كيف كانت تتم نساخة الأسفار المقدسة؟
ج:
أولًا: كان يقوم بعملية النسخ فئة الكتبة، وكانوا حتى القرن الثاني قبل الميلاد جميعهم من الكهنة، وبعد هذا بدأ يحل محلهم الكتبة من غير الكهنة، وقد قاموا في الفترة التي صمت فيها الوحي بتفسير الأسفار المقدَّسة، وأشار إليهم الرب يسوع على إنهم مُرسَلين من الله عندما قال "ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون وفي مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة" (مت 23: 34) وتعيّد كنيستنا القبطية باستشهاد العازر في عصر المكابيين مع زوجته سالومي وأولادهما السبعة، وكان العازر هذا يفسر الشريعة وهو ابن أحد الشيوخ الذين شاركوا في الترجمة السبعينية.
وكما أُطلق على النساخ أيضًا لقب " سُفِريم " وهي مشتقة من الفعل العبري "سُفِر " بمعنى يحسب، لأنهم اعتادوا أن يحسبوا حروف الأسفار المختلفة، وكان غالبًا ما يتم تسجيل إحصائية في نهاية كل سفر بعدد الحروف، وتحديد الحرف المتوسط والكلمة المتوسطة والآية المتوسطة حتى يمكن ضبط النسخ الجديدة، فإن اتفقت إحصائيتها مع هذه الإحصائية كانت مؤشرًا لصحة النسخة الجديدة، فمثلًا حدَّدوا الحرف الأوسط في كل سفر، وحدَّدوا الحرف الأوسط في أسفار موسى الخمسة بل أنهم أحصوا تكرار كل حرف في العهد القديم، فمثلًا حرف الألف في العبرية بلغ 42377، وحرف الباء بلغ 38218، وحرف الجيم 41517، وبعد قرون عديدة تسلَّم مسئولية النساخة طائفة المازوريين (500 - 900 م) وسميت النسخ التي قاموا بنسخها بالنسخ المازورية.
ثانيًا: من التعليمات التي كان يلتزم بها النسَّاخ ما يلي:
1-أن يكون الناسخ رجلًا حكيمًا يقدّر ما يكتبه.
2-يغسل الناسخ جسده بالماء جيدًا.
3-يلبس الملابس اليهودية، ويجهز قلبه بالأفكار الخشوعية.
4-يستخدم درجًا مجهزًا من جلد حيوان طاهر، وأن يكون الشخص الذي جهز هذا الدرج شخص يهودي.
5-يستخدم الناسخ حبرًا مصنوعًا من كربون الفحم وعسل النحل النقي، وكانوا يحصلون على الكربون من الهباب الناتج من اشتعال مصابيح الزيت أو من أسفل القدور.
6-قبل أن يبدأ الناسخ في كتابة صفحة يعد كل حرف في هذه الصفحة ويدونه في الهامش، وبعد أن ينتهي من كتابة الصفحة يحصي كل حرف فيها ويطابقه بمثيله من النسخة المنقول منها.
7-لا يعتمد الناسخ على ذهنه في كتابة ولو كلمة واحدة.
8-ينطق الناسخ الكلمات بصوت عال وهو يكتبها حتى يشغل حاستي النظر والسمع.
9-لو تكلم ملك مع الناسخ أثناء عمله لا يلتفت إليه.
10-عندما يرد اسم الجلالة " الله " يسجد قبل كتابة الاسم، ويكتبه بقلم خاص.
11-يترك الناسخ مسافة شعرة بين كل حرف وحرف، وتسعة حروف بين كل فقرتين، وثلاثة سطور بين كل سفرين.
12-كل عمود يكون عرضه بمقدار ثلاثون حرفًا، ويشمل ما بين 48 - 60 سطرًا.
13-يتولى مراجعة النسخة مجموعة تقوم بعملها بمنتهى الدقة، فلو وجدوا في النسخة أكثر من ثلاثة أخطاء مُصحَّحة تُعدم حرقًا بالنار.
ثالثاُ: لقد أودع الله أقواله لدى الشعب اليهودي المعروف بتمسكه الشديد ومحافظته على أقوال الله، فورد في كتاب التلمود أن المجمع الكبير وضع ثلاث وصايا مقدسة وإحدى هذه الوصايا " كن حصنًا منيعًا للتوراة " (22) وقال سمعان العادل أحد خلفاء المجمع الكبير " إن العالم قائم على ثلاثة أعمدة هي التوراة والعبادة والعمل الصالح " (23) وكان معلم الشريعة يوصي النساخ الشباب قائلًا: "احرصوا أشد الحرص في عملكم الذي تعملونه، فهو عمل السماء لئلا تُسقِطوا حرفًا، أو تضيعوا حرفًا من نسختكم فتتسببوا في هلاك العالم " (24).
وقال الفيلسوف باسكال " أنه لا يوجد إخلاص بين كل الأمم نظير الإخلاص الذي عند اليهود في المحافظة على الأسفار الإلهية. هذا الإخلاص نفسه ليس أصله من الطبيعة بل مصدر فائق الطبيعة " (25).
وقال فيلو اليهودي السكندري " إن اليهودي يفضل أن يموت عشرة آلاف مرة عن أن يسمح لكلمة واحدة أن تتبدل في التوراة " (26).
وكما تمسك اليهود بالعهد القديم تمسك المسيحيون أيضًا بالعهد القديم والجديد، فيقول أوريجانوس " أتمسك بأن كل حرف عجيب مكتوب في أقوال الله له مفاعيله.لا يوجد حرف يوضه واحد أو نقطة مكتوبة في الكتاب عند أولئك الذين يعرفون كيف يستخدمون قوة الكتاب لا تصنع عملها المناسب. لا شيء مكتوبًا يكون خاليًا من المعني"