئلة أو نقاشات قد تكون هامة لكنها قد تُبعدنا عن الخط الرئيسي في الحديث. ليتنا نتعلم من سيدنا الذي عندما تكلم مع المرأة السامرية ركَّز على احتياجها الرئيسي ولم يقف عند تعليقاتها الفرعية البعيدة عن الجوهر الرئيسي لاحتياجها، وحتى عندما سألته عن السجود كان رده: «صدقينى أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب». 5– احترام أحاسيس الشخص ومشاعره عندما أتى الكتبة والفريسيون بالمرأة التى أُمسكت فى زنا ليرجموها، انحنى يسوع إلى الأرض وبعد ما خرجوا واحدًا فواحدًا انتصب يسوع وقال لها: «أين هم أولئك المشتكون عليكِ؟ أما دانك أحد؟... ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا». فلم يجرح مشاعرها أو يذكِّرها بماضيها الشرير بل أطلقها بسلام (يوحنا8: 1 11). وأيضًا عندما ظهر عند بحر طبرية بعد قيامته من الأموات أخذ بطرس جانبًا وتكلم معه لا عن الخطإ الذى ارتكبه في رجوعه لصيد السمك وجذب التلاميذ الآخرين معه بل تكلم معه عن محبته له ثم رعاية غنمه وخرافه (يوحنا21: 1 17). ليتنا نتعلم هذه الدروس العظيمة في العمل الفردي ولا يأخذنا العمل الجماعي عن تقديرنا لأهمية النفوس كأشخاص متميزين لهم تقديرهم وأهميتهم عند الله، فنتعامل معهم بالطريقة الصحيحة متذكرين القول: «قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يُطفئ حتى يُخرِج الحق إلى النصرة» (متى12: 20)! |
||||
25 - 06 - 2012, 06:04 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
إن كان أحد يخدمني فليتبعني كثيرون هم الذين ينطلقون تحت شعار خدمة الرب، لكن قليلون هم الخدّام الحقيقيون الذين يخدمونه من قلب صادق وبحسب مشيئته ودعوته الإلهية. ولقد جاء سيدنا العظيم ليصنع لنا الصورة النموذجية الصحيحة للخادم الحقيقي الصحيح. لنتأمل قليلاً في حياة هذا الخادم العظيم، ثم نختبر أنفسنا لنعلم أين نحن، مُستمعين إلى دعوته الواضحة: «إن كان أحد يخدمني فليتبعني» (يوحنا12: 26). أولاً: دعوة الخدمة والهدف منها قيل عنه في النبوة «روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأُبَشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة» (لوقا4: 18، 19؛ إشعياء61: 1، 2؛ نظر أيضًا متى12: 18؛ إشعياء61: 1، 2). والآن ماذا عنَّا نحن؟ هل نحن واثقون أن الله هو الذي دعانا لهذه الخدمة التي نقوم بها؟ وهل نعرف ما هو الهدف الذي يريده الله منها؟ ثانيًا: حياة الخادم الشخصية 1- الوداعة والتواضع نقرأ عنه القول: «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مُدَخِّنة لا يُطفِئ» (متى12: 19، 20؛ إشعياء42: 2، 3)، وبحق قال لنا: «تعلموا مِنِّي لأني وديع ومتواضع القلب» (متى11: 39). عندما لم يقبله أهل قرية للسامريين قال له يعقوب ويوحنا: «يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم؟»، التفت إليهما وانتهرهما وقال: «لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُهلك أنفس الناس بل ليُخَلِّص» (لوقا9: 51-56؛ انظر 1بطرس2: 21، 23). دعونا نمتحن أنفسنا هنا ونتساءل: ما هي ردود أفعالنا ونحن في طريق خدمتنا عندما نتعرض إلى إساءة من الآخرين أو رفضهم لنا؟! 2- حياة الاكتفاء الزمني عندما جاء واحد قائلاً له: «يا سيد أتبعك أينما تمضي»، قال له: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يُسنِد رأسه» (لوقا9: 57، 58). ونقرأ أيضًا القول: «مضى كل واحد إلى بيته أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون» (يوحنا7: 53؛ 8: 1). ثم يكتب لنا بولس الرسول: «تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس8: 9). ماذا عنَّا نحن؟ هل نعيش حياة الاكتفاء الفعلي ونحن في طريق الخدمة؟ هل أمور العالم المادية لا تمثل شيئًا في حياتنا أو اهتماماتنا الفعلية؟! 3- الثبات على هدف الخدمة قال: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله»، وكذلك: «قد نزلتُ من السماء ليس لأعمل مَشيئتي بل مَشيئة الذي أرسلني»، وفي نهاية خدمته على الأرض نسمعه يقول للآب: «أنا مَجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا4: 34؛ 6: 38؛ 17: 4). هل ينطبق هذا علينا؟ هل نحن ثابتون في مسيرتنا لتنفيذ مشيئة الله في حياتنا وإتمام الخدمة التي أخذناها منه مهما قابلتنا المتاعب والآلام والمضايقات؟! 4- الشركة المستمرة مع الآب نقرأ عنه: «وفي الصبح باكرًا جدًّا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي» (مرقس1: 35)، ثم نقرأ أيضًا: «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة» (لوقا6: 13)، وفي بستان جثسيماني نراه «جثا على ركبتيه وصلَّى... وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة» (لوقا22: 39-46). ماذا عنَّا نحن؟ هل نقضي وقتًا كافيًا في شركة شخصية مع إلهنا؟ أم هل تأخذنا مشاغل الحياة والخدمة ولا نجد وقتًا نقضيه مع إلهنا؟! ثالثًا: أسلوب الخدمة 1- البذل والعطاء نسمعه يقول: «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى20: 28)، و«إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يوحنا12: 24)، وفي الليلة الأخيرة من حياته على الأرض وهو مع تلاميذه في العلية: «قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ مِنشفة واتَّزر بها ثم صَبَّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة» (يوحنا13: 4، 5). ماذا عنَّا نحن الذين نخدم؟ هل نعيش حياة البذل والتضحية لأجل الآخرين؟! نسمعه يقول لتلاميذه: «إني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعتُ أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا» (يوحنا13: 15؛ انظر متى11: 29)، وفي نهاية حياته على الأرض، عندما قبض عليه رؤساء الكهنة لكي يحاكموه، نقرأ القول: «كان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا» (مرقس14: 55). ليتنا نمتحن أنفسنا؛ نحن الذين نخدم، هل نحن قدوة صحيحة للذين نخدمهم؟ ماذا يقول الآخرون عنَّا؟ هل نقود الآخرين عمليًّا للحياة الصحيحة؟ أم نحن سبب عثرة في أوقات كثيرة؟! 3- كلام النعمة المصلح بملح نراه عندما تكلم مع المرأة السامرية ليضعها أمام حقيقية حياتها يقول: «حسنًا قلتِ... هذا قلتِ بالصدق» (يوحنا4: 17، 18)، وعندما أحضر الفريسيون المرأة الخاطئة ليرجموها وليجربوه قال لهم: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» ثم قال للمرأة: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا» (يوحنا8: 2-11). فماذا عن أسلوب كلامنا مع الآخرين؟ هل لدينا الاتزان الصحيح؟ أم نسقط في خطإ الاندفاع في الكلام، الأمر الذي قد يتسبب في هروب الآخرين مِنَّا ورفضهم لسماع ما نقول؟! 4- تقدير قيمة النفوس واحتياجاتهم نراه يمشي الساعات الطويلة، حتى تعب من السفر وجلس على البئر، ليتقابل مع امرأة خاطئة من السامرة (يوحنا4: 6؛ انظر 5: 1-9)، كما نراه يهتم باحتياجات الجموع الكثيرة التي طلبت أن تسمعه وتبعته ثلاثة أيام، فيقول للتلاميذ: «إني أشفق على الجمع لأن لهم ثلاثة أيام... لئلا يخوروا في الطريق» (متى15: 32-36)، كما نراه يأتي ليسير مع تلميذي عمواس المُحبَطين ليرد نفوسهم ويُرجعهم إلى الطريق الصحيح (لوقا24: 13-33). فماذا عنَّا نحن؟ هل نقود النفوس التي نتعامل معها مهما كانت حالتها الأدبية أو الروحية؟ هل نهتم باحتياجاتهم المختلفة ونعمل على تسديدها بالطريقة الصحيحة؟! هذا قليل من كثير. ليتنا نتعلم من هذا السيد العظيم؛ فنحقِّق مشيئة الله في خدمتنا، وعندها نشاركه القول الذي أَتَمَّ به حياته على الأرض: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4)! إميل رمزي |
