10- الراهب المتشكك:
أيضًا من الأمور التي جعلت مارتن قلقًا مضطربًا متشككًا مشكلة الاختيار. حتى أوشك الشك أن يقتله.. ما هو مصيره؟ هل سيخلص أم سيهلك؟.. يقول القس حنا جرجس:
"ومن المشاكل الأخرى التي سببت للوثر القلق والاضطراب، مشكلة الاختيار.. فكان يتساءل عمّن يضمن له انه واحد من المختارين؟ وهل الله هو الذي يختار الإنسان أم الإنسان هو الذي يختار الله؟ فإن كان الاختيار مبنيًا على الأعمال الصالحة والإماتات، فهل أعمالي الصالحة وإماتاتي كافية بأن تجعلني واحدًا من المختارين؟.. وإن كان الاختيار متوقفًا على قصد الله وحده، فهل أنا واحد من هؤلاء الذين سبق الله فعينهم للحياة الأبدية؟ وكيف يمكنني أن أعرف ذلك"(30).
ورغم أن يوحنا ستوبيز حاول إنقاذ مارتن من حالة الاضطراب والتشكك، فاستدعاه للتدريس في جامعة ارفورت سنة 1509م... إلا أن مشكلة مارتن الثائر ضد الله لم تُحلْ ولم يجد راحة لنفسه... وأيضًا زيارة مارتن لروما لم تمنحه السلام الداخلي... فعندما أُتيحت له الفرصة لزيارة روما في خريف 1510م. وضع في نفسه أن يعترف اعترافًا كاملًا شاملًا بخطاياه ويزور ذخائر القديسين لكي يحصل على غفران كامل لخطاياه:
"وسار لوثر إلى روما على قدميه زيادة في التعبد والتذلل.. وعندما وصل لوثر على أبواب روما، ركع على ركبتيه وهتف: إني أحييك يا روما يا مثلثة القداسة بدم الشهداء"(31)...
وفي روما وجد السلم المقدس المُكون من ثمانية وعشرين درجة، ويُقال أن السيد المسيح صعد عليه للمثول أمام بيلاطس، ويدّعي الكاثوليك أن الذي يصعد على ركبتيه ويُصلي على كل درجة الصلاة الربانية يخرج شخصًا من المطهر:
"قرر لوثر أن يصعد هذه السلالم لأجل إنقاذ جده من المطهر.. وفعلًا صعدها، وقيل انه بعد أن انتهى من الصعود هتف وقال: هل أنت سعيد الآن يا جَدّي بخروجك من المطهر؟ ولكن لوثر نفسه يروي هذه الواقعة فيما بعد بقوله: لقد أردت وأنا في روما أن أُخَلِص جدّي من المطهر وصعدت سلم بيلاطس، وكنت أتلو على كل درجة الصلاة الربانية، لكن عند وصولي إلى النهاية تساءلت في نفسي: ومن يعرف إذا كان هذا الأمر حقيقة أم لا "(32)..
أيضًا زار مارتن كنيسة القديس يوحنا، وكانوا يدّعون أن الكاهن الذي يصلي القداس مساء الأحد بهذه الكنيسة تخرج روح أُم هذا الكاهن من المطهر. فتأسَّى مارتن لأن أمه مازالت على قيد الحياة...
وبعد عودة مارتن من روما واصل تدريسه ودراسته حتى حصل على دكتوراه في العلوم اللاهوتية في 19 أكتوبر سنة 1512م، ولكن مشكلة مارتن الثائر ضد الله مازالت قائمة ولم تُحَلْ.. فكيف حلَّ مارتن مشكلته؟؟...
فكر مارتن في فكرة التبرير بالإيمان، ولا داعي لأعمال الإنسان، فيقول مارتن:
"وأخيرًا أشفق الله عليَّ، وعندئذٍ بدأت افهم أن عبارة "بر الله" تعني أن الإنسان الذي يؤمن يحيا بالبر الذي يمنحه له الله... كما هو مكتوب وأما البار فبالإيمان يحيا، وحالًا شعرت بأنني أولد من جديد وأن أبواب السماء قد فُتحَتْ على مِصْراعيها أمامي"(33).
"أخيرًا أشفق الله عليَّ وبدأت افهم أن عبارة (بر الله) تعني أن الإنسان الذي يؤمن -بمجرد إيمانه فقط- يحيا بالبر الذي يمنحه له الله هذا البر هو رحمة ونعمة من الله ننالها بالإيمان... وبقدر ما كنت أكره عبارة (بر الله) صرت أحبها.... وهكذا أصبح هذا النص بالنسبة لي باب السماء"(34).