||||
25 - 06 - 2012, 06:04 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
إن كان أحد يخدمني فليتبعني كثيرون هم الذين ينطلقون تحت شعار خدمة الرب، لكن قليلون هم الخدّام الحقيقيون الذين يخدمونه من قلب صادق وبحسب مشيئته ودعوته الإلهية. ولقد جاء سيدنا العظيم ليصنع لنا الصورة النموذجية الصحيحة للخادم الحقيقي الصحيح. لنتأمل قليلاً في حياة هذا الخادم العظيم، ثم نختبر أنفسنا لنعلم أين نحن، مُستمعين إلى دعوته الواضحة: «إن كان أحد يخدمني فليتبعني» (يوحنا12: 26). أولاً: دعوة الخدمة والهدف منها قيل عنه في النبوة «روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأُبَشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة» (لوقا4: 18، 19؛ إشعياء61: 1، 2؛ نظر أيضًا متى12: 18؛ إشعياء61: 1، 2). والآن ماذا عنَّا نحن؟ هل نحن واثقون أن الله هو الذي دعانا لهذه الخدمة التي نقوم بها؟ وهل نعرف ما هو الهدف الذي يريده الله منها؟ ثانيًا: حياة الخادم الشخصية 1- الوداعة والتواضع نقرأ عنه القول: «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مُدَخِّنة لا يُطفِئ» (متى12: 19، 20؛ إشعياء42: 2، 3)، وبحق قال لنا: «تعلموا مِنِّي لأني وديع ومتواضع القلب» (متى11: 39). عندما لم يقبله أهل قرية للسامريين قال له يعقوب ويوحنا: «يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم؟»، التفت إليهما وانتهرهما وقال: «لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُهلك أنفس الناس بل ليُخَلِّص» (لوقا9: 51-56؛ انظر 1بطرس2: 21، 23). دعونا نمتحن أنفسنا هنا ونتساءل: ما هي ردود أفعالنا ونحن في طريق خدمتنا عندما نتعرض إلى إساءة من الآخرين أو رفضهم لنا؟! 2- حياة الاكتفاء الزمني عندما جاء واحد قائلاً له: «يا سيد أتبعك أينما تمضي»، قال له: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يُسنِد رأسه» (لوقا9: 57، 58). ونقرأ أيضًا القول: «مضى كل واحد إلى بيته أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون» (يوحنا7: 53؛ 8: 1). ثم يكتب لنا بولس الرسول: «تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس8: 9). ماذا عنَّا نحن؟ هل نعيش حياة الاكتفاء الفعلي ونحن في طريق الخدمة؟ هل أمور العالم المادية لا تمثل شيئًا في حياتنا أو اهتماماتنا الفعلية؟! 3- الثبات على هدف الخدمة قال: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله»، وكذلك: «قد نزلتُ من السماء ليس لأعمل مَشيئتي بل مَشيئة الذي أرسلني»، وفي نهاية خدمته على الأرض نسمعه يقول للآب: «أنا مَجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا4: 34؛ 6: 38؛ 17: 4). هل ينطبق هذا علينا؟ هل نحن ثابتون في مسيرتنا لتنفيذ مشيئة الله في حياتنا وإتمام الخدمة التي أخذناها منه مهما قابلتنا المتاعب والآلام والمضايقات؟! 4- الشركة المستمرة مع الآب نقرأ عنه: «وفي الصبح باكرًا جدًّا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي» (مرقس1: 35)، ثم نقرأ أيضًا: «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة» (لوقا6: 13)، وفي بستان جثسيماني نراه «جثا على ركبتيه وصلَّى... وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة» (لوقا22: 39-46). ماذا عنَّا نحن؟ هل نقضي وقتًا كافيًا في شركة شخصية مع إلهنا؟ أم هل تأخذنا مشاغل الحياة والخدمة ولا نجد وقتًا نقضيه مع إلهنا؟! ثالثًا: أسلوب الخدمة 1- البذل والعطاء نسمعه يقول: «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى20: 28)، و«إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يوحنا12: 24)، وفي الليلة الأخيرة من حياته على الأرض وهو مع تلاميذه في العلية: «قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ مِنشفة واتَّزر بها ثم صَبَّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة» (يوحنا13: 4، 5). ماذا عنَّا نحن الذين نخدم؟ هل نعيش حياة البذل والتضحية لأجل الآخرين؟! نسمعه يقول لتلاميذه: «إني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعتُ أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا» (يوحنا13: 15؛ انظر متى11: 29)، وفي نهاية حياته على الأرض، عندما قبض عليه رؤساء الكهنة لكي يحاكموه، نقرأ القول: «كان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا» (مرقس14: 55). ليتنا نمتحن أنفسنا؛ نحن الذين نخدم، هل نحن قدوة صحيحة للذين نخدمهم؟ ماذا يقول الآخرون عنَّا؟ هل نقود الآخرين عمليًّا للحياة الصحيحة؟ أم نحن سبب عثرة في أوقات كثيرة؟! 3- كلام النعمة المصلح بملح نراه عندما تكلم مع المرأة السامرية ليضعها أمام حقيقية حياتها يقول: «حسنًا قلتِ... هذا قلتِ بالصدق» (يوحنا4: 17، 18)، وعندما أحضر الفريسيون المرأة الخاطئة ليرجموها وليجربوه قال لهم: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» ثم قال للمرأة: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا» (يوحنا8: 2-11). فماذا عن أسلوب كلامنا مع الآخرين؟ هل لدينا الاتزان الصحيح؟ أم نسقط في خطإ الاندفاع في الكلام، الأمر الذي قد يتسبب في هروب الآخرين مِنَّا ورفضهم لسماع ما نقول؟! 4- تقدير قيمة النفوس واحتياجاتهم نراه يمشي الساعات الطويلة، حتى تعب من السفر وجلس على البئر، ليتقابل مع امرأة خاطئة من السامرة (يوحنا4: 6؛ انظر 5: 1-9)، كما نراه يهتم باحتياجات الجموع الكثيرة التي طلبت أن تسمعه وتبعته ثلاثة أيام، فيقول للتلاميذ: «إني أشفق على الجمع لأن لهم ثلاثة أيام... لئلا يخوروا في الطريق» (متى15: 32-36)، كما نراه يأتي ليسير مع تلميذي عمواس المُحبَطين ليرد نفوسهم ويُرجعهم إلى الطريق الصحيح (لوقا24: 13-33). فماذا عنَّا نحن؟ هل نقود النفوس التي نتعامل معها مهما كانت حالتها الأدبية أو الروحية؟ هل نهتم باحتياجاتهم المختلفة ونعمل على تسديدها بالطريقة الصحيحة؟! هذا قليل من كثير. ليتنا نتعلم من هذا السيد العظيم؛ فنحقِّق مشيئة الله في خدمتنا، وعندها نشاركه القول الذي أَتَمَّ به حياته على الأرض: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4)! إميل رمزي |
||||
26 - 06 - 2012, 02:12 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
| غالى على قلب الفرح المسيحى |
|
رد: سلسلة ناظرين إلى.. يسوع
سلسلة جميلة اوى ربنا يبارك تعب محبتكم
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نحن ناظرين إلى... يسوع |
ناظرين إلى يسوع ممجداً |
ناظرين إلى يسوع مصلوباً |
ناظرين إلى يسوع |
ناظرين الى يسوع |